الإمام القاسم بن إبراهيم عليه السلام
نسبه:
هو: أبو محمد القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن
الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وأمه: هند بنت عبد الملك بن سهل بن مسلم بن عبد الرحمن بن عمرو بن
سهيل بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن خَسِل بن عامر بن لؤي
صفته:
كان
عليه السلام تام الخلق، أبيض اللون، كثَّ اللحية، وكانت لحيته كالقطنة لشدة
البياض.
وحكى
الناصر للحق الحسن بن علي رضي اللّه عنه عن عبد اللّه بن الحسن (يعني الإيوازي
الكلاري) أنَّه قال: أبو محمد القاسم بن إبراهيم رضي اللّه عنه لم يكن يحلق شاربه،
وأنه كان مثل شارب إبنه إسماعيل بن عبد اللّه ـ قال: وأشار إليه وهو بين يديه.
علمه:
كان نجم آل الرسول صلى اللّه عليه وعلى آله، المبرز في أصناف العلوم
وبَثِّها ونشرها وإذاعتها، تصنيفاً وإجابة عن المسائل الورادة عليه، والمتقدم في
الزهد والخشونة ولزوم العبادة.
ومن أحب أن يعرف تقدمه في علم الكلام فلينظر في: (كتاب الدليل) الذي
ينصر فيه التوحيد، ويحكي مذاهب الفلاسفة، ويتكلم عليهم، ويتكلم في التراكيب
والهيئة، وفي : (كتاب الرد على ابن المقفع) ونقضه كلامه في الانتصار لما فيه من
التثنية، وفي الكتاب الذي حكى فيه (مناظرته للملحد بأرض مصر)، وفي (كتاب الرد على
المجبرة)، وفي (كتاب تأويل العرش والكرسي) على المشبهة، وفي (كتاب الناسخ
والمنسوخ)، وفي كلامه في (فصول الإمامة) والرد على مخالفي الزيدية، وفي (كتاب الرد
على النصارى).
قال الإمام أبو طالب:حدثني أبو العباس الحسني رحمه اللّه قال سمعت
أبا بكر محمد بن إبراهيم المقانعي، يذكر عن أبي القاسم عبد اللّه بن أحمد بن
محمود، عن مشائخه أن جعفر بن حرب دخل على القاسم بن إبراهيم عليه السلام فجاراه في
دقائق الكلام، فلما خرج من عنده قال لأصحابه: أين كنا عن هذا الرجل، فواللّه ما
رأيت مثله؟!
ومن أحب أن يعلم براعته في الفقه ودقة نظره في طرق الاجتهاد، وحسن
غوصه في انتزاع الفروع، وترتيب الأخبار، ومعرفته باختلاف العلماء، فلينظر في
أجوبته عن المسائل التي سُئل عنها، نحو: (مسائل جعفر بن محمد النيروسي، وعبد اللّه
بن الحسن الكَلاَّري) التي رواها الناصر للحق الحسن بن علي رضي اللّه عنه، وكان
سمعها منهما، وفي (كتاب الطهارة) وفي (كتاب صلاة اليوم والليلة) وفي (مسائل علي بن
جهشيار)، وهو جامع (الأجزاء المجموعة في تفسير قوارع القرآن) عنه عليه السلام، وفي
(كتاب الفرائض والسنن) الذي يرويه إبنه محمد عنه، وليتأمل عقودَ المسائل التي
عقدها فيه، وفي (كتاب المناسك).
زهده:
وحكى الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام عن أبيه أن المأمون
كلف بعض العلوية أن يتوسط بينه وبين القاسم عليه السلام، ويصل ما بينهما على أن
يبذل له مالاً عظيماً، فخاطبه في أن يبدأه بكتاب أو يجيب عن كتابه، فقال عليه
السلام: لا يراني اللّه تعالى أفعل ذلك أبدا!!
وحمل الحروري ـ واللقب نسبة إلى حي من جذام ـ إلى القاسم سبعة أبغل
عليها دنانير فردها، فلامه أهله على ذلك فقال:
تقول التي أنا رِدْءٌ لها .... وقاءَ الحوادثِ دُوْنَ الردا
ألست ترى المال منْهَلةً .... مخارمُ أفواهها باللُّهى
فقلت لها وهي لَوَّامة .... وَفي عيشها لو صَحَتْ ما كفى
كفافَ امرءٍ قانع قوتُه .... ومن يرض بالعيش نال الغنى
فإني وما رمتِ في نيله .... وقبلك حبُ الغنى ما ازْدَهَا
كذي الداء هاجت له شهوةٌ .... فخاف عواقبها فاحتمى
ممن أخذ عنه العلم:
ومن الذين أخذوا العلم عنه الفضلاء النجباء، كأولاده: محمد، والحسن،
والحسين، وسليمان، وكمحمد بن منصور المرادي، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن
علي عم يحيى بن عمر الخارج بالكوفة، ويحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد اللّه العقيقي
صاحب (كتاب الأنساب) ، ومنهم: عبد اللّه بن يحيى القومسي العلوي الذي أكثر
الناصر للحق الحسن بن علي الرواية عنه، ومنهم: محمد بن موسى الحواري العابد قد روى
عنه فقها كثيرا، وعلي بن جهشيار، وأبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن الحسن بن سلاَّم
الكوفي صاحب فقه كثير ورواية غزيرة.
قيامه بالإمامة وبيعته:
استشهد أخوه محمد بن إبراهيم وهو بمصر، فلما عَرَفَ ذلك دعا إلى نفسه
وبَثَّ الدعاة وهو على حال الاستتار، فأجابه عَالَم من النَّاس من بلدان مختلفة، وجاءته
بيعة أهل مكة، والمدينة، والكوفة، وأهل الري، وقزوين، وطبرستان، والديلم، وكاتبه
أهل العدل من البصرة، والأهواز، وحثوه على الظهور وإظهار الدعوة، فأقام عليه
السلام بمصر نحو عشر سنين.
واشتد الطلب له هناك من عبد اللّه بن طاهر، فلم يمكنه المقام، فعاد
إلى بلاد الحجاز وتهامة، وخرج جماعة من دعاته من بني عمه وغيرهم إلى بلخ،
والطالقان، والجوزجان، ومَرْوِرُوذ فبايعه كثير من أهلها، وسألوه أن ينفذ إليهم
بولده ليظهروا الدعوة.
فانتشر خبره قبل التمكن من ذلك، فتوجهت الجيوش في طلبه نحو اليمن،
فاستنام إلى حيّ من البدو واستخفى فيه.
وأراد الخروج بالمدينة في وقت من الأوقات، فأشار عليه أصحابه بأن لا
يفعل ذلك، وقالوا: المدينة والحجاز تسرع إليهما العساكر ولا يتمكن فيها من السير.
ولم يزل على هذه الطريقة مثابراً على الدعوة صابراً على التغرب
والتردد في النواحي والبلدان، متحملا للشدة، مجتهداً في إظهار دين اللّه.
ولما اجتمع أمره وقَرُبَ خروجه بعد وفاة المأمون وتولي محمد بن هارون
الملقب بالمعتصم، تشدد محمد هذا في طلبه وأنفذ الملقب: ببغا الكبير وأشناش في
عساكر كثيرة كثيفة في تتبع أثره، وأحوج إلى الانفراد عن أصحابه وانتقض أمر ظهوره.
وكان قد ورد الكوفة في بعض الأوقات، واجتمع معه هناك في دار محمد بن
منصور: أحمد بن عيسى بن زيد فقيه آل رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وعابدهم،
وعبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن الفاضل الزاهد، والحسن بن يحيى
بن الحسين بن زيد، وكانت فضيلة السبق إلى منابذة الظالمين والامتناع من بيعتهم
وترك متابعتهم والانقياد لهم إنتهت إلى هؤلاء من جملة أعيان العترة، فاختاروا
القاسم عليه السلام للإمامة وقدموه على أنفسهم، وقالوا له: أنت أحقنا بهذا الأمر
لفضل علمك، وبايعوه، وذلك في سنة عشرين ومائتين.
من شعره:
ومن فحول أشعاره ما أنشده الإمام القاسم بن إبراهيم لنفسه:
ونَى
الْتَّهجير والدَّلَجُ .... وأَقْصَر في المُنَى لَحِجُ
وطافَ
بِحَالِكي وَضَحٌ .... عليه من البِلى نَهَجُ
فقلت
لنفسِ مكتئبٍ .... عَلاَهُ من الردى ثَبَجُ
قَطِي
ما دمتِ في مهلٍ .... فإن الحبل مُنْدَمجُ
ولا
تَسْتَوْقِرِي شُبهاً .... فوجه الحق مُنْبَلِجُ
وزور
القول مُمَّحِقٌ .... إذا طافت به الحُجَجُ
فَهَبْكِ
رتَعْتِ في مَهَلٍ .... أليس وراءكِ اللججُ
وعاذلةٍ
تُؤرِّقُنِي .... وجنحُ الليلِ مُعْتَلِجُ
فقلتُ
رُوَيدَ عاتبةً .... لكل مهمةٍ فَرَجُ
أسَرَّكِ
أن أكون رتَعْـ .... ـتُ حيث المال والبَهَج
وأني
بِتُّ يَصْهَرُنِي .... لِحَرِّ فِرَاقه وَهَجُ
فَأُسْلَبُ
ما كَلِفْتُ به .... ويبقى الوزرُ والحَرَجُ
ذريني
حِلْفَ قاضيةٍ .... تَضَايقُ بي وتَنْفَرِجُ
ولا
ترمِيَن بي غَرَضاً .... تطاير دونهُ المُهَجُ
إذا
أكدى جنى وطنٍ .... فلي في الأرضِ مُنْفَرَجُ
ومن
شعره في مرثية أخيه محمد بن إبراهيم عليهما السلام:
صَرَمَ
الكرى وصلَ الجفونِ .... وشجاك فقدانُ الخدينِ
مما
يَهِيجُ لك الأسى .... خلجاتُ صرفِ نوى شَطُون
بَعَثَت
سواكبَ عَبْرةٍ .... غَرِقَتْ لها مُقَلُ العيونِ
وأخٍ
يجير على الحَوَا .... دِثِ أعْتَرِيْه ويعتريني
خَتَر
الزمانُ بعهده .... وسَطَت عليه يدُ المنون
فنعى
إليَّ مصابُه .... نفسي وغيَّض من شُؤُني
عَلَقَ
المنون تصرمي .... آنت مفارقة المنون
عِفْتُ
المنى وطويت عن .... عَلَق المنُىَ كشحا فبيني
ما
فاز بالخفض امرؤٌ .... جعل المنى أدنى قرين
لهفان
يُتْبِع نفسَه الـ .... آ مال حينا بعد حين
غمر
الرجاءُ فؤادَهُ .... ودهته أنْجِيَةُ الظنون
يسموا
إلى كذبِ المنى .... ويَعُوُذ بالعهد الخؤنِ
لم
يقض من حاجاته .... وطراً ولم يَمْهَد لدينِ
نَصْبا
لكل مُهِمَّة .... حَمَّال أعباء الحزينً
لله
دَرُّ عصابة .... باعوا التَّظَنُّن باليقين
فسمت
بهم همم العُلا .... عن صفقة الحظ الغَبِين
فَتَأثَّلوا
عِزَّ التقى .... وذخيرَة الفَضْلِ المبين
وكان
الناصر للحق الحسن بن علي عليه السلام يقول: لو جاز أن يقرأ شيء من الشعر في
الصلاة لكان شعر القاسم عليه السلام.
وفاته:
إنتقل
إلى الرَّس في آخر أيامه، وهي: أرض إشتراها عليه السلام وراء جبل أسود بالقرب من
ذي الحليفة وبنى هناك لنفسه ولولده، وتوفي بها ـ وقد حصل له ثواب المجاهدين من
الأئمة السابقين ـ سنة ست وأربعين ومائتين، وله سبع وسبعون سنة، ودفن فيها ومشهده
معروف يزوره من يريد زيارته فيخرج من المدينة إليه.
الترجمة
مختصرة من مقدمة المجموع