الإمام القاسم بن محمد بن علي

 

نسبه الشريف:

هو الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين بن علي بن يحيى بن محمد بن الإمام يوسف الأصغر الملقب الأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف بن المنصور بالله يحيى بن الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الحافظ ابن نجم آل الرسول الإمام القاسم بن إبراهيم الغمر طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الشبه بن الحسن الرضا بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين الإمام علي سلام الله عليهم أجمعين.

نسب أضوأ من الضياء وأعذب من شرب الماء على الظمأ.

 

مولده ونشأته:

ولد عليه السلام ليلة الإثنين في الثاني عشر من شهر صفر سنة 967ه‍ بالشاهل من بلاد الشرف، وكان والده يسكن جهات بني مديخة من بلاد الشرف الأسفل، وكان يعمل بعسكر المطهر بن شرف الدين، وخاض معه حروباً كثيرة ضد الباشا سنان، عايش الإمام القاسم هذه الحروب ورأى في أبيه المجاهد الشجاع الذي وقف يقاتل للدفاع عن المذهب والعقيدة والأرض اليمنية مثالاً يحتذى.

ولما بلغ الإمام سن العاشرة قرأ القرآن الكريم، وكان فيه فطنة وفصاحة، وقد أخذ العلم عن كبار العلماء في شتى أنواع العلوم، واتصل بالإمام الحسن بن علي بن داود وظل ملازماً له حتى نفي الأخير إلى الاستانة، ومن أشياخه أيضاً السيد أمير الدين عبد الله بن نهشل بن المطهر، والسيد الحسن بن شرف الدين، والسيد عز الدين بن علي بن عبد الله وغيرهم.

ووسط ذلك الجو العلمي والروحي والجهادي نشأ معروفاً بالطهارة وقوة القلب والشجاعة، وقيل عنه: إنه لم يروعه شيء مما يروع الصبيان، وكان حريصاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

اختياره للنهوض بواجب الدعوة:

قال عنه المولى مجد الدين المؤيدي في التحف: (قام بعد إياسه من خروج الإمام الناصر الحسن بن علي، ولقد جدّد الله بعلمه، وطهر الأرض من الردى، ونشر فيها الإيمان والهدى).

نتيجة للفتن والاضطرابات التي كانت تعيشها اليمن آنذاك، ونظراً للمؤهلات الفذة التي تمتع بها الإمام القاسم، فقد وقع اختيار العلماء والأعيان من أهل الحل والعقد عليه للقيام بواجب قيادة الأمة وتحمل المسئولية، ينقل لنا الجرموزي صاحب سيرته قول الإمام: (كانت الإمامة ما تعرض في فكري لما أرى من شرارة الخلق وقوة سلطان الترك على الأرض).

وبعد إلحاح الكثير من العلماء نهض الإمام القاسم بالأمر، فأخذ ينتقل من مكان إلى آخر من بلاد الشرف، ثم دخل صنعاء متخفياً يقرأ القرآن ويدعو الأعوان، وكان العثمانيون قد شعروا بخطورته قبل ظهور إمامته فأخذوا يجتهدون في التجسس عليه ومطاردته، وبذل الأموال الكثيرة في سبيل ذلك.

وكان أول ظهور دعوته من (جبل حديد) قارة، سنة 1006ه‍.

وقد اعتمد الإمام على الأسلوب الإعلامي والتوعية للجماهير من خلال الخطابات والرسائل المطولة والكتب الكثيرة التي كان يرسلها للأفراد والجماعات، وكانت تحمل المبادئ التي يدعو إليها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة دين الله في أرضه وتطهيرها من الفساد ومما يخالف شرع الله.

 

جهاده:

بعد انطلاق دعوته من جبال قارة شمالي بلاد الشرف أجابه أعيان تلك الجهات حتى اجتمع عنده نحو أربعمائة نفر، وكان الوالي من قبل الأتراك في بلاد الشرف الأمير حسين بن ناصر، فتقدم نائبه لحرب الإمام، فهزمه أصحاب الإمام، ثم شاع خبره عند الوالي التركي الباشا حسن، فوجه إليه عبد الله بن المعافا في عساكر كثيرة وأتبعه بعساكر عامل (حديد)، فأمر الإمام القاسم أتباعه بالكف عن محاصرة وشحة، والاجتماع به في (حديد) قارة، فاجتمعوا هناك وبينما هم في اجتماعهم إذ وصلتهم جنود الأتراك، ووقعت حروب أسفرت عن إصابة بعض أصحاب الإمام بجروح، وتوغل داخل بعض الأودية، وواصل الغارة من فوره على ناحية عذر، وكانت سنة إمامته الأولى هي سنة الفتوحات، فدخل جنده الحيمة وشظب وحصن السودة وغيره.

لقد كانت لشخصيته الفذة وسيرته الحسنة في الناس أثرها في تحقيق الانتصارات ضد الأتراك، وكانت انتصارات الإمام موضع الدهشة للجميع حتى قيل: (إنه كان من العجائب أن أصحابه إذا توجهوا على حصن فتحوه في أقرب مدة).

 

النهضة الفكرية والعلمية في عهده:

الجانب العلمي: كانت المساجد والجوامع هي المدارس التي يذهب إليها طلبة العلم حيث يتلقون فيها العلوم الدينية مثل قراءة القرآن والحديث والتفسير والفقه والفرائض، وكان الإمام القاسم نفسه يقوم بالتدريس في جامع شهارة، وكان ذلك الحال بالنسبة لأبنائه يقومون بمهمة التدريس إلى جانب مهام الحكم.

لم يقتصر دور الإمام القاسم عليه السلام على الجانب السياسي والعسكري الذي تفوق فيه على الخصوم الأكثر عدداً وعدة لا سيما الأتراك، بل إن نهوضه بذلك الأمر لم يكن لولا نبوغه في العلم وتحصيل الاجتهاد كشرط لقبول الدور الجهادي والسياسي مما جعله في الصدارة من علماء ذلك الزمان المؤهلين للنهوض بالرسالة الجهادية والفكرية لليمن آنذاك.

 

من شعره:

ومن قصيدة له عليه السلام يحث فيها على اتباع أهل البيت :

ياذا المريد لنفسه تثبيتا .... ولدينه عند الإله ثبوتا

اسلك طريقة آل أحمد واسألن .... سفن النجا إن تسألوا ياقوتا

لا تعدلن بآل أحمد غيرهم .... وهل الحصاة تشاكل الياقوتا

الله أوجب ودهم في وحيه .... والرجس أذهب عنهم إن شئتا

وأئمة الأخيار تروي فضلهم .... فابحث تجده مجملاً وشتيتا

ما إن تلم بمسندٍ أو مرسلٍ .... إلاَّ وجدت لهم هناك نعوتا

إلى آخرها.

 

وله عليه السلام القصيدة المسماة باستفتاح الفرج (المنفرجة) وهي مائة بيت  منها الأبيات التالية:

يا ملجئاً للخائف المحتارا .... يا من يغيث مشرداً قد طارا

يا حي يا قيوم يا غوث الذي .... يشكو إليك من الذي قد جارا

يا من يجير بفضله مستضعفاً .... مستصرخاً متضرعاً لك جارا

يا من يجير ولا يجار عليه في .... سلطانه يا قاصماً جبارا

يا من هو الله الشديد محاله .... يا قادراً يا غالباً قهارا

يا من تنزه أن يراه بناظرٍ .... يا من يحيط ويدرك الأبصارا

يا أولاً يا آخراً يا ظاهراً .... يا باطناً يا عالماً أسرارا

يا واحداً يا دائماً يا باقياً .... يا من أبان عجائباً وأثارا

يا نافخ الأرواح في أشباحها .... ومقدراً لبقائها مقدارا

إلى آخرها. وله الكثير من القصائد.

 

مؤلفاته:

1- الإجازات في تصحيح الأسانيد والروايات لعلوم آل محمد عليه السلام.

2- الإرشاد إلى سبيل الرشاد في طريق أعمال العباد عند فقد الاجتهاد.

3- الأساس لعقائد الأكياس. وهو من أشهر كتبه وأهمها وله شروح كثيرة.

4- الاعتصام بحبل الله المتين القاضي بإجماع المتقين ...(فقه وحديث).

5- التحذير للعباد من معاونة أهل البغي والفساد.

6- تحف ذوي الألباب في علم الإعراب -مخطوط-.

7- تفسير القرآن -مخطوط-، وهو تفسير موجز لآيات الأحكام وصل فيه إلى بعض سورة المائدة.

8- الجواب المختار على مسائل القاضي عبد الجبار.

9- جواب السؤالات الصنعانية عن الاختلافات العقائدية.

10- حتف أنف الآفك في الرد على أهل العقائد الزائفة.

11- الدرر في معرفة الله تعالى.

12- مرقاة الوصول إلى علم الأصول.

13- طرفة الراغب في الإعراب عن مقدمة ابن الحاجب.

14- المتجر الرابح في جوابه على مسائل الحاج صالح.

15- المقنع في علم أصول الدين المطلع على مذهب العلماء المتكلمين.

16- الوصية السنية الدرية الزكية، وصيته لولده المؤيد بالله محمد بن القاسم.

وله الكثير من المؤلفات والرسائل  

 

وفاته:

وبعد جهاد وكفاح واجتهاد وتأليف وتدريس وإفتاء، توفي عليه السلام في 12 ربيع الأول سنة 1029ه‍ بمدينة شهارة التي اتخذها مستقراً لحكمه.

وقد رثي -رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء- بمراثٍ عديدة.

 

 

الترجمة مختصرة من مقدمة مجموع الإمام القاسم بن محمد