http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة الكتاب : كتاب فيه مسائل عن القاسم بن إبراهيم(ع) المؤلف : المحقق : الناشر : (مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية) كتاب فيه مسائل عن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأخيار: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم، قال محمد بن القاسم رحمة الله عليه: سألت أبي القاسم بن إبراهيم عليه السلام، عن من نام ساجداً في صلاة نافلة قائماً أو راكعاً أو ساجدا أو قاعداً في نافلة أو فريضة، فقال: من نام في صلاته نوماً كثيراً أو قليلاً أو خفيفاً أو ثقيلا يلتبس بعقله ويوقن به عاد لوضوئه وصلاته. وسألته: عمن صلى أمام القبلة بصلاة الإمام، فقال: من فعل ذلك فليس في شيء من صلاة الإمام إنما يكون إماماً لمن يؤمه بالاستقدام وأن يكون إن كان واحداً قائماً على اليمين لا على اليسار. وذكر أن الوليد بن يزيد قدم المدينة وهو ولي العهد بعد هشام فصلى في داره وصلى أهل المدينة في المسجد بصلاته، فأنكر الناس ذلك من فعله وكان الوليد يجعل على دار مروان خصيا يكبر بتكبيره الناس، وذكر أن عبدالعزيز بن مروان كان يصلي بأهل الاسكندرية على ظهر المسجد ويصلي الناس أسفل في المسجد بصلاته فأنكر ذلك عليه بعض العلماء، وفسرا، قد خلت من قبلكم سنن، يريد أن ذلك. وسمعته رحمة الله عليه يقول: لا بأس أن يتيمم الذي لا يجد المآء، ثم يأخذ المصحف أو يقرأ حزبه من القرآن، لأن الله جعل التيمم لمن لم يجد الماء طهورا في الصلوات وهن من الفرائض الواجبات. وسألته: عن قول الله سبحانه: الذين هم على صلاتهم دائمون، فقال: دائمون، هو متعاهدون مدائمون لا يصلون بعضًا ويتركون بعضًا، وقد قدم الله ذلك فرضاً وجعل الصلاة كتاباً موقوتا عددا وسجودا وقياما وقعودا فمن لم يداوم على ذلك كله ويصنع كل شيء من ذلك موضعه فليس على صلاته بدائم ولا بفرض فيها بقائم. (1/1) ________________________________________ وسألته: هل يتوضأ للصلاة في شيء من المساجد، فقال: لا يتوضأ في شيء منها في تور ولا طست ولا غيرهما، ولقد بلغني أن القاسم بن محمد بن أبي بكر رأى رجلا تمضمض، ثم مج في المسجد فنهاه عن ذلك، فقال: إنه يفعل فيه ما هو أشد من هذا النخامةُ وغيرها، فقال القاسم: هذا ما لا يجوز. وبلغني أن هشام بن عبدالملك بن مروان دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليصلي فيه فذكر أنه على غير وضوء فأتي بتور فيه ماء وطست فتوضى في المسجد فأنكر الناس ذلك يومئذ وعظموه. وسألته: عمن يترك الأعمال يوم الجمعة وفيها من الرجال والنساء تعظيماٍ لها قال لقد بلغني أن بعض الصحابة كان يكره ذلك لما فيه من التشبه باليهود في ترك الأعمال يوم السبت، ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب عاتب رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيضا عن التعجيل للجمعة عاتب رجلا من فقال أهذه الساعة فقال الرجل: كنت في السوق، وهذا خلاف ترك الأعمال فيها تعظيما لها. وسألته: رحمة الله عليه: هل تصلي نافلة أربعا معاً لا تسلم في الثنتين منها. فقال: صلاة الليل والنهار مثنى مثنا إلا الوتر، وتأخير الوتر لمن نوى القيام إلى آخر الليل أفضل من تعجيله ومن لم ينو القيام عجله وكان ذلك خيرصا له. وسألته رحمة الله عليه: عن الرجل يكون في العمل فيستمر فيه، ثم يصلي كذلك، فقال: لا بأس بذلك إن شاء الله، وسمعته رضي الله عنه يقول لا بأس بالدعاء في السجود. وسألته: رضي الله عنه عن العبد والخصي يؤمان الناس في الصلاة، فقال: لا بأس بذلك إذا ثبت لهما اسم الإيمان وحكمه، وسمعته رحمة الله عليه يقول كان الميسر فيما بلغني وفيما يذكر في الجاهلية أربعة أشياء فإثنان منها على وجه التأله والعبادة، وهما الأنصاب والأزلام واثنان من الباطل وهما الخمر والقمار فالخمر والميسر اليوم في الإسلام أكثر من أن يحصى منه اللعب بالحمام، وكذلك كل ما ماثله في المقامرة من الأمثال. (1/2) ________________________________________ وقد بلغني أن أهل الجاهلية يتراهنون ليلة البدر أيهما يسبق الشمسُ أو القمر قال: وكانوا يتبايعون الجزور بالمائة درهم ثم يجزؤنها أجزاء ويتساهمون على تلك الأجزاء فأيهم ما خرج سهمه أولاً أخذ أفضل الأجزاء فظلا، ثم الذي يليه كذلك وأخذ أخرهم شر تلك الأخر أو القسوم، وكان عليه ثمن تلك الجزور. قال: والأزلام ثلاثة قداح في أحدها أن إفعل وفي الأخر لا تفعل والمغفل لا القدح الثالث ليس فيه وإن خرج الذي فيه أن إفعل فعل وإن خرج أن لا تفعل لم يفعل وإن خرج الغفل أعاد....الخ فضرب. وسألته: عمن يصلي وحده بين الصفوف، فقال: بئس ما صنع وصلة الصفوف أفضل وليس يجب عليه إعادة صلاته وإن فعل، وقال رحمة الله عليه: ومن خرج مسافرا من أهله حتى يستتر عنه بيوت قريته، ثم أقام لانتظار أصحابه وبعض حاجته أنه يقصر صلاته في مقامه قصر المسافر في سفره. وسألته: عن السجود على كور العمامة، فقال: لا بأس به إذا سجد على بعض جبهته. وسألته: هل يجوز للرجل يصلى ومعه جِلْدُ فَأْرِةِ مِسْكٍ، فقال: لا إلا أن تكون ذكية غير ميتة لأنها دآبة تحيا وتموت، وهي شبيهة بالثعلب، وقد كانت منها دابة لمحمد القاسم وقعت عندنا وصارت إلينا، ثم ماتت بعد مقام طويل وأخذ منها مسك كثير غير قليل. وسألته: عن ثوب يصيب ناحية منه بول أيغسل الثوب كله أم يغسل الناحية التي أصابها البول منه، فقال: إن علمت الناحية وعرفت غسلت وحدها واكتفى بذلك، وإن لم تعرف الناحية غسل الثوب كله بالماء. وسألته: عمن يصلي ويعد بأصابعه الآيات في صلاته، فقال: لا بأس بذلك إن شاء الله، وسألته: هل ينقش في الخواتيم شيء من القرآن، فقال: القرآن خير ما نقش فيها وفي غيرها ولا بأس بنقش القرآن فيها، وقد كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه (محمد رسول الله)، وهذا من القرآن وقال في مسح الأذنين يمسح ظاهرهما وباطنهما. (1/3) ________________________________________ وسألته: عن تخليل اللحية بالماء، فقال: تخلل اللحية وتغسل مع الوجه غسلا ويفرغ عليها الماء كما يفرغ عليه إفراغا. وسألته: هل على النساء تكبير أيام التشريق بعد الصلاة?، فقال: عليهن التكبير كما على الرجال. وسألته: عمن قرأ سجدة من القرآن فسجد هل يكبر حين يسجد وحين يرفع؟ فقال: يفعل وذلك أفضل لما فيه من ذكر الله وما يفعل من غيره في الصلاة كلها لله. وسألته: عن الصلاة في السراويل والرداء فقال: لا بأس إن شاء الله. وسمعته رضي الله عنه يقول: لا بأس بالصلاة في الإزار والعمامة. وسألته: عن الرجل يكتب العلم وفيه ذكر الله والرسالة هل يكتب في ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم وهو جنب ? فقال: لا يكتب شيئا من القرآن، وبسم الله الرحمن الرحيم لاشك من القرآن زائدة. وسألته: عن الصلاة تحت السقايف في المسجد الحرام? فقال: التقدم إلى البيت والدنو منه أفضل، إلا أن يخشى الشمس إن ظهر لها عينا أو لها ضررا. وسألته: عن من صلى والناس يطوفون حول البيت فيمرون عليه بين يديه؟ فقال: لا بأس عليه في ذلك. وسألته: عن غسل الجمعة أواجب هو، فقال: غسل الجمعة من السنة ومن الأمر بالمعروف، وليس وجوبه وجوب الفرائض. وسألته: عن من نسي التشهد مع إمام يؤمه، فقال: يتشهد إذا سلم الإمام ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم. وسألته: عن مسافر شغل في جهازه لسفره حتى خرج، وقد صليت العصر من قريته وتوارت عنه بيوت أهله وقريته، فقال: يصلي العصر ركعتين. وسألته: عن من يحول خاتمة في أصابعه ليحصص به صلاته، وطوافه بالبيت ? فقال: لا بأس بذلك وهو من المحافظة عليهما وحسن العناية بهما إن شاء الله. وسألته: عن من الصق قرطاسا بدواء على صدغية لصداع بجده ينزعه عند الوضوء ؟ فقال: إن كان يخاف أن يضره فليمز عليه الماء وإن كان شيئا لا يخاف ضره فليترعه وكذلك الجراح والكسر. (1/4) ________________________________________ وسألته عن الرجل يصلي بعد الوتر فقال: لا بأس بذلك إن بداله. وسألته: عن التكبير أيام التشريق في المجالس، فقال: الكبير وذكر الله حسن في كل مكان، وعلى كل حال والتكبير لازم في أيام التشريق خلف الطواف. وسألته: رحمة الله عليه عمن كان في طريق فيه اللصوص والخوف هل يجوز أن يخفف صلاته فقال رب تخفيف، لا ينقص الصلاة فذلك جائز له ورب تخفيف ينقصها فما كان من ذلك فلا يجوز له أن يفعل. وسألته: عن من تمضمض فأدخل أصبعه في فيه يدلك بها أسنانه أيعيد أصبعه تلك في ما يتوضى من الماء، قال: لا بأس بذلك. وسألته: رحمة الله عليه عن القراءة بالألحان للقرآن? فقال: أما لحن طرب أو عبث فلا يقرى به ولكن يقرئ بالحنين والأحزان، وقد ذكر أن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن صلى الله عليه يا موسى إذا قمت بين يدي فقم مقام العبد الذليل، وإذا قرأت التوراة فأقرأها بصوت حزين. وسألته: عن أجرة المعلمين للغلمان على ما يتعلمون منهم من القرآن، فقال: كل من أدركنا من آل محمد صلى الله عليه وعلى آله ومن فقهاء المدينة فكلهم لا يرى به بأسا. وسألته: رحمة الله عليه هل تجهر النساء بالتكبير في أيام التشرين? فقال: لا يجهرن ولا يرفعن أصواتهن ويكون تكبيرهن قدر ما يسمعن أنفسهن. وسألته: عن المرأة يطول بها الدم كم تترك الصلاة فقال: تترك الصلاة قدر أيام أقرائها التي عرفتها، ثم تغتسل وتوضى لكل صلاة إن شاء الله تصليها. وسألته: هل يستنجي أحد وفي شماله خاتم فيه ذكر الله? فقال: ترك ذلك أفضل وأحب إلى ألا يفعل قلت فيتحرك المتوضئ خاتمة عند الوضوء ليصل الماء إلى ما تحته، فقال: يحركه أبلغ في طهارته. وسألت: أبي رحمة الله عليه: عن من يحك جسده ويدخل يده نحو صدره وهو في الصلاة? فقال: يسكن الأطراف كلها أمثل، وإن حكه شيء أو آذاه نحاه. (1/5) ________________________________________ وسألته: عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه هل زوج ابنته عمر بن الخطاب، فقال: خبر من الأخبار قد ذكر ولا يُدرى ما حقيقته. وسألته: عن ولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فريضة من الله كالفرائض، فقال: موالاة علي بن أبي طالب أكبر الفرائض واجبة من الله ورسوله على كل مسلم. وسألته: عن قول الله كان الناس أمة واحدة? فقال: لا تكون أمة واحدة وفيهم نبي أو وصي. وسألته: عن العقل في الإنسان أطبع هو أم مستفاد? فقال: هو الحفظ والفكر وأصل العقل فطرة وخلقة. وسألته: من كان أول الناس إسلاما مع النبي صلى الله عليه فقال علي بن أبي طالب: وكان رسول الله صلى الله عليه أدبه وكان في حجره وهو السابق إلى الله والمقرب. وسألته: عن وصي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كان وعن تراثه، فقال: كان علي بن أبي طالب وصيه في مهماته وعهوده، وأما الميراث، فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله توفي وكل ما يملك من الدنيا فقد فرقه على أمته. وذكر أن رسول الله صلى الله عليه أعطاء فاطمة صلوات الله عليها فدكا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه إلا سلاحه فأخذه علي بن أبي طالب. وسألته: عن الحديث الذي روي أن من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وكيف يعرف، فقال: بنعوته وصفاته. وسألته عن الإيمان، فقال: الإيمان من الأمان، والإيمان فهو السلامة من كبائر العصيان التي أوجب الله عليها لأهلها النار فمن استكمل ذلك فقد استكمل الإيمان. وسألته: عن الإسلام فقال: هو الإستسلام بما أمر الله به من الإسلام. (1/6) ________________________________________ وسألته: عن القدر فقال: الخير والإحسان من الله لا يستنكر وما كان من خلاف ما أمر الله به فهو من أهله والله يرئ منه، وما كان من حسن مأمور به فهو من الله، وما كان من معصية أو شتم لله فالله برئ منه لأنه يذمه ويعينُه ولا يصلح أن يكون من الله مذموماً عنده فهذا إن شاء الله يكفي ولا يستنكر ذلك ولا يجحده أحد أنصف أوتكلم بما يعرف وأما سوى ذلك فلا يراد الخوض فيه ولا الشغل به. وسألته: عن الإستطاعة ? فقال: أي ذلك فقال به قائل إذا أثبت أن الله لم يكلف العباد إلا ما يستطيعون فهو مقبول، وقوله صحيح معقول. وسألته: عن إمامة أمير المؤمنين أكان من الرسول إليه وصية أم قال: أنت الإمام بعدي أم كيف? فقال: دلالة من الرسول صلى الله عليه وإشارة عليه كانت منه إليه كافية مغنية. وسألته: عن الاختلاف الذي بين أهل البيت ? فقال: يؤخذ من ذلك بما أجمعوا عليه ولم يختلفوا فيه، وأما ما اختلفوا فيه فما وافق الكتاب والسنة المعروفة فقول من قال به فهو المقبول والمعقول. وسألته: عن إطلاق الرأي عن الضرورة ? فقال: ليس لأحد أن يقول برأيه إلا ما أشبه الكتاب والسنة المعروفة وإلا أمسك فلم يقل. وسألته: عن من قعد عن علي رضوان الله عليه في حربه? فقال: من قعد عن علي في حربه فهو ضال، وسألته: عن إنفاق المُزْبِقِ والمُكَحِّلْ? فقال: التحرز من ذلك والتورع أفضل وإن أجازه الناس بينهم. وسألته: عن جمع صلاتين في السفر والحضر، فقال: لا بأس به، وسألته: عن المرأة تموت من أحق بميراثها ? فقال: قرابتها وذووا محرمها أولى الناس بها. وسألته: عن الإستثناء في الطلاق، وما أشبه ذلك? فقال: الإستثناء جائز في كل يمين، وسألته: عن من أصبح جنبا في شهر رمضان وهو يمكنه الغسل قبل طلوع الفجر هل عليه شيء? فقال: لا بأس به وأحب إلينا أن يغتسل. (1/7) ________________________________________ وسألته: عن من حلف بالمشيء إلى بيت الله وليس عنده ما يبلغه ولا يحمله? فقال: لا شيء عليه لا يكلف الله أحداً إلا ما أطاق. وسألته: عن رجل محتاج يتكفكف باليسير ويرد ما يتفضل به الناس عليه الأخذ منهم أفضل أم الرد، فقال: إن رد فلا بأس وإن أخذ فلا بأس إذا احتاج. وسألته عن قول النبي صلى الله عليه: ؛إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به كتاب الله وعترتي أهل بيتي « من العترة ? فقال: العترة هم الولد. وسألته: عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر? فقال: الأمر بالمعروف ما كانت لله فيه طاعة والنهي عن المنكر كل ما كانت لله فيه معصية. وسألته: عن مرأة هلكت وتركت عبدا مدبرا ما ترى فيه وتركت أمتين اعتقت من ذلك ثلثهما? فقال: إن كان ثلثهما يحتمل عتق المدبر أعتق وإن لم يكن يحتمل فلا يعتق، وقال في المعتق من الأمتين: أيضا إذا احتمل ثلثها ما أعتقت منها عتق ما أعتقت ونفذ كلما له أوصت من بعد أن يخرج الدين الذي عليها إن كانت عليها ديون، فإن الدَّين يخرج من قبل الثلث ومن قبل كل وصية. وسألته عن قول الله: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك، فقال: خبر من الله من القدرة والإقتدار على كل شيء وليس هو خبر أن الله يخرج من النار بعد دخولها أحدا، ولو خرج منها خارج بعد دخولها لم يكن فيها مخلدا، وقد قال الله في غير مكان: خالدين فيها وما هم بمخرجين. (1/8) ________________________________________ وسألته: عن قول الله تعالى: {ونفس وما سواها} فألهمها فجورها وتقواها، فقال: ونفس وما سواها، يقول سبحانه وما أقدرها وما هاهنا من تسوية التقدير وحكمة التدبير الذي لا يكون إلا بالله ولا يوجد إلا من الله، وقد قال بعض المفسرين: وما سواها: هو ومن سواها، فألهمها هو عرفها تعريفا بينا ليس مما يلتبس بكفره، منعمة ولا يعايا بشيء من المعرفة من فجورها وتقواها إذا عرفها هيبتها وأجتراها لأن الهيبة اتقاءٌ والفجور اجتراءٌ فهي تعرف من الأشياء كلها ما يجتري عليه من الفجور وما تهاب وتخشا من جميع الأمور، فهي على ما لا تهاب مجتريه ولما هابت متقية فهي ملهمة لتقواها وفجورها لمعرفة ما تهابه وتجترئ عليه من أمورها. وسألته: أيضا عن قول الله سبحانه: والسموات مطويات بيمينه، فقال: إنما يريد سبحانه قدرته عليهن ونفاذ أمره وقضائه وحكمه جل ثناؤه فيهن لأن كل ما كان من الأشياء مطويا في يمينك فأنت عليه أقدر منك على غيره من جميع شأنك ومن كان في يديه شيء مطوي كان على حفظه كله قويا، ولا يتوهم أنهن مطويات في يمينه كطي الثياب إلا عميٌّ جهول لعَّاب وما في ذلك لو كان كذلك من الإكتاب ومن القوة والإقتدار. وأما قبضته وإحاطته وقدرته، فذلك أنه يقال لمن كان محيطا بشيء وقادرا عليه إذا سئل عنه من يعرفه هل له قدرة فيه ? قال: نعم والله ما هو إلا قبضته وفي يده وليس يريد بذلك إذا قال قبضة الكف والله لا شريك له متعال عن أن يوصف من أوصاف الإنسان بوصف. وسألته: عن قول الله سبحانه: وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له، والإنابة إليه هي الرجوع بطاعته عليه وإسلامهم له هو سلوكهم سبيله فلم ينب إليه سبحانه من تولى عنه ولم يسلم له جل ثناؤه من تبرأ منه، فالإنابة إليه هي الاعتصام والإسلام له هو الاستسلام ولم يعتصم به قط من آثر غيره ولم يُسلم له من خالف أمره. (1/9) ________________________________________ وسألته عن قول الله سبحانه قتل الإنسان ما أكفره فهو لعن الإنسان ما أقل شكره وكذلك كل من كفر بآيات الله ولم يصر فيما أمر به إلى مرضات الله فمن كان كذلك أو عمل بذلك فهو الكافر غير الشاكر لما أولي ووهب له من النعم فأعطي في مبتدأ خلقه حين أنشيء من نطفة من ماء مهين، فحفظ من الرحم في مستقره، فأتم تقديره وحسن تصويره ثم يسر للسبيل الذي هو مخرجه من بطن أمه بعد كماله في لحمه وعظمه. وسألته: عن قول الله سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك، فتأويل ذلك أن الله قادر على ما شاء من مغفرة أو تعذيب لمن خلق وأنشا، وليس ذلك خبرا من الأخبار أنه غير معذب لمن وعده بالنار لأنه جل ثناؤه لو لم يعذب من وعده بالعذاب من أهل الكبائر لكان في ذلك خلف وإكذاب لما وعد به في ذلك من الميعاد، وفيما ذكر سبحانه من وفاء ميعاده ووعده في ذلك، ما يقول سبحانه في كتابه: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ليس من قوله سبحانه: لا يغفر، وبين يعذب فرق لأن من لا يغفر له فقد عذبه ومن عذبه فلم يغفر له. وسألته: عن مقاليد السموات والأرض، فالمقاليد هي المفاتيح ومفاتيح الغيب فهي المقاليد، وسألته عن قول الله سبحانه: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فالمصيبة في الأرض فهو ما يكون في الأرض عامة والمصيبة في الأنفس فهو ما يكون في الأنفس خاصة، والكتاب فهو علم الله بذلك كله، وما أحاط بالأرض والأرض يقينا من علمه، فكل ذلك كما قال الله: لا شريك له لا يؤده منه علم ما علم، وقوله: من قبل أن نبرأها فهو من قبل أن يخلق الأنفس وأنشائها. (1/10) ________________________________________ وسألته: عن قوله تعالى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه وطائره فهو ما يلحقه وما يلزمه من خيره وشره، فكله مكتوب محفوظ عليه إذا لقي الله وصار إليه كما قال الله سبحانه: يخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشور ا، إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. وسألته: عن قوله يوم ندعوا كل أناس بإمامهم، فإمامهم هو ما كتب عليهم، ولهم من سالف أعمالهم فمن أوتي كتابه بيمينه فهو عن يمينه، وتأويل من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، فهو إن من كان في الدنيا ضالا فهو في الآخرة أضل ضلالا أنه ليس بعد البعث ضلال ولا هدى فمن ضل في الآخرة، أو اهتدى فهو مهتدى أو ضال أبدا. وسألته: عن قول الله سبحانه: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا فالإسلام هو الاستسلام والذلة والإذعان يعني الإجابة والطاعة والإيمان فهو سر وإعلان فسره في القلوب الباطنة وعلانيته في الأعمال الظاهرة، ألا تسمع كيف يقول سبحانه، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم. وسألته: عن قوله الله سبحانه: وتلك الأيام نداولها بين الناس، والأيام أيام الدول فهي بين الناس، كما قال الله عقب وما فيها من أحسان أو إسارة فأعمال لمن عملها من العمال يثاب المحسن فيها على حسنته ويعاقب المسيء فيها بسيئته. وسألته: عن قوله: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما فالقوام من النفقة بين السرف والإقتار، وهو السيرة التي رضيها الله في النفقة للأبرار. (1/11) ________________________________________ وسألته: عن حديث الثقلين، وهو حديث صحيح مذكور كبير في أيدي الرواة مشهور ومن تمسك كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهما فلن يضل أبدا لما جعل الله فيهما ومعهما من النور والهدى، وكتاب الله تبارك وتعالى كما قال رسول الله ص فهو أحدهما، وفيه الشفاء والبرهان والنور وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم وسلم كلهم مجمعون، فمنهم من عدل أبدا بمن الله لا يجور فمن تمسك بالمتقين منهم لم يضل ولم يجز عن الحق ولم يمل وكيف يضل متبع من يعدل في إتباعه على عدله وهو فيه كمثله. وحديث سفينة نوح من ذلك، وهي النجاة بها كذلك ومثل أهل بيت النبي ص كلهم، وفيما ذكر من التمسك بهم كمثلها في نجاة من نجا، وفيما ذكر من الضلالة والهدى. وأما المسح على الخفين: فإن أهل البيت مجمعون أنه فاسد لا يجوز، وأما المسح على القدمين فليس فيه إلا ما يقول أصحاب الإمامية عن من يقولون به عنه، ولم ندرك أحدا من آل الرسول إلا وهو يفعل بخلاف ما قالوا به فيغسل ولا يمسح. وسألته: عن السموات والأرض كيف الأرض والسماء بعضها فوق بعض، وكذلك ما سألت عنه من الأرض فأعلا السموات آخرها وأول السموات أولها، وكذلك أول الأرض أعلاها وأخرها أسفلها، وسألت أبي رضوان الله عليه عن قول الله عزوجل ثناؤه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما?. فقال: تأويل ذلك إن شاء الله أنهم يبعثون يوم القيامة حين يجمعون، ويحشرون على صورهم التي فارقوا الدنيا عليها، وهيأتهم فعلى ما فارقوا الحياة عليه من ضلالهم وعماهم فمن فارق دنياه وهو أعما في بصره بعث كذلك عند حشره، وكذلك يبعث الأبكم وهو الأخرس اللسان، وكذلك الأصم من صمم الأذن فكل يبعث ويحشر على ما كان عليه في دنياه من الأحوال. (1/12) ________________________________________ وكذلك يبعثون على ما كانوا عليه في الدنيا من الهدى والضلال، وليس تأويل على وجوههم إن شاء الله ما يذهب إليه أهل الجهالات من تبديل الله في يوم القيامة للخلق والهيئات التي كانوا عليها في الدنيا بدءاً وكيف يتوهمون صما وبكما وعميا، والله يقول سبحانه في ذلك اليوم ولا يسأل حميم حميما، يبصرونهم: هو يرونهم، وكيف يتوهمون صما بكما خرسا وهم يقولون: يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة وكيف يتوهمون ذلك، ذلك وهم يقولون في يوم الحساب ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالح فكفى بما بيانا الله من هذا ومثله بيانا لقوم يعقلون على أن الأمر في ذلك ليس كما يتوهم الجهلة ولا كما يظنون، وقرآنا فرقناه، تأويله فرقناه قطعا وفرقنا وجعلنا مفرقا لتقرأه على الناس على مكث، وهو على مهل وبمكث. وتأويل نزلناه: فهو قليلا قليلا كذلك يذكر، والله أعلم أن جبريل صلى الله عليه كان يعلم رسول الله صلى الله عليه ما علمه من القرآن خمس آيات خمس آيات لما أراد الله إن شاء الله بذلك لفؤاده من الثبات كما قال الله سبحانه: كذلك لنثبت به فؤادك، ورتلناه ترتيلا: تأويله ونزلناه تنزيلا والتنزيل هو الإبانة والتفصيل، ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون،فقال: يقول أختبرنا وعذبنا لأن الفتنة اختبار ومحنة وتعذيب وعقوبة. وقوله سبحانه: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة، فقال: خبر عن رضاء الله عمن بايع تحت الشجرة إنما هو لقد رضي الله عمن آمن بالله. ألا ترى كيف يقول رب العالمين: لقد رضي الله عن المؤمنين فذكر أن رضاه تبارك اسمه إنما هو عمن آمن ممن تايعه وشايعه في البيعة وطاوعه. وقوله: ثم ليقضوا تفثهم، فقال: التفث لغوا لسعت وسعته وامتناعه مما يمتنع منه المحرم من الطيب وغيره وما يلزمه ما كان محرما في إحرامه حتى يطوف بالبيت العتيق كما أمره الله بالطواف. بسم الله الرحمن الرحيم (1/13) ________________________________________ عن القاسم بن إبراهيم عليه السلام أحسن الله رشك وتوفيقك وقوم لقصد الحق طريقك وبلغك صالح الأمل برحمته وأتم عليك وفيك ما وهب من نعمته قد فهمت استَمَعَ اللهُ بك ما وصفت وتعرفت من مذاهبك لما تعرفت فقرب الله قربك ووصل بحقه سببك فبمثلك بمن الله يتوصل إلينا فكيف تطلب لنفسك الإذن علينا. سألت سددنا الله وإياك للرشد والاهتداء عن المخادعة من الله والمكر والاستهزاء، فأما المخادعة وفقك الله فليس يجوز القول بها على الله ولا ينسب شيء منها كلها إلى الله ولا تحتملها في الله الألباب، ولم ينزل بها من كتب الله كتاب لأن المخادعة إنما هي حيل من المحتال فيما يخادع به من كذب في فعل أو مقال ولعجز المخادع عن كثير مما يريد كاد فيه بالمخادعة من يكيد، والله جل ثناؤه متعال عن كل مخادعة واحتيال لا يجوز شيء من ذلك عليه. ولا يصح القول بشيء منه فيه. وأما الخدع من الله لمن خادع الله والاختداع فليس في القول به على الله جل جلاله عيب ولا شناع، وفيه ما يقول الله سبحانه: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم، ولم يقل جل ثناؤه: وهو مخادعهم. وأما مكر الله واستهزاؤه فهو استدراج الله واملاؤه، ومكر من كفر بالله ربه فإنما احتياله على الذين يكذبونه في وحيه فاستهزاء من كفر بالحق والمحقين فيشبهه كذبا في القول والفعل بالمتقين، فمتى قيل أبدا للمبطلين خادعوا ومكروا فإنما يراد به فيهم كذبوا وكفروا وأظهروا خلاف ما أبطنوا وأسروا. (1/14) ________________________________________ ومتى قيل لهم: استهزؤا وسخروا فإنما يراد به فيهم تلعبوا وبطروا في ذلك ما يقول الله سبحانه لرسوله ص، وإن جنحوا للسلم فاحتج لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم. وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم: لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم، يقول سبحانه: وإن يريدوا أن يخدعوك فيمكروا بالكذب فيما أعطوك فيعطوك، المسالمة كذبا ويكذبوك بالمخادعة لعلها تلعباًفحسبك في ذلك بتأييد الله ونصره، وبما ألف من قلوب المؤمنين على دينه وأمره. وإذا كان استهزاؤهم ومكرهم إنما هو إخفاؤهم ما يخفون وسترهم من أمرهم لما يسرون وأمور الله استروأ بطن وأخفا عنهم وأكن، وذلك فقد يكون مكرا من الله بهم واستهزا واختداعاً من الله لهم صاغرين وأجزا وبذلك كان الله خادعا لمن خادعه لا مخادعا ولا مخدوعا وكان قلب من خادعه سبحانه من العلم بمكر الله به مقفلا مطبوعا ليس فيه لله حذار، ولا عن منكره ازدجار حتى يدها من الله أخذ الله دواهيه ولا يوقن أن شيئا منها يأتيه كما قال سبحانه: ومكروا مكرا والله خير الماكرين. وقال جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون، وانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين. وسألت يرحمك الله عن قوله: وإذا خلوا إلى شياطينهم من شياطينهم فإنهم الكبرا والرؤساء منهم وخلوا المبطلين إليهم هو كونهم معهم وفيهم. وسألت يرحمك الله عن يعلمون الناس السحر، وعن السحر والسحر أمر لا يكون ولا يواتي أهله إلا بعظيم من الكفر والأئمة فيه والمعلمون له فهم الشياطين الكفرة الظالمون، ولذلك يقول منهم من علمه من يريد أن يتعلمه لا تكفر ليكفر إذا كفرنا بإقدام وتصميم بعد النهي بالتوقيف والإبانة للكفر والسحر والتعريف فكفر أهله بعد المعرفة بالتصميم ككفر إبليس فيما صمم من الكفر بالسحر. (1/15) ________________________________________ وقوله: وما أنزل على الملكين ببابل، وقد يكون نفيا لا أن يكون السحر أنزل عليهما وأكذبا لمن نسب السحر من اليهود إليهما، وما أنزل على الملكين فقد يكون في النفي للسحر عنهما في البيان كقوله سبحانه في النفي: وما كفر سليمان، وهاروت وماروت، فقد يقال: إسمان نبطان معروف ذلك فيما يستنبط من اللسان لأن ما روت القرية في لسان النبط هو القرية وواليها وواليها وماروت القرية فيما يرى هو مستخرجها وجانبها، ولو كان من يعلم السحر لكان من المليكة إذا من قد كفروا. ولما صح قوله سبحانه فيهم: بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون، وقوله سبحانه: لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملئكة المقربون وقربتهم هي منزلتهم عند الله في الزلفا والمكان وبرأتهم كلهم عند الله من العصيان، ولو كان منهم صلى الله عليهم من عصى بكفر أو غيره لذكره الله بعصيانه، كما ذكر إبليس في تنزيله أما تراه كيف نحاه لمعصيته عنهم، ولم يجعله إذ عصى منهم فقال فيهم: فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني، وذريته فإنما هم أمثاله وقبيله. وفي إبليس وقبيله ما يقول الله سبحانه في تنزيله إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم. وسألت عمن يسكن في الهواء بين الملائكة والإنس والجن، والإنس فهما كما قال الله: الثقلان فالملائكة صلوات الله عليهم سماويون والإنس كلهم جميعا أرضيون والجن بين السماء والأرض هوائيون. (1/16) ________________________________________ وسألت عن أية القصاص هل يقتل فيها الحر بالعبد وهل تجب الدية في شيء من العمد، وقد فصل الله فيما سألت عنه في ذلك من أمره بقوله: وعند ذكره (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) فجلعهم في القصاص أصنافا مختلفة شتا وعلى ما ذكر الله من اختلافهم وشتاتهم اختلفوا باجتماع في دياتهم فدية العبد على قدر قيمته، والمرأة مخالفة للرجل في ديته، وهذا كله مجتمع عليه لا أعلم أحدا يقول بخلاف فيه، واختلافهم رحمك الله في الديات دليل على اختلافهم في القود والجراحات. وما اختلف من ذلك فيه فليس بواحد والخلاف فبين بين الحر والعبد ولا يحكم في المختلف بالاستواء من لا علم له بالحكم في الأشياء، ولا قود ولا قصاص بين حر وعبد وليس أمرهما في كثير من الدين بواحد حد العبد في الزنا وغيره ليس يجده، والسيد في أكثر أموره، فليس كعبده، وكذلك المرأة في كثير أمورها فليست كالرجل ولو كانت كهو لما كان له عليها من الفضل ما ذكر الله سبحانه في قوله: وللرجال عليهن درجة. وكفى بهذا في اختلافهما بيانا وحجة، فإن قيل: القاتل عبدا أو إمرأة عمدا وكان بقتله إياهما قتل في أرض الله مفسدا، قتل إذا صح فساده عند الإمام صاغرا ولم يحرز قاتله من القتل أن يكون حرا لقول الله سبحانه: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، وفي الناس الحر والعبد جميعا معا فأحل الله من قتل الأنفس بالفساد في أرضه ما أحل من قتلها بترك التوحيد ورفضه. فأما من قتل عبدا أو إمرأة معاصيا أو قتله أو حصره فليس كمن قتلهما مفسد ا، وكان بفساده في أرض الله متمردا. (1/17) ________________________________________ وأما ما سألت عنه من قول الله سبحانه: فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعرروف وأداء إليه بإحسان فهو العفو من الطالب عن الدم إلى الدية إذا كانت نفس الطالب والمطلوب بذلك راضية، وهذا إذا ترضيا به فما لا يقول أبو حنيفة وأصحابه بغيره فجعل الله لرأفته ورحمته بخلقه العفو عفوين عن الدية والدم جميعا وعفوا عن الدم إلى الدية رأفة منه وتوسيعا وأمر الله تبارك وتعالى الطالب بحسن الطلب فيها، والمتابعة وأمر المطلوب بحسن الأداء لها زيادة من الله في الرحمة وتوسعة. وسألت عن قوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا فهو من حضر الشهر فلم يغب عنه فليصم في حضوره له ما ألزمه الله فيه منه، والمشاهدة له فهو أن يحضره كله ومن شهد بعضه فلم يحضر كله، والشهر كما قال رسول الله ص ثلاثون وتسعة وعشرون وليس الهلال والرؤية بشهر تام ولو لزم من حضر الرؤية الصيام لكان ذلك لأهله إضرارا وعاد تيسير الله فيه اعتبار ا، وقد سافر رسول الله (ص) إلى بدر وغير بدر فصام في سفره وأفطر، ولو لزم من رآه وأهله في أهله المقام لما قال رسول الله (ص) عمرة كحجة، العمرة في رمضان. ولما جاز لأجد من الناس فيه إعساراً. وسألت يرحمك الله عن: ويسألونك عن المحيض فهو المحيض الخالص من دم الحيض فليس لأحد أن يصيب منه، وفيه ما ينجسه ويؤذيه فأما دم الاستحاضة فدم ليس بمحيض كدم الحيضة فدم المحيض دم خالص ليس فيه كدرة ودم المستحاضة دم فيه يَرِيهٌ وصُفْرَهْ وبينهما عند من يفقدهما من النساء فرق لا تجهله منهن إلا الحمق، فإذا طهرت المرأة من الحيض وهو ما قلنا به من الحيض لزمها وحل منها ما يلزم وتحل من المرأة النقية من حيضها المتطهرة. وسألت عن قول الله سبحانه الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فإن سرح فهو للثلاث التطبيقات تمام وإن أمسك فالثالثة الباقية من الطلاق كان الإمساك والمقام. (1/18) ________________________________________ وسألت هل يلزم الطلاق لغير سنة أو على خلاف ما أمر به في الطلاق من العدة يلزمه منه ما ألزم نفسه وإن هو عصى فيه ربه ولو كان لا يلزم في ذلك شيء كان الأمر فيه سواء والنهي ولم يجر فيه نهى ولا تجدوه إذا لم يكن فيه طلاق ولا مضرة. وسألت: عن القروء، وما هو ? فهو الحيض فليس بإطهار، وإنما القرو الجمع للحيض من التدفق والانتشار مما يجمعه به النساء من الخرق يتنظقن به لذلك من النطق، وكذلك تقول العرب في الاقراء: إذا أرادت أن تأمر أحداً بجمع ماء في إناء أو سقاء أقر لنا من الماء في الحوض أو في الإناء وبات فلأن يقري من مآئه في حوضه وسقايه. وسألت: عن لا تضار والدة بولدها، ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك، وقد قال بعض الناس في ذلك وعلى الوارث في ذلك ألا يضار، وليس قول من قال بذلك حجة، فيما قال بينة ولا إشعار، وقال واصل بن عطا وعمرو بن عبيد وغيرهما على وارث اليتيم إذا لم يكن له مال الاسترضاع له والكسوة والإنفاق، والوارث الذي أمر بالنفقة فهو من يرث اليتيم إن مات بالقرابة، وليس هو بالزوج ولا الزوجة. وسألت: عن تمتيع المطلقات هل وجوبه كوجوب الفرائض الواجبات فذلك واجب على من لم يسم مهرا موسرا كان أو معسر ا، وفي ذلك ما يقول سبحانه: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، والموسع فهو الموسر والمقتر: فهو المفتقر فكل يعطي على قدره في يسره للمتعة وعسره وليس في ذلك عدد معدود ولا حد في الأشياء محدود، هذا فرض واجب وجد في المتعة لازم كما قال الله سبحانه: حقا على المتقين كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون. ومن سمى من الأزواج لإمرأة مهراً فلها مهرها موسرا كان الزوج أو معسرا. (1/19) ________________________________________ وسألت: عن قوله: منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابها فالمحكمات كما قال الله فهن أم الكتاب، والمحكم منه فما صحت حجته في الألباب والأم من علم كل شيء فهو البين من علمه غير الخفي، وأم أمهات العلوم كلها فأنور ما يكون من العلم عند أهلها، وكذلك الكتاب فمحكماته من غير شك أمهاته التي لا يشبته على عالمهن منهن علم ولا يدخله في الإحاطة بهن شك ولا وهم ولا يحتاج في البيان عنهن إلى إكثار ولا تطويل، بل تنزيل الله فيهن كاف من التأويل كقوله سبحانه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وقوله: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وقوله: إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون. فهذا وأشباهه من كتاب الله فهو المحكم الذي ليس فيه بمن الله شبهة ولا وهم. وأما متشابه الآيات من الكتاب فلا يكون أبدا إلا متشابها وكما جعله رب الأرباب فليس يحيط غيره بعلمه ولم يكلف أحدا العلم به، وإنما كلف العلم بأنه من عند ربه كما قال سبحانه: والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب، فجعل الإيمان به والعلم بأنه من عنده فريضة عليهم في متشابه الكتاب ولو كان عند غيره بالاستخراج معلوما لما كان متشابها في نفسه ولا مكتوما ولزال عنه اسم الإخفاء والتشابه كما يوجد له من المخارج في العلم والتوجه، ولما قال الله متشابها جملة وإرسالا حتى يقال: متشابها عند من كان به جاهلا، وفي تشابه كتاب الله وإخفائه وما أراد بذلك سبحانه من امتحان كل محجوج وابتلائه أعلم العلم وأحكم الحكم عند أهل العلم والحكمة، وأدل الدلائل على الله في الأشياء كلها من القدرة والعظمة. (1/20) ________________________________________ وسألت عن قول الله سبحانه: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وقلت: هل هنالك إلا مسود الوجه أو مبيضه، وهم رحمك الله وإن كانوا كذلك، وعلى ما ذكر الله سبحانه من ذلك فهم فرق أصناف بينهم في أحوالهم اختلاف فمنهم مؤمن وفاسق ومشرك ومنافق وقاتل وقاذف وسارق وتنزيل الآية فيما سألت خاص غير عام لأنه ليس كل من يسود وجهه يقال له: كفرت بعد الإيمان لأن في النار من فرق الكفار من لم يكن مؤمنا قط في دنياه ولم يزل على كفره فيها وعماه فكيف يقول لأولئك: أكفرتم بعد إيمانكم، أليس هذا عندك من أزور الزور وأبهت البهتان وأبيضاض الوجوه هنالك فإنما هو سرورها وبهجتها وأسوداد الوجوه إنما هو حزنها وحسرتها، والقول في هذا يومئذ من القائلين فإنما هو لمن كفر بعد إيمانه برب العالمين. وسألت عن قوله: لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، والكتاب رحمك الله فقد يكون من الله علم ويكون إيجابا من الله علم ويكون إيجابا من الله فكتب في هذه الآية عليهم إنما هو علم منهم، وفيهم وليس معنا كتب يكون معنا فرض ووجد فيما ذكر من هذه الآية، ومثلها ولكنه خبر عن إحاطة علمه بالأشياء كلها، وقد قال غيرنا من أخوانك يغير ما قلنا به في الآية من جوابك فأما ما يقول به من ليس يعلم فليس يسع مؤمنا به جواب ولا تكلم. (1/21) ________________________________________ وسألت: عمن يتخبطه الشيطان من المس، وما المس فالمس هو اللمم واللمم فهو الجبر، وأما ما سألت عنه من التخبط فما يعرف من خبط المتخبط وهو الغشيان من خارج لا من داخل وكما يعلم من معاملة المعامل وإنما مثل الله أكله الربا إذا مثلو رباهم، وما حرم الله عليهم من الربا ونهاهم بالبيع الذي فيه أربا، وإنما هو أخذ بالتراضي وإعطاء، فقالوا: إنما البيع مثل الربا شبهوا مالم يجعل الله متشابها فشبهوا الحرام بالحلال والهدى فيه بالضلال فمثلهم الله في ذلك لما هم عليه من الجهل لمن يعرفون أنه عندهم أنقض أهل النقض من أهل الجنون والخبل. وسألت عن قوله: إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه هل ذلك فرض عليهم لا يسعهم أن يتركوه فنعم هو فرض عليهم فيمن لم يأمنوا وليس بفرض عليهم فيمن آمنوا فاجرا كان المؤتمن أو برا أو موسرا كان الغريم أو معسر ا. (1/22) ________________________________________ وسألت عن قول الله سبحانه: لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين، وقد نهاهم جل جلاله عنه، فالإملا منه الإبقا وتأخير العذاب والنقم فيما ارتكبوا من الجرم كله وعنه، وبما تولا الله عنه أتوا من الإثم والإساءة ما أتوا وعصوا الله بما عصوا فاعلم أن الإملاء نعمة من الله وإحسان وازدياد الإثم منهم فإساءة وعصيان فمن الله سبحانه الإملا، ومنهم الاعتداء وتأخيره سبحانه لإنزال العذاب بهم إنما هو ليزدادوا إثما بكسبهم ليس لما يحبون من سرورهم ولا لما يريدون من أمورهم ولكن ليزدادوا بالبقاء والإملا إثما ولأنفسهم بما تركوا من البر ظلما وإن كان ما تركوا من الهدى وإن لم يفعلوه ممكنا كان ما تركوا من الهدى في نفسه حسنا ولهم لو صاروا إليه ولن يصيروا منجيا وكان كلهم لو أتاه بإتيانه له مهتديا فالإملا والإبقاء هو من فعل الله بهم وازدياد الإثم فهو من كسبهم هم وفعلهم وما يمكن من الإملا من الأمور فسوا في الممكنة من البر والفجور فلما آثروا هواهم على ما يمكنهم من هداهم جاز أن يقال أملوا ليزدادوا برا وهدى. ومثل ليزدادوا إثما هو قول الله تبارك وتعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، وهم وإن خلقهم الله ليعبدوه فيحتملون لغير العبادة إن أرادوه والعبادة لله وخلافها إنما هو فعل منهم إذا فعلوه نسب إليهم ولم يزل عنهم، وكل ذلك فعل لهم وصنع والله هو الصانع لهم المبتدع ففعل الله بري من فعلهم فيما كان من الإملا لهم فعل الله تأخير وإملا وفعلهم ازدياد واعتدا وبين ذلك فرق لا يجهله إلا أحمق. (1/23) ________________________________________ وسألت عن قول الله سبحانه: لا تؤتوا السفاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما ) وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا، فمعنا تؤتوا هو أن تعطوا السفهاء وإن كانوا لكم أبنا وأبا بجب عليكم رزقهم وكسوتهم فيهم وأمرهم أن ينفقوا عليهم ويكسوهم منها ويقولوا لهم من القول معروفه وحسنه وهو السهل من القول ولينه ونهاهم أن يعطوا سفهاهم أموالهم التي جعلها الله لهم قياما. والقيم: هو المعاش واللباس الذي به يبقا ويقوم الناس فتهبوها لهم أو تأمنوهم فيها وتجعلوا لهم سبيلا إليها فيفسدوا معاشهم منها عليهم إن أعطوهم إياها وسلموها إليهم وأمرهم ألا يؤتوا أموالهم التي جعلها الله لهم إلا أن يؤنسوا، ومعنى يؤنسوا فهو أن يروا منهم رشدا فيدفعوه إليهم، ويشهدوا بدفعها عليهم فكيف يجوز أن يؤتي أحد ماله أحدا إذا كان في أرض الله أو لنفسه مفسد ا، وقد نهى الله عن ذلك نظرا من الله للعباد وحياطة منه برحمته لأرضه وخلقه من الفساد. وسألته: عن ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف، فهو ومن كان وليا لليتيم فليستعفف معناها فليعف عن أن يأكل من مال اليتيم شيئا، ومن كان فقيرا يعني معسرا فليأكل من مال اليتيم بالمعروف يقول بأمر مقدر موظوف ليس منه فيه إسراف ولا بمال يتيمه إجحاف. وسألته: عن ولا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ووراثتهم كرها هو أن يمسكهن الأزواج رغبة في الميراث وشرها لا رغبة فيهن ولا محافظة عليهن، وجعل الله ذلك عليهم اعتدا وبهن إضرار ا، وقد قال الله تبارك وتعالى: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا. (1/24) ________________________________________ وسألته: عن وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ يقول سبحانه: أن يقتله إلا زلة وغلطا فأما وهو يثبته مؤمنا ويعرفه بالله موقنا فليس له أن يقتله وإن قتله أيضا مخطيا وكان في إيمانه بالله ممتريا إذ كان من قوم عدو للمؤمنين، ولم يكن عند من قتله من المعاهدين كان عليه فيه تحرير رقبة مؤمنة، ولم يكن عليه ما كان عليه في الأول من الدية. وإن كان من قوم بينهم وبين المؤمنين ميثاق والميثاق هو الذمة والهدنه والموادعة كان على قاتله فيه تحرير رقبة مؤمنة وإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فأي ذلك فعل فهو من الله عليه توبة ومعنا توبة الله عليه من الله عايدة ورحمة، ولا يقتل رحمك الله مللياً بمعاهد ولا ذمي وإن كان الملي قتله عمدا إلا أن يكون يقتله في أرضه مفسدا، فيقتل إن رأى ذلك الإمام بفساده وتمرده في أرض الله وعناده لقول الله سبحانه: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فأحل الله سبحانه من قتل الأنفس بالفساد ما أحل من قتلها بالقصاص بين العباد. (1/25) ________________________________________ وسألته: عن المحاربة لله ولرسوله والسعي بالفساد في الأرض، ومعنا ما ذكر الله في الآية من المحاربة والفساد، وما أمر به فيه من القتل والصلب والقطع أو النفي من البلاد فهو الإجلاب والحثة والذهاب والاستدعا على الحق والمحقين والمخالفة على الأربابالمتقين والتحييل والحسد للمبطلين إليهم، والقول بالزور والبهتان عليهم في سفك دمائهم والتماس ضرابهم ومجاهدة أولياء الله فيهم بالمحاربة وإجماعهم عليهم بالأذا والمناصبة فمن بلغ هذا من المبطلين وصار إليه كان حكم الله جل ثناؤه عليه وجزاؤه له على ما هو من ذلك فيه أن يقتل أو يصلب أو يقطع أو ينفا من الأرض والبلاد التي سعى فيها على الله ورسوله والمحقين بما ذكره الله من الفساد، وليس ما في أيدي هذه العامة من تفسير هذه الآية المحكمة عن ابن شهاب الزهري وأضرابه ولا من كان من لفيفه وأصحابه الذين كانوا لا يعدلون بطاعة بني أمية وما أشركوهم فيه من دنياهم الدنية، فلم ينالوا مع ما سلم لهم منها ما حاطوا به ودفعوا به عنها من تلبيس لتنزيل أو تحريف لتأويل، وابن شهاب لما كان كثرة وفادته إليهم معروف، وبما كان له من كثرة الضياع وكثرة الغلة بهم موصوف. وقلت: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ما تأويلها، وتأويلها استمتع الله بك وبنعمته عندك هو تنزيلها، وذلك أن من حكم بأحكام التنزيل بخلاف حكمه فهو غير شك من الكافرين به لأن من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله بعد الإحاطة بعلمه فهو من الكافرين بالله في حكمه لأنه منكر في حكمه لأنه منكر من حكم الله فيه لما أنكر ومن أنكر من أحكام الله تنزيله حكما فقد كفر، ولله أحكام هي ليس في تنزيل في تحريم من الله، وتحليل ولكنها من أحكام التأويل حكم بتنفيذها والحكم بها فمن لم ينفذها ويضم إذا أمكنه يتنفيذها فهو من الظالمين، وفي تعطيلها من الفاسقين. (1/26) ________________________________________ وسألته: عن وقالوا لولا أنزل عليه ملك، وكانوا يقولون: لولا أنزل عليه فيكون معه مشهد فيشهد له من رسالته بما ينكرون، فقال الله سبحانه: ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر فيهم، بأخذهم بما لا ينظرهم يقول تبارك وتعالى: ثم لا يتركون ساعة ولا يؤخرون فما ينفعهم إذا أخذوا إيمانهم بعد رؤيتهم للعذاب وعيانهم، ثم قال سبحانه: ولو أنزلنا ملكا ما اتبعوه إلا أن يروه رؤية ويعاينوه وما كانوا ليروه عيانا إلا أن يجلعه الله مثلهم إنسانا في الصوة والحلية، وما للرجال من الهيئة لا في جميع حدود البشرية، ولكنه في الرؤية والمنظر فقال سبحانه: ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون. يقول سبحانه: ولو فعلنا ذلك به فجعلناه رجلا كما يعرفون لزادهم ذلك لبسا إلى لبسهم ولما أيقنوا أنه ملك في أنفسهم، ولو نزلنا عليهم الملك على حاله ملكا لما كان أحد منهم معاينا له ولا مدركا إلا أن يأتيهم من الصوة وهيئتها في مثل لباسهم منها فيرونه ويدركونه بمثل دركهم رؤيتهم بها وإلالم يروه ولم يعاينوه أبد ا. وكيف يرون من كان من المليكة ولم يروا قط من الجن أحداً والجن في احتجابها عنهم أقرب إليهم قربا، والملائكة أبعد عنهم مكانا ومحتجبا وليس يعاين أبدا من الملائكة الحضرة إلا عند الموت الذي ليس بعده تأخير ولا نظرة حين يكشف عن المحضور الغطا ويزول عنه الأخذ والإعطاء فيرى من الحضرة مالم يروا يحدث الله له عند المعاينة لهم بصرا فيعاينهم عند الموت، وفي غمراته وعند ما وقع فيه من غصصه وسكراته كما قال الله سبحانه: وجاءت سكرة الموت بالحق ) ذلك ما كنت منه تحيد. (1/27) ________________________________________ وقد قال في الموت وما بعده من البعث: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد، وكما قال سبحانه: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم فالملائكة هم الذين يبسطون أيديهم، ويقولون: أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون. وقلت: أرأيت لو جعل الله الملك رجلا ومن كانت الرسل تراه من الملآئكة قبلا أهم في تلك الحال والهيئة والصورة مليكة أم رجال بل هم في تلك مليكة وإن انصرفت بهم الهيئة والأحوال. ألا ترى أن الذهب والنحاس وإن لم يكونا هم الناس فقد يصنع منهما صور وهيئات ويحدث فيهما تماثيل مختلفات والذهب وإن اختلفت هيئاته ذهبب على حاله، وكذلك النحاس وإن كثرت فيه الصور فهو نحاس على حاله لم ينقل واحد منهما عن خلقته وذاته ما نقل عنه من متقدم صورته وهيئاته. وإنما تبدوا الملائكة إذا بدت بأمر الله وإرادته إلىالبشر بما جعل الله لها وأحدث فيها من الهيئات والصور لا البشر بما لا يدركون ولا يرون من الصور والهيئات إلا ما يبصرون، فجعل الله من الملائكة رسلا وجعل من شاء منهم كما شاء إن شاء رجلا، وقال في ذلك وتعالى: الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير. فالتبديل للخلق أوالزيادة ليست إبادة، وكذلك من مسخه الله تبارك وتعالى قردا أو خنزيرا فإنما أحدث له عن هيته وصورته تبديلا وتغييرا فيدل هيئته وصورته وأقر نفسه وذاته، ولو كان المسخ للممسوخ إبادة وإفناء لكان ذلك فطرة وإنشاء وابتداء ولم يقل تغيير ولا مسخ ولا تبديل، ولم يصح بذلك إذا لم تكن الذات موجودة خبر، ولا قيل. (1/28) ________________________________________ وسألته: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون، فنقلب أفئدتهم وأبصارهم تضليله إياهم ميما يعملون وتركه تبارك وتعالى فيما هم فيه من ضلالهم يعمهون والتضليل من الله لهم فإنما هو بعملهم وسواء في المعنا أضلهم وضللهم كما سواء أكفرهم وكفرهم. ألاترى أن من أضللت فقد ضللته، ومن أكفرت فقد كفرته. وسألته: عن معنى: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ومعنى إيحاء الشياطين هو إلقاء الشياطين للمجادلة للمؤمنين عليهم والشياطين كما قال الله سبحانه فقد يكون من الجن والإنس وما يلقون إلى أوليائهم من المجادلة من زخرف القول واللبس كما قال الله سبحانه شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون. يريد سبحانه بقوله: فذرهم وما يفترون من الحزي بزخرف القول وغروره، وما يقولون فسيعلمون من بعد ما هم فيه من دنياهم إلى أي منقللب ينقلوب. وسألته: عن تأويل من يرد الله أن يهديه يشرح صدره فتأويلها رحمك الله من يرد الله أن يرشده فيزيده هدى على هدى لأنه لا يعطي الهداية إلا من اهتدى كما قال تبارك وتعالى في زيادته لهم هدى إلى هداهم والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم، والتقوى فمن الهدى وآتا فمعناها وأعطا فهو أتاهم التقوى بتبصرته وتقويته لهم على ما عملوا منها وبمنعه لهم تبارك وتعالى من الضلالة ونهيه لهم عنها وليس بين الضلال والهدى منزلة هاديه لأهلها ولا مضلة فمن يرد الله أن يهديه بعد الضلالة والعما يجعل صدره بما اتبع من الضلالة والهوى ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء، كذلك يفعل الله بأهل الضلالة والاعتداء. (1/29) ________________________________________ وسألته: عن قول الله سبحانه: إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ما هذه الفتنة، وهي الابتلاء من الله والاختبار والمحنة، وإضلاله وهداه بها فهو عنها وبسببها ويضل من يشاء ويهدي من يشاء هو إضلاله لمن ضل وهدايته لمن اهتدى ومن ضل ضلله ومن اهتدى كان مهتديا عنده وزاده تبارك وتعالى في هداه وآتاه كما قال سبحانه تقواه. وسألته: عن قول نوح صلى الله عليه: ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم فإنما أخبر صلى الله عليه عن نفاذ قدرة الله فيهم ولم يخبر أنه يريد ولا أنه لإغوائهم مريد، وإنما قال: إن كان ولم يقل أن قد كان فقد أوضح وأبان لكل من يعقل اللسان أنه إنما أراد بقوله صلى الله عليه الخبر عما لله من الاقتدار لا ما يذهب إليه من لم يهتد للرشد من أهل الإجبار فأخبر أنه غير نافع لهم نصحه وإن أراد نصيحتهم إن كان الله يريد هلكتهم فصدق صلي الله عليه لأنه إن أراد شيئا، وإن أراد الله أن يفعل سواه ليكونن ما أراد الله صنعا وخلقا وشاء ولا يكون من ذلك، وفيه ما أراد نوح صلى الله عليه وكيف يريد الله إضلالهم وإغواهم وهو يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما إلى هداهم ما يزعم هذا أو يقول به إلا من جهل أمر ربه في الرأفة والرحمة والعلم والحكمة. (1/30) ________________________________________ وكيف تدعوا رسله العباد إلى خلاف ما شاؤ أراد الله أحكم أمر ا، وأجل قدرا من أن يكون في ذلك كما قال: من خاب وافترى، وكذلك ما قال شعيب صلوات الله عليه، وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله فقال إلا أن يشاء ولم يقل أن قد شاء، بل وكد بقوله فيه، ومعناه أن لن يريده الله أبدا، ولن يشاء ولكنه أخبر عن قدرته على كل ما شاء في بريته، ومثل هذا من التنزيل سوى قوله سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ولن يشاء أن يغفر لمن وعده من أهل الكبائر بالنار، ولما فيه من إخلاف الوعد وإكذاب الأخبار التي منها، ومن يخلف الله وعده، وذلك يوم الوعيد. ومنها قوله: ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد، وقوله جل ثناؤه لرسوله صلى الله عليه وعلى آله في منزل الكتاب اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب، ومثل ذلك قول عيسى صلوات الله عليه: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، وقول إبراهيم صلى الله عليه: فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، وكل ذلك منهم فإنما هو خبر عما لله من القدرة على ما يشاء من العذاب والمغفرة. وسألته: عن قول الله سبحانه: فلما أتاهما صالحا جعلا له شركا فيما أتاهما، فهو ما وهب لهما من ولدهما وأعطاهما جعلا فيما أحسب بين الله وبينهما فعبدا لله ولحرث الحرث، وقد يذكر في التوراة أنهما سمياه عبد الحرث، وقالوا: إن الحارث هو إبليس فيما أحسب وهم وهمته اليهود في التفسير، فقالت فيه بالتلبيس، وأدخلوا مكان ما جعلاه له من الحرث عبد الحارث فجعلوه عبدا لما جعلاه ولم يفرقوا فيه بين الحرث والحارث. (1/31) ________________________________________ ألا ترى كيف يقول سبحانه: فلما أتاهما صالحا يعني ولدا ذكرا جعلا له شركا منه فيما أتاهما يريد تبارك وتعالى نصيبا فيما أعطاهما من صالح الولد فجعلاه بينهما وبين التعبد. ألا ترى لقوله سبحانه فيه إذا يسلماه كله إليه، فتعالى الله عما يشركون، يقول فتعالى الله أن يكون هو وهم في شيء من الأشياء مشتركون. كما قال في أهل الجاهلية: وجعلوا لله مما ذرا من الحرث والأنعام نصيبا يعني شريكا، فقالوا: هذا لله بزعمهم، وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون. وكذلك قال تبارك وتعالى: ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا يعني شركا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون، وليس يتوهم الشرك عليهما بالله إلا من لا علم له فيهما بأمر الله. وسألته: عن وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم، وذكرت ما قالت به العامة في ذلك من قولهم: وليس ما قالوا به فيه بشيء مما يلتفت إليه لأنهم قالوا: أخذ من ظهر آدم، وقالوا من بني آدم وآدم غير بنيه وظهره غير ظهورهم، وذريته غير ذراريهم، والذراري تكون صغارا وكبارا وأطفالا ورجالا وكل أهل الجاهلية من رجال العرب الذين كانوا يشركون قد أخذوا، ومعنى أخذوا أخرجوا ذرية من ظهور آبائهم من بني آدم لا يشكون وكلهم كانوا شهدو يقر بأن الله ربه، وإن ما يرى من السموات والأرض خلقه فاستشهدهم الله على ربوبيته بما يشهدون، ويما كانوا يقرون به كلهم فلا ينكرون، وفي ذلك يقول سبحانه: ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنا يؤفكون، ولم يقل: سبحانه إنه استشهد على ربوبيته أحدا من الأطفال ولا يكون الاستشهاد والشهادة إلا للرجال، والله أعلم ما يكون وغيره وما كان، ونسأل الله أن يفهمنا ويفهمك عنه البيان. (1/32) ________________________________________ وسألته: عن وإذ يريكموهم إذا التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فتأويل ليقضي ليتم أمره فيهم، وفيكم ونصره لكم عليهم، والتقليل من الله في أعينهم للمؤمنين فإنه تبيينه من الله للمستبينين والتقليل فقد يكون أنواعا إن كان لأنواعه كله جماعا ليس ينكرها ممن أنكر منكر لأن الله على كلها لا شريك له مقتدر. وسألته: عن إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون فهم رحمك الله أهل الكفر بالله الذين لا يؤمنون والذين علم الله لو أسمعهم بزيادة في التبيين لما كانوا يسمعون يريد تبارك وتعالى لما كانوا يطيعون وفيهم ما يقول الله سبحانه: إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، وفي أن السمع هو الطاعة ما يقول سبحانه: ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وأبصر لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا. وسألته: عن قول اليهود عزير بن الله، فقد يمكن أن يكون عنا بذلك ما ضيهم وأن يكون أيضا اليوم من يقول من باقيهم، وليس كلهم لقيت وإنما لقيت منهم من شاهدت ورأيت. وسألته: عن وما كان استغفار إبراهيم لأبيه فيما ذكر عنه رب العالمين، واغفر لأبي إنه كان من الضالين، فلما تبين أنه من أصحاب النار بالإصرار تبرأ منه وما كان عليه من الإستغفار. وسألته: عن وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون يقول سبحانه ليتركهم ضلالا بعد تبيينه لهم لما بين حتى يبين لهم كل ما يحذرون. (1/33) ________________________________________ وسألته: عن قوله: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، فقد يكون أن يكشف عنها عماها ويريها من آياته ودلائله عيانا ما يحدث لها معرفة وإيقانا لا يكون معه لها أجر، ولا يجب به لها ذخر ويكون منها درك اضطرار لإدرك نظر، ولا فكرة ولا اعتبار، وفي ذلك وبه الجزاء والثواب وعلى ترك ذلك وفي إغفاله ما يجب العقاب، وهو وإن كان كذلك فعلى ما وصفنا من ذلك فهدى وبصيرة وغير حيرة ولا ضلال، وفيه: إذا كان ما أخرج أهله من الجهل بالهدى، ومن الضلال وهذا رحمك الله فوجه من الهدى لا ينكره ولا يجهله من أبصر واهتدى وما كان لهذه الآية مشابها ونظير ا، فكفى بهذا الجواب فيه حجة وبرهانا منيرا. وسألته: عن يونس صلى الله عليه وقول الله سبحانه فيه: وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه إعلم رحمك الله أن قوله: فظن أنه ليس يخبر عن يونس بظن ظنه لأنه لو كان كذلك منه لزال إسم الإيمان عنه ولا يزول إسم الإيمان في حال عن من خصه الله بالإرسال، وفي ذلك لو كان يجهل للمرسل فيمن يصطفي ويختص من الرسل، ولكن فظن قولا من الله في يونس قاله يبين للسامعين زلة يونس وإغفاله يقول سبحانه: فظن يونس أن لن نقدر عليه في أباقته من الفلك إلى من أبق إليه فهو ليس يظن، ولكنه مقر موقن بقدرتنا عليه ونفاذ أمرنا فلما أبق إلى الفلك فأتا هاربا، وذهب مع نفسه بقدرتنا عليه مغاضبا إلا لإغفاله وزلته التي نجاه الله منها بتوبته فهذا وجه فظن أن لن نقدر عليه الذي لا يجوز غيره من الوجوه، وهو كلام صحيح لا تنكره فيه العقول. (1/34) ________________________________________ وسألته: عن فأوجس في نفسه خيفة موسى فلم يوجس صلى الله عليه أن يغلب أو يقهر ولكنه أوجس ألا يبصر من حضره والسحرة من الناس حقيقة الحق ما أبصر فيظنون أن ما جاء به من الحق كسحر السحرة وأن موسى صلى الله عليه من الكفرة، وقد كان خاف قولا منهم واعتسافا فقالوا: إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، وقالوا فيه: ماذا تأمرون. وقال موسى صلى الله عليه فيما قالوا به من ذلك أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون. وسألته: عن قوله وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى القاء الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم، فتأويل تمنا هو قرأ وإلقاء الشيطان في أمنيته تأويله ألقا الشيطان في قراءته وقراءته عليه السلام فهو ما ألقا من القرآن إلى أمته وإلقاء الشيطان فيما كانوا يقرؤن من القرآن وآياته هو القا من الشيطان في أمنيته وقراءته والإلقاء في القراءة من الشيطان ليس القاء في قلب الرسول، ولا فيما جعل الله من اللسان، ولكنه إلقاء من الشيطان في القراءة بزيادة منه في القراءة أو نقصان وقد رأينا في دهرنا هذا بين من يقرأ آيات القرآن اختلافا كبيرا في الزيادة والنقصان فما كان من ذلك صدقا وحقا فمن القرآن وما كان منه كذبا وباطلا فهو من الشيطان في أيدي الروافض من ذلك والغلاة ما قد سمعت وسمعنا والله المستعان من القرأة. فأما تلك الغرانيق العلا، وأن شفاعتهن ترتجا، فقد فهمنا منه ما ذكرت وسمعنا منه بعض ما سمعت وهو كلام معورّ فاسد لا يتكلم بمثله حكيم، ولا ماجد كريم لا يشتبه بفساده في تأليفه وقبحه في نفسه وضعفه أن يكون من بليغ من بلغا العرب فكيف من الرسول أو الرب الذي لا تدركه بتحديد العقول، ولا يشبه قوله في الحكمة قول. (1/35) ________________________________________ وسألته: عن قول إبراهيم صلى الله عليه، والله خلقكم وما تعملون فالله خلقكم وحجارة الأصنام التي كانوا يعبدون، وكما قال صلى الله عليه تعبدون ما تنحتون وسوأ قوله وما تنحتون، وقوله: وما تعملون. وسألته: عن فردوا أيديهم في أفواههم فهو عضهم على الأيدي بأسنانهم وهو شيء يفعله المغتاظ إذا غضب أو أغتاظ ويفعله أيضا المتحير المتفكر إذا التبس عليه ما يفكر فيه وينظره. وسألته: عن قول الله سبحانه: والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما فالشهادة هي الحضور والزور من الأشياء فهو الزور، وهو الباطل والكذب واللغو، فهو الغفلة واللعب فذلك كله، وما كان منه فلا يشهدونه وإذا مروا به أعرضوا. وسألته: عن قول الله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك فذلك فلن يزالوا كما قال الله سبحانه مختلفين لأن الاختلاف لا يزال أبدا بين المحقين والمبطلين، وهو خبر من الله عما يكون وأنهم لن يزالوا مختلفين فيما يستأنفون، فالاختلاف منهم وفيهم ولذلك نسبه الله إليهم، وقوله: إلا من رحم ربك يريد من المؤمنين فإنهم في دنيهم متآلفون غير مختلفين. وقوله تبارك وتعالى: ولذلك خلقهم يقول سحانه للمكنة مما يجب به الثواب والعقاب من السيئة والحسنة، ولولا خلقه لهم كذلك، وعلى ما فطرهم عليه من ذلك لما اختلفوا في شيء، ولما نزل عليهم أمر ولا نهي ولا كان فيهم مسيء ولا محسن ولا منهم كافر ولا مؤمن ولكانوا كالموات الذي لا يحسن ولا يسيء ولا يفجر عند الله ولا يتقي. وسألته: عن وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي فقد يكون الايحاء إلهاما ويكون الايحاء من الوحي كلاما، ويكون الإلهام تعريفا وفطرة ويكون الكلام تعليما وتذكرة، وأي ذلك كان فعلم وبيان لا ينكره ولا يدفعه بالله مقر ولا يأباه إلا ملحد في الله متكبر لا ينكر صاغرا وإن كابر بالإنكار في أن للنحل وأشباهه إحتيالا وأن لها صنعاا محكما وأعمالا فيما يرى من شهدها وعجيب ما فيه من عقدها. (1/36) ________________________________________ وسألته عن قوله: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فتأويل وإذا كنت فيهم يريد في سفر وخوف معهم، فأقمت الصلاة لهم، فلتقم طائفة منهم معك يقول سبحانه: من جميعهم معك وليأخذوا أسلحتهم كلهم من قام معك في الصلاة ومن لم يقم معك منهم فإذا سجدوا يعني الذين معه في صلاتهم أخر سجدة منها فأتموا وفرغوا من صلاتهم كلها وسلموا فلتأت طآئفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم كلهم من صلى معك ومن لم يصل منهم، ولا يقال للطائفة الآخرة لم يصلوا إا والطائفة الأولى قد صلوا ولا تصلى صلاة الخوف إلا في سفر، ولا يصلى شيء منها في حضر لأن أهل الحضر في بيوتهم وحصونهم مستترون، وأهل السفر لعدوهم بارزون مصحرون. وصلاة الخوف أن يصلي الإمام بإحدى الطائفتين ركعة واحدة ثم يقومون فيتمون الركعة الثانية ثم يسلمون والطائفة الأخرى الواقفة للعدو في سلاحهم مستلمون وليس لهم شغل من صلاة ولا غيرها سوى المواقفة والحراسة لأنفسهم وإخوانهم من عدوهم بالمصافة فإذا رجعوا إليهم من صلاتهم وقعدوا للعدو، وموقفهم ولم يزايلوا أبدا مواضعهم حتى يتم إخوانهم من آخر الصلاة ما أتموا ويسلموا من صلاتهم كما سلموا فتكون كل واحدة من الطائفتين قد حرست كما حرست وأخذت منهما من الحراسة ما أخذت وأعطت من الحراسة ما أعطت وصلي بها من الصلاة مع الإمام ما صلت فهذا عندنا أحسن ما سقط إلينا في صلاة الخوف. وكذلك صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله فيما بلغنا صلاة الخوف في غزوة لها غزاها يقال لها: ذات الرقاع، وفقنا الله وإياك للتقوى في كل محنة نزلت بنا أو بلوى، وصلى الله على محمد وآله الأبرار الطيبين الأخيار. (1/37) ________________________________________ وسألت: وقفنا الله وإياك لمرضاته ولعلم ما أوجب الله علينا وعليك علمه من آياته عن قول الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، ما وجه ما أراد الله بذلك من المقال ومن أين جاز أن يقال: أبين وأشفقن السموات والأرض وهن موات لا ينطقن وشيء لا يأبا ولا يشفق فقد يحتمل وجه ما أراد الله تبارك وتعالى بذلك وتنزيله ما أبانه الله من تظليم الإنسان بما يأباه الله عليه من نيته للخيانة في الأمانات ولتأدية ما صغر حليته في الخلقة والتركيب من قدر ما ذكر الله من الخلق العجيب. وأنت رحمك الله فقد تعلم أنك لو عرضت بفكرك وفي تقديرك ونظرك فضلا عما قد تعلمه يقينا بقلبك على ما قد تعرفه من السماوات أمانة من الأمانات لما حملتها ولا شيئاً منها أذكر عندك في علمك غيرنا طقات وهن فإذا كن كذلك فهن لحمل الأمانات غير مطيقات فإذا كن من ذلك لنفس خلقهن وما بنين عليه من ضعفهن ممتنعات أفضل مما يقول به منها، قائل أو يتحير من علمائها عالم. وقد يحتمل أيضا أن يكون إنما أريد السموات والأرض والجبال أهلهن ومن جعل ساكنا لهن مما يطيق ويأبا ويشفق كما قال أخوه يوسف واسأل العير وليسوا يريدون إبلها، فهذا وجه من الوجوه ليس بسيء ولا مكروه مفهوم معقول يجوز بمثله في العرب القول. وسألت: عن المؤمن المهيمن فالله هو المؤمن لأوليائه من سخطه والمهيمن الشهيد، والله هو الشهيد على أعدائه بمعصيته. وأما الحمّا عن الضربة الموجعة فإن الله جعلها تكون من الطبيعة فالضربة من الضارب والحما فمن الطبايع الأثر وأن الحما لو كانت من الضارب لزمه فيها القصاص والقود، وهذا مما ليس يدرك حقيقته أحد، وقد قال الله سبحانه: والجروح قصاص والجروح من الجارح وليس الحما تعمل شيئا من الجوارح، فهو علم الله المعلوم. (1/38) ________________________________________ وسألت: عن زرتم المقابر، فهو دخلتم المقابر، وسألت: عن زرع الأرض المغتصبه فلا يجوز الزرع فيها لغاضبها ولا غير غاضبها إلا أن تزرع بإذن صاحبها. وسألت: عن شرى اللحم من اليهود والنصارى فإنا لا نرى أن يباع منهم ولا يشترى فإنهم ليسوا ممن يؤمن عليه أن يخلطوا ما لا يحل فيه. وأما القصر من غير خوف فيقصر كل سافر آمن أو خائف، أو كان فاجرا أو برا. وأما التشهد فما قيل به فيه فجايز كله التشهد الذي يذكر عن علي والتشهد الذي يذكر عن ابن عباس، وما يذكر من ذلك عن ابن مسعود وأحسن ما سمعنا به في ذلك عن علي وزيد بن علي بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد سمعنا في آمين ما سمعت، ولم أسمع أحدا من العرب يتكلم في كلامه ولا أحسبها إلا من اللسان العبراني، وإنا لنمسك عنها وعن القول بها. وأما الدعاء في المكتوبه في أمر الدنيا والآخرة فجايز حسن، وهو في الحمد لله رب العالمين، إياك نعبد وإياك نستعين، إهدنا الصراط المستقيم، فهذا كله دعاء، والسجود في السهو للصلاة والزيادة والنقصان، فهو بعد التسليم، وما كان قبل التسليم من زيادة في ركوع أو سجود فهو زيادة يحتاج فيها، ولها إلى ما ذكر الله من السجود في مثلها. (1/39) ________________________________________ ولا بأس بالجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ودخول وقت العصر في آخر وقت الظهر لمن جمع، ووقت المغرب والعشاء لمن جمع فقبل غروب الشفق إن اراد ذلك مريده ومن صلى الصبح سبح بعد صلاته ولم يصل بينه وبين طلوع الشمس والتسليم من الصلاة عن اليمين والشمال ورفع اليدين فقد اختلفت فيه الاقاويل وإن احب ذلك الينا أن يسكنا تسكين غير هما لأن تسكينهما هو خشوعهما وكذلك تسكين العين فهو لها خشوع، ويجزي في الوضوء مرة مرة، ويقرأ في الصلاة على الجنائز في التكبيرة الأولى وما بعد ذلك فيدعا، وليس يجب الغسل من الحجامة ولكن من احتجم توضى، ويغتسل للجمعة والرواح إلى عرفة والعيدين وكل ذلك من السنة. ومن صلا صلاة فثبت في مقعده ولم يخرج من مسجده صلى ما بعدها من صلواته بوضؤه، وإن أكثر الاشتغال والإدبار والإقبال كان أحب إلينا له يجدد وضوءه، وكذلك بلغنا أن عليا صلوات الله عليه ورضوانه كان يفعل بحدد وضوءه لكل صلاة من الفريضة. والإقران أفضل من الإفراد والتمتع بالعمرة إلى الحج ولا يقرن بين العمرة والحج إلا من ساق هديا ومن قرن طاف طوافين وسعى سعيين ولم يحل عن عمرته حتى يحل من حجته والإفراد للحج أفضل، والله أعلم من التمتع بالعمرة إلى الحج لأن حجة عراقية أو مدنية أفضل من حجة مكية والإهلال إذا طال أفضل منه إذا قصر لطول الإحرام، وتقطع التلبية في الحج إذا رميت جمرة العقبة وأفضل الهدي ما وقف بعرفة وإن قلت: حتى اشترى من منىً أجزأ المتمتع. والضحية واجبة على كل ذي يسار وحده ممن حج أو لم يحج وصيام يوم عرفة أفضل من إفطاره، والدعاء في الصيام أقرب إلى الإجابة من الافطار. (1/40) ________________________________________ وكل ما سال أو قطر من الدم ففيه الوضوء وليس في مس الإبط وقص الشارب وتقليم الأظفار والقي والقلس وضوء وما جاء من الوضوء من ما مسته النار فليس للنار وإنما أحسبه والله أعلم للأكل والاشتغال، ولا نحب للجنب أن يتعوذ بشيء من القرآن لما في ذلك لتنزيل الله من الإجلال. وسألت: عن قوله: وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة فهي البر والأمور المرتضاه ومنها زكاة الأموال وصالح عمل العمال الذين يعملون لله ويسعون في مرضات الله، وأما قوله: الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين النكاح هاهنا قد يكون المسيس والمجامعة ويكون العقد والملك والترويج الذي جعله الله طاعة وأما قوله لا ينكحها هو لا يأتيها ولا يرتكب سخط الله فيها إلا مشرك من المشركين بالله أو زان مثلها عند الله وهذا كله كما قاله الله سبحانه. وأما قوله: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنا شئتم الحرث: هو المزدرع الذي جعله الله في النساء والنما، وأنى شئتم هو متى أردتم لأن العرب كانت تزعم أن إتيان النساء وهن حوامل أو مرضعات حرام خوفا للفساد. وسألت: عن قوله: هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون خلقه سبحانه لهم من طين فهو خلقه لأبيهم آدم صلى الله عليه لأن ما كان نسلا منه فمخلوق مما خلق منه، ثم قضى أجلا الأجل المقضي هو الموت والوفاة والأجل المسمى عنده هو أجل يوم الحساب والمجازاة. وسألت: عن الأرواح بعد مفارقتها الأبدان أحية أم ميتة، أرواح المؤمنين إذا فارقت أبدانها في نعيم وكرامة وأرواح الظالمين إذا فارقت أبدانها في خزي وندامة حتى ترد الأرواح إلى أبدانها في يوم البعث والقيامة، فإذا جاء ذلك فهو التخليد والدوام الذي ليس له فناء ولا زوال ولا له عن أهله براح ولا انتقال. (1/41) ________________________________________ وسألت: عن قوله: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته، الذين كانت العرب تدعوهم ملآئكة الله وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله كما قال الله سبحانه: ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون والملائكة هم الذين كانت العرب تدعوا والملائكة الذين كانوا يدعون فهم الذين يبتغون الوسيلة إلى الله ويرجون من الله الرضوان والرحمة. وسألت: عن قوله: بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا، يقول سبحانه: بعثنا أهل الكهف بعد طول نومهم في كهفهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا في كهفهم مقيمين أهم أم من علم لبثهم من الملائكة لبثهم في كهفهم هم الحزبان وهم في العلم والمكث مختلفان. وسألت: عن والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور، والطور: هو طور سيناء، وقد ذكره الله في غير مكان والبلد الأمين فأقسم بهما لما هو أعلم به سبحانه من أمرهما وكتاب مسطور في رق منشور هو ما نزل الله من كتبه وكتب في رق وغيره، والبيت المعمور هو بيت الله الذي يعمر أبدا بذكر الله وبالوافدين في كل حين، إلى الله كما قال سبحانه لإبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما: طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود. والسقف المرفوع: هو السماء والبحر المسجور هو البحر الأعظم، المسجور: فهو المحبوس على حدوده ومنتهاه، فليس يجوز حدا من حدوده ولا يتعداه. وسألت: عن قول الله تبارك وتعالى إن إبراهيم لأواه حليم، فإن الأواه المتأوه هو الرحيم والحليم هو اللبيب الحكيم. (1/42) ________________________________________ وسألت: عن قوله سبحانه: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم الآية فتأويل فهل عسيتم هو لعلكم أنتم أيها المدعون من كنتم وتأويل توليتم هو أدبرتم عن الإجابة والقبول والإنابة أن تفسدوا في الأرض بقتل بعضكم لبعض فتقطعوا الأرحام، إذا لم يجيبوا الإسلام لأن من لم يجبه أفسد في أرض الله إذ لم يتبع حكمه ففجر في دين الله وقطع رحمه. ومن أجابه أصلح، ووصل إذا سمع عن الله وقبل ولم يتول ولم يدبر فلم يفسد ولم يفجر. وسألت: عن تأويل قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، وقلت: ما معنا أو ادفعوا فتأويل قاتلوا يعني كونوا بقتالكم لله مطيعين أو ادفعوا فكونوا بقتالكم عن أنفسكم وحرمكم مدافعين إن لم تكونوا لله مجيبين، وفي ثوابه على القتال لعدوه راغبين. وسألت: عن قوله: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا الآية يقول الله سبحانه ليس على من اتقا وأمن جناح يعني إثما فيما أكل وطعم من طيبات الأطعمة التي ليست عند الله بمحرمة لأن من المؤمنين من كان يترك أكل بعض الطيبات زهادة في الدنيا والتماسا في ذلك لما يحب الله ويرضى، وممن ذكر بذلك عثمان بن مظعون كان فيما بلغنا قد حرم على نفسه أكل اللحوم فنهاه الله وغيره من المؤمنين عن تحريم مالم يحرم من المطاعم الطيبة، وقال: يآ أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين فأخبرهم سبحانه وغيرهم من الأتقياء البررة أنها لمن أمن به في الدنيا خالصة في الآخرة، فقال سبحانه: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. (1/43) ________________________________________ وسألت: عن قوله سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتيدتم الآية، إنما قال سبحانه للذين قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا من دينهم وأكثروا الاتباع لدين غيرهم عليكم بأنفسكم خاصة فليس يضركم إذا اهتديتم ضلال من اعتقد ضلاله كان أبا أو غيره، لأن كل أمرئ إنما يحاسب بما عمله وما له فإن اهتدى نجا سالما وإن ضل هلك ظالما، لأنه لا يزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وسألت: إن الذين يدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ) ألهم أرجل يمشون بها الآية، إن الذين تدعون من دون الله فهو من دونه سبحانه كذبا وافتعالا وقد يكون تأويل من دونه أنهم دونه كبريا وجلالا، والذين كانوا يعبدون فهم من عبدوا من الملائكة المقربين، ومن كانوا يعبدون من دونه من الآدميين، ومن عبد من الناس أحدا من الشياطين هؤلاء كلهم فهم عباد أمثالهم وقد عبدوا من عبدوا من العباد ما كانوا يعبدون من الأصنام والتماثيل والأوثان التي ليس لها أرجل ولا أيدي ولا أعين ولا أسماع ولا عندها لأحد عبدها أو لم يعبدها ضر ولا انتفاع وفي الأصنام ما يقول الرحمن له الكبرياء والجلال. ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها، وما ذكر من غير ذلك عند ذكرها وليس شيء من ذلك كله لها، فكيف يعبدونها مع زوال ذلك كله عنها، وهو أفضل في ذلك كله منها، إلا لفعلهم الفاسد المدخول بالمكاثرة لحجة العقول. وسألت: عن قوله: يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم قالوا لا علم لنا، ومسألة الرسل من الله عن ما أجيبوا في يوم البعث فمسألة عن الله ذات حقيقة وحكمة ورحمة برية من كل جهل وعبث وإنما هي تقرير لهم ولأممهم وتعريف وتوقيف وإبانة أنه لا يأخذ أممهم إلا بجرمهم لأنه هو الله الرحيم الرؤف وأنه علام ما خفي عن الرسل من غيرهم فيما كان من الجواب لهم في حسناتهم وذنوبهم. (1/44) ________________________________________ وسألت: عن قوله سبحانه لرسوله صلى الله عليه: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك ليس قوله سبحانه: فإن كنت في شك أنه فيه، ولا أنه يشك في شيء مما نزله الله إليه، ولكنه تنزيه له من ذلك كله، وتثبيت ليقينه وليفضله فيه على غيره، ألا ترى أنه يقال لمن كان موقنا يقينا صادقا، وكان فيما اعتقده منه كله معتقدا اعتقادا محقا أن كنت يا هذا في شك مما أمرك فنسب فيه بغيرك فيغضب على من قال له ذلك لنفسه كان موقنا بذلك في دنياه أو دينه، وقد يكون من أسباب اليقين لغيره برسالته وما نزله الله عليه من حكمة وآياته ما في أيدي أهل كتب الله من ذكره وهدايته في دينه وأمره فقال سحبانه: إن كنت ولم يقل إن كان غيرك ممن آمن أو لم يؤمن في شك أو ارتياب، فاسأل عن أمرك أهل الكتاب. وسألت: عن قوله: يآ أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم الآية شهادة بينكم هي الشهادة بينكم في قضاياهم ومواريثهم عند نزول الموت وحضوره عند ما يكون في ذلك للميت من أموره أن يستشهدوا عند الموت شهيدين من أنفسهم أو آخرين من غيرهم أن لم يحضر مسلمان عند الموت مرة لأنه ربما حضر الموت الرجل المسلم في السفر أو غيره، وليس عنده إلا كافر أو مجرم فيضطر إلى شهادتهما وإن هو لم يرض بهما. (1/45) ________________________________________ فإذا كانا معروفين في دينهما بالتحرج من الزور والظلم، استشهدا على الوصية وغيرهما إذا لم يظفر بمسلم فإن عثر وهو ظهر على أنهما آثمان وأنهما ليسا بصادقين فيما عليه، يشهدان حبسا بعد صلاة من الصلوات وحبسهما وقفهما فأقسما في وقت مما ذكر الله من الأوقات، وإن ارتبتم هو ظننتم أنهما كذبا فزادا أو نقصا فليحلفان بالله لا نشتري بشهادتنا وقولنا ثمنا، ولا نشهد بغير الحق لأحد ولو كان ذا قربى ولإن فعلنا فكتمنا شهادتنا إنا إذا لمن الآثمين، يريد إنا إذا لمن الظالمين، وفيما في الشهادة من الظلم بالإخفاء لهم في الكتم ما يقول الله سبحانه: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه فإن إستحقا أنهما كاذبان حلف من المظلومين آخران. مما سئل عنه الإمام القاسم بن إبراهيم عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم سألت يرحمك الله عن قول الله سبحانه فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري، فقال: فتنهم في بلوى الله لهم من بعد موسى بما كان من العمل فيهم، وإضلال السامري لهم فهو بدعائه إياهم إلى ما قالوا به من العجل أن يقولوا هذا الهكم وإله موسى، وبما ألقى من القبضة التي أخذها من أثر الرسول فنبذها في جوف العجل فخار فكان لهم في ذلك من الفتنة ما كان، وكان قولهم في ذلك، ولما رأوا منه في العجل، إنما قالوا: لما سمعوا صوت خواره ضلوا به كما ضلوا أن قالوا فيه بما قالوا. وسألت: عن قول الله سبحانه: وما أنزل على الملكين ببابل إلى قولهم: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله، فقال: الإذن من الله في هذا الموضع هو التخلية والاستطاعة التي جعلها الله في السامري والتقوية، وليس بإذن من الله ولا رضى. (1/46) ________________________________________ وسألت: عن قوله: (أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، فقال: الختم من الله على قلوبهم وعلى سمعهم وما جعل على أبصارهم من الغشاوة كالرين الذي قال الله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، والختم فهو الإقفال وهو الطبع فمعنى هذه كله واحد فيهم وهو بما وجب من لعنة الله عليهم. وسألت: عن قوله: ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا فقال: والأكنة هي الحجب وهي مثل الطبع والختم. وسألت: عن قول الله سبحانه: ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم يقول الملائكة ما أنتم عليه بغالبين ولا إليه بمجبورين إلا من هو صال الجحيم يقول لا يجيبكم إليه ولا يرضى قولكم فيه إلا من هو أهل النار والعذاب الأليم. وسألت: عن قوله: ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم فقال: ومن يرد الله فتنته من بريته ابتلاه أو إضلاله أو أخزاءه فمن شاقه وعصاه فلن تملك له من الله في ذلك شيئا، والملك في ذلك والقدرة لله وحده لم يرد الله أن يطهر قلوبهم يريد سبحانه أنه لم يرد تزكية قلوبهم ولا تطيبها بما هم عليه من معصيته لأنه إنما يطيب ويزكي قلوب أهل طاعته فأما من لم يرد أمره ولا توبته فليس يزكي قلبه ولا يطهره. وسألت: عن قول الله تعالى: فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشآؤن إلا أن يشاء الله فقال: ولذلك ما يشاء الاستقامة إلا وقد شأها الله قبله ورضيها فيما نزل تبارك وتعالى وقواه عليها ودله جل جلاله إليها. وسألت: هل يصح الحديث الذي جاء أن النبي صلى الله عليه قال: الأئمة من قريش فقال: الأئمة كذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله في الإسلام منهم، وهو صلى الله عليه وولده وذريته فمن قريش لا من غيرهم. (1/47) ________________________________________ وسألت: عن قوله سبحانه: قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون، من هؤلاء فقال: هم هوازن وهم أشد الناس بأسا، وقد قالوا: فارس والروم، وقالوا: بني حنيفة. وسألت: ما تفسير الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وآله: ؛صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية«، فقال المرجئة: الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل وغير ذلك من الأقاويل المختلفة لهم ما قد عرفت القدرية فهم المجبرة. وسألت: عن قوله سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فقال: أولوا الأمر أمراء السرايا وعلماء القبائل وحلما العشائر والحكما الذين يأمرون بالمعروف والهدى وينهون عن الرد إنما أمروا بما أمر به رب العالمين وأبرار آل الرسول صلى الله عليه وعلماؤهم وهم ولاة الأمر منهم لما فضلهم الله به على غيرهم من قرابة رسول الله ومشاركتهم لأهل البر فيه فلهم من القرابة ما ليس لغيرهم هم شركاء الأبرار في برهم. وسألت: هل ذهب من القرآن شيء، وما يروى في المعوذتين فقال: المعوذتان من القرآن، وقال: وكيف يذهب من القرآن شيء، وقد قال الله: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، وقال: قرآن مجيد في لوح محفوظ. وسألت: عن أي سورة نزلت أول ما نزل من القرآن وما نزل بمكة وما نزل بالمدينة وما أخر ما نزل من القرآن فقال: يقولون أول ما نزل إقرأ باسم ربك وآخر ما نزل إذا جاء نصر الله، وقد قيل: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله آخر آية. وسألت: عن معنا قول رسول الله صلى الله عليه لعلي: ؛أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي« فقال: يقول أنت تكفيني ما كان كفا موسى في قومه عند مخرجه عنه، وكذلك أنت فيما خلفتك عليه بعد مخرجي من أمتي ودار هجرتي وإنما قال: هذا في مخرجه إلى تبوك. (1/48) ________________________________________ وسألت: عن قول النبي صلى الله عليه: ؛من كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فعلي وليه فقال: تأويله من كنت ناصره فعلي ناصره، وذلك أن المولى في لسان العرب هو النصير. وسألت: عن قول الله عزوجل: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فقال: لقدر رضي الله عن المؤمنين فكل مؤمن زكي بايعه مصطفى عند الله رضي بايعه تحت الشجرة فقد رضي الله عنه كما قال: لا شريك له. وسألت: عن قوله سبحانه: اليوم أكملت لكم دينكم فقال: إكمال الله لدينهم فإسلامهم ما فصل الله لهم في كتابه من حلالهم وحرامهم، وذلك بعد إكمال الله لا شرك له في تحريمه وتحليله، وقد قيل: إن هذه الآية نزلت في حجة الوداع والحج آخر ما نزلت فريضته. وسألت: ما الذي ادعت فاطمة رضي الله عنها في فدك أن رسول الله صلى الله عليه وهبه لها في حياته وشهد لها علي وأم أيمن وما ادعى أبو بكر فقال: أدعت فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وهب فدكا لها في حياته وشهد لها به مؤمنان علي وأم أيمن. وسألته: عن معنى خصومة علي والعباس إلى أبي بكر، ثم إلى عمر فيما قد روي عنهما فقال: ليس هذا بشيء، ولا يصح ولا يلتفت إليه قد كان النبي صلى الله عليه دفع إلى علي بغلته وفرسه ورمحه ودرعه وعمامته. وسألته: هل كان أبو بكر وعمر في بعث أسامة بن زيد وكيف هذا، فقال: قد كانا جميعا في جيشه وبعثه، وسألته: كيف كان يأتي الوحي إلى النبي صلى الله عليه فقال: كان إذا نظر إلى جبريل في أول نظرة يصيبه ما يصيبه فأما الوحي من القرآن فإنما يقرءه عليه فيأخذه من فيه لأن الله يقول: سنقرئك فلا تنسى، وقال: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا أي كريما شريفا. (1/49) ________________________________________ وسألته: ما ترى في شهادة أهل الخلاف وذبائحهم من المرجئة والمشبهة والفساق وشربة الخمور وفي أسواق العامة فقال: أما ذبائح أهل الملة كلهم فتوكل إلا من كان لا ينفي عن الله التشبيه فإني لا أحب أن نوكل ذبيحته وشهاداتهم إذا كانوا أهل ورع وأمانة وإن كانوا أهل الخلاف فيجوز إلا أنه قد ذكر أن الخطابية هم صنف من الروافض يتقارضون الشهادة فيما بينهم فإن كانوا كما يذكر عنهم فلا تجوز شهادتهم ولا نِعْمَةَ عَيْن. وسألته: أين موضع الجنة والنار يوم القيامة فقال: خلقت الجنة والنار وهما في غير سمآء ولا أرض ولو لم يحلقا لم يكن يقال: أخره أنها قد خلت مع الدنيا وسألته: هل يصح ما روي عن النبي صلى الله عليه أن في ثقيف كذاب، ومتهم وهل يصح ما قيل في المختار أنه تنبأ، وقال: ليس يصح في المختار ما يقولون، وقد كانت له أفعال وأيادي محمودة وقد دعا له جميع آل محمد الرجال والنساء حين بعث إليهم برأس عبيد الله بن زياد لعنه الله. وسألته: عن قول الله سبحانه فاسألوا أهل الذكر، ومنهم فقال: أهل العلم والفقه، وقال: وأهل الذكر من نزل عليه كتبه من بني إسرائيل. وسألته: ما معنا ما قالوا في اللوح والقلم، فقال: واللوح المحفوظ فهو علم الله الذي قد أحاط بجميع ما كان وما يكون ليس هنالك لوح ولا قلم. وسألته: هل يخرج من دخل النار بعد مدخله فيها، فقال: لا يخرج منها من دخلها ولا يدخلها من المؤمنين الأبرار أحد والله محمود لأن الله ذكر أن من دخلها خالد فيها، ولم يذكر خروج أحد. (1/50) ________________________________________ وسألته: هل أوصى النبي صلى الله عليه إلى أمير المؤمنين في الخلافة وهل أكرهه القوم على م فقال: قد أخبر النبي صلى الله عليه بما يكون في أمته من بعده في بيتهم كتاب الجفر من الملوك إلى نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه، وبما يكون في أمته من الاختلاف، ووصف كتاب الجفر وذكر أنه يقطع وذهب، وقد كان صار إلى هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية ونسخته عند آل محمد يتوارثونه، وأما أمر القوم فقد عرفته وما كان من تخليطهم، والله المستعان. وسألته: عن قول الله سبحانه: وفي الأرض قطع متجاورات فقال: قطعة مالحة وقطعة لينه وقطعة أعدي وقطعة لسقي وقطعة حمال، وقطعة عمران وقطعة خراب بعضها إلى جنب بعض متجاورات ثم وصف موضع كفه في الأرض ثم دفعها ووضع أيضا إلى جنب الموضع الذي كان وضعه أولاً. وسألته: عن عيسى عليه السلام، وقد تعلم أرشدك الله أنه قد مات من قبل عيسى كثير ممن كذبه ومات بعده كثير فكيف يؤمن به ولم يحضر رجعته صلى الله عليه ومن لم يدرك دهره وحديثه رجعته فما قد جاءت به الأخبار من أنه صلى الله عليه يرجع إلى الدنيا نازلا من السماء فيحتج الله سبحانه على خلقه بما أبلغهم أولا ولرسوله محمد من الحق. (1/51) ________________________________________ ويحتج لمحمد صلى الله عليه بما أبلغ قومه فيه من الإيمان بما جآء به محمد صلى الله عليه من آيات الله وكتابه ويأمرهم باتباع محمد صلى الله عليه ويبين لهم ما حرفوا من كتب الله في محمد صلى الله عليه والسلطان سلطان آل محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم، وقالت المعتزلة: إنه لا يرجع إلى الدنيا وأنه توفاه الله وتأولوا فيه قول الله لا شريك له فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وقوله: إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وقال: من خالفهم تأويل إني متوفيك تسليمه له غير مجروح ولا مكلوم ولا مصلوب، كما قال الذين لا يؤمنون أنه صلب وقتل كذبهم الله تبارك وتعالى، فقال: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وأي القولين قيل. واحتج به محتج فليس فيه بحمد الله زيغان ولا حرج ولا يستنكر من الله تبارك وتعالى أي ذلك ما كان لأن الله تبارك وتعالى ذو الحكمة والبيان. وسألته: عن قول الله: لا شريك له الرحمن على العرش استوى فقال: هو ملك وعلا، وكذلك تقول العرب: فيمن ملك بلدا وغلب ملكه فيه أنه قد استوى عليه إذ ملك وغلب فيه، وليس يتوهم ما ذكر الله من ذلك استوى مقعد ولا مشابهةَ في القعود بين الله وبين أحد، وكذلك ثم استوى إلى السماء فهو علوه عليها ونفاذ أمره وخلقه وصنعه فيها. وسألته: عن قول الله سبحانه: وكان عرشه على الماء وسع كرسيه السموات والأرض فقال: العرش رحمك الله والكرسي فإنهما ملك الله وسلطانه كمال العرش والكرسي مقعد كل ملك ومكانه وليس يتوهم من آمن بالله أن ما ذكر الله سبحانه من كرسيه وعرشه ككراسي خلقه وعروشهم التي كانت تكون مقاعد لهم في ملكهم وكان عرشه على الماء، وكان ملك الله على الماء إذ ليس إلا الماء كما ملكه اليوم على الأرض والسماء وعلى جميع ما فيهما من الأشياء. وتأويل كرسيه إنما هو وسع ملكه السموات والأرض ووسعه لهما إحاطته بهما، وقدرته عليهما وعلى كل ما فيهما. (1/52) ________________________________________ وسألته: عن قول الله سبحانه: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب فقال: ليس يتوهم عاقل أن احتجاب الله بإرخاء ستر ولا بإغلاق، ولكنه كما قال سبحانه: لعجز الأبصار عن دركه بالرؤية والعيان إذ يقول سبحانه: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهذا فهو أحجب الحجب وما لا يكون إلا الله تبارك وتعالى. وسألته: عن قول الله سبحانه: يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم هل كان ذلك من الله للنار كلاما ? فقال: هو مثل قول الله سبحانه: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون يخبر سبحانه أنه لا يمتنع عليه إذا أمر أو لاكونا، وكذلك قوله: يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم، إنما هو ما صيره الله فيها من النجاة والتسليم، كما قال سبحانه: وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار. وسألت: عن قول الله سبحانه للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فآؤا فإن الله غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم، فقال المولي الحالف بالله أو ببعض الأيمان ألا يقرب أهله فانظره الله أربعة أشهر، وأجله فإن فاءوا لفي أن يرجع إلى مداناة أهله كان ذلك له، وكان الله غفورا رحيما، فيما أخطأ به على نفسه من اليمين وإن مضا لحاجته لم يكن له إضرار لزوجته فإن عزم على فراقها فإن الله سبحانه كما قال سبحانه سميع عليم، ولم يذكر الله في الإيلاء كفارة ولكنه قال: فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم. وسألته: عن قول الله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا، فقال: خشوعها سكونها، وأما الهمس فهو حين الإقدام الذي ليس معه صوت ولا كلام لما يدخل قلوبهم من الرعب والخوف والفزع، ولما عاينوا عند ظهور آيات الله في القيامة من الأمر الهائل المستفظع. (1/53) ________________________________________ وسألته: عن قول الله سبحانه: ومن دونهما جنتان هاتان أخر وإن بعد الجنتين المذكورتين وهذه الجنان كلها فهي في الجنة غير أنها مواضع نعيم مرتبة والجنة تجمع هذه الجنان كلها. وسألته: عن قول الله سبحانه: والذين يرمون المحصنات فقال: يرمون يقذفون المحصنات بأن ينسبوا إليهن الفاحشة التي لا تكون منهن فأخبر الله سبحانه أن من قال فيهن رميا لهن وكذبا عليهن ثم لم يأت بشهود أربعة وجب عليه الحد ثمانين جلدة وسقطت منه العدالة، ولم تجز له شهادة إلا أن يحدث له توبة. وسألته: عن قول الله لا شريك له، وأحسن نديا، فقال: الندي المجلس وكذلك الندى والنادي ولذلك قال الله في لوط صلى الله عليه حين قال لقومه: وتأتون في ناديكم المنكر يعني بالنادي المجلس. وسألته: أو تسمع لهم ركزا فقال الركز: هو الحس. وسألته: عن قول الله: ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون فقال: في هذا ونحوه الاختبار والخير والشر والخير ما يكون من الله ليس من أفعال العباد الخير من ذلك الخصب وكثرة الأمطار وصحة الزمان ورخص الأسعار وقلة الأمراض وطول الأعمار وكثرة الأولاد وسعة الرزق، وزيادة الثمار، والشر أفعال آخر كالخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات فطوبا للصابرين كما قال الله سبحانه: وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون ) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون. وسألته: عن قول الله سبحانه: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فقال: الرجس الفعل الردي النجس من المعاصي والأدناس والاسفاه التي تكون في بعض الناس فأمر الله سبحانه النبي صلى الله عليه وأمر أهل بيته بتقواه وطاعته وترك الرجس من جميع معصيته بما أذهب عنهم من كل رجس أو دنس وبعّدهم به من كل معصية ونجس وطهرهم كما قال الله سبحانه تطهيرا وجعل لهم بما نزل فيهم من هذه الآية ذكر آ عليا، وشرفا كثير ا. (1/54) ________________________________________ وسألته: عن قول الله سبحانه: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، فهو ما جعل الله في الأرحام من طمثهن وحملهن لأن ينقطع به ما بين الأزواج وبينهن إذا كان من أزواجهن فينقطع بينهم الميراث والرجعة، وربما كرهت المرأة من زوجها المراجعة التي الزوج عليها ملك ما لم تستكمل العدة ويكون رأي زوجها لو علم له منها بحمل أن يرتجعها ويكون ذلك له عليها ما لم تضع حملها فتكتم لكراهتها لزوجها ما خلق الله من الولد في رحمها حتى تضع وتلد، فلا يكون له عليها ملك، ولا رد فتكون بذلك لزوجها مضارة وبه مضرة وبأمر الله فيما أمرها به من ذلك غير مؤتمرة، وكذلك إن كتمت ما خلق الله في رحمها من طمثها وحيضها الذي به تنقضي به عدتها، وتزول نفقتها وموارثتها كانت في ذلك كله لله عاصية وعن أمره ونهيه عاتيه. وسألته: عن قول الله سبحانه: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فقال: صدقاتهن مهورهن ومهورهن فأجورهن ونحلة فإنما هي هبة مسلمة لهن فأمرهم الله أن يؤدوا ذلك إليهن وجعله حقا عليهم لهن لا يسعهم حبس شيء منه عنهن إلا بطيب نفس منهن أو هبة يهبنها للأزواج عن طيب من أنفسهن فقال سبحانه: فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريآء. وسألته: عن قول الله سبحانه: ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون فقال: إن الموالي هم الولاة والقرابة المتوارثون ولأنه قد يرث غير القريب وإنما أراد الله بالموالي في هذه الآية كل نسب، ألا ترون أن الزوج والزوجة قد يرثان وإن لم يكن بينهما نسب لأن لكل من كان حقا وحرمه ونسبا. (1/55) ________________________________________ وسألته: عن قول الله سبحانه: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه فإنما هو خلاف على اليهود فيما كانوا يحرمون ما لم يحرم الله من أشياء كانوا يحرمونها، وخلاف على أهل الجاهلية أيضا في تحريم أشياء كانوا يفترون على الله فيها الكذب فلا يستحلونها، وهي أشياء تكثر عن أن تعدفيما كتبنا لكم من هذا الكتاب، وليس مما يحتاج إليه فيما سألتم عنه من الجواب، وليس يحريم في مأكل ولا مطعم إلا ما حرم الله في كتابه المحكم. ومن ذلك ما ذكر في هذه الآية وغيرها من أشياء كثيرة لا يحتاج في جوابكم هذا إلى تفسيرها منها أكل أموال اليتاما ظلما، ومنها أكل ما جعله الله من الربا محرما، ومنها: أكل أموال الناس بالباطل كثير آ مما نهى الله عن أكله لكل آكل، فقال سبحانه: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون، فقال سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا لاتأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون وقال سبحانه ولا تأكلوا أموالكم بينهم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا. فحرم الله هذا كله، إذا كان لمسلم ملكا ومالاً مواتا كان أو حيوانا ولم يحرم سبحانه على طاعم أن يطعمه من حيوان الأنعام إلا ما ذكر الله في الآية مما خصه بالذكر من الحرام فأحل سبحانه ذلك كله مستحلا ولم يحرم شيئا منه تحريما فأحل ما حرم منه، وفيه لمن اضطر من المؤمنين إليه، وفي إحلاله لذلك وإفضاله وما منَّ به فيه من حلاله ما يقول سبحانه: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم. وليست المغفرة هاهنا من ذنب ولا عن حرام مرتكب ولكنها مغفرة تحفيف ورحمة فيما وضع من من التكليف. (1/56) ________________________________________ وسألته: عن قول الله سبحانه: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض فهي سماوات الآخرة وأرضها الباقية وليست سموات هذه الدنيا ولا أرضها التي هي زايلة فانية. وأما إلا ما شاء ربك فإنما هو عن قدرة الله على إفنائها إن شاء، وذلك فهو كذلك إذا كان هو الذي خلق وإنشاء لأنه لا يقدر أحد أبدا على أن يبقى شيئا تخليده وإبقاه إلا من يقدر إن يفنيه فلم يشأ سبحانه إفناه ولكنه شاء تخليده وإبقاه وأخبر بقدرته إن شاء على الإفنا كما قدر على الإبقاء وأن أهل الجنة فيها بإبقائه لهم باقون فإنهم خالدون فيها أبدا لا يفنون وكما لا تفنا أرضهم فيها ولا سماؤهم فذلك لا تفنا ما بقيت الجنة بقاؤهم والحمد لله الذي لا يخلف وعده ولا يخلد من الأشياء إلا ما خلده. وسألته: عن قول الله سبحانه: وكل شيء أحصيناه في إمام مبين فقال: فإنه يقول سبحانه في علم عليم ولا يتوهم أن ذلك إماما من الكتب وأن اللوح لوحا من خشب فإنما يراد بها ومثلها إحاطة الله بعلمه كله لأن أحفظ ما يحفظ الآدميون ما يوقعون في الكتب ويكتبون فمثل الله ذلك لهم من علمه وحفظه بما يعرفون وأخبرهم أن الذي عنده سبحانه من ذلك، وفيه كله على خلاف ما يصفون لفرق ما بينه وبين خلقه في كل صفة وليعرفوه في ذلك كله من الفرق بما يجب المعرفة. وسألته: عن قول الله سبحانه: سلام عليكم فليست عليهم بتحية ولا تسليم، ولكنها جهرة لهم وقطعة بينة وبينهم وتكليم. وأما ما سألت عنه من: والنجم والشجر يسجدان فتأويله يخضعان لله ويذلان بكل ما فيهما من أصل وفرع أو مفترق من أفنائهما أو مجتمع عن إمام. (1/57) ________________________________________ سألت: في إثبات الإمامة هل تجوز الصلاة خلفه إذا كان وافقا في غيرها من أمر الدين فقال: إن الولاية واجبة من الله عزوجل بتنزيله في كتابه لكل فاضل على كل مفضول ولكل عالم من الخلق على كل مجهول، وأولى الناس بها أقربهم إلى الله قربة وأرفعهم عند الله منزلة ودرجة وأولئك هم السابقون كما قال الله سبحانه: والسابقون السابقون أولئك المقربون فأولاهم بها أقربهم إلى ربهم وإمامهم فهو أعلمهم وأعلمهم فهو أسبقهم إلى الإيمان والإحسان وأعرفهم وأحكمهم بما نزل الله في الفرقان، وفي ذلك وكذلك ما يقول الله سبحانه: وفوق كل ذي علم عليم. ويقول سبحانه: أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون في كل هذا يخبر أن الولاة والأئمة في كل قرن وزمان هم الذين يعلمون، وفي كل هذا وما لم يذكر من أمثاله مما نزل في الكتاب دلالة بينة ظاهرة نيرة لأولي الألباب. وأما الصلوات: فلا يجوز فيها أن يؤتم إلا بكل زكي بر برئ من الملاعب كلها والملاهي ومن لم يعرض عن الله وهو كل لعب وهو فليس من عباد الله وعباد الله الذين ذكرهم بالإعراض عن اللغو فهم العباد لله كما قال سبحانه: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاما إلى قوله: والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما، وقوله سبحانه: وإذا سمعوا اللغوا أعرضوا عنه، وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم. ومن الزور ولهو الأمور الغناء والدف واللعب والعزف وما يعرض عن ذلك من سمعه وحضره ولا من لم ينكر منكره، وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول: ؛صوتان ملعونان فاجران في الدنيا والآخرة صوت عند نعمة لعب، ولهو ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة خمش وجه وشق جيب ورنة شيطان«. (1/58) ________________________________________ فمن اشتبه عليه فذكر الإمامة وما حكم الله به من ذلك على الأمة ولم يدر أفرض الله ذلك عليه أو لم يفرضه ولم يعلم من ذلك ما يلزمه فهو ضال غير مهتدي وأمره في ذلك مسخوط عند الله غير مرضي لأن الله كلفه العلم كما كلفه العمل فجهل من ذلك ما علم فعليه أن يتعلم ما جهل فإن لم يفعل كان مقصرا ولم يكن مهتديا ولا برا. ثوب كافرا وجسد كافر وهو مبتل فقال: إنما المشركون نجس كما قال الله سبحانه: فلا يقربوا المسجد الحرام، وهو في النجاسة كالدم المسفوح الكثير وكالميتة ولحم الخنزير وإن أصاب شيء من ذلك كله من المشرك أو غيره جسد مسلم أو ثوبه أو مصلا مسلم أو مسجده فبان في شيء من ذلك قذر أو نتن ظاهر مبين غسل ذلك وطهركما يغسل البول والعذرة وإن لم يبن من ذلك أثر، ولم يظهر به قذر ولا نتن كان كما لم يكن وكما يبقى من العذران، وما يكون في الأودية من ماء الأمطار الذي يكون فيه الدم المسفوح الكثير، والميتة والجيف ولحم الخنزير فلا يتبين في الماء أثر ولا يظهر فيه نتن ولا قذر فلا بأس بشربه ولا في الوضوء به لأن اسم الماء لازم له. وقد قال الله سبحانه: ماء طهور آ وما لزم الماء إسمه كانت له طهارته وحكمه، وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله كان يتوضى من بير بالمدينة يقال لها: بضاعة وكان يلقى فيها الميتة والجيف، وخرق الحيضة لأنه لا يبين في البير نتين من النتن والأقاذير، وكذلك ما مس المشرك أو لباسه من ماء مسلم أو ثيابه فليس على المسلم غسله ولا تطهيره إلا أن يبين نتنه وقذره ويغيره ولا ينبغي لمسلم أن يمس المشرك جسدا أو لباسا لأن الله جعل المشركين أنجاسا، وليس ينبغي أن يمس المسلم ولا يلمسه. وقد ذكر عن بعض السلف الماضين منهم الحسن بن أبي الحسن البصري أنه كان يتوضى، من مصافحة اليهود والمجوس والنصارى ولسنا نحن نوجب ما أوجب الحسن. (1/59) ________________________________________ وسألته: عن رجل كان في حداثة وغرته لا يتأهب لوضوء ولا يثيره من بوله والخمر والمسكر أيجب عليه أن يعيد ما صلى في تلك الحال قال: من كان كما قلت رحمك الله تاب إلى الله من ماضي إسائته وتقصيره وحافظ فيما يستقبل على ما أمره الله بالمحافظة عليه من أمر الصلاة وغيره وكان بذلك إن شاء الله مجتزيا وفيما بينه وبين الله في التوبة مكتفيا. وسألته: عن رجل ترك الصلاة في حداثة عشر سنين وكان شارب مسكر ثم تاب أيعيد الصلوات أم كيف يصنع فأجاب فقال: من ترك صلاته عشر سنين مقلا كان في الترك أم مكثر أتاب إلى الله فيما يستقبل من ترك صلاته كما يتوب إلى الله من غير ذلك من سيئاته وإن كانت توبته إلى الله من ذلك في نهار صلى مثل ما ترك من صلاة النهار كله وإن كانت توبته إلى الله من ذلك ليلا صلى مثل ما ترك من صلاة ليله وليس عليه ما مضا من السنين إذا تاب إلى الله رب العالمين. ولو لزمه قضاء الصلاة لزمه قضاء غير ذلك من الفرائض والواجبات. وسألته: عن رجل له أبوان وأولاد فساق فماتوا أو مات منهم ميت استغفر لهم قال: من كان والده أو ولده فسقة أو فجرة لم يحل له أن يستغفر لهم لأن الاستغفار طلب وشفاعة، وقد قال الله سبحانه في الملائكة: الذين اصطفاهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى، وقال سبحانه في إبراهيم صلوات الله عليه وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم. (1/60) ________________________________________ وقال سبحانه: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربا من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم. فكذلك الاستغفار لا يحل لمن وعده الله بالعذاب الأليم لأن في ذلك طلبا لإخلاف الوعد والوعيد ولا يجوز طلب ذلك من الل الولي الحميد المجيد الذي لا يخلف وعده ولا يظلم أبداً عبده ولا تستوي منزلة الأبرار والفجار عنده كما قال سبحانه: أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار. وقال سبحانه: أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون يريد سبحانه ما لكم لا تفقهون ولا تعلمون. وسألته: عن رجل مات وعليه صلوات كثيرة فايتة أيقضيها عنه ولده من بعده، قال: الصلاة يرحمك الله لا يقضيها ولد عن والده ولا أحد من الناس كلهم عن أحد لأن الصلاة لا تكون أبدا إلا من مصليها، ومن قصد إلى الله بها وخشع فيها وليس كالحج لأن الحج له بلغة ومعونة وفي الحج نفقة للحاج وكلفة ومؤنة. وسألته: عن رجل له قرابات فسقة لا يصلون ولا يصلحون أيقطعهم أم يصلهم فإن قطعهم أيكون قاطعا لرحمه أم لا، قال: ليس لأحد من المؤمنين أن يوآد أحدا من الفاسقين كان أبا أو إبنا أو أخا أو قرابة لقول الله سبحانه: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم. ولقوله سبحانه: فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا والإعراض: فهو الهجرة والمجانبة وسواء في ذلك القرابة وغير القرابة. وسألته: عن الأعجمي الذي لا يقيم القراءة وعن المرأة التي لا تحسن القرآن أتجزئ عنهم صلاة، قال: على الأعجمي رحمك الله وعلى النساء الأعجميات أن يقرأوا في صلاتهم ما تيسر من القرآن بالعربية لأن الله سبحانه يقول: فاقرؤا ما تيسر من القرآن. (1/61) ________________________________________ وسألته: عن رجل له جيران فساق يعلنون الشرب ويأتون المنكر فإن أنكر عليهم ساؤه وآذوه أيجوز له الكف عنهم قال: ينكر المنكر على من أتاه وإن ذلك خالفه وأسخطة وساءه إلا أن يتقي منه تقية أو يخشى منه مضرة أو بلية لقول الله سبحانه: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منه تقاة. وسألته: عن رجل صلى خلف إمام مخالف أيقتدى بصلاته أم كيف يصنع قال: من صلى مع إمام لا يقتدا به لم يصل بصلاته وصلى صلاته لنفسه، وكذلك كان يفعل الصالحون من آل محمد صلى الله عليه وعلى آله لأن المصلي إنما يصلي صلاته على عقده ونيته وعلى مهملة فإن صلى الصلاة بغير ذلك لم يكن له صلاة. قال النبي صلى الله عليه: ؛لا يؤمن فاجر برا ولا أعرابي مهاجر ا«، وقال صلى الله عليه: ؛صلاتكم صلاة إمامكم إن صلى قاعدا فصلوا قعودا وإن صلى قائما فصلوا قياما وإذا لم تقبل صلاة الإمام لم تقبل صلاة من خلفه، وإنما يتقبل صلاة من اتقاه وخافه والتقوى هي الإيمان والبر والإحسان ولا ينسب الإيمان بحكمة ولا بإسمه إلا لمن عرف به، والمعرفة بذلك فلا تكون إلا بأحد الوجوه الثلاثة، إما بعيان لذلك ومشاهدة، وإما بأخبار متواترة مترادفة، وأما بخبر من ذي ديانة وثقة وطهارة وأمانة فمن لم تكن معرفة إيمانه بأحد هذه الوجوه الثلاثة الموصوفة لم تكن حقيقة إيمانة أبداً عند أحد بمعلومة ولا بمعروفة. سئل: لأي معنى كره حف الشوارب، فقال: لما جاء في ذلك عندنا من الأثر ولما فيه من تشويه البشر ولكن يؤخذ أخذا وسطا لا مقصراً أو لا مفرطا فيه إن شاء الله ما كفى وأغنا. وسألته: عن معنى: لا حول ولا قوة إلا بالله ? فقال: لا حول ولا زوال ولا انتقال ولا قوة يريد لا احتيال إلا بالله وبقوته لمن قوى أو حال في كل شيء من علمه فكل ما كان فيه من قوة لذلك أو عليه فبالله سبحانه كانت. (1/62) ________________________________________ وسألته: كيف يسلم على مقابر العوام من عباد الله الصالحين، فقال: يسلم إن شاء الله على المؤمنين الصالحين والصالحات وفي سلامه عليهم ما كفاه إنشاء الله فيهم. وسألته: عن الصدقة على سؤال العامة، وأهل الأخلاق، فقال: لا بأس بالصدقة على كل سائل إن شاء الله من كان ولا أحسبك إلا قد سمعت أن رسول الله صلى الله عليه قال: ؛أعطوا السائل ولو على فرس«، ويقول في التلبية: إن الحمد والنعمة لك يعني بالكسر، وقال: جاء عن أبي جعفر محمد بن علي أنه كان يقول: والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الضحى قط إلا يوم فتح مكة. وجاء عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه كان يقول: يا بني إني لا أنهاكم عن الصلاة ولكني أكره لكم خلاف رسول الله صلى الله عليه. وسألته: هل على النساء الجهر في القراءة في الصلاة التي يجهر فيها فقال: لا يجهرن النساء من القراءة فيما يجهر فيه إلا بقدر ما يسمعن أنفسهن ولا يسمعه غيرهن لأن خفضهن لأصواتهن من سرهن. وسألته: كيف تكره الصلاة على اللبود والمسوح والسجود عليها ولا يكره لباسها، فقال: يكره ذلك لأن من التذلل لله وضع الوجه والجبين على الأرض وقرارها وترابها لأن السجود إنما هو تذلل لله سبحانه وخشوع من العبد فيما بينه وبين الله عزوجل وإن صلى على شيء مما ذكرت فلا تزعم أن صلاته فاسدة، ولا أن عليه الإعادة، وقال: لا يدخل الميت لحده إلا في أكفانه، وقد سمعنا ما سمعت يعني حديث القطيفة التي بسطت في لحد النبي صلى الله عليه وعلى آله وليس كل ما يروى يصح، وقد يكون أن توضع فيه القطيفة وغيرها ثم يرفع عنه. وسألته: هل تحتجب المرأة الشابة عن من ليس لها بمحرم فقال: تفعل المرأة من ذلك إن شاء الله ما أجاز الله لها في كتابه. من العربيات ?، قال: الأمر في ذلك إلى الأولياء وإليهن في ذلك السخط والرضى. (1/63) ________________________________________ وقال رضي الله عنه: رأيت المصحف بخط علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وفيه أيضا خط سلمان والمقداد وهو كما أنزل وهو عند بعض ولد الحسن وإن ظهر الإمام فستقرأونه وليس بين ذلك وبين الذي في أيدينا زيادة ولا نقصان إلا مثل قاتلوا أقتلوا وأشباهه لا في تقديم السور وتأخيرها. وسألت: عن الماء على الطرقات فيشرب منه المؤمن والفاسق أيوجر على ذلك فقال: يؤجر إن شاء الله، وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله قال: ؛في كل ذي كبد حرى أجر«، وقد سقا الله الناس من قبل الإسلام. وسألته: عن مرارة الذنب والسباع وكل ذي مخلب من الطير، فقال: لا بأس إذا تعولج بها وتداوا وكان فيها شفا، وأما الحدا أو الخنزير فلا ينتفع بهما فذاتهما محرمان. وسألته: عن الثياب التي تشترى من الأسواق من قوم ليست لهم معرفة أيغسل ذلك أم لا، قال: إذا كانت نقية ليس فيها دنس اكتفى بنقائها. وسألته: عن الكفار وأهل الكتاب حرام علينا طعامهم وشرابهم ونكاحهم، فقال: لا يأثم أحد في قوته وقوامه إذا أخذه من حلاله وإنما الإثم في الإفساد والإفراط. وأما النكاح فلم يحله الله إلا بالإسلام والملة. وسألته: عن الأخفاف التي تشترى من الأسواق والصلاة فيها لا يدرأ ذكية أم غير ذكية، وكذلك أشترى الثمن والزيت في زقاق أو ديابي لا يدرأ كيف كان أصل التذكية هل يجوز أكل هذه الأشياء والاصطباغ بها، فقال: أما الأخفاف فإذا خاف لا تكون ذكية كان الذي هو أفضل عندنا وعند آل رسول الله كلهم جميعا ألا يصلي فيها ولا يتوجه ولا يشرا و ما كان من السمن والعسل والزيت وغيرهما من إدام أو طعام فلا بأس أن يشترى إلا أن يتغير أو يبين فيه أثر أو قذر. وسألته: عن رجل له ولد يخالفونه في الرأي والدين هل يجوز له أن يحرمهم ميراثه ويزويه عنهم، فقال: إذا خالفوه في التوحيد وشبهوا خالقهم بشيء من خلقه فنعم إن قدر أن يحرمهم ويزويه عنهم وإن كان عند الله سبحانه أعذر وأولى. (1/64) ________________________________________ وسئل: عن الخمس في أموال الناس من هذه الفتوح التي كانت ولاتزال في أيدي المسلمين لم يخرجوا منها الخمس من سهم آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعطوا فقال: ليس على أحد في ماله من عين أو أرض أو عقار إلا ما فرض الله عليه من الزكوات من الفرض ولا يعمل حتى يقوم إمام عدل فيدفعها إليه أو يتحرى صاحبها أهلها فيدفع إليهم الزكاة. وأما الأخماس فهي لآل الرسول صلى الله عليه وعليهم. وسألته: عن آدم صلى الله عليه حيث أسكنه الله الجنة، ما كانت الجنة مخلوقة أم لا ? فقال: الجنة مخلوقة في غير سماء ولا أرض، وقد أسكن الله آدم وزوجته الجنة وأخرجهما منها بعصيانهما وأكلهما الشجرة. وسألته: عن الذبيح أهو إسماعيل أو إسحاق فقال: قد صح أنه إسماعيل على ما في كتاب الله من التنزيل لأن الذبح والقربان بمنى، وفي ذلك دليل على أنه إسماعيل لأنه كان بمنى وإسحاق يومئذ بالشام إلا أن اليهود تأبا وتزعم أن الذبيح إسحاق وليس قولهم في ذلك محمود ا. وسألته: عن بلد فتح بالسلطان الجائر ولا يدري كيف فتح عنوة أو صلحا إلا أنا وجدنا أرضها ودورها في أيدي أباينا وورثناها عن الأباء واشتريناها والسلطان قد وضع عليها خراجاً معلوما يأخذه منها في كل سنة فهل يجوز ما يأخذ السلطان منه أن نحتسبه من العشر فإنه إذا أعطا السلطان العشر لم يبق ما يكفيه لعياله وهو ذو عيال، فقال: أما ما ورث من الآباء وراثة ولم تكن الأمور في فساده بينة فملكه لأهله ولمن ورثه. وأما العشر فما أخرجت الأرض على من ملك من مسلم فلازم وترك ذلك والتقصير فيه على صاحبه محرم، وما أجد من ذلك من لا يستأهل الأخذ فهو واجب العشر على صاحبه فيما بقي في يديه ولا يزكى ما أخذ السلطان، وقد قال بعض القائلين علينه العشر في الجميع، وكيف يجب العشر في مالم يملكه، وما قد غصب عليه وأخذ من يديه، وإنما جعل الله العشر في ما يملكون. (1/65) ________________________________________ وسألته: عن الإسلام فقال: هو الاستسلام لله والاعتصام بالله قال: الله لا شريك له في إبراهيم صلى الله عليه أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين. وسألته: عن الإيمان فقال: هو الأمان من كبائر العصيان من الشرك وغيره من كل ما وعد الله عليه من ركبه وسمى به من أتاه من الفجار النار. وسألته: عن الضحية للمفرد، فقال: أحب إلي أن يضحي إلا أن يكون معسرا و ليس يلازم له. وسئل القاسم بن إبراهيم رضي الله عنه، أنها كانت صلواة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله إلى بيت المقدس بضع عشر شهرا إلا أنها كانت قبلة نبي إسرئيل، ثم نقل الله القبلة إلى بيته الحرام، وهي قبله الإسلام ما بقي الإسلام. وقال القسم عليه السلام ليس لإمام أن يقول إني إمام لأن هذا إنما يكون للرسول عليه السلام، ولذلك لم يقل علي صلوات الله عليه إني إمام لإشارة النبي صلى الله عليه إليه،، وكثرة دلائله عليه، ولما بان به وسبق إليه، وكذلك الإمام بعده له أية تدل عليه وهي العلم والبيان والسبق إلى الخيرات والدعاء إلى الله، والقيام بأمره. وحدثني محمد بن حاتم قال: قال أبو محمد قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لعبدالله بن جعفر إذا قمت إلى الصلاة فأرفع بصرك موضع سجودك ثم تستفتح بالقرأة فتجعل لسانك ترجمانا لقلبك لا تغيب قلبك عما يقول لسانك لا تعنا بشيء من شأنك إلا بما أنت فيه من صلاتك، ولا تذكر في تلاوتك غيرها تتلوه ويكون همك الآية التي تتلوها فإذا فرغت من القرآة وصرت إلى الركوع لم تذكر إلا التكبير وحسن الخضوع، وكذلك إذا اعتدلت في القيام لم تذكر إلا الركوع، وكان ذكرك السجود فإذا فرغت من ركعة حفظتها، ثم ابتدأت الأخرى تصنع فيها كما صنعت في الأولى لا تذكر غير قراءتك وغير حفظك لأن الصلاة لابد لها أن تحصا لا يزاد فيها ولا ينقص منها حتى تؤدي إلى الله عزوجل فرضك كما أمرك بعونه وتوفيقه. (1/66) ________________________________________ وسألته: عن من وجب عليه حد من حدود الله وليس به إمام بجده كيف يصنع قال: يتوب إلى الله فيما بينه وبينه ومن تاب إلى الله من ذلك كان مجزيا له إن شاء الله لأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر عنه أنه قال: من أتى شيئا من هذه القاذورة فيستتر بستر الله وليتب منها إلى الله. وسألته: عن أموال الجند وأعوان الظلمة وأنفسهم، فقال: أما ما كان من أموالهم التي كانت لهم وراثة قد أحرزوها في بيوتهم فلا يحل أخذها إلا أن يكون مال من أموال الله قد عرف أنه لله فيحكم فيه الإمام بحكم الله وسنة أمير المؤمنين صلوات الله عليه جارية من يوم الجمل. وسألته: عن نحل الرجل ثارت فذهبت فأخذها رجل فجمعها فجاء صاحبها الأول يطلبها، فقال: النحل ذباب ليس كسائر ما ملك الله العباد من أموالهم وأرجو ألا يكون على من أخذها بأس وإن نوزع رجل فردها على صاحبها فهو أفضل إن شاء الله. وسألته: عن أكل الحوت الذي يسمى الطير وما أشبهها من الحيتان فقال: هو حلال طيب لا بأس به وهو من صيد البحر الذي أحله للعباد. وسألته: عن من هدم مدينة من مدائن المسلمين بأمر كافر، وفيها ركز بيوت شرائهم أو عمل في هدمها، فقال: إذا اتقا وخاف ولم يكن إلا المحضر ولم يهدم ولم يفسد لم يكن عليه في ذلك شيء فإن هدم وأفسد شيئا لأحد يعرفه فيستحله منه أو يصالحه وإن لم يعرفه ولم يدر لمن هو تاب إلى الله في ما بينه وبينه وسلم إن شاء الله من الإثم بتوبته وأفسد. وسألته: عن رجل فاتته صلاوة حتى دخل وقت غيرها بأيهما يبدأ فقال: يبدأ إن شاء الله بالتي دخل فيها ثم يصلي مثل الصلاة التي قبلها. (1/67) ________________________________________ وسألته: عن الرجل يكون عنده الوديعة فيقلبها ويضمنها ويربح فيها لمن يكون ربحها فقال: أحب شيء إلى إن فعله ألا يكون شيء من الربح له لأن الوديعة ليست له بمال وكذلك ما نال بها فليس له بمال وليس لصاحب الوديعة أن بقلبها إلا برضى صاحبها وإذنه لأن تقليبه لها مخاطرة وظلم واعتداء و]دفع الربح إلى الإمام فيفعل الإمام فيه ما يرى. وسألته: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لله خيرتان من علمه، من الناس فخيرته من العرب قريش وخيرته من العجم فارس. قال: وذكر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ؛والذي نفسي بيده لو كان الدين منوطا بالثريا لنالته رجال من فارس وأسعدهم به فارس. وسألته: وذكر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لبني هاشم: أطلبوا الولد في نساء العجم فإن في أرحامهن بركة. وسألته: عن من حج وهو فاسق في دين الله، فقال: حجته غير مجزية له ولا يقبلها عنه لقول الله سبحانه: إنما يتقبل الله من المتقين وليس بمتق من كان من الفاسقين. وسألته: عن البيعة فقال: لا تجوز البيعة إلا لإمام قد بان بعلمه وفضله وبيانه وقال: لا يجوز الغزو مع من ظلم وتعدا لأن الغازي معه عون من أعوانه على ما هو عليه من إفساده وعمايته. وسألته: هل يجوز أن يختلف إمامان في عصر واحد، فقال: لا يكون هذا أبدا وهل يجوز أن يتساويا في عصر في حكم واحد في كل الخصال لا يفضل أحدهما صاحبه فيستوجبان الإمامة فقال: هذا لا يكون أبد ا، وفي بطلان هذا ما قال الله لا شريك له وفوق كل ذي علم عليم. وسألته: متى يلزمني فرضه، فقال: إذا عرفته فقد لزمك فرضه فقلت: الإمام يعرف الناس بنفسه، قال: يعرف الناس بنفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواجب على الناس أن يطلبوه في معدنه، قلت: فأين معدنه، قال: آل الرسول صلى الله عليه وعلى آله يكون أزهدهم وأعلمهم وأورعهم ويبين نفسه بالدعوة إلى الحق. (1/68) ________________________________________ وسألته: عن الأرض هل تخلو من قائم لله بحجة، فقال: لا تخلوا من قائم لله بحجة، وذلك بعد النبي صلى الله عليه إذا كانت النبوة ختمت به. وقال أبو عبدالله محمد بن القاسم كان أبي رضي الله عنه يقول في هذه المسألة إن الأرض لا تخلوا من حجة لله، والحجة عنده كتب الله وحقائق برهانه، وهذه حجة الله على جميع خلقه وأنه لابد أيضا في كل قرن من أن يكون فيهم عالم هو أفضلهم وأعلمهم وإن لم يبلغ علم من مضا قبله فهو في أيامه ودهره في فهمه وعلمه وإن قصر مبلغ أفاضل العلماء من آل النبي الذين مضوا في ما تقدم في أول الإسلام وخلا لأنه لا يقول أحد يعقل وينصف أن كان بعد علي عليه السلام من علماء آل النبي صلى الله عليه كان من العلم والفقه على مثل ما كان علي صلى الله عليه قد أحاط به وإياه كما لم يكن علي عليه السلام في فضل علمه يبلغ ما أتا الله النبي صلى الله عليه وعلى آله من فضائل الحكمة والعلم والفضل في جميع أحواله. (1/69) ________________________________________ وأما ما كان يروى أن من مات لا إمام له مات ميتة جاهلية، فتفسيره واضح مشروح أن الله قد فرض على خلقه في كل حين إقامة أحكامه وشرائعه التي نزل في كتابه وسنن نبيه ولا يقيم ما فرض الله من الأحكام إلا أن يحكم بها الإمام فإن لم يكن إمام يقيمها ويحكم بها كان على الناس طلبه حتى يقيموه للأحكام وينفذها فإذا كانت دار الإسلام قد غلب عليها أئمة الجور لزم أهل الإسلام مجاهدتهم وإزالتهم حتى يقيموا إماما عدلا يؤمهم ويقيم أحكامهم عليهم وينفذ مقاسم الفي التي أمر الله بقسمها فيهم فإن كان الغالب عليهم الجورة من الأئمة الظلمة كان الفرض من الله فيهم المحاربة والمجاهدة فإنما الناس أبدا بين أمرين: إما أن يكون مع إمام حق يقوم بأحكام الله في الدين، فيكونوا مؤتمين بإمام حق ورشد في الدين، وإن كانوا في دولة الظالمين العاصين فيلزمهم أن يكونوا لهم مجاهدين محاربين فهم أيضا في هذه الحال مأمومين والناس في كل حين بين فريضتين من الله لازمتين فيما حكم الله به من أحكام الدين فرض طاعة إمام حق إن كان ظاهرا قائما أو فرض مجاهدة إمام جور إذا كان غالبا ظالما. وسألته: من أين جاء فساد إمامين في عصر واحد، فقال: أما الإمامان فلا يخلوان من أن يكون أحدهما أفضل من الآخر فيكون المفضول بفضل الآخر عليه قد زالت إمامته ويلزمه تقديم الفاضل في الدين والعلم وطاعته، وذلك أن الله يقول في كتابه وفوق كل ذي علم عليم، وفي هذه المسألة جواب يكفي به من كان ذا لب شافي لأنه واضح مبين مفهوم كافي. (1/70) ________________________________________ عن أبي إدريس عن أبي الجحاف قال: قال علي رضي الله عنه من مات ليس له إمام مات ميتة جاهلية إذا كان حرا تقيا. عن أبي جعفر أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله حين رجع من غزوة حنين وأنزلت عليه: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، يا علي ويا فاطمة قد جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبحان ربي وبحمده إنه كان توابا وإني لم أؤمر أن أسبح ربي وأستغفره إلا لما حضرني من لقا ربي رضي الله عنه. ثم أنزلت على أثرها ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين، قال رسول الله صلى الله عليه يا علي ويا فاطمة إن الله قد فصل الفتنة على الذين يقولون إنا لنعلم الذين صدقوا في قولهم ويعلم الكاذبين في إيمانهم، فهذا وعد واقع واجب ثم أنزلت أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسقونا سآء ما يحكمون. قال رسول الله صلى الله عليه: ؛ يا علي ويا فاطمة قد علم الرب أن أقوا ما من بعدي عند الفتنة سيعملون السيئات ويحسبون أنهم سابقون«، فقال علي رحمة الله عليه: فكيف يحسبون أنهم يسبقون يا رسول الله ومن ورائهم الموت فقال رسول الله صلى الله عليه يا علي إنهم لم يسبقوا قضى الله الذي قضى فيهم الموت، ثم أنزل من كان يرجوا لقاء الله، فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم محقين أن من رجا لقاء الله أن يستعد لأجل الله وكأ العبارة بحق أن أقول: إن من رجا لقاء الله أن يستعد لأجل الله، وأن يكون تايبا تابعا لطاعته مجتنبا لخلاف الله ومعصيته وأن يعلم أن الله يعلم ما يعمل ويسمع ما يقول، ولذلك قال الله سبحانه وهو السميع العليم. (1/71) ________________________________________ ثم أنزل سبحانه من جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله قد قضى الله على عند المؤمنين الفتنة بعدي الجهاد، فقال علي: يا رسول الله على ما يجاهد الذين يقولون آمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ؛يجاهدون على الإحداث في الدين«، فقال علي يا رسول الله: إنك تقول يجاهدونهم كأني سابقا بعدك إلى مجي الفتنة فأعوذ بالله والرسول أن أوخر بعدك فادع إلى ربك أن يتوفاني قبل ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه: ؛ما كنت حقيقا أن تأمرني أن أدع الله لك أن يقدم أجلك قبل ما أجل الله وقضاء«. والله يقول سبحانه: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا، فقال علي رضي الله عنه يا رسول الله فما هذه الأحداث التي نجاهدهم عليها، قال: ما خالف القرآن وخالف سنتي إذا عملوا في الدين بغير الدين وإنما الدين أمر الرب ونهيه، قال علي: يا رسول الله فإنك قلت لي يوم أحد إذا استشهد من المؤمنين من استشهد فأخرت على الشهادة فرأيت وجدي وأسفي أن الشهادة من ورائك، فقال رسول الله صي الله عليه فإن ذلك إن شاء الله كذلك وكيف ترى صبرك إذا خضبت هذه من هذا، وأهوا بيده إلى لحيته ورأسه. (1/72) ________________________________________ فقال علي رضي الله عنه ليس ذلك يا رسول الله حينئذ من مواطن الصبر ولكنه من مواطن البشرى والشكر، فقال رسول الله صلى الله عليه: فأعدد قبل خصومتك فإنك مخاصم فقال علي عليه السلام: يا رسول الله إرشدني إلى الفكج عند الخصومة، فقال رسول الله صلى الله عليه آثر الهدى وأعطفه على الهوى من بعدي إذا عطف قومك الهوى على الهدى وآثروه واعطف القرآن على الراي إذا عطف قومك الرأي على القرآن وحرفوا الكلم عن مواضعه بالأهواء العارضة والآمال الطامحة والأفئدة الناكثة والغش المطوي والإفك الموذي والغفلة عن ذكر الموت والمعاد فلا يكون خصومك أولى بالقرآن منك فإن من الفلح في الدنيا أن يخالف خصمك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وأن يخالف القرآن بعمله يقول الحق ويعمل بالباطل وعند ذلك يملا لهم ليزدادوا إثما ويضلوا ضلالا كثيرا. وعند ذلك لايدين الناس بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يكون فيهم شهدآ لله بالحق وعند ذلك يتفاخرون بأموالهم وأنسابهم ويزكون أنفسهم ويتمنون رحمة ربهم ويستحلون الحرام والمعاصي بالشبهات والأسماء الكاذبة ويستحلون الربا بالبيع والخمر بالنبيذ والنجس بالزكاة والسحت بالهدية ويظهرون الباطل ويتعاونون على أمرهم ويزينون الجهلا ويفتنون العلماء من أولي الألباب ويتخذونهم سخريا، فقال علي يا رسول الله أبمنزلة ردة هم إذا فعلوا ذلك أو بمنزلة فتنة فقال رسول الله صلى الله عليه بل بمنزلة فتنة لو كانوا بمنزلة ردة أتاهم رسول من بعدي يدعوهم إلى الرجعة من بعد الردة ولكنها فتنة يستنقذهم الله منها إذا تأخرت آجال السعدا بأولياء من أولياء الله فيهديهم بهم، ويهتدى بهم حتى لا يكون فتنة ويكون الدين كله لله. فقال علي عليه السلام من آل محمد الهداة أو من غيرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله بل بنا يختم الله كما فتح بنا وبنا ينقذون من الفتنة كما بنا أنقذوا من الشرك بعد عداوة الشرك فصاروا إخوانا في دينهم. (1/73) ________________________________________ عن من وطئ إمرأته في شهر رمضان ما عليه فقال: قد قيل نصف قوته سنة إلا أنه يلزمه حق الله في غلته أيخل له أخذ الزكاة والعشر إذا كان فيها دخل عليه من غلة أرضه أو يجب عليه بيع أرضه من الأصل كلها حتى لا يبقى له قليل ولا كثير، فقال: يحل له أخذ العشر والزكاة إذا احتاج إليها وإن كان له مال أو لم يكن له مال وليس له أن يبيع جميع ماله ويهلك نفسه. وسألته: هل في الحيوان مثل البغال والحمير وغيرها من جميع الدواب شفعة قال: نعم في كل ذلك شفعة لأن الشريك أحق بذلك إذا أراد من غيره لما له فيها من الشركة فالواجب على من باع أن يعرض على شريكه إذا عزم بيعها. وسئل: هل يجب للمرأة شرب الدواء لأن لا تلد ويسقى الرجل أمته لئلا تلد ويشرب الرجل ليقطع شهوته، فقال: لا يجوز لهم ذلك. وسئل: عن من يقول بالتوحيد، والعدل وامرأته لا تقول به، فقال: ينبغي له أن يدعوا إمرأته جاهدا إلى التوحيد لله والإقرار بعدله وليست المعاندة في ذلك كالجاهلة لأن المعاندة إبآء وإلواء والجاهلة غلط وخطأ وقد يتوب المخطي من خطاياه ويقبل من المهتدين من الهدى ما هو عليه من رأيه والمعاند الذي لا يقبل ما يلقا إليه من الحق في توحيد الله ليس كالجاهل الذي يتوب من جهله، وينيب إلى الحق بعد ضلاله. وسئل: عن رجل تزوج بمرأة وهما على غير ما ينبغي من الاستقامة من الجهل بمعرفة الله وغير ذلك مما لا يرضي الله، ثم تابا ورجعا أيجب عليهما تجديد النكاح أم لا، قال: هما على نكاحهما الأول ثابتان لأن النكاح إنما يثبت بالأولياء، ويصح، والدليل على ذلك الواضح أن رسول الله صلى الله عليه أقر جميع من أسلم من أصحابه وكل من دخل من العرب وغيرهم في دينه على نكاحهم الأول، ولم يأمر بأن يغير ولا يحدث ولا يعدل، وفي هذا ما كفى في ما سألت عنه وشفاء. وسئل: عن من ركب كبائر العصيان أيزول عنه إسم الإيمان، فقال: من ركب كبائر العصيان زال عنه إسم الإيمان. (1/74) ________________________________________ وسئل: عن رجل أوصى إليه رجل أن يحج عنه من مال الموصي فلم يفعل الرجل حتى جاء السلطان الجاير فأخذ المال منه فقال قد أثم هذا الرجل وظلم نفسه في ترك إنقاذ وصية الموصي حتى أخذها واعتصبها الظالم العاصي فأسلم له فيما بينه وبين ربه أن يبدلها من ماله إذا كان أبطلها بتوانيه وتغافله. وسئل عن التهلكة، فقال: إن ذلك هو الاستسلام للعدو الظالم الذي لا يخاف الله في ارتكاب المظالم. وسئل: عن رجل سعى برجل إلى سلطان جائر أن لفلان عليه كذا، وكذا درهما حتى أخذه السلطان ثار لما قال عليه الساعي، وكانت سعايته بزور وكذب وأخذه لما قال عليه السعاة ظلما وعدوانا فغصبه ماله، فقال السلطان الجائر: هالك بمثل هذا الظلم للمسلمين، وقبوله لقول شهود الزور وتلزم السعاة العقوبة الشديدة وأن لا يقبل لهم شهادة إلا أن يتوبوا وليس عليهم غير هذا. وسئل: عن رجل حج حجة الإسلام وهو بمعرفة الله وتوحيده جاهل إلا أنه اعتقد أن يحج عن نفسه ما أوجب الله من فرضه، فقال: هذا هو مجزي عنه إن شاء الله وإن جددها بأخرى بعد المعرفة فهو أحوط له. وسئل: عن مرأة مؤمنة خطبها رجل مؤمن وليس لها ولي، فقال: يزوجها أقرب من يليها من عشيرتها وإن لم يكن لها قرابة فيتولى عقد نكاحها رجل من المؤمنين، ويحضر الشهود لابد في النكاح والطلاق من الشهود لخوف المظلمة والجحود. وسئل: عن الشيخ الكبير يطلب رجلا يحج عنه إذا كان لا يستطيع السبيل إلى الركوب لضعفه، فقال: لا بأس بذلك أن يطلب رجلا يحج عنه إذا كان لا يستطيع السبيل لضعفه عن السفر. وسئل: عن إمرأة أسلمت مالها إلى بعض ولدها على أن يرزقها أيام حياتها ثم أنها هلكت في السنة الأخرى أو الثانية، فقال: المال لورثتها جميعا مع الابن الذي أفضت إليه. (1/75) ________________________________________ وسئل: عن رجلين خرجا في طلب سلب الناس فسلب أحدهما رجلا فأعطى الشريك من السلب، فقال الذي سلب: ضامن غارم وهو الدافع إلى صاحبه السلب ولا يحل للمدفوع إليه أكل شيء مما أخذ ولا ينتفع به، وإن كان الشريكان تعاونا على الظلامة لزمهما جميعا الغرامة. وسئل: عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله لا تحل الصدقة لغني ولا قوي ولا لذي مِرَّةٍٍ سويٍ، فقال: إعلم أن قوله ذي مٍرّة سَويٍ والمرة هاهنا القوة والسوي هو الصحيح الذي ليس به مرض ولا علة فتمنعه من اكتساب المعيشة والبلغة. وسئل: عن رجل قتل إبنه، فقال: لا يقتل والد بولده ولا سيد بعبده إلا أن يكون قتله ظلما وفسادا في الأرض واعتدا فيفعل في ذلك إمام المسلمين ما يرى وأي ابن قتل أباه فعلى الإمام في ذلك النظر بما يراه. وسئل: هل للأب أخذ مال إبنه وهو غني عنه لا يحتاج إليه، فقال: الأمر فيه ما جاء عن النبي صلى الله عليه من قوله: أنت ومالك لأبيك، وإنما الولد رحمك الله هو هبة وهبها الله للأب، قال الله سبحانه: يهب لمن يشاء أناثا ويهب لمن يشاء الذكور، وقال سبحانه في آدم صلى الله عليه: فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لأن أتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين. فتفسير أتيتنا صالحا يعنيان لأن وهبت لنا وأعطيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فدعواه كما ترى عطية وموهبة لهما من رب العالمين، وكذلك قالت إمرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني ولا محررا إلا ما هو لها موهبة وعطية من الله لها من طينه الولد وماله كما قال رسول الله صلى الله عليه لأبيه إلا الولد وماله كما قال رسول الله صلى الله عليه لأبيه إلا أن يخرجه الأب بتزويج أو غيره من يده فتقع المواريث والحقوق فيأتي أمر مفروق. (1/76) ________________________________________ وسئل: عن إمرأة أرضعت جارية هل يجوز لولد زوجها من غيرها أن يتزوجها، فقال: إن كانت المرضعة أرضعت الجارية بلبنها من زوجها فلا يجوز لولد زوجها من غيرها أن يتزوجها لأن الجارية أخت الغلام من جهة لبن أبيه وهو لبن الفحل المنهي عنه. قال النبي صلى الله عليه: ؛لا يؤمن فاجر برا ولا أعرابي مهاجر في صلاته وقال في هامش المخطوط عند قوله إنه قال لا يؤمن الخ«، وقال صلى الله عليه: ؛صلاتكم بصلاة إمامكم إن صلى قاعدا فصلوا قعودا وإن صلى قائما فصلوا قياما وإذا لم تقبل صلاة الإمام لم تقبل صلاة من خلفه، وإنما يتقبل صلاة من أتقاه وخافه والتقوى هي الإيمان والبر والإحسان ولا ينسب الإيمان لحكمة ولا بإسمه إلا لمن عرف به، والمعرفة بذلك فلا تكون إلا بأحد الوجوه الثلاثة، إما بعيان لذلك ومشاهدة، وإما بأخبار متواترة مترادفة، وأما بخبر من ذي ديانه وثقة وطهارة وأمانة فمن لم تكن معرفة إيمانه بأحد هذه الوجوه الثلاثة الموصوفة لم يكن حقيقة إيمانة عند أحد بمعلومة ولا بمعروفة. وسئل: عن المولى هل يجوز نكاحه للعربية فقال: لا يعلم بين علماء آل الرسول في ذلك اختلافا إذا رضي الأولياء وكانوا أهل عدل وعفاف. وسئل: عن القيام مع من ليس بإمام، فقال: لايجوز شيء من ذلك إلا بإمام أو بولاية من إمام لما يكون في ذلك من الجمع والإحكام. وسئل: عن أفضل الحج فقال: ذلك ما فضله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله فهو القدوة، وقد جاء عن علي رحمة الله عليه أنه قال: من تمام حجك وعمرتك أن تحرم من دويرة أهلك ولا يقرن الحج والعمرة إلا من ساق بدنة. (1/77) ________________________________________ وسئل: متى يقطع التلبية في الحج والعمرة فقال: إذا رميت جمرة العقبة لأن الذي لبَّابه من حجة حين أحرم، وهو بعد فيه لم يحل له من الصيد والطيب ما حرم فإذا رمى جمرة العقبة حل له ما حرم الله عليه إلا النساء حتى يطوف بالبيت لإفاضته فإذا أفاض وطاف حل له ما كان حراما عليه من النساء قبل إطافته به والعمرة فيقطع التلبية فيها إذا عاين البيت المعتمر أو رآه لأنه حينئذ قد بلغ غايته ومنتهاه وإذا لم ير البيت فهو يعد في أمره وأول ما هو فيه من التلبية كآخره. ................................... فقال: لا بأس به وأقل ما في ذلك فالأجر للميت على تزود الحاج عنه وبلغته وإعانته له على سفره ومؤمنته ونفقته....................... النوافل، وأفضل ما في ذلك أدل دليل من قبل الله سبحانه: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم، فقال: أما أفضل النوافل من الصلوات فصلاة التسبيح وهي صلاة جعفر بن أبي طالب التي علمه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله إذ صار إليه بخيبر فقال له صلى الله عليه: ؛ألا أهب لك ألا أعطيك ألا أنحلك?« قال: حتى ظننت أن رسول الله صلى الله عليه وآله سيعطيني ما لم يعطه أحدا قبلي فعلمني صلاة التسبيح وهي فمعروفة عند أهل العلم فمن أراد تعلمها. وسئل: عن أشياء تحرم بها الزوجة على زوجها من غيره تكلم بطلاق، فقال: من ذلك أن يزني هو أو تزني أو تختلع منه أو تفتدي أو ترتد إلى الشرك بعد الإسلام، وفيما ذكرنا في ذلك من البيان ما يقول الله سبحانه: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك الآية، وإذا كان ذلك فاسدا منفسخا محرما كان عقده منفسخا محرما. (1/78) ________________________________________ وقد ذكر أن عليا صلوات الله عليه حد رجلا زنا من أهل القبلة، وقذف لما حد بينه وبين زوجة له مؤمنة وفرق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله بين المتلاعنين، ولم يصح زنا الزوجة ببينة ولا يقين وجرى ذلك في اللعان سنة فكيف إذا كانت زوجية أحدهما منتفية. وسئل: عن رجل أوصى بوصية موقوفة على مسكنة أهل بيته ثم إن الله تبارك وتعالى أفأ عليهم واستغنوا، فقال: إذا استغنوا ردت في سبيل الخير مثل مواساة أولي الحاجة وذوي القربى إن احتاج منهم أحد بعد ذلك وبني السبيل من أهل الديانة. وسئل: عن أكل ما لم يجر تحريمه في تنزيل من كتاب الله عزوجل من الطير والسباع فقال: لا يؤكل من ذلك إلا ما أحله عزوجل، وبينه في تنزيله في بهيمة الأنعام، والأغنام وغير الأغنام، وصيد البر والبحر وما خصه الله من ذلك ومثله بالذكر. وسألته: عن أكل الثمار إذا مر بها من غير أن يحمل? فقال: لا بأس إذا كان محتاجا إليه، ويس له أن يفسد ولا يتلف فيه تلفا. كتاب فيه تفسير القرآن مما سأل عنه المرتضى لدين الله، وأجابه عليه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن رسول الله صلى الله عليه وغير ذلك من تفسير الهادي أيضا، وفيه تفسير للقاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه: بسم الله الرحمن الرحيم (1/79) ________________________________________ الحمد لله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما، من تفسير الهادي إلى الحق صلوات الله عليه، وسألت: عن قول الله سبحانه: ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك، معنى آتيت فهو أعطيت فرعون وقومه هذه الأموال والزينة ليضلوا معنا لأن لا يضلوا ولأن يشكروا ويؤمنوا فلم يفعلوا، ولم يهتدوا بل عصوا فطغوا وخالفوا، فقال: ليضلوا وإنما أراد لأن لا يضلوا فطرح الألف استحفافا لها والعرب تفعل كذلك تطرحها وهي تريدها، وتثبتها وهي لا تريدها فبقيت ليضلوا فدخلت النون في إدراج الكلام فبقيت ليضلوا والمعنا فيها لأن لا يضلوا فلما أن طرح الألف جاز كما ذكرنا، وطرح الألف في القرآن كثير. وفي لغة العرب وأشعارها، من ذلك قول الله سبحانه: لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بهذا البلد المعنا فيها معنا قسم أراد الله سبحانه ألا أقسم فطرحها استحفافا لها فمخرج اللفظ معنا نفي وإنما معناه معنا إيجاب ألا أقسم. وقد تثبتها العرب في كلامها وهي لا تريدها فيخرج معنا اللفظ معنا نفي، وإنما معناه معنا إيجاب من ذلك قول الله: لأن لا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله فقال: لأن لا يعلم وإنما المعنا فيها ليعلم فأثبت فيها وهو لا يريدها، وقد تفعل ذلك العرب تثبتها وهي لا تريدها وتطرحها وهي تريدها فإنما أثبتها وهو لا يريدها في قوله: لئلا يعلم أهل الكتاب فأثبتها وهو لا يريدها. (1/80) ________________________________________ وأما طرح الألف وهو يريدها فهو ما ذكرنا من قوله: لأن لا يضلوا وأما طرح الألف وهو يريدها فقوله: لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بهذا البلد، ومثله: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فقال: أو يزيدون فأدخل الألف ها هنا وهو لا يريدها، وإنما معناه ويزيدون على المائة الألف فخرج المعنى حين أثبت الألف معنا شك، وإنما المعنا معنا إيجاب ونسق بالواو للزيادة على المائة الألف غير أن الألف دخلت وليس لها هاهنا معنا، فاختلف الظاهر والمعنا. وسألت: عن قوله سبحانه: تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، والملك: هاهنا الذي يؤتيه من يشاء فهو جبايات الدنيا وأموالها والذين يشاء أن يؤتيه إياهم فهم الأنبياء ثم الأئمة من بعدهم، والذين يشاء أن ينزعه منهم فهم أعداؤه من جبابرة أرضه. ومعنا تؤتي الملك فهو الحكم بالملك لهم صلوات الله عليهم، فمن حكم له بالنبوة أو بالإمامة حكما وأوجب له الطاعة على الأمة باستحقاقه لذلك الموضع إيجابا فقد آتاه الملك لأن الملك هو الأمر والنهي والجبايات والأموال التي تقبض التي بها قوام العساكر واتخاذ الخيل والرجال والسلاح وجميع أدات الملك فمن أجاز الله له قبض جبايات الأرض وإقامة أحكامها وحدودها وأوجب له الطاعة على أهلها. فقد آتاه الملك حقا أولئك السابقون بالخيرات صلوات الله عليهم، ومن لم يحكم له بشيء من ذلك ولم يجزه له ويطلق يده فيه ولم يوجب له الطاعة على أحد من خلقه فقد نزع ملك أرضه منه وأبعده عنه أولئك أعداؤه وجبابرة أرضه الحاكمون بغير حكمه المغتصبون ما جعل الله سبحانه لأوليائه المعتدون لما حكم به في خلقه وبلاده أولئك يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا. فسبحان من لم يقض بشيء من ذلك لأعدائه ولم يؤته غير أولياءه. (1/81) ________________________________________ وفي نفي الحكم منه بشيء من ذلك لأعدائه ما يقول لإبراهيم صلى الله عليه لا ينال عهدي الظالمين، والعهد فهو العقد بالأمانة والحكم لهم بالطاعة ومعنى لا ينال عهدي الظالمين، فهو لا يبلغهم ولا يجيزهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون فهذا إخبار من الله سبحانه أن كل من عبد من دون الله أحدا وكان المعبود من دون الله راضيا بذلك من فعل العابدين، فإنه ومن يعبده حصب جهنم وحصب جهنم هو حطبها ووقودها أنتم لها واردون يرتد أنتم إليها صايرون وفيها داخلون، والعبادة فقد تكون على معنيين: فمنها عبادة ربوبية، ومنها عبادة سمع وطاعة واستقامة من المأمور لأمر الأمر. فأما عبادة الربوبية فهو مثل من قد عبد النجوم، وعبد المسيح وعبد العزير وعبد اللات والعزا وودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا فهؤلا يعبدهم من يعبدهم عبادة ربوبية يتخذونهم آلهة من دون الله يتقربون بعبادتهم في قولهم إلى الله ولا يعبدون الله إجلالا زعموا وإعظاما من أن يعبدوه فاتخذوا هؤلاء أربابا من دون الله يعبدونهم لكفرهم وضلالهم وغيهم وإفكهم. وعبادة الطاعة والاستقامة مثل عبادة من أطاع إبليس فنهاهم الله عزوجل عن عبادته ونهى عن طاعته، وذلك قوله سبحانه: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ) وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم. والشيطان لعنه الله لم يعبده أحد من الناس عبادة ربوبية وإنما عبادتهم له فيما نهاهم الله عنه في الطاعة له فيما يأمرهم به ويوسوس لهم، وكذلك معنا قول الله سبحانه هاهنا وأن اعبدوني يريد أطيعون ولا تطيعوا إبليس اللعين، فهذا معنا قوله: وما سألت عنه من قول الله إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون. (1/82) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون معنا قوله سحبانه سبقت لهم منا الحسنى هو وجب لهم منا الحكم بالحسنى في دار الدنيا وتقدم لهم منا في حياتهم الدنيا وجوب الوعد بالحسنى والحسنا: فهي الثواب والرحمة ووجوب المغفرة ورفع الدرجة أولئك عنها مبعدون يخبر أن هؤلاء الذين قد وجب لهم من الله في الدنيا ما وجب من الحسنى عنها مبعدون يخبر أن هؤلاء الذين قد وجب لهم من الله في الدنيا ما وجب من الحسنى عنها مبعدون، وهي النار نعوذ بالله من النار. والذين سبق لهم هذا من الله في حياتهم ووجب لهم منه الوعد الصادق في دنياهم وآخرتهم فهم المؤمنون بالله والعارفون به المثبتون لعدله وتوحيده القائلون بصدق وعده ووعيده والعارفون بفضل الجهاد في سبيله الموالون لأوليائه والمعادون لأعدائه الؤدون لجميع فرائضه القائمون بطاعته التاركون لمعصيته المستقيمون على واضح سبيله رحمة الله ورضوانه عليهم ونسأله أن يجعلنا في حكمه كذلك وأن يرزقنا برحمته ذلك وأن يفعل بنا ما يفعل بأولئك إنه ولي حميد. وسألت: عن قول الله سبحانه الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، معنا ذلك أن الله تبارك وتعالى خالق كل شيء من فعله لا من أفعال غيره فأفعاله بائنة من أفعال خلقه وأفعال خلقه باينه من فعله، وأفعال الله في خلقه بائنة متلاحقة يلحق أخرها أولها ويثبت أولها لآخرها وأفعال الخلق فغير متلاحقة بل هي أعراض متباينة متفاوتة لا يلحق آخرها أولها، ولا يدخل في ثاني منها إلا بعد انقضا الأول فهذا الفرق بين أفعاله وأفعال خلقه، والله كما قال سبحانه خالق كل شيء موجود متلاحق برئ من خلق ما لا يتلاحق فما كان متلاحقا فهو فعل الله والله خلقه وما كان غير متلاحق لا يلحق أوله آخره. (1/83) ________________________________________ فذلك فعل غيره لا فعله تبارك وتعالى عن فعل أفعال المخلوقين وكيف يخلق أفعالهم أو يفعلها وفيها الغشم والظلم والجور والله برئ عن فعل ذلك متقدس عن أن يكون كذلك، فلو جاز أن يكون خلق ما يفعلون كان فاعلا لكل ظلم فعلوه أو جور أحدثوه أو عظيمة جاؤا بها ولكان هو الفاعل له دونهم إذ كان الموجد له لا هم فافهم هديت ما ذكرنا، وقس كل ما أتاك من هذا كما شرحناه، على كل شيء وكيل والوكيل هو المحاسب الرقيب الحفيظ لأفعال من هو عليه وكيل. وسألت: عن قول الله سبحانه: والله خلقكم وما تعملون فالذي عنا بذلك سبحانه فهو الحجارة التي ينحتوها أصناما ويعملونها لهم آلهة وما أشبه ذلك من الأنصاب التي يعبدونها فهذا معنا، وما تعملون فالله خلقهم ومفعلوهم ولم يخلق سبحانه فعلهم والمفعول فهو الصنم الذين ينحتونه من الحجارة وفعلهم فهو الحركة التي كانت منهم من الرفع والوضع والنحت فالله خلق الحجر الذي عملوه صنما، ولم يخلق الفعل الذي كان منهم في نحت الحجر. وسألتت: عن قول الله سبحانه في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا، المعنى في ذلك أن مشركي قريش كان في قلوبهم مرض من دعوة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، والمرض فهو الشك والحيرة والحسد له صلى الله عليه فكانت قلوبهم مدخولة مما يأتي به من الحق خوفا أن يطهر حقه وكلمته وتتمكن في قلوب العرب دعوته فكانوا كلما أشفقوا من شيء زاد الله نبيه حجة ونورا ودلالة وحقا فازدادت قلوبهم مرضا بما يزيد الله نبيه من النور والهدى في كل يوم يثبت الله لنبيه حجته ويزيده نورا وتقوى ونصرا وتأييدا فتزداد لذلك قلوبهم عداوة وحسدا، فهذا معنا قول الله في قلوبهم مرض يخبر سبحانه أن كلما يؤتيه نبيه من العز والخير وإقامة الحجج على الأمة يزيد ذلك قلوب المشركين سقما وغما وبلا ومرضا فهذا معنا ما عنه، سألت: من قول الله سبحانه في قلوبهم مرض فزادهم مرضا. (1/84) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وأن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله. الجواب: في ذلك إن الله تبارك وتعالى أخبر عن قسوة قلوبهم وقلة رجوعها إلى الحق حتى أنها في ذلك أشد قسوة من الحجارة لو كان من الحجارةمن الفهم والتمييز ما في قلوبهم، ثم أخبر أن من الحجارة ما يشقق فيخرج منه الماء، وليس في قلوب هؤلاء المشركين قلب يلين إلى شيء من الحق، فالحجارة يعمل فيها الماء حتى يشققها ويفلقها ويخرج الماء منها، وقلوبهم لا تعمل فيها الفكرة ولا العظمة ولا التذكرة ولا التخويف ولا الترغيب فهي على ما يعمل فيها من التذكير والوعظ والتخويف أقسا وأشد من الحجارة على ما يعمل فيها الماء الخارج منها المشقق لها، وإن منها لما يهبط من خشية الله يقول: لو كان فيها من العقول والتمييز والفهم لما يراد منها ما فيكم هبطت من خشيته وهبوطها فهو تهدمها وتقلعها وسقوطها وأنتم فيكم من ذلك ما قد جعل وليس يصدكم عن معاصي الله ولا يردكم إلى طاعة الله. وسألت: عن قول الله سبحانه وقودها الناس والحجارة والناس هم أهل المعاصي من الآدميين، والحجار: فقد قيل أنها حجارة الكبريت، وقد يمكن أن تكون هي وغيرها من الحجارة والصخور وليس في ذلك على الحجارة ألم ولا وجع فتكون بالألم والوجع مظلومة وإنما هي شيء جعلها الله لذلك لا تألم ولا تشكع وليس حال الصخور والإيقاد بها في الآخرة إلا كحال الحطب والإيقاد به في الدنيا فإن كان ذلك ظلما للحجارة فهو ظلم للحطب والخشب في الدنيا وإنما يقال: ما ذنب الشيء فيما يفعل به إذا كان يدري ويعلم ما يعمل به ويتألم ويشكع مما يصنع فيه. فأما ما لا يشكع ولا يعلم ولا يألم ولا يفهم فلا يجوز ذلك القول في مثله ولا يجوز بأن يقاس بغيره. (1/85) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبا واستكبر وكان من الكافرين فإبليس لعنه الله أمر بالسجود كما أمرت الملائكة فأطاعت وسجدت وكفر واستكبر على آدم صلى الله عليه والسجود فإنما كان لله عزوجل لا لآدم وإنما قال اسجدوا لآدم أي من أجل آدم وما أظهرت فيه من عجائب الصنع والتدبير وعظيم الفعل والتقدير. وسألت: عن قول الله سبحانه: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، وهذا فإخبار عن عيسى بن مريم صلى الله عليه وعن أهل الكتاب الذين كفروا به من اليهود والنصارى، وقد قيل: إنه صلى الله عليه حي إلى ساعة الناس هذه وأنه يصلي ورآء المهدي ويظهر ويأمر وينهى ويؤمن به جميع أهل الكتاب ثم يموت من بعد ذلك عليه السلام. ويوم القيامة يكون عليهم شهيد ا، فهو شهيد عليهم بما ألقا إليهم وأمرهم به وأذا إليهم من كتاب الله وأمره ونهيه فخالفوا إلى غيره وكفروا به ومما يشهد به عليهم يوم القيامة صلى الله عليه فيما أدَّا إليهم عن الله سبحانه من ذكر من محمد صلى الله عليه، والتبشير به والإخبار بصفته ووقته، وما أمرهم به عن الله من طاعته فخالفوا ذلك كله وصاروا إلى ضده من الكفر بنبيه فبذلك يشهد عليهم المسيح صلوات الله عليه يوم القيامة إني قد أمرتكم بأمر الله فكفرتم وأوقفتكم على الحق فخالفتم. وسألت: عن قول الله سبحانه: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها هذا إخبار من الله سبحانه بأنه القابض للأرواح المخرج لها وأنه لا يقبضها ويتوفاها غيره عند وقت وفاتها وبلوغ مدا مدتها. (1/86) ________________________________________ وقوله: والتي لم تمت في منامها فهو ما يورد عليها من النوم المزيل للروح من البدن لأن النايم عند نومه يخرج روحه من بدنه ويبق نفسه في جسده، فأخبر أنه يتوفى الروح عند الوفاة، وعند المنام وهو الجوال في البدن فلما أن كان كل ذلك من الله، وبه جاز أن يقول يتوفاهما بخروجهما في وقتهما هذين عند الموت وعند النوم. وسألت: عن قول الله سبحانه: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، الجواب في ذلك أن توفي ملك الموت لمن يتوفاه هو بأمر الله فملك الموت يقبض النفس والله يخرجها من البدن وما كان من ملك الموت فإنما هو بالله ومن الله وبإذنه وأمره وتقديره له وحكمه وتقوية ملك الموت على ذلك في خلقه، ومعنى وكِّل بكم فهو أمر بقبض أنفسكم. وسألت عن قول الله سبحانه: وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربكم لقضي بينهم، المعنى في ذلك أن الله سبحانه أخبر أن الناس في الحق كانوا أمة واحدة في الإقرار بالله وما أمروا به من طاعة الله وأن الحكم من الله والأمر لهم في ذلك وله لم يزل واحدا حتى اختلف أهل العصيان والخلاف فعصوا وخالفوا ما جعل الله لهم من الأصل في الدين وثبت لهم من اليقين بغيا وضلالا وكفرا بالله وطغيانا،ومعنى قوله: ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم، يقول لولا حكم من ربك سبق بالتأخير لهم إلى يوم القيامة لقضي بين المحقين والمبطلين ولكن سبقت هذه الكلمة وهي الحكم من الله بالتأخير لمن خالف الحق إلى عقوبة الآخرة بالنار وبئس المصير، وربما أذاقهم سبحانه من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر. (1/87) ________________________________________ وسألت عن قول الله سبحانه: إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون، وأجل الله لهم هاهنا فهو الأجل الذي أجله للعالمين وجعله مدة لآجالهم وعمرا لها وهو الموقت فإذا جاء الوقت الذي جعل الله إليه حياتهم، وبحلوله حلول وفاتهم لم يؤخروا بعده ولم يتأخر الأجل بعد حلوله طرفة وكذلك قوله: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وكذلك معنى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون. وسألت عن قول الله: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، قال قد يخرج معنى هذا على طريق المثل أنه لو كان في السموات والأرض والجبال من الفهم والعقل والتمييز والمعرفة ما في الإنسان لأشفقن من حمل إثم الأمانة وتقلدها. والأمانة: فهي أمانة الله التي استودعها خلقه وعقدها في رقابهم من آداء حقه والقيام بأمره وأخذ الحق وأعطائه، ومن ذلك أمانات الخلق فيما بينهم وما يتظالمون به ويحتروّن على الله به فيما يقولون لو كان في السموات والأرض والجبال من التمييز ما في الإنسان لأشفقن مما تقلده الإنسان فدخل فيه من أداء الأمانة والجزاء على الظلم فيها والتقلد لها. وسألت: عن قول الله سبحانه: وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم معنا ذلك أنه ليس من شيء إلا وهو مقتدر عليه يفعل ما يشاء ويبسط للخلق من أرزاقه كلما يريد وأنه لا يعجزه ولا يمتنع منه شيء وعنده أصل كل شيء وفرعه والإمداد لمن يشاء بما شاء وأن لو شاءهم لبسط للخلق كما يحبون وأعطاهم أضعاف ما يريون لكنه سبحانه ينزل بقدر معلوم في الحكمة والتقدير الحسن الذي لا يصلح لخلقه غيره، ولا ينفع فيهم ولا يغنيهم سواه ولا يلزم عنهم كل اللزوم فيهلكوا ويموتوا ولا يبسط لهم كل البسط فيأشروا ويفسدوا. (1/88) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل، وهذا أمر لم يطلع الله عزوجل عليه نبيه صلى الله عليه لأنه لم يكن يحتاج إلى علمه ولم يفترض الله على أحد من العباد علمه ولم يتعبد به فلسنا نحتاج لتكليف ما كفينا منه، وقد تقحم في ذلك غيرنا بغير معرفة ولا نحب أن نتقحم فيما نذم فيه، ولا نحمد، والله أعلم بذلك وأحكم. فأما القليل الذي ذكر الله أنهم يعلمونهم فإنماهم قليل ممن عرف مخرجهم وعددهم ووقت ما خرجوا من القرية هاربين، وآووا في ذلك اليوم إلى الكهف منحازين وليس القليل العالم بهم بعد استيقاضهم من رقدتهم وإنما القليل الذين علموا قبل رقدتهم وعند خروجهم من قريتهم وقد نها الله نبيه عن المماراة في عدتهم والقول في ذلك بما لم يطلعه عليه وما نهى عنه صلى الله عليه فنحن عنه منهيون وما أمر بتركه فيهم فالخلق بذلك مأمورون لا يسعهم التقحم في شبهه، ولا يحل لهم البحث عما أمروا بتركة إذ ليس مع أحد من الأولين والآخرين منه يقين معرفة، ولا يتكلم فيه أحد إلا بمحال وباطل وشبة لا يسع النظر فيها، ولا يجوز الإجتراء عليها. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين، الجواب: في ذلك أن هذا إخبار من الله تبارك وتعالى لنبيه عليه السلام عن الاقتدار على ما يشاء من خلقه وأن إرادته فيهم نافذة ومشيته ماضية وأنه لو جمعهم لم يجب ثواب لمثاب ولا عقاب على معاقب والله برئ عن جبر الخلق على المعصية وإخراجهم من طاعته. (1/89) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: لا يخلقون شيئا وهم يخلقون الجواب في ذلك: أن هذا إخبار من الله سبحانه أن كل ما يعبد الكافرون من دونه لا يخلقون شيئا والله خالقه وخالق من عبد فيخبر سبحانه بضعف من كان كذلك وضلاله إذ هو يعيد مخلوقا مثله ويترك عبادة الخالق الذي ليس كمثله شيء. وسألت: عن قول الله سبحانه: فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، الجواب في ذلك أن الله سبحانه قد هدى كل الخلق إلى الهدى المبتدأ فمنهم من قبل الهدى فحقت له على الله سبحانه الزيادة في هداية والتوفيق والتسديد في أفعاله ومنهم من أبى الهدى فحق عليه الضلال بفعله ووجب عليه الخذلان بكسب يده حتى حق عليه الخذلان من ربه فالخذلان من الله تبارك وتعالى نازل به والضلال فمن نفسه لا من ربه. وهذا: مما فسره الإمام القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه. سألت: أبي رحمه الله عليه ورضوانه عن قول الله سبحانه والصافات صفا، فالزاجزات رجزا، فالتاليات ذكرا، فقال: الصافات صفا فيما أرى والله أعلم أنها الملائكة التي وصف الله بذكره، وهي واقفة وقفا، والزاجرات هن الذاكرات التي يعلن بالذكر ويزجرن فيه بالزجر والزجر فهو الدفع للصوت والإعلان فيه بالرجَّات لأن الصوت الشديد ربما صدع من صخر الجبال ما صلب وأسمع، ولذلك وفيه ومن الدلالة عليه ما يقول الله في تسبيح الملائكة تكاد السموات يتفطرن من فوقهن، والملائكة يسبحون بحمد ربهم خبرا عن رفعهم للأصوات وتسبيحهم ويتفطرن فهو يتصدعن وفوقهن فهو ظهورهن وذراهن وهو ما يلي الملائكة صلوات الله عليهم من أعلانهن يدل على أن الملائكة عليهم السلام الصافات صفا، وأنهم هم الموصوفون بما ذكر من هذه الصفة وصفا بقولهم صلوات الله عليهم: وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون. (1/90) ________________________________________ وسألته: عن قول الله سبحانه: والنازعات غرقا ) والناشطات نشطا ) والسابحات سبحا ) فالسابقات سبقا ) فالمدبرات أمرا، فقال: النازعات فيما أرى والله أعلم هي السحايب المنتزعات بالأمطار من البحار والأنهار وبما في الأرض من الندوة والنخارة والناشطات نشطا هو المانحات منحا وهي الناشطات المانحات في نزعهن وإطلاعهن، والنشط هو الإغراق وهو القوة القوية في جبذهن واطلاعهن لما يطلعن في الهوا بما ينزعن من الماء وهن السابحات في الهواء سبحا كما يسبح في الماء من كان سابحا يمينا ويسارا وإقبالا وإدبار ا، وهن أيضا السابقات برحمة الله وفضله من المطر والغيث غير المسبوقات بإمساك الله للمطر لو أمسكه عن الأرض وأهلها بعدله، وقد تكون السابقات سبقا هي البروق لأن البرق أسرع شيء خفقا واحثه اختطافا وسبقا. والسحايب: أيضا فهن المدبرات بما جعل الله من الغيث فيهن والأعاجيب لكل ذي حكمة أو نظر مصيب وغيرها إلى يوم يحشرون، وكذلك البرزخ الذي جعله بين البحرين شارعا فهو المحبس الذي جعله الله حاجزا بينهما مانعا، لكي لا يختلط البحر العذب السايغ للشاربين بالبحر المالح الأجاج الذي لا يطيق شربه أحد من الناس أجمعين رحمة منه جل ثناؤه للإنسان وغيره من بهائم الحيوان كما قال سبحانه ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثير ا، رأفة ورحمة في ذلك للإنسان وغيره وقدرة على إحكام أمره فيهما وتقديره. وسألت: عن قوله الله سبحانه: والفجر وليال عشر والشفع والوترر والليل إذا يسري ) هل في ذلك قسم لذي حجر )، والفجر هو انفجار الليل عن صبحة وانفتاقه عن ضوء الصبح ووضوحه، والليالي العشر وما ذكر الله من الليالي العشر هي ليالي ذي الحجة إلى آخرها يوم النحر، والشفع والوتر من العدد فهو كل زوج أو فرد، وفي ذلك لكل ذي حكمة ولب - أعجب ما يتعجب له من العجب. (1/91) ________________________________________ والليل إذا يسري فهو الليل ويسري: فهو السير والليل فهو يسري ويمضي حتى يطلع الفجر ويضيء والقسم فهو الحلف والإيلاء وذو الحجر فهو من جعل الله له عقلا، والحجر فهو العقل والنهى واللب والحجا. وسألت: عن قول الله تبارك وتعالى ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، فقال: الألقاب الأنباز التي يلقب بها بعضهم بعضا التي هي خلاف الأسماء التي سميت بها الآباء فحرم الله عليهم أن يسمي بعضهم بعضا بالألقاب، وجعل ذلك حكما مفروضا في الكتاب. وسألت: عن قول الله سبحانه كدأب آل فرعون، فقال: كمثل آل فرعون كحالهم وعاد. وسألت عن قول الله عز وجل: أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين فقال الصيب المطر الذي فيه الظلمات والرعد والبرق والذين يجعلون أصايعهم في آذانهم خوفاً من الهلكة على أنفسهم. وسئل عن قول الله سبحانه فيما يحكي عن يعقوب صلى الله عليه بجماعة نبيه يا نبي لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة هذا من يعقوب صلى الله عليه حين خرجوا عنه مسافرين فخاف عليهم من النفس وعيون الناظرين فأمرهم عند دخول القرية بأن لا يدخلوا جملة واحدة لما كانوا عليه من كمالهم وكثرتهم وجمالهم وكانوا أحد عشر رجلا لم ير مثلهم جمالا ولا كمالا فخاف عليهم وأشفق صلى الله عليه من أن يراهم أهل تلك البلدة مجتمعين جماعة واحدة على ما هم عليه من كمالهم وحسنهم وجمالهم فأمرهم أن يتفرقوا وأن يدخلوا من أبواب متفرقة شفقة عليهم من العين والنفس، قال الله سبحانه: فلما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه يخبر سبحانه أن الحذر للنفس والعيون لا ينفع إلا بدفاع الله وتوفيقه ولطفه وحفظه. (1/92) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فقال: الاستحياء من الله عزوجل ليس على طريق الخجل وإنما المعنا، والله أعلم في قوله: إن الله لا يستحيي أن الله تبارك وتعالى لا يرى أن في التمثيل للحق والصدق بما هو صحيح صادق من الأمثال عيبا ولا خطأ ولا مقالا بتخطيه لشيء من قول الله سحبانه لأحد من أهل الصلاة. وسئل: عن قول الله سبحانه: وأما بنعمة ربك فحدث فقال: هذا أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله بنشر نعمته عليه وذكر إحسانه إليه لأن الله تبارك وتعالى شاكر يحب الشاكرين ويرضا الشكر والثنا عليه بنعمه من المؤمنين. ويريد أن يحدث المؤمنون بعضهم بعضا بنعمه عليهم وإحسانه إليهم ليكونوا بذلك ذاكرين. وسئل: عن قول الله سبحانه: فلا تزكوا أنفسكم فقال: هذا نهي من الله سبحانه لعباده عن تزكية أنفسهم لأنه لا شريك له أعلم بسرهم وعلانيتهم والله تبارك وتعالى لا يخطي علمه فيهم ولا يغلط ولا يسخط إلا في موضع السخط، وقد يغلطون في أفعالهم ويخطئون فيظنون أنهم في بعض ما يعملون لله من مرضين وهم عنده في ذلك مسخطون، ويقولون: القول الذي يتوهمونه لله رضا وهو عند الله سخط. ألا ترى كيف يقول سبحانه: هو أعلم بكم، وكذلك الله سبحانه هو أعلم بهم من أنفسهم والمحيط بعلانيتهم وسرهم، وسئل عن قوله سبحانه: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فقال: هذا نهي من الله سبحانه للمؤمنين بأن يكونوا بالمن والأذا لمن تصدقوا عليه: تصدقاتهم مبطلين منهم لمن أحسنوا إليه وكثر الإمتنان بذلك الإحسان إليه. بسم الله الرحمن الرحيم سألت: أرشدك الله عن قول الله سبحانه: فأتوهن من حيث أمركم الله، فقلت: أي موضع أمر أن يؤتين فيه وهو أعانك الله لأقبالهن لا أدبارهن لأن الله سبحانه يقول: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم والحرث الذي أمر الله عزوجل بإتيانه فهو حيث يكون النسل والمزدرع. (1/93) ________________________________________ ألا تسمع كيف يقول الله الواحد العلي الأعلى: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله فدل بقوله من حيث أمركم الله على أن فيهن موضعا عنه نهاكم ولو لم يكن فيهن موضع نهى عنه المأمورون لما جاز أن يقول: من حيث أمركم الله إذ هن في ذلك مطلقات ففي ذلك دلالة شافية مبينة لما قلنا به، والحمد لله كافية مع ما جاء عن الرسول في ذلك من الأحاديث المكررة المذكورة في النهي عن الأدبار المشددة من ذلك قوله صلى الله عليه وعلى آله: ؛إتيان النساء في أعجازهن كفر«. وسألت: عن الأشهر المعلومات وعن الأيام المعلومات فأما الأشهر المعلومات فهي أشهر الحج المفهومات وهن شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فأما الأيام المعدودات فهي أيام التشريق يوم أحد عشر ويم اثني عشر ويوم ثلاثة عشر من ذي الحجة فهذي الأيام المعدودات وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ما كان أخذ الميثاق ومتى كان، وأخذ الله سبحانه لميثاق أهل الكتاب فهو بلا شك ولا ارتياب ما أخذ الله منهم على لسان موسى وعيسى صلى الله عليهما من التصديق بمحمد صلى الله عليه وعلى آله والإيمان به والإقرار بما ينزل عليه من وحيه والنصر له صلى الله عليه وآله، والقيام معه. وسألت: عن السارق متى يجب عليه القطع، فقد قيل في ربع دينار أو قيمته وقيل في عشرة دراهم أو قيمتها، وقيل: إن قيمة المجن الذي قطع فيه الرسول صلى الله عليه كان ربعا، وقيل: قيمته كانت عشرة دراهم ونختار في ذلك عشرة دراهم قفله، وذلك فأصح ما ذكر عندنا فيه من الأخبار. (1/94) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه إنما يستجيب الذين يسمعون فقلت ما معنا دعا من لا يسمع المعنا في يسمعون هو يطيعون ويقبلون ما يأتيهم به من ربهم فيستبصرون بنور الله ويهتدون لا أنهم صم لا يسمعون. ألا ترى كيف تقول العرب لمن كان منها ذا عصيان، ألا تسمع يا هذا، قول فلان فإنه ناصح شفيق، حريص عليك رفيق مؤيد تقبل قوله وتصير إليه لا تخالفن بعملك عليه. وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذ قالت أمة منهم لم تعطون قوما الله مهلكهم، فقلت: هل دخلت هذه الأمة القائلة لم تعظون قوما في الهلكة أم هي من الهلكة ناجية، وكيف تدخل في العذاب والنقم وهي منكرة على أهل العصيان من الأمم. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى، ثم قال: بل لله الأمر جميعا، فقلت: ما معنا هذا وهو لا يجري في نظمه فأما قول ذي الجلال ولو أن قرآنا سيرت به الجبال فإنما يريد لو أنا جعلنا قرآنا تسير به الجبال المرسية أو تقطع به الأرض المدحية أو تنطق به الجثث الفانية والمتمزقة في الأجداث البالية لكان هذا القرآن الذي نزله الرحمن على محمد المصطفى وأمينه المرتضي فطرح سبحانه لكان هذا القرآن لعلمه بفهم المخاطبين بما نزل في القرآن المبين إذا كان في لغة العرب الذي نزلعليها وجعل وحيا باقياً أبدا فيها وشأن العرب أبدا الإختصار فيما تنصه وتذكره من الأخبار. ومثل هذا وشبهه فموجود في كتاب الله ووحيه من ذلك قوله: وأشربوا في قلوبهم العجل، فقال: العجل والعجل والقلوب لا تشربه وإنما أراد سبحانه إجلاله وحبه أراد وأشربوا في قلوبهم حب العجل فطرح للاختصار وعلم المخاطب الحب وأثبت العجل، وقال في ذلك الشاعر: ألا اتقي سقيت أسود حالكا... ألا بجلي من الشراب الأبجلي ... (1/95) ________________________________________ فقال: سقيت أسود حالكا والأسود لا يشرب وإنما أراد سقيت سم أسود حالكا، وهذا فكثير في اللسان موجود في اللغة والبيان، وفي غير ذلك ما نزل الله من القرآن وعلى ذلك مخرج قول الله أو كلم به الموتى ثم ابتدأ فأخبر أن له الأمر جميعا في كل الأشياء إظهارا منه لقدرته واحتجاجا على بريته وتثبيتا فيهم لحجته. وسألت: عن قول الله سبحانه: ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) ولو لا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ثم قال: إن الذين، فقلت: ليس هذا جواب لولا إنما جوابها لكان، ولقد فكيف العمل في هذا المعنى فهذا رحمك الله المعنى فيه كالمعنى في قوله ولو أن قرآناً سيرت به الجبال سواء سواء أراد سبحانه لولا فضله ورحمته لكان له ولرسوله في ذلك حكم سواء ما حكم به السان من الأحكام التي تكزن نكالاً لمن كان كذلك منكم، ولكن بفضله ورحمته عفى عنكم وتفضل بالستر عليكم. وسألت: عن قول الله سبحانه: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فقلت: ما القرؤ ومتى أول الثلاثة ومتى آخرها فالقروء هو المحيض والدم نفسه لا شيء في المعنى غيره وإنما سمى قرؤا لما تقري المرأة في حرقها منه وتجمع وكل ما جمع فاجتمع فقد قرى فيما يجتمع فيه من خرق أو كرسف أو إناء أو حوض أو غير ذلك من الأوعية والأشياء. ألا ترى أن العرب تقول للمسافر إقر في الحوض ولا تني تريد إجمع الماء ولا تهرقه واقره في حوضه ولا تفرقه واما أول الاءقرا الماموربها لمن طلق بها على العدة من النساء فأول دم نزل من بعد ذلك الطهر الذي طلقها فيه وعلى وجهه فعلها فأما من طلق منهن حايضا فإنها لا تعتد بتلك الحيضه في الإقراء ويبتدي من بعد ما يأتي بعد تلك من أقرائها حتى تأتي على ما ذكر من عدتها وهو عند كمال الثالثة من حيضها واغتساها بالماء وطهرها ثم هي من بعد ذلك أولى بنفسها. (1/96) ________________________________________ وسألت عن قول الله عز وجل وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا، فقوله وإذا أردنا أن نهلك فهو إخبار منه أنه لا يريد إهلاك قرية إلا من بعد العصيان منها له والمخالفة لأمره، وقوله أمرنا مترفيها ففسقوا، يقول أمرناهم بالطاعة فأتوا بالفسق والمعصية، فحق عليها القول منا وهو الحكم منه بمواقعه الوعيد لهم ووقوع العذاب عليهم، فدمرناها تدميرا يريد أهلها لأجٌدُرَّها وأبنيتها. وسألت عن المحيض كم أكثر ما يكون وأقله، فأكثره عندنا عشرة أيام لا غيرها ولا يحل لهن أن يتركن الصلاة أكثر منها وأقله فثلاثة أيام عند أهل العلم والتمام. وسألت عن قول الله سبحانه فيما حكى عن المؤمنين من عبيده القائلين: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، فقلت: كيف يزيغ قلب من هداه الله وكيف جاز لهم أن يظنوه بالله سبحانه فهذا دعاء منهم بالتثبيت لهم بالمعونة والتوفيق والتسديد والإرشاد يقولون ربنا زدنا هداً إلى هدانا ومعونة إلى قوتنا ولا تتركنا من رحمتك فنهلك وتزيغ قلوبنا بعد ما نحن عليه من اجتهادنا في طاعتك وإتباعنا لمرضاتك لا أنهم يتوهمون على ربهم أو يظنون بخالقهم ظلما لهم أو إزاغة عن رشدهم أو إدخالا لهم في تقصير أن كان منهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: أن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ومعناها أن تسمع بآياتنا عندما نلقى في آذانهم من وحينا وتتلوا عليهم من وعدنا ووعيدنا إلا من يؤمن بها ويصدق بما يتلو من وحيها من المسلمين فأما من ضل عن الحق والهدى وجنب عن الصدق، واتبع الهوى أو كان بذلك كافرا وفي دين الله فاجر ا، فلا يستمع ما نأمره وننهاه عنه، والسمع هاهنا فهو الطاعة والقبول لما جاء به عن الرسول ومن الحجة على أن السمع هو الطاعة ما يقول الله سبحانه: ولو أنهم قالوا: سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا. (1/97) ________________________________________ وسألت: عن من فعل مثل فعل الثلاثة الذين خلفوا هل يجوز أن يفعل فيهم مثل ما فعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله من المنع لهم من أهلهم والنهي عن معاشرتهم فاعلم هداك الله وأعانك أن ذلك كان فعلا من الرسول صلى الله عليه وعلى آله فعله بهم لما أراد من توبه الله عليهم وشاء من صفحه عنهم، فأحب صلى الله عليه وعلى آله إذ صدقوه ولم يكذبوه أن يفعل ذلك بهم استدعاء لرحمة الله لهم وحسن جزائه على صدقهم وإن ذلك لا يجوز لأحد من العباد أن يفعله لمن تخلف عن الجهاد ولكن له أن يفعل بهم غير ذلك من الآخزاء والفضيحة والإبعاد وطرح شهادتهم وإزالة عدالتهم عند حكام المؤمنين. وسألت: عن قول الله سبحانه: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، وقلت: فإن قال قائل من المجبرة فإذا كان هو الموفى ذلك إليهم أليس ذلك فعله بهم فما المعنى في ذلك، ثم قال: أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون. وكذلك الله الصادق في قوله العادل في فعله يفعل لمن أراد الحياة الدنيا ولهي عن الآخرة التي تبقى فإنه يوفى إليه عمله ومعنى يوفي إليهم أعمالهم فيها هو موفي إليهم في الآخرة جزاء أعمالهم وما حكمنا به من العقاب على من فعل مثل أفعالهم. وقوله: وهم فيها لا يبخسون يريد وهم لا يظلمون. وأما معنى قوله: أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها، وباطل ما كانوا يعملون فهم الأولون من المذكورين بالميل إلى الدنيا وزينتها والرضا بما فيها من زخرفها دون ما هو خير منها فأخبر الله سبحانه أنه لا نصيب لهم في الآخرة إذ لم يعملوا لها بعملها وينصبوا في طلبها إلا النار التي خلقت مقرا ودار آ للعاصين ومحلا لهم وموئلا في يوم الدين. (1/98) ________________________________________ وقوله: حبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون هو إخبار من الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله إنما كانوا يعملون في الدنيا حابط والحابط الباطل الذي لا منفعة له ولا حاصل فأخبر سبحانه أن أعمالهم حابطة إذ لم ينفعهم منها في الآخرة نافعة كما نفع المؤمنين على ما عملوا وأحلهم دار الخلد بما صنعوا وليس بحمد الله للمشبهين ولا للمجبرين في هذا حجة على رب العالمين. وسألت: عن قول الله سبحانه: وما تغيض الأرحام وما تزداد فغيضها هو ما ينقص منها مما هو فيها من الأولاد دون غيرها وزيادتها فهو ما يحدث فيها ومنها. وسألت: عن قوله إلا اللمم واللمم فهو الخطرة والنظرة وما جاء عن غير محمد ولا مباينة بعصيان لخالقه الواحد ذي السلطان. وسألت: عن قول الله سبحانه: ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا فلا تعجل عليهم إنما تعد لهم عدا، فقلت: ما الحجة في ذلك عليهم ولم يعذبهم إذ كان هو المرسل لهم، فمعنى الإرسال من أرحم الراحمين لمن ذكر أنه أرسله من الشياطين هو التخلية من الشياطين والكفرة الفاسقين، وترك الحول بينهم وبينهم لأن الله لا يوقع الخذلان بأحد ممن عصاه من الإنسان إلا من بعد تركه للطاعة والتقوى والإيمان، ومن رفع عنه التوفيق والإحسان وقع عليه ولزمه الخذلان فأزته الشياطين ومن كان الشيطان له قرينا فساء قرينا، وإلأ زمن الشيطان فهو الإغواء والوسوسة للكافرين والتدلية لهم فيما يكون به عذابهم يوم الدين، فهذا معنا إرسال الله للشياطين لا ما يتوهم عليه من ضعف من الجاهلين. وسألت: عن قوله الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، وذلك إخبار من الله عزوجل لنبيه بأن لهم أعمالا من الفسق والغي والباطل والعنود عن الحق وغير ذلك مما كانوا يعملون، وفيه دهرهم يتكمهون وبها عما يدعوهم إليه من الحق مشتغلون وبدون ما أدبهم به مؤتمرون. (1/99) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: فأحبط الله أعمالهم. وهذه المسألة قد أجاب فيها أبو الحسين بما أجابك به من المسائل وليس يحتاج في ذلك إلى تكرار قول أحد. وسألت: عن قول الله سبحانه: وكان أمر الله قدرا مقدور ا، وقد أجابك أبو الحسين فيما سألت من القدر في هذا وغيره بما فيه كفاية وشفا والحمد لله العلي الأعلى. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولو تواعدتم لأختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فقلت: ما هذا الأمر الذي يقضيه الله وما قضاؤه وهذا فإخبار من الله للمؤمنين بما وفق لهم من المعونة والنصر ومن به في ذلك عليهم من الظفر، والأمر المقضي فهو النصر من الله للمؤمنين على من ناصبهم من الكافرين. وقوله: كان مفعولا يريد كان لله حكما وفعلا مفعولا في قديم الدهر وحديثه، وقيل: إيجاد يوم بدر وتكوينه لأن الله لم يزل مذ خلق الدنيا حاكما بالنصر منه لأهل القتوى فمن اتقاه ونصره أعانه وأيده ونصره، وذلك قوله: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، وقوله: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. وقلت: ما قضاؤه له فهو إيجاده له وفعله. وسألت: عن قول الله سبحانه: الرحمن ) علم القرآن إلى قوله: والحب ذو العصف والريحان، وعن قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان، فقلت: لم يذكر في أول هذه السورة اثنين فمن هاذان، فقوله: الرحمن، فهو ذو الرحمة والإحسان علم القرآن، فقد يكون تعليمه له هو تنزيله والحض على قراءته وتعليمه بما جعل في ذلك من الثواب لمن كان له من القارئين، وبه في الليل من المتهجدين، وقد يكون معنى ذلك هو الدلالة منه سبحانه على تأويله والتسديد والتوفيق لعلم غامض سننه والمن بذلك على عباده المؤمنين والإحسان به إلى أوليائه الشاكرين. (1/100) ________________________________________ فأما قوله: خلق الإنسان علمه البيان فخلقه إيجاده له وتعليمه إياه البيان فهو تركيبة فيه ما به يميز بين السواية والإحسان ويفرق به بين الخير والشر، وينقلب به فيما يحتاج إليه من الأمر وينال به الطاعات وينحرف به عن المهلكات من المعقول المفطور عليه المركب بفضل الله فيه، ومن البيان ما جعله فيه من استطاعة القول والكلام باللسان وما ينال به من المحاجة لمن حاجه من الإنسان. الشمس والقمر بحسبان، فالحسبان هو الحساب بالأيام والشهور والسنين والأزمان، والنجم والشجر يسجدان ينقادان، فسجودهما هو سجود من سجد لعظمة خالقهما ممن تفكر في عجيب أمرهما وتصويرهما، وما في خلقهما من العبر والآيات من ارتفاع النجوم ونورها ومجاريها وسيرها واعتدالها في فلكها وتقويمها وغير ذلك من عجيب حالاتها، وكذلك الشجر في اختلافه وثمره، وما ترى فيه من تدبير خالقه واختلاف ألوانه وطعمه وعجيب فعل الله في تغذيته وتنقيله من حال الصغر والفساد إلى حال الانتهاء ومنافع العبادة، فلما أن كان سجود من يسجد لله من المؤمنين العارفين بالله المعتبرين المستدلين عليه بما خلق من المخلوقين من أجل ما يرون من آيات الله في خلق البشر وعجيب ما فعل في النجوم. والشجر حازان يقول يسجدان وإن كان الساجد غيرهما من الإنسان كما جاز أن يقال: إن الله ميز للكافرين أعمالهم وأغفل عن ذكره قلوبهم، وذلك قوله سبحانه: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، وقوله: زينا لهم أعمالهم والتزيين من الله فهو الإملاء والتأخير والنظرة والتعمير وكذلك الإغفال فهو ترك التوفيق لهم والتسديد والعون من الله، والتأييد فلما أن كان من الله السبب الذي كان به غفلة قلوبهم واكتسابهم لذلك جاز أن يقول: أغفل الله قلوبهم. (1/101) ________________________________________ وكذلك التزيين لأعمالهم لما أن كان من الله السبب الذي كان به التزيين جاز أن يقال: زين الله لهم أعمالهم لا أن الله فعل التزيين للكفرة، ولا شاءه ولا أراده منهم ولا ارتضاه ولا أغفل سبحانه عن ذكره قلوبهم بل نهاهم عن ذلك وعاقب من كان من الخلق كذلك فعلى هذا المثال والمجاز من قول الله جاز أن يقال: النجم والشجر يسجدان وإن كانا في أنفسهما لعدم استطاعة التخيير لم يسجدا ولكن لعجيب تدبير الله وصنعه فيهما إذا سجدا عباده المعتبرين وأخشعا من كان ذا خشية لرب العالمين. وأما قوله: والسماء رفعها ووضع الميزان ) ألا تطغوا في الميزان ) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان فإخبار منه جل جلاله بما رفع السماء بلا عمد ودلالة منه على قدرته لكل أحد، قوله: وضع الميزان فهو جعل الميزان. ودل عليه وجعل حكما عدلا بين عباده لا حيف ولا ظلم فيه ثم نهاهم عن الظلم فيه وأمرهم باتباع القسط فيه والوزن بالحق والإحسان ونهاهم عن البخس والعدوان. ثم قال: والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة يقول: دحاها وللأنام مهدها وأخرج لهم ما ذكر من فاكهتها تفضلا عليهم بها وإحسانا منه إليهم فيها، والنخل ذات الأكمام فالأكمام قشر الطلعة والغلاف الذي يكون فيه الشماريخ قبل إتساق أكمامها والحب ذو العصف والريحان، والحب: فهو الحنطة والشعير وغير ذلك مما جعله اللطيف الخبير والعصف فهو الحب الأجوف الذي لا حشو فيه ولا صلابة لديه، وذلك الواحد الجليل فيما خبر من فعله في أصحاب الفيل حين يقول فجعلهم كعصف مأكول، ثم قال: فبأي آلا ربكما تكذبان. فمعنى فعنا بذلك من خلق من الإنسان والجان والمناجيان في سورة الرحمن فهما الثقلان، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: يا معشر الجن والإنس إن استطعتهم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان. (1/102) ________________________________________ وسألت: بمن قول الله سبحانه: قبل أن تقوم من مقامك وقد أجابك في ذلك أبوالحسين بما فيه كفاية إن شاء الله، قال أبو القاسم الإمام المرتضى لدين الله، سألت: أبي الهادي إلى الحق صلوات الله عليه عن: قل يآ أيها الكافرون في من نزلت، قال: نزلت في الأسود بن المطلب والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص عرضوا على النبي صلى الله عليه وعلى آله أن يعبد وأما يعبد وتعبد ما يعبدون، وعن قوله سبحانه: إن شجرت الزقوم طعام الأثيم قال: نزلت في أبي جهل حين أن زعم أنها تمر بزبد. وعن قول الله سبحانه فيما يحكى عن من قال: لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، فقال: نزلت في اليهود كانوا يقولون: إن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة وأن الله يعذب أهل النار بدل كل ألف سنة يوما واحدا فذلك سبعة زيام ثم ينقضي عذاب جهنم فأنزل الله أكذابهم في ذلك وزور قولهم عنهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم إلى آخر الآيات، فقال: نزلت في اليهود، وذلك أن بني القينقاع كانوا حلفا مع الخزرج وكان بنوا النظير وقريضة حلفا للأوس وكان كل يقاتل مع خلفائه فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدت اليهود ما في أيدي الأنصار من أسارا وكان في التوراة واجب فرض عليهم أن يفتدوا أساراهم حيث كانوا وأن لا يسفك بعضهم دم بعض ولا يخرجه من دياره فقبلوا بعض الفرض من الإقتداء وسفكوا الدماء وأخرجوا من الديار، فأنزل الله سبحانه: أفتأمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض. وعن قوله: ولن يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم يريد بما قدمت أيديهم من كفرهم بك وجحدهم لك من بعد علمهم بأمرك الذي وجدوه في التوراة. وعن قوله عزوجل: لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، قال أحدهم: الوليد بن المغيرة المخزومي والآخر عمرو بن عمير الثقفي. (1/103) ________________________________________ وسألت: عن قوله سبحانه: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك والصيام فهو صيام ثلاثة أيام والصدقة فهو إطعام ستة مساكين، والنسك فهو شاة وهو مخير في ذلك فأي ذلك شاء فعل. وسألت: عن قوله سبحانه: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين والمعنى في ذلك فهو: وعلى الذين لا يطيقونه فدية فطرح (لا) وهو يريدها لأنه سبحانه إنما خاطب العرب بلسانها والعرب تطرح (لا) وهي تريدها وتثبتها وهي لا تريدها، في ذلك ما يقول الشاعر: بيوم حدود لا فضحتم أباكم... وسالمتم والخيل تدما شكيمها فقال: لا فضحتم وإنما أراد فضحتم فأدخل (لا) وهو لا يريدها وشاهد ذلك من كتاب الله قوله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله لأن لا يعلم أهل الكتاب فأدخلها صلة في الكلام، وذلك عند العرب فمن البلاغة والتمام وهي مثل ما يقول الشاعر: ما زال ذو الخيرات لا يقول... لا يصدق القول ولا يحول وقال الشاعر في طرح لا وهو يريدها: نزلتم منزل الأضياف منا... فعجلنا العرا أن تشتمونا فقال: أن تشتمونا وإنما أراد لأن لا تشتمونا، فطرح (لا) وهو يريدها والشاهد لذلك في كتاب الله سبحانه قوله: لا أقسم بيوم القيامة، فقال: لا أقسم، وإنما أراد ألا أقسم وقال سبحانه: وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، وإنما أراد لأن لا يمكروا فيها. وسألت: عن قول الله سبحانه: وتلك الأيام نداولها بين الناس فصدق الله سبحانه هو المكون لها والمحدث لما كان من خلقها، وإنما أراد سبحانه بذلك ما يداول منهم فيه من الغموم والهموم والأحزان والفرح والسرور الذي تمر به على الإنسان مما ينزل به السرور بما يرزقون ويوهبون من الذكور ويبسط لهم من الأرزاق ويوسع عليهم من الإرفاق. (1/104) ________________________________________ ويبتلون من الثكل للأحياء وما ينالهم من زوال السرور والرخاء فمرة يستغني الفقير المعسر ومرة يفتقر الغني الموسر وتارة يفرح هذا بما يولد له من الأولاد وتارة يغتم ويهتم بما يخافه من الضعة والفساد والأيام بين المخلوقين دول كما ذكر رب العالمين بما يبسط لهم من الأرزاق ويمن به عليهم من السعة والأرفاق لا ما يتوهم الجاهلون وينسب إلى الله الضالون من الله للفاسقين. وتمكنته للفجرة العاصين، والإذالة فهي نصر وتمكين والله فلا يمكن إلا لعباده المؤمنين. وسألت: عن قول الله سبحانه: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولاجنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا، فالسكر الذي نها عن الصلاة معه، وفيه فهو سكر النوم وغلبته وغشيانه لعقل من ينزل به فنها الله المؤمنين عن الصلاة حتى يزول عنهم إسم النوم ويصيروا إلى حد المتيقظين من الأنام وترجع إليهم عقولهم فيعرفون ما يقولون وما يقرؤن في الصلاة فيفعلون. وأما قوله: ولا جنبا إلا عابري سبيل فعابر السبيل مجيز الطريق من أبناء السبيل الذين قد وقع عليهم اسم السفر وجاز لهم عند الله عزوجل الفرض. وسألت: عن قول الله سبحانه: ومن يرد الله فتنتة فلن تملك له من الله شيئا، والفتنة فهي القتل والإهلاك والانتقام والتعذيب كمن عذب من القرون الأولى بالخسف والرجم والصاعقة والإغراق لمن أغرق من الأمم الطاغية فقال سبحانه: من يرد الله فتنته أي عذابه وإهلاكه فلن تملك له من الله شيئا فصدق الله العلي الأعلى. (1/105) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. فقلت: ما الشرعة وما المنهاج وما الجعل فالشرعة هي الفرائض المفروضات والأحكام المجعولات المأمور الخلق بفعلهن والمحكوم عليهم بأداء فرضهن والمنهاج فهو الطريق الواضح الدال على ما ذكرنا من الشرعة الناطقة لها السنة المتبعة والجعل فلا يكون إلا فعلا لله تبارك وتعالى من ذلك ما جعل من الليل والنهار، وذلك قوله: وجعلنا الليل والنار آيتين، وقوله: وجعلنا السماء سقفا محفوظا، يريد جعلنا وفعلنا وقدرنا ورفعنا وقد يكون الجعل من الله على طريق الفرض والحكم مثل قوله: وما جعل عليكم في الدين من حرج يريد ما حكم عليكم في دينكم بضيق من أمركم ولا كلفكم إلا دون طاقتكم. وسألت: عن قول الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه: إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وأن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا، فقلت: إن قال قائل من المجبرة أو تكلم متكلم فقال: إن الله جعل على قلوبهم أكنة حتى لا يفقهوه وفي آذانهم وقرا حتى لا يسمعوا وأن ذلك من فعل الله بهم ليشقيهم وليس ذلك لعمره كذلك ولو كان الله الذي حجب قلوبهم وآذانهم عن ذلك لم يبعث الرسول إليهم، ولم يحتج ببرهانه عليهم وكانوا عنده بتركهم ذلك معذورين وكانوا على ذلك مثابين إذ هم لما أرسل إليهم به غير مستطيعين. (1/106) ________________________________________ وقد قال الله سبحانه: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقال: لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها فكيف يكلفهم الإيتمار، وقد حجب قلوبهم عن الإعتبار فتعالى الله عن ذلك العزيز الجبار بل معنى قوله جل جلاله ذلك هو إنكار عليهم لقولهم الذي قالوا حين دعاهم الرسول إلى الحق وترك ماهم عليه من الباطل والفسق، فقالوا له: استهزاء وعبثا: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون، فقال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه يحكي قولهم ويرد كذبهم عليهم، فقال: إنا جعلنا على قلوبهم أكنة يريد سبحانه أئنا جعلنا على قلوبهم آكنة كما قالوا: وفي آذانهم وقرا كما ذكروا بل الزور في ذلك. قالوا: وبالباطل تكلموا، فأراد بذلك معنا الإنكار عليهم والتكذيب لهم والتقريع بكذبهم وتوقيف نبيهم صلى الله عليه على باطل قولهم وجليل ما أتوا به من محالهم، فقال: إنا وهو يريد أئنا فطرح (الالف) استحفافا لها والقرآن فعربي كذا إلى النور والحق يهدي والعرب تطرح (الألف) من كلامها وهي تريدها فيخرج لفظ الكلام لفظ إخبار ونفي وهو تقريع وإيجاب وتثبتها وهي لا تريدها فيخرج لفظ الكلام لفظ شك ومعناه معنا خبر وإيجاب في كل ما جاءت به من الأسباب من ذلك قول الله سبحانه: لا أقسم بيوم القيامة وقوله: لا أقسم بهذا البلد، فقال: لا أقسم وإنما أراد ألا أقسم فطرح (الألف) منها فخرج لفظها لفظ نفي وهي قسم وإيجاب، وقال في عبده ونبيه يونس صلى الله عليه وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فأثبت الأف وهو لا يريد فخرج الكلام لفظ شكومعناه معنا إيجاب وخبر أراد سبحانه وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون على المائة ألف: وأرسلناه إلى مائة ألف فأراد بقوله: إنا جعلنا التقريع لهم والتوقيف لنبيه على تكذيبهم لا ما يقول الجاهلون أنه خبر عن فعله بهم. (1/107) ________________________________________ ألا ترى كيف يدل آخر الآية على أولها من قوله: وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا، يقول: فإن كان الأمر على ما يقولون وكنا قد فعلنا بهم شيئا مما يذكرون فلم أرسلناك تدعوهم إلى الهدا أو تزجرهم عن الردى لو كانوا كذلك، وكنا فعلنا بهم شيئا من ذلك ثم دعوتهم إلى الهدا فلم يطيعوا أن يهتدوا إذا أبد ا. ألا تسمع قوله: وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً، فقال: إذاً يريد إن كان ما يقولون علينا مما ذكرواأنه على أبصارهم وأسماعهم وقلوبهم فعلا منا بهم فلن يهتدوا إذا أبدا كنا منعناهم بذلك عن الاهتداء فكيف نرسلك إلى من لا يستطيع أن يهتدي ولا يفلح ولا يقتدي هذا ما لا يفعله بك ولا بهم من الخلق المخلوقين أحد فكيف بالله ذي القدرة أرحم الراحمين. وسألت: عن قول الله سبحانه: ما جعل الله من بحيرة ولا سآئبة ولا وصيلة ولا حام فالبحيرة هي الناقة تنتج خمسة أبطن فإن نتجت في الخامس سقبا أهدوه للقوَّام على آلهتهم من الأصنام وإن نتجت قلوصا استحيوها وخلَّوا عن أمها وشرموا أذنها وسموها بحيرة، ثم لم ينتفعوا منها بلبن ولا وبر ولم يحلبوها إلا في البطحاء ولم يجزّوا لها وبرا إلا ذرُّوه في الرياح. وأما السائبة: فكانوا يسيبون من أموالهم ما شاؤا على طريق الشكر لله إن كان غائيبا فقدم أو مريضا فشفي ويسمون ذلك سائبة ويخلا فلا يحما ولا يمنع ماء والوصيلة فهي من النعم وهي الشاة إذا ولدت خمسة بطون أيضا فكان الخامس جديا أهدوه لخدام الأصنام وإن كانت عناقا استحيوها فإن تؤمت فولدت جديا وعناقا تركوا الجدي واستحيوه وقالوا: قد وصلته أخته فلا يجوز عندهم ذبحهه فهذه العناق عندهم فهي الوصيلة لما وصلت من أخيها. (1/108) ________________________________________ وأما الحام: فهو الجمل يرسل في الإبل فيضرب عشر سنين فإذا ضرب عشر سنين ولحقت أولاده وضربت في الإبل، قالوا: هذا قد حما ظهره، فلا يجوز عندهم بعد ذلك أن يحملوا عليه شيئا ولا يخرجوه في دية ولا يستعان به في نازلة ويسمونه حاميا ويخلون سبيله لا يحما حما ولا يمنع ماء وكان الذي سن لهم ذلك وجعله فاتبعوه في ذلك قصي بن كلاب. وسألت: عن قول الله سبحانه: والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات، من يشاء الله سبحانه يضلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم، وهذا يرحمك الله فمثل مثله وضربه لهم إذ كانوا عن آياته معرضين وعن قبول ما أمروا به صادين، فأخبر سبحانه أنهم في ترك الاستماع للحق، وقبول ما جاء به نبيه صلى الله عليه وعلى آله من الصدق وقد يرون ما يأتي من البراهين والدلالات والعلامات كالصم والبكم الذين لا يسمعون ولا يعقلون فيأمرون. ألا ترى أن العرب تقول لمن لم يستمع ويسمع ويقبل ما يؤمر به فينتفع ما أنت إلا أصم وتقول فلان أصم أبكم عما يلقا إليه وإن كان حديد السمع تريد بذلك قلة الائتمار بما به يؤمر وطول الغفلة عما منه يحذر. وأما قوله: في الظمات فهي ظلمات الكفر والعصيان والبعد من الواحد ذي الجلال والسلطان. وأما قوله: من يشاء الله يضلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم فقد تقدم منا شرح معنا أرادته لإضلال الضالين وهدايته لمن اهتدى من المهتدين، ومعنا الضلال والهدا هاهنا كمعناه فيما تقدم أو لا. (1/109) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه يوم يأتي تأويله فقلت: ما هذا التأويل وعلى ما يخرج من الأقاويل، واعلم أنه تأويل ما كان يأتي به رسول الله صلى الله عليه من الوعد والوعيد من ذي الجلال والإكرام مما كانت قريش ومن معها من المشركين وكثير ممن كان معه صلى الله عليه وعلى آله من المنافقين يكذبون به ويجحدون ويأبون التصديق به ويبطلونه من الحشر والميعاد وما أعد الله سبحانه للعباد من الثواب الذي أعده للمحسنين، والعقاب الذي جعله سبحانه جزآءً للفاسقين. ألا تسمع كيف حكى ذلك عنهم الرحمن حين نقول في واضح ما نزل من الفرقان من قوله: إذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإننا لمخرجون لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين. فأخبر سبحانه عن مجيء ما كانوا يوعدون مما كانوا به يكذبون من يوم حشرهم وعقابهم وما يعاينون من حسابهم. وسألت: عن قول الله سبحانه فيه: آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات والمحكمات رحمك الله فهن الآيات اللواتي ظواهرهن كباطنهن وتأويلهن كتنزيلهن لا يحتملن معنين ولا يقال فيهن بقولين مثل قوله تبارك وتعالى: ليس كمثله شيءوهو السميع البصير. ومثل قوله: قل هو الله أحد ) الله الصمد ) لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ومثل قوله: الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذي وكبره تكبير ا، ومثل سورة الحمد ومثل قوله: الله لا إله إلا هو الحي القيوم الآية كلها، وغير ذلك مما كان من الآيات المحكمات اللواتي لا يدخلهن التأويلات ولا يختلف فيهن القالات والأمهات فهن اللواتي يرد إليهن المتشابهات، وأم كل شيء فاصله وأصله فمحكمه الذي ترد إليه الفروع والإختلاف، ويقع بالرجوع إليه بعد التشاجر الايتلاف. (1/110) ________________________________________ والمتشابهات: فهن ما حجب الله عن الخلق علمه من الآيات اللواتي لا يعلم تأويلهن غير رب السموات، كما قال الله لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، يقول: آمنا به كل من عند ربنا، فأخبر أنه لا يعلم تأويله غيره، وأن الراسخين في العلم إليه يردونه إذ لم يعلموه وإذ حجب عنهم تأويله فلم يفهموه مثل يس، و حم و المر، و طسم، و كهيعص، و ألم و الر و المص و ص و ما كان من المتشابه مما يحتاج الخلق إلى فهمه فقد اطلع الله العلماء الذين أمر بسؤالهم على علمه وهو ما كان تأويله مخالفا لتنزيله مثل قوله سبحانه: وجوه يومئذ ناضرة ) إلى ربها ناظرة، ومثل قوله: والسموات مطويات بيمينه، ومثل قوله: تبارك اسم ربك، ومثل ما ذكر الله من الضلال والإملاء وغير ذلك مما ذكر تبارك وتعالى مما يتعلق تنزيله وينسب فيه إلى الله عنه خلقه الجاهلون فأبطلوا بذلك ما ذكر الله من الأمهات المحكمات اللواتي جعلهن بالحق شاهدات وعن ظاهر المتشابه ناطقات. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس، فقلت: إذا كان الله قد ذرأهم لها فكيف يقدرون على المخلص منها، واعلم أن الذرو الذي ذكر الله هو الذرو الثاني في الحشر حشر المؤمنين إلى النعيم المقيم وحشر المنافقين الفاسقين إلى العذاب الأليم لا ما يتوهم الجهلة العمون على رب العالمين، من خلق الفاسق فاسقا والمنافق منافقا والصائح صالحا والطالح طالحا، ولو كان ذلك كذلك لما أرسل إليهم المرسلين ولما أمرهم بأن يكونوا من المؤمنين ولكان في أمره إياهم بذلك داعيا لهم إلى مغالبته أمرا لهم بالخروج من جنته ولم يكن المحسن أولى بثواب الإحسان من المذنب ولم يكن المذنب أولى بعقوبة الذنب من المحسن وذلك قول الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. (1/111) ________________________________________ وسألت: عن قوله: لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون إلى أم لم تنذرهم لا يؤمنون، فالقول الذي حق على الفاسقين، فهو وعيد الله وما حكم به على العاصين من العذاب المهين، يقول: قد أحق عليهم وعيدنا ما اكتسبوه من معاصي الله، ومعنا قوله: أحق فهو وجب ووقع وصح عليهم فلن يدفع بإدخالهم لأنفسهم في العصيان وما به يحق عليهم القول من عذاب النيران. وقوله: فهم لا يؤمنون فإخبار منه سبحانه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله باختيارهم لما هم عليه من كفرهم وأنهم لا يتركون ما هم عليه من شكرهم لا أن الله فعل ذلك بهم ولا أدخل شيئا من كفرهم عليهم، وأما قوله سبحانه: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون فقد تقدم شرح مثلها والقول في هذه كالقول فيها. وأما قوله: سواء عليهم أئنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون فهذا أيضا فإخبار من الله لنبيه صلى الله عليه وعلي آله عن اختيارهم للكفر وصدهم عن الهدى والإيمان وأنهم لا يؤمنون، ولو أكثر من الإنذار وأطال من الإعذار لما قد غلب عليهم من الحمية والجهل وداخلهم من الحسد والدغل لا أن الله أحدث ذلك فيهم ولا قضاه سبحانه عليهم. وسألت: عن سورة براءة لم لم تكتب في أولها بسم الله الرحمن الرحيم، واعلم هداك الله ووفقك وأعانك على نجاتك وبصرك أن بسم الله الرحمن الرحيم، مفتاح خير وبركة ورضا وتزكيه أثبتها الله فيما كان نزله على نبيه وعلى المؤمنين من القرآن وأن برآة نزل أولها مفتاح حرب وإنذار ونبذ للعهد الذي كان بين الرسول وبين المشركين، وإنذارا وإبعادا لهم من ذي الجلال والإكرام عن المسجد المطهر والبيت الحرام وإخبار لهم بأن ما كانوا يفهمون ويعرفون قد زال وتصرم وحال وأنهم إن ثبتوا على شركهم قتلوا حيث ما ثقفوا إشادة من الله سبحانه بذكر الإسلام وإظهارا وإعزازاًا لدعوة نبيه عليه السلام فلذلك لم يثبت فيها بسم الله الرحمن الرحيم. (1/112) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك فقلت: ما ذلك الذي بعولتهن أحق بردهن فيه، وهذه الآية نزلت في رجل من الأنصار طلق زوجته ثم أراد مراجعتها فأبا عليه أولياؤها فأنزل الله هذه الآية يخبر أنه أحق بها من غيره، وأما قوله: في ذلك فقد يحتمل أن يكون يريد العدة وأيامها وما دامت في أقرائها، ويحتمل أن يكون معنا قوله في ذلك أي بذلك يريد الأمر الذي يمت به زوجها إليها من النكاح، والحرمة والمصاحبة والخلة والولد والرغبة فيقول وبعولتهن أحق بردهن لذلك الأمر الذي كان أولا والسب الذي كان بينهما من المداناة والإفضا فليس لكم أن تمنوعهما من التراجع إن أراد الاصلاح والإتفاق والايستلاف والاهتداء. وسألت: عن قول الله سبحانه: حتى إذا لقيا غلاما فقتله، فقلت بما استحق الغلام القتل، وقلت: إن قالت المجبرة أنه إنما إستحق القتل بعلم الله بعاقبة أمره وكذلك استحق الكافر العذاب بعلم الله لا بأعمالهم، فسبحان من لا يعذب أحدا لا يقتل ولا غيره من العذاب إلا من بعد فعله لسبب يستحق به ذلك كائنا ما كان من الأشياء، وأما الغلام فإن العرب تسمى الشاب البالغ غلاما وتختار ذلك لها لغة وكلاما، وقد يمكن أن يكون هذا الغلام الذي قتله الخضر صلى الله عليه غلاما قد جرت عليه الأحكام والآداب فقتله بأمر فعله أطلعه الله عليه وأوجب القتل على الغلام فيه مع ما كان من سوء فعله ورأيه ونيته في أبويه. (1/113) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه فكاتبوهم إن علمتم فيهم خير ا، فقلت: ما الخير وهم العبيد الذين يطلبون الكتابة فيكاتبون إذا علم فيهم خير والخير فهو الدين والتقوى والوفاء والإعفاء والورع والاهتداء لا ما يقول غيرنا من أنه المال ويقيسون ذلك لقول الله إن ترك خيرا الوصية وليس ذلك كذلك وإن اشتبه في اللفظ فهو مخالف في المعنى وكيف يكون ذلك هو المال، ومال العبد لسيده وهو لو علم بمال عند عبده فأخذه لكان ذلك له فكيف يبتعه نفسه بمال هو له دونه. ألا تسمع كيف يقول: وآتوهم من مال الله الذي آتاكم من يريد من ماله الذي جعله في أيديكم لهم من الصدقات قال الله سبحانه: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل لله وابن السبيل، والرقاب فهم المكاتبون المذكرون في الصدقات المفروض لهم ثمن ما جبي من ذلك من الجبايات إلا أن لا يكون منهم تستعين في مكاتبته ولا يجد الإمام ذلك في ولايته فيصرف جزؤهم في أحق الأصناف السبعة الباقية. فأما ما يقول العامة من أن المأمور بأن يأتوهم من مال الله من كاتب عبده فإنه يجب أن يطرح عنه جزءا مما عليه فليس ذلك بشيء، وليس على من باع شيئا ورضي المشتري بما ابتاع واشترى وضع درهم مما عليه بعد افْتَرَقَا ومضى عليه وبه الشرى. فأما من لم يؤمن وتؤمن بوايقه وشره ولم يرح رسده وخبره فلا يجوز مكاتبته ولا عتقه لأن في ذلك له راحة من الملك القاسر له عن كثير من فعال العاصين ومتى تخلصت رقبته من الرق تزايد في فعال الفاجرين، وتفرغ لمعاونة الظالمين، ومعاندة رب العالمين وكان من أعتقه ومن كاتبه معينا له على معاصيه لما أطلق من حباله وأسلس من عنانه وقد علم بفجوره وعصيانه. (1/114) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون، والأمثال فهي ما ضرب الله لعباده من الأمثال في كتابه مثل قوله: مثل نوره كمشكاة إلى قوله: والله بكل شيء عليم، ومثل قوله: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب إلى قوله: لعلكم تتفكرون. ومثل قوله: ضرب لكم مثلا من أنفسكم، إلى قوله: لعلكم تعقلون، وغير ذلك مما في الكتاب مما يطول شرحه ويكثر في الكتاب ذكره وذلك فلا يعلمه ولا يعقله إلا العالمون بغامضها الراسخون في تفسيرها ومن عقلها بالعلم بما كان فيه أمر أو نهى والرجوع إلى حكمها وتصديق لكل ما فيها. وسألت: عن قول الله سبحانه: وآتوهم ما أنفقوا يريد ما انفقوا من المهور وما أخرجوا لنسائهم اللواتي هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله مؤمنات راغبات في الحق مسلمات وهن أم الحكم إبنت أبي سفيان كانت عند عياض بن شداد الفهري ومرَّة من ربيعة يقال لها بروع كانت تحت شماس بن عثمان المخزومي وعمرة بنت عبدالعزيز بن نضلة ويقال: هند بنت أبي جهل كانت تحت هشام بن العاص من وائل السهمي فهؤلاء اللواتي هاجرن إلى رسول الله صلي الله عليه وآله وأعطا رسول الله صلى الله عليه أزواجهن ما أنفقوا علهن من المهور وكان ما أعطاهم فيهن من الغنيمة ولم يرد منهن أحدا إلى المشركين لأن الله حرم ذلك عليهن، وعلى المؤمنين. (1/115) ________________________________________ ألا تسمع كيف يقول سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا وكان ممن أعطا في ذلك عمر بن الخطاب كانت عنده فرسه بنت أمية بن المغيرة المخزومي فلما هاجرا دارها على الهجرة فأبت عليه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه ما أنفق عليها ولم تكن آمنت ولا هاجرت وتزوجها معاوية بن أبي سفيان وهو كافر يؤمئذ وأعطاه رسول الله إيفا ما أنفق على مرته أم كلثوم بنت جرول الخزاعي حيث أبت أن تهاجر معه. وسألت: عن قول الله سبحانه: كذلك كدنا ليوسف ومعنا ذلك رحمك الله أنه يقول: كدنا لمعاقبته على إحتياله لأخذ أخيه وادعيائه من السرقة لما ادعا عليه بدسه الصواع في رحاله حتى أخذه بذلك من أخوته فكره الله لنبيه صلى الله عليه الظلم والزلل ولم يرض بذلك من أحد من أهل الملل، فهذا معنا قوله كدنا فكان من يوسف صلى الله عليه الزلل والنسيان وكان من الله سبحانه العفو والمن والإحسان. وأما تأويل قوله: هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا فهي ما كان من روياه في أول أمره، وقيل: فعل إخوته ما فعلوا به من سجود الكواكب و الشمس والقمر فكان تأويل ذلك أبويه وإخوته وإتيانهم إياه في مملكته فخروا له سجد ا، كما قاله الله سبحانه ومعنا: وخروا سجدا فهو خروا لله من أجل ما أنعم عليهم به فيه كما كان سجود الملائكة لآدم وإنما معنا قول الله سبحانه اسجدوا لآدم أي اسجدوا لله من أجل آدم عليه السلام لعجيب ما ترون من قدرته فيه وابتداعه له وخلقه. فأما قوله: قد جعلها ربي حقا فإنما يقول قد حققها ربي مما منَّ به من إتيانه بكم ونفضل بذلك علي وعليكم. (1/116) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: فأحبط أعمالهم فقلت: ما هذه الأعمال التي أحبطها الله وهم فلم يؤمنوا فيكون لهم أعمال، وهذا أحاطك الله فخبر عن فعل من مضا ممن لم يقبل إلى الهدى وهو وعيد لمن بقي من أهل الدنيا ممن يدعي الإسلام وغيرهم من سائر الأنام إلى يوم الدين وحشر العالمين. فأما أعمال من لم يؤمن بالله ورسله فإنه لم تكن أمة من الأمم إلا وهي تعلم أن الله خالقها وخالق غيرها، وذلك قوله: ولأن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم، وكل أمة قد كانت لها أعمال ترى أنها أفضل الأديان من عبادة الشمس والقمر والنجوم والأوثان والأنصاب ومنهم من كان يعبد المليكة المقربين، ويزعمون أنهم يريدون بذلك التقرب إلى رب العالمين. ومنهم من كان يعبد اللات والعزا وهما قبتان كانتا بالطائف ونخلة فأخبر الله أن ذلك كله بور حابط وأنه لكل شيء محبط وإحباطه إياه هو حكمه بالبطلان والبور وجعله إياه سبحانه هباءً منثورا لا يرفع منه قليل ولا كثير ولا ينتفعون منه وإن جهدوا فيه بحقير ولا خطير إذ ذلك عند الله كفر وشرك، وله جحدان وأنه لا يرضى من أحد من خلقه بغير الإخلاص له والإيثار وترك عبادة كل ما كانوا دونه يعبدون ورفض ما كانوا يؤثرون. (1/117) ________________________________________ فأما وعيده لمن بقي من بعد أولئك ممن يدعي الإسلام وينتحل دين محمد صلى الله عليه وآله فقوله: إنما يتقبل الله من المتقين، فأخبر أن أعمال من كان غير متقي وكان من أهل الاجتراء والمعاصي وكان مقراً بالتوحيد غير مقبولة ولا مرفوعة ومن كان عارفا بما جاء به الرسول قائماً بفرائض ربه موديا لكل أمره غير مقارف للظلم والعصيان ولا داخل في كبائر مانها عنه ذو المن والسلطان فإن توبتبه مقبولة مرفوعة لأنه إنما يرفع ما يتقبل من الأعمال لأن رفعه هو تقبله وتقبله هو رفعه لا فرق بينهما وكل ما تقبله فقد رفعه وكل ما رفع فقد تقبل، وكذلك حال من كان في الأرض من أهل الملل وغيرهم من المجوس ونظرائهم من السامرية والسودان والروم وغيرهم من أهل البلدان.. وسألت: عن قول الله سبحانه: وكلم الله موسى تكليما، ومعنا قوله: كلم فهو ألقا في أذن موسى عليه السلام ما القا من الكلام ولم يكن بينه وبني موسى رسول كما كان بينه وبين سائر الأنبياء وإنما كان من الله خلق الكلام وإيقاعه في أذن موسى عليه السلام، فلما أن كان ذلك كذلك قال: كلم الله موسى تكليما، إذ لم يكن بينه وبينه رسول ولم يكن المودى الكلام إلى موسى إلا الله سبحانه فجاز إذ كان ذلك كذلك أن يقول: كلم الله موسى تكليما إذ لم يكن بينه وبينه مودى غير الله سبحانه ولا مسمع سواه. وسألت: عن قول الله سبحانه: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله وكلام الله فهو وحي الله وقوله: وإنما قيل كلام الله لأنه من فعل الله وما كان من فعل الله فهو منسوب إلى الله لأن هذا الكلام خلق الله فلما أن كان من الله وفعل الله نسب إليه كما يقال سمآء الله وأرض الله وعبد الله. (1/118) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: وكلمته ألقاها إلى مريم وإنما القاها على لسان روحه إليها وهو التبشير بعيسى صلى الله عليه، ومعنا الكلمة فهي الحكم من الله سبحانه لها بعيسى وأن يجعله في بطنها من غير ذكر فسماه كلمته إذ كان بقضائه وقدرته وإيجاده وفعله فعيسى صلى الله عليه كلمته وكلمته فهي فعله وفطرته وقضاؤه وجبله ومجعوله وأمره الذي ألقاه في مريم وخلقه وأوجده في الرحم من غير نطفة بذكر ولا مداناة من ذكر فتعالى الله العلي الأعلى الفعال لما يشاء. وسألت: عن قوله سبحانه: نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسي إني أنا الله رب العالمين معنا شاطئ الوادي الأيمن فهو جانب الواد الأيمن والبقعة المباركة من الشجرة فهو وسطها وفرعها وحيث كانت النار تتوقد وتأجج منها أن يا موسي إني أنا الله. هذا كلام خلقه الله ناطقا عن النار فسمعه موسى عليه السلام فلم يكن بين الله وبين موسى بشر مودى للكلام وإنما كان الكلام من الله سبحانه خلقا وإيجادا فسمعه موسى صلى الله عليه. وسألت: عن قول موسى: رب أرني أنظر إليك فلم يرد موسى عليه السلام ما يتوهم الجاهلون من أن يكون سال أن يرا ما لا يرى وموسى أعرف بالله من أن يجعله محدود ا، وإنما معنا قوله: أرني أنظر إليك هو أرني آية من كبار آياتك أنظر بها إلى عجائب قدرتك وإلى ما لا أشك فيه من عجائب فعلك الذي لا يناله غيرك ولا يقدر عليه سواك فأوحى الله إليه: إنك لن تراني، يقول: إنك لن ترى مني تلك الآية لضعف بنيتك عما طلبت من عظيم آياتي التي لا يقوم لها فطر الآدميين ولا يقدر على تأملها أحد من الآدميين. (1/119) ________________________________________ ثم قال سبحانه: ولكن انظر إلى الجبل الذي هو أشد منك بنية وأقوى منك فطرة فإني سأهبط عليه بعض ما سألتني أن تراه من عظيم آياتي فإن استقر هذا الذي هو أشد منك بنية عند تجلي الآية عليه ووقوعها به فسوف أريكها أو مثلها وإن لم يستقر ولم يطقها فكيف تسألني أنت أن أريكها أو مثلها بل كيف تقوا بنيتك الضعيفة لها ولم يقم لها جسم الجبل العظيم الصخر الصلد الجسيم، فلما تجلا ربه يقول: فلما تجلت آية ربه للجبل جعله دكاء، فقال: تجلى ربه وإنما معناها تجلت آية ربه، وهذا من العربية فكثير أن يقيم الشيء مقام ما هو منه، مثل ذلك قول الله: واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها، فقال: العير والقرية وإنما القرية الجدر والأرض فلم يرد ذلك وإنما أراد أهل القرية مقام فطرح أهل وأقام القرية مقام أهلها. والعير التي أقبلنا فيها والعير فهي الإبل وليس تسأل الإبل وإنما أراد أهل العير فطرح الأهل وأقام العير مقامهم فعلي ذلك يخرج قول الله فلما تجلى ربه، ولله المثل الأعلى ومعنا قوله للجبل فهو على الجبل غير أن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ويجزي بعضها عن بعض. ومن الحجة أن العرب تطرح الشيء وتقيم ما كان من سببه مقامه قول الشاعر: ألا إني سقيت أسود حالكا... ألا يجلي من ذا الشراب الأبلجي ... والأسود لا يشربه أحد ولا يسقاه وإنما هي الحية السوداء وإنما أردا أني سقيت سما أسود فطرح السم وأقام الأسود مقامه. وسألت: عن قول الله سبحانه: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء فمعنا قوله: يشرح صدره فهو يوفق ويسدد وينور الحق له وفيه حتى يتضاعف فيه الهدى ويدخله معرفة التقوى، ولا يكون ذلك إلا لمن قبل من الله سبحانه الهدا المبتدأ فزاده عند قبوله له هدىً، كما قال: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم فهذا معنى الشرح من الله لصدور من أمر به واتقاه. (1/120) ________________________________________ وأما جعله لصدر الفاسق ضيقا حرجا فهو بالخذلان منه له وترك التوفيق والتسديد وبما يزيد أولياؤه في كل يوم برهانا من الحجة النيرة والبيان وبما يقيم لهم به حقهم ويثبت لهم به دعوتهم فكلما زاد الله أولياءه نوراً وظهور حجة إزدادت صدور أعدائه حرجاً بذلك وضيقا فهذا معنا جعله لصدر عدوه ضيقا حرجا. وسألت: عن قول الله سبحانه: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله فالقاسية هي الممتنعة من قبول حق الله الكارهة لما أنزل الله، ومعنا قوله: من ذكر الله فهو عن ذكر الله غير أن (من) قامت في مقام (عن) لأنهما من حروف الصفت يخلف بعضها بعضا ويقوم بعضها مقام بعضا، في ذلك ما يقول الله سبحانه فيما يحكي عن فرعون اللعين: لأصلبنكم في جذوع النخل، وإنما أراد على جذوع النخل والصلب لا يكون في الشيء وإنما يكون عليه، وفي ذلك ما يقول الشاعر: شربن بماء البحر ثم ترفعت... لدى لجج حضر لهن نئيح ... فقال لدا، وإنما أراد على. وسألت: عن قول الله سبحانه لا يستطيعون سمعا، فهذا من الله على طريق الذم لهم والعيب لفعلهم أخبر سبحانه أن صدورهم عن الحق وقلة سمعهم له فعال كفعال من لا يستطيع سمعا، والسمع هاهنا هو الطاعة لله ولرسوله كقلة سمع من لا يستطيع طاعة ولا سمعا. وسألت: عن قول الكافرين في يوم الدين: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فمعنا ذلك من قولهم فهو لو كنا سمعنا لله ولرسوله وأطعنا أو كنا عقلنا عن الله ما به أمرنا ما كنا من المعذبين، ولا كنا من أصحاب السعير بل كنا عند الله لو فعلنا ذلك من المثابين وبنعمته وكرامته من الفائزين. (1/121) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه: ومن لم يجعل الله نورا فماله من نور النور هاهنا فهو زيادة الله للمهتدين هدى في هداهم وما يؤتيهم الله سبحانه من تقواهم، فأخبر سبحانه أن من لم يقبل الهدى المبتدأ لم يجعل له نورا بزيادة في الهدى، فالذين لم يجعل الله لهم نورا فهم الذين لم يقبلوا هدى الله ودينه وهم المستوجبون للخذلان المتكمهون في الضلال وهم الذين ذكر الله أنه لم يجعل لهم نور ا. وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا، فأخذ الله سبحانه على بني آدم فهو أخذه على أولهم ما أخذ من الإقرار به وبوحدانيته وربوبيته والإ قرار بفرائضة وكتبه ورسله لا يزيلة عنهم شيء إلى أن تقوم الساعة فرضا لازما في الأولين والآخرين، فهذا معنا أخذ الله من بني آدم ومعنا ظهورهم فهو أخذه على نسلهم نسلا بعد نسل. والظهور: ما يخرج من الظهور النسول وعلى ما يخرج منها كان الأخذ عليها، ألا تسمع كيف يقول: ذرياتهم فأخبر بذلك أنه عنا الذرية التي تخرج من الظهور، ومعنا أشهدهم على أنفسهم فهو بما جعل من حجج العقل الشاهدة لهم، وفيهم هذه بحقائق ما أخذ الله من الإ قرار بربوبيته ووحدانيته عليهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ، والقرآن فهو القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وآله والمجيد فهو الكريم العظيم واللوح المحفوظ فهو العلم المكنون ومحفوظ فهو الذي لا يزل منه قليل ولا كثير ولا صغير ولا كبير قد أتقن حفظه وأحصى عدده لايزل منه زال ولا يشتبه منه مشتبه فأخبر سبحانه أنه كذلك في علمه محفوظ معلوم. وسألت عن قول الله سبحانه: فمنهم شقي وسعيد، فهذا إخبار من الله سبحانه بسعادة من سعد بفعله وشقا من شقي نعمه وليس لله في سبب سعادتهم فعل ولا له في شقائهم قضاء. (1/122) ________________________________________ وسألت عن قول الله سبحانه: وما تشاؤن إلا أن يشاء الله،فمعنى ذلك إخبار من الله أنكم لم تكونوا تقدرون تشاءون شيئا ولاتكرهوا شيئا دون شيء، لولا أن الله شاء أن يجعل فيكم استطاعة على ذلك ومقدرة عليه بما ركب فيكم من هذه العقول التي بها تميزون الشيء عن ضده وتفرقون بها المجذوب من غيره فبهذه العقول المميزة التي شاء الله كيبها فيكم تستبين شيئاً دون ضده وتركتم شيئا دون غيره ولولا مشيئته لتركيب ما نلتم به ذلك فيكم ما كنتم لتقدروا على المشيه ولا الترك أبدا فهذا معنى ما عنه سألت من هذه الأشياء. وسألت عن قول الله سبحانه: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، وكذلك الله تبارك وتعالى يخبر عن قدرته ويجبر أنه قادر على ذلك والمعنى أنه لو أراد أن يخبر الخلق على الإهتداء ويدخلهم كلهم في الطاعة والهدى بالقسر لهم فيه جبرا والجبر لهم في ذلك قسرا لفعل سبحانه بهم ذلك حتى يكونوا في جميع الأمر كذلك غير أنه سبحانه لم يرد إدخالهم في طاعته وهذا جبرا ولم يرد إخراجهم من معاصيه جل جلاله قسرا، بل أمرهم سبحانه تخييرا ونهاهم تحذيرا وكلفهم يسيرا وأعطاهم على قليل كثيرا أراد أن يطيعوه مختارين بالإحسان لا بالجبر لهم وكذلك معاصيهم بالإحسان منهم كانت فيهم ومنهم لا بقضاء شيء من ذلك سبحانه عليهم حكما من الحكيم الرحمن ورأفة منه في ذلك لكل إنسان وتميزا منه بذلك بين أهل الطاعة والعصيان ليستحق كل باختياره جزاء فعله وليجد خيراً من قدم من خير أوشراً بإختياره غدا عند ربه قطعا منه جل جلاله عن أن يحويه قو ل أو يناله لحجج خلقه عنه ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة وإن الله لسميع عليم. (1/123) ________________________________________ وسألت عن قول الله سبحانه: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، معنى ذلك أن الله سبحانه يخبر نبيه أنه لن يستطيع أن يجبر قلب أحد على الهدى حتى يجعل باطن أمره كظاهره ثم أخبر سبحانه أنه يقدر على ذلك غير أنه لا يفعله بأحد جبرا وإن كان عليه قادرا لما ذكرنا وفسرنا من حكمه في تلك المسئلة الأولى وذلك مغني عن تكراره هاهنا. وسألت عن قول الله سبحانه: ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء، والمعنى في هذه الآية والأولى واحد وإن اختلف التفسير معناها أنه يخبر سبحانه أنه لم يفترض عليه قسر قلوبهم على الهداية وجبرها حت ىتكون مخلصة في أعمالها كما افترض عليه قسر ألسنتهم على التكلم بالإيمان والنطق به وكما افترض عليه قسر جوارحهم على ظاهر أعماهم في أداء فرائضهم كلها فأخبر الله نبيه أن الذي افترض عليه فيهم من أمره بدعايهم وجهادهم هو الظاهر مما يناله ويقدر عليه منهم مثل التكلم بالإسلام والقرار به واستعمال الجوارح في الصلاة والصيام والحج والجهاد وما أشبه ذلك من ظاهر الأفعال التي يحقنون بها دمائهم عن القتل وحرمهم عن السبي وأموالهم عن الأخذ وأنه لم يفترض عليه ولم يكلفه صلاح قلوبهم وإيمانها ولا علم باطنها وضميرها. واستخراج مكنون غيبهم يكونون بذلك من فعل نبيه مهتدين حقا وينتضمهم إسم الإيمان صدقا فأخبر جل جلاله بما ذكر من ذلك وفيه أن عليه صلى الله عليه إصلاح ظاهرهم والمعاملة منه على ذلك لهم وأن الله سبحانه معاملهم على باطن ضمائر القلوب وأن الله سبحانه العالم بما تنطوي عليه قلوبهم من الغيوب ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. (1/124) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه وجل عن كل شان شانه ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا وعن قوله ولو شاء لهداكم أجمعين،فمعنى هاتين الآيتين وتفسيرهما كمعنى قوله: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، سواء سواء لا فرق بينهما في سببت ولا معنى والجواب في ذلك أولاً يجزي عن شرح هاتين أيضاً. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم، وقد قيل في ذلك أن معناها للرحمة خلقهم والذي أراه أنا في ذلك ويتوجه لي من القول فيه أنه سبحانه أراد به خلق المؤمنين لمخالفة الكافرين لأن مخالفة الكافرين في كفرهم أعظم الطاعة لرب العالمين، وقد قال الله سبحانه: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، فأخبر أنه لم يخلق الخلق إلا لعبادته فمن خالف عبادته وطاعته فمخالفته في ذلك من فرض الله على من يخالفه ولا مخالفة لأعداء الله ولا مفارقة أكبر من ضرب وجوههم باسيف وسفك مايهم ومجاهدتهم على مخالفة الحق، وهذا فهو أكبر فرائض الله على خلقه وأعظم ما افترض الله على عباده ولهذا خلق الخلق لأنه أفضل عبادته فإذا قد صح فرض المخالفة للفاسقين على المؤمنين والجهاد فقد صح أن لتلك المخالفة التي افترضها عليهم خلقهم وإليها دعاهم وبها في أعدائه أمرهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون فالكرام هم الملائكة الموكلون ببني آدم، ومعنى كاتبين فهو حفظة وإنما ضرب لهم بالكتاب مثلالحفظة الملائكة فعال الخلق فأخبر أن حفظهم في الإحصا مثل حفظ ما كتب وأنه لا يزل عنهم شيء ولا أشياء وأنه في علمهم وحفظهم عندهم كالكتاب المكتوب يعرفون كل ما يفعله الآدميون والكاتبون فهم الذين يعلمون كل ما يفعل الإدميون فهم الذين قال عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وهما ملكان موكلان بكل إنسان يحفظان ما يفعل ويحيطان عن يمينه وشماله قعيدان. (1/125) ________________________________________ وسألت: عن قول الله سبحانه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت فهؤلاء قوم من بني إسرآئيل مسخوا عن عتوا واجتروا فجعلوا صور ما ذكر الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله من القردة والخنازير فجعله الله لهم هو تحويله لصورهم وإحلاله لنقمه الله سبحانه لهم على ماكان من فعلهم وما استوجبوا بجرمهم، وأما قوله وعبد الطاغوت فإنما هو منه على التقديم والتأخير أراد سبحانه هل أنبيكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنة الله وغضب عليه وعبد الطاغوت فجعلها في اللفظ مؤخره وهي في المعنى مقدمة وفعل الطاغوت فليس من فعل الله لأن الطاغوت هو ما أطغا من الفعل وأفسد من العمل وخالف الحق وجنب عن الصدق. وسألت: عن قول الله سبحانه: ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، ومعنى ذلك عندنا وما نتأوله في قولنا أنه أراد أنه لم يكن ليذر المؤمنين على ما عليه غيرهم من المنافقين، وذلك أن المؤمنين كانوا إذا أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بشيء مما أمره الله أن يأمرهم به من شرائع الإسلام أذعنوا لذلك وسلموا وانقادوا له وأجابوا بقولهم وألسنتهم وكان المنافقون إذا أمروا ونهوا أجابوا بألسنتهم وأظهروا في باطنهم خلاف ما أظهروا وكانوا يحتذون قول المؤمنين ويذكرون عن أنفسهم ما يذكر المسلمون من الإجابة والرغبة والصدق والسمع والطاعة والحق فذكر الله عز وجل أنه لا يذرهم على ذلك حتى يميزهم بالأمر والنهي لهم والإفتراض لما افترض على خلقه من الجهاد في سبيله والإتفاق في طاعته والإتباع لرسوله فيما أمروا به من الجهاد. (1/126) ________________________________________ والصبر مع الرسول في البلا حتى يتبين للرسول الصادق في فعله وقوله والكاذب فيما يظهر من نفسه للرسول فلما افترض ذلك عليهم وجعله حجة له باقية فيهم لا يسعهم تركها ولا يجوز لهم رفضها لهج لذلك المؤمنون وبسم له المتقون وقولهم بفعلهم صدقوا، ونكل المنافقون ورضوا بالتخلف عن رسول الله وعصوا فبان بذلك المؤمنون من الفاسقين والصادقون من المنافقين ومازهم بذلك رب العالمين، فوقف الرسول ومن معه على ذلك من فعلهم وعرفوهم بما كان من عملهم وقد يكون الميز من الله لهم بما حكم به في الأخرة عليهم ولهم من الثواب للمتقين، والعذاب للفاسقين. وسألت عن قول الله سبحانه: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين، والجعل هاهنا فهو الحكم من الله على الأنبياء بعداوة أهل الفسق والردا من المجرمين الكفرة العاصين ألا تسمع كيف يقول سبحانه: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حآد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم في المؤمنين فكيف بالأفضل من النبيين صلوات الله عليهم أجمعين ومن حرمت موادته فقد جعلت وفرضت معاداته ومنابذته. (1/127) ________________________________________ وسألت عن قول الله سبحانه: نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا، فهذا إخبار من الله سبحانه أنه خلق خلقه بلا عون من أحد في ذلك له وأنه هو التنفرد بخلقهم وإيجادهم وشد أسرهم فهو تقوية أسرهم وأسرهم فهو ثباتهم عقدهم وتركيبهم وعقبهم وتركيبهم على ما جعلهم عليه وقدرهم ومعنى قوله وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا، المعنى فيه إذا شئنا أهلكناهم وأبدناهم وأنشأنا خلقا غيرهم مثلهم تبديلا فهو جعلناه جعلا وآتينا بمثلهم بدلا منهم إقتدارا ونفاذ إراده، فهذا معنى تبديلا تأكيد لما ذكر من تبديل المبدل وأحداث ما يجب بدلا من الذاهب وهي كلمة للعرب تؤكد بها المعنى الذي تريده وتذكره تقول العرب كلمناه تكليما تؤكد الكلام وتقول ضربنا ضربا تؤكد بها الضرب وأخرجناه إخراجا بقولها إخراجا وكذلك أدخلناه إدخالا تؤكد الإدخال بقولها إدخالا، وتقول بدلنا تبديلا تؤكد معنى التبديل بقولها تبديلا فعلى هذا يخرج ما عنه سألت من قول الله سبحانه: وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا. وسألت عن قوله سبحانه: ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون، فمعنى قوله: ذرأنا، هو أنشأنا وجعلنا وهو الذرؤ الآخر والنشأة الآخرة في يوم القيامة عند خروج الناس من قبورهم فيساق أهل كل دار إلى دارهم من عمل في الدنيا خيرا أحشر إلى الجنة وذرئ لها ومن عمل في الدنيا شرا حشر إلى النار وأنشئ لها وإليها جزاء على عمله وإعطاء لما أسلف من فعله. (1/128) ________________________________________ وأما ما ذكر الله من القلوب والأعين والأذان فإنه أخبر بذلك أنهم كانوا لا ينتفعون بها في الدنيا كانوا لا يميزون بقلوبهم ما أمروا بتمييزه ولا يعتبرون بما يرونه من أثر صنعة الله لغيرهم ولا يقبلون عن الله ما يسمعونه بآذانهم فهم في قلة القبول والإقتداء وترك الإنتفاع بما يسمع ويرى كالأنعام بل هم أضل من الأنعام لأن معهم من التمييز ما ليس معها ثم هي في الإعراض وقلة الإنتفاع كهم سواء فهم بذلك وشبهه أشر منها وأردا أفك عن الحقيقة وأبلا فنعوذ بالله من الحيرة والعمى والهلكة بابتاع الهوا كذا. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا، قال أبو القاسم الإمام المرتضى لدين الله مخمد بن يحيى سألت أبي الهادي إلى الحق صلوات الله عليهما ورحمته عن قول الله وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم، فقال يعني سبحانه أنه أخذ على آدم صلى الله عليه وآله وعلى ذريته العهد لما ذكر عن المعرفة والإقرار بربوبيته والتوحيد له والقول بالحق فيه وألزمه وإياهم الإقرار بذلك فكان ذلك عهد أخذه من بني آدم في عصره وذريته عقداً باقيا وفرضا عل ذريته لازما لهم إلى يوم الدين وحشر العالمين فلما أن كان سبحانه قد أخذ العهد على آدم بذلك وجعله فرضا ثابتاً على ذريته لا يتغير حاله ولا يزول فرضه وإيجابه له على الخلائق أبدا وكان ذلك عهدا عقده الله غز وجل على آدم وذريته إلى يوم الدين جاز أن يقول أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ومعنى من ظهورهم يقول من نسولهم وعقبهم نسلا فنسلا وعقبا بعد عقب. (1/129) ________________________________________ وأما قوله وأشهدهم على أنفسهم فهو بما جعل وركب من العقول لهم فكانت تشهد لمن أنصفها بأمر الصنع فيها لخالقها وتدل بذلك على الله صاحبها، فهذا معنى قوله سبحانه: وأشهدهم على أنفسهم وقد يكون الإشهاد يخرج على معنى الشهادة منهم على أنفسهم والإقرار بما أخذ سبحانه من العهود عليهم وكل ذلك حسن معناه جائز لمن إحتذاه فافهم هديت ما عنه سألت نسأل الله لنا ولكم التوفيق والتسديد. وسألته عن قول الله سبحانه: أنزل من السماء ماء، فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه في النار إلى قوله للذين استجابوا لربهم الحسنى، فقال هذا مثل ضربه الله للحق والباطل فجعل الباطل كزبد السيل يذهب فلا يبقى وجعل الحق كالذي يبقا مما يوقدون مما يحمل السيل من الحطب ويأتي به من عيدان الأشجار التي ينتفع بها وتوقدونه في تسوية الحلية وغيرها، ومعنى قوله قدرها فهو على قدرها وما تحتمل من الماء وما يسعها منه، ومعنى قوله: زبدا رابيا فهو زبدا منتفخا مجتمعا متكاثفا وكذلك تسمى العرب كل منتفخ مجتمعا متكاثفا رابيا. وسألت عن قول الله سبحانه: فأرسلنا عليهم سيل العرم، إلى قوله: لكل صبار شكور، فقال هما جنتا مارب كانتا كما ذكرهما الله فكفر أهلها أنعمة فأذهبهما وأبدلهم مكانها ما ذكر من هذا الخمط والأثل والسدر والخمط فهو ألفاف الشجر والشوك والأثل فهو هذا الأثل المعروف الذي يسمى الطرفى والسدر فمعروف يسمه أهل اليمن علوبا، وسيل العرم فهو السيل الغالب الشديد الكثير أرسله على الجنتين فقلعهما واحتمل حجارتهما وإنما سمي العرم لأنه اشتق له من العرامة والعرامة فهي الصعوبة في الشيء والإتعاب لما داناه فلما أنغب السيل ما داناه شبهه بذلك فقيل سيل العرم لشدة بأسه ونعت ما يلقا منه الشجر وغيره. (1/130) ________________________________________ والقرا التي بورك فيها فهي قرا الشام بيت المقدس وقد كان منهم ما ذكر الله سبحانه من سؤالهم وطلبتهم البعد ما بينهم فصاروا يطلبون المرافق التي كانت حاضرة في جنتهم على البعد منهم، والقرا الظاهرة التي بينهم وبين الأرض المباركة وهي هذه القرا المباركة والمناهل والمدن التي بينهم وبين الشام وتمزيقه لهم فهو ما كان من خروج أهلها بعد خرابها إلى آفاق البلاد وقد قيل أن بقيتهم اليوم بجبلي طي وتلك النواحي. وسألت عن قول الله سبحانه: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة، فقال إتيان الملائكة فهو حضورها لقبض أرواحهم عند الموت، ومعنى قوله: أو يأتي ربك، فهو يأتي حكم ربك عليهم بذلك، ومعنى قوله: أو يأتي بعض آيات ربك، يقول يأتيهم بعض آيات الله وغِيَرِه وانتقامه لأهل معصيته والآيات فكثيرة منها الجوع ومنها العطش ومنها ذهاب الأموال ومنها نزول بعض نقمه عليهم من هلكة أو غيرها ومنها تسليط بعضهم على بعض وذلك قوله سبحانه: وكذلك نولي بعض الظلمين بعضا بما كانوا يكسبون، وما أشبه ذلك من آيات الله ونقمه وفعاله بمن إجترا عليه من خلقه. وسألته عن قول الله سبحانه: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون، فقال معنى قوله: آتينا موسى الكتاب تماما، يقول آتيناه التوراة تماما لإحساننا إليه الأول من إرسالنا له إلى فرعون وملائه بالآيات والدلائل والعلامات فأخبر سبحانه أنه قد أتم له كل إحسان كان منه إليه بما أعطاه من الكتاب،ومعنى على الذي أحسن فهو تماما للذي أحسنا به أولا فقامت (على) مقام (اللام) إذ هي من أخواتها من حروف الصفات، ومعنى تفصيلا فهو تبيانا لكل شيء افترضه عليهم فأخبر أن الكتاب الذي آتاه موسى صلى الله عليه وهو التوراة تبين كل شيء افترضه على أهلها مما أمرهم به ونهاهم عنه. (1/131) ________________________________________ وسألته عن قول الله سبحانه: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول، فقال الأنفال فهي الغنائم التي نفلها الله المسلمين وجعلها لهم وأطلقها ولم يكن أطلقها لأحد قبل محمد صلى الله عليه وآله فأخبرهم الله أنه لا يجوز لهم فيها هبة ولا قبض ولا انبساط وأعلمهم أن الحكم فيها إلى الله ورسوله فحكم الله عز وجل فيها ورسوله بما قد علمته من خمسها وقسم الأربعة الأخماس على ما حضرها من الرجال والفرسان على الأسهم المعروفة للراجل سهم وللفارس سهمان. وسألته عن قول الله سبحانه: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأى لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة، فقال أمرهما أن يتبوأى لقومهما بمصربيوتا وهي القرا والأمصار ومعنى قوله بمصر أي لمصر من الأمصار فقد قيل أنها مصر هذه المعروفة، ومعنى قبلة فقد قيل أنها مواجهة أبوابها للقبلة وقد قيل إن معنى اجعلوا بيوتكم قبله أي اجعلوا جميع قراكم أهل ملة ودعوة وصلاة إلى بيت المقدس وصله والمعنى الآخر أحبهما إلي وأحسنهما عندي. وسألته عن قول الله سبحانه: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون، فقال معنى قوله: لأسمعهم فهو لوفقهم ولسددهم فهداهم وأرشدهم إلى صواب ما يسمعون وإليه من الحق يدعون ولكن لم يعلمهم ممن يريد الحق ولا يصدق فيستاهل منه ما ذكر من الأسماع الذي هو الهداية والتوفيق والتسديد بل علم أنه لو فعل ذلك بهم ما قبلوه ولتركوه وتولوا عنه وهم معرضون عن قبوله وعن الإقرار به. (1/132) ________________________________________ وسألته عن قوله سبحانه: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته، فقال الطائفتان فهم عسكر قريش الذي لقي النبي صلى الله عليه وآله ببدر والطائفة الأخرى فهي العير التي أقبلت من الشام إلى مكة لحمل الطعام فلما أن وعدهم الله أن يظفرهم بإحديهما أحب المسلمون وودواأن تكون طائفة العير والطعام الذي ليس فيها إلا الحمّالين الذين لا يحاربون ولا يدافعون عنها ولا شوكة فيها وأشفقوا من طائفة العسكر والجيش الذي فيه السلاح والخيل والقتال فأحبوا أن يلقو غيرهذه الطائفة فتكون أهون عليهم في المعاناة وأسلم لهم وكان الله يريد غير ذلك من إذلال العسكر ومن فيه وقتل أعداء نبيه وإظهار النصرة على عدوه وإحقاق الحق وإبطال الباطل. وسألته عن قول الله سبحانه: ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها، فكان أمرهم أن يدخلوا من أبواب معروفة ونهاهم أن يدخلوا من باب معا لأنه خشي عليهم عند إجتماعهم العين لما كانوا عليه من الهيئه والجمال والكثرة والكمال فأخبر الله تبارك وتعالى أنه لولا دفاعه عنهم لم ينفعهم ما أوصاهم به وأخبر تبارك وتعالى أن يعقوب صلى الله عليه كان عالما بأن ذلك الذي أمرهم به لا يغني عنهم شيئا إلا بمدافعة الله عنهم وإحسانه إليه فيهم غير أنها حاجة في نفسه قضاها يريد سببا كان في نفسه أن يلقيه إليهم فألقاه إحتياطا وشفقة وعالم أنه لا ينفعهم إلا بالله سبحانه ولا يدفع عنهم ما كره إلا بدفعه عز ذكره. (1/133) ________________________________________ وسألته عن قول الله سبحانه: قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون، فقال معنى قوله تنكصون ترجعون وتدبرون عن قبول الحق ومعنى سامراً تهجرون فهو ليلاً لأن السمر هو حديث الليل يقول كنتم تسمرون بالكذب ودفع الحق وتهجرون فهو تهذون وتكلمون بما لاتعقلون وسألته عن قول الله سبحانه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيثاً أو من وراء حجاب أويرسل رسولا إلى قوله: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، فقال الوحي الذي ذكر الله هاهنا فهو وحي النوم كما أوحى إلى أم موسى عليه السلام فيما أمرها به من إرضاعه فإذا خافت عليه القتل ألقته في اليم ومثل وحيه إلى إبراهيم في المنام أن يذبح إبنه إسماعيل صلى الله عليهما أو من وراء حجاب يخلق صوتا يسمعه السامع كما كان فعله في موسى خلق له صوتاً في الشجرة فسمعه موسى. والحجاب فمعناه أن يأتي الصوت ولا يرى له مصوتا فهذا الحجاب الذي بين الصوت وبين السامع، أو يرسل رسولا معناه الملك الذي كان يأتي إلى الأنبياء بوحي الله وهو جبريل صلى الله عليه، ومعنى قوله روحا من أمرنا فهو أمر يحي به العباد، ومعنى حياتهم به فهو إيمانهم به لأن من آمن فقد حي ومن كفر فقد مات وفي ذلك مايقول الله سبحانه: أفمن كان ميتا فأحييناه، ومعنى من أمرنا فهو قبلنا وعندنا. (1/134) ________________________________________ وسألت عن قول الله سبحانه: ولما ضرب بن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون إلى قوله: هذا صراط مستقيم، فقال روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام ذات يوم يا علي لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عليه السلام لقلت فيك مقالا لا تمر بملأ إلا أخذوا من أثرك التراب يبغون به البركة غير أنك يكفيك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فقال المنافقون لما أن سمعوا ذلك ما رضي محمد أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى بن مريم ثم قالوا: والله لآلهتنا التي كنا نعبدها خير منه يعنون عليا فأنزل الله ما أنزل فيهم وهم الحارث بنجلزة وأصحابه من المنافقين. ثم أخبر الله سبحانه بأنهم إنما ذكروا جدلا وطلبا للتعنت لا إعظاما لعيسى بن مريم صلى الله عليه، ثم أخبر أن عيسى بن مريم عبد من عباد الله أنعم الله عليه فكيف لا يضرب الله به المثل لأخوانه المؤمنين وأنه لعَلَمٌ للساعة يقول هبوطه إلى الأرض وظهوره دليل على قرب الساعة. وسألته عن قول الله سبحانه: لقد رضي الله عن المؤمنين إلى قوله: وكان الله على كل شيء قديرا، و فقال الشحرة التي بايع المؤمنون رسول الله تحتها فهي شجرة بالحديبيه بايعوا تحتها رسول الله على الصبر والبلوى أو يدخلوا مكة وهم بالحرم وبجانب فخ فأنزل الله على نبيه: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله، فلما طلبوا السلم أجابهم رسول الله إلى ذلك وكتب الكتاب بينه وبين سهيل بن عمرو على الهدنة عشر سنين وعلى شروط شرطوها بينهم ونحر هدي عمرته في الموضع ورجع على أن يأتي في السنة الأخرى فيدخل مكة هو وأصحابه ويقيمون بها ثلاثا ويخرجون. (1/135) ________________________________________ وكذلك فعل رسول الله عليه السلام وآله من السنة المقبلة وتم لهم على الهدنة حتى نقضوا، ومعنى قوله: فعلم ما في قلوبهم يقول علم ما في قلوبهم، من النية والصبر والإحتساب له سبحانه فأثابهم فتحا قريبا يقول أعطاهم ورزقهم فتحا قريبا وهو فتح خيبر ومغانمها الكثيرة التي أخذوا منها من النخيل والأثاث والذهب والفضة والتي لم يقدروا عليها في ذلك الوقت ثم قدروا عليها من بعد فهي بلاد الروم والشامات وما والاها ثم افتتحوها في غزوة تبوك ثم افتتحوها من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لنبيه. وسألته عن قول الله سبحانه: إقتربت الساعة وانشق فقال هذا إخبار من الله سبحانه وتعالى لبنيه بقرب الساعة ودنوها أنه لم يبق من الدنيا إلا يسير وقوله إنشق القمر يقول إقتربت الساعة واقترب إنشقاق القمر وانشقاقه فهو في يوم الدين وفي وقت تبديل السماوات والأرضين وسئلته عن قوله سبحانه الشمس والقمر بحسبان، فقال معنى الحسبان فهو بحساب وعدد ومعنى بحساب وعدد فهو للحساب والعدد يقول سبحانه: خلقنا الشمس والقمر، وجعلناهما يعرف بهما وبسيرهما عدد الشهور والأيام والسنين والدهور والأزمان. وسألته عن قول الله سبحانه: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون، فقال معنى قوله سبحانه:وتجعلون رزقكم أنك تكذبون يقول: تجعلون شكرنا على ما رزقناكم تكذيبا منكم لقولنا وجحدانا لحقنا فقال سبحانه: لذلك إذ كان شكرهم له على نعمته التكذيب بآياته وهذا لا يكون شكرا للمنعم على نعمته إلا من المتعرض لحلول نقمه. وسألته عن قول الله سبحانه: ولقدرءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى، فقال جبريل الذي رءاه محمد نزلة بعد نزلة في صورته التي خلقه الله فيها صورة الملائكة ولم يره صلى الله عليهما على صورة الملائكة الأمرتين مرة يوم أحد ومرة عند سدرة المنتهى حين أسري به وسدرة المنتهى فهي أعلا عليين في السماء السابعة. (1/136) ________________________________________ وسألته عن قول الله سبحانه: سنفرغ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان فقال معنا سنفرغ لكم هو سنفرغ من إفناء مدة الأجل الذي جعلناه أجلالاء مهالكم وتأخيركم فإذا أفنينا هذه المدة وفرعنا منها أتى كلاً ما قد أوعدناه عند فناء مدته وقضاء مهلته وإمهاله من موت أو حلول نقم فهذا معنى سنفرغ لكم والثقلان فهما الجن والإنس وقد يكون المعنى الذي ذكر الله أنه يفرغ منه هو مدة الدنيا التي جعلها ووقتها ويكون عند فراغه منها وإفنائه لها ما يكون من الجزاء في يوم الدين جزاء المثابين وجزاء المعاقبين. وسألته عن قول الله سبحانه: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به فقال: معنى قوله فبما نقضهم ميثاقهم هو فبنقضهم ميثاقهم لعناهم إذ نقضوه وتركوه و(ما) هاهنا فإنما هي صلة للكلام لا أصل لها في هذا الموضع والعرب تزيد (ما) و(لا) في كلامها وهي لا تريدهما ولا أصل لهما في الكلام وهذا كثيرفي لغة العرب موجود. وسألته عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام، فقال هذا نهي من الله سبحانه للمؤمنين أن يحلوا شيئا مما حرم الله من هذه الأشياء والشعائر فهي الإبل التي تشعر عند الإحرام وإشعارها فهو شق اسنمتها والهدي فهو ما آهداء المحرمون إلى مكة والقلائد فهي الإبل أيضا المقلدة التي يقلدها الحاج بعد إخرامهم، ولا آمين البيت الحرام فهو القاصدون له المتوجهون نحوه من حاج كان أو معتمر فنهى الله تبارك وتعالى عن إباحة ما ذكر والشهر الحرام فهو الشهر الحرام الذي حرم الله فيه عليهم القتال. (1/137) ________________________________________ ومعنى الشهر الحرام فهو الأشهر الحرم فقال: الشهر الحرام وهو يريد الشهور كما قال ياأيها الإنسان ما غرك بربك وهو يريد الناس والأشهر الحرم التي نهوا عن الإحداث فيها فهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب وهن اللواتي ذكر الله تبارك وتعالى حين يقول منها أربعة حرم وهذا كان من قبل ظهور محمد عليه السلام وحق هذه الشهور فواجب إلى يوم القيامة ولكل محق أن يقاتل فيهن على الحق وبالحق وإنما منعوا من القتال فيهن إذا كان قتال فتنة وعصبية وباطل يأمروا بإحلال هذه الأشهر عن المكافأة بباطل على باطل. وسألته عن قول الله سبحانه: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا فهو ينفق منه سرا وجهرا، إلى قوله: وهو على صراط مستقيم، فقال:هذا مثل ضربه الله لأهل الشك والإرتياب ممن كان يعبد الأصنام من دون الله فأخبره الله أن مثل ما هو فيه من الشك في الله والعبادة لمن دون الله كهذا المثل وإنما تعبدون من دون الله كهذا الضعيف الذي لا يقدر على شيء، وكذلك ضرب مثل هذا العبد الأبكم الذي لا يأتي بخير فجعله شبها لأصنامهم التي يعبدونها من دون الله وجعل الأمر بالعدل والحق مثلا للحق. وسألته عن قول الله سبحانه: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين، فقال كانت قريش ومن معهم من المشركين يتكلمون في رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون أن رجلا كان ينزل بالطايف أعجمي اللسان يعلم النبي صلى الله عليه وآله ما يأتي به عن الله فاكذبهم الله واحتج عليهم وبين فضيحتهم بما ذكر من عجمة الذي يلحدون إليه أنه يعلم النبي فلسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين يقول هذا القرآن الذي جاء به والذكر عن الله محمد صلى الله عليه وآله بلسان العرب لا بلسان العجم. (1/138) ________________________________________ وسألته عن قول الله سبحانه: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي أرزاقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون، فقال:هذا إخبار من الله تبارك وتعالى لإنبساط رزقه لعباده وتفضيل من فضل فيه بالسعة والإتساع وأن الذين فضلوا بالرزق غير مستطيعين أن يرزقوا ما ملكت أيمانهم ولا أن يردوا لهم خيرا وأنهم في الرزق سواء المالك والمملوك كلهم لا يقدر أن يرزق نفسه إذ كانوا كلهم لا ينبتون زرعا ولا يفلقون في الأرض وا ولا ينزلون غيثا ولا يخلقون أنعاما فلما أن كانوا كذلك في الضعف عما ذكرنا كان المالك والمملوك في اجتلاب الرزق إلى نفسه من دون الله سواء. وسألته عن قول الله سبحانه: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيئوا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون، فقال هذا إخبار من الله سبحانه عن عظيم الآية التي جعل وكثير دلائله التي أنزل في الظلال من تفييها بالغدو والآصال فيكون القمر بالغدو شرقا وبالعشي غرباً ينقلب بقدرة الله فيما جعل ممن مسير الشمس في فلكها وتقلبها بقدرة الله في حورها ومعنى سجدا فهو مسجدا لمن اعتبر من المؤمنين وعقل ما فيه من آيات رب العالمين، وقد تقدم شرح سجود الأشياء في غير هذه المسئلة ومعنى داخرين فهو صاغرون مضطرون بما في الذي أسجدهم من الحجج لله والدلايل عليه لا يجدون بدا من الإقرار به والمعرفة له. (1/139) ________________________________________ من مسائل: إسحاق بن إبراهيم التي سأل عنها الهادي إلى الحق نجران الحصن: بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، سألت: إمام المسلمين في عصره يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه، وعلى آبائه السلام عن قول الله تبارك وتعالى: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كيف كان السجود من الملائكة صلوات الله عليهم، فقال: معنا قوله: اسجدوا لآدم إنما أراد بذلك السجود من أجل آدم تعظيما لخالقه إذ خلقه من أضعف الأشياء وأقلها عنده وهو الطين فجاز أن يقال: اسجدوا لآدم لما أن كان السجود من أجل خلقه وقوله فسجدوا إلا إبليس فإنما جاز أن يجعل معهم إبليس في الأمر وإن لم يكن من جنسهم إذ كان حاضرا لأمر الله لهم فأمره بالسجود معهم وإن لم يكن جنسه من جنسهم إذ كان حاضراً عليهم إنما خلقوا من الريح والهواء لم يكن جنسه من جنسهم لأن الملائكة صلوات الله عليهم إنما خلقوا من الريح والهواء وخلقت الجن كلها من مارج النار ومارج النار فهو الذي ينقطع منها عند توقدها وتأججها. قلت: فما الدليل على أن إبليس من الجن، فقال: قول الله جل ذكره: إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه، قلت: فهل أمرت الجن كلها بالسجود أم خص الله إبليس بذلك دونهم? قال: لم يأمر الله سبحانه أحداً منهم إلا إبليس فقد أمره الله بالسجود دونهم. (1/140) ________________________________________ قلت: أفمخصوصا كان بذلك دونهم ? قال: نعم، كان مخصوصا بالأمر، قلت: فعصيان آءم صلوات الله عليه في أكل الشجرة كيف كان ذلك منه تعمداً أم نيسانا فقال: قد أعلمك الله ذلك في كتابه في قوله: ولقد عهدنا إلى آءم من قبل فنسي ولم نجد له عزما يقول: لم نجد له عزما على أكلها واعتمادها بعينها ولكن سلني فقل لي: فإذا كان آدم في أكل الشجرة ناسيا كيف وجبت عليه العقوبة، وقد أجمعت الأمة على أنه إذا نسي الرجل فشرب ماءً في رمضان وهو ناسي أو أكل وهو ناسي أو ترك صلاته حتى يخرج وقتها وهو ناس أو جامع الرجل إمرأته في طمثها وهو ناس، لم يجب عليه في ذلك عقوبة عند الله، فكيف: يجب على آءم صلوات الله عليه العقوبة في أكل الشجرة ناسيا فإن سألتني عن ذلك.. قلت لك: إنما عوتب آدم صلى الله عليه في استعجاله في أكل الشجرة، وذلك أن الله تبارك وتعالى لما نهاه، عن اكل الشجرة وهي البر وامره باكل الشعير ولمم يحظره عليه فكان ياكل من شجرة الشعير، وهي ورق لم تحمل ثمرا فلما ان صار فيها الحب والثمر اشتكل عليه امرهما فلم يدر ايهما نهيي عنها فأتاه اللعين إبليس فخدعه وغره وقاسمه على ما ذكر الله في كتابه فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، فاستعجل آدم فأكل من الشجرة، ولم ينتظر الوحي في ذلك من عند الله فعوقب لاستعجاله وقلة صبره لإنتظار أمر ربه. قلت: فكيف كان كلام إبليس وخدعه إياه هل كان تصور له جسما، ورآه عيانا قال: لا إنما سمع آدم كلامه ولم يره جسما، وقد رويت في ذلك روايات كذب فيها من رواها وكيف يقدر مخلوق أن يخلق نفسه على غير مركب خلقه وفطرة جاعله هذا ما لا يثبت، ولا يصح عند من عقل وعرف الحق. (1/141) ________________________________________ قلت: فقد كان النبي محمد صلى الله عليه خاطب جبريل وعاينه على عظيم خلقه وجسيم مركبه، فقال: إنما كان جبريل عليه السلام ينزل على محمد صلى الله عليه في صورة لطيفة يقدر على رؤيتها وعيانها، وقد صح عندنا أن النبي محمدا عليه السلام راء جبريل في صورة دحية الكلبي وإنما ذلك خلق أحدثه الله فيه وركبه عليه لما علم من ضعف البشر وأنهم لا يقدرون على النظر إلى خلق الملائكة لعظيم خلقهم وجسيم مركبهم فلما علم الله تبارك وتعالى من محمد عليه السلام ذلك، ولم يكن جبريل عليه السلام يقدر على تحويل صورته ومركبه من حال إلى حال لضعف المخلوقين وعجزهم عن ذلك نقله الله سبحانه على الحالة التي رآه محمد عليه السلام فيها نظراً منه لنبيه صلى الله عليه وما فعله الله فليس من فعل خلقه فلك في هذا كفاية إن شاء الله. قلت: فهل كان آدم صلوات الله عليه طمع في الخلد لما قاسمه إبليس على النصح، قال: إنما كان ذلك منه صلى الله عليه طمعا أن يبقا لعبادة الله وطاعته فأراد أن يزداد بذلك قربة من ربه. قلت: فقوله: ينزع عنهما لباسهما، فقال: قد اختلف في ذلك قلت: فما معنا قوله: فاكلا منها فبدت لهما سوآئتهما قال: معنا قوله بدت لهما سوآتهما فهو سوء فعلهما لا كما يقول: من جهل العلم، وقال بالمحال إن الله تبارك وتعالى كشف عورة نبيه وهتكه وكيف يجوز ذلك على الله في أنبيائه والله لا يحب أن يكشف عورة كافر به فكيف يكشف عورة نبيه. قلت: فقوله: ينزع عنهما لباسهما، فقال: قد اختلف في ذلك، ورويت فيه روايات، وأصح ما في ذلك عندنا والذي بلغنا عن نبينا محمد صلى الله عليه أن لباسهما هو لباس التقوى والإيمان لا ما يقول الجاهلون أنه لباس ثياب أو ورق أو ورق من ورق الشجر فهذا معنا قوله: ينزع عنهما لباسهما، وإنما أراد بذلك من قوله: لباسهما أي لباس التقوى بما سوّف وسوّس لهما من الكذب والقسامة التي سمعتها منه. (1/142) ________________________________________ قلت: فقوله: وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، فقال: إنما كان في الجنة في ظلها وتحت أشجارها فلما خرجا منها وأصابتهما الشمس بحرها ورمض الأرض فأرادا أن يجعلا لهما موضعا يكون لهما فيه ظلالا كما يفعله من يخرج من منزله وبلده في سفره إلى غيره من البوادي وغيرها فلا يجد ظلالاً ولا مسكنا ولا يجد بدا من أن يعرض عريشا يكنه ويستره من الحر ويقيه شدة البرد فهذا معنا قوله: يخصفان. قلت: فالجنة التي كانا فيها في السماء كانت أو في الأرض? قال: هي جنة من جنان الدنيا والعرب تسمي ما كان ذا ثمار وأنهار جنة، قلت: فقوله: إهبطوا منها جميعاً قال: ذلك جايز في لغة العرب، ألا ترى أنك تقول هبطنا من اليمن ونريد أن نهبط إلى الحجاز فلما أن كان ذلك معروفا في اللغة جاز أن يقال: إهبطوا منها. وسألته: عن قول الله سبحانه: فتلقا آدم من ربه كلمات فتاب عليه ما الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ? قال: قد اختلف فيها، والصحيح عندنا أن الكلمات هو ما كان الله تبارك وتعالى قد علمه بخلق من سيخلقه من ذرية آدم ونسله أنه سيكون منهم مطيع ويكون منهم عاص باختيارهم وأنه سبحانه يقبل التوبة من تائبهم إذا تاب وأصلح وأخلص التوبة وراجع فلما كان منه من أكل الشجرة، وذكر ما كان الله قد أعله من القبول للتوبة قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، فهذه الكلمات التي تلقاها آدم من ربه صلوات الله عليه. (1/143) ________________________________________ وسألته: عن قول الله تبارك وتعالى في إبراهيم صلوات الله عليه فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فقال معنا ذلك أن قومه كانوا يعبدون النجوم السبعة فلما نظر إلى جهلهم وما هم عليه من عبادتهم لما هو مخلوق مربوب يدخل عليه الزيادة والنقصان وأنه آفل زايل منتقل حايل فقال: إني سقيم، معنى قوله:إني سقيم أي سقيم القلب لما أنتم عليه من عبادة هذه المخلوقات المحدثات وإصراركم عن الله في كل الحالات وقلة نظركم وتدبيركم وفكركم في عظمة خالقكم وجهلكم في عبادة أصنامكم واجتنابكم عن طاعة ربكم وإلاهكم وخالق هذه التي تعبدون ونظره في النجوم فإنما هو فكره وتدبره فيما هم عليه من عمايتهم وقلة نظرهم لأنفسهم لا كما يقول الجاهلون من أنه كان منجما وأنه كان يستعمل النجوم ويحسب بها وليس ذلك ولا يجوز على نبي الله شيء من ذلك و قلت فمعنى قوله: فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي، وكذلك قوله في النجم والشمس حين قال: هذا ربي هذا أكبر، قال: معنى ذلك منه صلى الله عليه وآله هو على معنى الذم لهم والعيب لفعلهم يريد أهذا ربي الذي يزول وينتقل ويحول وهو على معنى الإستفهام وذلك موجود في القرآن في قوله سبحانه: لا أقسم بيوم القيامة، ومعنى لا أقسم فهو ألا أقسم فطرح الألف وهو يريدها ومن ذلك قوله في سورة المنافقين: رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق وأكن من الصالحين، ومعنى لولا أخرتني هو:لو أخرتني وفي ذكل ما يقول الشاعر: بيوم جدود لأفضحكم أباكم... وسالمتم والخيل تدما شكيمها فقال لا فضحتم أباكم وأراد فضحتم أباكم فأدخل الألف وهو لا يريدها صلة في الكلام ومن ذلك قول الله سبحانه في يونس صلوات الله عليه: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون، ومعناها ويريدون فطرح الألف وهو يريدها وأثبتها في الشيء وهو لايريدها ومن ذكل ما قال شاعر العرب نزلتم منزل الأضياف منا... فعجلنا القرآن تشتمونا (1/144) ________________________________________ ... فقال:أن تشتمونا وإنما أراد لأن لا تشتمونا ولا ندم فجاز ذلك من قوله في العربية والبيان فعلى هذا يخرج معنى قول إبراهيم صلوات الله عليه هذا ربي. وسألته عن قول إبراهيم صلوات الله عليه: رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، قال أراد ذلك صلى الله عليه أرن آية أزدادها علما وبصيرة وأعرف سرعة الإجابة لي منك حتى يثبت ذلك عندي ويقر في قلبي معرفة ذلك فأمره الله أن يأخذ أربعة من الطير وأن يجعل على كل جبل منها جزأ ثم أمره يدعهن ليريه عجيب قدرته وشواهد حكمته ما يزداد به معرفة في دينه ويثبت عنده علم ما سال عنه مزأية ربه فاراه الله ذلك فازداد به بصيرة وإيقانا ومعرفة وتبيانا. بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، سألت: إمام المسلمين في عصره يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه وعلى آبائه السلام عن قول الله تبارك وتعالي: ولقد فتنا سليمان والقينا علي كرسيه جسدا ثم أناب، فقال: معنى قوله: فتنا يقول: امتحنا وإنما كان ذلك من أجل ما سألته مليكة سبأ من طلبها حين طلبت منه قربانا تقربه على ما كانت تفعل وتعرف من قديم فعلها، فسألته صلى الله عليه أن يأذن لها في بقرة تقربها فلم يجبها، ثم سألته شاة فكره ذلك عليها. (1/145) ________________________________________ ثم سألته: طائرا فأعلمها أن ذلك لا يحل لها فوقعت في صدرها جرادة، فقالت له: فهذه الجرادة إيذن لي فيها فتوهم فظن أنها مما لا إثم عليها فيه إذ كانت مما لا يقع عليه ذكاة فسكت عنها ولم يمنعها عن ذلك فقطعت رأس الجرادة وأضمرت أنها قربانا فلما خرج صلى الله عليه يريد أن يتطهر على جانب البحر نزع خاتمه من يده وكان لا يتطهر حتى ينزع الخاتم من يده، وهذا الواجب على كل متطهر إذا أراد أن يتطهر من جنابة أو غيرها لصلاته أن ينزع خاتمه أو يديره في أصبعه حتى يصل الماء إلى الشعر الذي يكون تحته وينقا من الدرن ما حوله، فلما نزع الخاتم من يده ومضا لطهوره خرج حوت من البحر فابتلع الخاتم وذهب في البحر فلما فرغ سليمان من طهوره نظر إلى الموضع الذي كان وضع فيه خاتمه فلم يقدر عليه فعلم أن ذلك لسبب قد أحدثه وأن الله سبحانه أراد بذلك فتنته فدعا الريح فلم تجبه، ثم دعا الطير فلم تجبه، ثم دعا الجن فلم تجبه، لما ذهب عنه الخاتم. وإنما كان الخاتم سببا من الله قد جعله فيه، وبه كان يطاع فعلم سليمان أن العقوبة قد وقعت به. ووثب العفريت الملعون على سريره عند ذلك، وهو ملكه وكان يتكلم على شبه كلام سليمان عليه السلام وهو من وراء حجاب لا يظهر ولا يرى له شخص ودعا فلم يجبه إلا الإنس ومضى سليمان باكيا نادما على فعله وجعل يتبع الصيادين على سواحل البحر يخدمهم ويعينهم وهم لا يعرفونه ولا يعلمون أنه سليمان، فأقام على ذلك وقتا اختلف فيه الرواة، فقال بعضهم: أقام أربعين يوما، وقال آخرون: بل مكث خمسين يوما. (1/146) ________________________________________ وقال قوم: سبعين يوما، وهو أكثر ما قيل فيه فجعل يتبعهم ويعمل معهم ويعطونه في كل يوم حوتين فيبيع أحدهما فيشتري به خبزا ويشوي الآخر فيأكله فلما علم الله منه التوبة والرجوع والإنابة والخضوع أراد أن يرد عليه نعمته فانصرف ذلك اليوم ومعه الحوتان اللذان عمل بهما في يومه ذلك فشق بطن أحدهما على ما كان يفعل فإذا الخاتم قد خرج من بطن الحوت فعرفه عند ذلك فأخذه وشكر الله وحمده على ما أولاه. ثم دعا الريح فأجابته وكان قد أبعد عن بلده فأمر الريح فاحتملته من ساعته إلى موضعه وهرب اللعين العفريت لما رآه، وقال بعض الرواة أنه قد كان حبسه ورد الله على نبيه ملكه ورجع إلى ما كان الله قد أعطاه فدعا الطير والجن والريح فأجابته ودامت نعمته. قلت: فالجسد الذي ألقي على كرسيه هل كان جسما يظهر ويرى فقال: لا إنما كان الذي يظهر إليهم منه ما يسمعون من كلامه وكان مستترا عنهم فكانوا يظنون أنه سليمان وأنه إنما احتجب عنهم لسبب أمره الله به أو فعل فعله من نفسه ولو ظهر لهم لبان أمره عندهم ولكن تمكن منهم بالتمويه عليهم والمكر بهم. قلت: فهل نال من الحرم منالا أو وصل إليهم بسبب من الأسباب، قال: معاذ الله أن يكون نال شيئا من ذلك أو فعله غير الذي شرحته لك من كلامه فقط. (1/147) ________________________________________ وسألته: عن قول الله سبحانه: وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن الن نقدر عليه فقال: أما ذو النون فهو يونس، وأما النون فهو الحوت، وأما قوله: إذ ذهب مغاضبا فإنما كان ذهابه غضبا على قومه واستعجالا منه دون أمر ربه لا كما يقول الجهلة الكاذبون على أنبياء الله ورسله من قولهم: إن يونس خرج مغاضبا لربه وليس يجوز ذلك على أنبياء الله صلوات الله عليهم وإنما كان ذلك كما ذكرت لك من غضبه على قومه ومفارقته لهم واستعجاله دون أمر ربه، وهو قوله سبحانه لمحمد صلى الله عليه: ولا تكن كصاحب الحوت، وهو يونس يقول: لا تعجل كعجله واصبر لأمري وطاعتي ولا تستعجل كاستعجاله، فهذا معنى قوله: إذ ذهب مغاضبا. وقوله: فظن الن نقدر عليه، أراد بذلك من قوله: فظن أي أفظن الن نقدر عليه، وهذا معنا الاستفهام، ولم يكن ظن ذلك صلى الله عليه، وهذا مما احتججنا به في (الألف) التي تطرحها العرب، وهي تحتاج إلى إثباتها وتثبتها في موضع وإن لم تحتج لها مثل قوله: لا أقسم، وإنما أراد ألا أقسم، وقوله: وعلى الذين يطيقونه فدية، وإنما أراد على الذين لا يطيقونه فدية، فطرح (الألف) وهو يريدها، ومن ذلك قول الشاعر: نزلتم منزل الأضياف منا... فعجلنا القرا أن تشتمونا (1/148) ... وإنما أراد لأن لا تشتمونا فطرح (الألف) وهو يريدها، ومثل هذا كثير في الكتاب وهي حروف الصفات، فلما صار يونس عليه السلام في السفينة وركب أهلها واستقلت بهم وطابت الريح لهم أرسل الله حوتا فحبس السفينة فلم تجر فعلم القوم عند احتباسها أنها لم تحبس بهم إلا بأمر من الله قد نزل بهم فتشاور القوم بينهم، وتراجعوا القول في أمرهم، وما قد نزل بهم وأشفقوا فقال لهم يونس: يا قوم أنا صاحب المعصية وبسببي حبست بكم السفينة فإن أمكنكم أن تخرجوا إلى الساحل فافعلوا، وإن لم يمكنكم ذلك فالقوني في البحر وامضوا، فقال بعضهم: هذا صاحبنا، وقد لزمنا من صحبته ما يلزم الصاحب لصاحبه، وليس بشبهنا أن نلقيه في البحر فيتلف فيه على أيدينا ونسلم نحن، ولكن هلموا نستهم فمن وقع عليه السهم القيناه في البحر. فتساهم القوم فوقع السهم على يونس، ثم أعادوا ثانية فوقع السهم عليه، ثم أعادوا ثالثة: فوقع السهم عليه فرما بنفسه البحر فالتقمه الحوت ومضا في البحر فكان يونس عليه السلام ينظر إلي عجائب البحر من بطن الحوت وجرت سفينة القوم بهم، قال: ولبث يونس في بطن الحوت ما شاء الله من ذلك فاستمط شعره وجلده حتى بقي لحمه ومنع الله منه الموت فلما علم الله توبته وقد نادا بالتوبة أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجاب له، وقبل توبته ورحم فاقته وأرسل ملكا من الملائكة فساق ذلك الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فالقا يونس من بطنه، وقد ذهب شعره وجلده وذهبت قوته فرد الله عليه جسمه على ما كان عليه أولا من تمام صورته وحسن تقويمه وأنبت الله له شجرة اليقطين، وهي الدبا فكان يأكلها فلما اشتدت قوته واطمأن من خوفه وإشفاقه أرسله إلى قومه وكانوا في ثلاث قرا فمضا إلى أول قرية فدعاهم إلى الله وإلى دينه فأجابه نصفهم أو أكثر من النصف وعصاه الباقون فسار بمن أطاعه إلى العصاة لأمره فحملهم عليهم وقاتلهم فقتلهم وأبادهم. (1/149) ثم سار إلى القرية الثانية فدعا أهلها وأعذر إليهم وأنذرهم فأجابه منهم طائفة فحمل المطيع على العاصي فقتلهم وأبادهم ثم سار إلى القرية الثالثة، وكانت أعظم القرا وأشدها بأسا ومنعة فدعاهم إلى الله وأعذر إليهم وأنذرهم وحذرهم ما حل بإخوانهم فلم يجبه منهم أحد واستعصموا على كفرهم فسار إليهم وخرجوا إليه فحاربهم فلم يقدر عليهم فلما كان بعد وقت وعلم الله منه الصبر على ما أمره به من طاعته والإعذار إلى خلقه أمر الله جبريل صلوات الله عليه فطرح بينهم نارا ثم أرسل الله الرياح فأذرت النار عليهم وعلى منازلهم ورحالهم فاحرقتهم جميعا ودمرتهم فهذا ما سألت عنه من خبر يونس عليه السلام. وسألته: عن قول الله سبحانه: ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ما الآيات التي أتاه الله ? فقال: العصا التي تلقف ما يأفكون ومنها اليد البيضاء وهي قوله: وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء، ومنها: الكلام الذي سمعه من الشحرة، ومنها الكلام الذي سمعه من النار، قلت: وما سمع منها قال: قول الله في كتابه فلما أتاها نودي أن بورك من في النار، ومن حولها وسبحان الله رب العالمين. قلت: وما معنى قوله: أن بورك من في النار قال: أما قوله من في النار فإنما أراد بذلك ما سمع من الكلام في النار، وأما قوله: ومن حولها فهو من حضر من الملائكة حول النار، ومنها: الحجر التي كان يحملها على حماره من مكان إلى مكان وكانت حجرا ململمة لا صدع فيها فكان إذا احتاج إلى الماء ضربها بالعصا فانبجست بالعيون ثم يدفنها فيخرج الماء من كل جانب منها، فإذا استغنا هو وأصحباه أخرجها فرجعت على حالتها أولا، ثم حملها معه ومنها البحر الذي ضربه بالعصا فانفلق حتى سار في وسطه هو وأصحابه بأمر الله سبحانه حتى خرج آخر أصحابه ودخل آخر أصحاب فرعون تباعا لموسى وقومه فأغرق الله فرعون وقومه ونجى نبيه عليه السلام والمؤمنين. (1/150) ومنها: طور سيناء، وقد قيل: والله أعلم أن من الآيات التي أتاه الله الجراد والقمل والضفادع والدم ولا ندري ما صحة ذلك غير أن الصحيح من الآيات ما ذكرت لك أولا وبينٌ نيرٌ، قلت: فما معنى قوله في فرعون: فلما أدركه الغرق، قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين، فهل قبل الله ذلك منه، قال: لا، ألا تسمع كيف يقول الله الآن، وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، وقوله: فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإنما أمر الله البحر فألقاه على جانبه شلواً ميتاً وقوله ببدنك فالبدن، هو الدرع، وإنما كانت درع من جوهر وياقوت قد اتخذها وكان لا يلبسها إلا في عظائم أموره الجسيمة الفادحة فأراد سبحانه أن ينجيه بها لمعرفة من رآه من قومه فيعتبرون به ويعلمون أن الله تباركت أسماؤه هو الذي أهلكه، وأنه لا مغالب لحكمه وهو السميع العليم. قلت: فما الدليل على ما قلت في البدن من أنها الدرع بينه لي من لغة العرب حتى أفهمه قال: الدليل على ذلك ما يقول الشاعر: يخفون المركبات في الأبدان وذلك عندما يكون من بيده الحرب بينهم، وهذا دليل على ما سألت عنه، وذلك فيه كفاية إن شاء الله. وسألته: عن قول أيوب صلوات الله عليه إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب، قال: معنى قوله مسني فهو ما كان من كلامه ووسوسته له، وذلك أن أيوب صلوات الله عليه كان قد جعل ضيافة أضيافه إلى مرءته فأتاه إبليس اللعين فقال: يا أيوب مرتك قد فضحتك اليوم في أضيافك فأتاها فقال: ما الذي حملك على أن تفضحيني في أضيافي أقسم لأضربنك مائة ضربة بالعصا، فلما هم بالذي أقسم به من ضربها أتاه الملعون إبليس فقال: يا أيوب سبحان الله أيحل لك أن تضرب مرة ضعيفة لم تجرم جرما ولم تأت قبيحا ولم تفعل أمرا تستحق به ضربا، وليس لها قوة على ضربة واحدة فكيف مائة ضربة ولا تهلكها ولا تأثم بربك في أمرها فلما تركها. (1/151) وكف عنها أتاه من موضع آخر، فقال: يا أيوب سبحان الله كيف يحل لك أن تقعد عنها، وقد حلفت لتضربنها ولا ترجع عن يمينك ولا تأثم بالله ربك فلما رجع إليها ليضربها أتاه بالوسوسة على مثل الذي أتاه به أولا، فلم يزل يفعل ذلك حتى دخله الغم وعظم عليه الأمر فانقلب على ظهره وهو يفكر وينظر وخالطه من الوسوسة ما غلبه على أمره فلما يزل كذلك حتى تقرح ظهره ولزمه المرض العظيم. وشد به الأمر وتمادت به العلة، وذهبت ما شيته وافترق ماله ومات أولاده ومرضت المرة من الغم والحزن فلما رآء ذلك من كان معه في المنزل أخرجوه صلى الله عليه إلى ناحية منهم على خط الطريق وليس يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا وشد به البلا وهو مع ذلك صابر محتسب فلما كان يوم من الأيام مضا به نفر فلما رأوه ونظروا إلى ما هو فيه من عظيم البلا وشدة النتن، قالوا: والله لو كان هذا ولياً لله لأجابة ولكشف ضره ولما أصابه شيء من هذا فلما سمع ذلك من قولهم نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب فجاز أن يقول: مسني الشيطان لما أن ذلك من وسوسته وكيده وسببه. فاستجاب الله له فقال: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، ولم يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا فضرب بعقبه فانبثقت عليه عين ففارت وارتفعت حتى كانت أكثر من جلسته فجعلت تنسكب عليه وهو يغتسل بها وهي تقلع عنه كل ميت وتنقي عنه ما كان به من الأقذار وتميط عنه الأذاء وجعل يشرب منها ويخرج ما في جوفه من العلة حتى تنقا بدنه ورجع إلى أفضل ما كان عليه أولا، ورد الله عليه أهله وماله وأمره أن يأخذ ضغثا فيضرب به المرأة كفارة اليمين التي حلف فقال بعض الرواة أنه أخذ من هذا الذي يكون فيه الثمر فجمع منه مائة غصن فضربها به ضربة. (1/152) وقال بعضهم: أنه ضربها ضربتين واختلف في ذلك غير أن الصحيح من ذلك أنه قد جمع ضغثا فضربها به، قلت: فإبليس كيف كان إتيانه إلى أيوب صلى الله عليه قال: لم يره عيانا وإنما سمع كلامه ولم يبد له شخصه، وقد قال بعض الجهلة أنه تصور له في صورة غير صورته وليس ذلك كما قالوا: وكيف يقدر مخلوق أن يغير خلقته ويحول نفسه صوراً مختلفة وليس يقدر على ذلك إلا الله رب العالمين الذي خلق الصور والأجسام ونقلها من حال إلى حال فسبحان الله رب العرش عما يصفون، ولا إله إلا هو الرحمن الرحيم. وسألته: عن قول الله تبارك وتعالى في يوسف صلوات الله عليه: ولقد همت به وهم بها لو لا أن رأى برهان ربه، كيف كان همها به وكيف همه بها، فقال: كان همهها هي هم شهوة ومراوده وكان همه هوبها صلى الله عليه هم طباع النفس والتركيب. ألا ترى أنك إذا رأيت شيئا حسنا أعجبك وحسن في عينك وإن لم تهم به لتظلمه وتأخذه غصبا من أهله، وكذلك إذا رأيت طعاما طيبا أو لباسا حسنا أعجبك وتمنيت أن يكون لك مثله وأنت لا تزيد بإعجابك به أخذه ولا أكله إلا على أحل ما يكون وأطيبه ولم ترد بقولك أنك تأكله أو تلبسه أو تنكحه إلا حلالا. قلت: بلا، قال: كذلك كان هم يوسف صلى الله عليه في زوجه الملك، قلت: فقد سمعنا بعض الرواة يذكر أنه إنما منع يوسف عليه السلام من إتيانها أنه رأى يعقوب صلى الله عليه كأنه يزجره عنها ويخوفه، قال: قد قيل فيه سننه من ذلك وليس القول فيه كذلك وحاش لله أن ينسب ذلك إلى نبي الله. قلت: فقد كان ذلك يروى لنا بين الملا ويتحدث به في المساجد قال: قد ذكر ذلك جل الله وتعالى عن كل ما يقول فيه الملحدون ونسب إليه الضالون، وليس قولهم: هذا في أنبياء الله وروايتهم الكاذبة عليهم بأعظم من كذبهم وجرأتهم على الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. (1/153) ألا ترى كيف شبهوه بالأشياء من خلقه وجعلوه جسما ذا أعضاء وأجزا مختلفة فتعالى الله عن ذلك من ليس كمثله شيء، ولقد ناظرت رجلا ممن ينتحل التشبيه فألزمته أن يقول الله مخلوق أو ينفي عنه التشبيه فاختار أن يجعله مخلوقا، وكره أن ينفي عنه التشبيه فهذا أعظم الأمور وأقبح الأقاويل كلها. قلت: فالبرهان الذي رآه يوسف صلى الله عليه ما هو قال: ما جعل الله فيه من علمه وخصه به من المعرفة والخوف له في علانيته وسره وإنما كان ذلك ابتداءً منها، ومراودة له على نفسه كان من قولها له إن يا يوسف أن لم تأتيني أتيت أنا إليك، فقال: معاذ الله من ذلك فقامت فارخت سترا كان على باب البيت وكان في البيت صنم لها تعبده من الذهب له عينان من ياقوتتين حمراوين فكانت تستحسنه وتعبده، فقال لها يوسف صلى الله عليه: لم أر خيت هذا الستر، فقالت: إني أخاف أن يراني هذا الذي في البيت فأرخيته حياءً منه وإجلالا له، فقال لها: فإذا كنت تستحين أنت من صنم لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع فكيف لا أستحيي أنا من الذي خلقني وخلقك وخلق هذا الذي تخافين. ومنه تستحين بل أخاف وأستحي من الذي خلقني وخلقكم وهو خالق السموات والأرضين. ثم نهض منها هاربا بنفسه فلحقته إلى باب الدار، فقدت قميصه والفيا سيدها لدا الباب وهو زوجها الملك، وذلك أنهم كانوا يسمونه السيد لموضعه عندهم ورفعته فيهم، فقالت له: ما جزاء من أراد بأهلك سواء إلا أن يسجن أو عذاب إليم، قال يوسف: هي راودتني عن نفس فتحير الملك واشتبه عليه الأمر، وكثر فيه القول فذكر بعض الرواة أن الذي حكم في ذلك صبي صغير كان في المهد. (1/154) واختلف فيه والذي صح في ذلك عندنا أنه كان صبيا قد عقل، وهو من أبناء خمس سنين أو ستة بها فأتي به إلى الملك فقال: إن كان قميصه قد من قبل فصدقت هي فيما ذكرت من مراودته لها على نفسها، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت فيما ادعت وهو من الصادقين، في قوله: ومراودتها له على نفسه فأتي بالقميص إلى الملك فنظر إليه فإذا هو مقدود من دبره، فقال: إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم. ثم بدالهم من بعد ذلك فألقى في السجن وكان في السجن رجلان من خدم الملك فلما كان من إعلامه لهما بتأويل رؤياهما على الحقيقة بعينها فلما رأى الملك رؤياه أتا أحد الرجلين إلى يوسف فقص عليه ذلك فاخبره بتأويله فلما انتها ذلك إلى الملك بعث إلى النسوة يسألهن عن خبرة، فقالت إمرأة العزيز: الآن حصحص الحق أنا راودته نفسه وإنه لمن الصادقين فيما تبرأ منه وأنكره ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخآئنين. وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم، فهذا ما كان من خبره عليه السلام. وسألته: عن قول الله سبحانه: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون فقلت: ما معنا تزيينه الله عزوجل لهم وما مخرجه، ومعنى ترتيبه سبحانه فترك المعاجلة بالعقوبة لهم والأخذ بإكظامهم عند معصيتهم فكان تزيين الله لهم تأخير المغافصة بالنقم كذلك تقول العرب في مخاطبتها بعضها لبعض إذا أخطأ أحدهم على الآخر مرارا فلم يجازه قال له: الذنب لي لا لك أنا أفسدتك وزينت لك عملك بتركي المكافأة لك على قبيح فعلك حتى ظننت أنه حسن جايز، فهذا معنا التزيين من الله عزوجل، ومعنا يعمهون أي يتحيرون ويتخبطون ويموجون في ضلالهم ولا ينتهون من غفلتهم. (1/155) وسألته: عن قول الله سبحانه: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون، فقال: هذا إخبار من الله تبارك وتعالى عن ما رزقهم من ثمرات الأشجار الذي يتخدون منه الأرزاق ويدخرونها من التمر والزبيب وغير ذلك من الحبوب التي هي معيشة لهم وحياة ويتخذون منها أيضا السكر الذي نهاهم عنه وحرمه عليهم فوقفهم هاهنا في هذه الآية على كفر من فعل ذلك لنعمه إذ صرفوا رزقه في السكر الذي حرمه. ثم أخبر أن فيما جعل وفعلوا من حسن رزقه لهم وجميل فعله بهم وإيجاده لهم سكراً أو صرفهم له عن الطاعة إلى المعصية لآية لقوم يعقلون. وسألته: عن قول الله سبحانه: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار فقال هم قوم أنعم الله عليهم وكفروا أنعم الله ولم يشكروه وبدلوا مكان الشكر كفرا فأتبعهم بكفرهم على ذلك فهلكوا كلهم بأسباب رؤسائهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: كذلك نسلكه في قلوب المجرمين، فهو يدخله ويبينه في قلوبهم حتى يوقنوا به ويثبته في قلوبهم فهو بالحجج النيرة البالغة التي نزلها مع نبيه صلى الله عليه حتى يثبت بها الحق عليهم وتشهد عقلوهم أنه حق فإذا كابروا بعد ثبات الحق نزل بهم العذاب، وذلك قوله سبحانه: لا يؤمنون به، وأما قوله: وقد خلت سنة الأولين، فهو منهاجهم وسبيلهم، والمعنا الذي هلكوا به فهو التكذيب بآيات الله. (1/156) وسألته: عن قول الله سبحانه: كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عظين فقال معنى قوله كما أنزلنا على المقتسمين يريد أنا ننزل بهؤلاء من اللعنة والفضيحة والحكم بالكفر والوعيد بالنار في الآخرة من بعد الهتك لهم في الدنيا مثل ما أنزلنا بالمقتسمين، فقامت (على) مقام (البا) والمقتسمين فهم الذين كانوا يقتسمون بالأزلام من قريش وأتباعها وهؤلاء الذين مثلوا بالمقتسمين فهم من عصى الله ورسوله وبغى وطغى ممن عصى بعد أولئك وأسا واجترء على الله ورسوله واستهزء بدينه. وأحسب: والله أعلم أنهم النفر الذين أستهزؤا بأمر الله وبرسوله في غزوة تبوك، وقالوا: إنما كنا نخوض ونلعب فأكذبهم الله، وأنزل فيهم: ولقد قالوا كلمة الكفر فدعاهم بذلك كافرين، ومعنى قوله: الذين جعلوا القرآن عضين، فهي كلمة كانت قريش تقولها وتهزؤا فيها بالنبي صلى الله عليه وآله وبالقرآن كانوا إذا قرأ عليهم القرآن ووعظهم قالوا: يعضنا بقراءته فيقلبون الظآضا دا استهزأ وعبثا وجرأة على الله وكفرا فأخبر الله سبحانه بما أنزل عليهم وفيهم من السخط والغضب وأبدا من فضيحتهم وأطلع عليه نبيهم من سرهم وأنزل فيهم هذا العيب في القرآن فهذا معنى قوله: كما أنزلنا على المقتسمين. وسألته: عن قول الله سبحانه: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى القا الشيطان في آمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكمم الله آياته والله عليم حكيم، فقال: معنى قوله: إذا تمنا فهو إذا قرأ ومعنا أمنيته فهي قرأته، ومعنا إلقا الشيطان وسوسته التي يشغل بها القاري حتى تتخلط عليه قرأته، ومعنا نسخ الله لما يلقي الشيطان فهو إذهابه له من قلب القارئ بعد وقوعه فيه وشغله به حتى يفرغ القلب لقرأته ويرجع إلى ما كان في بادي أمره ومعنى يحكم الله آياته فهو يثبتها في قلوب أوليائه. (1/157) وسألته: عن قول سبحانه: فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فقال: معنى فاطر السموات فهو مبتدعها ومبتدئها ومعنى قوله: جعل لكم من أنفسكم أزواجا فهو خلق لكم من أنفسكم رجالا ونساء يتزاوجون ويتناسلون، وكذلك قوله: من الأنعام أي خلق أيضا من الأنعام إناثا وذكورا تتناسل، ومعنا قوله: يذرؤكم فهو ينبتكم ويخرجكم ويخلقكم ويصوركم ويكثركم. وسألته: عن قول الله سبحانه: خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها، فقال: النفس الواحدة آدم صلى الله عليه وخلقه منها زوجها فهو خلقه من آدم حواء، وقد قيل: إن حواء خلقت من بعض آدم، فهذا معنا قوله: خلق منها زوجها وقد يكون خلقه لها منه قبل نفخه فيه الروح إذ هو صورة من طين ملقاة. وسألته: عن قول الله سبحانه: وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض إلى قوله: كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون، فقال: معنا قوله: وهو أهون عليه يخبر تبارك وتعالى أن من عمل شيئا وابتدعه فأعاده إلى الصورة التي ابتدعها مرة ثانية أهون عليه من ابتدائها واختراعها أولا، وإنما هذا مثل ضربه الله للخلق مما يعقلونه ويفهمونه من أفعالهم لا أن شيئا يمتنع على الله ولا أن شيئا أصعب عليه من شيء إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. (1/158) فأما قوله: هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم، فإنما هذا مثل مثله الله للخلق يريد سبحانه إن كان يجوز أن تكونوا أنتم ومماليككم في أموالكم وفيما رزقتموه سوأ أمركم وأمرهم وإرادتكم وإرادتهم حتى تخافوهم في أموالكم فيما تنفقون وتقبضون وتبسطون كما يخاف بعضكم بعضا في ماله فقد يجوز أن تكونوا سواء شركاء لسيدكم في خلقه وعباده وملكه وإن كان لا يجوز هذا أن يكون العبد والسيد سواء في مال سيده فلن يكون أحد منكم لله شريكا في عباده ولا أمره ولا ملكه. وسألته: عن قول الله سبحانه: ومن الناس من يقول آمنا بالله إلى قوله: في صدور العالمين، فقال: هذا إخبار من الله عن من يقول بلسانه أنه يؤمن فإذا أنزل به خوف من أعداء الله رجع عن قوله واستسلم في أيدي أعداء الله، فأخبر الله سبحانه بجهله وكفره ونفاقه في كل أمره وأنه لا يعقل ما بين عذاب الله وفتنة الناس، وفي أولئك ومن كان من الخلق كذلك ما يقول الله سبحانه: ومن الناس من يعبد الله على حرف إلى آخر الآية. وسألته: عن قوله الله سبحانه: واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرور ا، فقال: هذه كلها أمثال ضربها الله لا أن ثم خيل ولا رجال والعرب تقول بعضها لبعض إذا اختصمت أو تحاجت أو تناظرت، قالت: لمن لا خيل له ولا رجال أجلب عليهم بخيلك ورجلك تريد أجهد علينا بغاية جهدك أبلغ فينا أقصا طاقتك فعلى ذلك يخرج معنا قول الله أجلب عليهم بخيلك ورجلك وذلك أي أجهد فيهم بغاية جهدك. وأما قوله: استفزز فهو اختدع. (1/159) وسألته: عن قول الله سبحانه: فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الدينار وكان وعد مفعولا، فقال: هذا إخبار من الله عزوجل لبني إسرائيل بما يكون وما ينزل من النقم بالظالمين منهم ومعنا فإذا جاء وعد أولاهما فهو أول العذابين، وهي وقعة ينزل بهم وما نال منهم ومعنا بعثنا هو خلينا بينهم وبينكم. وسألته: عن قول الله سبحانه: إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم إلى ما علوا تتبيارا، فقال: هذا إخبار من الله بأن كل فعل كان من أحد من الخلق فهو له وعليه من خير أو شر لا يجوز ذلك نفسه ولا يشركه فيه غيره، وأما قوله: فإذا جاء وعد الآخرة فهو آخر الميعادين، وهي الكرة الثانية الآخرة من المرتين وهو فتح بيت المقدس الذي فتح بعد النبي صلى الله عليه. فتحه علي عليه السلام فطرد الإسرائيليون الروم وساؤا وجوههم بذلك، ومعنى يتبروا ما علوا فهو يتبروا عزهم الذي بنوه وجعلوه وأسلفوه. وسألته: عن قول الله سبحانه: وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس إلى قوله: طغيانا كبير ا، فقال: معنى قوله أحاط بالناس فهو أحاط بعلم أخبارهم وعلم صغيرهم، ومعنى قوله: وما جعلنا الروياء التي أريناك إلا فتنة للناس ومعنى أريناك فهي التي أخبرناك بها وأعلمناك وهو ما وعده من فتح مكة، وقد قيل فتح خيبر. والفتنة: فهو ما كان من سؤالهم وتقاضيهم ما وعدهم الله من الفتح على لسان نبيه فكانوا يتقاضونه ذلك ويقولون: يا رسول الله، قلت: لنا كذا ووعدتنا بالفتح، وقد أبطا ذلك، وكان صلى الله عليه يقول: لم أوقت لكم وقتا ولم أذكر لكم وقتا وإنما وعدتكم أمراً وستصلون إليه فكان تأخير الموعد بالفتح فتنة للناس بما كان يقع في قلوبهم من استبطأ الفتح وكان في قلوب المنافقين أن رسول الله صلى الله عليه لم يصدقهم فهذا معنا ما ذكر الله من الفتنة في هذا الموضع من المؤمن والكافر، والشجرة الملعونة: في القرآن فهي بنوا أمية. (1/160) وسألته: عن قول الله سبحانه: فيما يذكر عن نبيه زكريا عليه السلام وإنى خطت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقر ا، فقال: الموالي فهم العصبة الوارثون، وقوله: خفت فهو خفتهم على دينك أن يعطلوه من بعدي ويرفضوه بعد وفاتي ولا يقومون بما أوصيتني به وأمرتني فسأل ربه أن يهب له عقبا ولدا ذكرا يرثه حكمته وعلمه ويرث حكمة أبآئه وأجداده آل يعقوب، فأجابه الله فوهب له يحيى صلى الله عليهما، ومعنا قوله: كانت امرأتي عاقر ا، والعاقر التي لا تلد. وسألته: عن قول الله سبحانه: وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا، فقال: معنا قوله: حنانا من لدنا هو رحمة وتحننا عليك، ومعنا تحنن فهو تعطف ورحمة وإجابة وكرامة وزكاة فهو زاكيا طاهرا والتقي فهو المؤمن لله المتقي، ومعنا قوله: من لدنا من قِبَلِنا وعندنا ومنا. وسألته: عن قول الله سبحانه: كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا، فقال: معنا كلا فهو بلا وهي كلمة تستعملها العرب فيما توجبه على أنفسها، ومعنا سنكتب فهو سنحفظ ما يقول ونحصية حتى نوقفه يوم القيامة عليه، ومعنا قوله: ونمد له من العذاب، مدا فهو نمد له من الإملاء مدا طويلا فسمى الإملا هاهنا عذابا إذ كان أملاه له بما يزداد به إثما ويكسب له عذابا في الآخرة وخريا فلما أن كان الإملاء سببا للعذاب جاز أن يقول نمد له من العذاب مدا. وسألته: عن قول الله سبحانه: ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أز ا، فقال: الإرسال من الله للشياطين على الكافرين هو التخلية بينهم وبينهم وترك الدفع لهم عنهم ومعنا تؤزهم أزا فهو تجزيهم أجزا بما يكون منهم إليهم من الإطغا الذي به يصلون إلى عذاب الهون، والأز فهو كل ما كان من طريق الخزي والصغار والهلكة والإدعار. (1/161) وسألته: عن قول الله سبحانه: فيما يذكر عن نبيه موسى صلى الله عليه، قال: فما خطبك يا سامري إلى قوله: في اليم نسفا، فقال: هذه مخاطبة من موسى صلى الله عليه للسامري الذي أهلك بني إسرائيل من بعد موسي. ومعنا قول السامري: بصرت بما لم يبصروا به يريد رأيت مالم يروا ومعنا فقبضت قبضة من أثر الرسول فهي قبضة تراب من أثر جبريل رما بها السامري في الذهب الذي جمعه ثم عمله عجلا فدخل الشيطان في العجل فخار لهم فقال السامري ما قال من الكفر بسبب العجل إلى أنه إله بني إسرائيل فهذا الذي سولت له نفسه ووسوس له به الشيطان فقال له موسى صلى الله عليه: اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس يريد موسى صلى الله عليه أنك تستطيع لما جعل الله فيك من الإستطاعة أن تقول ذلك لا أنه أمره به والمساس فهي المصافحة والمعاشرة فأخبره صلى الله عليه وآله أنه يستطيع أن يقول إن أراد أن لا يحل بكم أن يسلم بعضكم على بعض ولا يعاشر بعضكم بعضا بما جعل الله فيه بما جعل الله فيه من الإستطاعة على ذلك. فقال صلى الله عليه: أنت تقدر أن تقول ذا ونفعله لو أردت وتمنع منه لوشئت وهو شيء بين الناس من أحسن ما يكون من الفعل الذي يعرفونه ويفهمونه بينهم فكيف لا تقدر أن تأمرهم بما لا يفعلونه من عبادة هذا العجل الذي جعلته إلاها فظلت عليه عاكفا ومعنى ظلت عليه فهو ظلت له عابدا لنحرقنه يقول:لنطرحنه في النارحتى يذوب ويحترق ثم ننسفنه في اليم نسفا، وإنما أراد بإحراقه صلى الله عليه أن يخبر السامري ومن أطاعه أن هذا شيء ذليل يحرق وينسف في البحر فكيف يجوز أن يكون من يفعل به هذا ولا ينتصر للخلق إلاها هذا لا يكون أبدا ولا يتوهمه إلا غير ذي هدى. (1/162) وسألته: عن قول الله سبحانه: فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون، فقال هذا أخبار من الله بما كان من الكافرين المجترءين عليه عند نزول العذاب عليهم وأنهم لما أيقنوا به هربوا من القرية وولوا مد بربن في الأرض هاربين فأخبرهم الله أنهم لن يغني عنهم ركضهم ولا هربهم وأن العذاب يلحقهم ويأخذهم فقال: ارجعوا إلى ما أترفتم فيه يريدا ارجعوا إلى الأموال والنعم التي أترفتكم وأطغتكم وأشرتكم وإلى المساكن التي ضننتم بمفارقتها وعصيتم رسلنا وتركتم الجهاد في سبيل الله محبة لها وميلاً إليها لعلكم تسألون يقول لعلكم توقفوا على ما كنتم تنكرون وتدفعون وبه تكذبون من نزول العذاب عليكم إذ قد نظرتموه عذابا ونصرتموه صراحا. وسألته: عن قول الله سبحانه: أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ، فقال: يريد سبحانه بذلك التوقيف لمن كان شاكا في نصر الله لنبيه وإعلامهم أنه لا يغني كيدهم في نبي الله شيئا فضرب لهم هذا المثل يقول: من كان شاكا في أمره حاسدا له مغتاظا عليه فليمدد بسبب إلى السماء إن قدر على ذلك، ثم ليقطع ومعنا ليقطع فهو ينفذ ما قدر عليه من كيده لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله ثم لم لينظر هل يذهب ذلك الفعل إن قدر عليه، وهذا الكيد الذي يكيد به رسول الله صلى الله عليه ما يغيظه من أمر النبي صلى الله عليه ونعمه ولن يقدر لو فعل ذلك وناله على إذهاب شيء مما يغيظه من أمر رسوله صلى الله عليه إذ السبب الذي غاضه منه هو من الله سبحانه عطاء لنبيه وكرامة وإحسانا منه إليه ورحمة فلن يزيله كيد كايد ولا عناد معاند. (1/163) وسألته: عن قوله سبحانه: ومنهم من يقول أئذن لي ولا تفتني، فقال: نزلت هذه الآية في جد بن قيس، وذلك أنه أمره رسول الله صلى الله عليه بالخروج معه في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله قد علمت إعجابي بالنساء ومحبتي لهن وأنا أخشا إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر وافتتن بهن فأنزل الله سبحانه ألا في الفتنة سقطوا، يقول سبحانه: إلا في العذاب وقع وسقط والفتنة فمعناها العذاب، فأخبر سبحانه أنه حاد وتعلل لمعنا قد وقع فيه بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وآله. وسألته: عن قول الله سبحانه: يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إلى قوله عليما حليما و فقال:هذه ميمونه الهلاليه وهبت نفسها للنبي صلوات الله عليه وآله فأجاز الله ذلك له من دون المؤمنين وجعلها خالصة له وخاصة من دون المسلمين، ومعنى قوله ترجي فهو تترك وتقصي من شئت منهن وتؤى إليك من شئت يقول تدعو وتخلوا بمن أحببت منهن وذلك أن الله أمره أن ينحيهن كلهن عنه إلى دار معتزلة عنه ويكون هو في دار على حدة فإذا أراد منهن وأجدة أرسل لها فدعاها وإذا لم يرد واحدة أرجاها وكان ذلك أحب إليهن وأقر لأعينهن من أن يغشى واحدة إلى منزلها أكثر مما يغشى منازلهن فعرفه الله سبحانه ما فيه الرشاد له ولهن. وسألته: عن قول الله سبحانه: وقل للمؤنات يغضضن من أبصارهن إلى قوله لعلكم تفلحون، فقال: الغض للبصر هو ألا ترفع بصرها إلى من لا يجوز لها النظر إليه وحفظ الفرج هو حفظها عما حرم الله عليها وإظهارهن الزينة فهو مالا بد منه من الكحل والخاتم فهذا ما لا يقدرن بأن يسترنه والضرب بالخمر على الجيوب وهو إرخا الخمر على الوجوه حتى يبلغ الصدور ويستتر الوجوه كلها والخمر فهي المقانع. (1/164) وأما قوله: أو نسائهن فيقول أهل ملتهن من النساء المسلمات دون الذميات والمشركات وهذه الآية تحرم على المسلمة إظهار زينتها والتبدل للذمية، وأما ما ملكت أيمانهن فهن الذميات المملوكات فيقول لا جناح عليها أن تبديها للذمية إذا كانت مملوكتها دون الحرة منهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال فقد قيل أنهم العنانة الذين لا يأتون النساء ولا يقدرون عليهن ولا يرغبون فيهن ولا لهم أرب في مجامعتهن أو الطفل فهو الصغير من الغلمان ابن الخمس والست والسبع الذين لم يظهروا على عورات النساء فهم الذين لم يعلموا ما يكون بين الرجال والنساء ولم يفهموا ذلك ولم يقفوا عليه بعد. والضرب بالأرجل الذي نهين عنه فقال:كان النساء المتبرجات في الجاهلية يفعلنه حتى يتحسحس الحلى وتصلصل الخلاخيل في أرجلهن فيسمعوا الرجال فيعلمون أن في أرجلهن حلي فأمر الله المؤمنات ألا يفعلن من ذلك ما كان تفعله المتزهلقات للرجال المتبرجات لذلك من الحال. (1/165) وسألته: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم،إلى قوله: والله عليم حكيم، فقال هذا أخبار من الله للمسلمين وتأديب فأمر بان يستأذن في هذه الأوقات على الرجال وأزواجهم إذا خلوا فيهن في منازلهم من سمّاه مما ملكت الأيمان والذين لم يبلغوا الحلم وما ملكت الأيمان فهن الإماء والذين لم يبلغوا الحلم فهو الذي لم يبلغ ممن كان يدخل المنازل من الصبيان من الأولاد وغيرهم في هذه الثلاثة الأوقات وذلك أن المسلمين كانوا يختارون المجامعة والمداناة لنسائهم في هذه الثالثة الأوقات ليكون غسلهم مع وقت الطهور للصلاة ولأوقات الصلاة وكره الله سبحانه عليهم الدخول على الرجل ومرأته في هذه الثالثة الأوقات بلا إذن لما لايؤمن من الهجوم ومن الدخول على الزوجين في مداناة وغشيان واطلق للاماء والصبيان الدخول بغير إذن في غير هذه الأوقات التي كانوا يختارون المجامعة فيها والمدانة للنساء. وسألت عن قول الله سبحانه: ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، فقال:الخبء فهو السر والغيب الذي لا يستخرج علمه إلا الله ولا يطلع على مكنون سره غيره. (1/166) وسألته: عن قوله سبحانه: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق إلى قوله: وهم ينظرون، فقال هذا إخبار من الله تبارك وتعالى بما كان من خيرته لنبيه صلى الله عليه وآله في خروجه إلى أحد وتنذره عن المدينة حتى كان الحرب بأحد ولم يكن على أبواب المدينة فكان ذلك خيرة من الله لنبيه فأما قوله: وإن فريقا من المؤمنين لكارهون، فقد كان رسول الله صلى لله عليه وآله شاورهم أين يكون قتالهم أترون أن نثبت حتى يأتونا المدينة فنقاتلهم على دروبها أو نخرج فنقاتلهم ناحية منها فأشاروا عليه بالقتال في المدينة فأطاعهم ثم بدا لهم فأشاروا بالخروج فأطاعهم فدخل منزله ولبس لامته ثم ركب وخرج فلما أن خرج قالوا يا رسول الله ارجع بنا إلى الرأي الأول إلى القتال على أبواب المدينة نثبت لهم حتى يأتونا إلى هاهنا. فقال صلى الله عليه واله: ما كان لنبي إذا لبس لامته يعنى درعه أن يفسخها حتى يقاتل ومضا صلى الله عليه وآله نحو أحد فكرهوا ذلك وجادلوه فيه وثقل عليهم الخروج إلى قريش ورجع من الطريق عبد الله ابن أبي الأنصاري في ثلاثمائه ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله في باقي الناس وبهم من الهيبة والفرق ما قال عز وجل: كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، من لقاء القوم وحاربهم وكان من الأمر ما كان. وسألته: عن قول الله سبحانه: وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون، فقال: الذي يعدهم هو الإنتقام منهم فقال سبحانه: إن أريناك ذلك فبفضل منا و إن لم نرك إياه في الدنيا فستراه وتعلمه في الآخرة عند رجوعهم إلينا ونزول العذاب بهم في يوم الدين. (1/167) وسألته: عن قول الله سبحانه: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين، قال هذا خبر عن يوسف صلى الله عليه وصاحبيه المسجونين معه حين رأيا الرؤيا وقصاها عليه فعبرها لهما فكانت كما قال صلى الله عليه وكان منه تقدمة إلى الذي علم أنه ينجو منهما من القتل أمره أن يذكره عند ملكهم بحسن تعبير الرؤيا والفهم بما أتي من الأمور ويذر فما أن كان من رؤيا الملك ما كان وسأل قولمه وأهل مملكته أن يفسروها له فلم يجد ذلك عندهم ذكر الناجي من الحبيسين يوسف وبصره بالتعبير فأخبر به الملك فأحضره وسأله عن تعبير رؤياه فعبرها فتمكن عنده بذلك وعظم قدره، فأما قوله فأنساه الشيطان ذكر ربه فهو أنساه الشيطان أن يذكر أمر يوسف لربه قبل رؤيا الملك وربه فهو سيده وكبيره، وقوله فلبث في السجن بضع سنين يعني يوسف والبضع فهو ما بين الست إلى السبع سنين. وسألته: عن قول الله سبحانه: ولقد خلقنا الإنسان من صاصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم، فقال:الصلصال هو الطين اليابس الذي يتصلصل ويتقعقع إذا أصاب بعضه بعضا والحمأ المسنون فهو الطير المتغير اللون الريح يقول سبحانه: خلقنا الإنسان من طين، هذه خلقته وأما الجان فهم الجن فذكر سبحانه أنه خلقهم من نار السموم ونار السموم فهي مارج النار ومارجها فهو اللهب المنقطع في الهواء الذي ينفصل ويخرج من لسان النار عند تأججها ومعنى قوله السموم فهو الاهيل المسموم والمسموم فهو الذي فيه التلف لمن قاربه وداناه لما فيه من الحر والإحراق ومن ذلك اشتق للريح التي تضرب بمثل النار اسم السموم فسميت سموما إشتق لها الإسم من نار السموم لما فيها من الإذا والحرارة والقذا حتى ربما قتلت من نصيبه هذه الريح ريح السموم فأهلكته. (1/168) وسألته: عن قول الله سبحانه: ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس إلي قوله بما لديه خبرا، فقال يقول لم نجعل لهم ما جعلنا لغيرهم من الأكنان والبيوت واللباس وهولاء قوم في مطلع الشمس في طرف الأرض، ومعنى قوله: أحطنا بما لديه خبر ا، فهو إبقاؤه من وراء هؤلاء القوم فيما لم يصله من الأرض. وسألته: عن قول الله سبحانه: وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا يقول نعمة ورياشا والأثاث ما ينتفع به من الفرش والألة وما يحتاجون إليه الخلق في منازلهم وديارهم، ومعنى رءيا فهو نعمة ومنظر يقول أحسن منظرا وأهيا خلقا منهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا إلى قوله ولن تجد لسنة الله تحويلا، فقال معنى هل ينظرون إلا سنة الأولين يقول هل ينظر صاحب المكر السيئ والمعصية لله العلي إلا أن يأتيه ما أتى الأولين الذين كانوا فيما كانوا فيه الأولون من المعاصي من إحلال النقم بهم وإزالة النعم عنهم فهذا سنة الأولين وهذه سنة الله التي لا يوجد لها تحويل ولا تبديل يريد حكم الله الذي حكم به في الأولين وسننه في أهل المعاصى منهم من إنزاله النقم عليهم فهذا شئ لايحول من أهل المعاصي والذنوب فكان ذلك من الله في الزمان الأول على صنوف فيمن عصاه وهو اليوم في أمة محمد صلى الله عليه وآله على صنوف وآخر تنزل بمن عصى منهم وتحل من اجترى على ربه فكان العذاب في الأولين يكون بالمسخ والقذف والخسف والرجز وهو في أمة محمد عليه السلام بالجوع والهلكة والخوف والسيف والقتل والموت ثم يضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير. (1/169) وسألته: عن قول الله سبحانه: وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه وما أنتم له بخازنين، فقال: معنى قوله:أرسلنا الرياح فرفعت السحاب وأقلته، ومعنى لواقح فهي القوية ذات السلطان الشديد المنفذة ما تريد، والعرب تسمى كلما نفذ لقاحا تقول لقد ألقح فلا بما يريد أي أنفذه وأمضاه فلما أن كانت السحاب منفذة لما أمرت به سميت لواقح ومعنى قوله بخازنين أي يريد لستم له بحافظين ولا ممسكين في الأرض ولولا لزوم الله له وإثباته إياه في الأرض وخزنه إياه لكم في طينها إذا لأصبح غورا ولما وجد إذا في الأرض منه شيء. وسألته: عن قول الله سبحانه: ومن الناس من يشتري لهوا الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هوزواً أولئك لهم عذاب مهين فقال هذا من إخبار الله تبارك وتعالى عمن يشتري لهو الحديث ولهو الحديث فهو الغناء والملاهي كلها من شطرنج أو نرد أو وتر يضرب به أو شيء من الملاهي التي حرمها الله على عباده، ومعنا يشتري فهو يختار ويؤثر ويجتبي هذا اللهو على غيره من الخير ليضل على سبيل الله، معناه يشتغل ويشغل بذلك نفسه وعباد الله عما سوا اللهو من سبل الله وسبيلة فهي طاعته وإتباع مرضاته، فأخبر الله سبحانه أن من الناس من يؤثر الشر على الخير يطلب بذلك التلهي والطرب في أرض الله بما يصده وغيره عن سبيل الله. وسألته: عن قول الله سبحانه: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور، فقال: هذه وصية من لقمان رحمة الله عليه لابنه بأمره ألا يصعر خده للناس ومعنا تصعر خدك فهو تعرض بوجهك عن الناس وتصفح لهم خدك وتعصره لهم استخفافا بهم وإعراضا عنهم عند إقبالهم عليك ومسائلتهم لك فأمره أن يقبل بوجهه إليهم ويبسط وجهه لهم ولا يعرض له عنهم. (1/170) وهذا فعال يفعله جبابرة الأرض بالناس ومتكبروها إذا أقبل الناس إليهم وعليهم أعرضوا بوجوههم عنهم وأعطوهم خدودهم فكلموهم وخدودهم مصعرة عنهم ومعنا مصعرة فهي ملوية منحرفة ومعنا ولا تمش في الأرض مرحا فهو لا تمش في الأرض أشرا وبطرا ساهيا لاهيا وامش فيها منذلاً للله متصغرا متفكرا ناظرا في أثر صنع الله فيها متدبر ا، ولا تكن عند مشيك فيها عن ذلك معرضا ولا له تاركا. وسألته: عن قول الله سبحانه: ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهره وباطنة إلى قوله: ولا كتاب منير، فقال: معنا سخر لكم فهو جعل وقدر لكم ما في السماء من المنافع من الأمطار والشمس والقمر والنجوم في دورانها مرة وغروبها مرة وطلوعها أخرى، وما في الأرض مما سخره وقدره وجعله من معايشها ومنافعها وما جعل الله سبحانه من الخيرات لبني آدم، فهذا معنا سخر لكم. ومعنى أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، فهو أكثر لكم من نعمه وعطائه ومننه ظاهرة، والظاهرة في ذلك ما ظهر وعلم وأبصر بالعين وفهم، والباطنة: فهو ما لا يرى بالعين ولا يعرف وسببه مما يوليه الله عباده لا يوقف عليه بحاسة ولا يعلم إلا بالمعرفة بالله والإيقان من دفع نوازل الشرور عن العباد في آناء الليل والنهار، وما يصرف عنهم من البلوى ويقيهم من آفات الدنيا وهم لا يعقلون ذلك ولا يفهمونه ولا ينال كذا رؤيته بحاسة من حواسه فيفهمونه، والله يفعله لهم من حيث لا يعلمون، ويتولى وهم الصنع فيه وهمن غافلون. (1/171) ثم أخبر سبحانه بخبر من يجادل في الله بغير علم فهي مجادلة الجهال للعلماء في أمر الله ومعارضتهم لهم فيما لا يعقلونه يخطئون أكثر مما يصيبون ويأثمون ولا يؤجرون إذ كانوا في أمر الله يحكمون وينطقون بما لا يعرفونه ولا يعقلونه وهم يخبطون فيه بجهالتهم ويتكلمون فيه بمجادلتهم، يثبتون ما نفى الله وينفون ما يثبت الله ويحكمون بغير حكم الله ويجهلون العلماء بالله ويزعمون أن الصواب في خطأ قولهم، وأن الخطأ ما جاء به العلماء فذمهم على ذلك تبارك وتعالى وأخبر بجهلهم وسوء نظرهم لأنفسهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، فقال: معنا يدبر الأمر من السماء إلى الأرض فهو ينفذ ما يريد من الأمور من السماء إلى الأرض مع جبريل صلى الله عليه إلى أنبيائه عليهم السلام في أرضه ثم يعرج جبريل إليه من بعد إنفاذ ما أمر به إليه في مقدار يوم فينقطع في مقدار ذلك اليوم ما لو كان مبسوطا في الأرض لم يقطعه العالمون في مسيرة ألف سنة. ومعنا قوله: يعرج إليه فهو يصير إلى الموضع الذي بعث منه وهو محل جبريل وموضعه الذي يعرج إليه جبريل راجعا فتبارك الله الذي ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء ولا يؤته مكان دون ولا تجري عليه نوائب الأزمان البعيد في دنوه والداني في علوه لا تخلوا منه المواضع والأمكنة ولا ينقصه طول الدهر والأزمنة وهو بالمرصاد للعبيد وهو أقرب إلى كل عبد من حبل الوريد. وسألته: عن قول الله سبحانه: ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه عما يكون من المجرمين في يوم الدين من تنكيس رؤسهم يوم النشر، ووقت الشر عند الحساب وتنكيس الرؤس فهو فعال يفعله النادم المتحسر الموقن بالعقاب المؤنس من الثواب المستسلم المبلس. (1/172) ومعنا: عند ربهم فهو عند المصير إلى آخرتهم، والوقوف بين يدي خالقهم، ومعنا أبصرنا وسمعنا أي أبصرنا ما كنا نكذب به بالمعاينة وسمعنا بكل ما كنا نخبر به فجاء كل ما كنا نسمع من قولك، وقول أنبيائك على ما كنا نسمع سوا سوا، قولهم: فارجعنا يريدون أي ردنا إلى الدنيا حتى نعمل غير الذي كنا نعمل إذ كان عملنا في الدنيا أولا بور ا، وهو اليوم إذ قد عاينا فقد أصبح عندنا معلوما مخبور ا، إنا موقنون يقول: إنا اليوم بكل ما كنا نكذب به من قبل مؤمنون إذ قد رأيناه عيانا وواقعناه إيقانا. وسألته: عن قول الله سبحانه: أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم، إلى قوله: غفورا رحيما، فقال هذه الآية نزلت في من كان يربي صبيا ويتبناه كانوا يدعوهم بهم إلى من يتبناهم ويذرون آبائهم، فيقولو: فلان بن فلان فيدعوه إلى من رباه وتبناه فنهاهم الله عن ذلك، ثم قال: لم تعلموا آبائهم فادعوهم إخوانا ومواليا ولا تدعوهم أبناء، ومعنا هو أقسط عند الله: يريد هو أعدل عند الله. ثم أعلم سبحانه أنه لا إثم عليهم فيما أخطؤا به من ذلك، ومعنا أخطأتم فهو جهلتم الحكم من الله فيه فالآن بعد أن نهيتم فمن فعله فقد تعمده ومن تعمده باء بإثمه، إذ قد نهاه ربه عن فعله. وسألته: عن قول الله سبحانه: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم إلى قوله: كان ذلك في الكتاب مسطور ا، فقال: هذا تأكيد من الله سبحانه لحق رسوله صلى الله عليه وعلى آله وتعظيم منه لقدره فجعل الله نبيه صلى الله عليه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأحق ببعضهم من بعض، وكذلك قوله: وأزواجه أمهاتهم فعلى هذا المعنى يخرج، وفي هذه الآية من تأكيد تحريمهن على غير النبي غاية ما يكون من التحريم فأربها تحريمهن على كل مسلم بالحكم إذ كان المسلم في الحكم كذا من أبنائهن. (1/173) ثم رجع الخبر إلى أولى الأرحام المسلمين فجعلهم أولى بعقد نكاح حرماتهم ووراثة أموالهم من غيرهم من أحلافهم، وذلك أنه كان يحالف بعض المؤمنين بعضا فإذا حالفه على المناصرة والمعاشرة انتسب بعضهم في بعض وتوارثوا فيما بينهم كما يتوارث المتناسبون فأنزل الله هذه الآية يخبر أن أولي الأرحام أولى بالموارثة والمناسبة ممن يحالف من المؤمنين والمهاجرين، ثم قال: إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا، والأولياء هاهنا فهم المحالفون يقول: لا بأس من أن توصوا لهم بعض الوصية فأما أن تتموا لهم بما شرطتم عند محالفتهم لكم من شروط الجاهلية في الموارثة والمناسبة فلا أولوا الأرحام أولى بذلك، وأحق وحكم الله أنفذ من حكمهم في ذلك وأصدق. ومعنا: كان ذلك في الكتاب مسطورا يقول: كان في حكم الكتاب من الله مثبتا واجبا. وسألته: عن قول الله سبحانه: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا، فقال: هذا تأديب من الله سبحانه لنساء نبيه كرامة لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وحياطة من الله له في حرمه وأمرهن أن لا يخضعن بالقول والخضوع فهو الكلام اللين الذي يقع فيه المزاح والمعاتبة بين النساء والرجال فأمرهن ألا يفعلن ذلك كما يفعله غيرهن فيطمع الذي في قلبه مرض يقول: يطمع فيكن بما يطمع به في غيركن من المنكر. والمرض: فهو الفسق والقول المعروف الذي أمرن به فهو القول الحسن لمن خاطبهن أو كلمهن الذي ليس فيه خضوع يطمع به الفاسق ولا سبب يطمعن به المنافق. (1/174) وسألته: عن قول الله سبحانه: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، الى قوله: بكل شئ عليما، فقال: كان النبي صلى الله عليه قد ربا زيد بن حارثة وغذاه وتبناه كما كانوا يفعلون أولا فكانوا يسمونه قبل الإسلام زيد بن محمد، وفي طرف من الإسلام حتى كان من أمر زينب بنت جحش مرءة زيد ما كان من تزويج الله نبيه إياها، فقالت قريش: تزوج محمد مرة إبنه فأنزل الله سبحانه في ذلك ما تسمع ينفي أن يكون ربا إبنا ممن لم يلد ولم يرضع يثبت نسبه أو تحرم على المربى له زوجته وأمرهم بما أمرهم في الآية الأولى من أن يدعوهم لآبائهم فحرم عليهم أن يدعوهم إلى من يربيهم ويتبناهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها، فقال: هذا نهي من الله سبحانه عن أذية الأنبياء والاجتراء عليهم في سبب من الأسباب أو معنا، وقد قيل: إن الذين آذوا موسى صلى الله عليه هم الذين قالوا: ساحران نظاهرا فنسبوا إليه وإلى أخيه السحر فبرأه الله من ذلك بما أفلج من حجته وأظهر من حقه عند تلقف عصاه إفك السحرة وإبطال الله لسحرهم وتبيينه لفضيحتهم. وقد قيل: إنه السامري ومن تبعه على دينه من خاصته حين عمل العجل، وقال لبني إسرائيل: هذا الهكم وإله موسى فبرأه الله من ذلك عند من اختدع بما أظهر موسى في العجل من التحريق والنسف له في اليم، فكلا المعنيين حسن إذ كان كلا الفريقين له مؤذيا والآخر أحسنهما عندي في المعنا إذ كان أهله من قبل كفرهم بموسى مؤمنين ولرب العالمين عابدين، ثم ذكروا في موسى ما ذكروا من بعد معرفتهم بالحق وبعدهم من الكفر والفسق فنها الله المؤمنين أن يفعلوا كفعل أولئك الإسرائيليين في الأذاء لمحمد صلى الله عليه في أي وجوه الأذا كان، ثم أخبر ذو الجلال والإكرام أن موسى عليه السلام كان عند الله وجيها، ومعنا وجيه فهو كريم معظم مقدم. (1/175) وسألته: عن قول الله سبحانه: إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا فقال هذا مثل مثله الله تبارك وتعالى يريد سبحانه أنا لو جعلنا في السموات والارض تمييزا وفهما يفهمن به قدر الأمانة ثم عرضت عليهن الأمانة لابينها وأشفقن منها ومعنا عرض الأمانة عليهن فهو التكليف لحمل بوثقها يقول لو كلفنا هن حمل وثايق الأمانة لأشفقن من نقضها وأشفقن من خيانة ما فيها ولم يفعلن بعد المعرفة والتمييز لها ما يفعله الإنسان من الإقدام على نقضها والغدر بموكدات مواثيقها وحمل إثمهما وجليل سخط الله في نقضها وحمل الإنسان لها فهو حمل إثم الغدر بها والارتكاب لسخط الله فيها إنه كان ظلوما جهولا. يقول إن الإنسان ظلوم لنفسه جهول في الإقدام على معاصي الله بما عليه في ذلك عند الله. وسالته: عن قول الله سبحانه: والذين سعوا في آياتنا معاجزين اولئك لهم عذاب من رجز أليم فقال معنا سعوا في اياتنا هو طغوا عليها وكذبوا بها فهذا سعيهم فيها ومعنا معاجزين فهو مضادين محادين ولما أمروا به من الطاعة مخالفين. والرِّجز فهو نقم الله واخزاؤه وما يحل بأعدائه فيقول لهم عذاب من انتقام الله أليم والأليم فهو الشديد العظيم. (1/176) وسالته: عن قول الله سبحانه: ولقد أتينا داود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد فقال: معه فضلا منا فهو نبؤتنا التي آتيناه إياها ووحينا وما جعلنا في الجبال والطير من التأويب في الجبال ومقاربة الطير له وما ألنا له من الحديد وما علمناه من عمل السابغات وهديناه له من التقدير في السرد حتى عمل جننا تقيه البأس تفل عنه حد بغاة الناس ومعنا أوبي فهو ما جعل الله في الجبال من ذلك وركبها عليه من التركيب كانت كذلك وهو الصوت الذي يجيب المصوت من الجبال والإصداح إذا كان الرجل بين جبلين نادى بشي أو تكلم به أوبت الجبال بالرد عليه بمثله ويقال إن هذا الذي في الجبال من التأويب وهو الذي تسميه العرب أيضا الصدا شي لم يكن قبل داود عليه السلام وأن الله جعله في ذلك الوقت ففي الجبال وقدره لكرامة داود ثم ابقاه الى اليوم فيها ليكون ذلك ذكرا لما اكرم الله به داود والله اعلم بذلك واحكم. ومعنا قوله والطير فهو رد على الأمر ومعنا أمره الطير فهو إلهامه اياها مما اراد من مقاربة داود إحنو اشها عليها وكينونتها قربة كل طير يصوت بصوته الذي جعله الله له مع صوت داود صلي الله عليه فكان داود يبكي ويدعو الله ويناجيه. ويناديه والجبال فتأوب وترد بمثل صوبه وكلامه عليه والطير تصوت من حواليه حتى بلغ صلى الله عليه ارادته من رضى ربه واخلاص التوبه الى خالقه ورجوع كرامة الله إليه وحلولها من الله تعالى لديه، وألنا له الحديد فمعنى إلانة الحديد له فهي خاصة كان الله خصه بها فكان الحديد كما لين الشمع بلانار ولم يكن الحديد يلين لأحدقبله إلا بالنار فَلاَن له هو بلا نار فهذا معنى ألنا له الحديد ثم هداه لعمل السابغات والسابغات فهي الدروع الطوال السابريات، وقدر في السرد معناه قدر في تأليف الخِلَق بعضه إلى بعض وتسويته وتقدير ثقبه وسمره فكان صلى الله عليه أول من عمل الدروع وهدي إلى عملها ووفق لتقديرها. (1/177) وسألته: عن قول الله سبحانه: ولسليمان الريح غدوها شهر إلى قوله: وقليل من عبادي الشكور، فقال هذا ذكر من الله سبحانه لما أعطا سليمان صلى الله عليه من تسخير الريح له وإيتمارها بأمره ولسيرها به وبمن أراد شهراً في غدوته وشهراً في روحته فكانت تسير كذلك به تحمله ومن أحب من عسكره وأسلنا له عين القطر أذبناله عين القطر والقطر فهو النحاس فأذابه الله اخرجه ومكنه منه وسهله حتى كان يعمل منه كما يريد تماثييل وجفان وغير ذلك من ألات الصفر. ثم اخبر بما سخر له من طاعة الجن وأمرهم به من اتباع امر سليمان فكانوا يعملون له كما ذكر الله مما كان يامرهم به. ثم أخبر أن من عصى الله بمعصية سليمان منهم فزاغ أذا قه الله العذاب الذي أوجبه على العصاة منهم. يعملون له ما يشاء من محاريب والمحاريب فهن محاريب المساجد وبناؤها. وتماثيل والتماثيل فهي التماثيل التي كانت الشياطين تعملها لسليمان عليه السلام تمثل له كلما ارادهن الصفر والزجاج والحجارة وغير ذلك ومثل ما مثلت من صرح صاحبة سبا وأشيا كثيرة معروفه وهي اليوم ظاهرة موجودة في الدنيا بالشامات وبمصر وفي بيت المقدس. والجفان فهي هذه الجفان المعروفة التي يكون فيها الما والطعام فكانت تنحتها له من الصخور وتعملها من الصفر على ما ذكر الله من العظم والكبر كالجواب. والجواب فهي الحفر الكبار بسمي العرب الحفرة الكبيرة جوبه من الارض وفي الارض. والجواب فهي جمع الجوبه الواحده. وقدور راسيات فالقدور هن البرام التي يطبخ فيها فكانت تعملها من الصفر على غاية ما يكون من العظم حتى كانت راسيات والراسيات فهي التي لا يحركها لكبرها إلا الخلق الكثير فهي لثقلها راسية على أرضها ثابتة في مكانها. (1/178) قائمة بأتا في منها مفرغة فيها توقد النار من تحتها ومن حولها إذا أريد أن يطبخ شيئ فيها ملثا تها مكانها سميت راسيات اذ كانت لثقلها في المكان متر وكات. إعملوا آل داود شكرا يقول إعملو لله شكرا على ما اعطاكم وخصكم به دون غيركم واولاكم. وقليل من عبادي الشكور. يقول قليل من عبادي من إذا أنعمت عليه بنعمة من نعمي كان شاكرا فيها لي أو قائما بما يجبُ فيها من حقي فلا يكونوا في ذلك كمن ذمها بقلة الشكر من اوليك... وسالته: عن قول الله سبحانه فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تاكل منساته. فقال: معنا قضينا هو اوقعنا عليه الموت إلا دابة الأرض فهي الأرضة التي تأكل العيدان حتى تكسرها، فأخبر أنه لما أن قضا عليه الموت لم تدل الشياطين ولا الآدميين على أنه ميت عليه السلام إلا هذه الدابة التي أكلت منسأته حتى انقطعت فسقطت، فلما سقطت خرت جثته ساقطة لأنها كانت إلى المنسأة مستندة وعليها متكية فلما انقطعت المنسأة سقطت الجثة فتبينت الجن عند ذلك أنهم لو كانوا يعلمون شيئا من الغيب لعلموا بموته فلم يلبثوا في العذاب من العمل والكد مذ مات إلى أن خر حين قطعت الدابة منسأته والمنسأة فهي العصا التي كان متكيا عليها، قائما إليها مستندا من الجدار إليها قد وضعها في صدره وشد عليها بكفه وهو قائم في محرابه ثابت في مقامه فأتاه الموت، وهو على تلك الحال فلم يزل حتى كان ما ذكر من الخبر عنه ذو العزة والجلال. وسألته: عن قول الله سبحانه: قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فقال: معنا يبسط الرزق لمن يشاء هو يوسع على من يشاء في رزقه ويقدر فهو يقدر لمن يشاء أرزاقه وقوته لا يبسط له من السعة في الرزق والرزق فهو المال ما يبسط لغيره تدبيرا منه سبحانه وتقديرا ولطفا منه للكل وتدبير ا، وكل قد فعل به من ذلك ما هو خير له وأصلح في المعاني كلها عاجلها وآجلها. (1/179) وسألته: عن قول الله سبحانه: قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون، فقال: هذا إخبار من الله سحبانه عن من أطاع الشياطين في الدنيا واتبعهم وجرى في إرادتهم وإفك وساوسهم فأخبر أنهم يقفون من ذلك في الآخرة ويزعم أنه كان يتولى الله دونهم فأكذب الله قولهم وأخبر أنهم كانوا يعبدون الجن من دون الله وعبادتهم للجن فهي طاعتهم لهم وطاعتهم لهم فهو اتباعهم لوساوسهم، وقبولهم لما كانت الشياطين توسوس به لهم لأن من أطاع شيا فقد عبده لأن أفضل العبادة الطاعة لله كانت عبادة العابد له أو لغيره سبحانه من الإنس والشياطين، ومعنى أكثرهم بهم مؤمنون فهو مصدقون لأن الإيمان هو التصديق من صدق شيئا فقد آمن به ومن أنكر فقد كفر به. وسألته: عن قول الله سبحانه: وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير، فقال: هذا إخبار من الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله بما كان ممن كان قبل قريش ممن بعث إليه الرسل فكذب كما كذبت قريش فنزل بهم من نقم الله ما نزل بهم، فأخبر بذلك سبحانه عنهم تخويفا وإعذارا وإنذارا إلى قريش ليحذروا ما نزل بغيرهم قبل أن ينزل بهم. فأما قوله: وما بلغوا معشار ما آتيناهم فإنما يريد بذلك بأن قريشا لم تنل في المقدرة والجدة وسعة الأموال والطاعة معشار ما أوتي الذي أخذوا بتكذيب رسلهم، معنا فكيف كان نكير بقول كيف كان تغييري عليهم وأخذي لهم على فعلهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد، فقال: معنى جاء الحق فهو وقع الحق وحق الوعد وما يبدئ الباطل وما يعيد، يقول: ما يبدئ الباطل أمرا ينفع أهله في شيء من أمرهم وما يعيد، يقول: ولا يعود نفعه عليهم ولا ضره على عدوهم. (1/180) وسألته: عن قول الله سبحانه: ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، فقال: هذا إخبار من الله سحبانه بأن الأمر كله والحكم له وبيده أن كل من يدعا من دونه لا يملك قطمير ا، والقطمير: فهو الأمر الصغير الحقير الذي لا يكون له وزن وهو مثل النقير والفتيل، وقد قيل: إنه أيسر منهما وأخف فأخبر سبحانه أنهم لا يملكون من الأمر شيئا ولا نصرا لأوليائهم ولا عونا ولا تفريجا عنهم ولا عونا نفاس بهذا القطمير فضلا عن غيره، فهذا معنى ما ذكر الله من القطمير ومثله. وسألته: عن قول الله سبحانه: وما يستوي الأعما والبصير ولا الظلمات ولا النور إلى قوله: وما أنت بمسمع من في القبور، فقال: هذا أمثال ضربها الله عزوجل للحق والباطل والدين والكفر فجعل الباطل والمبطل كالأعما والظلمات والحرور والأموات وجعل الحق والمحقين كالبصير والنور والظلمة والإحياء ليعتبر بذلك المعتبرون ويميز بين ذلك المميزون. وأما قوله: إن الله يسمع من يشاء فهو إثبات لقدرته تبارك وتعالى على ما يشاء، وأما قوله: وما أنت بمسبمع من في القبور، فإنما هذا مثل مثل الله به الكافرين أنهم في الإعراض وقلة الاستماع والقبول كأهل القبور. وسألته: عن قول الله سبحانه: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا إلى آخر الآية، فقال: هم آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله المؤمنين منهم فهم صفوة الله وخيرته باختياره سبحانه لأبيهم محمد صلى الله عليه وعلى آله فأورثوا الكتاب وجعل فيهم من بعد الإسرائلييين تفضيلا من الله عليهم وإكراماً بذلك لهم ثم ميزهم وأخبر الخلق بأخبارهم ووصفهم لهم بصفاتهم لكي لا يبقى للخلق عليه حجة فيهم، ولأن لا يحمل أحد سواية مسيهم على محسنهم ولا يطعن طاعن على من مؤمنهم بفسق فاسقهم. (1/181) فقال: فمنهم ظالم لنفسه وهو فاسق آل محمد، ومنهم: مقتصد وهم أهل الدين والورع والعلم منهم أئمة الحلال والحرام وأهل الورع والإسلام، ومنهم سابق بالخيرات فهم أئمة آل محمد الطاهرون أهل السيف المجاهدون الذين نصبوا أنفسهم لله وباينوا بالحق في ذات الله وأخافوا أعدآء الله وخافوهم وجاهدوا في سبيل الله من عند عنهم وحكموا بكتاب الله وسنة نبيه وضربوا بالسيف من عند عن دينه فكملت فيهم صفات الأئمة فوجبت طاعتهم على الأمة حجة على العالمين ونعمة منه على المتبعين ونقمة في الدنيا والآخرة على المخالفين، ليهلك من هلك عن بينة وإن الله لسميع عليم بإذن الله يقول بحكم الله وأمره له بما قام فيه إليه من طاعته ذلك هو الفضل الكبير، يقول: الفضل لله الكبير العظيم في ما أورثناهم من الكتاب الكريم. وسألته: عن قول الله سبحانه: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان إلى قوله: فهم لا يبصرون فقال: هذا رد من الله سبحانه عليهم وإكذاب لهم في قولهم حين قالوا: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه، إلى آخر الآية فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه هذه الآية يريد أءنا جعلنا في أعناقهم أغلالا، وجعلنا من بين أيديهم سد ا، كما قالوا: وكما ذكروا أن على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا، هذا ما لم يفعله بهم ولم يجعله على قلوبهم. (1/182) وكذلك في قوله: إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا يريد أئنا جعلنا ذلك بهم كما قالوا هذا ما لم يكن منا فيهم ولم نحكم به عليهم، ثم قال: وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبد ا، يقول: إن كنا فعلنا هذا بهم فلن يستطيعوا أن يخرجوا منه إلى الهدى ولن يطيقوا دخولا إذاً في هذا فلم أرسلناك إليهم وأمرناك بدعائهم لو كنا فعلنا ذلك بهم هذا إذا منا عبث واستهزأ وأمر منا إياك لمغالبة لنا وأمر منا لك بالدعاء لهم إلى خلاف أرادتنا وتكليف منا لك ولهم خلاف ما يستطيعون وأمر منا لهم بما لا ينالون فتعالى عن ذلك علوا كبيرا وتقدس تقديسا عظيما. وسألته عن قول الله سبحانه: والشمس تجري لمستقر لها إلى قوله: كالعرجون القديم، فقال: معنى قوله لمستقر لها هو إلى مستقر لها، ومعنى مستقرها الذي تجري إليه فهو يوم القيامة الذي يكون فيه ذلك تقدير العزيز العليم، يقول: تدبيره في الشمس وفعله في قطعها لفلكها وجريها من تحت الأرض وفوقها. والقمر: قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم، يقول: دبرناه وقدرناه على ذلك وجلعناه حتى صار يكون مرة صغيرا ومرة كبيرا بتقديرنا وتدبيرنا وما جعلنا فيه من أثر حكمتنا حتى عاد يقول حتى صار من بعد الكبر إلى شبه العرجون القديم والعجرون: فهو العود الذي يكون فيه ثمر النخل يكون معوجا منحنيا كإنحناء الهلال في آخر شهره، فشبه إنحناء الهلال في ذلك الوقت كالعرجون المنحني القديم، والقديم: فهو العتيق فأخبر سبحانه بأثر تدبيره فيه حتى عاد كما ذكر. وسألته: عن قول الله سبحانه: واتخذوا من دون الله آلهة لعلم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه بخطأ المشركين في أنفسهم واتخاذهم من دونه ما لا ينصرهم ولا ينفعهم وجعلهم لهم آلهة يعبدونهم من دون إلههم، ثم أخبر أنهم لا ينصروهم ولا يستطيعون ذلك فيهم ولا في أنفسهم. (1/183) ثم قال: وهم لهم جند محضرون، يقول الآلهة التي يعبدونها من دون الله لا تنفعهم ولا تضرهم في شيء من أمورهم وهم مع ذلك للآلهة جند محضرون يقول مجتمعون على عبادتهم وعلى التذلل والخشوع لهم كتخشع الجند لمالكهم فشبه اجتماعهم على آلهتهم وعبادتها من دون ربها باجتماع الجند لمالكهم فسماهم بفعلهم وتذللهم وتخشعهم للآلهة جندا وهم لا يجدون عندهم مع ذلك مضرة ولا نفعا. وسألته: عن قول الله سبحانه: فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، فقال: معنى قوله فسبحان يقول هو جل وعظم وتقدس وكرم الذي بيده ملكوت كل شيء وملكوت كل شيء فهو الله بيده كل شيء وأزمتها، وقدرته جارية عليها بأسرها. وسألته: عن قول الله سبحانه: والصافات صفا ) فالزاجات زجرا ) فالتاليات ذكرا، فقال: الصافات فهي الملائكة وذلك قوله سبحانه: وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون، ومعنى صافات فهو قوف صفوفا لله عابدون، والزاجرات زجر ا، فالزاجرات فهي الملكية أيضا الزاجرات للخلق عن معاصي الله الخالق بما ينزل به من أمر الله ونهيه ومؤكدات فرصه، فالتاليات ذكرا فهن الملكية أيضا التي تتلوا وحي الله على أنبيائه وتنزل بزواجر آياته لأنبيائه. وسألته: عن قول الله سبحانه: فاستفتهم أهم أشد خلقاً أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب، فقال: معنى استفتهم فهو سلهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا يقول من الملائكة والجن وغير ذلك ممن خلقنا يريد إن الذي خلق من الملائكة والجن وغير ذلك ممن خلقناهم أشد خلقا وأعظم أمرا وأبين في المقدرة من خلق الإنس، ثم أخبر سبحانه بالذي خلق منه الإنس من هذا الطين اللازب فهو الطين العلك الشديد الملتصق. (1/184) وسألته: عن قول الله سبحانه: فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه عن تساؤل أهل النار وتلاومهم فقال: التابعون للمتبوعين بل كنتم تأتوننا عن اليمين، ومعنى تأتوننا عن اليمن فهو تأتوننا عن الأمر الميمون المابرك الذي فيه لو اتبعناه اليمين والنجاة كنتم تأتوننا دونه أي تغوننا في تركه فهذا معنى أتيانهم إياهم عنه أي دونه يصرفونهم منه وينأون بهم عنه، فقال: المتبعون للتابعين بل لم تكونوا مؤمنين أي لم تكونوا مهتدين ولا بالذي كذبنا به مصدقين. وسألته: عن قول الله سبحانه: يطاف عليهم بكأس من معين والمعين هاهنا فهي خمر الجنة المباركة الطيبة بيضاء لذة للشاربين يصف حسنها وصفاها ويخبر أنها بيضا يلتذها كل من شربها ويستطيب طعمها،لا فيها غول يقول: لا فيها أمر يغتال عقولهم ولا يزيل أفهامهم ولا يضعف أبدانهم بل هي تشد أعضاءهم وتحسن حالهم، ثم أخبر أنهم لا ينزفون عنها، والنزف: فهو ما ينزل بشراب الخمر في الدنيا من القي الذريع وغير ذلك مما يكون منهم من الفضائح الشنيعة والأمور القبيحة، فأخبر سبحانه أن خمر الآخرة برية من كل غول وبلا أو آفة أو ردا. (1/185) وسألته: عن قول الله سبحانه: قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول: أئنك لمن المصدقين، إلى قوله: في سواء الجحيم، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه عن مخبر يريد خبرا عما كان فيه أهل الدنيا من الكفر والتكذيب فأخبر عن هذا المخبر أن المؤمن سيقول: هذا القول يخبر به عن قرينه الذي كان يصده عن التصديق بوعد الله ووعيده وبعثه لخلقه من قبورهم بعد موتهم وزوالهم، فأخبر أنه كان يقول أئنك لتصدق بما يقول به محمد من أنك تبعث بعد موتك هذا ما لا يكون لن تبعث بعد الموت، ولن ندان ومعنى ندان فهو نجازا على أعمالنا ونحاسب فكان المؤمن مصدقا بما كذب به الكافر غير مطيع له في قوله: ثم ذكره في الآخرة، فأحب أن يدري أين صار فأطلعه الله على أمره وأراه موضع محله من النار، وسوء القرار والدار، وذلك قوله عزوجل: فاطلع فرآه في سوآء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين يقول: كدت أن تهلكني بما كنت تغويني به في الدنيا وتأمرني أن أكفر بربي، فلو لا رحمة الله لي لكنت من المحضرين في العذاب معك غير أن رحمة الله تخلصني مما أوقعت فيه نفسك إذ كنت بوعيد الله من المكذبين وكنت أنا بوعيده من المصدقين. وسألته: عن قول الله سبحانه: وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين، فقال: كان الياس صلى الله عليه نبي مرسل عاتب قومه وزجرهم عن عبادة هذا الصنم الذي يعبدون من دون الله الذي اسمه بعل فقال صلى الله عليه: أتدعون بعلا أي صنمكم هذا فمعنى تدعون هو تعبدون وتطيعون هذا المعبود من دون الله الذي لاينفع ولا يضر تدعونه إلاهاً لكم وتذرون أحسن الخالقين الذي هورب العالمين الله إله اتلأولين والآخرين ومعنى قوله أحسن الخالقين فهو أحسن الخالقين، فهو أحسن الفاعلين والصانعين. والعرب: تسمي كل من فعل شيئا خالقه تقول: خلق فلان ثوبا أي خيطه وخلق فلان جدارا أي بناه، وفي ذلك ما يقول الشاعر: (1/186) ولا نت تفري ما خلقت... وبعض الناس يخلق ثم لا يفري ... يريد: يعمل ثم لا يتم. وسألته: عن قول الله سبحانه: فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلى قوله: وإنا لنحن المسبحون، فقال: هذا من الملائكة صلوات الله عليهم تخبر الآدميين أنهم ما يعبدون مما هم عليه فاتنين لمن يفتنون فأخبرت أنهم لا يفتنون في دينهم أي لا يدخلون معهم فأخبرت عليها السلام أنه لا يطيعهم على شركهم ولا يدخل معهم في عبادة غير الله ربهم إلا من شريك في الضلال والعذاب معهم. ثم أخبر أنها صلوات الله عليها وجميع الخلق لهم كلهم مقام معلوم، أي موقف ومحشر مفهوم ويحشر فيه الخلق ملك أو جني أو إنسي، ثم أخبرت أنهم هم الصافون وهم المسبحون ومعنى الصافون فهم الوقوف صفوفا في عبادة الله يجتهدون وعلى طاعته بالتسبيح والتهليل والتكبير والتعظيم والتقديس يسبحون الليل والنهار لا يفترون. (1/187) وسألته: عن قول الله سبحانه: وهل أتاك نبأ الخصم إلى قوله: وخر راكعا وأناب، فقال: هذا خبر من الله سبحانه عما كان نبه ربه نبيه داود صلى الله عليه على أمنيته التي كان تمنى من نكاح إمرأة أوريا، وذلك أنه لما أن تبع الطير أشرف به على رأس جدار فأشرف داود لينظر أين توجه الطائر فوقعت عينه على إمرأة أرويا وهي حاسرة فرأى من جمالها ما رغبه فيها، فقال: لوددت أن هذه في نسائي ولم يكن منه غير هذا التمني، وكلما يروى عليه صلى الله عليه من سواء ذلك، فهو باطل كذب، فلما أن تمناها نبهه الله وعاتبه في السر وقد أعطاه أكثر من حاجته فبعث الله إليه ملكين فتمثلا في صورة آدميين فتسورا عليه من المحراب وهو يصلي فدخلا عليه ففزع منهما وظن أنها داهية قد دهمته وعدو قد هجم عليه في محرابه في وقت خلوته فقالا له: لا تخف خصمان بغا بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط، واهدنا إلى سواء الصراط يقول: يريد لا تشطط يقول: لا تمل حكمك مع أحدنا فتشطط على الآخر، ومعنى تشطط فهو تشدد على أحدنا في غير حق. سواء الصراط: فهو معتدله ومستقيمه ووسطه وقيمه، والصراط فهو طريق الحق هاهنا وأوضحه، وكان لداود صلى الله عليه تسع وتسعون منكحا من الحرائر والإماء، وكان لأوريا هذه المرأة وحدها، فمثلا أنفسهما لداود يا داود وبأوريا، فقال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فقال: أكفلنيها، ومعنى أكفلنيها فهو أتبعنيها وزدنيها إلى نعاجي وعزني في الخطاب يقول: شطي في الطلب وألحّ في تمنيها وطلبها، وذلك أنها لم تكن تسقط من نفس داود من يوم رآها يتذكرها ويتمناها. (1/188) فقال داود صلى الله عليه: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطا ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ) وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب، فلما قال هذا لهما: تغيبا من بين عينيه فإذا به لا يبصرهما ولا يراهما فعلم عند ذلك الأمر كيف هو وأنهما ملكان وأن الله بعثهما إليه لينهياه عن غفلته ويقطعا عنه بذلك ما في قلبه من كثرة تذكره مرة صاحبه فأيقن أنها فتنة من الله. والفتنة: ها هنا فهي المحنة ومعنا ظن داود فهو أيقن داود بذلك من الله فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب إليه من ذلك التمني والذكر لهذه المرأة فلم يذكرها بعد ذلك اليوم حتى زوجه الله إياها حين أراد تبارك وتعالى من بعد أن اختار لأوريا الشهادة، فاستشهد وصارت إليه من بعد ذلك زوج الله داود مرة أوريا وبلغه أمله وأعطاه في ذلك أمنيته فجاءه ذلك، وليس في قلبه لها ذكر ولا أرادة، ولا تمني ولم يكن لداود صلى الله عليه في أوريا ولا في قتله شيء مما يقول المبطلون من تقديمه في أول الحرب ولا ما يذكرون من طلبه وتحيله في تلفه بوجه من الوجوه، ولا معنا من المعاني كذب العادلون بالله، وضل القائلون بالباطل في رسول الله عليه السلام، فهذا تفسير الآية ومخرج معانيها. (1/189) وسألته: عن قول الله سبحانه: واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار، فقال: معنا قوله: واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب فهو أذكر فعلهم وصبرهم فينا ولنا فاقتد به ومعنى أولي الأيدي والأبصار، فهو أهل الأيدي والأيدي فهو الحسنات المقدمات التي أسدوها إلى أنفسهم من طاعة ربهم والعمل لمرضاة خالقهم، فكانت أفعالهم الحسنة من طاعة الله، والإخلاص له أياد قدموها لأنفسهم إلى الله وعلى ذلك يخرج معنى قول الله: بل يداه مبسوطتان يريد أفعاله الحسنة وأياديه إلى خلقه الجميلة. ومعنا الإبصار: فهو الاستبصار في أمر الله والمعرفة والعلم به وعلى ذلك يخرج معنا قول الله عزوجل في نفسه سميعا بصيرا يريد عليما خبير ا، إنا أخلصناهم بخالصة، يريد إنا اختصصناهم بخاصة وجعلناها لهم وفيهم ذكرى الدار، فهو بقاء ذكرهم في دار الدنيا بما ذكرهم به في كتابه فبقي ذكرهم باق في ذريتهم وغير ذريتهم إلى يوم القيامة، وذلك سؤال إبراهيم صلى الله عليه لربه حين قال: واجعل لي لسان صدق في الآخرين، يريد اجعل لي ذكر الخير في الآخرين يقول: من بعدي من أهل هذه الدار إلى يوم الدين فأجابه الله، وأخبر بما جعل له من الذكر الباقي في هذه الدار. ثم أخبر أنهم عنده في الدار الآخرة الباقية أعظم منهم ذكراً في الدار الفانية فقال إنهم عندنا لمن المصطفين يريد في آخرتنا ودار ثوابنا لمن المصطفين الأخيار، ثم قال: واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار يقول: اذكرهم بأنهم ممن جعلنا لهم الذكر في دار الدنيا، وفي الآخرة مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب. ألا ترى كيف قال: هذا ذكر يقول ذكرنا له في هذه السورة ذكر باق لهم كما سأل إبراهيم ربه إلى يوم الدين وأن للمتقين لحسن مآب، يقول: لحسن مأوا ومرجع عند حشرهم وإيابهم إلى ربهم. (1/190) وسألته: عن قول الله سبحانه: قل هو نبأ عظيم إلى قوله: أنا نذير مبين، فقال: يقول سبحانه: إنما أنبأهم به من هذه الأخبار، ومن أخبار الملائكة عليهم السلام نبأ عظيم، يقول: علم غيب عظيم أنتم عنه معرضون، يقول: أنتم عن تفهمه غافلون، ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون والملأ الأعلى فهم الملائكة، ومعنا يختصمون، فهو يتحاورون ويجيبون ويجابون وذلك حين قال الله لهم: إني جاعل في الأرض خليفة يريد عزوجل آدم عليه السلام، فقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فقال سبحانه: إني أعلم ما لا تعلمون يقول: إني أعلم من بركته وبركة ما يخرج منه من المطيعين ما لا تعرفونهم ولا تفهمونهم منهم من لولاه ما خلقته ولا خلقت الدنيا محمد صلى الله عليه السراج المنير البشير النذير. ألا ترى كيف قال: إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، ومعنا فقعوا له ساجدين فهو قعوا من أجل ما أظهرت فيه من عظيم صنعي ساجدين، فلما أن كان السجود من سبب آدم جاز أن يقول: قعوا له وإن الوقوع والسجود لله من دونه ولكن هذا على مجاز الكلام كما قال: واسأل القرية التي كنا فيها، والقرية لا تسأل وإنما يسأل أهلها فلما كانت القرية من سبب أهلها، قال: سل القرية. (1/191) وسألته: عن قول الله سبحانه: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها إلى قوله: ذوقوا ما كنتم تكسبون، قال: كذلك الله سبحانه نزل أحسن الحديث ومعنى أحسنه فهو أحكمه والحديث فهو الخبر من توراة أو إنجيل أو زبور أو فرقان، وأخبر أنه أحكم الكتب وأقومها وأفضلها لديه وعنده، وهو كتاب محمد صلى الله عليه، ومعنى قوله: متشابها، فهو متشابه التنزيل محكم التأويل، مثانى: فهو مكرر الإعذار والإنذار والأمر والنهي لإثبات الحج وتمام النعمة تقشعر منه جلود يريد تقف منه هيبة وإجلالا وتصديقا وتعزيزا عظيما جلود الذين آمنوا واتقوا ربهم وخشوا وعيده وطلبوا وعده، ثم تلين من بعد الفزع والهيبة ومعنى تلين فهو تطمئن قلوبهم وتخفض ثقة بوعد الله. ثم أخبر سبحانه: بما ترى من كان كذلك من الهدى جزاء على ما اختار من التقوى، ومعنى قوله: ومن يضلل الله فهو من يخذل الله فما له من مرشد ولا هاد مسدد، فمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة يقول: من عمل في الدنيا عملا يستوجب به العذاب يوم القيامة ويصلى بوجهه له ثم أضمر هنا شيئا وهو معنى مثل فهو من الهالكين، فهو من الخاسرين أو مثل ذلك، ومعنى: وقيل للظالمين فهو قول الملائكة لهم جهنم وغيرها ذوقوا عذاب النار الذي به تكذبون في الدنيا وتجحدون البعث ولا توقنون بالحساب والعقاب الآن فذوقوا شر العذاب. (1/192) وسألته: عن قول الله سبحانه: ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون فقال: هذا مثل ضربه الله تبارك وتعالى للذين يعبدون مع الله غيره ويشركون في أنفسهم من لم يخلقهم فمنهم من كان يزعم أنه يتقرب بذلك إلى الله ومنهم من كان يفعل جهلا لله فضرب الله هذا المثل لهم يعملهم فيه أن من أخلص العبادة لله ولم يجعل في نفسه شريكا لله خلاف من يجعل مع الله في نفسه شريكا، وأن المخلص لله المفرد لعبادته الذي لم يجعل له في نفسه شريكا يعبده معه، أفضل وأعظم ممن جعل نفسه لإثنين. ثم أخبر سبحانه أن مملوكا لرجل سلما له أفضل عنده من يشرك مملوكا بين إثنين، فهذا ما أراد الله سبحانه بهذا المثل تبارك وتعالى أراد بذلك تنبيههم على إفراد العبادة له وترك ما يعبدون من دونه ومعه. (1/193) وسألته: عن قول الله سبحانه: الله يتوفا الأنفس حين موتها إلى قوله: لقوم يتفكرون فقال: هذا إخبار من الله سبحانه بقدرته على قبض أرواح العالمين في كلتا الحالتين حالة الموت وحالة المنام، فأخبر سبحانه أنه يتوفا نفس الميت عند انقضا أجله وفنا عمره ويتوفا نفس النائم عند نومه، ومعنى توفيه لنفس النائم فهو بما ركب سبحانه وجعل وقدر من خروج روح الإنسان عند نومه حتى يبقى بدنه ميتا لا روح فيه، فأخبر عزوجل أن الروحين خارجان في هذين الوقتين وأنه يحبس روح البدن الذي قضى عليه الموت عن الرجوع إلى بدنه ويرسل روح النائم الذي لم يقض عليه الموت، فيرجع إلى أجل مسما يقول: إلى وقت معلوم كما كان للآخر فإذا جاء الوقت لم يرجع الروح بعد خروجه من البدن ثم أخبر أن في ذلك لآيات للمتفكرين، ودلائل على الله للمستبصرين وأي دلالة أو أية أدل على الله روحين يخرجان من بدنين فيمسك أحدهما، فيذهب روحه عن بدنه ويصير إلى موته ويرجع الروح الآخر إلى مكانه إلى يوم مفهوم، وقدر عند الله معلوم، وهذا ما لا يجهل دلائله من فعل الله إلا أعما جايرٌ عن الله أو مشرك جاحد لآيات الله. (1/194) وسألته: عن قول الله سبحانه: وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده إلى آخر السورة، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه عن قول المؤمنين في يوم الدين وعند مصيرهم إلى كرامة رب العالمين فأخبرهم أنهم يقولون عند ذلك الحمد لله الذي صدقنا وعده يقولون الذي أنجز لنا ما وعدنا من ثوابه وأكمل لنا ما وعدنا من كرامته، وأورثنا الأرض يريد الأرض الآخرة وأرض الجنة نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين يقول حيث نحب ونريد فنعم أجر العاملين يقولون الجنة أفضل جزاء للعاملين في الطاعة لرب العالمين، معنى حافين فهو محدقون بكل أهل الحشر في ذلك اليوم والعرش فهو الملك وحفوفهم بالملك فهو قيامهم فيه وبه في ذلك اليوم وقضى بينهم يقول بين الخلق بالحق الذي لا ظلم فيه والحق العدل الذي لا جور فيه والقائل الحمد لله رب العالمين فهم الملائكة المسجون والمؤمنون الناجون المخصوصون بالكرامة المثابون. وسألته عن قول الله سبحانه: إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إلى قوله: فهل إلي خروج من سبيل الله، فقال:معنى ذلك أن الله يخبر عن أهل الناروما يكون من مقتهم لأنفسهم ومعنى مقتهم فهو بغضهم لأنفسهم وبغضهم لها في ذلك اليوم فهو على ما تقدم منها من المعاصي في الدنيا حتى أهلكتهم بذلك في الآخرة فلما أن صاروا إلى النار بغضوا أنفسهم وتمنوا أنها كانت في التراب هالكة كما كانت بالية فانية فنادتهم ملائكة الله عند ذلك فأخبرتهم أن مقت الله لهم في هذا الوقت أكبر من مقتهم لأنفسهم فردوا على ملائكة الله ما تسمع من هذا القول من قولهم ربنا أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلي خروج من سبيل يقولون جعلتنا في أصلاب آبائنا ماء مهينا مواتا فهذه الموتة الأولى. (1/195) ثم أمتنا من بعد الحياة الأولى والإيجاد فصيرتنا إلى القبور فهذه اثنتان وأحييتنا الحياة الأولى التي جعلتنا في بطون أمهاتنا أجساما وأرواحا من بعد أن كنا نطفة وعلقة ومضغة مواتا لا حياة فينا ثم أحييتنا الحياة الثانية وهي نشرك لنا من القبور بعد الفناء وإخراجك إيانا بعد الفناء والبلاء من أجداثنا أجساما متجدده أحيأ فهذه الحياتان والموتتان ثم قالوا فهل إل خروج من سبيل يقول هل من رجعة إلى الدنيا من سبيل فنعمل صالحا غير الذي كنا نعمل إذ قد رأينا وأبصرنا وعاينا وشاهدنا واعترفنا بذنوبنا ومعنى اعترفنا فهو أقررنا بها وشهدنا على أنفسنا بما كان منها. وسألته عن قول الله سبحانه: لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فقال معنى لينذر يوم التلاق هو ليحذر ما يكون من العقاب في يوم التلاق ويوم التلاق فهو يوم الإجتماع يوم يلتقي الخلق كلهم إلى موضع واحد وهو يوم الحشر ويوم الميقات ويوم الميعاد معنى بارزون فهم ظاهرون غير مستترين بدار ولا جدار قد برز بعضهم لبعض وعاين بعضهم بعضا لايخفى على الله منهم شيء معنى لا يخفي على الله منهم شيء هو لا يخفى على الله من سرائرهم شيء ولا من أعمالهم ظاهرا كان أو مستتراً من أفعالهم لمن الملك اليوم لله الواحد القهار يخبر سبحانه أنه يوم قد انقطع فيه ملك كل ملك وأثر كل متملك إلا الله سبحانه الواحد القهار النا فذ أمره الماضي في ذلك حكمه المذل فيه للملوك الجبارين المعز لأوليائه المؤمنين الواحد فهو الذي ليس معه في الحكم في الدين أحد يحكم ولا يأمر القهار فهو الغالب الجبار. (1/196) وسألته عن قول الله سبحانه: وأنذرهم يوم الأزفة، إلى قوله: وما تخفي الصدور، فقال:الأزفة فهو الهاجمة الواقعة السريعة الهجوم والنزول بأهلها، وهي يوم القيامة والساعة الهاجمة على الخلق، إذ القلوب لدا الحناجر يقول: من شدة الهول والأمر العظيم الذي يعاينون قد ارتفعت قلوبهم حتى قاربت حناجرهم من الفزع المفزع والروع المفظع، كاظمون فهو سكوت كاظون والكاظم فهو الصامت الذي لا ينطق يقلب عينيه ويسمع لهول ما فيه قد وقع. ما للظالمين من حميم يقول: ما لهم من ولي ولا قريب ينفعهم لا طفل في طفولته ولا أحد ينتسب الظالمون إليه يطمعون في ذلك اليوم عنده لمنفعة ولا يطمع هو لهم بخلاص من النقمة فهؤلاء هو الحميم، يريد القريب المناسب. ولا شفيع يطاع، يقول: ليس في ذلك للظالمين شفيع يجيب الله دعوته ولا يجيز في الظالمين شفاعته فهذا معنا يطاع أي يعطا أمنيته فيهم ويجاب، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون، خآئنة الأعين معناها ما تشير به الأعين وتومي به فأخبر سبحانه أنه يعلم ذلك من الأعين قبل كونه وقبل كونها به، وما تخفي الصدور فهو غيب الصدور من خفي أمرها ودقيق ضميرها مما لم يظهر في شيء من الجوارح عنها. (1/197) وسألته: عن قول الله سبحانه: فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا يستهزؤن، فقال: المعنا في ذلك أن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وعلى آله بخبر هؤلاء الذين جائتهم رسلهم بالبينات فكذبوا بها وفرحوا بما عندهم من العلم، والعلم الذي فرحوا به فهو ما كان من عندهم من أخبار من كان قبلهم ممن عصى الله من آبائهم ممن تحل به نقمه وإخزاء الله لأعدائه به فقالوا لرسلهم: قد جاء غيركم أبانا بمثل ما قد جئتم به فلم ينزل بهم إذ عصوهم ما تعدوننا أنتم أنه ينزل بنا إذا عصيناكم ففرحوا بما عندهم من علم سلامة من سلم من آبائهم من علم من وقع به العذاب من أوائلهم ففرحوا سلامة السالمين وطمعوا بمثلها ولم يخافوا ما نزل بالمعذبين فيتوقعوا أكبر منها حتى جاءهم ما كانوا به يستهزؤن من هذا الوعيد الذي وعدهم به ربهم من العذاب إذ لم يزالوا به مكذبين مستهزئين حتى حاق بهم ما كانوا به يستهزؤن، ومعنا حاق فهو وقع ونزل. وسألته: عن قول الله سبحانه: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، فقال: معنى قوله: استوى إلى السماء فهو صار حكمه إلى تدبير السماء وخلقها وهي إذ ذاك دخان في الهواء فخلق من ذلك الدخان هذه السموات العلى فهذا معنا استوى أي صار حكمه وفعله إلى خلق من بعد خلق الأربعة الأشياء الأصلية، وهي الهواء والماء والريح والنار فهذا معنى قوله: استوى لا أنه تبارك وتعالى انتقل إليها من الأرض ولا كان في الأرض دون الهواء هو محيط بكل الأشياء مستغني عن الأمكنة والأشياء تبارك وتعالى ذو الجلال والبقاء. (1/198) ومعنا: قوله فقال لها وللأرض أتيا طوعا أو كرها، هو أراد أن يأتيا فأتيا وليس، ثَم قول: وإنما هذا مثل يخبر سبحانه أن سرعة نفاذ إرادته ومضي مشيئته أسرع من قول القائل: كن و معنا أتينا هو كونا ولم يكن، ثم أمر منه لهما لأنهما في ذلك الوقت دخان وحراقة وإنما هو مثل مثل بالأمر وإنما معنا أئتيا أي أراد فجعل وشاء كونهما فكانتا فإيجاده لهما مراده لهما هو إيجاده إياهما لا يسبق إرادته موجوده ولا وجوده إرادته إذا شاء شيئا كان بلا تكلف ولا إظمار ولا استعانة بأعوان. ومعنى: قالتا أتينا طائعين: هذا أيضا مثله في الطاعة والإستواء أراد سبحانه أنهما عند إرادته لإيجادهما كانتا لم يمتنع عليه من أمرهما ممتنع ولم يعسر عليه في خلقهما عسير ولم يؤده من تدبيرهما صغير ولا كبير، فهذا معنى أتينا طائعين. وسألته: عن قول الله عزوجل: وقيضنا لهم قرناء إلى قوله: كانوا خاسرين، فقال: معنا قيضنا: هو خلينا وأمهلنا ولم يحل بين هؤلاء القرنا وبين من أخبرا علينا، والقرنا: فهم قرناء السوء من شياطين الجن والإنس فلما أن كان الله تبارك وتعالى قادر على أن يصرف عن أعدائه هؤلاء كيد هؤلاء القرناء فلم يفعل جزاء على فعلهم وخذلانا بكفرهم جاز أن يقول: قيضنا يريد تركنا وأمهلنا حتى زينوا لهم معنا التزين فهو التحسين بما يبسطون لهم من الأمل في الدنيا ويمنونهم من المغفرة في الآخرة التي تبقى، فهذا معنى ما بين أيديهم وما خلفهم. معنا: وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم، فهو أغووهم حتى حق عليهم ما نزل بالأمم من قبلهم على مثل فعلهم، معنا خاسرين: فهو منتقصون، وانتقاصهم فهو فوت ما ظفر به المؤمنون من الثواب الذي حرمه العاصون، وانتقصوه بمعصيتهم وفاتهم بترك الطاعة لربهم. (1/199) وسألته: عن قوله سبحانه: وقال الذين كفرا ربنا أرنا اللذين أظلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين، فقال: المعنا في ذلك أن هذا السؤال من الكفار الضالين، وطلبا إلى الله أن يريهم من أضلهم وأغواهم من جبابرة الآدميين ومغويهم من فراعنة الشياطين الموسوسين بالمعصية لهم المزينين لما في صدورهم نجعلهما تحت أقدامنا، يقول: تحتنا في النار ونطأهم ونذلهم كما أهلكونا، معنا ليكونا من الأسفلين، فهو ليكونا تحتنا في العذاب المهين، وأن جهنم ظلل من فوقها ظلل معنا: ظلل أي درجات متفاوتات فأشد عذابها أسفلها فكل ما كان أسفل فهو أشد عذابا ممن هو فوق فأراد هؤلاء أن يكون المغوون لهم أسفل منهم في الدرجة التي هي أنكا عذابا وأشد نكالا وأشقا. وسألته: عن قوله سبحانه: حم ) عسق إلى، قوله: سبحانه ألا إن الله هو الغفور الرحيم، فقال: حم عسق حروف تولى الله علمها لم يبينها لأحد من خلقه إذ ليس له فيها أمر ولا نهي ولا فرض ولا أمر تعبد به عباده يحتاجون إلى علمه ومعرفته، كذلك يوحي إليك إخبار من الله تبارك وتعالى أنه الذي يوحي إليه، وإلى جميع الأنبياء الذين كانوا قبله تكاد السموات يتفطرن من فوقهن معنا ذلك إجلالا وإعظاما وإكبارا لما لما فعل المكذبون بآيات الله ووحيه ووعده ووعيده وما نزل من جميع أخباره فيقول سبحانه: لو كان في السموات تيميز وفهم لما قالوا وبه كذبوا ليتفطرن إجلالا لله وإعظاما وإكبارا لما جاء به المشركون من تكذيب قول الله والصد عن آيات الله. (1/200) ثم أخبر بطاعة الملائكة وإعظامها أيضالما يأتون به فقال: والملائكة يسبحون بحمد ربهم يقول: لما أن فعل المشركون ما فعلوا سبحته الملائكة وهللته وعظمته إجلالا له عن قولهم وتقد يساله عن شركهم، ثم أخبر بفعل الملائكة في المؤمنين المصدقين بما كذب به الكافرون المسلمين لما جحده المشركون المصدقين بوعد الله ووعيده الموقنين بحشره وثوابه وعقابه يقول: ويستغفرون لمن في الأرض يريد لمن فيها من المؤمنين المصدقين المتقين. وسألته: عن قول الله سبحانه: وما أنت عليهم بوكيل، فقلت: أوليس قد كان صلى الله عليه وكيلا عليهم ومأمورا بهم ومجاهدا لمن عند منهم، فقال: معنى وما أنت عليهم أي ما أنت على إخلاص ضمائرهم بوكيل إذ أنت غير عالم بذلك ولا محيط به، وإنما أنت وكيل على ظاهرهم معامل لهم عليه، فأما الضمير فالله الحافظ له عليهم والعالم به منهم وإنما كلفناك ما تقدر على القيام به ولم يكلفك ما لا تستطيع مما لا تقدر عليه من علم ضمائرهم لو فعلنا ذلك بك لكلفناك إذاً شراً أو لافترضنا عليك عسرا. ألا تسمع كيف بين في أول الآية وفي وسطها ما قلنا من أنه سبحانه الحافظ لسرائرهم المعامل لهم عليها دون نبيه، وذلك قوله: والذين اتخذوا من دونه أولياء في السرائر وأعطوك يا محمد غير ذلك في الظاهر الله يحفظ ذلك عليهم ويعلمه منهم إذ لا تعلمه أنت من فعلهم حتى يجازيهم عليه في يوم حشرهم، ويبدئ عليهم فضائح ما كان من ضمائرهم. (1/201) وسألته: عن قول الله سبحانه: وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وينذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير، فقال: أم القرا هي مكة ومن حولها من القرى فهي أعمال مكة وما قاربها من الحجاره كله، ومعنى تنذر أم القرا ومن حولها وإنما ينذر أهلها وأهل القرا التي حولها فلما أن كان الأهل من سبب القرا طرح الأهل وأثبت القرا، وإنما يريد الأهل كما قال في قوله: واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها يريد أهل القرية وأهل العير. ومعنى قوله: وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فهو أيضا على هذا المعنا أراد وتنذر العذاب الذي يكون في يوم الجمع فطرح العذاب، وأقام يوم الجمع مقامه كما فعل في أم القرا، ويوم الجمع فهو يوم القيامة الذي يجتمع فيه إلى موضع الحشر لا ريب فيه يقول لا شك أنه سيكون فريق في الجنة وفريق في السعير يخبر أن ذلك اليوم يوم يصير فيه فريق من الناس في الجنة ويصير فريق منهم في السعير والإنذار فهي إلى أم القرا، ومن حولها وإلى جميع أهل الأرض غير أنه خص أم القرا بالذكر لعظيم ذكرها وأنها كانت المبتدأ في الإعذار والإنذار، ثم يبلغ إعذاره صلى الله عليه جميع شرق الأرض وغربها وشامها ويمنها. (1/202) وسألته: عن قول الله سبحانه: والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد، فقال: يقول: إن الذين يحاجون في الله أي يدافعون عن تصديق الله ويكذبون ما جاء عن الله من بعد ما استجيب له يقول: من بعد ما قد تبينت حجته فظهرت دلالته وقبلها المؤمنون واستجابوا لربهم وآمنوا به فأخبر أن حجتهم حجة من أنكر ما قد وضح وبأن فحجتهم داحضة عند ربهم يقول: لم يبق لهم حجه فصرف بها عنهم العذاب، ولا يجب تبيينها لهم ولا يلزمنا بها تأخير العذاب عنهم، قد بينا وأوضحنا واحتججنا حتى شهدت عقولهم بأن ذلك هو الحق ثم كابروا فليس مكابرتهم بعد المعرفة حجه عند الله يجب بها تأخير العذاب كما يجب من قبل ثبات الحق عندهم وظهوره لهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون إلى قوله: إنه لا يحب الظالمين، فقال: معنا قوله: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، يقول: والذين إذا أصابهم الظلم في دينهم لم يقروا به وانتصروا ممن بغي في دينهم، أو في أموالهم أو في دمائهم حتى يثبتوا الحق ويزيل الباطل فأخبر أنه لم يثبت باطلا، ولم يترك حقا. وأما قوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها، فذلك في ما يجوز المكافأة به من السيئات لا في شيء من المحرمات، وإنما ذلك في القتل والجراح والمال فيجوز أن يكافأ من فعل شيئا من ذلك بمثل ما فعل، فأما في مالا يجوز فعله مثل ظلم بريء أو فعل فاحشة يأتيها، فاسق دنيء إلى حرمة مسلم، فلا يجوز فعله لمسلم أن يأتي مثل ذلك في بري ولا حرمة فافهم الفرق بين هذين المعنيين وقف على وجه هاتين الحالتين. (1/203) وسألته: عن قول الله سبحانه: وتراهم خاشعين من الذل إلى قوله: في عذاب مقيم، فقال: صفة الكافر في يوم الدين أخبر الله بما ينزل بهم فيه من الذل والخزي، ومعنا ينظرون من طرف خفي ينظرون بطرف خفي، والطرف الخفي فهو الطرف الذليل الخاشع العي، وقد يستدرك ذلك من نزل به بلا في الدنيا، وترى ذلك في طرفه ظاهرا لا يخفى إذا قارب من يهابه من الجبارين أو واجه من يخشى منه من السلاطين والخاشع فهو المطأطي الرأس المنكس إلى الأرض. ومعنى: الذين خسروا أنفسهم وأهليهم فهو من ذهب منه نفسه بالعذاب وحصلت بسؤ فعله في العقاب، وأهليهم فقد يخرج على معنين، إما أهله الذي كان يعرفهم في الدنيا، ويألفهم فيها فخسرهم بمفارقتهم، وإما بمصيرهم إلى عذاب أليم، وإما بمصيرهم إلى ثواب كريم ففي كلا المعنيين قد خسرهم الكافر، والمعنا الأول فقد يخرج على أن الأمل هم حوريات الجنة اللاتي جعلهن الله ثوابا للمؤمنين وخلقن أهلا للمتقين فكان من عمل بغير الهدا وجنب عن التقوى خاسراً للأهل الذين جعلوا للمتقين فخسرهم الفاسقون بفعلهم ما لا يجب الحوريات لمن فعله ولا ينالهن. وسألته: عن قول الله سبحانه: أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين، فقال: معنا ذلك من الله سبحانه على معنا الإحتجاج عليهم والتقريع لهم لما هم عليه من إسرافهم يقول أبدا كنتم قوما مسرفين يجوز لنا أن نضرب عليكم الذكر بذلك ونصرفه عنكم ولا نقيم به الحجة عليكم هذا ما لا يكون من فعلنا لأن مع إشراككم نزول النقم عليكم والنقم منا، فلا تنزل إلا على من ثبتت عليه حجتنا فكيف نضرب عنكم الذكر صفحا بإسرافكم وقلة قبولكم ونحن فلا تنزل النقمة بكم إلا من بعد ثبات الحجة عليكم. (1/204) وسألته: عن قول الله سبحانه: وجعلوا له من عباده جزاء إن الإنسان لكفور مبين، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه بكفر من جعل لله شريكا من عباده فيعبد من دونه شيئا من خلقه كمن عبد المليكة من دون الله، وكذلك كل من أطاع كافرا في ما يأمره به من معاصي الله وترك أمر الله فقد عبد من طاعة لأن أكثر العبادة هي الطاعة، ومن أطاع عبداً من عباد الله في معصية الله فقد جعل لله جزأ من عمله بل قد أخلص التوبة لغبر ربه إذا أخلص الطاعة لمن هو مستسلم في يده من أعداء الله ربه وخالقه. وسألته: عن قول الله: أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين، فقال: هذا تفزيع من الله تبارك وتعالى للمشركين في قولهم وإثبات الحجة عليهم إذ زعموا أن الملائكة بنات الله وأن الملائكة أناث فأنزل الله تبارك وتعالى: أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يريد سبحانه إن كان قولهم في ما زعموا من أن الملائكة أناث، وأنهم لله بنات، فقال: كيف يصفيكم أنتم بالبنين ويتخذ هو البنات لنفسه فلو كان كما تقولون إذا لم يتخذ إلا البنين إذ البنون أفضل من البنات فكيف تنسبون إلى الله ما تكرهون وتجعلون له ما منه تنفون من البنات اللواتي إذا بشر بها أحدكم ظل وجهه مسودا وهو كظيم مستحيي خجلا منهم واغتماما بولادتهن، ثم قال سبحانه: أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين. يريد أو من كان هكذا في الصفة كالبنين الذكور، وأهل البيان في الخصام وأهل الخير والتمام لا يكون ذلك كذلك أبداً فأضم الذكور لعلم المخاطب به، فقال: أو من ينشأ في الحلية والذي ينشأ في الحلية فهن البنات اللواتي يزين به في الحلي ويتزين به وكذلك فهن اللواتي قال الله: وهو في الخصام غير مبين، يقول في الخصام غير قائم بحجته لضعفهن وقلة معرفتهن بمالهن وعليهن. (1/205) وسألته: عن قول الله سبحانه: وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلى قوله: لعلهم يرجعون، فقال: هذا قول من إبراهيم صلى الله عليه لقومه: تبرأ فيه من كل ما يعبدون من دون الله ويثبت التولي منه لرب العالمين الذي فطره ومعنا قوله: سيهدين، فهو سيوفقني للحق ويهديني إليه ويبينه لي والتي جعلها باقية في عقبه فهي كلمة الإخلاص ودين الحنيفية الباقي في عقبه إلى يوم الدين. وسألته: عن قول الله سبحانه: وإنه لذكر لك ولقومك إلى قوله: آلهة يعبدون، فقال: الذكر الذي له صلى الله عليه ولقومه فهو كتابه ووحيه الذي نزل على نبيه، وقوله: وسوف تسألون يعني بالسؤال من أعرض عن الحق وعن الذكر وقبوله ليسأل بأي حجة كذب وصدق وبأي معنا أعرض عن الحق، ومعنا قوله: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا فهو سل كتبهم وفتش أخبارهم. ، واسأل عما فرضنا عليهم مما أتوا به داعين فانظر هل تجد في هذه الكتب التي أتوا بها منا الذين أبلغوا منهم عنا شيئا مما عليه من أشرك بنا واتخذ آلهة من دوننا عبد شيئا من دون عبادتنا فلن تجد ذلك أبد في شيء من كتبنا ولا مما جاءت به رسلنا وإنما ذلك خطأ من فاعله واجترأ ممن يعبد شيئا من دون خالقه، وقد نهاهم الله سبحانه عن عبادة غيره وأمرهم بالعبادة له. وسألته: عن قول الله سبحانه: من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، فقال: معنا يعش فهو يصد ويترك ويعرض عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو نخلي عليه شيطانا لا أن الله تبارك وتعالى أمر الشيطان بذلك، ولكنه خلاه وإياه ولم يمنعه منه، فلما أن كان ذلك منه كذلك جاز أن يقول قيضنا أي تركنا وخلينا بينه وبينه ولم يكن منا حاجزا له عنه ولا مانعا له منه. (1/206) وسألته: عن قول الله سبحانه: قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين، العابدون هم الآنفون: يقول الله سبحانه لمحمد يا محمد قل لمن زعم أن لنا ولدا إن كان للرحمن ولد كما تزعمون فأنا أول الآنفين المبغضين عن عبادة من له ولد. وسألته: عن قول الله سبحانه وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، فاصفح عنهم، وقل سلام فسوف تعلمون، فقال: هذا خبر من الله سبحانه عن قول نبيه أن من قدر بنؤمن به فأمره الله أن يصفح عنهم، ومعنا يصفح أن يتركهم ويرفضهم ومعنا قوله: وقل سلام أي قل أمرا حسنا جميلا يثبت به عليهم الحجة ويسلم به من أذيتهم، وقوله: فسوف تعلمون يقول: قل لهم فسوف تعلمون صدق ما جئت به وحقيقة ما اعذرت وأنذرت منه. وسألته: من قول الله سبحانه: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس هذا عذاب أليم، فقال: اليوم الذي تأتي به السماء بدخان مبين: هو يوم القيامة وإتيانها بالدخان فهو عروجها ومصيرها إليه وذلك أنها عند تبديل الله لها في ذلك اليوم تعود إلى ما منه خلقت وهو الدخان فتصير بعد هذا التجسيم والعظم إلى حالة الدخان ومعنا قول: من يقول: هذا عذاب أليم، فهو قول الكافرين إذا رأوا السماء قد صارت إلى ذلك الحال وأيقنوا بالجزاء، قالوا: حينئذ هذا عذاب أليم، فطرح الله اليوم وأقام العذاب مقامه فصار مرفوعا. والعرب تفعل ذلك تقيم الشيء مقام ما كان من شبهه كقوله: واسأل القرية التي كنا فيها، والعير التي أقبلنا فيها، فأراد أهل القرية وأهل العير، فطرح الأهل وأقام القرية والعير مقامهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم، فقال: معنا قوله فتنا قبلهم قوم فرعون أي عذبناهم علي معصيتهم بالغرق والرسول الكريم فهو موسى صلى الله عليه. (1/207) وسألته: عن قول الله سبحانه: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون آيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون، فقال: معنا يغفروا يعرضوا عن عبادتهم ومقالتهم ويتركوهم، ومعنا الذين لا يرجون أيام الله فهم الذين لا يصدقون بوعد الله ووعيده، ومعنا ليجزي فهو إخبار منه بأنه سيجزيهم بأعمالهم فهذا معنا ليجزئ قوما أي ذرهم حتى يقع الجزاء عليهم، وعلى صدق ما أنكروا من وعد ربهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه.. إلى قوله: أفلا تذكرون، فقال هذا إخبار من الله تبارك وتعالى عن من عبد ما يهواه من الأشياء فجعل الألهة هواه وأضله الله على علم منه به ومعنا على علم منا بأفعاله واختياره وعبادته ما يهوى من الأشياء دون ربه فلما أن علم منه ذلك أضله ومعنى أضله فهو خذله وسماه بالضلال وأخبر عنه به ومعنى ختم على سمعه هاهنا في هذه الآية وقلبه وجعل على بصره غشاوة فهو بالخذلان له وترك التسديد له لما يسدد له المؤمنين لا أنه فعل به شيئا من ذلك ولاحال بينه وبين الإهتداء تقدس الله عن ذلك وتعالى فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون يقول من يوفقه للصواب أن يخذله الله أو يرشده إن تركه الله أفلا تذكرون في ذلك فتعلمون في ذلك أنه لا هادي لمن خذله الله ولامرشد لمن لم يرشده الله. وسألته: عن قول الله سبحانه: وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون، فقال معنى جاثية هي باركة على ركبها منتظرة لما يكون من حكم الله فيها ومعنى تدعى إلى كتابها هو توقيف عليه وتدعى إلى جزائه خيراً فخير أو شرافشرا ومعنى كتابها فهو ما علم من فعلها تجازا عليه وتدان به.وما أ،ا إلا نذير مبين. (1/208) وسألته: عن قول الله سبحانه: قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إ ن أتبع إلاما يوحى إلي وما أنا إلا نذيرمبين، قال:يقول ما أتيت بغير ماأتت به الرسل من الدعاء وبعض الناس يخلق ثم لا يفري إلى الله وإلى حقه، ومعنى بدعا من الرسل فهو تستنكرون ما أتيت به وتستعظمون ما نطقت به هي سبيل الرسل كلماأتيت وإلى مادعت به من طاعة الله وما أدري ما يفعل بي ولا بكم يقول من موت ولا حياة ولاخير ولاشر في الدنيا إذ لست أعلم الغيب وما يعلم الغيب إلا الله وما أنا إلانذير يقول: منذر لكم أنذركم ما أمرت به مبين يقول: مبين بقولي مظهر لما أتيت به إليكم من ربي. وسألته عن قول الله سبحانه: قل أرأيتم إن كان من عند الله إلى قوله إن الله لا يهد ي القوم الظالمين، فقال: هذا كلام تحته ضمير يريد قل إن كان من عند الله وكفرتم به ألستم متعرضين للنقمة أن تنزل بكم، فأما قوله وشهد شاهد من بني إسرائيل فهي الشهادة التي شهد بها مؤمن آل فرعون مثلهذه الآية وضميرها سوا سوا وهوقوله وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه إلى قوله مسرف كذاب، فشهد بأنه إن كان مؤمنا صادقا أصابهم بعض ما يعدهم به موسى من النقم من تكذيبهم بآيات الله فهذا معنى وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله يريد على مثل الآية الأوله وضميره على أن من كذب بآيات الله ورسله نزل به من الله تبارك وتعالى ما نزل بغيره من النقم المهلكات والآفات المتتابعات. (1/209) وسألته عن قول الله سبحانه: والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم،فقال: معنى لن يضل أعمالهم هو لن يبطلها ولن يلتهم إياها بل سيجازيهم عليها ويعظهم لهم الأجر فيها، ومعنى سهديهم هو يهديهم إلى دار ثوابه ويصيرهم إلى ما أعدلهم من دان كرامته، ومعنى يصلح بالهم البال الحال والأمر، ومعنى عرفها لهم فهو طيبها لهم، وتطييبه لها فهو جمعه فيها للخيرات التي هي مجموعة فيها حتى طابت لأهلها بوجودهم كلما يحبون فيها. وسألته عن قول الله سبحانه: مثل الجنة التي وعد المتقون إلى قوله: فقطع أمعائهم فقال أراد الله تبارك وتعالى هل يستوي من كان في هذه الجنة وفي أسرتها. بين أسرتها ولذاتها....... ومن هو خالد في النار يسقا الحميم لايستويان أبدا صدق الله تبارك وتعالى لايستوي محل أوليائه ومحل أعدائه أعداؤه في عذاب النار وأشر قرار وأولياؤه في خير دار، فقلت ما هذه الخمر فقال هي الخمر التي لا فيها غول والغول فهو ما اغتال العقول ولا هم عنها ينزفون والنزف فهو ما ينال بشراب خمر هذه الدنيا النجسة فيزفون من طرفيهم مشيا وقيا فأخبر الله تبارك وتعالى بطهارة هذه الخمر وبعدها مما تفعل خمر الدنيا بأهلها. (1/210) وسألته: عن قول الله سبحانه: قل للمخلفين من الأعراب إلى قوله: يعدكم عذابا أليما، فقال:المخلفون هم الذين تخلفوا في أهليهم وتخليف رسول الله صلى الله عليه وآله لهم فلم يكن بالإذن منه لهم ولكن باختيارهم هم لمعصيتهم لربهم وإنما جاز أن يقول للمخلفين وهم المتخلفون من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعرض عنهم حين اختاروا التخلف ولم يغصبهم على الخروج معه فلذلك جاز أن يقول المخلفين والقوم الذين هم أولوا البأس الشديد فهم أهل فارس وخراسان فقال: ؛ستدعون إلى قتالهم أو يسلمون فإن تطيقوا في ذلك يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا عن قتالهم وتخلفوا كما توليتم وتخلفتم من قبل يعذبكم عذابا أليما«، فكان دعاهم إلى جهاد أهل فارس من بعد النبي صلى الله عليه وآله وقد قيل أن أولي البأس الشديد الروم وأنها وقعت موته وهذا عندي أشبه المعنيين بالحق بأسباب يدخل فيه ومعاني توضح ذلك وتبينه. وسألته: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم، فقال: هذا نهي من الله سبحانه للمؤمنين أن يقدموا بين يدي الله ورسوله في شيء من الأشياء ببسط أمر أو أحد أو عطاء أو إيمان عدو أو مسالمة أو لقاء دون الله ورسوله والأذن في ذلك من الله ونبيه. وسألته عن قول الله سبحانه: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله...إلى آخر الآية، فقال:هذا إنباء من الله تبارك وتعالى على من يفعل ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وآله إجلالا له وتعظيما مما يكون من غض صوته وتكريما فأنبأ الله على من فعل ذلك وأخبر أنه ممن قد امتحن الله قلبه للتقوى وامتحان الله لقلبه فهو بما أمره به من تعظيم لنبيه وإجلال ما جاء به صلى الله عليه وآله من وحيه فكان غضهم للأصوات عنده قياما منهم لمؤكد المحبة وكان قيامهم بالإمتحان تقوى منهم وإيمانا. (1/211) وسألته عن قول الله سبحانه: واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر إلى قوله: أولئك هم الراشدون، فقال: يخبر سبحانه بتوفيق الله لنبيه لمعرفته بما جهله غيره في الأحكام والرأي في جميع أمور أهل الإسلام فيقول سبحانه: لو أطاعكم الرسول في ما تهوون وتريدون وتشاءه قلوبكم وتظنون من طرق كثيرة وأسباب تقبلون إليها جليلة وحمية وعصبية لقد عنتم ومعنى العنوت هو هلكتم عند الله وعطبتم، ثم أخبر سبحانه بمنته عليهم في إياديه العظيمة لديهم في ما مَّن به فيهم من تحبيب الإيمان إليهم وإدخاله في قلوبهم وتبغيض ما كانوا عليه أولا من الكفر إليهم وإخراج كل ما كانوا فيه بديا من صدورهم حتى عادوا لجهالتهم الأولة متعصبين ولما دخلوا فيه من محض الحق محبين حتى صاروا برحمة الله لله ولرسوله مطيعين وعن عصيانهما نازحين فصاروا لله من بعد العداوة أولياء وبحقائق الإسلام من بعد الكفر أتقياء. وسألته عن قول الله سبحانه: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا إلى قوله: إن الله يحب المقسطين فقال هذا أمر من الله سبحانه لنبيه وللمؤمنين فيمن يشاجر وخرج بالجهل والمعصية إلى ما ذكر الله من القتال فأمرهم إذا صارت فئتان من المؤمنين إلى هذا الحد أن يصلحوا بينهما ويمنعوهما من التقاطع فإن فعلهما فإن بغت إحداهما على الأخرى وأبت القبول وأقلبت الأخرى إلى الحق في الفعل والقول قاتلوا التي تبغي وتأبا حتى تفيء إلى الحق والتقوى والمقاتلة فهي المحاربة بالطعن والضرب والرمي أبداً حتى ترجع إلى ماى خرجت منه من النصفة وتترك ما صارت إليه من البغي والحمية، يقول: يحب العادلين المحقين ثم قال سبحانه: فإن فاءت فأصلحو بينهما، يدل على أنه أراد فإن لم تف فقاتلوها حتى تفنوها وتهلكوها وتبيدوها أوترجع إلى الحق الذي منه خرجت وتترك الباطل الذي فيه دخلت. (1/212) وسألته عن قوله سبحانه: ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون، فقال: معنى لا تلمزوا أنفسكم هو لا يقع بعضكم في بعض بالباطل ولا يؤذيه بالكذب والوقيعة فيه بالمحال ومعنى لا تنابزوا بالألقاب فالتنابز هو التداعي بالألقاب وتسمية بعضهم بعضا بها والألقاب فهي أسامي مكروهة عند الناس ينبز بها بعضهم بعضا لينتقصه بذلك فنهى الله من كان كذلك عن العودة إلى ما يورث الشحناء ويوقع البلة بين أهل التقوى، ثم ذكر سبحانه أن من فعل هذا بعد أن نهاه عنه فقد دخل في اسم الفسوق بالمعصية لله إذ نهاه عن ذلك فقال:بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان يقول بئس الرجل رجل عصى فسمي بعد ما كان مطيعا بفعله ومعصية فاسقا فبئس البدل من تبدل الفسق بالإيمان، ومعنى قوله: ومن لمن يتب فأولئك هم الظالمون، يقول من لم يتب عما نهي عنه من التنابز وغيره فهم الظالمون لأنفسهم بما أوقعوها فيه من الهلكة عند الله على فعالهم. وسألته عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن، إلى قوله: إن الله تواب رحيم، فقال هذا نهي من الله سبحانه لعباده عن سوء الظن بإخوانهم المؤمنين الذين قد عرفوا منهم محض الإيمان وأيقنوا منهم بترك معاصي الرحمن. ثم أخبر سبحانه أن من ظن بأخيه المؤمن ما قد علم منه خلافه من التقوى فقد دخل في الإثم والردا، ثم قال سبحانه: ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، يقول سبحانه: ولا تجسسوا من طرق طلب العيب من إخوانكم والبحث أن تجدوا لهم عيوبا تعيبوهم بها من بعد أن قد شهدتم بالإيمان لهم وأقررتم بالتقوى لهم فهذا الذي نهى الله المؤمنين أن يتجسسو اعليه وفيه وله. (1/213) فأما من كان ذا تهمة من أهل الزله والعثره والدخول في ما يسخط الله من المعصية فالتجسس عليه واجب ليظفر به ويشهد على فعله فيقام واجبات حدود الله عليه في صنعه فيكون ذلك نكالا له ولغيره من شكله، وأما قوله: ولا يغتب بعضكم بعضا، فهو نهي منه سبحانه عن أن يقع بعضهم في بعض من ورائه بالباطل والبهتان بالظن الكاذب في بعض الإنسان، ثم قال سبحانه: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا، بالأغتياب له من ورائه وجعلهما سيان في كل معنى.. وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أنه قال أن الله يبغض البيت اللحم يريد الذي يوقع فيه بالمؤمنين يغتابون ويوذون وبالباطل فيه يرمون كذلك وفي ما روي عنه صلى الله عليه وآله حين رجم ماعز بن مالك الأسلمي الذي أقر عنده بالزنا فرجمه ثم انصرف والمسلمون معه فقال طلحة والزبير انظروا إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم يستر على نفسه حتى رجم مرجم الكلب فسمعهما رسول الله صلى الله عليه وآله فسكت عنهما حتى أجاز بحيفة حمار شاغر برجله فوقف ثم قال: لهما إنزلا فأصيبا من هذه الحيفة فقالا نعيذك بالله يا رسول الله أناكل الميتة ونصيب منها فقال صلى الله عليه وآله لقد أصبتما من أخيكما آنفا أعظم مما تصيبان من هذه الجيفة إنه الآن ينغمس في أنهار الجنة يريد لما أصبتما من ماعز بن مالك من الأذية. والاغتياب أعظم عند الله من أكل كما هذه الميتة لأن الله سبحانه قد حرم أغتياب المؤمنين كما حرم أكل الميتة ثم للمؤمنين حرمة ليست للميتة فمن عصى الله بقطيعة رحم ذي حق فاغتيابه أعظم من إصابته من الميتة المحرمة التي لا حرمة لها مع تحريمها. (1/214) وسألته: عن قول الله سبحانه: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا إلى قوله: إن الله غفور رحيم، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه وشهادة منه على أن الإيمان قول مقول وعمل معمول واعتقاد في العقول وتكذيب لمن قال بغير ذلك من أن الإيمان قول بلا عمل فأخبر سبحانه أن الأعراب الذين قالوا وأقروا وصدقوا ولم يعملوا أنهم في قولهم أنهم مؤمنون مبطلون كاذبون وأمرهم أن يقولوا أسلمنا ومعنا أسملنا فهو صدقنا واستسلمنا للحكم. ألا ترى كيف قال: ولما يدخل الإيمان في قلوبكم يريد لم يصح الإيمان لكم، ولم يدخل في قلوبكم بالقول دون العمل ولستم من المستسلمين القائلين ولستم من المؤمنين المخلصين، ثم أخبرهم سبحانه أنهم إن تابوا ورجعوا إلى العمل فعملوا بعد القول واعتقدوا طاعة ذي الجلال والطول فعملوا بأمره كله وانتهوا عن نهيه كله وكانوا مع إقرارهم بالوحدانية له عاملين مجتهدين كانوا من بعد ذلك عنده، من المفلحين وصح لهم إسم المؤمنين، وذلك قوله: لا يلتكم من أعمالكم شيئا. يريد لا ينتقصكم من جزاء أفعالكم وسعيكم ولو كان كما يقول أهل الجهل والبهتان أن الإيمان قول بلا عمل لما قال: لا يلتكم من أعمالكم شيئا، ولما قال للأعراب الذين وحدوا وشهدوا بالشهادتين وصدقوا وجاهدوا ولم يعملوا بكل الفرائض: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا يريد سبحانه لن تكونوا أبدا مؤمنين حتى تكونوا بالفرائض كلها عاملين. وسألته: عن قول الله سبحانه: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين، فقال: هذا ذم من الله سبحانه لمن منَّ على رسول الله صلى الله عليه بالطاعة والمعاونة والقيام فيما أوجب الله عليه، فأخبر الله سبحانه أن من يمن بطاعة رسول الله أو بالدخول في طاعته والقيام بواجب فرض الله مخطيء في فعله عاص لربه، منتقص لدينه غير شاكر لنعمة خالقه. (1/215) ثم أمر نبيه صلى الله عليه أن يبين لمن كان كذلك أو فعل، شيئا من ذلك فيعلمه أنه ليس على رسوله له في إسلامه منة فإنه لم يفعل في ذلك إليه حسنة، ثم أخبر أن المنة على من فعل ذلك لله ولرسوله إذ هداه إلى النجاة وخلصه من الهلكة حتى صار من أهل الجنان بعد أن كان من حطب النيران، وحتى صار برحمة الله ومنته لله وليا مستوجبا لثوابه بعد أن كان الله حربا عدوا مستأهلا لعقابه. ثم قال: بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين أي إن كنتم صادقين في أنكم مؤمنين، وفيما تدعون من الإخلاص فاقروا بما قلنا واخضعوا لحقنا فإن لم تقروا بذلك وتخضعوا فلستم بصادقين فيما تدعون من الإيمان وتنسبون إليه أنفسكم من الإخلاص للرحمن، وهذه الآية نزلت في بعض من كان مع النبي صلى الله عليه من كبار قريش كان عتب عليه النبي في بعض أفعاله ومنَّ على النبي بإسلامه وإتباعه له وقيامه معه ونصره له فأنزل الله عزوجل فيه ما تسمع وأوقع عليه في ذلك من الذم ما أوقع. وسألته: عن قول الله سبحانه: ق إلى قوله: هذا شيئ عجيب، فقال: ق هو جبل كريم جعل الله فيه بركة وخيراً عظيما، ويقال: إنه أكبر جبال الدنيا أعظمها عظما وأبعدها أمدا أو أشدها ارتفاعا، والقرآن المجيد هو قرآن محمد صلى الله عليه وعلى آله ومعنى المجيد فهو العظيم الكريم، بل عجبوا: معناها لقد عجبوا، وهو جواب القسم بق، وبالقران، فقامت الباء مقام اللام، والمعنا فهو باللام أن جاءهم منذر، فالمنذر هو محمد صلى الله عليه على آله ومعنى منذر فهو مخوف معذر بين يدي عذاب الله ونقمه وأخذه وبطشه. (1/216) وسألته: عن قول الله سبحانه: قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ، فقال: يخبر سبحانه أنه عالم بكل ما تنقص الأرض ممن يقع في جوفها من موتاها، فأخبر أنه يعلم ما يأكل منهم الأرض وما يبقا من ترابهم ورميمهم، ومعنا قوله: وعندنا كتاب حفيظ: يقول: عندنا من ذلك علم محفوظ حتى نردهم من حيث ما كانوا و نجمع أجزائهم وأعضاءهم من حيث ما توجهوا حتى نلم بعضها إلى بعض من حيث ما كانت من الأرض. وسألته: عن قول الله سبحانه: أفلم ينظ-روا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج، فقال: تزيينها فهو بما فيها من النجوم، وذلك قوله سبحانه: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين، ومعنا قوله:ومالها من فروج هو وما فيها من فروج فقامت (اللام) مقام (في) لأنها من حروف الصفات وحروف الصفات يعقب بعضها بعضا. والفروج: فهي الفتوق والشقوق والاختلاف بالفطور، فأخبر سبحانه أنها مستوية ليس فيها من ذلك شيء وأصل ما أراد بذكر السماء وأمرها وما جعل فيها من زينتها ونقاعتها من فطورها أنه أراد سبحانه أفلا يوقن يُريد ما هذا من فعلنا بقدرتنا على ما أنكر بما ذكرنا له من حشرنا لعبادنا وبعثنا البشر من فعل ما فعل في السماء بقادر على أن يحشر ويعيد الأشياء. وسألته: عن قول الله سبحانه: ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد، فقال: هذا مثل قوله سبحانه: وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون، فأخبر أنه أنزل من السماء ماء فأنبت به ما أنبت من الجنان والحب الحصيد والنخل الباسقات ذوات الطلع النضيد. (1/217) وأما معنا قوله: جنات فالجنات هي البساتين والحدائق ذوات الالتفاف والثمار والائتلاف ذوات الأنهار الجاريات والثمار المذللات اللواتي قد جمعن كل الثمار وجرت فيها بينهن وخلالهن الأنهار فما كان هكذا فالعرب تسميه جنانا فعلى ذلك يخرج ما سمي حصيدا ليبسه وبلوغه واستحصاده، فكل شيء بلغ غايته وبلغ تسمية العرب مستحصدا و حصيدا أي قد جاء وقت حصاده وقطعه وبلغ غايته وما ينتظر به وأخذه. ومعنا قوله: والنخل باسقات فالباسقات هن الطوال المشرفات المرتفعات الساميات لها طلع نضيد: فالطلع هو هذا الطلع الذي يخرج في النخل المعروف ومعنا نضيد فهو منضود بعضه على بعض مداخل بعضه في بعض مجتمع متقارب وتلك صفته ما دام في أكمامه حتى تنفلق عنه أغشيته ثم تنفرق من بعد التناضد شما ريخه وتتباعد خيطانه. وسألته: عن قول الله سبحانه: أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد، فقال: هذا تقريع من الله للكافرين وإخزا منه بالتبكيت للمكذبين الذين كذبوا النشأة الآخرة وأنكروا ما ذكرفي البعث والقيامة وكبر ذلك في صدورهم ولم يوقنوا برد الأبدان بعد بلائها وفنائها وتفرقها في الأجداث وذهابها فقال سبحانه: أفعيينا بالخلق الأول، يريد إن كان الخلق الأول أعيانا وأتعبنا فسيعيينا إعادته في النشأة الآخرة وإن لم يكن بدء وخلقكم أعيانا فإن ردكم هو أهون من ابتدائكم علينا، ثم قال بل هم في لبس من خلق جديد أي بل هم في شك من ردنا لهم بعد البلاء في خلق جديد. (1/218) وسألته عن قول الله سبحانه: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد، فقال: يخبر سبحانه بحفظ الحفظة له الذين عن يمينه وهما الملكان اللذان ذكر الله عن اليمين وعن الشمال قعيد يحفظان عليه كل لفظه وفعله وهما الرقيب العتيد الذي مع كل آدمي والرقيب وهو المحصي لفعل كل فاعل والعتيد فهو الثابت الراتب الذي ليس بمفقود، وجاءت سكرة الموت فهي:عشيه وشدته وإزالته لعقل الميت وكربته فشبه الله زوال عقل الميت وكربته وما ينزل به من غشيته بالسكرة التي تذهب بالعقل وتفسد العقل والعرب تمثل كل شدة أزالت عقل صاحبها بالسكر تقول مرت بنا من هذه الأمور سكرات بعد سكرات تزيد شدائد حالات بعد حالات، ومعنى قوله: بالحق، فهو: حقائق ما وعد الله من ذلك وقوله: كل نفس ذائقة الموت، فجاء وعد الله على حقائق ونزل بأهله على يقينه وصدقه، ذلك ما كنت منه تحيد، يقول ذلك ما كان منه هذ الميت يحيد ومعنى يحيد فهو يفر منه ويكره قربه ولا تريده نفسه. وسألته عن قول الله سبحانه: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاك فبصرك اليوم، فقال هذا في يوم القيامة عند خروج الخلق من قبورهم ومصيرهم إلى حشرهم ووقت حسابهم حيث تأتي كل نفس معها ما ذكر الله من السائق والشهيد والسائق والشهيد فهو الرقيب الذي ذكر الله العتيد وهما الملكان اللذان قال الله: عن اليمين وعن الشمال قعيد، فهما يشهدان عليه ويسوقانه، لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصر، فيقول سبحانه: قد كنت لتكذيبك وقلة نظرك لنفسك والإعراض عن العمل في الدنيا بما يخلصك في هذا اليوم في غفلة والغفلة فهي من التارك للعمل. (1/219) معنا: كشفنا عنك غطاك فهو بما أظهر له من المعاينة لما كان فيه شاك وعن العمل له معرض حتى رآه عيانا وواجهه صراحا فبصرك اليوم حديد، فهذا مثل مثل به الله له يريد إنك كنت من قبل تكذب بهذا وبرؤيته فقد أصبحت اليوم حديد البصر بمعاينته زال عنك الخبر ووقع العيان. وسألته: عن قول الله سبحانه: وقال قرينه هذا ما لدي عتيد، قال: القرين الذي يقول: هذا فهو الصاحب الفاسق المغوي له في الدنيا والمشارك له في الإثم من حتى موسوس مغوي أو أنسي ردي فاجر مؤذي، معنا ما لدي عتيد فهو ما عندي ولي مما استوجبه بفعلي عتيد فهو مقيم وهو عذاب الله الأليم النازل به وبقرينه المشارك له في أيامه. وسألته: عن قول الله سبحانه: قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد، فقال: فأخبر سبحانه باختصام الفاجر وقرينه وتلاومه ونظيره فكان من رد الله عليهما حين كان عنهما ما كان من قولهما أن قال: لا تختصموا لدي يقول: لا تختصموا عندي وقد قدمت إليكم بالوعيد، يقول: قدمت إليكم بالإعذار والإنذار والوعيد لهذا النهار فلم ينفعكما إعذاري ولم يردعكما عن المعصية وعيدي فاليوم لا يبدل القول لدي وتبديله فهو تحريفه، والتحريف فهو من الكافرين عند تخاصمهم يقول: بعضهم لبعض هذا بأفعالكم وهذا بأسبابكم نزل بنا وحق علينا، وعيد ربنا ويقول الآخرون: مثل مقالتهم وينسبون سبب ذلك إليهم فكل يطرح الذنب على صاحبه ويحيل الإغوا عليه. (1/220) وسألته: عن قول الله سبحانه يوم يقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد: فقال: هذا اليوم يوم القيامة يوم الحسرة والندامة، ومعنا قوله: يوم يقول لجهنم هل امتلأت هو قوله: لخزنتها هل امتلأت وكذلك قوله: وتقول هل من مزيد لما أن كان الخزنة من أسبابها جاز أن يطرح الخزنة ويكون الخطاب لها على مجاز الكلام وهذا في الكلام موجود في اللغة ومثل ذلك من كتاب الله كثير، وقوله سبحانه: وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم، والعجل لا يشرب في القلب، وإنما الذي شربه القلب حبه فأراد وأشربوا في قلوبهم حب العجل، فطرح حبه، وأقام العجل مقامه إذ كان من سببه، وفي ذلك ما يقول الشاعر: ألا إني سقيت أسود حالكا... الأبجلي من الشراب الأبجلي فقال: سقيت أسود والأسود لا يسقاه أحد وهو سم الأسود، فطرح السم وأثبت الأسود مكانه إذ كان من سببه، والشاهد على ذلك من كتاب الله سبحانه أيضا: قوله: واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها، والقرية فإنما هي البيوت والأبنية وليس شيء من هذا يخاطب، ولا يسأل وإنما أراد أهل القرية، وساكنها فطرح الأهل والساكن إذ كانوا من سبب القرية وأثبت القرية، وكذلك قوله: يوم يقول لجهنم هل امتلأت أرد لخزنة جهنم فطرح الخزنة إذ كانوا من سبب جهنم وأثبت جهنم فجاء المنادا كأن المخاطبة لجهنم وإنما المخاطبة لخزنتها والقومة بها. (1/221) وسألته: عن قول الله سبحانه: وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب، فقال: أزلفت معناها كرمت وشرفت وقربت منهم وقربوا منها، وهذا مشتق من الزلفا والزلفا فهي الكرامة بالخلاصة العالية معنا من خشي الرحمن بالغيب فهو خشية في الغيب والغيب: فهو ما غاب عن الناس واستتر من ضمير القلوب أو عمل مستور، ومعنا جاء بقلب منيب فهو جاء يوم القيامة بقلب نايب راجع، وقد رجع في دنياه إلى الله وأناب إلى طاعة الله فكان لها في دنياه من العاملين ورجع إلى الله وهو من المنيبين المكرمين. وسألته: عن قول الله سبحانه: وكم أهلكنا قبلهم من قرن إلى قوله: وهو شهيد، فقال: معنا نقبوا هو ركضوا فهربوا خوفا من العذاب، فلم يفدهم ذلك ولحقتهم من الله النقم والمهالك، معنا: قوله هل من محيصا هو هل وجدوا من الله محيصا ومعنا محيص فهو مهرب وملجأ يحيصون إليه أو يرغبون إليه أو يلجون نحوه، لذكرى يقول تذكرة وعبرة لمن كان له قلب أي من كانت له فكرة ونظر واستعمال للتمييز بغفله إذا أفكر، معنا: إلقا السمع فهو إلقا بالطاعة إلى الله ورسوله فسمع لأمر الله وأطاع وكان لأحكام الله ذا قبول واتباع وهو شهيد يقول شاهد لله بالحق قايل فيه بالصدق يشهد إنما جاء به نبيه من الله وأنه أنزل بأمر الله وأنه من عند الله. وسألته: عن قول الله سبحانه: والذاريات ذروا إلى قوله: لواقع، فقال: الذاريات هي الرياح اللواتي تذرا ما تذري من التراب وغيره مما تحمله الرياح وتذروه ذروا فهو تأكيد لذروها وتعجيب لأمرها وهو كقول الرجل فلان تضرب ضربا شديدا وفلان جرا جرياً. (1/222) الحاملات وقرا: فهن السحاب والوقر فهو ما فيهن من الماء الجاريات يسرا، فقد قيل: إنهن السفن، والمقسمات أمرا فهي الملائكة التي تقسم رحمة الله بأمره ونسوق أرزاقه إلى خلقه من ماء السماء الذي به حياة جميع الأشياء إنما توعدون لصادق هو جواب قسم بما أقسم الله به من هذه الأشياء المتقدمة فأخبر أن وعده حق، وأن قوله في ذلك كله صدق وأن الدين لواقع الدين فهو الجزا والجزا: هو يكون في يوم الدين ويوم الدين فهو يوم حشر العالمين، وفي ذلك يقع الدين، والدين: فهو ما ذكرنا من أنه الجزا للخلق على أفعالهم يجازا ويدان أهل المعاصي بعذاب النيران ويدان ويجازا أهل الإيمان بالثواب الكريم في الجنان، ومعنى قوله: لواقع هو واقع بأهله حال بمستأهله. وسألته: عن قول الله سبحانه: والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون، فقال: الحبك هو الاستواء والانحباك والمنحبك من الأشياء فهو المعتدل المستوي الذي لا اختلاف فيه ولا افتراق، إنكم لفي قول مختلف يقول: إنكم لفي آراء وأقاويل مذاهب مختلفة لا يجتمعون على الحق، ولا يقولون ما يجب من كلمة الصدق، يؤفك عنه من أفك، معنا: يؤفك فهو يعجز عن قول حقه وإتباع صدقه من عجز والعاجز هاهنا من قبوله: فهو المكذب بما سمع من قيله، قتل الخراصون: معناه لعن الخراصون. والخراصون: فهم الكاذبون المتقولون على أهل الحق بالباطل الذين ينطقون فيهم من المنكر ما ليس فيهم ويقولون بالمحال والكذب عليهم، في غمرة ساهون أي في غفلة ويجوز جهالة ساهون أي معرضون غافلون عما يجب عليهم في تكذيبهم وعما هو نازل بهم من العقوبة على كفرهم. (1/223) وسألته: عن قول الله سبحانه: يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون، فقال: معنا يسألون أيان يوم الدين هو إخبار من الله عن قولهم، وذلك أنهم كانوا يقولون أيان يوم الدين، ومعنا أيان أي متى يوم الدين وأي يوم الدين الذين تصف يا محمد، والدين فهو الجزاء، فقال الله تبارك وتعالى: يوم هم على النار يفتنون، يريد هذا اليوم الذي يسألون عن وقته ويكذبون بك وبه هو يوم هم على النار يفتنون ومعناهم على النار يفتنون هم في النار يفتنون فقامت (على) مقام (في)، ومعنا يفتنون فهو يعذبون فأخبرهم الله أن يوم الدين يوم عذابهم في النار وخزيهم وحين ملاقاتهم لسؤ فعلهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: وفي السماء رزقكم وما توعدون ) فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون، فقال: يريد أن في السماء، ومن السماء ينزل الماء الذي منه، وبه حياة كل شيء وصلاح أرزاق كل شيء من الثمار والأشجار والزروع مما يأكله الأنام ويعيش به سوائم الأنعام وما توعدون. يخبر أن من السماء ينزل عليهم كل وعيد من العذاب الفادح الشديد المهلك العتيد، ثم أقسم سبحانه أن كل ما ذكر وعذر لنا وخبر من التعب والحساب والثواب والعقاب وهبوط الأرزاق حق كما أنكم تنطقون حقا لا شك فيه ولا إمترا. (1/224) وسألته: عن قول الله سبحانه: هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إلى قوله: ألا تأكلون، فقال ضيف إبراهيم هم الملائكة التي أرسلها الله إلى لوط ننجيه وأهله وتهلك قومه الذين يعملون السيئات أتوا إلى إبراهيم بديا فقالوا: سلاما سلموا عليه فرد عليهم السلام، ثم قال قوم منكرون، أي لا يعرفكم من أهل دهرنا ونحن ننكر حليتكم وصوركم، فراغ إلى أهله يقول: عطف إلى أهله ومنزله فجاء إلى القوم بعجل سمين مشوي يطعمهم إياه فوضعه بين أيديهم، ثم قال: ألا تأكلون فلما رأى صلى الله عليه أيديهم لا تصل إليه كما ذكر في غير هذه السورة وأوجس منهم خيفة والخيفة فهي الفزع والمخافة. ومعنى: أوجس أحسَّ منهم بالحق وعلم عند ذلك أنهم ملائكة فقالوا له: لا تخف وبشروه بغلام عليم بإسحاق صلى الله عليه فوهب الله له إسحاق بعد إسماعيل عليهما السلام كما قال في غير هذه السورة. وسألته: عن قول الله سبحانه وفي موسى: إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين إلى قوله: كالرميم، فقال: يريد وفي موسى آيات وعبرة إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين، يريد بحجة وبرهان مبين، فتولى بركنه يريد بجانبه أي حول وجهه وثنا شقه وجانبا ملتفتا عن موسى معرضا عما جاء به من الهدى ناسيا ما جاء به موسى إلى السحر والجنون، وهذا شيء يفعله الجبابرة المتكبرون الفراعنة الطاغون فإذا سمعوا ما لا يحبون وواجهوا ما لا يريدون صدوا بأحد جانبهم وثنوا وجوههم مع مناكبهم منحرفين عن من بذلك يقاربهم. (1/225) معنا: أخذناه وجنوده أي أوقعناه وجنوده في النقم، معنا فنبذناهم في اليم أي رمينا بهم في اليم، واليم فهو البحر المالح الأعظم، وهو مليم معنا وهو مليم مستوجب للعقوبة بفعله مستدعي لدواعي اللاّئمة إلى نفسه فاعل لكل ما يلام به واللائمة هنا فهو الذنب الذي عوقب عليه ولامه الله فيه، وعاقبه عليه، وقد قيل: إن المليم هو الصامت المتحير الباهت يرى من الأمر ما قد بهته وأفزعه والقول الأول أحبهما إلي وأصحهما عندي. وفي عاد يقول: وفي عاد أية وعيره وتذكرة وتفكرة لمن أراد التذكرة إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم والريح العقيم فهي ريح العذاب الشديد الأليم الذي لا فسحة معها ولا فرج فيها ولا تنفس لمن استوجبها فلما أن لم يكن فيها رائحة ولا تخفيف ساعة واحدة قيل: هي عقيم من الفرج والراحة أي لا فرج فيها، كما يقال: رجل عقيم وإمرأة عقيمة وهما اللذان لا يلدان ولا يكون منهما ولد، فكذلك هذه الريح الشديدة العظيمة التي لا راحة فيها، ولا يكون منها سكون طرفة عين عن أهلها حتى تدمر كل ما أتت عليه. معنا إلا جعلته كالرميم يقول ضربته وطحنته وأبادته حتى تركته مثل الرميم، والرميم: فهو الحسيس البالي القديم العهد بالحياة الذي قد بلي واسوادَّ وفني ولم يبق فيه إلا فتات لا منفعة فيه. (1/226) وسألته: عن قول الله سبحانه: والسماء بنيناها بأيد إلى قوله: لعلكم تذكرون، فقال: معنا بنيناها هو جعلناها وخلقناها وقدَّ رناها سقفا عليكم ودبرناها، ومعنا بأيد فهو بقوة واقتدار، وإنا لموسعون يقول: إنا لها لمعظمون موسعون، فهي واسعة عظيمة طبق على طبق غير ناقصة ولا صغيرة، والأرض فرشناها: يقول: بسطناها لكم ومهدناها فصارت لكم بتقديرنا فراشا ولأحياكم وأمواتكم برحمتنا كفاتا والماهدون: فمعناها الباسطون: المسوون الموطون لصعبها المسهلون لسهلها، ومعنا قوله: ومن كل شيء خلقنا زوجين يريد سبحانه: إنا خلقنا من كل صنف ذكرا وأنثى ثم خلقنا منها نسل ذلك الصنف والمعنا وأخبر سبحانه بأصل التناسل له من الزوجين. والزوجان: فهو الزوجة والزوج المتزاوجان لعلكم تذكرون: يقول: لعلكم تتفكرون في قدرة من جعل ذلك ودبره كذلك حتى توالد كل صنف من ذكر وأنثا فتعلموا أن الذي دبر ذلك في الابتدا قادر سبحانه على أن يحيي الموتى. وسألته: عن قول الله سبحانه: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون إلى قوله: فلا تستعجلون، فقال: هذه شهادة من الله، وقول بالحق وإخبار عن فعله الصدق أنه لم يخلق خلقا إلا لطاعته والعمل بمرضاته لا ما يقول الكفرة الفاسقون الجورة المجترؤن من أنه خلق فريقا للعصية وفريقا للطاعة فأكذبهم الله تبارك وتعالى بما ذكر في هذه الآية. (1/227) ثم أخبر أنه لم يخلقهم ليرزقوه ولا ليطعموه وإنما على هذا المثل تبارك الله وتعالى عن الأكل والشرب والحاجة إلى الرزق والذي ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء وهو على خلاف كل شيء مباين لكل شيء وهو السميع العليم، ثم أخبر أنه الرزاق غير المرزوق الذي لا يحتاج إلى المخلوقين، وهم إليه محتاجون، وإلى رزقه وفضله مضطرون، ذو القوة المتين: يقول ذو القدرة والسطوة والمتين فهو القوي العزيز العظيم المحال الشديد النكال، فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم، يقول: سجال من العذاب واقع بهم كما نزل بالأولين العاصين. وفي ذلك ما يقول الشاعر: لنا ذنوب ولكم ذنوب... فإن أبيتم فلنا القليب يقول: لنا جزء ولكم جز ولنا دلو ولكم دلو، فإن أبيتم أن نستقي وتستقون طردناكم عن القليب وأخذناه كله والقليب فهي البير العادية. وسألته: عن قول الله سبحانه: والطور وكتاب مسطور، إلى قوله: وتسير الجبال سيرا، فقال: هذا قسم من الله سبحانه بهذه الأشياء لما فيها من عظيم الآيات والثناء والبركة والخير لمن اهتدى، الطور: فهو جبل بالشام يسما الطور كثير البركة والخير وكتاب مسطور، فهو كتاب محمد صلى الله عليه وعلى آله المذكور في رق منشور، والرق فهو الرق المعروف الذي تكتب فيه المصاحف منشور فهو مفتوح معلوم والبيت المعمور، فهي كعبة الله التي جعلها قبلة للمؤمنين، وهي بكة وهي بقعة البيت التي في وسط مكة. والسقف المرفوع، فهي السماء المرفوعة التي جعلها الله سقفا للأرض الموضوعة، والبحر المسجور فهو البحر الأخضر المالح الأكبر، والمسحور فهو ذو الصوت والهيجان والأمواج فشبه الله اضطرابه وتقلب مياهه واصتدام أمواجه بالتنور المسجور والمسجور: فهو الموقد الذي قد تأججت ناره واستوقدت فيه فهاج لها صوت لديه والعرب تقول: اسجرا لتنور أي أوقده، فشبه الله تبارك وتعالى البحر بالسجير تسجير النار في التنور. (1/228) إن عذاب ربك لواقع فوقع القسم على وقوع العذاب ماله من دافع يقول ما فيه من حيلة ولا له من مانع، ثم أخبر متى يقع العذاب الذي عليه أقسم، فقال: يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا، وذلك فهو يوم القيامة الذي تمور فيه السماء ومورها فهو محاقها وذهابها وتقطعها ورجوعها إلى ما منه خلقها ربها، وفي ذلك اليوم تسير الجبال سير ا، ومعنا تسير سيرا فهو نسفها من وجه الأرض وذهابها ممن الأرض كما ذكر الله سبحانه حين يقول: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب أي تنقطع وتذيب وتمحق كتقطع السحاب وذهابه من بعد تجسَّمه واجتماعه فهذا معنا تسير الجبال. وسألته: عن قول الله سبحانه: فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون إلى قوله: أم أنتم لا تبصرون، فقال: هذا إخبار من الله بأن الويل ينزل بالمكذبين في يوم تمور السماء مور ا، وتسير الجبال سيرا، والويل فهو العذاب والمكذبون فهم الذين كذبوا بما جاء به محمد صلى الله عليه في خوض يلعبون فالخوض هو التكذيب والهروج والشك والمزح ويلعبون فهو يعبثون ويهزؤن، يوم يدعون إلى نار جهنم دعا معنا يدعون أي يدفعون ويدقون ويجرون ويضربون تقول العرب: دعه أي أدفعه بيدك. والكزهٌ بجمعك، هذه النار التي كنتم بها تكذبون في الدنيا تجحدون ومواقعتها في هذا اليوم تنكرون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون هذا سحر كما كنتم تفعلون في الدنيا إذا أنذرتم بذلك أم أنتم لا تضرين ما قد وقعهم قد وقعهم فيه يريد بلا أنكم لتبصرونه وترونه عيانا بعد أن كنتم تكذبون به وتنكرونه إنكارا. (1/229) وسألته: عن قول الله سبحانه: والذين آمنوا وتبعتهم ذريتهم بإيمان إلى قوله: كل امرئ بما كسب رهين، فقال: يريد سبحانه: إن كل مؤمن يتبعه ذريته بإيمان مثل إيمانه ولقيت الله بذلك فإنهم يلتقون به في دار الثواب، وقوله: وما التناهم يريد وما انتقصناهم بما وعدناهم على إيمانهم شيئا، فأما قوله من عملهم فإنما يقول من جزاء عملهم، وأما قوله: كل امرئ بما كسب رهين، فهو يخبر أن كل امرئ بعمله مرتهن وبكسبه مجازا فخير فخيرا وشرا فشرا. وسألته: عن قول الله سبحانه: يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم، فقال: اللغو: فهو الهذيان، والكلام الذي يخرج ممن قدزال عقله فيلغو في لفظه عند سكره وشربه لخمره فأخبر الله أن خمر الآخرة لا يفسد منها العقول ولا ينطق شار بها باللغو والفضول، وأما قوله: ولا تأثيم، فهو لا إثم على شارب خمر الآخرة من الإثم والعقوبات، وما أوعد الله عليها شاربها من النكرات. وسألته: عن قول الله سبحانه: قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم، فقال: هذا قول من المؤمنين عندما ينجيهم الله في الآخرة من العذاب المهين، يخبرون أنهم كانوا في الدنيا وهم بين أهليهم مشفقين من عذاب الله ومعنا مشفقين فهو خائفون وجلون فمن الله علينا بصرف ما كان منه وجلنا وأشفاقنا من عذاب السموم، وإنما اشتق السموم من الأمر الشديد من وجه السموم، والسموم: فهي النار ذات الحريق والحر المهيل ومنه استق اسم السموم للريح الحارة الشديدة الحر التي يلفح الوجوه منها كما يلفح وهيج النار. (1/230) وسألته: عن قول الله سبحانه: فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون، فقال: هذا أمر من الله أمر به نبيه صلى الله عليه وعلى آله أن يذكر به ويدعوا إليه، ثم أخبر أنه ليس كما يقول الكافرون فيه ويقذفونه به من الكهانة والجنون فنفا الله ذلك عنه، فقال: فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون بل أنت الرسول الكريم الأمين. وسألته: عن قول الله سبحانه: أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون إلى قوله: سحاب مركوم، فقال: هذا إخبار من الله عما يقول الكافرون في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله كانوا يقولون: إنه شاعر لا رسول، وكان بعضهم يقول لبعض تربصوا به ريب المنون، معنا تربصوا فهو تنظروا وتوقعوا ريب المنون، والريب: فهو الوقوع والنزول والمنون: فهي الموت فأمر الله نبيه عليه السلام أن يقول لهم: تربصوا إني معكم من المتربصين يقول: انتظروا بي فإني أنتظر بكم مثل ما تنتظرون بي وأعظم من ذلك مما أرجوه من نزول عذاب الله عليكم. أم تأمرهم أحلامهم بهذا يقول: أليس يزعمون أن لهم أحلاما وعقولا أفحلامهم تأمرهم ودلهم على المكابرة للحق وقول الباطل أم هم قوم طاغون يريد أم هم قوم قد طغوا عليك فينزل بهم البلاء على طغيانهم ويحل بهم النقم على كفرهم معنا أم يقولون تقوله يريد أم يقولون أنه كذبة وادعا أنه من الله وليس من الله، بل لا يوقنون، يقول: بل هم لا يصدقون أنه من الله. (1/231) فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صاقين يريد سبحانه إن كانوا صادقين أنك تقولته فليأتوا بحديث مثله يريد بقرآن مثله لأنه إن كان منك فسيقدرون على أن يأتوا بمثل ما أتيت به، وإن كان من عندنا فلن يقدروا على ذلك أبد ا، ثم قال سبحانه: أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون يريد أفلا يعتبرون فينتظروا في خلقهم أمن غير شيء خلقوا أم من شيء جعلوا فإن نظروا فسيبين لهم من أثر صنعنا ما يدلهم على أن ما جيئت به من عندنا. ثم أنتظروا أهم الخالقون أم غيرهم الخالق، فإن أقروا بخلق غيرهم لهم وبأنهم لم يخلقوا أنفسهم فيعلمون أن الذي أرسلك إليهم هو الخالق لهم. أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون ) أم عندهم خزائن ربك أم هم المصطبرون، فكل هذا يريد سحبانه أنهم إن كانوا كذلك وكانوا يفعلون ذلك فالقول قولهم وإن كانوا ليسوا بفاعلين ذلك ولا قادرين عليه فليعلموا أن الفاعل لما عجزوا عنه هو الباعث لك والمنزل لما معك مما عجزوا أن يأتوا بمثله أم هم المصيطرون، يريد أم هم المستحصون لكل الأشياء الموكلون عليها الحافظون لقليلها وكثيرها فلن يكونوا كذلك أبدا ولن يكون غير الله كذلك ولن يعلمه ويحصيه سواه. أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين هذا مثل مثله الله تبارك وتعالى يقول: أم لهم سلم يرقون فيه إلى السموات حتى يسمعوا وحي الله الذي ينطق به ملائكته عنه فإذا ذلك كذلك عندهم فليأت الذي استمع في السلم لهم بسلطان مبين، أي بحجة يدل على ذلك ويبينه وإلا فهم مبطلون والحجة فهي السلطان والمبين بين الظاهر أم له البنات ولكم البنون هذا إنكار من الله لقولهم أن الملائكة بنات الله، فقال الله تبارك وتعالى: هل يكون ما قلتم من ذلك ويجوز أن يصفكم بالبنين ويدع لنفسه البنات، لو كان كما تقولون تعالى الله عن ذلك علوا كبير ا، وتقدس عما يقول فيه الكافرون تقديسا عزيزا كريما. (1/232) أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون يقول: أم هذا الصدق والمنافرة لك لأجر سألتهم إياه والأجرة فهي الآجرة على ما جاء به فهم من مغرم يقول: فهم من شدة الغرم الذي الزمتهم إياه مثقلون فمعنا مثقلون أي مندوحون لا يطيقون ما كلفتهم ولا يجدون ما سألتهم فهم كارهون لأمرك لعظيم ما كلفتهم من أجرك. أم عندهم الغيب فهم يكتبون يقول: أم عندهم علم الغيب فهم يعلمون كل شيء فيكون ما قالوا من علم غيبهم، ومعنا يكتبون فهو يعلمون، أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون، يقول: أم هذا الذي يفعلون بك من التكذيب وغيره هو مكر يمكرونه وكيد لك يريدونه فالذين كفروا هم المكيدون هم المعذبون الذين يقع عليهم الكيد ويحقهم دون غيرهم، حتى يكون ما أملوا إيقاعه بك من الكيد عليهم تكون أنت سالما لما من ذلك وهم فيه واقعون. أم لهم إله غير الله يقول: أم لهم خالق ومدبر غير الله فهم إليه يلجون وبه يتعززون كلا مالهم من آله غير الله الذي عليه يجترؤن وبه يكفرون، سبحان الله عما يشركون، يقول تعالى الله وتنزه عما يقولون ويفعلون من شركهم وكفرهم هو أن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا: سحاب مركوم. الكسف: هو العذاب النازل من السماء فأخبر سبحانه أنهم عند معاينتهم لو عاينوه لقالوا: هذا سحاب مركوم المركوم فهو الذي بعضه على بعض فإذا رأوه توهموا أنه سحاب حتى يقع عليهم فيهلكم وذلك مثل قوله سبحانه: فلما رأوه عارضا مستقبلا أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم. وسألته: عن قول الله سبحانه: والنجم إذا هوى إلى قوله: ولقد جاءهم من ربهم الهدى فقال: هذا قسم من الله سبحانه بالنجوم عند هويها، ومعنا النجم فهو النجوم جميعا كما قال الله: يا أيها الإنسان، وهو يريد الناس طرا، ومعنا هوى فهو غاب وتدلا فأقسم بهويه عند هويه لما في ذلك من عظيم الآيات وكبير الدلالات على مسير الأرضين والسموات. (1/233) ثم قال: ما ضل صاحبكم وما غوى فأقسم بالنجم أن محمدا صلى الله عليه وعلى آله ما ضل عن الهدى ولا عدى عما أمره به العلي الأعلى وأنه ما أفك ولا غوى ومعنا غوى فهو ضل وهلك إذا أساء، إن هو إلا وحي يوحى يقول: ما يأتيكم صاحبكم إلا بوحى يوحى إليه ولا يأمركم إلا بما ينزل من الله عليه، علمه: معناها فهمه وأمره به شديد القوى: فهو جبريل صلى الله عليه يقول: شديد الأمر والخلق، ذو مرة والمرة فهي العزيمة والقوة والنفاذ فيما يؤمر به، فاستوى معناها فتم وكمل، وهو بالأفق الأعلى والأفق الأعلى أفق السماء الدنيا ثم دنى فتدلا، يقول: تقرب ودنا، ونزل حتى كان من محمد صلى الله عليه في الهوى. قاب قوسين أو أدنا ومعنا قاب قوسين: فهو قدر علوتين في الهوى أو أدنا يقول: أو أقرب من القوسين وفوق القوس، فأوحى إلى عبده ما أوحى يقول: أوحى جبريل المتدلي على قاب قوسين أو أدنا إلى عبدالله محمد ما أوحى من الوحي الذي بعثه به الواحد الأعلا. ما كذب الفؤاد ما رأى يقول: ما كذب فؤاد محمد وقلبه فيما قد أيقن به من آيات ربه من تدلي جبريل إليه بوحي خالقه، أفتمارونه على ما يري يقول تكابرونه وتجاحدونه فيما قد عاينه عيانا ورآه، ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ) عندها جنة المأوى فشهد سبحانه لمحمد صلى الله عليه أنه قد رأى جبريل في الصورة التي خلقه الله فيها مرتين حين دنا فتدلى وعند سدرة المنتهى وسدرة المنتهى فهي أعلا عليين وعندها جنة المأوى في أعلان عليين أيضا من فوق السماء السابعة العليا، وهذه الآية حجة بأنه أسرى بعبده ليلة إسرائه إلى المسجد الأقصا إلى السماء السابعة العليا، التي فوقها سدرة المنتهى حتى رأى جبريل عندها نزلة أخرى. (1/234) وهذه الآية أيضا حجة في أن الله قد خلق الجنة، إذ يغشا السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى فالسدرة هي سدرة المنتهى والذي غشيها فهو جبريل حين رآه محمد عندها وفوقها غاشيا لها ولغيرها في خلقه الأعظم الذي خلق فيه ما زاغ البصر يقول: ما عدل عنه ولا شبهه ولا تخايله ولا ظنه بل قد رآه بحقائق الرؤية وأبصره وما طغى رجع الخبر إلى محمد عليه السلام، يقول: ما طغى في ما خبركم به عن ربه ولا دخله في ذلك أسر ولا يعا بل قد صدقكم عما أبصر ورأى. لقد رأى من آيات ربه الكبرى، يقول: لقد رأى من جبريل في هذه الصورة مرة بعد مرة آية من آيات الله العظما لا يشبهها شيء من الأشياء، أفرأيتم اللات والعزى اللات هي: قبة كانت بالطائف والعزى: فهي آخر كانت لهم بنظر نخلة على مرحتلين من مكة كانوا يزينوهما بالجوهر، والذهب والفضة والثياب الحسنة وكانوا يعبدونهما كما يعبدون الأصنام ويرونهما أعظم قدرا من الأصنام، ومناة الثالثة الأخرى، فهو صنم كان لهم على الكعبة فعنفهم الله في عبادة مثل ذلك يقول: أرأيتم ما تعبدون من هذه لأي معنا تعبدونه ولأي سبب تتخذونه آلهة من دون الله وهن لا ينفعنكم ولا يضررنكم. (1/235) ألكم الذكر وله الأنثا ) تلك إذا قسمة ضيزا هذا في ما كانوا يزعمون من أن الملائكة بنات الله إناث، وأن لهم هم البنين الذكور، فقال الله: أي حكم هذا أو عدل عندكم أن تجعلوا لربكم البنات وتجعلون لأنفسكم البنين هذا إذا قسمة ضيزا، والضيزا: فهي الجائر الفاسدة التي لم تقع على عدل، ولا على حق إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم وكذب كذبتموه على الله لم ينزل به سلطانا والسلطان فهو الحجة والدليل والبرهان، إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، يقول: إن يتبعون فيما يسمون ويذكرون إلا هوى أنفسهم، وظن منهم بلا حقيقة ولا بيان، ولقد جاءهم من ربهم الهدي يقول: قد جاءهم من الله نفي ذلك على لسان نبيه، وبان لهم طريق الهدى والحق والتقوى. وسألته: عن قول الله سبحانه: أم للإنسان ما تمنا إلى قوله: لمن يشاء ويرضى فقال: أم للإنسان ما تمنى يقول: هل يكون للإنسان ما تمنا هل يأتيه ويستوي له تمنيه إذا تمنا أم ليس له غير الحق وإن لم يكن يشأه، فلله الآخرة والأولى يقول لله الأمور كلها أمور الآخرة والأولى، والأولى فهي الدنيا، فأخبر سبحانه أنه لا ينفع أحدا ما يتمنا ولا يصح في يده شيء من ذلك أصلا وأن الأمر كله لله الواحد الأعلى، وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا، فقال: هذا نفي من الله لما تروي الحشوية والإمامية من الشفاعات لأهل المعاصي، فأخبر سبحانه بما أخبر من كثرة الملائكة في السموات، وأنهم لا تغني شفاعتهم لأحد من خلق الله لو شفعوا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى يقول: إنهم لو شفعوا بأسرهم في مذنب واحد ممن قد حق عليه الوعيد لم ينفعه ذلك، ولم تجز شفاعتهم عند الله فيه إلا من بعد أن يأذن الله للمستشفعين فيشفعوا للمؤمنين الذين قد رضي الله سعيهم فتشفع لهم الأنبياء في زيادة الثواب وكثرة العطا وبلوغ ما لا يبلغونه بأعمالهم من الأشياء. (1/236) وسألته: عن قول الله سبحانه: الذين يجتنبون كبائرالإثم والفواحش إلا اللمم، فكبائر الإثم والفواحش فهو ما وعد الله عليه النار إلا اللمم واللمم هو ما ألم به الإنسان من غير تعمد ولا قصد ولا إرادة، إن ربك واسع المغفرة: معناه كثير المغفرة، هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الإرض يقول هو عالم بكم وبأخباركم وبما يكون منكم إلى يوم القيامة فقد علم ذلك كله مذ وقت أنشأئه لكم من الأرض، ومعنى أنشأكم من الأرض فهو خلقه لآدم عليه السلام في بدئ الخلق من التراب والأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم يقول إذ أنتم مستجنون في بطون أمهاتكم قبل خروجكم إلى الأرض فهو يعلم ما ستفعلون عند كبركم وبلوغ أشدكم فلا تزكوا أنفسكم فهو أعلم بمن اتقى يقول لا تقولوا أنكم أزكياء ولستم بأزكياء ولا تسموا أنفسكم أتقياء وأنتم تعملون غير عمل أهل التقوى هو أعلم بمن اتقى أي بمن آمن واهتدى واستوى. أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا يقول: ممن أعطا حق الله قليلا، وأكدى: على كثير منه، ومعنا أكدى فهو منع وأبا أن يدفع ما عليه من حق الله، فقال تبارك وتعالى: أعنده علم الغيب في ما فعل أنه لا يعاقب عليه فهو يرى أي فهو يعلم ما له وعليه في ذلك أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفا، الذي في كتبهما صلوات الله عليهما فهو ما ذكر أنه: لا تزر وازرة وزر أخرى. ومعنا وفاَّ فهو بلّغ وأدّا، ومعنا وازرة فهي حاملة يقول: لا تحمل حاملة حمل أخرى، وهذا مثل فالذي لا يحمل هاهنا فهو العمل لا يحمله غير صاحبه أي لا يلزم عمل واحد غيره بل كل إنسان مأخوذ بعمله دون غيره، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى يقول: ليس يجب للإنسان ولا عليه إلا عمله، وأن سعيه سوف يرى يقول: عمله سوف يظهر، ويوجد غدا عند الله جزاءه. (1/237) ألا ترى كيف يقول: ثم يجزاه الجزاء الأوفى يقول: يعطا عليه العطا الأوفى من خير وشر وإلأوفى، وفي فهو الذي لا يزيد ولا ينقص، وأن إلى ربك المنتهى، يقول: إلى الله المصير غداً، وأنه هو أضحك وأبكى يخبر سبحانه أنه الذي جعل في الإنسان استطاعة الضحك والبكى وركب فيه السخط والرضى، وأنه هو أمات وأحيى يخبر أن الموت منه والحياة في مبتدأ الخلق والإعادة بعد الموت والإنشاء. وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى فأخبر أنه يريد النطفة في الرحم حينا ذكراً وحينا أنثا حتى خلق من هذا الماء المهين الزوجين اللذين منهما يكون نسل الآدميين، وأن عليه النشأة الأخرى يقول سبحانه: إن عليه أن يبعث الخلق ويردهم بعد فنائهم ويوادهم أحياء يحاسبهم ويعاقبهم ويثيبهم بأفعالهم المتقدمة فالبعث من القبور هي النشأة الأخرى والنشأة الأولى فابتدأ الخلق من النطفة في الرحم بشرا كاملا، وأنه هو أغنى وأقنى معنا أغنى فهو رزق وأعطا ومعنا أقنى: فهو رزق وكفى وتولى كفاية عبيده، وأرزاق خليقته، وأنه هو رب الشعرى والشعرى نجم معروف في السماء، وفي ذلك ما يقو الشاعر: نظرتكم العَشَا إلى سهيل... أو الشِعرى فطال بي الأنا يقول: انتظرت قِراكم أن يأتي إلى طلوع سهيل أو طلوع الشعرى، فطال بي الانتظار ولم يأت شيء، وأنه أهلك عاداً الأولى ) وثمود فما أبقى ) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى معناه يخبر سبحانه أنه الذي أهلك عادا الأولى، ومعنا الأولى الأولة وثمودا فما أبقى فلم يبق منهم أحدا لما أن عقروا الناقة وعصوا صالحا، وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى، يقول: أظلم من ثمود وأطغا، ومعنا: أطغى فهو أبغاء وأشر وأردا. (1/238) والمؤتفكة أهوى معنا أهوى فهو أهلك وأردا فغشاها الله من عذابه: ما غشا، ومعنى غشا نزل عليهم وابتلا، فبأي آلاء ربك تتمارى يقول ففي أي آلاء ربك تشك وإلا لاء فهي الآيات هاهنا والابتلاء، هذا نذير من النذر الأولى معنى نذير فهو معذر منذر من النذر الأولى يريد كالنذر الأولى يخبر أنهم قد أنذروا كما أنذ الأولون فإن عصوا كما عصوا أهلكوا كما أهلكوا، أزفت الآزفة، قربت القريبة الأزفة فهي القيامة الأخرة، ليس لها من دون الله كاشفة يقول: ليس لها من بعد مجيء الله بها دافع ولا مؤخر. أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون يريد سبحانه أفمن إخبارنا إياكم بالآزفة وقرب الآخرة ووقوع الواقعة تعجبون أي تشكون ولا تصدقون وتضحكون إذا قرئ عليكم ما تسمعون ضحك ممتري في قولنا شاك في وعدنا ووعيدنا ولا تبكون وأنتم سامدون، والسامد: فهو المنصت المغموم الهائم الوجل الراهب الذي قد انقطع كلامه لخوف ما أمامه وقدامه. فاسجدوا لله واعبدوا أمر منه سبحانه لهم بالإيمان والتصديق بما جاء به رسولهم من الوعد والوعيد، والسجود، فهو وضع الجبهة على الأرض والعبادة بالقول والطاعة. وسألته: عن قول الله سبحانه: أقتربت الساعة وانشق القمر إلى قوله: هذا يوم عسر، فقال: اقتربت الساعة وانشق القمر، فهو إخبار من الله سبحانه لنبيه بقرب الساعة ودنوها إنه لم يبق من الديا إلا يسير، وقوله: انشق القمر: يقول اقتربت الساعة واقترب انشقاق القمر وانشقاقه فهو في يوم الدين في وقت تبديل السموات والأرضين وأن يروا آية يقول تبارك وتعالى وإن يرى المشركون آية من آياتنا يعرضوا عنها بالتكذيب بحقائقها ويقولوا: هذا سحر مستمر، أي مستوى متتابع كل يوم يأتينا منه شيء، وكذبوا واتبعوا أهواهم يقولوا: كذبوا واتبعوا أهواءهم يقول كذبوا بالآيات واتبعوا في ذلك ما يهوون من الباطل. (1/239) وكل أمر مستقر يقول: كل أمر يكون منهم فهو مستقر عندنا حتى نجازيهم غدا عليه ونوفيهم ما كان من وعدنا فيه، ومعنا: مستقر فهو محفوظ باين لا ينسا ولا يضل، ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر، يقول: قد جاءهم من الأخبار والآيات الصادقات والدلائل الباهرات ما فيه زجرهم، عما هم عليه ومعنا زجرهم فهو نهاهم ومنعهم عما هم فيه من باطلهم. حكمة بالغة فما تغني النذر يقول: آيات محكمة ودلائل كافية بالغة فما تغني النذر، يقول: ما تردعهم الرسل عند ذلك، والنذر هنا فهي إنذار الرسل لهم وبعثها بذلك من الله سبحانه فتول عنهم يقول: دعهم إذ لم يقبلوا وأعرض عنهم إذ لم يطيعوا، ثم ابتدأ سبحانه الخبر، فقال: يوم يدع الداع إلى شيء نكر معنا ذلك ستعلمون يوم يدع الداعي لشيء نكر، والنكر فهو الأمر المنكر الذي ينكرونه حتى يعاينوه ويفزعهم حين يرونه، خشعا أبصارهم معنا خشعا فهي مغضوضة لا يرفعون رؤسهم ولا يمدون أبصارهم أمامهم من الفزع والخوف والإيقان بالبلاء العظيم. يوم يخرجون من الأجداث فالأجداث هي القبور كأنهم جراد منتشر فشبههم في كثرتهم بالجراد المنتشر وهو الكثير المعروف، مهطعين إلى الداعي معنا مهطعين: فهم تابعون مسرعون إلى نحو الداعي، والداعي: فهو الذي يدعوهم إلى موضع الحشر، ويأمرهم بالمصير إليه، يقول الكافرون هذا يوم عسر، ومعنا هذا يوم عسر، أي عسر لدينا شديد علينا إذ حق وعد الله فينا. (1/240) وسألته: عن قول الله سبحانه: وحملناه على ذات ألواح ودسر ) تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر، فقال: هي السفن التي تعمل من الألواح وتشد بالدسر، والدسر فهي الحبال والمسامير التي يربط بها وتدسر، تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر فهي في تسير في البحر بعلمنا جزاء لمن كان كفر، والذي كُفر هو نوح صلى الله عليه يقول: جزيناه على صبره على من كان كفر نعمته وعصى أمره بالنجاة في هذه السفن مما وقع بالكافرين لنعمهِ المشركين بما جاء من الله به. وسألته: عن قول الله سبحانه: إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر ) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه بما أرسل على عاد من ريح الصرصر وريح الصرصر فهي الريح الباردة الشديدة العظيمة القوية في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر: يريد تنزع نفوس الناس من أبدانهم تخرجها من جثثهم حتى تبقا أبدانا مطرحة ميتة لا أرواح فيها كأنهم أعجاز نخل منقعر شبه جثثهم وعظمها بأسافل النخل الساقط المتقلع المنقعر فهو المتقلع من أصله. وسألته: عن قول الله سبحانه: إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر، ونبيهم أن الماء قسمه بينهم كل شرب محتضر، فقال: معنا مرسلوا الناقة أي جاعلوا الناقة فتنة لهم أي محنة لهم فارتقبهم أي انتظر معصيتهم فيها واضطبر أي أصبر حتى يعصوا في فعلهم فيرا ما يجب فيهم، ونبئهم أن الماء قسمة بينهم يقول: أعلمهم وقل لهم أنا قد قسمنا الماء بين الناقة وبينهم فيوم لها شربه كله لا يشربون معها ولا يردون الماء يوم وردها، ويوم لهم لا ترد فيه الناقة عليهم، كل شرب محتضر، يقول: كل يوم فهو شرب لأهله يشربون فيه الماء ويحتضرونه، ومعنا يحتضرونه: يشهدونه فكانوا كذلك حتى عقروا الناقة ونزل بهم عذاب الله فكانوا كهشيم المحتظر، والعذاب الذي نزل بهم فهو ما ذكر الله من الصيحة الواحدة. (1/241) والصحية: فهي الأمر الذي نزل بهم فأهلكهم، هشيم المحتظر، فهو دقاق ما قد بلي من الشوك والعيدان الذي احتظر به المحتظر على نفسه وغنمه ثم طال عهده فبلى وتفتت وهو شيء كانت العرب تفعله يجمع الرجل الشوك والعيدان فيحظره حظيرة، على غنمه حتى لا يخرج منها شيء فشبه الله هؤلاء الذين أهلكهم بهشيم ذلك الشوك الذي جعل حظيرة بعد فنائه وبلائه. وسألته: عن قول الله سبحانه: إنا أرسلنا عليهم حاصبا فقال الحاصب: هو الرمي الذي وقع بهم والرجم الذي نزل من السماء عليهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فقال: هو لوط صلى الله عليه راوده هؤلاء المرجومون ليسلم إليهم ضيفه وهم الملائكة المقربون وكانوا يظنون أنهم فتية آدميون فطمس الله أعينهم ومعنا طمس أعينهم فهو حجبناها عن رؤيتهم ومنعناها عن الوقوع على ملائكة ربهم. وسألته: عن قول الله سبحانه: أكفاركم خير من أوليائكم أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع منتصر ) سيهزم الجمع ويولون الدبر، فقال: شبه سبحانه قصص من ذكر في هذه السورة ممن أهلكهم من القرون بكفرهم، ثم قال: أكفاركم يعني قريشا والعرب خير من أوليائكم يقول: من أولئك الذين قصصنا عليكم هلكتهم أم لكم براءة في الزبر، يقول: أهم خير فنصرف عنهم ما أوقعناه بغيرهم ممن كفر ككفرهم، أم لهم براءة في الزبر، والزبر: فهي كتب الله من التوارة والإنجيل والزبور والفرقان، يقول: هل لكم من الله حكم بالبراءة مما وقع بغيركم فأنتم تجترون لذلك على ربكم. أم يقولون نحن جميع منتصر يريد أم يقولون: يا محمد نحن لكثرة جماعتنا وعددنا منتصرون من جنود الله إن قاتلتنا فهذا قليل من جهلهم وضعف رأيهم، وقولهم: سيهزم الجمع الذي به يدلون، وعليه من دون الله يتكلون حتى ينهزموا من جند الله ويولون أدبارهم، هاربين من أولياء الله. (1/242) وسألته: عن قول الله سبحانه: ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر، فقال: أشياعكم هي أمثالكم ونظراؤكم وإخوانكم في كفرهم فهل من مدكر، يقول: هل من مدكر أو معتبر. وسألته: عن قول الله سبحانه: وكل شيء فعلوه في الزبر إلى آخر السورة، فقال: الزبر هنا هي العلم يقول: كل شيء فعلوه وأحدثوه وقالوه، هو في علمنا ثابت مستقر لا يزال منه ما كبرو ما صغر، وكل صغير وكبير مستطر، معنا مستطر فهو مكتوب، ومعنا مكتوب فهو محفوظ إن المتقين في جنات ونهر، فالنهر نهر الأنهار التي تجري في الجنان، ومعنا مقعد صدق فهو محل صدق عند مليك مقتدر، معنا عند لدا مليك فهو المالك لكل شيء مقتدر فهو القادر على كل ما يريد الذي لا يمتنع منه قريب ولا بعيد. وسألته: عن قول الله سبحانه: الرحمن علم القرآن فقال: الرحمن هو الواحد ذو المن والإحسان والرحمة ذو الامتنان، علم القرآن، فمعنا علمه هوأنزله وأمر بقراءته وتعلمه خلق الإنسان فهو فطره وجعله وصوره وقدره علمه البيان فهو هداه إلى البيان وفهمه اللغة واللسان، وفهمه لما يحتاج إليه من الحجج والبيان. والشمس والقمر بحسبان فمعنا الحسبان هو الحساب، ومعنا يحسبان فهو لحسبان، ومعنا لحسبان، يقول: خلقهما للحساب يعرف بهما السنون والشهور والأزمان، والنجم والشجر يسجدان فمعنا سجودهما هو إسجادهما للمعتبرين المستدلين على الله ممن رآهما فلما أن كان السجود من معنا الساجدين، جاز أن يطرح الساجدين ويثبت السجود، كما قال: واسأل القرية لما كانت القرية من سبب الأهل طرح الأهل وأثبت القرية، وقد فسرنا يسجدان في موضع آخر واستقصينا التفسير فيه مع تفسير قوله: وإن من شيء إلا يسبح بحمده، والسماء رفعها ووضع الميزان، معنا رفعها هو علقها سماء وأقلها فوق الأرض، ووضع الميزان فهو جعل الميزان، وهدا إليه. (1/243) ألا تطغوا في الميزان يقول: لا تظلموا فيه ولا تحتالوا بحيلة باطل عليه واستوفوا وأوفوا فقد جعلته عدلا بيننا وبينكم وخلقته مبينا لكم، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا واعدلوا الوزن وأوفوات بالحق ولا تبخسوا يقول ولا تنقصوا الميزان ) والأرض وضعها للأنام ومعنا وضعها وخلقها وبسطها ومهدها للأنام فهم الخلق فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام، فالفاكهة هي الفاكهة المعروفة من ألوان الفواكه والأشجار والنخل فهي النخل المفهومه، ذات الأكمام والأكمام هي قشر الطلع الذي ينشق عما فيه من الشماريخ حتى يخرج الثمر من جوف الأكمام ويبقا الأكمام معلقة لا شيء فيها وهي القشور التي يكون عليه أول ما يخرج. والحب ذو العصف والريحان فالحب ذو العصف فهو الحب من البر والشعير، والعصف: فهو العصف الذي يدق فيكون تبنا وهو الذي ذكر الله عزوجل أنه جعل أهل الفيل كالعصف المأكول، والريحان: هاهنا فهو الرزق الواسع من الرحمن وهو في لغة العرب موجود أطلب من ريحان الله أي أطلب من رزق الله، وإنما سمت العرب الرزق ريحانا، لما لها فيه من الطيب والمعيشة والإحسان. فبأي آلا ربكما تكذبان، يقول: بأي نعم الله وإحسانه تكذبان ومعنا تكذبان أيها الثقلان والثقلان: فهما الجن والإنس، خلق الإنسان من صلصال كالفخار، والإنسان فهو آدم عليه السلام وهو بدي الناس والذي تفرعوا منه كلهم، والصلصال فهو الطين اليابس الذي يتصلصل إذا حرك عند يبسه وصدم بعضه بعضا كالفخار، يقول: هذا الطين في اليبس والصلصلة كالخفار الذي صوته إذا دقر بعضه ببعض وإنما كان آدم صلصلا من بعد تصوير الله له جسما من صلصال قبل أن ينقله إلى اللحم والعظم والدم ومن قبل الصلصال كان طينا لازبا طبا منعلكا. (1/244) وخلق الجان من مارج من نار والجان: هي الجن كلها، والمارج الذي خلقت الجن منه، فهو اللسان الذي ينقطع ويذهب في الهوى من النار إذا احتجت وأوقدت وهو خالص النار وحقيقتها وإنما سمي مارجا لمرجه في الهواء ومرجه فهو ذهابه وسرعته، تقول العرب: فلان قد مرج أي قد ذهب في معناه وأسرع. فبأي آلا ربكما تكذبان ) رب المشرقين ورب المغربين، فقد تقدم تفسير فبأي آلاء ربكما تكذبان، والمشرقان والمغربان، فهما مشرقا الشمس والقمر، ومغرباهما من حيث يطلعان في الصيف ويغيبان وذلك أن لهما في الشتاء مطلع ومغرب وفي الصيف مطلع ومغرب غير مطلع الصيف ومشرقه. مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان مرج البحري: معناهما خلقهما وجعلهما وبغيهما وإخراجهما وأساخهما على وجه الأرض كاحتجاجنا في قوله: مرج، وفي قول العرب مرج الإنسان، وقد تقدم شرح ذلك في أول السورة. والبحران فهما البحر المالح والبحر العذب وهو الذي يسما دجله والبحر المالح الذي بمصر إلى فارس وهما يلتقيان بموضع يقال له: رأس نهر السد عند مقصاه من البصرة، ومعنا يلتقيان فهو جعلهما يلتقيان ويصطدمان وقدرهما على ذلك سبحانه من الشأن فيلتقي البحران حتى ينظر إليهما الناظر بالعينين وتقف السفن على ملقتاهما فينظر شق السفينة هذا أخضر وشقها هذا أبيض يشرب من يمينها مالحا ومن يسارها عذبا ليس بينهما سبب يحجزهما ولا معناه بينهما برزخ لا يبغيان. (1/245) والبرزخ: فهو فعل الله تبارك وتعالى فيهما وتقديره لالتقائهما وإصطدامهما وما حجزهما به من قدرته سبحانه عن اختلافهما كما قال ذو الجلال والسلطان بينهما برزخ لا يبغيان، ومعنا يبغيان: فهو لا يجوز أن ما جعلا له ولا يقدران على أن يخرجا مما ركبا عليه، فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فاللؤلؤ هو اللؤلؤ المعروف، المستغنا بفهم من سمع ذكره له من تفسير معناه، والمرجان: فهو شيء أحمر يخرج منه فجعل خرزا يلبسه من شاء وأراده. وله الجوار المنشأت في البحر كالأعلام فهي قلوعها التي يرفع بالحبال في رؤوس الأدقال، ليدخل الريح فيها فتجري بها فتحملها على ظهر الماء بتقدير ربها كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام فبأي آلاء ربكما تكذبان يخبر سبحانه أن كل شيء فان مما عليها، وهذه التي ذكر الله سبحانه أن ما عليها يفنا فهي الدنيا أراد بعليها كل من فيها فقامت (على) مقام (في) والدنيا فهو كل ما خلق من سموات وأرضين وما فيهن من أبنيتهن وبينهن إنسين أو جنيين ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام فمعنا وجه ربك هو ربك أراد الذات لا أن ثم وجها موجها واعضا غيره مؤلفه تعالى الله عن ذلك علو كبيرا. فأخبر سبحانه أن كل ما في الدنيا فان، وأنه تبارك وتعالى الوارث كل شيء الباقي، يقرأ بالخفض ذي الجلال، ولا يجوز أن يقرا ذو الجلال كما يقرأها الجهال ردا على ربك لا ردا على الوجه، الجلال: فهو الكبريا والعظمة والمحال والإكرام فهو التقديس والإجلال والإنعام. (1/246) يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن ) فبأي آلاء ربكما تكذبان معنا يسأله من في السموات والأرض فهو يطلب منه الحوائج ويسأله الفضل والرزق والمغفرة والرحمة كل يوم هو في شأن يقول كل يوم هو في شأن يقول: كل يوم في هو في تدبير ما يحتاج إليه ملكه وتقدير أمر خلقه من موت من يموت أو خلق من يخلق، سنفرغ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان معنا سنفرغ لكم هو سنفرغ من إفنا الأجل الذي جعلناه أجلالاء مهالكم وتأخيركم فإذا أفنينا هذه المرة وفرغنا منها أتاكلا ما أوعدناه عند فناء مدته وانقضا مهلته وإمهاله من موت أو حلول نقم فهذا معنا نفرغ لكم. والثقلان: فهما الجن والإنس وقد يكون المعنا الذي ذكر الله أنه يفرغ منه هو مدة الدنيا التي الذي جعلها ووقتها ويكون عند فراغه منها وإفناءه لما يكون من الجزا في يوم الدين جزا المثابين وجزا المعاقبين، يا معشر الجن والإنس إلى قوله: إلا بسلطان هذا إخبار من الله سبحانه وتوقيف للثقلين على عجزهما وأنهما غير خارجين من قدرة الله ولا إرداته ولا ما جعلهما مسكنا من الأرض والهواء إلا بسلطان. والسلطان: فهو السبب من الواحد الرحمن يقول: لا تنفذونه أي لا تقطعونه ولا تجوزونه ولا تخرجون منه إلا أن يشاء الله ذلك فيقدركم على ما يشاء وينقلكم إلى ما يجب من الأشياء فهذا معنا السلطان الذي ذكره العلي الأعلى. (1/247) يرسل عليكما شواظ من نار الشواظ: فهو اليسير من النار، وهو اللهب ونحاس، فالنحاس: هو الدخان فلا تنتصران يقول: إن نزل بكم ما ذكرنا وأرسلناه عليكم كما قلنا: لم يكن عندكم لأنفسكم انتصار ولا امتناع، فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان هذا يوم الدين عند تبديل السماء فحينئذ تنشق للبواد والفنا ثم تعود وردة كالدهان، والوردة: فإنما هي مثل مثله الله تبارك وتعالى يخبر أنها تكون عند تمحقها وتقطعها كاصفرار الورد، كالدهان يقول: يكون لونها كلون الوردة ويكون بعد هذا التجسيم كالدهان والدهان: فهو المهل الذي شبه الله به في غير هذا الموضع، وهو ماء القطران وصفوه، فأخبر سبحانه أنها تكون كهذا الدهن عند رجوعها إلى الدخان الذي منه خلقت بعدما هي عليه اليوم من العظم والجسم الذي عليه جعلت. فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان معناه لا يسأل هو لا يسأل عن إستفادة أمر مجهول وإنما يسال للتقريع والإخزا لا على أن يعلم منه شي من الاشيا يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام السيما الذي يعرف به المجرمون فهو خلقهم وشناعتهم واسوداد وجوههم في ذلك اليوم مع ايات كثيره يبددها الله فيهم ويجعلها علامات عليهم يعرفهم بها خزنة جهنم فحينئذ تأخذهم بنواصيهم وأقدامهم والنواصي فهي شعور رؤسهم وأرجلهم حتى تلقيهم في جهنم وبئس المصير. هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن معنى يطوفون بينها وبين حميم هويعذبون بها وبالحميم والآن فهو الشديد الحمو الحارة جدا الذي قد انتها وبلغ في الحرارة كل مبلغ. (1/248) وسالته:عن قول الله سبحانه فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فقال قاصرات الطرف هن غواض الطرف عن غير أزواجهن عفة وطهارة وكرما. لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان يقول لم يدن منهن إنس ولا جان والجان فلا تدنوا وإنما هذا على مجاز الكلا م كما تكلم العرب يقول ما قال هذا القول جني ولا انسي. فقال جني والجن فلا نقول ذلك المقال وإنما هذا على مجاز الكلام. وسالته: عن قول الله سبحانه مدهامتان فقال هما الجنتان فهما ذواتا الأشجار والأنهار والمدهامتان عهما الربانياتان اللتان قد رويت أشجارهما حتى ادهامت معنا ادهامت فهو علاها السواد لربها وشدة خضرتها. فيهما عينان نضاختان. فهاتان العينان فهما الماء المنبثق الذي يثج من الارض ثجاجة منهما حتى يتطاير ويخرج من ينبوعه خروجا. نضاختان فهما اللتان ينضخ مآوهما لكثرة خروجه منهما حتى يتطاير عند انسكابه تطايرا يقع منه النضخ على ما حواليهما، وإنما اخذ ذلك من نصح الشيء تقول العرب أنح وأنضخ بالحا والخا جميعا فالحا افصح اللغتين. وسالته عن قول الله سبحانه: فيهن خيرات حسان فقال: الخيرات فهي كل خير مجتمع من حوريات او طعام او شراب اوفواكه او شي من النعم فجمع الله ذلك كله في ما سمي من الخيرات. وحسان فهن فاضلات في معانيهن كاملات في شبابهن حور مقصورات في الخيام فالحور هن النساء الحور العين والحَوَر فهو نعت من صفات الاعين. وهو حَوَر يكون في العين دَعَج حسن يحسن به الأعين إذا كان فيهن وتفخر به من كان فيه منهن مقصورات فهن محبوسات مصونات محجوبات ليس بدوارات ولا خارجات بل هن منَافنات لساكنهن خفرات والخيام فهي خيام الدر والياقوت المنضود المنسوج وهي القباب المعمولات المرفوعات في قصور الحوريات، (1/249) وسألته عن قول الله سبحانه: متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان، قال الرفرف: فهو اللين من الفرش، والعبقري فهو اسم صنف من فرش الجنة وقد تقول العرب لما كانت حمزته الغالبة على غيرها من الألوان عبقري. وسألته عن قول الله سبحانه: إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعه، فقال: الواقعة فهي السابقة النازلة والقيامة الواقعة بأهلها، ليس لوقعتها كاذبة يقول: ليس لوقوعها ونزولها بهم كاذبة فالكاذبة فهي الباطلة الدافعة لما يهجم منها زايلة عن من تقصده بقولها فتقول العرب للشيء المصمم الواقع بالشيء أنا غير مكذب حتى وقع فيه، ويقول لما أكذب حتى أصابه أو حتى ضربه تريد ما أنصرف ولا التوي ولا عوّج ولا عرّج حتى وقع بمن أراد أن يقع به، خافضة رافعة ; الخافضة فهي الخافظة لمن يخفض من الخلق عن محل الثواب فتصيرهم بخفضها لهم إلى أليم العقاب، والحفض هاهنا فهو من باب الإطراح والقلة والزلة، رافعة فهي رافعة للمؤمنين إلى مرابت الصالحين مصيرة لهم إلى رضى رب العالمين. إذ ارجت الأرض رجا:هو زعزعت للبواد والفناء فأرتحت وقلقلت للتبديل وزعزعت ومعنى رجت فهو تحريكها وقلعها، وبست الجبال بسا، معنى بست فهو أبيدت وأفنيت حتى انبسطت بغيرها من الأشياء واختلطت فصارت بعد العظم كالبسيس والبسيس فهو الشيء المايع كالطعام المسكوب فيه الماء وهو الدهن من السمن والزيت وإنما أراد الله بذلك أن يخبر أنها تعود بعد ماهي عليه من العظم إلى الذهاب والبواد والإختلاط بغيرها من الأشياء التي تبس بها بسا التي تختلط بها خلطا. (1/250) فكانت هباء منبثا، والهباء فهو الغبار الخفي الذي يدخل مع الشمس من الكواو المنبث فهو الكثير المنتشر فأخبر سبحانه أنها تعود بعد ما هي عليه من الهباء للذهاب والفناء وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة إلى قوله: وقليل من الآخرين، معنى أزواج ثلاثة فهي أصناف ثلاثة فأصحاب الميمنة فهم أصحاب اليمني والبركة والإيمان والطاعة، وأصحاب الشؤم واللعنة والسابقون فهم الذي سبقوا إلى الله بالطاعة وقدموا إليه في الحياة الدنيا أولئك المقربون، يخبر أنهم عند الله في القيامة مدنون من كراماته ومن جزيل ثوابه مدخلون في جنات نعمته، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين، الثلة فهي الجماعة الصالحة فأخبر أن المتقين يكونون ثلة من الأولين ويكونون قليلا من الاخرين، على سرر موضونه السرر فهي السرر المعروفة باسمها موضونة فهي منسوجة معمولة وهي سرر تنضد المؤمنين بالذهب والجواهر تنضد للمؤمنين بالذهب والجواهر متكئين فهو مضطجعون على جنوبهم بعضهم جدا عليها متقابلين معنى متكئين فهو يطوف عليهم متقابلون فهو بعض ولدان مخلدون بأكواب وأباويق وكأس من معين. والولدان فيهم الوصفاء والمخلدون فهم الباقون الذين لا يفنون ولا يزالون في الآخرة بأكواب وأباريق، فالأكواب فهي ضرب من آنية من آنية الشرب تكون من الجوهر من الدر والياقوت يشرب فيها المؤمنون في الآخر وأباريق فهي الآباريق المعروفة في الدنيا من الصفر ومن الفضة والذهب يعملها المتجبرون فتكون في الآخرة من الدر والياقوت وأنواع الجوهر. (1/251) وكأس من معين، فهي الخمر خمر الآخرة التي لا يصدعون عنها ولا ينزفون كما يصدع شراب خمر الدنيا منها وينزفون والنزف، فهو القي وغير ذلك مما يكون من شراب الخمر في ما ذكر لنا عنها الله أعلم بأمرها فقد ذكر أنهم ينزفون من طرفيهم من فوق ومن أسفل إذا شربوها. ومعنا يترقون يبرقون فهو يخرج منها ينزف ما في بطونهم، فأخبر الله تبارك وتعالى أن الخمر الآخرة لا ينزل بشاربها ما ينزل بشارب خمر الدنيا من الآفات بل خمر الآخرة فيها اللذات والطيبات والصحة والسلام والنعمة الكاملة، تم ولله الحمد. قال علي بن محمد بن عبيدالله العلوي رحمة الله عليه: سألت الهادي إلى الحق صلوات الله عليه عن قول الله سبحانه: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، فقال: هذا أمر من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه بأن يقول لخفرة قريش وجاهليها فيما كانوا يفعلون بمن أسلم منهم وآمن واتبع محمداً صلى الله عليه، وذلك أنهم عاقدوا رسول الله عليه السلام يوم هدنة الحديبية على أنه يرد إليهم من أتاه من أصحابهم وعاقدهم على ذلك وأوجبه صلى الله عليه على نفسه بأمر الله لهم وكان يرد إليهم من أتاه راغبا في الإسلام منهم فيكرهونه على ترك الإسلام، وعلى الدخول في دينهم والرجوع. (1/252) فلما أن انتقض العهد الذي كان بين رسول الله وبينهم أمره الله ألا يرد إليهم أحدا ممن يهاجر إليه وأعمله أن الحق قد بلغ منتهاه وقامت شرائع الدين وظهرت أمور الله وأنه لاسبيل للكفرة إلى إكراه أحد ممن اختار دين محمد صلى الله عليه ولا رده إلى دينهم ومنعهم لهذا القول مما كانوا يفعلون بمن هاجر ومنع الرسول به من رد أحد ممن يهاجر إليه إلى قريش وأعلمه أن الرشد قد تبين من الغي والرشد هاهنا فهو الحق والهدى وقيام الحجة على الكفرة الأعداء والغي فهو الباطل الذي كانوا فيه من كفرهم وغيهم، ثم أذن لرسوله صلى الله عليه في أن يضع عليهم السيف حتى يسلموا أو يبيدهم بالسيف ومنعه من كل هدنة ومرافقة وأمره تقتلهم إن لم يدخلوا كافة في الإسلام، ولم يرض في العرب إلا بالقتل والإسلام لا غير ذلك، ولم يجز له أن يقبل منهم جزية كما قبل من الإسرائيليين من أهل الكتابين فهذا تفسير: لا إكراه في الدين، يقول: لا ترخيص لكم في الباطل. قال الهادي إلى الحق صلوات الله عليه: سألني إبني محمد رضي الله عنه عن هذه المسائل: فأحببت أن أثبتها في هذا الكتاب. سألني: عن قول الله سبحانه: يآأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى قوله: إن كنتم تعلمون، فقلت: المؤمنون ولله الحمد عند الله من العذاب فمبعدون ومن غيرهم يوم القيامة فمميزون كما قال الله الرحمن الرحيم في ما نزل على نبيه الكريم صلى الله عليه يوم يقوم الساعة يومئذ يتفرقون، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون، وأما الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون، وفي ذلك من تمييزهم ما يقول أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون إلى قوله: الذي كنتم به تكذبون. (1/253) فأخبر تبارك وتعالى بالفرق بين المؤمنين والفاسقين وقص علينا ما يكون في عباده يوم الدين والحمد لله العدل في كل أفعاله المتفضل بالاعذار والانذار إلى خلقه معين المطيعين ومذل الفاسقين المصدق بقوله لقول الموحدين الشاهد لهم في ذلك بالحق واليقين المكذب للفسقة المبطلين من المشبهة المجبرين، وإنما أراد الواحد الأحد المتقدس الفرد الصمد لصناعته. سألت: من قوله الدلالة على فضل الجهاد والقيام بالحق في الخلق والبلاد فدلهم بما قال وبما ضرب لهم من التجارة في الأمثال على أنه لا شيء عنده يعدل الجهاد من جميع ما افترض على العباد فنبههم للخطر والفضل المبين وأخبر أنه أعظم وأجزل ما يلقونه يوم الدين وكيف لا يكون يا بني ما ذكر الله من الجهاد كذلك، ولا تكون تجارة عند الله سبحانه للعباد من العذاب والمهالك وبه تقوم أحكام رب العالمين وتحيى سنن خاتم النبيين ويعز المؤمنون ويذل الفاسقون وتشبع الأكباد الجايعة وترفع الرقاب الخاضعة وتظهر حجج الحق الدامغة وتموت البدع السابغة الحسنات وتماط وتنفا الفاحشات ويعمل في كل البلاد بالصالحات ويبصر المظلومون ويردع الجايرون وتكسى الظهور والجنوب العاريات وممات الظلم والشرور. وتقضى الغرامات عن الغارمين وينصر الله به المستضعفين ويعز به الإسلام والمسلمين فيالها تجارة ما أربحها ودعوة ما أنورها لو كان لها من الأنام مجيبون أو في هذه الأمة المخذولة طالبون ولا طالب لها ولا تاجر لها فيه ولا مقبل إليها تعلقوا بالشبهات وتسلوا بالأمنيات وكرهوا الوفاة واستطابوا تافه الحياة ومالوا إلى غرور الدنيا وجروا واستبقوا في ميادين الهوا، وزهدوا في دار الخلد التي تبقا التي لا نصب فيها ولا تعب ولا شقا كأن لم يسمعوا الواحد العلي الأعلا يقول في ما نزل من الوحي على نبيه المصطفى: وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وأن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون. (1/254) فلعمري أنها القدرةُ من القنل لئلا في من الموت ما هو أشد وأبلا وأطول نكدا وأعظم هولاً وما عن الموت لهم من مصدر وما ينجوا منه من أحد كما قال رب العالمين: كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا يرجعون، فما عسى من فر من القتل والقتال أن يتمنع وأن جمع في الإعتزاز وطول الأيام أيام يسيره وحياة غير كثيرة، ثم إلى الله المصير كما قال في ذلك اللطيف الخبير، قل لن ينفعكم الفرار أن قدرتم إلى قوله: لا تجدون وليا ولا نصيرا. وسألت: عن قول الله سبحانه: وأوحى ربك إلى النحل إلي قوله: سبل ربك ذللا، قال: كيف كان وحيه إليها، فقلت: له الوحي يخرج على وجوه أربعة منهن وحي إلهام وإلقا في القلوب من ذي الجلال والإكرام مثل ما ذكر عن النبي عليه السلام أنه سأل جبريل الروح الأمين، فقال: كيف تأخذ الوحي من رب العالمين، قال: آخذه من إسرافيل، قال: فكيف يأخذه إسرافيل، قال: يأخذه من ملك فوقه، قال: فكيف يأخذه الملك، قال: يلقا في قلبه إلقا ويلهمه إلهاما، وعلى ذلك يخرج معنا الوحي إلى النحل ألهمها إلهاما ما ذكر أنه القاه إليها. والمعنا الثاني: فوحيه إلى أنبيائه المصطفين بالمشافهة والمكالمة لهم من الملائكة المقربين، وذلك قوله: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح إلى قوله: داود زبورا. والوجه الثالث: فهو الجعل والتقدير للصلاح والتدبير، وذلك قوله: فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها إلى آخر الآية، والوجه الرابع: فوحي الله عزوجل في ما يراه الأنبياء عليهم السلام في منامهم من ذلك قول إبراهيم لإبنه إسماعيل عليهما السلام: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فكان في ذلك وحي من الله وأمر، والدليل على ذلك قول إسماعيل: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فدل بذلك على أنه وحي من الله وأمر. (1/255) وما قيل وروي في وحي الله إلى أم موسى أنه كان في المنام أو رثه فإن يكن ذلك كذلك فهو داخل في ذلك وإن لم يكن ذلك كان من الله سبحانه إلهاما ألهمها إياه فذلك ما نشك فيه بأن الله على كل شيء قدير، ولا أحسب والله أعلم إلا أنه كان وحيا في منامها لأنه عزوجل يقول يأخذه عدو لي وعدو له وهذا القول فلا يكون إلهاما لأنه خبر وقصص وقول وإنما يلهم من الأشياء ما كان فعلا يدرك بالعقول ويميز بالمعقول. وسألني: عن قول الله سبحانه: والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الذي آتاكم، فقال: من المأمورون بأن يؤتوهم من مال الله الذي آتاهم، فقلت: قد قال غيرنا أنهم المكاتبون لهم من ساداتهم وأنه واجب عليهم أن يطرحوا عنهم ربع ما كاتبوهم عليه، وليس قولنا: ولله الحمد فيه كقولهم فيه لأن الله تبارك وتعالى لم يلزم البايع من بعد رضا المتبايع أن يضع من الثمن درهما إذا لم يكن للبايع على المتبايع شرطا جايزا بل الزم المكاتب إذا ما كوتب عليه وجعله في يسير ذلك إن عجز عنه مملوكا مسترقا وكيف يكون بعجزه عن قليل ما تراضيا عليه عبدا مملوكا وتكون الوضيعة من ذلك للمكاتب على المكاتب فرضا فهذا يا بني ما لا يقبله عقل عاقل ولا يقول به من الناس إلا جاهل. وإنما أمر الله بإتيانهم من ماله ولاة الأمر من خلقه الأئمة الهادي والصفوة من الخلق المطهرين أمرهم أن يؤتوهم مما جعل لهم في أيديهم من ثمن الصدقات فلقد دل على ذلك من قولنا سبحانه بأبين الدلالات حين يقول سبحانه: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والرقاب، فبما نبذوا أمر الله بإعطائهم وأنبيائهم من مال الله الذي آتا أمر لهم. (1/256) وقوله: أتاكم فمعناها أجراه على أيديكم لهم وجعلكم المستخرجين له من غيركم لأنه أعطاهم إياه كما أعطاهم غيره من الأشياء مثل أجز الرسول وخمس الغنائم الذي جعل أمره إلى الإمام يحكم فيه بأمره، وبما يراه من الأحكام ويأكل ويشرب وينكح فيه ويركب ويلبس ويتكل في كل أموره عليه ومثل نصيبه في الفي، ومثل ما جعل له مما أجلى عنه المحاربون من غير أن يجلب عليهم المؤمنون، وكل ما ذكر من ذلك وشرحنا فللإمام أكله والانتفاع به. وأما ما ذكر الله من الصدقات اللواتي أمر الله الأئمة بأخذها من ذي المقدرات وجلعها في الرقاب وغيرها من الثمانية الأصناف المعروفات فلا يحل لإمام المسلمين ولا لأهل بيته أجمعين فيها أكل ولا شرب ولا مناكح ولا صرف درهم منها في شيء من المصالح فلذلك وبه قلنا أن بينما جعله لهم رزقا وبين ما جعله الله على أيديهم وأمرهم بالتسليم له إلى غيرهم فرقا. وسألني: عن قول الله سبحانه: فلا وربك لا يؤمنون إلى آخر الآية يقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه مخبرا له أصحابه مقسما بنفسه أن أصحابه لا يؤمنون على حقيقة الإيمان حتى يردوا إليه عليه السلام ما تشاجروا فيه وهو ما اختلفوا ثم لم يرضوا بحكمه في ذلك ولا يجدوا في صدورهم شكا فيه ولا غضبا منه ويسلموا تسليم ا، أي ينفذوا حكمه ويسلموا له ويرضوا به ولا يردوه. وسألني: عن قول الله سبحانه: وإنهما لبإمام مبين فقلت: هما قريتان أهلكتا ودمرتا لما طغتا وعصتا فكانتا على طريق قريش في الرحلتين رحلة الشتاء والصيف والإمام فهو الطريق الواضح والأعلام التي يستدل بها على مسالكهما ومياههما فذكر الله أمرهما احتجاجا على من خالقه ممن يفعل كفعلهما من عصيان ربه ومخالفة خالقه، فقال: وإنهما لبإمام مبين، ترونهما وترون في كل رحلة آثار قدرتنا عليهما وأخذنا لهما بما كان منهما من البغي والعصيان من مثل ما أنتم عليه من مخالفة الرحمن. (1/257) وسألني: عن القضا من الله ما هو فقلت له القضايا بني يخرج على ثلاثة معاني فمنها قضا أمر وحكم وذلك قوله: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه يريد أمر وحكم بأن لا تعبدوا معه سواه، والمعنا الثاني بأن يكون القضا خبرا عما يأتي أو سيأتي ويكون، وذلك قوله: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين و لتعلن علوا كبير ا، يقول: وأوحينا بذلك إليهم وأعلمناهم بما سيكون من أخباركم وأفعالكم. والوجه الثالث: أن يكون القضا قضا حتم جاريا وفعلا من الله في كل ما يريد ماض، وذلك قوله جل جلاله فقضاهن سبع سموات في يومين، ومثل قوله: فيمسك التي قضا عليها الموت. وسألني: عن قول الله تبارك وتعالى: قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، فقال: ما معنا كتب، وما الكتاب فقلت: الكتاب يكون على ثلاثة معاني وكلها والحمد له بين مبين عند من رزقه الله المعرفة بالكتاب والتفسير. فمنها العلم، وهو ما سألت عنه وما كان في الكتاب مثل قول الله: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون، يريد بكاتبين عالمين، ومثل قوله إن الله يعلم ما في السموات والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير، يريد سبحانه وجل عن كل شأن شأنه يقول في كتاب أي في علم معلوم عند الله غير مكتوم. (1/258) والثاني: معنا الحكم من الرحمن، وفي ذلك ما يكون من واضح الفرقان وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض إلى قوله: كان ذلك في الكتاب مسطور ا، فقال: في كتاب، وإنما أراد في حكم الله، وذلك في قوله في الطور وكتاب مسطور، يقول: في الحكم مثقتا مفروضا، ومن ذلك قوله: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، وقال: كتبنا عليهم فيها يريد وحكمنا عليهم فيها فذكر أنه حكم على بني إسرائيل بما ذكر من النفس بالنفس، ومعنا قوله فيها في التوراة التي أنزلها على موسى صلى الله عليه، وما أشبه ذلك في القرآن مما أراد به الحكم على الإنسان. والمعنى الثالث: فهو إسم الكتاب المنزل نفسه مثل قوله: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، فأراد بذلك هذا الكتاب الكريم الذي يحصى في الصحف والدفاتر وتعينه وتطمئن عليه الصدور والظمائر، ومثل ذلك قوله: وما أقسم به من كتابه وتنزيله حين يقول والطور وكتاب مسطور وما كان في الكتاب مثل هذا وغيره مما أراد به تفسير تنزيله ووحيه فعلى هذا الثلاثة معان تخرج معنا الكتاب، ولن يوجد معنا رابع بسبب من الأسباب. وسئل الهادي إلى الحق صلوات الله عليه: عن قول الله سبحانه: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم، فقال: إن الإستقراض لا يكون إلا عن حاجة من المستقرض خارج على معنين فأحدهما يكون للإنسان ولا يكون للرحمن والأخر يجوز للإنسان، وللرحمن ويجوز بذلك القول في الإنسان. (1/259) فأما الوجه الذي يكون للإنسان، ولا يجوز في الرحمن فهو اسقراض المحتاج لما يحتاج إليه مما يقيمه ويحييه من قوته المضطر إليه وهذا فلا يجوز القول به في الرحمن. وأما الوجه الذي يجوز أن يقال به في الرحمن، وفي الإنسان فهو ما يكون من طاعة المطيع لمن يطيعه وذلك موجود في اللغة والكلام عند أهل الفصاحة والعلم والتمام وذلك موجود في اللغة والكلام عند أهل الفصاحة والعلم والتمام، وذلك موجود في اللغة والكلام عند أهل الفصاحة والعلم والتمام، وذلك قول العرب لمن اصطنع خيرا أو أسد إلى صاحبه يدا إن لك عند فلان لقرضا حسنا يجزيك به وذلك إن كان سوا فداله إن لك عنده تعرض لله فمن أقرض الله قرضا، وقدم إليه عملا حسنا أعطاه على ذلك من الله فضلا وثوابا وخلودا في جنته. (1/260) وسئل: عن قول الله تبارك وتعالى: أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، فقال: كيف كانتا مرتوقتين وما الرتق وكيف فتقا وما الفتق قيل له إن الله تبارك وتعالى الخالق لكل شيء والمصور له والمدبر خلق الماء والهواء والنار والرياح فابتدع هذه الأشياء الأربعة ابتداعا وانتزع تكوين تصويرها انتزاعا من غير ما أصل كان موجودا مع الواحد الرحمن بل هو الواحد الأحد الموجد لكل جميع ما يوجد فخلق تبارك وتعالى هذه الأشياء طبايعا مختلفة متضادة غير مؤتلفه فجعلها أصولا لكل ما خلق وبرأ، وهذا المعنا الذي به تكلمنا ذكر ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لنا، قال: فلما أن خلق الله تبارك وتعالى الماء والرياح أوحى إلى الرياح بأن تصفق وتهيج عوارب الما وأمواجه فهيجت أمواجه وزعزعت ساكنة فارتعدت عواريه فتراكم زبده وعظم أمره ثم أوحى إلى النار فأحرقت ذلك الزبد، فثار منه دخان فصعد الهواء وبقا حراقة الزبد فخلق الله السموات من ذلك الدخان كما قال سبحانه: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طآئعين. فقد يمكن أن يكون معنا قوله: ففتقناهما هو ميزناهما من أصل واحد، فخلقناهما فجعلنا السماء من دخان ذلك الشيء والأرض من جناته فهذا عندي أحسن ما أرى فيه من القول والله سبحانه أعلم، وبذلك جل جلاله أحكم ولا أتوهم أنه يصح في قول خلاف هذا يثبت علي المطالبة ويمكن في المناظرة ويمتنع على من رام إفساده من الفساد ويبين رشده إن شاء الله لمن أراد الرشاد. (1/261) وسئل: عن قول الله سبحانه في ما يحكى عن موسى عليه السلام، إذ قال لقومه إستعينوا بالله واصبروا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، قال: كيف يستعان بالله، وما يقول المستعين، قيل له: الإستعانة بالله هي العمل لا المقال من كل مستعين من النساء والرجال والاستعانة بالله هي العمل بطاعة الله والأمر بأمره والنهي عن نهيه والوقوف عن معاصيه فمن عمل ذلك من الناس فقد استعان بالله الواحد الرحمن، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه إن الله مع الذين أتقوا والذين هم محسنون، ومن كان الله معه فقد قهر أمره وقوى ومن لم يكن الله معه فقد عجز في أموره وغوى، والله سبحانه فلا يكون إلاَّ مع من ذكر من المتقين المحسنين، وإذا لم يكن إلاّ مع المتقين فهو لاشك خاذل للفاسقين. ومن خذله الله فقد هلك، وهو ومن وفقه الله وأعانه قهر أمره ألاترا تدل آخر الآية التي سألت عن تفسير أولها على جميع ما عليه سألت منها حين يقول، والعاقبة للمتقين، فأخبرهم سبحانه أن استعانتهم به لا تنجح للمتقين، وفي هذا دليل لمن عقل وفهم واستضاء بنور كتاب الله فعمل على ما قلنا به من تفسير الآية وشرحنا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه، إن قال: أحد من أهل الضلال وأهل الزيغ في المقال من الملحدين الفسقة الجهال فقال: خبرونا عن قول الله تبارك وتعالى: ضرب الله مثلا إلى قول الله: إن الله لقوي عزيز فذكر مثلا لم يأتنا به قيل للكافر الملحد: إن المثل لم يضرب فيأتي به، وإنما خبر عن جهل من ضربه وهم الذين ضربوا لله الأمثال وجعلوا لله أندادا وعبدوا من دونه الأصنام التي جعلت لله مثلا وعبدت مع الله، فقال سبحانه: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولوا اجتمعوا له، ثم قال: ضعف الطالب والمطلوب. (1/262) يريد تبارك وتعالى ضعف وجهل وسخف فلم يعقل من طلب من غير الله طلبة وأشرك مع الله غيره في العبادة، وقوله ضعف الطالب والمطلوب فمعناه ضعف المطلوب إليه المرغوب إيه والمعبود دون الله عن أن يعطي سائله وأن يجازئ عابده أو يقضي له حاجته لعجزه عن ذلك، وقتله أن يكون كذلك. وإن سأل: فقال: خبرونا عن قول الله سبحانه: ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا، فقال: ما معنا قوله: ترون ونحن لم نر قيل له: إن القرآن عربي وإنما خاطب الله العرب بلغاتها، وهذا عند العرب أحسن لغاتها وأتم قالاتها تقيم ترا مقام أخبرك ومقام إعلم يقول العربي لصاحبه إذا أراد أن يعلمه شيئا. أما رأيت إلى فلان عمل كذا وكذا، فإن قال: كيف يكون القمر والشمس في السموات وإنما هو دون الأولى منهن، وقد ترون إلى تميز كل سماء وتميز التي فوقها مثل ما بين الأرض وسماء الدنيا فكيف يكون فيهم أو ينالهن كلهن وأنتم لو سترتم دونه ثوبا لم تروه، ولو دخلتم بيننا لم تعاينوه. قيل له: هذا أحسن ما تكلم به العرب مثل ذلك وأصحه وأبينه وأوجزه، ألا ترا أن العرب تقول للجماعة إذا كان فيها عالم أو لأهل البيت الكبير في بني فلانعلم وخير وعدد بني فلان كثير، ولذلك تقول العرب بالعراق فسق كثير وبالحجاز جور شديد، وليس الفجور في جميع كله سهله ولا جبله ولعل ذلك إنما هو جانب من قرائها أو في قرية واحدة منه فنسب ذلك إذا كانت القرية فيه فعلى ذلك نسب الله القمر إلى السموات، وإن كانت واحدة لأنها منها، وفي ذلك ما تقول العرب إن في بني فلان لجمالا بارعا وليس في كلهم جمال، وإنما هي في بعضهم. (1/263) وإن سأل: عن قول الله ذي الجلال: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، فقال: معنا قوله لا جناح على من طلق قبل أ، يمس وقد تعلمون ويعلم أيضاً أنه لم يجعل جناحاً على من طلق بعد المس قيل له إن للآية مخرجاً بينا عند من عقل سواء ما ذهبت إليه وتقحمت بسوء نظرك فيه وإنما المعنى في ذلك أنه تبارك وتعالى يقول لا جناح عليكم لا إثم ولا حرج في الطلاق وإنما أراد بالجناح هاهنا المهر ومطالبة المرأة له بما تطالب به المطلقة المفروض لها التي لم يسمها، ولم يدخل عليها زوجها فأخبر تبارك وتعالى إذا طلقها ولم يكن فرض لها صداقا ولا سما لها مهراً أنه لا سبيل لها عليه في مطالبة بمهر لأنه لم يفرض لها شيئا تطالبه بنصفه كما تطالب التي قد فرض لها ثم طلقها من قبل أن يمسها ما سمى لها فهذا هو معنا الجناح هاهنا. وإن سأل: عن قول الله سبحانه: ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا، فقال:ما هذا الخلف وما هذا الذي بين اليدي وما هذا الذي بين ذلك قيل له: أما قوله له ما بين أيدينا فهو أمامنا، وقد أمنا من يوم الحشر والحساب وما ذكر الله من الثواب والعقاب، وأما قوله: وما خلفنا فهو ما تركناه وراء ظهورنا وما يحدث من بعد مماتنا من أحداث الدنيا، وأما حق قوله وما بين ذلك فمعناه سوا ذلك مما كان قبل خلقهم وخلق أبائهم وما كان في وقت حياتهم وما يكون من بعد مقرهم من دار بؤس أو دار سرور ونعمة النفوس. وإن سأل: عن قول الله: يرزق من يشاء بغير حساب، فقال: أليس قد يحاسبهم في الآخرة، ويسألهم عما أنفقوا من أموالهم فيه، فما معنا قوله: بغير حساب، وهو فقد يحاسبهم ويسألهم عما يؤتيهم، قيل له: إن المحاسبة فيه لهم ليست تكون على إنفاق ونفس تلك الأموال التي رزقهم وإنما يحاسبهم على ما اكتسبوا وفعلوا وما كنزوه بها وبأسبابها لا عليها هي أنفسها. (1/264) ألا ترا أنه إنما يحاسب من صرف رزق الله في الحرام دون الحلال لا من صرف رزقه في الحلال دون الحرام، ولو كانت المحاسبة منه تقع على الأموال أنفسها لكان الحساب يقع على المنفق لها في الطاعة والمنفق لها في المعصية، فمن صرف رزق الله في ما رزقه إياه كان له غير محاسب له عليه. ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه لنبيه سليمان عليه السلام: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب، يقول: غير مسؤل ولا محاسب، وقد يخرج معنا قوله: بغير حساب على معنا آخر رزقمن يرزق من عباده ليس على من شيء عنده مجموع معد لذلك مصنوع يخرج منه أجزا محسوبة من أجز أو تبقا منه أجزا فأصله عن أجر فأخبر أن رزقه من سعة لا تحصى وأنه إذا شاء أن يعطي عباده أعطا ولو كان يرزق من شيء مجموع لكانت أرزاقه تنقص إذا أصلها الذي يخرجها منه تنقص بخروجها عنه، فتبارك الله رب العالمين وتقدس أكرم الأكرمين. وسألت: عن قول الله تبارك وتعالى لهارون وموسى عليهما السلام: إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، فقال: ما معنا قوله لعله و(لعله) لا يقع إلا شاك لا يحيط بما يريد علمه، قلنا له: جهلك باللغة دلاك في بحور الجهالة، ألا ترى أن العرب يقول قائلها لغلامه خذ هذه الدنانير عساك أن تشتري بها طعاما لنا ويقول خذ هذا الطعام عساك أن تأكله وهو يعلم إذا ذهب بالدنانير أن يشتري بها طعاما أنه سيشتريه وإنه إذا أخذ الطعام أنه سيأكله، فقال: لعل وهو يعلم أنه سيفعل فعلى ذلك يخرج معنا قول الله لعله في لغة العرب. (1/265) وإن سأل: عن قول الله سبحانه: أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون، فقال: كيف يسبق الشيء من فعله، قيل له: المعنا في ذلك أنه أرادوهم بها إلى الله سابقون، وذلك قوله سبحانه: والسابقون السابقون أولئك المقربون، وحروف الصفات يعاقب بعضها بعضا فقامت (اللام) مقام (الباء)، ومثل ذلك في كتاب الله كثير غير قليل، من ذلك قول الله تبارك وتعالى: ولأصلبنكم في جذوع النخل، وفي ذلك ما يقول القائل: لقد نلت أمرا لم تكن لتناله... ولكن لفضل الله ما نلت ذلكا ... فقال لفضل الله وإنما أراد بفضل الله فقامت (اللام) مقام (الباء). وإن سأل: عن قول الله تبارك وتعالى: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما، فقال: كيف يعذب الله جلودا لم تعصه كلما نضج منها جلد غيره، قلنا: إن الله عدل لا يجور لا يعذب إلا من عصاه ولم يكن ليعذب جلودا لم تعصه لذنب من قد عصاه وأنى يكون ذلك وهو يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى، وإنما الجلود التي يبدل الله هي الجلود التي عصب، وفي النار أولا أحرقت. وإنما معنا بدلناهم جلودا غيرها أي رددنا خلقها وأجساما بعد مماتها وصورناها جلودا بعد احتراقها وهي هي بعينها تحرق وترد وتحرق وتردكما كانت أولا عند مماتها ودخلوها في أجداثها فمزقت وبليت واضمحلت وفنيت ثم ردت فعذبت وخلقت خلقا جديدا بعد امتحاقها، وإنما معنا قوله سبحانه: يريد غير الصفة التي كانت عليها، وهي هي على حالها، فتبدل وتنقل وتغير وهي في أنفسها ومثلها في ذلك كمثل رطل من فضة صيغت كوبا ثم كسرت حليا ثم كسرت فصنعت بعلا ثم كسرت فرجعت عقود ا، فالفضة هي الفضة بعينها وأنت تبدلها في الصور والحالات وتنقلها إلى ما تريد من الصناعات فهي كوز تارة وهي حلي تارة فعلى هذا يخرج معنا ما ذكر الله من تبديل جلود العباد، فتبارك الواحد ذو الأياد. (1/266) وإن سأل عن قول الله سبحانه: فتبارك الله أحسن الخالقين، قيل له: لا خالق إلا الله تبارك وتعالى ولا موجود غيره والعرب قد تسمي العامل خالقا من ذلك ما يقول الشاعر: حروب دهت منا الجميع وفرقت... كما فرقت صدر الأديم خوالقه وقال أيضا: ولأنت تفري ما خلقت وبعض... الناس يخلق ثم لا يفري والشاهد من ذلك كتاب الله سبحانه قوله: ويخلقون إفكا، وإن سأل عن قول الله سبحانه: ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعا ونداء، فكيف يشبه الذين كفروا بالناعق، ثم قال: بما لا يسمع والناعق سميع بصير فإن كان مثلهم بالبهائم فكان محاز الكلام، وإن يقول كمثل الذي ينعق به، قيل له: يا جاهل ذا إرتيابْ ويا حائر عن الصواب إن الله تبارك وتعالى شبه الذين كفروا بالبهائم التي تنعق بقله أسماعهم وقبولهم وقلة معرفتهم بما جاءهم من ربهم فشبههم في قلة استماعهم بالبهائم التي لا تمييز لها. فأما قوله: مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع، فهو مثل ضربه الله لهم فمثلهم بغنم راع فطلب وتتابعت فذهبت ما راعها صاحبها فلم يجدها فعلا شرقا في الأرض لها، وأقبل ينعق بها ويناجيها وهي لا تسمعه وهو في دعاء وندا وهي سائمه ترعا ولا تحيب له صوتا، ولا تألوه فوقا كذلك الذين كفروا حالهم في ترك الإجابة إلى الحق كحال هذه الغنم المستجمعة من الخلق. (1/267) وسئل صلوات الله عليه عن قول الله سبحانه لهم: فيها زفير وهم فيها لا يسمعون، فقال: أولئك المتجبرون على الله الفراعنة والطواغيت والكفرة العفاريت الذين أضلوا عباد الله وأخذوهم خولا واستمالوهم إلى عبادتهم بزخرف الدنيا، والعبادة هاهنا هي الطاعة فأخبر الله أنه من مات من أولئك أنهم خالدون في جهنم لهم فيه زفير والزفير فهو التأوه والوجع والكرب في التألم للعذاب، وقوله: وهم فيها لا يسمعون فإنما هؤلا لا يسمعون صوت بشارة كما يبشر المؤمنون ولا صوت لهم فيه سرور ولا فرج ولا خير، فأما سمعهم في جهنم فحديد وبلاؤهم في كل يوم فجديد. وسئل: عن قول الله عز ذكره وجلت أسماؤه إذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها، فقلت: ما الطيبات في هذه الدنيا هو ما ننعم به الناس ويلبسونه من صالحيهم وطاليحهم وإن لبس الثياب السريه وأكل الطعام الفايق وركب الخيول حلالا كان أو حراما فقد أذهب طيبات الآخرة بما أطلق لنفسه من استعمال طيبات الدنيا، فأما الكافر وأشباهه فقد استغنينا عن اللبس عنه، وعن أمره بما قد عندنا من حاله كثرت دنياه أو قلت، فمصيره إلى النار. وأما المؤمنون به والعامل بطاعة خالقه المجتذي بأمره فما أمره به ربه فكيف يكون تلك حاله، وإنما جعل الله الطيبات للمؤمنين خاصة دون الفاسقين، فقال في كتابه عزوجل لأنبيائه عليهم السلام: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، وقال في كتابه: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، ومعناها ويوم القيامة. (1/268) وقال في كتابه: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح إلى آخر الآية، فلم يجعل الله عزوجل على المؤمنين حرجا في شيء مما رزقهم إذ أخذوا على ما جعل لهم وأمرهم به فساوى فيه بطاعة الله ولم يتعدوا إلى شيء مما يسخط الله لأن الله عزوجل أيها السائل لم يجعل ما في هذه الدنيا من خيرها ومراكبها التي خلقها لشرار أهلها ولا لمن عند عن طاعة خالقها، وإنما جعلها للصالحين، ولعباده المتقين يأمرون فيها بأمره وينهون عن نهيه مقيمون أحكامه فيها منفذون لأمره عليها وللطاعة والمطيعين خلقها رب العالمين، ثم أمرهم ونهاهم وبصرهم عنها وهداهم وجعل لهم الإستطاعة إلى طاعة مولاهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينه وإن الله لسميع عليم. وإنما معنى الآية وقول الله سبحانه أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فتبكيتا منه سبحانه لأهل النار وتوقيفا على تفريطهم في طاعة ربهم، ومعنا: أذهبتم طيباتكم أي تركتم ومحقتم وعطلتم ما جعل الله لكم بالطاعة من النعيم المقيم والخلد مع المتقين في الثواب الكريم بإرتكابكم المعاصي وترككم الطاعة حتى خرجتم مما جعل الله للمطيعين وصرتم إلى حكم الفسقة الكافرين، في عذاب مهين، فهذا معنا أذ هبتم طيباتكم. بسم الله الرحمن الرحيم (1/269) سئل الهادي إلى الحق صلوات الله عليه عن قول الله سبحانه: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كتنم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، فقال صلوات الله عليه: الطيبات التي أذهبوها في حياتهم فهي طيبات الجنان التي جعلها الله لأهل الطاعة والإيمان بما ذكر أنه أعد لأهل التقوى والإحسان من أزواج الفواكه والرمان وغير ذلك من النخيل واللحمان وكل ما تشتهيه الأنفس من اللباس والنسوان وإذهابهم إياها فهو بعصيانهم لربهم وجرأتهم على خالقهم لأن الله عزوجل إنما حكم بالطيبات لمن أطاعه وحرمها على من عصاه، فمن أطاعه فقد استوجبها بطاعته ومن عصاه فقد أذهبها بمعصيته. فهذا تفسير إذهابهم للطيبات لا ما يقول من جهل فلم يعلم وضل عن مذهبه فلم يفهم من أن إذهابهم للطيبات هو أكلها في حياتهم فإن من أكلها في الدنيا الفانية حرمها في الآخرة الباقية وحاش لله أن يكون الجواب على ذلك أويكون قول من علم كذلك، ألم تسمعوا قول الله في القرآن وما نزل من النور والبرهان حين يقول: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون. فجعلها لهم في الحياة الدنيا، وفي الآخرة التي لها فكيف يقال أو يستجاز في ذي الجلال والإكرام أنه جعلها لهم رزقا وأعطاهم إياها عطاء حقا في دار الدنيا، ثم حرمهم إياها في الآخرة التي تبقا عقوبة على أخذ ما أعطاهم وقبول ما امنن به عليهم وأتاهم، وفي ذلك ما يقول الله عزوجل: يآ أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم، فأمر رسله أن يأكلوا من الطيبات وأن يعملوا له ما يرضيه من الصالحات، وفي أقل من ذلك ما أجزا من كان ذا حجا، والحمد لله العلي الأعلى. (1/270) وأما قوله سبحانه: بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، والإستكبار فهو الجرأة على الله الواحد الجبار والمخالفة له في أمره من ذلك التجبر على عباد الله في أرضه، والفسق وهو الفسق في الدين والفسق في الدين فهو المخالفة لرب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وعلى عترته الأخيار وسلم. ومن مسائل أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم التي سأل عنها الهادي إلى الحق صلوات الله عليه. وسألته: عن قول الله سبحانه: إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح، قال: هو الزوج، وليس كما يقول الجهال من هذه العوام أنه الأب، قلت: فإن قال لنا قايل: ما الدليل على أن الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح دون الأب والأخوة وبني العم، قال: لأن العقدة لا تكون إلا في يد من يحلها إذا أراد أن يطلق طلق وإن أحب أن يمسك أمسك. ألا ترى أن الأب لو كره شيئا من الزوج فأراد أن يحل عقدة نكاحه لم يجز له ذلك، ولم يقدر عليه ولم يمكنه إلا برضاء الزوج ولو كره الزوج شيئا من خلائق المرأة ثم أراد أن يطلق جاز له ذلك دون الأب وغيره. قلت: بلا، قال: ذلك ثبت ما قلنا وبطل قول غيرنا، قلت: فأين قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله: ؛أنت ومالك لأبيك«، قال: هذا معنا جعله الله ورسوله تعظيما وتوقيرا وإجلالا وتفضيلا للأب على ولده أزال به عند إقامة الحد. ألا ترى أن رجلا لو سرق شيئا من مال إبنه مما يجب في مثله القطع على أخذه لم يجب عليه فيه قطع بإجماع الأمة كلها فعلى هذا المعنا يخرج قول النبي صلى الله عليه وعلى آله: ؛أنت ومالك لأبيك«، قلت: فإن قال قائل: فقد رأينا الأب يجوز له أن يعقد نكاح إبنته إذا كانت صغيره في حجره ويدخل بها زوجها، قال: العقد للنكاح خلاف عقدة النكاح وبينهما فرق في القول والمعنا. (1/271) ألا ترى أن الأب لو باع شيئا من مال ولد له صغار أو كبار ثم أراد أحدهم أن يرجع فيه عند بلوغه، أليس ذلك له، قلت: لا أدري، قال: بلا له والاختيار عند بلوغه فكذلك لا يجوز له، ولا يمكنه العفو عن شيء لا يملكه والعفو فهو إلى الزوج، أما أن يعفو فيدفع الفريضة التي فرض على نفسه لها، وإما أن تعفوا هي عن النصف الذي أوجب الله لها. فهذا معنا العفو الذي ذكر الله، وفي ما ذكرنا كفاية ولو جاز أن يكون قول النبي صلى الله عليه وعلى آله أنت ومالك لأبيك لأنما في الحكم لما كان للزوج ولا للولد شيء من الميراث مع الأب إذا هلك إبنته أو إبنه ولكان يجوز له حينئذ أخذ جميع ما ترك ولده، فلما أن كان هذا الميراث غير جائز له ثبت وصح أن ولي العقدة هو الزوج وبطل قول من قال إن الأب ولي العقدة. وسألته: عن قول الله سبحانه: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها، قال: معنا قوله نأت بخير منها هو في التحقيق والرحمة فأما على معناه الإبطال لها فلا يجوز لأحد أن يقول ذلك ولو أن أحدا أنكر من القرآن آية لوجب عليه أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وسألته: عن قول الله تبارك وتعالى: ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون، فقال: معنا قوله: نبلوكم هو نمتحنكم فننظر كيف صبركم على المحنة، قلت: فما الشر الذي امتحن الله به المؤمنين، قال: أشياء كثيرة منها موت الآباء والأولاد وفراق الأحبة والأولاد ومثل ما يأتي من عند الله من النوازل على جميع العباد فمن صبر على ذلك جازاه الله عليه ومن جزع وأعرض لم يغن ذلك عنه وكان عند الله مأثوما معاقبا. (1/272) وسألته: عن قول الله سبحانه: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، فقال: أما العرش فهو الملك وأما يومئذ فهو يوم القيامة، وأما الثمانية الذين ذكرهم الله فقد يمكن أن يكونوا ثمانية آلاف أو ثمانية أصناف أو ثمانية أملاك والله أعلم، وأحكم، وأما حملهم فهو تأدية ما أمرهم الله بأدائه إلى من أمرهم به الله من عباده من الكرامة والنعيم والإحسان وفوائد الخير وما يأتيهم من الرحمة والغفران، وهذا جايز معروف في العربية والبيان من ذلك ما تقول العرب كثير فهذا معنا الحمل الذي ذكره الله، وهذا الجواب ونفس المعنا وقصده الذي يحتاج إليه منه فلك فيه كفاية إن شاء الله. وسألته: عن قول الله تبارك وتعالى: ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين، فكيف المكر منهم وكيف المكر من الله بالماكرين فقال أما مكر العباد فهو ما يخفون ويضمرون من إرادة المكر لمن به يمكرون وستر ما يريدونه من الغوايل لمن يغتالونه فهذا المكر من الآدميين. وأما المكر من الله فهو كذا علمه بما يضمرون والإطلاع على ما يخفون ويعلنون فأخبر الله أنه يعلم ذلك فيهم من قبل أن يفعلوه ويطلع على خفي ما يخفونه في أنفسهم قبل أن يبدوه فليس أحد يعلم علمه ولا يطلع على شيء من إرادته تعالى رب العالمين الذي لا يحتاج إلى النية والضمير في الصغير ولا في الكبير. مسألة: قلت: فقوله: نسوا الله فنسيهم، كيف النسيان من الخلق، وكيف النسيان من الله جل ذكره، قال: النسيان منهم هو تركهم لأمره وإضاعتهم لفرضه وإقامة حقه فلما تركوا ذلك وأعرضوا عنه تركهم من رشده ورحمته ونصره وتوفيقه وتسديده وإحسانه وعونه، فهذا معنا النسيان من الله عزوجل وقد تأول غير هذا من جهل التأويل ولم ينظر في قولهم ولا ما تأولونه من باطلهم وكذبهم. قلت: فالإستهزاء من الله ما هو ؟ قال: الإستهزاء من الله لهم هو الذم والتصغير لهم والعيب بقبح أفعالهم. بسم الله الرحمن الرحيم (1/273) سئل القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه عن قول الله تبارك وتعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يآ أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، فصلوة الله لا شريك له هي البركة والثناء وكذلك صلاة الملائكة والمؤمنين فهي أيضا البركة والثناء والدعاء من الثناء، ومثل ذلك قول الله لا شريك له: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم، وصلاته عليهم صلى الله عليه هو دعاؤه لهم وثناؤه عليهم. وسألته: عن قول الله أحاط بكل شيء علما، قال: ما الإحاطة، فقال: الإحاطة بالشيء العلم به على حقيقة العلم وصدقه ومن ذلك قول الله سبحانه: والله بكل شيء محيط، يريد سبحانه علما وقدرة ومالكا ومثل ذلك في العلم قوله سبحانه: ولا يحيطون به علما بشيء من علمه. وسئل: عن تفسيره: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: هذا لا حول من مكان إلى مكان ولا حيلة في شيء من الإحتيال إلا بتقوية الله عن الزوال والإنتقال، قوة إلا بالله يقول بما جعل الله للأقويا المطيقين والعقلا المحتالين. وسئل: عن تأويل سبحان الله وتعالي الله وتعاليه هو ارتفاعه وكبره وسبحان الله معناها في اللغة أن يريد تبارك وتعالى أنه بعيد مما قال فيه من جهل جلاله وافترى عليه. وسئل عن تأويل سمع الله لمن حمده، قال: هو قبل الله ممن شكره شكره له ومن شكر الله ما أمر الله به من الصلوات وغير ذلك من وجوه الخيرات وسيل عن تأويل السلام عليكم. وسئل: عن قول الله سبحانه: كراما كاتبين ) يعلمون ما تفعلون، فقال: ليس من الآدميين أحد إلا ومعه حافظان من الملائكة يحفظان عليه الصالح والطالح من قوله وأعماله أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله كما قال الله عزوجل: عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. (1/274) وسئل: عن الرقيب، فقال: هو الحفيظ والعتيد فهو المنهي والرصيد هو الذي يرصد الشيء قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله تعس عبد الدنيا، تعس عبد الدينار والدرهم تعس عبد الحلة والحميصة تعس.. ثم انتكس فلا انتعش، ثم قال عيسى بن مريم صلوات الله عليه بحق أقول لكم إن حب الدنيا رأس كل خطيئة. وسئل عن قول الله: الذي يتخبطه الشيطان من المس، قال: التخبط إنما يكون من خارج ليس من داخل، وإنما هذا مثل مثله الله لمن يعقل ومن يغفل بفهمه عن الله إن شاء الله ويعلمه، قال عيسى بن مريم صلى الله عليه في الإنجيل لا تطرحوا اللؤلؤ المنير بين غابات الخنازير، قال: والغابات الماعات والغابة الجماعة. وسئل: عن قول الله سبحانه: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن إلى آخر الآية، فقال: زينتهن فمحاسنهن مما يواري الثياب من صدورهن وسوقهن وأرجلهن وكل ما يستحسنه المستحسن منهن وما ظهر منهن من الوجه والكف فلا بأس أن يبدين ذلك. وسئل: ما الصراط الذي يذكر أنه يوضع يوم القيامة فيجوز الناس عليه، فقال: أما الصراط فالطريق والسبيل الظاهر الذي ليس فيه ميل. وسئل: عن قول الله: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي فقال الروح من أمر ربه، كما قال: لايجاب فيه بغير ما قال الله في ذلك لأن الله سبحانه قد أبان ما هو وأي شيء هو. وسئل: عن الروح الذي يكون في الناس والحيوان، فقال: الروح هو الروح المتحرك الذي به يحيي الحيوان ويذهب ويقبل ويدبر ويعرف وينكر وهو شيء لا يدرك بالعين وإنما يعرف بالدلائل واليقين. وسئل: كيف نسلم إذا مر رجل بمعابر العامة، وكيف ندعو لهم، فقال: يسلم إن شاء الله على المؤمنين والمؤمنات والصالحين من عباد الله والصالحات ففي سلامه لذلك عليهم ما كفى إن شاء الله فيهم. (1/275) وسئل: كيف الصدقة على سؤال العامة وأهل الخلاف منهم من يعرف ومن لا يعرف فقال: لا بأس بالصدقة على كل سائل إن شاء الله من كان ولا أحسبك، إلا وقد سمعت أن رسول الله صلى الله عليه، قال: أعطوا السائل ولو جاء على فرس. وسئل: عن صلاة الضحى، فقال: يصلي في ذلك من أراد ما أراد، وقد ذكر كما سمعت أن رسول الله صلى الله عليه صلى الضحى يوم فتح مكة وجاء مع ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي أنه كان يقول: والله ما صلى رسول الله الضحى قط، وجاء عن علي بن أبي طالب صلوات الله ورحمته عليه أنه كان يقول يا بني إني لا أنهاكم عن الصلاة لله، ولكني أكره لكم خلاف رسول الله. وسئل: القاسم رحمة الله عليه ورضوانه عن من أتى إمرأته في دبرها: هل يحرم ذلك عليه ما حل منها، فقال: لا يكون ذلك وإن كان إثما وما لا خبرا أنه عليه وإن فعله محرما ولا يكفر عنه إثمه وخطيته إلا بالتوبة والإستغفار وبتحريمه في ذلك ما حرم الله من إتيان النساء في الأدبار وكذلك إتيان النساء في المحيض فحرام وخطبة عند الله وجرم وأثام وفي ما ذكرنا من ذلك كله ما يقول سبحانه في تنزيله: ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله. تأويل ذلك آتوهن من حيث أمركم الله في القبل لا في الدبر لأن الدبر ليس بمكان محترث ولا يصلح فيه شيء في الحرث، وفي ما ذكرنا من القبل متبغا الولد والنسل، وفي ذلك من نعم الله وإحسانه وموهبة الله للولد وإنشائه ما يقول سبحانه لمن صام في ليالي الصوم وما حرم الله في ذلك عليهم في نهار كل يوم فالآن باشروهن وأبتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والإبتغاء فإنما هو في القبل لا في الدبر. وتأويل ما كتب الله لكم هو ما علم الله أنه سيكون من نسلكم. (1/276) وأما المص وأشباهها والمرسلات والنازعات وأمثالها فإن فيها من العلوم والسر للوحي المكتوم ما لا يعلمه إلا من وهبه الله إياه والهمه فيه وفي العلم به هداه، وأما العشار فهي الإبل الحوامل إذا حملت أولادها، وأما عطلت فإذا تركت عند مجيئ القيامة وما ذكر الله من مجيئ الطامة، وأما اللوح المحفوظ فهو علم الله المعلوم، وأما النفاثات في العقد فهن السواحر والنفث فهو الرقا والنقل بالريق والعقد فهو عقد السواحر لعقدٍ كنَّ يعقدنها في السير والخيط. وأما أصحاب الأعراف فإنهم أصحاب ما علا من منازل الجنة وأشرف وأناف من الغرف العالية والمنازل المشرفة المنيعة التي يرون منها لشرفها وعلوها النار وبعض من يعذب فيها ممن كانوا يعرفونني في الدنيا بالخير والأسراف والنكير فيعرفونهم في النار بسيماهم التي هي هيأتهم وحلاهم لا يعرفونهم بغير ذلك منهم لما غيرت النار بأكلها من ألوانهم فيقولون عند معرفتهم إياهم ما قصه الله في كتابه من قولهم. وأما يوم كان مقداره ألف سنة، فأخبر الله لاشريك له أنه يكون في يوم واحد من أمره في ما ينزل من سمائه إلى أرضه من تقديره ما مقداره عند غيره لو دبره من المقدر من الآدميين ألف سنة في التدبير، وأخبر في ذلك عن قدرته التي ليست لقدير، وأما خمسين ألف سنة فإنما هو أيضا خبر عما له من القدرة في تعجيل القضاء والحكم إذا فصله ولا يفعله في غيره في خمسين ألف سنة من ذلك لو فعله هذا بقدره ولا شريك له على أن يفعله في يوم واحد. (1/277) وأما وشهد شاهد من أهلها فإنه كان رجل من قرابتها له حكم وفصل شهد لما اختلفوا في أمر يوسف صلى الله عليه وأمرها في ما ظنوا به وبها في ما قالت أنها لم تطلبه وأنه طلبها، فقال: إن كان قميصه قد من قبل فهو الذي أرادها ولم ترده وإن كان قميصه قد من دبر فهي التي طلبته فهرب عنها، وأما لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فهو منكر الشراب وغيره من كل ما أسكر من بنج أو نوم أو حريق وكل ما التبس به العقل من خمر أو غيره. مسئلة: مما أجاب عنها الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليه. وسألت:: حفظك الله عن قول الله سبحانه: قد يعلم ما أنتم عليه، فقال: أليس قد علم الله ما هو كائن قبل أن يكون. الجواب: في ذلك أن معنا قوله قد يعلم ما أنتم عليه أي قد يعلم ما أنتم فيه وقوله: قد علم ما يكون قبل أن يكون فذلك الله تبارك وتعالى هو العالم بنفسه القادر بنفسه، ثم قلت: إن قال قائل أو عارض معارض فقال: فإذا كان ذلك كذلك فأخبرونا عن الخلق أهم متصرفون في الذات أم الذات متصرفه في الخلق إذ هو العالم بنفسه وليس ثم عالم وعلم. الحجة في ذلك: أن يقال له: إن الخلق ليسوا متصرفين في علم الله وإنما هو متصرفون في معلومات والعلم محيط بهم وهم يتصرفون في معلوم إلى معلوم وكلهم غير خارج مما وقع عليه علم الله مما كان أو يكون فما كان من تصرف الخلق في أفعالهم التي هي معلومات الله فقد جاءت على ما علم الله من إختبار خلقه للفعل الذي تصرفوا فيه وكل ما تصرف فيه الخلق من أفعالهم فهو بإختيارهم فعلوه والهواء والإختبار أدخلهم فيه وأفعالهم هذه لله معلومات بإحاطة الله سبحانه بها وعلم الله فلم يخرجهم من شيء معلوم ولم يدخلهم في معلوم وإنما وقع علم الله على اختيارهم. (1/278) وعلى صور أحرى أمرهم فأحاط بكل الأشياء خبرا ولم يدخلهم بعلمه في شيء جبرا فافهم ما يتصرف الخلق فيه من معلومات الله واعلم أن الخلق لا يتصرفون في علمه لا يرا بعلم خلاف تصرف الخلق وتصرف الخلق خلاف العلم، وإنما يتصرف الخلق في أفعالهم وأفعالهم هي معلومات الله فافهم الفرق بين المعلوم والعلم بين ذلك ما فيه التصرف من أفعال الخلق إن شاء الله. ثم قلت: إن قال المعارض لنا، أليس قد علم الله أن فرعون يعصي ولا يطيع فلما أرسل إليه موسى وهارون وكذلك إلى غيره من الجبابرة والفراعنة قد أرسل إليهم الرسل وهو يعلم أنهم لا يطيعون. الجواب: في ذلك أن يقال له: قد علم الله أنهم لا يطيعون ولم يعلم أنهم لا يقدرون على أن يطيعوه وعلم أنهم يعصون ولم يعلم أنهم لا يقدرون على الطاعة وقد علم سبحانه أنهم لو أرادوا الطاعة أطاعوا كما علم أنهم سيؤثرون المعصية على الطاعة، فلم يكن سبحانه ليعاقبهم على ما لم يفعلوا من المعصية ولم يكن ليعذبهم قبل أن يثبت عليهم الحجة فبعث المرسلين يدعون إلى طاعة الله وترك معصيتهم من هو قادر على أن يطيع وعلى أن يترك المعصية لو أرادوا لما جعل فيهم على ذلك كله من الإستطاعة الثابتة فيهم ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيي عن بينة وإن الله لسميع عليم. ثم قلت: أن قال المعارض هل كان فرعون يقدر أن يخرج مما قد علمه الله قيل له أيها لمعارض فيما أجبناك في أول المسلة بجواب هذا الكلام إذ أعلمناك أن علم الله إنما وقع على ما يكون منهم من الإختيار الذي لا يكون منهم أبدا غيره من الإختيار لأجد الأمرين فعلم سبحانه ما يؤثرون وما يختارون وما عليه يبيتون فاحاط علمه باختيارهم الذي هو معلوم له وهو فعلهم لا فعله وصنعهم لا صنعه. (1/279) فمثل العلم كالدار وفي الدار بيوت والبيوت فيها أبواب فهو ينتقل في بيوتها ولم يخرج منها كذلك العلم تحيط باختيار العبيد وبصيور أمرهم. وآخر إختيارهم وهم ينتقلون من فعالهم في معلوم إلى معلوم والعلم غير المعلوم كما البيوت التي في الدار غير سور الدار المحيط بها. فالخلق في المعلوم منصرفون لا في العلم تعالى الله عما يقول الملحدون ويصف الجاهلون. وسألت: عن قول الله سبحانه: كهيعص وحم والر، وما أشبه ذلك من أول السور وأعلم أعاننا الله وإياك على طاعته، أن هذه الأحرف أحرف لم يتعبد الله أحداً فيها بأكثر من الإقرار بها كنَّا الله تقسيرها عن نبيه فضلا عن غيره ولو اطلع عليها وصيه ولو اطلع عليها وصيه إذا لعرفها علماء أهل بيته فلما أن لم يحدد لك مفسرا عن رسول الله عليه السلام وآله ولا اللغة المستدل بها علمنا أن هذه الأحرف أحرف لم يكلف الله تفسيرها إذ ترك اطلاع نبيه عليها غير أنه قد تكلم متكلمون وخبط خابطون بغير معرفة ولا وصية بصيرة ثاقبة تكمهاً منهم وعما فأنكرنا ذلك من فعلهم وكرهنا من عملهم فخشينا إن فسرنا أن نقع في ما كرهنا ونصير إلى ما أنكرنا فتركنا المنكر عندنا لما بان من الصواب لدينا فنسأل الله العون على طاعته والقيام بواجب حقه. قول الله تبارك وتعالى: حم حرف لم يتعبد الله أحدا بعلمه ليس فيه فرض من الله على عباده. الكتات المبين فهو كتاب محمد المبين معنا المبين بين الحق وبين الباطل. وعن قول الله من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فقال الإكراه بالقول وفي القول لا في الفعل وهذه نزلت في عمار بن ياسر وصاحبه. وعن قول الله تبارك وتعالى وبئر معطلة وقصر مشيد.فقال البئر والقصر في اليمن في أرض السهل في موضع عمار بن ياسر. (1/280) قال أحمد بن بريه في موضع يقال له هكره وسئل عن الفوة خلف اللاحن الأمي فقال:؛إذا كان مؤمنا عارفا بالله سبحانه ولم يكن يلحن في كل ما يقرأ وكان لحنه حرفا بعد حرف في السورة بعد السورة ولم يوجد خبر منه لموضعه واضطر إليه فلا بأس بالصلاة معه ولا يجوز أن يعطى على الصلاة أجره ولكن من كان فقيراً محتاجا أعطي معونة وقوتا لنفسه ولعياله علي طريق العون لا على طريق الأجرة لكي لا يموت جوعا. وعن قوله يزيد في الخلق ما يشاء فقال معنا يزيد في الخلق ما يشاء أي يكون الرجل واحداً ثم يكونوا من بعد ذلك خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك فهذه الزيادة التي ذكر الله تبارك وتعالى. وعن قول الله تبارك وتعالى: جعلا له شركاء فيما أتاهما، فقال إن آدم وحوا صلى الله عليهما لما أن أسكنهما الله الجنة التي ذكر في كتابه نظر آدم صلى الله عليه إلى خلقه ونظر إلى خلق حوا عليهما السلام فقال: لئن آتيتنا ولدا على مثل خلق آدم لنخلينه لعبادتك وطاعتك فلما أن رزقهما الله تبارك وتعالى ولدا ذكرا وشب ذلك الغلام وكبر لم يستغن عنه أبوه في معونته في حرثه وزرعه وجميع مرافقه فاستخدمه يوما وخلاه لعبادة ربه يوما فكان على ذلك فعله فأنزل الله تبارك وتعالى قرآنا وهو قوله جعلا له شركاء فيما أتاهما لا ما يقول به الجاهلون القايلون على الله ما لا يعلمون. وعن قول الله تبارك وتعالى يؤمنون بالجبت والطاغوت فقال: الجبت هو كل ماصد عن أمر الله وألها عن دينه، والطاغوت فهو كل ما أطغا وجبت عن دين الله وحمل أحدا من عباد الله على معصية الله من طواغيت جبابرة أرضه وملاعين كفرة عباده. وعن العذاب الأدنى فقال: هو عذاب الدنيا بما يكون فيها من حلول يقمة من أي النقم كانت من جوع أو مخافة أو سيف، والعذاب الأكبر فهو عذاب النار في الآخرة وبئس المصير. (1/281) وعن قول الله: وبالنجم هم يهتدون، فقال العلامات وهي الدلالات من كل شئ من الإهتداء دليل على الله أو دليل على دين الله أو دليل على سبيل من السبل وبالنجم هم يهتدون والنجم هو النجوم التي يهتدي بها في البر والبحر والطرق والسبل ومن الإهتداء بالنجوم أيضا هو الإهتداء إلى معرفة الله تبارك وتعالى بما في النجوم من أثر صنعه والدليل على قدرته ووحدانيته. وعن قول الله تبارك وتعالى ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، فقال القايل هذا والعاض على يديه هو من قصر في إتباع الرسول واتخاذ الوسائل إلى الله معه بالطاعة له، وأما قوله يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ففلان هو كل من صده عن سبيل فأطاعه أو أمره بمعصية الله فاتبعه من الفراعنه الضالين والطغاة المغوين. وعن قول الله تبارك وتعالى: ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس، فقال: المضلان للكافرين اللذان سألوا ربهما أن يريهم إياهما فهو مضلي الإنس والجن ومغوياهم لأن كل ضال بالضلال مضل فلم يضل إلا بإطغا شيطان ووسوسته أو إطغا جبار من الإنس دخل في طاعته فجبار الإنس المضل لأتباعه والشيطان الموسوس بالمعصية لأوليائه هما المضلان للضالين وهما اللذان سألوا أولياوهما وأهل طاعتهما في الدنيا رؤيتهما في الآخرة تعسفا وغضبا عليهما لينا لا في العذاب بعض ما تشتفي به منهما صدورهم ويخف غيظهم ولا فرجا ولله الحمد لأحد من أهل جهنم في ذلك سلوا كان ولا غيره. وعن قول الله فتلقا آدم من ربه كلمات فقال الكلمات هو كلمات الإستغفار والتوبة، والأمانة ذكرهن آدم بعد المعصية خطفا لهن ما وجب عليه من غضب ربه فلما أن تكلم بكلمات التوبة و أظهرن صرف الله عنه العقاب وصار حكمه عند الله حكم من أناب وتاب. (1/282) وقلت: ما الدليل على أن الله خلق الأشياء لا من شئ أو من غير شئ فإن خلقها من شئ أزلي فقد كان معه في الأزلية والقدم غيره من الأشياء ولو كان ذلك كذلك تعالى الله عن ذلك لم يصح له الأزلية وإذا لم تصح له الأزلية لم تصح له الوخدانية وإذا لم تصح له الوحدانية لم تصح له الربوبية لأن من كان معه شئ من خلقه فليس برب للأشياء كلها إذا لم يكن لها كلها خالقا فمن هاهنا صح أنه خلق الأشياء لا من لاشيء وابتدئ تكوين أبدائها من غير شئ. وقلت: ؛لأي علة بعث الله الرسل«، فقا ل: ؛بعث الله سبحانه الرسل ليكونوا حجة له على خلقه وليبلغوهم عنه ما تعبدهم به من فرضه إذ مفروضاته سبحانه معقول ومسموع فما كان من المسموع فلابد فيه من مسمع يؤديه وناطق به عن الله بما فيه وهم الرسل عليهم السلام الؤودون إلى خلق الله رسائله والمبلغون إليهم عنه مراده منهم فلهذا المعنى من تأديتهم عنه بعثهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: وجعلنا بينهم موبقا فالموبق فهو الهلكة التي أوبقتهم بمعنا ما قدموا من عملهم وهو العذاب الذي صيرهم الله إليه وأوبقهم فيه فشغلهم موبق الهلكة عن إخوانهم الفسقة فهذا معنا موبقا. وسألت: عن قول الله سبحانه: إنما النسيء زيادة في الكفر، فالنسيء:هي الأشهر التي كان أهل الجاهلية ينسونها ومعنى ينسونها فهو يبدلونها ويتركونها، كانوا يجعلونها هي ويعصون في الأشهر التي أبدلوا عن المظالم، ومعنى النسيء ينسون هذا ليتركوه مرة ثم يأخذونه وينسون غيره مرة يحرمون التظالم في شهر ومرة يحلونه فيه ولا يحرمونه في غيره فأخبر الله تبارك وتعالى أن هذا من فعلهم زيادة في ما هم عليه من كفرهم وتمردا على خالقهم فضل به الكافرون من فعلهم يحلونه عاما ويحرمونه عاما ويطلقونه وقتا ويحرمونه وقتا فأخبر الله بعصيانهم في ذلك واعلم أنهم في الكفر كذلك. (1/283) وسألته: عن قول الله سبحانه: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم، فقال: هو لا أهل التوبة إلى الله من بعد المعصية فذكر الله سبحانه أنهم عملوا عملا سيئا ثم خلطوا أعمالهم بالصالحات فعملوا بها من بعد التوبة وبعد العمل الردي، ومعنا عسى الله فهو إيجاب لقبول التوبة عن التائبين من بعد الإخلاص لله بالتوبة وليس كما يقول الجهال أنهم يعملون قبيحاً وحسنا في حالة وأخذة ويقبل منهم الحسن هذا ما لا يكون لأن الله يقول: إنما يتقبل الله من المتقين، ومن كان في معصية ربه فليس بمتق ومن لم يكن بمتق فليس يقبل عمله منه. وسألته: عن قول الله سبحانه: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما، يقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله مخبرا له عن أصحابه مقسما بنفسه أن أصحابه لا يؤمنوا على حقيقة الإيمان حتى يردوا إليه عليه السلام ما تشاجروا فيه وهو ما اختلفوا فيه ثم يرضوا بحكمه في ذلك ولا يجدوا في صدورهم سآمة ولا غضبا منه ويسلموا تسليما أن ينفذوا حكمه ويسلموا له ويرضوا به ولا يردوه. وسأله ابنه أبوالقاسم أعزه الله عن قول الله سبحانه: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، وعن قوله: فإذا الذي بينك وبينه عدواة كأنه ولي حميم، فقال يأمر نبيه عليه السلام: أن يدعوا إلى الله وإلى الإيمان به وبكتبه ورسله والسبيل اتباع الحق بالحكمة أي بالقول الحسن والموعظة: أي بالتخفيف والحسنة أي الرفيقة وجادلهم: أي في وقت المناظرة بالرفق والقول الجميل وبالتي هي أحسن: اللين في القول وفي المخاطبة فإنك إذا فعلت بهم ذلك صار العدو لك مثل الولي والولي المحب، والحميم هو: القريب، يقول سبحانه: يصير عدوك مثل قريبك المحب لك إذا فعلت له الجميل.... (1/284) الجزؤ الأول من كتاب الفقه مما ولي تأليفه محمد بن الهدي إلى الحق يحي بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبن طالب صلوات الله عليهم أجمعين وسلم تسليما. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على نعمه التي لا تحصى وأياديه المتتابعة فلا تجزأ حمد من آمن به وتولاه وآثر أمره ورضاه وصدق وعده فرجاه وأيقن بوعيده فاتقاه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له غافر الخطيات ومقيل العثرات ومبين الآيات وماحي السيئات، العدل في قضائه، المنصف لخلقه، البريء من ظلم عباده، لم يخرجهم سبحانه من طاعة، ولم يدخلهم أبدا في معصية تعالى عن ذلك، والعزة والسلطان والقدرة والبرهان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم أنبيائه وسيد اصفيائه، انتجبه لأمره، واختاره لوحيه، فبلغ صلى الله عليه وآله، ونصح واجتهد حتى أقام على الأمة الحجة وأوضح لهم المحجة ثم قبضه الله إليه عند كمال دينه وبث الحق في أرضه فعليه.. وإليه أفضل لصلاة والترحم من ربنا والواحد الكريم. وسألت: وفقك الله للهدى وجنبك الغي والردى عن الرجل يعطس في الصلاة فيقول له من معه في الصلاة يرحمك الله فقلت هل يقطع تلك الصلاة ويجب على الذي قال الإعادة وقلت لم يذكر في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنها تعاد. قال محمد بن يحي عليه السلام: الجواب في هذا أنه إذا قال في صلاته يرحمك الله فالإعادة أولى به وهي عندنا واجبة عليه لأنه قد قطع ما كان فيه من الصلاة وخرج من قرآنه وقد جآء التحريم عن رسول الله صلى الله عليه للكلام في الصلاة والإشتغال بغيرها لمن كان فيها فلما أن قال يرحمك الله كان قد أضمر في قلبه ونوى في نفسه الدعاء لصاحبه ولما أن أضمر ذلك في نفسه كان تاركا لضميره الذي أصمر لصلاته وصار متكلما إيجابا متعمدا للترحم عليه. (1/285) وسألت: عن سهو الإمام ثم لا يسجد لسهوه سجدتي السهو يرحمك الله فهما إرغام لإبليس ليستا لتمام صلاة ولا لنقصانها أولا ترى أنهما إنما يكونان بعد التسليم والتسليم فهو تحليل الصلاة وانقضاؤها وكل ما حدث من بعد التسليم فليس بموصول في الصلاة ولامحسوب في عددها وإنما هما مصغرة للشيطان وتعظيم للرحمن ولا ينبغي لأحد سهى في صلاته أن يترك سجدتي السهو فإن ذلك أزكى في فعله وأقرب له إلى ربه وهما غيرنا قصتين إن غفل عنها من صلاته. وسألت: عن الإمام يسهو ولا يسهو من ورءاه هل ينبهونه بالتنحنح أو بالتسبيح أو بالكلام، فقلت إن فعل ذلك فاعل هل يفسد صلاته. قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛لانحب لمن كان في الصلاة أن ينبه مخطيا بالتنحنح والتسبيح لأن تقع به النية على الكلام لأنه إنما أقام التنحنح والتسبيح مقام قوله سهوت أو أخطأت وذلك اعتماد في تسبيحه وتنحنحه وهذا لا يجوز في الصلاة ولا نرى لمن خلف الإمام أن يتكلم بشيء إلا أن يتلجلج الإمام في القراءة ويسهو عن حرف يفلته فيتحير في طلبه فلا بأس أن يفتح عليه من وراءه لأن ذلك قد جآء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأمر به وعلى ما ذكرنا لك يعتمد وبه نأخذ. (1/286) وسألت: عن رجل دعاه إنسان ولم يره وهو يصلي فقلت أيجوز له أن يتنحنح، قال محمد بن يحي عليه السلام: الجواب في هذه المسئلة كالجواب فيما تقدم قبلها لا نرى له ذلك ولا نجيزه لأنه قد أقام التنحنح مقام الإجابة لأن الإجابة قد تكون بصورة في اللغة يثبتا يعرف الداعي أنه قد أجيب إذا كلم بشيء منها لأن الداعي إنما يدعوا ليعلم أين المدعي فسوا عليه أجابة بلبيك أو بنعم أو أجابة بهاه أو إجابة بالتنحنح لأن كل هذه إجابة تقرر عند الداعي موضع المدعي وإذا صار المصلي في صلاته يخاطب بهذه العلامات والإشارات فقد صار خارجا من نيته غافلا عن صلاته كما قد رأينا أيضا بعض الجهال إذا كلمه إنسان بشيء فأراد أن يقول نعم نغض برأسه وإذا أراد أن يقول لا رفع برأسه إلى أعلى وهذا مما لا يجوز في الصلاة لأن الله سبحانه يقول في كتابه: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والخشوع فلا يكون إلا بتسكين الأطراف والهدوء والإقبال على الصلاة حتى لا يمزجها بعنبرها فأما من شابها بضدها وأدخل فيها ما ليس من أعمالها فقدنا عن خشوعها وبعد عما ذكر الله سبحانه من حدودها. وسألت: عن رجل فاتته الركعتان الأولتان مع الإمام وأدركه في الركعتين الآخرتين وهو يسبح فقلت هل يقرأ هو خلف الإمام في نفسه أو يسبح أو يسكت. قال محمد بن يحي عليه السلام: إذا فات الرجل الركعتان الأولتان مع الإمام وأدرك الركعتين الآخرتين فليقرأ في الركعتين ولا يسبح لأنهما الأولتان له والقرآءة فيهما عليه واجبة فليقرأ فيهما ويركع بركوع الإمام ويسجد بسجوده فإذا سلم الإمام نهض هو فأتم الركعتين بالتسبيح، وقلت إن من فاته ركعة ولحق الإمام في الثانية فصلى معه ثم جلس الإمام يتشهد فجلس معه هل يتشهد أم لا والقول في ذلك عندنا أن يسكت ولا يتشهد فإذا نهض الإمام نهض معه لأنها له هو ركعة وللإمام ثنتان ولا يجب على من صلى واحدة يتشهد فاعلم ذلك. (1/287) وسألت عن رجل لا يسمع قراءة الإمام لبعده منه هل يقرى أم يسكت. قال محمد بن يحي عليه السلام:إذا لم يسمع قرآءة الإمام عند جهره لزمته القرآءة كما يلزمه عند مخافتة الإمام سواء سواء وذلك لقول الله سبحانه في كتابه: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا، وإنما أمر عز وجل بالإنصات والإستماع في هذه الآية في الصلاة خاصة وإذا لم يسمع فلم ينصت وإنما يقع الإنصات على من سمع القراءة فإذا سمعها وجب عليه أن ينصت ويقف من القراءة خلف الإمام ولا يقرأ شيئا لأنه إذا قرأ لم يسمع ولم يكن منصتا فحظر الله سبحانه على المستمعين للقراءة أن يقرأوا وذلك لقوله: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا على أنه إذا لم يجهر الإمام أن يقرى فيما خافت فلم يسمعوه فإذا لم يسمع من خلف الإمام قرآءته وجب عليهم أن يقرأوا. وقد قال بعض من يتعاطا العلم أن هذا الذي لم يسمع قرآءة الإمام قد علم أن الإمام قد جهر فإذا علم بجهره وإن لم يسمعه فقد أجزأه وليس ذلك عندي بشيء بل الواجب عليه إذا سمع أن ينصت وإذا لم يسمع أن يقرأ لأن الله سبحانه إنما أوجب عليه الإنصات عند السماع فإذا عدم الصوت فلم يسمعه وجب عليه القرآءة ولا يسعه غير ذلك ولا يجوز له إلا هو. وسألت عن الإمام، نجهر في صلاة النهار فيما يخافت فيه هل تفسد عليه صلاته أو يخافت في صلاة الليل عمدا أو يجهر بالتشهد فقلت هل تفسد عليه بذلك الصلاة. قال محمد بن يحي عليه السلام إذا جهر الإمام في ما يخافت فيه أو خافت في ما يجهر فيه فقد أفسد صلاته ويجب عليه الإعادة لأن الصلاة بحدود قد جعلها الله سبحانه فإذا خولفت فلم تؤد الصلاة لأن من سجد قبل الركوع لم يكن له صلاة، وكذلك من ركع موضع السجود بطلت صلاته وكذلك أيضا من جهر في موضع المخافته والأسرار فقد خالف حكم العلي الجبار. (1/288) وسألت: هل يجهر المصي بالقنوت في صلاة الفجر ويسمعه من ورآءه، قال محمد بن يحي عليه السلام القول في ذلك عندنا أنه يجهر بالقنوت ويسمعه من ورآءه. وسألت: عن الرجل يتم التشهد في الركعتين الأولتين، ولم يسلم ثم ينهض هل تفسد صلاته بذلك، قال محمد بن يحي عليه السلام ليس ذلك بمفسد صلاته ولا يغير عليه شيئا من فرضه وإنما يقع الفساد لو سلم وقال بعض من نظر في العلم من العامة إذا سلم ولم يتكلم جاز له أن يبني على صلاته وليس ذلك عندي بصواب ولا أجيزه بل أرى أن كل من سلم في غير موضع التسليم أن صلاته قد انقظت ويجب عليه الإعادة لها لأن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم فإذا سلم فقد قطع الصلاة ووجب عليه الإبتداء. وسألت: عن الإمام يسلم من بعد كمال صلاته وفراغه منها هل يقعد في موضعه وعلى مكانه فيستح ويدعو، قال محمد بن يحي عليه السلام: نحب للإمام إذا سلم من صلاته أن ينحرف يسرا عن مقامه ويدعو بما أحب من ودعائه كذلك رأينا السلف صلوات الله عليهم وعاينَّا الهادي إلى الحق صلوات الله عليه إذا سلم انفتل إلى جانب المحراب حتى يخرج من وسطه ويصير جالسا إلى حرفه ثم كان صلوات الله عليه يدعوا بما أحب وبداله. ثم ينصرف وبذلك نأخذ وعليه نعتمد والله سبحانه الموفق للصواب والمعين على الحق والسداد. وسألت: عن صبي يولد على فطرة الإسلام وصبي يولد على فطرة الكفر فقلت أيهما أفضل. (1/289) قال محمد بن يحي عليه السلام: ليس يقال لأولاد المشركين أنهم ولدوا على فطرة الكفر لأن الله سبحانه إنما فطر الخلق وأوجدهم كما قال الله عز وجل للطاعة حين يقول وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فكل مولود يولد فعلى الفطرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ؛كل مولود فهو على فطرة الإسلام حتى يكون أبواه يولد على فطرة الإسلام حتى يكون أبواه اللذان يهودانه أوينصرانه«، وحال الأطفال جميعا حال واحد من مات منهم صار إلى الجنة لأنهم لا ذنوب لنهم ولم يبلغوا جدَّا لأمر والنهي فيعصوا فيستوجبوا العقوبة والله سبحانه فلا يظلم العباد فلما أن كانوا كذلك كانوا مستوجبين للرحمة والرأفة وكان ذلك من العدل والعقاب لمن لا ذنب له فهو من الجور والله سبحانه بريء من ذلك تعالى علواً كبيراً وسألت عن رجل أطلع من دار جاره عمداً أو نسياناً هل هو في ذلك مأثوم وقلت وإن وقع بصره على حرمة من غير قصد لها قال محمد بن يحيى عليه السلام لا يجوز لمن يشرف على حرمة جاره ولا يطلب عورتها ولا ينظر شيئاً من محاسنها فإذا فعل ذلك عمداً فقد أخطأ وأساء ويجب عليه التوبة والإستغفار وإذا كان ذلك بغير عمد ولانية ولا قصد فليردد بصره ولا يعيد نظره فإنه غير مأخوذ بغفلته ولا معاقب على ما لم يقصد بنيته ونظره وهم مستوون في غير الجهاد من التعبد إلا في ما افترض الله على الرجال من القيام بالنساء ثم تعبد الرجال بعمل زادوا به على التعبد الأول فالأجر على قدر العمل وليس زيادة هذا في العمل بمقصرة بذلك كما جعل الله لهم من الثواب لأن كلا قد جعل الله عليه فرضا إذا قام به كان مطيعا. (1/290) وسألت: عن ولي أبا أن ينكح حرمته فقلت كم تردد الطلب إليه، وقلت: إذا أبا وطلبت المرأة النكاح ماالحكم في ذلك، قال محمد بن يحي عليه السلام إذا خطبت المرأة إلى وليها وأنعمت هي بالنكاح لطالبها وكان كفؤا لها فأبا الولي أن ينكحها وامتنع من ذلك على الطالب لها وعليها وجب على الحاكم في أمور المسلمين من الأئمة العادلين أن يدعوه ويخوفه بالله ويمنعه من ضبطها ويأمره بإنكاحها فإن استعصم وأبا فقد بان عضله وشهد بالظلم على نفسه زوجها الإمام وإن عدم الإمام فلم يوجد خوفه المسلمون الظلمَ وذكروه بالله سبحانه، فإذا استعصم أيضا في العضل لها ولت رجلا من عصبتها أقرب الناس إليها بعد وليها الذي عضلها وأمره المسلمون بتزويجها فإن أبا جعلت أمرها إلى رجل من المسلمين فقام فيها بما حكم رب العالمين على لسان خاتم النبيين. وسألت: عن مرأة تزوجها رجل بغير ولي وكان المنكح لها سلطانا بغير علم وليها ثم بلغ الولي خبرها فأنكر النكاح ورده ثم رفق به بعد الإنكار حتى رضي بالنكاح وأثبته، قال محمد بن يحي عليه السلام هذا نكاح غير ثابت لإنكار الولي وإنكاح من لم يكن له أن ينكح وعندما أنكر الولي العقدة انفسخت، ثم ذكرت أنه رضي من بعد ذلك فإذا رضي جدد النكاح المتزوج برضا من المرأة وكان على الزوج المهر الأول بما استحل من فرجها وعليه في النكاح الآخر مهر آخر بتجدد عقدة نكاحها الذي به ثبت تزويجها. وسألت: هل نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلي الرجل وبه حاجة إلى البول والغايظ، قال محمد بن يحي عليه السلام هذا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نهى عن ذلك لما فيه من المزعج في الصلاة وشغل القلب ومما لا يؤمن من قطع الوضوء والمعاجلة في الصلاة فلا نرى لأحد يفعل ذلك. (1/291) وسألت: عن قول الله سبحانه فساهم وكان من المدحضين فقلت كيف ساهم وما كان سببه، قال محمد بن يحي عليه السلام كان صلى الله عليه وآله عندما كان من غضبه على من كان بينهم وانصرافه عنهم ركب في السفينة ومضا مع أهلها فلما وسوا في لجج البحر وصاروا في طيه وقعت السفينة بهم ولم تحول من موضعها بهم ولم تحول من موضعها فأرادوا العمل في مضيها فإذا بها غير زايلة فتراجع القوم بينهم فقالوا إن فيكم لرجلا ذا خطية فتساهموا بنا فمن وقع عليه السهم رمينا به في البحر فضربوا السهام على الرمي به فخرج فيهم يونس ثم ضربوه ثانية فخرج سهم يونس ثم ضربوه ثالثة فخرج سهم يونس فقال صلى الله عليه أنا صاحب الخطية فتلفف في كسائه ثم رمى بنفسه، فالتقمه الحوت كما ذكر الله سبحانه ومعنى المدحضين فهو المغلوبون الذين لم تقم لهم دولة ولم تثبت لهم حجة والعرب تسمى كل مهلك وتارك للرشد مدحضا ودحض يقول فلان دحض في الخطية أي وقع فيها ويقول دحض في البلا أي توسط ونزل به. وسألت: عن رجل أقر عند موته بأن المال الذي كان في يده يحوزه ويعمره لمرته لا ملك له فيه،قال محمد بن يحي عليه السلام إن كان أراد بقوله أنه لها وفي ملكها هبة وهبها إياه فليس لها منه إلا الثلث وإن كان أراد بقوله أنه لها ملكا لها لا له وأنه كان معها تعيش في مالها وملكها لا ماله وملكه فهو لها إلا أن يكون مع ورثته شهود يشهدون أن المال كان له وفي ملكه يورث ورثه من أبيه أوملكه ملكه من ماله وأنه صيّره إليها أزؤا عن باقي الورثة وظلما لهم وحيفا عليهم فإذا صح الشهود بذلك قضيت المهر من المال وكان لهذه المرأة ثلث الباقي من بعد قضاء الدين واقتسم الورثة الثلثين الباقيين على السهام التي جعلها الله سبحانه وإن لم يكن مع ورثة الرجل بينة على ما ذكرنا فالمال في يد التي في يدها بإقرار زوجها مع دعواها حتى يخرجه حق من يدها وما هو أقوى من حقها. (1/292) وسألت: عن رجل يغفل الحجامة حتى يهيج الدم به فيموت فقلت هل يكون ما زورا، قال محمد بن يحي عليه السلام إن كان تعمد بذلك قتلا لنفسه فهو ما زور وإن كان لم يتعمد به ضررا لنفسه ولم يكن عنده علم بما يكون من عواقب هيجان دمه فليس عليه وزر ولا إثم وإنما عليه الإثم والوزر في ما قصد به الهلكة لنفسه. وسألت: عن اصطوانة تقع في الصف فتحول بين الرجل وبين الدخول في صف المصلين هل يجوز صلاته وقلت إن لم يمكن الراكع والساجد أن يفرج عضديه لتراكم الصفوف كيف يعمل في ذلك، قال محمد بن يحي عليه السلام إذا وقعت الإسطوانة في الصف واحتاج الرجل أن يخرج من أصلها ولم يمكنه الدخول في الصف لازدحامهم وجب عليه أن يجذب من الصف رجلا فيقمه معه ولا ينبغي له أن يصلي وحده ولا يسع الذي يحبذ أن يتخلف عما أراد به منه فأما الذي يزحم عن تفريج عضديه فيفعل من ذلك على ما قدر عليه وأمكنه ثم هو يجزي له إن شاء الله ولا ينبغي لأهل المسجد أن يزدحموا فيه كل الإزدحام فإن ذلك أصلح في الصلاة والإسلام. (1/293) وسألت: هل يجوز للإمام إذا صلى بالناس أن يقرأالبقرة أو يصلح لغيره إذا صلى وحده أن يقرأ بها، قال محمد بن يحي عليه السلام لا يجوز للإمام أن يقرأ في صلاته بالناس بالبقرة لما في ذلك من الفساد على المصلي من ذلك أن ينعس الناعس ويمل المصلي وتفسد نيته مع ضعف الشيخ وشغل ذي الحاجة وإتعاب المريض وقد يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ؛صلوا في الجماعة بصلاة أضعفكم ولا تطولوا فإن وراكم الشيخ الضعيف والمريض وذا الحاجة ولا أحب أيضا للمنفرد أن يقرأ في صلاته الفريضه بالسور الطوال لما في ذلك من فساد نيته وتعبه وملالته وقراءة السور القصار أصوب في الصلاة بالناس ومن قرأ الحمد وثالث آيات استجزأ في ركعته بها ولم يبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يقرء بالسور الطوال في صلاة الفريضة وإن قرأ رجل في نافلة بالسور الطوال فذلك غير محظور عليه والمفصَّل فمن سورة محمد صلى الله عليه وآله الذين كفروا، إلى قل أعوذ برب الناس. (1/294) وسألت: عن البكر تستأذن في النكاح ويذكر لها فتسكت أم تضحك ولم تقل لا ولا نعم فقلت هل يكون منها رضا بالتزويج ويثبت به النكاح وتكون الشهادة على ذلك لو أبت وأنكرت، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛سكوت البكر وضحكها إنعام بالنكاح ورضى به فإذا سئلت فسكتت زوجت ثم لم تكن أن تنكر لأنها قد علمت ولو لم تود لقالت لا إلا أن يكون سكوتها من أجل خوف من الموامر لها ويكون قلبها منكرا فلها الإنكار عند الأمن إذا بان صدقها في الخوف وقد يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان إذا زوج إحدى بناته كلمها من وراء الستر ثم يقول لها: ؛بنيه إن فلانا خطبك فإن رضيت فاسكتي وإن كرهت فخطي في الستر«، وسكوت البكر إذا لم يكن مخافة رضى وإن أنكرت من بعد ذلك لم يجز إنكارها وذكرت أنها في البيت وشهد الشهود على قول وليها أنها تسمع ما يقولون فإن شهد الشهود على رؤيتها وسكوتها فذلك لازم لها فإن لم يشهدوا وإلا على قول وليها فلم تقع الشهادة إلا على قول الولي لا عليها فإن كان مع وليها شاهدان عليها بسكوتها فليس لها إنكار وإلا استحلفت ما سكتت ولا أخبرت فإذا حلفت من بعد عدم الشهود انفسخت عقدة النكاح إذا أنكرت«. وسألت: عن رجل يحلق جبهته أو ينتف مكان التجفيف، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛أما حلق الرأس والأصداغ فجايز وأما النتف فلا يجوز لرجل ولا لمرأة لأن رسول الله صلى الله صلى الله صلى الله عليه وآله قد نهى عن ذلك وقال: ؛لعن الله الواشمة والموشومة والنامصة والمنتمصة والواصلة والمتصلة فهي التي تصل شعرها بشعر الناس فنهى عن ذلك في الرجال والنساء«. وسألت: عن رجل قتل هل يكون بناته وبنوه مستويين في العفو عن القاتل وأخذ الدية، قال محمد بن يحي عليه السلام هم مستوون في العفو متفرقون في الدية لأنهم يرثون على قدر سهامهم. (1/295) وسألت: عن رجل قبَّل أخاه المسلم في رأسه أو بعض جسده فقلت هل يجوز ذلك أم لا وهل يجوز لهما أن يضطجعا في ثوب واحد. قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛لا بأس أن يقبل الرجل رأس أخيه ويده وكتفه لأن ذلك غير ضيق ولا محرم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل رأسه ويده وما رأينا أحدا من الأخيار وينكر ذلك ويحرمه فآما الإضطجاع في ثوب واحد فإن كان عليهما سراويلاتهما وكان هذا الثوب لحافا لهما فلا بأس وإن كانا عريانين في ثوب واحد فلا يجوز ولا يحل لرجل أيضا أن يقبل فم الرجل ولا يسعه ذلك«. وسألت: عن الرجل والمرأة إلى أي وقت يجوز لهما المضاجعة لأولادهما في ثوب واحد، قال محمد بن يحي عليه السلام: يجوز ذلك لهما إلى وقت تمييز الصبيان والمعرفة بالعورة ثم لا يجوز لهم ذلك. وسألت: عن الصبية متى يجب عليها أن تستتر من الرجل، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛قد قيل إلى عشر سنين وسبع سنين وليس ذلك عندي بشيء ولا أراه بل أرى ان تحجب الصبية من صغرها إلى حين وفاتها. وسألت: عن الرجل يدعى إلى الطعام ويكون الداعي له مسلما أو فاسقا فقلت أيجب عليه أن يجيبهما جميعا، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛لا نحب لمن دعاه أخوه المسام إلى طعام أن يتخلف عنه لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يجيب إذا دعي ويأمر بذلك لما فيه من الموادة والمحابة والخلطة والموانسة فأما الفاسق فلا تجاب دعوته ولا تحضر مائدته لأن المباعدة له فرض من الله عز وجل: وسئلت عن الصلاة على النبي صلى الله عليه فهي من الله رحمه ومغفرة ومن الخلق دعا وإعظام له وطاعة. (1/296) وسألت: عن الوصي ما يجوز له أن يفعله في مال اليتيم، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛يجوز له أن يصلحه ويقوم فيه بالعدل ويجنبه المتالف ويفعل فيه من الصلاح مايفعله في ماله ولا يهب منه شيئا ولا يبيع منه إلا لحاجة اليتيم أو ضرورة ولا يسلفه إلا أن يخاف عليه تلفا فيحصنه بالسلف ولا يضارب فيه ويجهد نفسه من القيام به ولا يتوانا في عمارته ولا يسرف فيه فيجري تلفه على يده وإن كان فقيرا أكل منه كما قال الله سبحانه: بالمعروف والمعروف القوت والبلغة لا الإسراف والتبذير وإنما أكله منه على سبيل الخدمة له وقيامه فيه وتركه لمصالح نفسه اشتغالا به فيكون على طريق الأجرة وإن كان غنيا فليستعفف فهو أفضل كما قال الله سبحانه عز وجل. وسألت: عن رجل وقف وقفا واشترط لنفسه أو لغيره فيه شرطا سواء الوجه الذي جعل الوقف عليه فقلت هل يجوز ذلك، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛هذه مسئلة لم نتبين فيها ما الشرط الذي خالف الوقف ولا كيف أوقفه فإن يكن خالف الوقف بإلحاق الشرط بعد نفاذ الوقف فذلك لايجوز لأنه قد ألحق فيه ما لم يكن بناه عليه أولا والوقف على شروطه الأوله وعلى ما يفذ عليها وسبِّل فيها وإن كنت أردت اشترط في غلته شيئا للمساكين أو غيرهم وكان هذا الوقف بعض المال ربعا أو ثلثا فقد أفسد عليهم في غلته بما أدخل عليهم من هذا لنقص الموصى به لأنه إذا وقف ثلثا أو ربعا ثم اشترط في ثمره شيئا لإنسان فلم يجي ذلك الثلث إلا بما اشترط بقي الآخرون بغير شيء فيكون قد أفسد عليهم وضرهم وإن كان أوقف المال كله ثم أوصى في غلته بوصية واشترط يخرج في الثلث ويوقف عليه وتقتسم باقي المال على السهام وهو موقوف لا يباع ولا يوهب وعلى قيد المسئلة وشرحها يخرج الجواب ولم نقف على النكته التي أردت فنقصدها وقد ظننا ظنا فاجبنا على وجهين. (1/297) وسألت: عن قول الله سبحانه: وابتلوا اليتاما حتى؛ إذا بلغوا النكاح إلى قوله وكفى بالله حسيبا، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛معنا قوله عز وجل وابتلوا أي اختبروا اليتاما والإختبار هو النظر إلى أفعالهم والتمييز لأحوالهم وما يكون من رشدهم ومعنا حتى إذا بلغوا النكاح فالنكاح هو التزويج والبلوغ هو الإحتلام وقال سبحانه: فإن آنستم منهم رشداً عند بلوغ النكاح فادفعوا إليهم أموالهم التي في أيديهم التي على أيديكم وقال: ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا، والإسراف فهو الإفراط في ما لا يجوز أكله والبدار فهو الإستفحال والمسابقة في إفنائها قبل بلوغ اليتاما ثم قال سبحانه: ومن كان غنيا فليستعفف، والإستعفاف فهو الإشتغال بمال نفسه والإستجزاء به عن مال اليتيم الذي في يده ثم قال سبحانه ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف والمعروف فهو الوسط من الأموات وما يعرف بالكفاية والقوت لا بالإفراط والسرف ثم قال سبحانه: فإذا دفعتم إليهم أموالهم يغني اليتاما فأشهدوا عليهم بدفعها وكفى بالله حسيبا. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛هذا أمر من الله سبحانه للمؤمنين لا يؤتون أموالهم السفهاء التي جعلها الله لهم قياما والقيام فهي تقيمهم وتحثهم والسفهاء هاهنا فهم الأبناء والأخوة الذين أوجب الله على الإمام لنقفة عليهم إذا كانوا فقراء فأمرهم الله عز وجل إذا عملوا منهم الفساد لها ألا يدفعوا إليهم منها ما يفسدون وبه على معصيته يستعينون وأن يقوتوهم فيها والسفهاء فهو سفهاء الرأي وسفهاء العقول الذين لا تمييز لهم ولا نظر في أمور نفوسهم لقلة عقولهم وبعد انتباههم والعرب تسمي من كان كذلك سفيها سفيه الرأي وسفيه العقل. وسألت: عن الصابي ما معنى، قال محمد بن يحي عليه السلام الصابي اسم لبعض فرق النصارى مثل اليهود والنصارى والقسيسين والرهبان. (1/298) وسألت: عن رجل يقول لرجل أقتل فلانا فقتله ثم ندم وتاب من بعد أن قتل وعن رجل رضي يقتل رضي ولم يأمر به ورجل أمر بإحراق بيت إنسان أو قتل دابة ففعل المأمور ذلك فقلت هل ترك الأمر في الظلم والغرامة، قال محمد بن يحي عليه السلام هذه المسائل تخرج على وجهين إن كان هذا الأمر بالقتل جبارا يوقن المأمور أنه إن لم يفعل ما أمره به قتله ورءى من هذا الجبار تصميما وعزما لا محالة على إنفاذ أمره ففعل فقد قيل يقتل به لأنه فعل ما لا يجوز وأطاع فيما لم يكن للظالم فيه طاعته وهو باب حسن. وأما أنا فلو نزلت بي هذه المسئلة وتحوكم إلي لنظرت الأمر فإن كان المأمور لقي من الأمر إفزاعا وإسرافا على بلا وتلف فقد لم آمن أن يكون فعله بغير عزم لأنا قد رأينا من إذا فزع وخاف على نفسه غلط ففعل أشياء لا يعقلها ويعرف عنه عقله فإذا كان كذلك وادعى أنه أيقن بالقتل ورغب قلبه دري الحكم عنه بالشبهة التي قد تمكن أن يقع وألزمته الجبار في نفسه وإن كان الأمر ممن لا يخاف منه هذه الخطة الشديدة التي يقع بمثلها الإختلاط على ذوي ضعف القلوب قتلت القاتل لا الآمر لأنه قد أطاع في ماله فيه فسحة ولم تحمله عليه عطيمة يمكن معها زوال العقل وأما من أمر من عوام الناس رجلا بإحراق منزل أو عقر دابة فالغرامة على من فعل ذلك بيده، وأما الرجل الذي رضي بقتل رجل ولم يأمر به فإن كان المقتول مستحقا للقتل بحكم الله فغير مأ زور الراضي به فإن كان غير مستحق للقتل وإنما قتل ظلما فرضاه بقتله معصية وإثم لأن قتله إسخاط لله ومخالفة لأمره ومن رضي بإسخاط الله ومخالفة أمره فقد أثم وزور. (1/299) وفي هذا ما يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه حين يقول في خطبته بصفين أيها الناس إنه سيُشرك في حربنا هذه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين كيف يكون ذلك في قوم لم يحضروا فقال صلوات الله عليه يأتون من بعدنا فيرضون بفعلنا فيكونون منا أو يسخطون فعلنا فيكونون من عدونا، قال محمد بن يحي عليه السلام شاهد هذا الحذيث الذي يروى عنأمير المؤمنين عليه السلام كتاب الله مصدق لحديثه رحمة الله عليه قول الله تبارك وتعالى في كتابه لأهل الكتاب: فلم تقتلون أنبياء الله من قبل، وهم فلم يقتلو الأنبياء وإنما رضوا بفعل آبائهم وصاروا بذلك شركاء لهم في عذابهم داخلين في قبيح نياتهم وأفعالهم مستوجبين لدار أسلافهم جهنم يصلونها وبئس المصير. وسألت: عن رجل له مرأة لا تطيعة وتعصية وثنا بذه ثم وكزها برجله وهي مريضة فقضى عليها ما يجب عليه، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛إن كان اعتمد بضربه إياها برجله مقتلا من مقاتلها يريد قتلها فهو قاتلها عمدا فإن أحب ورثتها أن يقتلوه فقتلوه ويتردوا نصف ديته وبذلك حكم أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأنه قتلها تمردا وعتوا وفسادا في الأرض وهذا ممن سعى في الأرض فسادا وإنما قلنا يقتل على قدر ما يشاهد الإمام من جرئته على الله فإن أجمع رأيه على قتله مع رأي أوليايها كان ما قلنا من أمره وإن كان قتلها خطأفعليه نصف دية الرجل خمسمائة دينار والكفارة التي جعلها الله في قتل الخط فهي تحرير رقبة مؤمنة لا يكون طفلا ولا مجنونا لم يقع عليه إسم الإيمان ولا ذا معصية يعرف بها إلاأن يكون قد تاب عنها فالله سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات«. (1/300) وسألت: عن رجل اعترف بقتل رجل خطأ فقلت: ؛هل يقتل به«، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛إن كان عند أولياء المقتول بينة أنه قتله متعمدا أخذ بالشهود ولم ينظر إلى قوله فإن لم يكن عندهم بينة كان على هذا المقر بالخطأ الدية وقد قال بعض الناس أنه يقتل به لأنه قد أقر بقتله وادعا خطأ ولا ينظر إلى دعواه ويؤخذ بما أقر به وليس هذا عندي بشيء ولا أرى عليه إلا الدية وقلت إن تاب ولم يؤد الدية هل يكون عند الله ناجيا والدية فلا بد منها وهو في ما جاء منه من الخطأ غير معاقب ولا ماثوم. وسألت: عن رجل وجبت عليه الدية هل يأخذ من الأعشار والزكوات، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛إن كان هذه الدية خطأفهي على عاقلته وإن صعفت العاقلة أعناتنهم عاقلة العاقلة فإن كان دية عمد وصفح الأولياء عن قتله وقبلت الدية منه كانت في رقبته وليست على عاقلته وإن تاب وأناب نظر الإمام المتولي للأعشار في أمره على قدر ما يوفقه الله ونرى له من ندامة القاتل. (1/301) وسألت: أكرمك الله عن حديث رسول الله صلى الله عليه عن الخوارج حين سئل عن علاماتهم فقال نعم التشييد فقلت ما معنا التشييد، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛لسنا نعرف التشييد في اللغة ما هو ولا نقف عليه إلا أن يكون من طريق البناء أو تشييد الذكر فأما صفة أخرى فلا نعرفها فإن كنت أردت بالتشييد هذا المعنى وإلا فهذا حرف لا يعرف بالعربية وأما الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقد ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر كفرهم وعنادهم وقال يقتل فيهم ذو الثدية رجل له ثدي كثدي المرأة عليه ثلاث شعرات كأنهن من شعر الخنزير فلما قتلوا بالنهروان أمر أمير المؤمنين رضوان الله عليه في طلبه في القتلا فطلب فلم يوجد فقام رحمة الله عليه مغضبا فقال: ؛والله ما كذبت ولا كذبني رسول الله صلى الله عليه وآله لقد أخبرني أن فيهم ذا الثدية مقتول فقام وقام المسلمون معه وجعل يقلب القتلا حتى وجد جماعة في بير فأخرجهم فإذا فيهم ذو الثدية مقتول فلما نظر إليه المسلمون كبروا وحمدوا الله على ما منَّ به عليهم من قتالهم وازدادوا نصرة وبينة في إمامهم رحمة الله عليه وعليهم«. (1/302) وسألت: عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله العجما جبار والبير جبار، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛هذا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله صحيح وله تفسير من ذلك أنه أراد صلى الله عليه وآله أن الدابة إذا لم تعرف بالقتل ولا العقر أن ما أتا منها جُبار لا دية فيه فأما إذا عرفت العجما بالضرب والتعرض للناس والبهائم فصاحبها ضامن لما أحدثت وكذلك البير إذا وقع فيها إنسان فليس على صاحبها دية وإن وقعت فيها دابة فليس على صاحبها غرامة لأنه صلى الله عليه وآله قد أزاح ذلك عن صاحبها إذا كان حفره إياها في ملكه وماله، فأما لو أن رجلا حفر بئرا على طريق المسلمين للزمه ما حدث فيها من سقوط إنسان أو دابة لأنه قد تعدى وظلم وأما الرجل الذي يستأجر رجلا يحفر بئرا فتنهار عليه فليس يلحق المستأجر شيء وليس يلزمه دية«. وسألت: عن رجل استأجر رجلين يهدمان له جدارا فهدماه فسقط عليهما فقتل أحدهما، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛الحكم في هذا كالحكم في البئر لا يلزم المستأجر لهما شيء لأنهما قد تقدما على ما عرفا واستؤجرا عليه وإن كان الباقي من الأجيرين هو الذي طرح الجدار على صاحبه فديته لازمة له إن كلن خطأ وإن كان عمدا قتل به«. وسألت: عن حلق الرأس هل نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله عنه، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛كيف ينهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن شيء قد أباحه الله وأذن فيه خير يقول عز وجل: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين، والحلق فجايز حسن«. وسألت: عن الحديث في الركاز أن فيه الخمس وذكرت الإختلاف فيه فبعض يقول هو مثل المعدن وبعض يقول لا، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛المعدن والركاز عندنا شيء واحد فيهما الخمس إذهما غنيمتان وإنما يجب فيهما ربع العشر من بعد أن يحول الحول على ما يأخذه الآخذ منهما فيصير في عداد الأموال«. (1/303) وسألت: هل يجوز للرجل أن يصلى في ثياب مرأته، وذكرت أن النبي صلى الله عليه وآله كان يكره ذلك، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛لا نحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك نهيا ولا كراهة ولا نحرمها ولا يرى بالصلاة فيها إذا كانت طاهرة بأسا. وسألت: عما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله: ؛صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته« قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛ذلك عنه صحيح فأما ما روي عنه عليه السلام وعلى آله أنه قال: ؛لا تصلوا رمضان بيوم من شعبان«، فهذا حديث لا نعرفه ولا نرويه عنه صلى الله عليه وآله بل كان يصوم شعبان ورمضان، يصلهما فهذا دليل على إبطال الحديث وإنما روى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال: ؛لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من افطر يوما من رمضان«. أراد بذلك صلى الله عليه عند وقوع الشك من سحاب يعرض فعارضه بعض المعاندين فروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ؛أن أفطر يوما من رمضان أحب إلى من أن أصوم يوما من شعبان«، وهذا حديث محال عن رسول الله صلى الله عليه وآله مكذوب عليه فيه كان صلى الله عليه وآله أعرف بالله وأتقى له من أن يفطر يوما من رمضان أو يأمر به ولو خير أن يصوم شهرا أو يفطر من رمضان يوما لأختار صلى الله عليه وآله صيام شهر، فأما الإفطار على الرؤية فإذا نظر أفطر وإن لم ينظرا كمل ثلاثين يوماً لأن الشهر 29و30 مكتوب بالحروف فلما وقع الشك فيه أكملت الأيام إلى منتهى عددها وما لا يكون بعده زيادة. وسألت: عن شم الريحان للمحرم، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛لا نحب ذلك ولا نراه وأما ما ذكرت مما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله من الإدهان بالزيت فليس الزيت من الطيب ولا سمعنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إدهن به في إحرامه. (1/304) وسألت: عما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وعقوق الأمهات ووأد البنات فقلت اشرح لي هذه المعاني شرحا بينا وسنشرح لك ما فيه نور لصدرك وجلاءلقلبك بحول الله وعونه، قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛أراد رسول الله صلى الله عليه وآله بالنهي عن قيل وقال الكذب على الناس والنميمة والسعاية بينهم وإذاعة الشتم فيهم وذلك يفعله أشرار الناس ليس لهم هم إلا قال فلان وقيل له وقلنا فإنما هم الدهن يكذبون وفي أنواع القطيعة يحرصون فهذا من القيل والقال ومن القيل والقال أن يسأل عما لا يعنيه ويتكلم من الأمور ما قد كفيه وإنما نهيه صلى الله عليه وآله عن كثر السؤال والسؤال فهو التجسس عن الناس والإستخبار عن أمورهم منهم والطلب لعولاتهم والحرص على اطلاع أسرارهم. وقد نهى الله سبحانه عن ذلك فقال: ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، فقلت هل يدخل السؤال عن العلم في هذا ومعاذ الله ليس العلم من هذا في شيء طلبه واجب والسؤال عنه إلى الله مقرب، لقوله عز وجل: فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وقال سبحانه فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، والتفقه فلا يكون إلا بالتعلم والمسئلة والطلب وأما عقوق الأمهات والأباء فمحرم من الله سبحانه عليهم فعلُه ما زورون فيه معذبون عليه قال الله سبحانه: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا، وقال عز وجل: إما يبلغن عندك الكبر. (1/305) إلى قوله: كما ربياني صغيرا، وقال تبارك وتعالى: اشكر لي ولوالديك إلي المصير، فأمر ببرهما وافترضه على أولادهما وأما الموءودة فإن الجاهلية كانوا يؤدون أولادهم إذا أحسوا الفقر والؤد فهو الدفن وذلك جهل منهم وأمر يعاقبون عليه من أفعالهم، وأما إضاعة المال فيخرج على ثلاثة أوجة أحدها يعطيه الرجل سفيها من ولده أو أقاربه فيفسده ويلعب به في غير ما يرضي الله، والثاني في الترك له من العمارة والرمي به حتى يفسد ويذهب بغير علة ولا حجة، والثالث فقد يتفرق على معنين أحدهما أن يتولى صاحب المال إفساده بيده والعبث به والثاني لا يصل فيه رحما ولا ينفقه في سبيل الله ولا يطعم منه مسكينا فيكون قد ضيع ما فيه صلاح آخرته لأن العرب تقول للإنسان إذا كان في ضر وهو يقدر على سعة أضعت عمرك ولم يضعه وإنما أراد بذلك أنك إذا لم تخرج إلى السعة فقد ضيعت وتقول للإنسان إذا كان جاهلا مبطلا ضيعت حياتك يريد بذلك أنك ضيعت عمرك وحياتك التي جعلت لك سبيلا إلى النجاة إلى العمل الصالح وإلى الخير والعلم بالغفلة والميل إلى الباطل والسهو وهو لم يضع عمره وإنما ضيع العمل الصالح والفعل الجميل. (1/306) وسألت: عما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن بعير شرد فرماه بعضهم بسهم فحبسه الله عليه فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ؛إن هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش فما عليكم منها فاصنعوا به هكذا«، قال محمد بن يحي عليه السلام: إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: ؛اصنعوا به هكذا«، يريد الأوابد المستابدة لأنه قد يكون في المراعي الجمل والفرس والحمار أو الشاة أو البقرة ثم يطول مكثها في المرعى فتستابد حتى لا تخبط ولا تؤخذ إلا بالسلاح فتلك التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وآله رميها فأما اللواتي نشرد ساعة ثم تأخذ وتقف وتعطف فليس فليس يجوز رمي هذه لأن رميها من المثل وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن المثل بالبهائم وكيف يصح هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله في بهيمة تنفر عن الشيء بذعرها فيرميها رجل فيغرمها ولو كان ذلك جائزا ما غرمها وكيف يغرم ما قد أجاز رسول الله صلى الله عليه وآله رميه فليس الخبر في الحديث إلا على ما ذكرنا لك في الأوابد فاعلم ذلك. وسألت: عما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قيل له يا رسول الله: ؛إنا نلقي العدو غدا وليست لنا مدا فبأي شيء نذبح«، فقال: ؛انهروا الدم بما شئتم إلا الظفر والسن وما رويت عن عدي بن حاتم، قال محمد بن يحي عليه السلام: في هذا الحديث سقط وغلط إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقل انهروا الدم بما شئتم بل نهى صلى الله عليه وآله عن الذبح بالظفر والشظاط والشظاط فهو العود وعن الذبح بالعظم والقرن وأجاز صلى الله عليه وآله الذبح بالمروة إذا فرت الأوداج فأما ما روي عن عدي بن حاتم فلا نعرفه ولا نقول به. (1/307) وسألت: عن الحديث الذي يروى أن عمر حلف بأبيه فنهاه رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك، قال محمد بن يحي عليه السلام: إن كان هذا الحديث حقا من فعل عمر فإنما نهاه رسول الله صلى الله عليه وآله أن يحلف بكافر إذ كان أبوه كافرا لأن الكافر لا حق له ولا يحل تعظيم أمره. تم الجزء الأول سألت: عما روي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال لسرامة بن جعشم ألا أدلُّك على أفضل الصدقة لبنتك مردودة عليك ليس لها كاشف غيرك فقلت ما معناه، قال محمد بن يحي عليه السلام أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبقى لبنيه من ماله ما ترثه ولا يتصدق بكله أو يهبه فأما أن يكون صلى الله عليه وآله حطر الصدقة إلا على البنت أو الولد فليس ذلك عنه بصحيح ولكنه حظر أن يتصدق الرجل بماله ويترك ولده فقراء في ذلك الحديث المشهور لأن سعد بن أبي وقاص قال عند حضور وفاته يا رسول الله أتصدق بمالي كله فقال صلى الله عليه وآله: ؛لا« فقال: ءأتصدق ءأهب النصف فقال عليه الصلاة والسلام وآله: ؛لا« فقال: فالثلث، قال: ؛فالثلث والثلث كثير لأن تترك ولدك أغنياء خير لك من أن تتركهم عالة يتكففون الناس، وقد يمكن أن يكون معنا الحديث أيضا في ابنتك مردودة عليك أراد أنه يموت زوجها أو يطلقها فتعود إلى أبيها والتأويل الأول أحسن عندنا وأصوب. وسألت: عن الرجل يكون له أم وهو فقير غير أنه يزرع ويكسب ما يجب فيه الزكاة فقلت هل يجوز أن يدفع زكاته إلى أمه، قال محمد بن يحي عليه السلام نفقة الوالدين على الولد واجبة والمواساة لها فريضة فإذا كان مع الولد ما تجب فيه الزكاة دفع الزكاة إلى من جعلها الله له وأنفق هو على والديه وليس نحب أن يعطيهما الزكاة لأنه مفروض عليه نفقتهما وبوجوده يزول عنهما قبض الزكاة ويصيران واجدين بجدة ولدهما. (1/308) وسألت: عما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه مر بأمرأه مخج حامل فسأل عنها فقيل هي أمة لإنسان فقا ل: أيلم بها قيل له: نعم قال: لقد هممت أن العنه لعنا يدخل معه قبره كيف يستخدمه وهو لا يحل له أو كيف يوريه وهو لا يحل له فقلت بين لي هذا الحديث واشرحه. قال محمد بن يحي عليه السلام: هذا الحديث أكرمك الله حديث لا أعرفه عن النبي صلى الله عليه وآله وليس العرب تسمى الحامل من النساء نخجا ولا هو من اللغة في شيء وإنما تسمى الكلبة نخجا والمرأة فإنما تسمى حاملا فإن كان الخبر في هذا صحيحا، فإنما أراد صلى الله عليه وآله بلعنه في إخراجه إياها وهو يطأها لأنه إذا أخرجها وأرسلها في الأسواق والقرى لم يدر ما يكون منها لعلها تخونه ثم تنسب الولد إليه فإن أقربه ولعله ليس منه ورث من ليس هو بولده أو لعله إن اتهمها وأنكره وهو منه أن يستخدم ولده فأراد صلى الله عليه وآله الإحصان لها بالحجبة والمنع من الخروج، فقد كان عليه السلام يمنع النساء من الخروج ويأمر أزواجهن بذلك، فإذا كان ذلك منه عليه السلام في الحرائر ففي الإماء أوكد، والله سبحانه يقول: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى فإن كان هذا الحديث صحيحا فعلى هذا المعنا يخرج، فأما الشد في الحجاب والأمر به والنهي عن إخراج الحرم فصحيح عنه صلى الله عليه. وسألت: عما روي عن رسول الله صلى الله عليه أنه سأل عاصم بن عدي الأنصاري عن ثابت بن الدحداح حين توفي هل تعلمون نسبا فيكم، قالوا: إنما هو أوي، فينا فقضى رسول الله صلى الله عليه بميراثه لابن أخته فقلت: هل ذلك صحيح. (1/309) قال محمد بن يحيى عليه السلام، قد كان رسول الله صلى الله عليه يقضي لذوي الأرحام إذا لم يكن غيرهم بالمال وكان أمير المؤمنين عليه السلام يروي ذلك عنه وذلك في كتاب الله سبحانه حين يقول عز وجل: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله سبحانه، ولا شك أن ثابت بن الدحداح إن كان لم يترك إلا ابن أخته أن رسول الله صلى الله عليه قد ورث المال ابن الأخت لأن ابن الأخت يقوم مقام الأخت والاخت فترث المال إذا لم يكن غيرها لأنها ذو سهم فهي ترث سهمها ويرد الباقي عليها في قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وكان يقول: ذو السهم أحق ممن لا سهم له، وقد قال قوم أنه لا يرد عليها، وليس هذا بشيء مما ينظر إليه، وقد تقدمت الحجة في هذا بعينه في مسائلكم التي نفدت قبل هذه وفي ما شرحنا من الحجة كفاية إن شاء الله. (1/310) وسألت: عن قول الله سبحانه: وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا. قال محمد بن يحيى عليه السلام هذه نزلت في اليهود لما حاربوا النبي صلى الله عليه وتظاهروا عليه ووالوا عدوه فلما حاصرهم صلى الله عليه وحاربهم أذلهم الله وأنزلهم كما قال صياصهم وهو الإذلال لهم والإرغام والقهر غير طائعين فكان إنزاله لهم من عزهم إرغاما وإنما اشتقت الصياصي من النواصي لأنه إذا أخذ بناصية الإنسان فقد بلغ ذله، وكذلك هؤلاء هدم عزهم وأذل خدودهم بالقهر لهم فأذهب بذلك نخوتهم وفرق أمرهم، وقد قيل: إن الصياصي الحصون التي أخرجوا منها وكانوا فيها وليس هذا بمخرجها ولا يجوز في اللغة لأنه لو كان اسم الحصون صياصياًلجاز أن يقال في الحصن الواحد صيصيا ولو قال ذلك قايل لخرج من المعنى فلما لم يجر على ذلك صح أنها ليست الحصون والمعنا الأول أصوب وأحسن في التأويل، والدليل على الصياصي مشتقة من النواصي أن العرب تسمى قرون الأوعال والبقر صياصي وقد قال بعض العرب يسمى شوامخ الجبال صياصي لعلوها وامتناعها، وقد قال الشاعر: وهم ستة شمخ الصياصي كأنها... محلله حو عليها البراقع وسألت: عما روي عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال: لعوف بن مالك في الساعة وعلامتها من الحديث الذي ذكرت، قال: محمد بن يحيى عليه السلام لم نسمع بهذا الحديث عنه صلى الله عليه ولا نعرفه، وقد سمعنا في ذكر الساعة أخبارا ليس هذا منها. وسألت: عن من حلف فقال: أنا برئ من الله أو قال من رسول الله إن فعلت كذا وكذا ففعله، فقلت: هل يحنث في يمينه ويجب عليه الكفارة وإن قال عليه عهد الله لأفعلن كذا وكذا، ثم لم يفعله. (1/311) قال محمد بن يحيى عليه السلام: أما قوله: إنه برئ من الله ورسوله، فهذا قول جهل منه وكذب وليس يلزمه في ذلك إلا التوبة والاستغفار من قبيح ما جاء به من لفظ، أما والذي يحلف بعهد الله فعليه كفارة لأنها يمين والعهد فإنما يكون يمينا بالله وعليه فيه الكفارة التي جعل الله في الأيمان. وسألت: عن الحديث الذي بلغك أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه أنه بعث مصدقا فقال له: لا تأخذ من حزازات أنفس الناس شيئا وخذ الشارف والبكر وذا العيب. قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا حديث مدخول ليس بصحيح عنه صلى الله عليه قد جاءت السنة عنه وصحت الرواية عنه في الإبل بأسنان محدودة من إنبت مخاض وإبنت لبون وحقه وجذعه وجذعتان كل ذلك قد صح عنه صلى الله عليه فإنه أمر أن تعد ثم تقسم الغنم نصفين ويخير صاحبها أي النصفين شاء فيأخذه ثم يؤخذ من النصف الآخر من أصلحه ولا يأخذ قرعة الغنم ولا فحلها، وأما البقر فقد جاء فيها بحديث عن رسول الله صلى الله عليه ليس لأحد أن يجوزه من تبيع ومسنة وتبيعتان ومسنتان، وهذه الأسنان المعروفة. وسألت: عن الحديث الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال صلى الله عليه تنكح المرءة لنسبها ولحسنها ولما لها وعليكم بذات الدين، فقلت: هل نهى عن غير ذات الدين، قال: محمد بن يحيى عليه السلام قد كان رسول الله صلى الله عليه يأمر بنكاح ذات الدين لما فيها من الفضل وطيب النفس والثقة بها، ولقد لعمري ينكح الناس ذات المال وذات الحسب وإذا لم يعلم منها قبيح فحسن، وإنما حرم الله عزوجل على المؤمن نكاح من لا دين لها ولا عفة ولا إسلام لأنه عزوجل ينهي في كتابه عن مؤاده من حاد الله وليس في المؤاده شيء، هو أو كدا ولا أدخل في القلب من النكاح ولا نرى لمن كان له دين أن ينكح من لا دين لها. (1/312) وسألت: عن مرأة توفي عنها زوجها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فاشتكت عينيها فأرادت أن تداوى فسئل النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: ؛قد كانت أحداكن تملكت في نشر أحلاسها في بيتها إلى الحول فإذا كان الحول فمر كلب رمته ببعرة ثم خرجت فقال صلى الله عليه وآله: ؛أفلا أربعة أشهر وعشرا«. قال محمد بن يحي عليه السلام: هذا الحديث الذي ذكرت من خبر الكلب لا أعرفه ولا أحسبه بصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله ولو كان صحيحا لعرفناه وما لرمي الكلب بالبعرة معنا تخرج به المرأة ولا تدخل ومعنا أربعة أشهر وعشر فهي العدة التي جعلها الله سبحانه وما أكثر ما قد كذب الناس على رسول الله صلي الله عليه وآله ورووا عنه بما لم يقل وفي ذلك ما يقول صلى الله عليه وآله: ؛إنه سيكذب علي كما كذب على الأنبياء من قبلي فما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو مني وأنا قلته وما خالف كتاب الله فليس مني ولم أقله. وسألت: عن قول الله سبحانه: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج، فقلت ما معنى هذه الآية، قال محمد بن يحي عليه السلام: كان هذا حكم الله عز وجل في ميراث الزوجة من زوجها إذا مات عنها تمتع في ماله سنة ثم تخرج ولم يكن لها ميراث ثم نسخها الله عز وجل في كتابه بقوله: ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن فحكم الله سبحانه لهن بسهم يأخذنه، فكانت هذه الله ناسخة لمتعة الحول. (1/313) وسألت: عن قول الله سبحانه: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا، فقلت ما معنى هذا،قال محمد بن يحي عليه السلام: هذه الأشهر يرحمك الله والعشر هي أيام العدة التي جعلها الله سبحانه على المرأة عند موت زوجها لا تنكح فيها ولا تختضب ولا تتزين لإظهار الحزن على زوجها إستبرا رحمها فكل ذلك واجب عليها ففي هذه العدة التي جعلها الله عند موت زوجها. وسألت: عن الحديث الذي بلغك عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الملاعنة أنها إن جآءت به أصهبا أثيجا أخمش الساقين فهو لزوجها وإن جآءت به أزرقا أجعدا حماليا جذل الساقين فهو للذي رميت به،قال محمد بن يحي عليه السلام: هذا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله باطل لم يقل هذا ولم يحكم به وقلت هل يدل هذا الحديث على أنه لا عن بينهما وهي حامل ولم تسمع بذلك. وسألت: عن إتيان المرأة المرضع فقلت هل يجوز ذلك وهل نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله، قال محمد بن يحي عليه السلام: لم ينه رسول الله صلى الله عليه وآله عن إتيان المرضع ولا ذلك بضار للولدوقد يكره ذلك بعض البدو ويقولون فيه أقاويل ليست بصحيحة ولا تعرف. وسألت: عما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ؛المسلمون تتكافا دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم«،قال محمد بن يحي عليه السلام: ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله صحيح لأن النفس بالنفس كما قال الله عز وجل وأما الذمة فإذا أمَّن أدنا العسكر جماعة من المحاربين فقد جرى لهم الأمان على جميعهم ووجب على المسلمين الوفا بأمان صاحبهم وأما ما سألت عنه من قتل مسلم بكافر، فلعمري ما يجوز أن يقتل مسلم بكافر وكذلك إذا دخل المحارب بأمان فلا نحب قبله ولا تحل السواية إليه حتى يرد إلى مأمنه كما قال الله سبحانه في كتابه وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه. (1/314) وسألت: عما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن الأرفاه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: لا نعرف الأرفاه في اللغة ولعل هذا الحرف صحف عن معنى العربية فلم نعرفه. وسألت: عما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن لبستين اشتمال الصما وأن بجبتين الرجل بثوب ليس بينه وبين السماء ما يستره، قال محمد بن يحي عليه السلام: وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ؛لا تشتملوا الصما في الصلاة«،والصما فهي سدل الثوب لأن ذلك لا يتم معه ركوع ولا سجود ولا يستمكن إنسان فيه ما أمر الله به من حدود الصلاة وأما من اختبأ بثوب فرد لا يضع على عورته منه شيئاً فذلك من المنكر لأنه عريان يبصره من احتنا عليه ولكن ينبغي لمن احتبا بثوب واحد أن يخرج طرفه من بين فخذيه ثم ينشره على عورته وثنته وفخذيه فإن ذلك أقرب إلى التقوى وهو باب من أبواب الهدى. وأما ما سألت من الإحتيال فقلت قد روي أن بعضه يحبه الله وبعضه يكرهه الله، قال محمد بن يحي عليه السلام: الإحتيال مختلف يجرح على وجهين ومعنين فمعنا يرو معنى فجور، فأما معنى البر فالإحتيال في قبل الظالمين والتعمد في هلكة المحاربين للأئمة المتقين ومثل الإحتيال في المعيشة والترفق من طريق الحلال وما كان أيضا من الإحتيال مما يقع به صلا ح ومنفعة للمسلمين فذلك جايز عند رب العالمين، محكوم لصاحبه بدار الفائزين، وأما الإحتيال الذي يبغضه الله ويعذب فاعله فيه ويعاقبه عليه فما كان من طريق ضرر المسلمين أو إتلاف لهم ومثل المخادعة في البيع والشرى والمعاملة في جميع الأشيآء ففاعل ذلك عند الله من المازورين ولديه سبحانه من المعذبين محكوم عليه بما حكم الله به على الظالمين. (1/315) وأما الحديث الذي يروى أن الله سبحانه يحب معالي الأمور ويبغض سفسافها فذلك صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو موجود في كتاب الله عز وجل فالأمور العالية من الأفعال التي يحبها الله فمنها الجهاد في سبيله ومنها الإنفاق في سبيله، ومنها إطعام المساكين والرفق بالأيتام والمستضعفين ومنها الزجر عن معاصي رب العالمين وصيانة النفس عن مجالسة السفهاء والترك لطريق الأرديا وهي كثيرة لو عددنا وشرحناها لطال شرحها وقليلها يدل على كثيرها وهو مجْزي عن شرح آخرها قال الله سبحانه: وليكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن النكر وأولئك هم المفلحون، فذكر أنهم إذا قاموا بهذه الصفة أنهم من المفلحين. ثم قال: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين، فحمد من قال ذلك ودعا إليه وأثنى الله سبحانه عليه ثم قال: والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، فهذه الأفعال السنية التي أثنى الله على فاعلها ومن الأخلاق المحمودة عند الله عز وجل كظم الغيظ وحسن العفو والمكافأة بالحسن على القبيح قال الله سبحانه: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. (1/316) قال رسول الله صلى الله عليه وآله؛ليس الفضل أن تعطي من أعطاك ولا تبر من يرك ولا تصل من وصلك ولكن الفضل أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتبر من عقك، ويروى عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: ؛إن حَسَن الخلق لينال بحسن خلقه درجة الصالحين ومن الأفعال مثل هذا كثير والأفعال المذمومة فضد ما ذكرنا من الأفعال المحمودة فإذا ضادتها فقد صار فاعلها من المذمومين وعند الله من المعاقبين وبالسوء من المعلنين قال الله سبحانه: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول وقال سبحانه: إنا كفيناك المستهزءين وقال عز وجل: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون فذمهم سبحانه على ترك التناهي عن المنكر، وأما الحديث الذي يروى في الملح فلا نعرفه ورسول الله صلى الله عليه وآله فلا يهب شيئا ثم يرجع فيه هذا حديث باطل لا يصح عنه عليه السلام وعلى آله السلام. وسألت: هل يجوز أن يحكم الحاكم بحكم ثم يرجع عنه قال محمد بن يحي عليه السلام: ذلك جايز إذا كان حكما فيه خطأ أو ظلم فالواجب على من له دين أن يرجع عنه لأنه ربما حكم الإنسان في المسئلة قبل أن يفهمها ثم يتدبرها فإذا القول الأول خلاف فقوله فيرجع إلى الحق وربما سها الحاكم ودهش في الحكم ثم يتبين له رشده فيرجع إلى الحق وذلك من أفعال المؤمنين وربما تناظر الرجلان عند الحاكم فيكون أحدهما أخبث والقن بالحجة من الآخر فيحكم له ثم يتبين له بعد ذلك أن المناظر له ضعف عن الحجة ولم يقم بها وأنه مظلوم ويصح له ظلمه فهذا بما يرجع فيه وقد يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ؛أيها الناس إنه يحتح عندي الرجلان منكم فيكون أحدهما القن بحجته فأحكم له بما أسمع ولست أعلم الغيب فلا يقولن أخذ باطلا بحجته حكم لي رسول الله صلى الله عليه وآله إنما أقطع له قطعة من جهنم«. (1/317) وسألت: عن الحديث الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ؛أعيدوا الوضوء مما مست النار ولو من ثور أقط، قال محمد بن يحي عليه السلام هذا حديث قد رواه بعض العامة في ما مست النار وليس هو عندي صحيحا عن النبي صلى الله عليه وآله لأن النار إن لم ترده طاهرا لم تنجسه وكيف يكون هذا صحيحا والوضوء بالماء المسخن جايز فلو كان مامست النار يقطع الصلاة لكان ما مسته أجدر وأحق ألا يتم به وضوء وهذا حديث مدخول وقد رووا أيضا أصحاب هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله أتى بكف شاة مشوي فأكله وهو متوضي ثم قام فصلى فهذا دليل على تناقض أخبارهم غير أنا نرى ونستحب لمن أكل طعاما ما كان أن يعيد الوضوء وإنما استحببنا له ذلك لاشتغاله عما تطهر له من صلاته والله سبحانه يقول في كتابه: ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وإيديكم فأمر عز وجل بالطهور عند القيام إلى الصلاة ولم يأمر بأكل و الإعادته بعد الأكل أحوط وأفضل وعليه نعتمد وبه نأخذ. وسألت: عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة العشاء إذا سقط نور الشفق، قال محمد بن يحي عليه السلام: إنما عني عليه وعلى آله السلام صلاة العشاء إذا سقط الشفق يعني العتمة وهو وقتها عند مغيب الشفق. وسألت: عن الحديث الذي روي عن حكيم بن حزام أنه قال: بايعت النبي ألا أخِرَّ إلا قائما، قال محمد بن يحي عليه السلام: يمكن أن يكون حكيم أراد بذلك قائما على الحق لا أزول عنه حتى أخر ومعنا آخر أي أموت والعرب تسمي الإنسان إذا هو ساقط خر على وجهه أي سقط على وجهه وتقول لكل شيء منتصب يسقط إلى الأرض قد خر وسقط والله عز وجل يقول ويخرون للأذقان سجدا وإنما أراد يخرون على الأذقان بالسجود، وقد يمكن أن أراد أيضا بقوله ألا أخر إلا قائما يقول ألا أولي ظهري لعدو ولا أبرح في مقامي حتى ألحق بالله. (1/318) وسألت: عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله: ؛أقروا الطير على مكناتها المكن موضع الطير« فقلت هل حظر النبي صلى الله عليه وآله أخذ الطير في الليل والنهار، قال محمد بن يحي عليه السلام: لا أعرف الحديث على هذا النسق أقروا الطير على مكناتها ولكن قد يروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن أخذ الطير في أوكارها فأما الطير الذي يطير بالليل ويوجد على المياه فلا بأس بأخذها، وأما ما سألت عنه من الغنا بالقرآن فهذا شيء لايحل فعله ولا يجوز لأحد إتيانه ولكن قد رخص رسول الله صلى الله عليه وآله في التحزين بالقرآن وترحيع الصوت فيه والتحسين، وأما الحديث الذي روته العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال تغنوا بالقرآن وإنما أراد استغنوا به عن سواه كما يقول القائل تغانيت تغانيا يريد بذلك استغنيت. وسألت: عن قول الله سبحانه: وأذنت لربها وحقت قال محمد بن يحي عليه السلام: معنى أذنت لربها فهو أذنت بربها ومعنى بربها فهو أذنت بأمر ربها وحقت فهو حق الأمر بها ووقوعه وما حكم الله عز وجل به من تعييرها ولما أن كان تعبيرها بأمر الله سبحانه قال لربها كما قال سبحانه: وجاء ربك والملك صفا صفا وإنما أراد وجاء أمر ربك مع الملائكة المنفذين له فقل جاء ربك وإنما أراد أمر ربك. وسألت: عن الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ؛من أدخل فرسا بين فرسين فإن كان يؤمن أن يسبق فلا خير له فهذا حديث لا نعرفه ولا سمعنا به عنه إلا أن يكون على معنى لم تبينه فأما سباق الخيل فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعله يسابق بين الخيل والإبل والرجال وكان يقول صلى الله عليه وآله شيآن تحضرهما الملائكة السباق والرمي بالنبل. (1/319) وسألت: عن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله: ؛لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر«، قال محمد بن يحي عليه السلام: هذا حديث لا نعرفه وليس يقول بهذا إلا حشوية الناس ومن لا علم له وقد كانت العرب تسب الدهر تنسب الأفعال التي تنزل تهم إليه فليس له فعل، وإنما ذلك منهم على حد الجهل. وسألت: عن الحديث الذي يروى عن عائشة في الرضاع وهذا أيضا حديث لم نسمع به عن النبي صلى الله عليه وآله وليس هو بصحيح والرضاع فقد ذكره الله سبحانه في كتابه فقال: وامهاتكم الاتي أرضعنكم وأخوانكم من الرضاعة، وهو يحرم من الرضاع مايحرم من النسب وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى رجلا يمشي بين المقابر بنعلين فنهاه عن ذلك وقلت هل يكره المشي بالنعل بينها، قال محمد بن يحي عليه السلام: هذا حديث أيضا ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بأس بالمشي بالنعل بين المقابر وإنما يكره وطئها فأما بينها فلا بأس به. تم الجزء الأول: وسألت: عن قول الله سبحانه: ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرت أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الوجهة، فهي الملة والشريعة ثم قال عزوجل: فاستبقوا الخيرات فيما تعبدون به واستباقهم فهو العمل به والمواظبة عليه ومن الخيرات أيضا ما أعد الله في الجنة من العطا الجزيل، والثواب الكريم الذي أعده سبحانه للمؤمنين وخص به أولياءه المتقين. وقوله: يأت: بكم الله جميعا فهو في حشره، لهم عزوجل وجمعه إياهم من حيث كانوا إلى موقفهم وموضع مجاراتهم، وقد قيل: إن الوجهه هي القبلة، والقول الذي قلنا به فيها، فهو الصواب عندنا، وقلت: هل يقرأ هو مولاها وليس تقرأ بذلك وإنما يقرأ هو موليها. (1/320) وسألت: عن قول الله سبحانه: لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى لئلا يكون للناس عليكم حجة، فليس لأحد في حكم الله ولا أمره حجة، ولا فيما تعبد به قول ولا معارضة، ومعنى قوله عزوجل: إلا الذين ظلموا منهم، فهو: ولا الذين ظلموا منهم، ولم يرد بقوله: هاهنا استثناء وإنما أراد به النسق فليس لهم أيضا حجة، لأن الله تبعد خلقه ويأمرهم بما كان لهم فيه طاعة، فقال: إلا الذين ظلموا فخرج ظاهر اللفظ يثبت حجة. والعرب: تطلق هذا في كلامها، وهو في كتاب الله عزوجل فيوجد كما قال سبحانه: لا أقسم، وإنما أراد ألا أقسم، فطرح الألف، وهو يريدها، والعرب تثبتها في الشيء، وهي لا تريدها كما قال تبارك وتعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين، وإنما أراد وعلى الذين لا يطيقونه، فطرح لا وهو يريدها وإنما أراد سبحانه لئلا يكون للناس عليكم حجة، إلا الذين ظلموا، فأثبت الألف وهو لا يريدها. وقوله: عزوجل: فلا تخشوهم واخشون فالخشية: قد تكون من الأذية والكلام والبسط، والقتال فأمرهم الله ألا تخشوا الخلق ولا تهابوهم، ولا تدارون الظلمة ولا في الله سبحانه تناقونهم، وأن يكون خشيتهم لله سبحانه وقصدهم إياه، والطلب منهم لرضاه. وسألت: عن قول الله سبحانه: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: اللعنة من الله لهم فهو عذابه إياهم، وإخزاؤه لهم واللاعنون، لهم فهم الملائكة والنبيون وكل من أطاع الله من جميع عباده المؤمنين فهم لهم لا عنون لمخالفتهم وكثرة مضادتهم لدين خالقهم فلعنة الله وغضبه عليهم. (1/321) وسألت: عن قول الله سبحانه: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداد ا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الأنداد فهم الأنداد في الطاعة يطيعونهم ويوجبون طاعتهم على نفوسهم كما تجب طاعته عزوجل على المؤمنين ومعنى يحبونهم فهو يودونهم ويعظمونهم، ومعنى: كحب الله، فهذه الآية إنما خاطب الله بها محمدا صلى الله عليه، وأخبر والمؤمنين بفعل الظالمين، فقال في المشركين: إنهم يحبون الأنداد كما تحبون أنتم الله أوأشد حبا، أراد بقوله: أشد أنهم في استبلاغ على غاية المحبة والمؤمنون شديد مبحتهم حسنة طريقتهم خالصة مودتهم قاصدون لله سبحانه بعملهم، وإنما أخبرهم الله بكفر الكافرين وما هم عليه من الشرارة، والعتو والمراده. ألا تسمع كيف يقول سبحانه: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم، فأمرهم الله عزوجل ألا يسبوا أصنامهم، ولا ما اتخذوا جهلا وعما لعبادته فيسبوا الله سبحانه عدوا وجرأة وجهلا، إذ هم عندهم في التعظيم كرب العالمين في صدور المؤمنين ومن عظمه من المتقين، ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولو يرى الذين الظالمون إذ يرون العذاب، فقلت: كيف تقرأ، بالتاء أم بالياء، وهي تقرأ بالياء. وسألت: عن خطوات الشيطان المنهي عنها، فهي أفاعيله، الردية وأعماله المخالفة، فنهاهم الله عزوجل عن إتباعها والميل إليها لما فيها من الهلكة والبعد من الله سبحانه في الآخرة، نسأل الله الثبات على طاعته والنجاة من عذابه بمنه ورأفته. (1/322) وسألت: عن قول الله سبحانه: فما أصبرهم على النار، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا تبكيت من الله عزوجل لكفرة عباده وتقريع لقلة صبرهم على النار، فقال: ما أصبرهم على النار وهم لا يصبرون عليها. وكذلك تقول العرب للرجل في الشيء إذا لم يقوَ عليه وأيقنت بعجزه عنه، ما أقواك على كذا وكذا من طريق التقريع له بضعفه وقلة احتماله، وقد قيل: إن معنى ما أصبرهم على النار، أي ما أصبرهم على عمل النار الذي يهلكون به ويستوجبون العذاب بفعله فأقام النار مقام عملها. وسألت: عن قول الله سبحانه: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر، قال محمد بن يحيى عليه السلام قال الله سبحانه: ليس كل البر تولية المشرق والمغرب من القبل التي أنتم تمارون فيها، ولكن البر: من آمن بالله واليوم الآخر، والملائكة والكتاب والنبيين وأتى المال على حبه ذوي القربا واليتاما والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتا الزكا والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون. فأخبر سبحانه يعنوان البر وما يصح لهم به الإيمان، ويكمل لهم به اسم البر والإحسان. وسألت: عن قول الله سبحانه: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فقلت: هل جمع الله القرآن كله من أوله إلى آخره في شهر رمضان أم أنزل أوله، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إعلم هداك الله وأعانك أن معنى قوله عزوجل: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، الله أنزل فيه القرآن على محمد صلى الله عليه فكان أول ما أنزل عليه في رمضان ثم كان ينزل عليه خمسا خمسا، وقد قيل إن سورا من القرآن أنزلت عليه جملة، ولست أقف على صحة ذلك، فلم نروه عمن نثق به. (1/323) ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه: وقرأنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا، قال: فرقنا، أي أنزلناه شيئا شيئا، والمكث: فهو المدة لأن التوراة أنزلت على موسى مرة واحدة مكتوبة في الألواح، وكان موسى عليه السلام يقراؤها ويفسخها، كذلك الإنجيل أنزل مرة واحدة على عيسى صلى الله عليه ومحمد صلى الله عليه كان أميا ليس يقرأ إلا على ظهر قلبه، فلو أنزل القرآن مرة واحدة في الألواح كما أنزلت التوراة والإنجيل، ومحمد صلى الله عليه فلم يكن يقرأ الكتب السالفة ولا يخط بيده، وعند كونه كذلك فلو نزل عليه مجملا في الألواح لاحتاج إلى من يقرأه عليه ويبينه ولو كان كذلك لوقع الشك والإرتياب إذ المعبر له غيره والمبين سواه. ولو كان صلى الله عليه يقرأ ويكتب لكان الأمر كما ذكر الله عزوجل في كتابه من شك المبطلين، حين يقول وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون، فكان إتيان النبي صلى الله عليه بالقرآن المعجز للخلق وهو لا يكتب ولا يقرأ دلالة عظيمة وآية في نبوته باهرة، فأنزل الله عليه القرآن شيئا فشيئا لما أراد الله عزوجل من تدبيره وحكمته وتثبيته في قلبه فجعله للخلق شفا ونورا وهدى وجلا للصدور ومبينا لما التبس من جميع الأمور، فلن يضل من تعلق به، ولا يتحير أبدا من استضاء بنوره، نسأل الله أن يجعله لنا ولكم نورا وهدى وشافيا ومعينا برحمته. وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون، فقلت: كيف يعرف العبد إجابة الدعوة إذا دعاه، وطلب منه فلم ير قضاء حاجته، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن الله عزوجل كما ذكر من قضاء حوائج خلقه وأجابة دعائهم إذا دعوه واطلايهم عند مسألتهم، وأوان فاقتهم. (1/324) ألا تسمع كيف يقول: فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني، ثم أخبرهم عزوجل من الذين إذا دعوه أجابهم، فقال: فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون، فأخبرهم تبارك وتعالى أنهم إذا استجابوا له وآمنوا به أجاب دعائهم وسمع طلبهم، فإذا لم يكونوا كذلك فليس هم ممن يجاب له دعوة ولا تقضا له حاجة، وكلما نالهم من نعمة فهو إملاء. والإستجابة لله سبحانه: فهي الطاعة والعمل بما أمر به والإنقياد إلى ما افترضه والتصديق بأمره ونهيه، والمعرفة بتوحيده وعدله، فبذلك يصح للعباد الإيمان به ويستوجب الاجابة لدعوته، فإذا كان العبد كذلك عرف إجابة الدعوة، فيما سأل، وقد يسأل العبد الله أمرا أو يطلبه منه، وتكون الخيرة له في غيره، فيكون يجنبه إياه نعمة عليه وإحسانا إليه، فإذا تعقب العبد الأمر فيما دعا إلى الله فيه وأنصف نفسه يبتبين الله له الخيرة والرشد حتى تتضح له الخيرة في الإجابة فيما طلب لأن الله سبحانه يقول: عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون. فإنما يطلب العبد من الله عزوجل الطلبه التي يرجو فيها لنفسه صلاحا أو فرجا ويعلم الله عزوجل أن له في ذلك الشر والغم، ولا يعرفه هو فيكون قد استجيب له في صلاح نفسه وما تقر به عينه وصرف عنه ما لو أعطيه لكان له فيه الحزن والغم والأذا، والهم ومن الصالحين من يسأل في السبب الذي يعلم الله عزوجل أن له فيه صلاحا فيجاب فيه كثيرا رأينا ذلك غير قليل. (1/325) وقلت: قد وعد الله سبحانه أنه يجيب وإنما وعد بذلك المسلمين، ألا تسمع كيف يقول عزوجل: أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون، فأخبرهم أنه يجيبهم إذا استجابوا له وآمنوا به ولقد أولاهم سبحانه وأعطاهم أفضل خوائجهم وأكبر مرادهم وما يضل فيه ومعه جميع مطالبهم من صحة الجوارح وعافية الأبدان فهذه أكبر النعم عليهم وأجزل العطايا لهم، ولو أن عبدا دعا الله سبحانه أن يرزقه واديا من تبر فرزقه إياه ثم ابتلاه بضَرَبَانِ بين عينيه أو عرق من عروقه لسأل الله أن يعافيه من ذلك ويفتدي الألم بذلك الوادي ومثله أضعافا لو كان له فأي نعمة أو إجابة أعظم أمرا من العافية والصحة، وأي عطاء أجزل من عطاء لا يتمنا به غيره، فأما ما كان يطلب به غيره فهو سهل عند صاحبه قريب عند مالكه، وكثير من الخلق يسأل الله السبب، ويستخيره فيه فإذا رفعه عنه بخبرة له في دفعه أغتم لذلك وغضب لقلة معرفته. وقد ترون في بعض مسائل موسى عليه السلام التي سأل ربه عزوجل أنه قال يا رب أي عبادك أشر عندك قال: يا موسى الذي يتهمني قال يا رب ومن يتهمك، قال الذي: يستخيرني فإذا اخرت له غضب، فكثير رحمك الله من رأيناه يدعو إلى الله سبحانه بالسلامة في دينه ودنياه والخلق كلهم على ذلك يسألون الله السلامة والعافية. (1/326) ثم يسألونه من بعد ذلك الحوائج، فتكون فيما يسألون مما لا يعرفون أشياء هي لهم عند نفوسهم موافقة، وقد علم الله عزوجل فيها لهم البلا، والغم والأحزان لو وقعوا فيها فيدفعها عنهم لمسألتهم الأولى السلامة والعافية، ولا جابه إياهم في ذلك فيعدون ذلك نقمة، وإنما هي نعمة وخيرة، ولو كشف لهم عن قبيح ما ينزل بهم فيما سألوا لأكثروا الدعاء إلى الله سبحانه في الصرفعنه وليس نبغي لأحد أن يتهم الله عزوجل في الدعوة وأن ينتظر عند دعائه ومسألته، إذ لم ير ما دعا فيه فيرجع إلى نفسه، فإن كان لله مطيعا فليوقن بأنها خيرة أو سلامه لدينه ودنياه علم الله منها مالم يعلم فصرفها عنه لضرها له وإن كان عاصيا فليعلم أنه ليس له عند الله منزلة فتستجاب له دعوة لأن قول الله سبحانه الحق وما وعد فهو الصدق عز وتعالى علوا كبير ا. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا أمر من الله عزوجل لجميع من عرفه وقبل أمره ونهيه ألا يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل ولا ينفقونها في ما لا يرضي الله ولا يستعينون بها على معصيته وأن يفعلوا فيها ما أمرهم به من طرق الصلاح مثل الزكاة والصدقة والإنفاق في السبيل وصلة الرحم وما كان من سبل الطاعة لله فيه رضا ولديه لمن فعله جزاء. وقوله سبحانه: وتدلوا بها إلى الحكام، فهو ما يفعله الناس الآن وما هم عليه من رشوة الحاكم والعطا حتى يحيف معهم على المحكوم عليه فيسلم إليهم عند ذلك ما لم يملكوه ولا بحق أخذوه، وقد رأينا أشرارا من الناس على القضاء فيتحاكم إلى الحاكم منهم رجلان فيكون مع أحدهما سعة وجدة فيرشى الحاكم فيحكم له على الآخر الفقير ويظلمه ويتعدا عليه، فيأخذ ما لا يملك بحكم ظالم مسترشي حكم له بما لا يملكه فقد أدلا بماله إلى هذا الحاكم الظالم، وأكل به أموال الناس جورا وظلما وتعديا وغشما، فهذا معنى الآية. (1/327) وقلت: متى يجوز للحاكم أن يحكم بين الناس وبما يحكم فيجوز له أن يحكم إذا علم فأيقن باضطلاعه بما يدخل فيه فإذا علم ذلك وجب عليه أن يحكم بكتاب الله وسنة رسوله ولا يتعدا ذلك، وإذا كان حاكما فلا يحل له أن يفتي خصما دون حضور خصمه ويتحرز من ذلك فإنه لا يجوز له ولا يسعه عند الله فعله. وسألت: عن عالم حكم بحكم فأخطأ فيه ثم علم بعد ذلك فعليه أن يرجع عن حكمه، ولا ينفذ على خطائه، فإن ذلك أقرب إلى الرشاد، والحق والسداد، وقلت: إن فات الأمر في ما حكم به ولم يقدر على استرجاعه، فإن كان مثل والٍ أو حاكم للإمام أخطأ في قتل إنسان أو إقامة حد لم يتعمد فيه ظلما ولا جورا مثل رجل شهد عليه أربعة شهود بالزنا، وكان فيهم ذمي فأمضى الحاكم عليه الحد، ثم نظر فإذا في الشهود ذمي فهذا من خطأ الولاة، لأنه كان ينبغي أن يسأل عن دينهم وعن عقولهم فدية هذا المقتول من بيت مال المسلمين، أو مثل سارق فقطعه وكان مجنونا ولم يعلم الحاكم حتى أنفذ الحكم فهذا خطأ منه لأنه كان يجب عليه أن يسأل عن عقله وأمره شيئا شيئا حتى يقف منه على الصحة فدية من بيت مال المسلمين. وسألت: عن قول الله سبحانه: ليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها الآية، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا أمر من الله سبحانه للمؤمنين في إتيان البيوت من أبوابها وتأديب لهم، وذلك لما أمرهم الله عزوجل بالاستئذان على أهل البيوت قبل دخولها، وقبل فتح أبوابها كانوا يرون أن إتيانها من ظهورها أقرب لهم إلى الله فطلبوا بذلك الفضل فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بإتيانها من أبوابها، من بعد أن يستأنسوا ويسلموا على أهلها. (1/328) وسألت: عن قول الله سبحانه: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم الآية، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا أمر من الله عزوجل للمؤمنين بترك الظلم والاعتداء والاخذ بالحق في جميع الاشياء وأن يفعلوا ما أطلق لهم سبحانه فعله ولا يتعدوا إلى غيره، مثل ذلك ظالم تعدا فقطع يد رجل، فقد جار عليه وظلمه وله أن يفعل به مثل ما فعل سواء، وليس له أن يقطع يديه ولا يقتله كما يفعل سفهاء من الناس فقد رأيناهم ربما جرح أحدهم جرحا فيقتل فيه من جرحه. ومن التعدي أيضا: أن يجرح إنسان إنسانا فيستوفي من غيره من ابن عمه أو إبنه أو قرابته كما تفعل البادية والاعراب، وهذا من الظلم البين، ولذلك قال سبحانه: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، فأراد عزوجل أن يؤخذ من الظالم القصاص ويكافأ بعينه لا يؤخذ بجرمه غيره، وفي ذلك ما يقول سبحانه: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصور ا، فأراد عزوجل بقوله: فقد جعلنا لوليه سلطانا الإذن والحكم منه لولي المقتول أن يقتل قاتل قريبه. (1/329) ومعنى: فلا يسرف في القتل، فهو: أن لا يقتل نفسين بنفس ولا يقتل من لم يقتله ولم يتعد عليه فقد أسرف في القتل وصار ظالما بتعديه محكوما بالقتل عليه، ومن قتل من أولياء المقتول قاتل قريبه فهو مصيب وعند الله غير مذموم وذلك قوله سبحانه: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين، يريد عزوجل ألا تتعدوا بفعل لم يفعل بكم مثله، وهذه الآية التي استشهدناها فإنما نزلت في أمر حمزة رحمة الله عليه، وذلك أنه لما مثلت به قريش قال رسول الله صلى الله عليه: ؛لئن أمكنني الله من قريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم « فأنزل الله سبحانه: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين، وطلب ما عند الله من الأجر والثواب، ومعنى ما سألت عنه من قول الله عزوجل: وجزاء سيئة سيئة مثلها فهو ما تقدم إليكم شرحه. وسألت: عن رجل يحرق بيت رجل، فقلت: هل يجوز له أن يحرق بيته، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن كان بيته مثل بيته فكافأه فذلك له، وإن كان في بيته من المتاع والآلات أكثر مما كان في بيت الأول فلا ينبغي له أن يتعدا وأحب إلي من مكافأته بالاحراق، وأقرب إلى الحق والسداد أن يأخذ قيمة بيته، وما أفسد عليه من أثاثه، وقد يكون من الأفعال ما لا يجوز فيها مكافأة مثل ظالم يشي برجل ويكذب عليه عند سلطان جاير، فلا يحل لمسلم أن يكذب عليه ولا يشي به، ومثل فاسق يفضح حرمة رجل ويهتك سترها فلا يحل له أن يهتك حرمته ولا يعصي الله كما عصاه الفاسق، ولكن إن قدر عليه كافأه في نفسه بما جعل الله عليه من الحكم في ما فعل وليس ينبغي لأحد أن يكافي بمعصية الله ولا يدخل فيها إن كان عارفا بالله، وإنما يفعل ذلك الكافرون ويتقحم فيه المتمردون الذين حقت عليهم كلمة العذاب وصاروا بفعلهم إلى شر مآب جهنم يصلونها وبئس المهاد. (1/330) وقد سألني: رجل من إخوانك عن قول الله سبحانه: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، فقال: هل يجوز لمن ظلم أن يجهر بالسوء وأن يفعله فقد فسر بعض المفسرين أن ذلك جايز له فكان جوابي له أنه ليس الأمر في الآية، ولا التفسير لها إلى حيث ذهبت ولا إلى ما ذهب إليه المفسر لها على ما شرحت بل ذلك منه خطأ. وعند الله سبحانه غير صواب، وإنما معنى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم فهو إن الله سبحانه لا يحب الجهر بالسؤ من القول ولا يجيزه لفاعله بل يعاقبه عليه، ويأخذه فيه إلا من ظلم، ومعنى إلا من ظلم، فهو مثل ما كان من مردة قريش وفعلهم بأصحاب النبي صلى الله عليه حين كانوا يعذبونهم ويضربونهم ويأمرونهم بشتم النبي صلى الله عليه كما فعل بعمار وصاحبه حين أخذا وأمرا بشتم النبي صلى الله عليه والبراءة منه، ومن دينه ففعل عمار وكره الآخر فخلوا عمارا وقتلوا صاحبه فكان هذا جهرا بالسوء من القول. ثم عذر الله فاعله، فقال: إلا من ظلم بالتعدي عليه بالضرب والهوان والعرض على القتل فقد أطلق له عند ذلك أن يتكلم بلسانه ما ليس في قلبه ولا اعتقاده وفيهما يقول الله سبحانه: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. فأخبر الله عزوجل أنه من كفر به معتقدا لذلك، فعليه غضب من الله ومن تكلم بظاهر من الأمر خوفا على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان غير كافر، بالرحمن فهو غير مشرك ولا عاص فكانت هذه الآية مبينة لما في ضمير عمار من الشح على الإيمان والصدق في المثال، فلم يجز لأحد أن يتكلم بقبيح إلا أن يظلم فيتكلم بلسانه ما يدفع عن نفسه مما ليس من اعتقاده ولا من مذهبه. (1/331) وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تقربوهن حتى يطهرن، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا أمر من الله عزوجل للمؤمنين ودلالة على ما هو رشد لهم وإزكا عنده، ومعنى: قوله: لا تقربوهن حتى يطهرن فهو لا تدنوا منهن، والدنو: فهو الجماع حتى يطهرن، ومعنى يطهرن فهو يتطهرن بالماء، من دنس الحيض وأوساخه، وقلت: هل أراد بالتطهير إنقطاع الدم أم قال محمد بن يحيى عليه السلام والذي أراد به عزوجل انقطاع الدم والغسل لأنه لا يقع طهارة إلا بعد الغسل لما كان من الدرن والإنقا بالماء لما كان غير طاهر. وقلت: إنه روي عن جدي القاسم صلوات الله عليه أنه فسر ذلك وأجاز للرجل أن يغشى زوجته إذا نقيت من الدم وإن لم تغتسل وهذا مما قد زيد على القاسم عليه السلام، ومثله: كثير قد كذب عليه، وقد شرحت لك ذلك في المسائل المتقدمة كيف أمر الزيادة، والنقصان وكيف يقع ومن أين أتا، وفي ذلك غنا والقول فيه عندنا وما نرويه عن سلفنا صلوات الله عليهم أنه لا يحل جماع الحايض حتى تغتسل بالماء ولزوجها عليها الرجعة، إذا طلقها من قبل اغتسالها بالماء. فإذا اغتسلت بالماء وعم بدنها وجرى على بشرتها في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها، وهي أولى بنفسها منه إلا أن يكون لم يطلقها غير هذه التطليقة التي خرجت من عدته فيها فإذا كان ذلك فله أن يراجعها برضا منها ومهر جديد وولي وشهود، وهو في نكاحها بعد خروجها من عدتها كسائر الرجال، فإن كان قد طلقها ثلاثا فلا رجعة له في التطليقة الثالثة في حيض ولا طهر حتى تنكح زوجا غيره، وليس يجوز لها أن تنكح في التطليقة الثالثة حتى تخرج من العدة وتستبرئ رحمها في هذه المدة التي جعلها الله سبحانه عليها، ولها النفقة عليه لأنها في الاستبراء من مائه وليس لها سكنى لا رجعة له عليها، وإنما تكون السكنا للتي عليها لزوجها الرجعة إذا أحب ذلك في العدة. (1/332) وقد رأينا بعض الرجال إذا طلق إمرأته أول تطليقة أو ثانية أخرجها من منزله غضبا عليها، وربما غضبت المرأة أيضا عند طلاقها فتخرج من المنزل ولست أرى ذلك لهما بجايز، ولا يحل لمسلم ولا مسلمة أن يفعلا ذلك لقول الله سبحانه: يآ أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. فقال: سبحانه: ولا تخرجوهن أمرا للرجال جزما، ثم قال عزوجل: ولا يخرجن، فأمرهن عزوجل لا يخرجن، ثم قال: في آخر الآية، وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. فأخبر سبحانه أنه من تعدا حدود الله، وما أمر به فقد ظلم نفسه وظلمه لنفسه فهو ما كان من تعديه لأمر ربه وإذا فعل ذلك فقد استوجب العقوبة، وباستيجابة العقوبة فقد ظلم نفسه إذ أوقعها في التلف والمهالك، وقد كان يجد إلى غير ذلك سبيلا ومؤئلا يسلم به من العقاب وينال بعون الله كريم الثواب. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه المسئلة جدي القاسم بن إبراهيم رحمه الله، فقال: لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم لا تكثروا الحلف بالله في كل حال وعند كل مقام ووقروا الله وأجلوه عن أن تجعلوه عرضة لأيمانكم، وإن أصلحتم بين الناس وإن أردتم بأيمانكم الاصلاح. وسألتم: عن قول الله سبحانه: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربص بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد عزوجل بما ذكر من الأربعة أشهر والعشر تبصرة منه عزوجل لعباده بعدة المتوفا عنها زوجها وعدتها، فهي كما قال الله سبحانه أربعة أشهر وعشر وتربصها فهو توقفها عن الأزواج إلى انقضا عدتها. (1/333) وقلت: حاطك الله عن السوء إن جهلت عدتها حتى مضت عدة من دهرها كيف تفعل، ولم تفسر جهلها، كيف كان ولا على أي معنى وقع فإن كنت أردت بجهلها أنه مات في بلد ولم تعلم بموته إلا بعد سنة أو أكثر فقد قال في ذلك بعض المتفقهين أنه لا عدة عليها، عند علمها لأنه قد أتا عليها من المدة من حين توفي زوجها ما قد أخرجها من عدتها، وهذا يرحمك الله قول مدخول محال لا يفعله من له علم وفهم، ولكن نقول في ذلك أنها تعتد من يوم وصل بها الخبر ولا تنتظر إلى المدة التي وقعت بين موت زوجها، ووصول خبره، بها لأن الله عزوجل فرض عليها في عدتها فروضا من ذلك ترك الزينة والطيب وإظهار الجزع والحزن والتشعث، ولكن تعتد من يوم وصل بها الخبر أربعة أشهر وعشرا. وإن كنت أردت بجهلها أنها لم تعلم أن عليها عدة لموت زوجها فتزوجت من ساعتها، وقبل انقضاء عدتها فالنكاح فاسد باطل يفرق بينها وبين زوجها وتعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم تنكح وعليها التوبة إلى الله والاستغفار مما جاءت به من خطيئتها وقبيح فعلها، ولو أن مرة علمت أن النكاح في عدتها لا يجوز لها ثم نكحت وعلم الزوج أيضا أنها في عدتها، وأن نكاحها لا يجوز له في عدتها فاجتريا على النكاح في العدة وكان ذلك في عصر إمام لوجب عليه أن يقيم الحد عليهما وينفذ حكم الله فيهما وإن لم يكن في عصر إمام وجب على المسلمين أن ينكروا عليهما في فعلهما ويغيروا ما أتيا به من عظيم جرمهما لأن الله سبحانه يقول تعاونوا على البر والتقوى، والتغيير على هذين من البر، والتقوى والرشد والهدى. (1/334) وسألت: عن قول الله سبحانه: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله: موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هؤلاء قوم من بني إسرائيل هربوا أيام وقع فيهم الطاعون بما كان من فعلهم ومخالفتهم لخالقهم ففروا عند ذلك من الموت فظنوا أن الأمر إنما نزل بهم في ذلك البلد وأنه لا يلحقهم إلى غيره فلما أمعنوا في الذهاب وظنوا أنهم قد نجوا أماتهم الله عزوجل مرة واحدة، ثم ذكَّرهم ما أراهم من قدرته وأنه لا مفر منه ولا راد لأمره ولا معقب لحكمه، ثم أحياهم تبارك وتعالى من بعد ذلك. وقلت: هل يجوز للرجل أن يفر من البلد الذي يقع فيها الطاعون والأمراض، وقد روي في الطاعون رواية عن النبي صلى الله عليه أنه قال: لا تدخلوا عليه ولا تفروا منه، وأما الأمراض فينبغي للرجل إذا دخل بلدا وبيَّا ذا سدم أن يتجنبه ويخرج منه ولا يغرر بنفسه، فإن الله عزوجل قد جعل لعباده عقولا يميزون بها ما فيه لهم من الصلاح والسلامة، فلا ينبغي لعاقل أن يتلف نفسه بركوب المهالك. وسألت: عن قول الله سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون، قال محمد بن يحيى عليه السلام هذه دلالة من الله عزوجل للمؤمنين على ما فيه الصلاح لهم والنجاة في آخرتهم وإخبار لهم بما في الآخرة من الهول والشدة فأمرهم أن ينفقوا مما رزقهم الله في سبيل الخير، وما يثابون عليه ويكافؤن فيه من الإنفاق في سبيل الله والمعونة على أمر الله وذلك قوله سبحانه: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون. (1/335) ومن النفقة أيضا على المساكين وأبناء السبيل، وفك الرقبة المسلمة وصلة الرحم والرأفة بالأيتام والصلة لأهل الضعف من الأنام، فكل هذا مما تزكو فيه النفقة وتعظم فيه من الله العطية، وأمرهم سبحانه بالإنفاق في هذه الأبواب من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة وهو حضور القيامة حيث ينقطع البيع والشرى واللهو والعبث والخلة والشفاعة لأن أهل هذه الدنيا يتخالون فيها ويتخَّربُون ويتعاونون ويشفع بعضهم لبعض إذا نزلت بهم نازلة، والآخرة، فلا تخَّرب فيها ولا تعاون على ظلم ولا شفاعة لمبطل لأن ذلك يوم توضع فيه موازين القسط، ويحكم فيه الجبار، وتتضح فيه الأسرار، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وكل مشتغل بنفسه مأخوذ بذنبه ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحد ا، الأخلاء يوميئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين. وقد يكون أيضا من البيع ما ذكر الله عزوجل حين يقول: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعد الله عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن ومن أوفا بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم، فيبثاعون بأفعال البر ما جعل الله من العطا والنعيم، وذلك قوله: إن يقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم فإذا فرط في هذه المفرطون في الدنيا لم يجدوافي الآخرة سبيلا لأن الآخرة دار الجزاء وليس فيها لأحد عمل عليه يعطا. (1/336) وسألت: عن قول الله سبحانه: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الملك وهو النمرود، ومحادثته له فهي محادتته إياه وإنكاره ما جاء به من الحق ودعا إليه من الصدق، حتى كان محاورة إبراهيم صلى الله عليه للطاغية ما قد سمعت حيث، قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت فقال له الكافر: أنا أحيي وأميت فيروى أنه جاء برجلين فقتل أحدهما وأبقا الآخر، فقال: قد قتلت واحدا وأحييت واحدا، فقال له إبراهيم صلى الله عليه فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر عند ذلك. وانقطع كلامه ومعنى أتاه الله الملك هو إعطاه الله وإيتاؤه الملك إبراهيم ومعنى إيتائه فهو حكمه له به فلما أن بعثه الله عزوجل إلى الخلق داعيا و إلى الحق هاديا كان صلوات الله عليه متبوعا لا تابعا وأمرا لا مأمورا ملكه أمر الخلق ونهيهم إن أطاعوه أصابوا حظهم ورشدوا في أمرهم فكان الأمر والنهي لإبراهيم بحكم الله والملك له خالصا، فكان حاله في مخالفتهم له وبعدهم عنه كحال من أعطى شيئا وولي عليه فاغتصبه غيره فانتزعه من يديه، والمالك له المغضوب بتمليك مالكه له والغاصب ظالم لا ملك له،قال الله سبحانه في مثل ما قلنا: الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور. (1/337) فقال الذين إن مكناهم في الأرض فذكر تمكينه لهم في الأرض جميعا، وقد رأينا أنبياء الله وأولياءه لايملكون من الأرض إلا يسير ا، وإنما أراد عزوجل الذين حكمنا لهم بها ومكناهم من ولايتها وأمرناهم بالقيام فيها وإذا حكم تبارك وتعالى لعبد من عبيده بذلك فقد مكنه منها وأمره فيها وليس اغتصاب الظالم وظلمه لهذا المحق بمزيل ما جعل الله له من التمكين لا حجة على جمعهم لله سبحانه يأخذهم لمخالفته ويعاقبهم علي مناوأته وترك نصرته، والقيام معه، فلما أن عاقبهم في مخالفتهم له كان الممكن في أمرهم والمحكوم له بطاعتهم والمفوض إليه أمرهم صار المحكوم له بالارض الواجبة طاعته المفروض إتباعه. وأما ما ذكرت واحتججت به في قول الله سبحانه: وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فقلت: إذا آتاه الله ذلك فكيف تجوز مقاتلته وإنما يخرج تفسير وآتيناه في هذا وفي غيره على ثلثة وجوه. منها: الإملاء وترك إزالة ملكه فلما أن كان عزوجل يقدر على أن يذهبه ويزيله فتركه جاز أن يقول آتيناه على مجاز الكلام وهذا من لغة العرب صحيح تتعارفه بينها إذا ترك أحدهم عقوبة مفسد عليه، قال: أنا أمرتك بالفساد وطرقت لك إليه يريد بترك المكافأة وإنما خاطبهم الله بلغتهم. والوجه الثاني: فهو خلق الله عزوجل للتبر، فلما أن أوجده ملكه قارون فجاز أن يقول الله سبحانه آتيناه أي لو لا خلقنا له ما وجده فكان هذا ذما لقارون إذ استعان بنعم الله وإحسانه على معاصيه ولم يؤد فيه ما أمر بتأديته فالله عزوجل جعل هذه الأموال وخلقها لمصالح عباده ولأهل طاعته فاستعانوا بها على معصيته وما حال الكنوز إلا كحال الماء والطعام والزرع والنعم التي أنعم الله بها على خلقه، فاستوى فيها البر والفاجر لكمال النعمة، وإقامة الحجة أفيقول قائل أن بإطعام هذا الكافر واسقاية الماء يلحق الله عزوجل في ذلك ذم بل ذلك إقامة حجة وإبلاغ في المعذرة وإكمال في النعمة. (1/338) ألا تسمع كيف يقول سبحانه: أفرأيتم ما تحرثون أئنتم تزرعونه أم نحن الزارعون أفرأيتم الماء الذي تشربون أئنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون، فذكر تبارك وتعالى أن هذه الأشياء وأمثالها منه نعمة وحجة على الخلق وإيتاؤه إياهم فإنما هو منه عزوجل إيجاده وخلقه ولولا أنه سبحانه أوجده وخلقه ما وجده أحد ولا انتفع به. والوجه الثالث: فهو لما أن كان الملك لا يقوم إلا بالخيل والرجال، والعدة والسلاح والأموال والمماليك وكانت هذه الأشياء خلقها الله عزوجل وأوجدها خرج اللفظ على إيتاء هذه النعمة للذي هي معه بخلق الله لها، وذلك تبكيت له وتقريع بخطاياه وقلة شكره على ما أفضا إليه مما جعله الله عونا على طاعته فصرفه أعداؤه في معصيته كما قال سبحانه: زينالهم أعمالهم والله لم يزين لهم عملا، وإنما أراد أنه أملا لهم وأخر العقوبة عنهم. فأما أن يكون عزوجل أعطا أهل الظلم ملكا أو حكم لهم به فالله من ذلك برئ سبحانه وجل عن كل شأن شأنه، وكيف يقول بذلك قايل والله سبحانه يقول: لا ينال عهدي الظالمين، ويقول: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله وباليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتو الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ويقول أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون، فكل ذلك يأمر الله سبحانه بقتل المبطلين وقتالهم ويوجب الجنة في جهادهم ويعذب من تخلف عن حربهم فليس أحد يقول بغير ذلك إلا كان مخالفا، ولما جأبه الكتاب مجانبا، وقد توضح في ذلك ما فيه كفاية لك وكاشف لما التبس في قلبك والله، ولي عونك وتوفيقك. (1/339) وقد قيل: إن النمرود عليه لعنة الله لما فلجه إبراهيم صلوات الله عليه، وقطع حججه وبهره بالآيات العظيمة التي جاء بها فلم يبق له كلام ولا حجة كان آخر قوله: لعنة الله عليه عند القهر له وثبوت الحجة عليه وعلى من معه هل يستطيع ربك أن يقاتلني فقد طالت الحجة بيني وبينك وليس إلى ما تطلب من سبيل إلا بغلبة فهل إلى ما سألتك من قتال ربك سبيل أو يقدر علي أو له جند ينتصر بهم مني فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم صلى الله عليه: أن عده طلوع الشمس غد ا، فقال له إبراهيم عليه السلام: فإن ميعادك في ما سألت طلوع الشمس غد ا، فبات الملعون يجمع عساكره ويؤلف جمايعه حتى أصبح وقد حشد خلقا عظيما لا يحصى، ثم أرسل إلى إبراهيم حين أصبح فدعاه، فقال: يا إبراهيم أين ما وعدتني. فقال له عليه السلام: أتاك الأمر مع طلوع الشمس، فلما طلعت الشمس طلعت متغيرة لا يبين ضؤها، فقال: يا إبراهيم ما بال الشمس اليوم، فقال له: إنه قد ذهب بنورها كثرة الجند الذي وجههم الله إليك، وأنه عزوجل قد أرسل عليك أضعف جنده وهو الفراش، ثم غشي الملعون وأصحابه الفراش، فعلق يدخل أنافهم وأذانهم فكلما دخل في رأس واحد منهم شيء منه قتله، والملعون ينظر إلى ما نزل به وبأصحابه من الأمر العظيم الذي لا حيلة لهم فيه، حتى إذا فنيوا وهو ينظر دخلت في رأسه واحدة من الفراش، فاقبلت تأكل دماغه، وهو ينطح برأسه الجذر، حتى هلك على شر حال، فهذا ما ذكر من خبره وروي من أمره. وسألت: عن قول الله سبحانه: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل و أعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون. (1/340) قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا مثل ضربه الله عزوجل لعباده وبين به لخلقه، ألا تسمع كيف يقول وأصابه الكبر وله هذه الجنة المغنية الكافية على كبره ثم يصيبها من بعد ذلك إعصار فيه نار فتحترق من بعد كمالها وجودتها مع كبر سنه وضعفه وقلة استفادته من بعد ذهابها وله ذرية ضعفا، يقول: أطفال صغار لا ينفعونه ولا على شيء مما نزل به يعينونه فيكون بهلاكها هلاكه وهلاكهم فبين الله لهم بذلك وضرب لهم الأمثال به لما فيه من الهلكة من بعد الغنا، كذلك من ترك حظه من الله ومما أعد لأوليائه من بعد المقدرة علي الوصول، فقد أهلك نفسه من بعد أن قد استمكن طريق النعم، وأخذ الصراط المستقيم، وصار إلى الآخرة بأشر حال، لا مستعتب له ولا نعيم ولا خير ولا سرور فبعدا لمن ظلم وتعدا وترك الحق عناد ا، فهذا معنى المثل، وما أراد الله به عزوجل. وسألت: عن قول الله سبحانه: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل جدي القاسم صلوات الله عليه عن هذه الآية، فقال: المس هو اللمم، واللمم فهو الخبل وأما التخبط فما يعرف من خبط المتخبط والغشيان من خارج لا من داخل كما تعلم مقاتلة المقاتل وإنما مثل الله تبارك وتعالى أكلة الربا إذا قبلوا وينظر إليها رباهم وما زجرهم الله عنه من الربا ونهاهم وأمرهم بالبيع الذي فيه إربا، وإنما هو أخذ بالتراضي وأعطا فقالوا: إنما البيع مثل الربا، فشبهوا ما لم يجعل الله مشبها فشبهوا الحرام بالحلال والهدى فيه بالضلال فمثلهم الله في ذلك لمام عليه من الجهل، بما يعرفون عندهم انقض النقص من أهل الجنون والخبل. (1/341) وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فقلت: ما هذا الربا الذي يترك وما بقيته، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الربا فهو الذي نهى الله عنه وحرمه مما أنت به عارف من هذه المعاملات والزيادات في الإسلاف والديون والمشاراه فلما أن حرم الله عزوجل ذلك وحظره كانت بقايا للمسلمين من تلك الاسلاف والمبايعات قد بقيت من ديونهم وتخلفت على غرمائهم فكانون يظنون أنه ليس عليهم إثم في اقتضا ما بقي منها وأجروا أخرها كمجرى أولها فنهاهم الله عن ذلك وغفر لهم ما قد سلف من قبل التحريم وحظر عليهم ما بقي لهم فأمرهم بتركه ومنعهم من أخذه واقتضائه وهو بقية ديون الربا. ثم قال سبحانه: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، يقول: إن لم تتركوا بقية هذا الربا الحرام فأذنوا بحرب من الله ورسوله يريد القتل والقتال حتى يفيؤا إلى أمر الله ويرجعوا إلى حكمه وحكم عليهم بالقتل بعد إذ سماهم مؤمنين إن لم يقلعوا عن أخذ الربا والميل إلى الهوى وأوجب عليهم في ذلك أعظم بلا، فهذا معناها ومجراها. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا يضار كاتب ولا شهيد، والكاتب فهو الذي يكتب الحق عليه، وقد يمكن أن يكون المكاتب الذي يكتب والشهيد: فهو الذي يشهد على الشهادة ثم يضار فيها ويكتمها فلا يحل له ذلك ولا يسعه بل عليه أن يؤدي شهادته ويحفظ في ذلك أمانته والشاهد أيضا إذا دعي إلى الشهادة، فنأبَّا فنهاه الله عن ذلك إذا كانت شهادته حقا ولاح مستحق. وقلت: هل يحل إذا دعي رجل إلى الشهادة ليشهد عليها أن يمتنع وما نحب له إذا دعاه أخوه المسلم ليشهد له على شهادة حق أن يأبا لأن هذا من المعونة على التقوى وإن كان المستشهد له مبطلا غير محق فما أحب أن يشهد له على شيء، ولا يدخل معه في سبب من الأسباب ولا يعينه في باب من الأبواب لأن البعد من الفاسق فريضة والمجانبة له قربة. (1/342) وقلت: هل يأثم الرجل إذا نسي بعض شهادته، فلم يذكرها والتبس عليه الأمر فلم يدر كيف هو، فالقول في ذلك عندي أنه إذا نسي الشهادة ولم يدر ما كان شهد عليه أن الوقوف عما التبس أفضل وأصلح إلا أن يكون معه شهود عدول قد شهدوا على الشهادة التي شهد عليها، فيذكرونه ويوقفونه على الأمر حتى يفهمه فإذا كان ذلك جاز له أن يشهد. وقوله: فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل، وهذا في الرجل إذا كان مريضا وجب على وليه أن يسأله عما عليه ويكتبه، وقد يدخل في قوله: لا يستطيع أن يمل هو أن يكون ضعيف الفهم يغلب عليه العي والعجز، فيكون وليه يقوم لفظه ويثبت ما ألقا إليه من كلامه. وقد قيل: إن معنى فليملل وليه: أي ولي الحق والمطالب به، يملي حقه ويذكر ماله على غريمه، وذلك وجه حسن جايز، وقد ذكر أن الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وكان الكاتب فيهم قليلا فنهاهم الله أن يتضاروا كل هذه معاني مؤتلفة يشهد بعضها لبعض حسنة ليس فيها عن الحق مخرج، ولا عن الصواب معدل. ومن سورة آل عمران: (1/343) وسألت: عن قول الله عزوجل: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه الآية جدي القاسم صلوات الله عليه، فقال: المحكمات من كتاب الله هن كما قال الله أمهات، وهن البينات منه والواضحات التي لا اشتباه فيهن ولا فيما حكم به من حكمهن والمتشابه: فهو ما احتمل المعاني المختلفات ولم يدرك علمه إلا بالذكر والدلالات، وأقل ما يجب فيما أسسه من ذلك الله سبحانه على من سمعه التسليم والعلم بأنه تنزيل من الله الحكيم لا تناقض فيه ولا اختلاف ولا تقصير ولا إسراف، وفيه قول آخر، قوله: آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فقال: المحكمات، كما قال سبحانه: هن أم الكتاب، والمحكمات فما صحت حجته في الألباب والأم من كل شيء فهو البين من علمه غير الخفي، والأم فأمهات العلوم كلها وأنور ما يكون من العلم عند أهله. وكذلك الكتاب: فمحكماته هن غير الشك أمهاته التي لا يشتبه على عالمهن فيهن علم ولا يدخل في الاحاطة بهن شك ولا وهم، ولا يحتاج في البيان عنهن إلى إكثار ولا تطويل بل تنزيل الله كاف فيهن من التأويل كقوله سبحانه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، و لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وقوله سبحانه: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وقوله سبحانه: إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون.. فهذا وأشباهه من كتاب الله فهو المحكم الذي ليس فيه بمن الله شبهة ولا وهم. (1/344) وأما متشابه الآيات من الكتاب: فلا يكون أبدا إلا متشابها كما جعله رب الأرباب، فليس يحيط غيره بعلمه ولا يكلف أحدا العلم به وإنما كلف العلم بأنه من عند ربه، كما قال سبحانه: والراسخون في العلم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب، فجعل الإيمان به والعلم بأنه من عند الله فريضة عليهم في متشابه الكتاب، ولو كان من عند غير الله بالاستخراج معلوماً لما كان متشابها في نفسه ولا مكتوما ولزال عند علم الإخفاء والتشابه بما يوجد له من المخارج في العلم والتوجه، ولما قال الله سبحانه متشابها عند من كان به جاهلاً في تشابه كتاب الله وإخفائه وما أراد بذلك سبحانه من امتحان كل يحجوج وابتلائه أعلم العلم وأحكم الحكم عند أهل العلم والحكمة، وأدل الدلايل عند الله في الأشياء كلها من القدرة والعظمة. وسألت: عن قول الله سبحانه: قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد، فقلت: هل تقرأ بالتاء، أو بالياء، وهي تقرأ بالتاء. وسألت: عن قول الله سبحانه: قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، فقلت: ما الفئتان? قال محمد بن يحيى عليه السلام: هما الفئتان اللتان التقتا يوم بدر كان المشركون فيما يقارب الألف إلا أمرا يسير ا، وكان المسلمون في ثلاثمائة وثلاثة عشر فنصرهم الله على المشركين وأظهرهم عليهم ومنحهم إكتافهم، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه في هذه الجماعة اليسيرة يطمع بالعير التي فيها أبو سفيان وبلغ ذلك قريشا فخرجوا في لقاء العير فالتقتوا حيث ذكر الله عزوجل حين يقول: إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى، فكان نصر الله لنبيه وللمؤمنين على جمايع الكفرين يومئذ من أكبر الدلالات والأيات في النصر والعون لمحمد صلى الله عليه وكان ذلك مما يشهد له بالنبوة، واللطف من الله والكفاية لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم. (1/345) وسألت: عن قول الله سبحانه: والقناطير المقنطرة، وعن قوله: من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل، فقلت: ما معنى ذلك، وما أراد بالقنطار? قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد أجاب في هذه المسألة جدي القاسم صلوات الله عليه، فقال: تأويل ذلك أن من أهل الكتاب من يستحل كل مال المسلم، يهودي أو نصراني ويقول: إن الأرض وما فيها من الله طعمة وتفسير القنطار، فقد يقولون: إنه الجبل الكبير لا يصله جبل والقنطار أيضا ما يتعارف الناس بينهم من الوزن. وسألت: عن قول الله سبحانه: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل جدي القاسم صلوات الله عليه عن هذه المسألة، فقال: شهد الله أنه لا إله إلا هو وسؤال الملحدين فيها هل شهد الأسم أم المسمى، فقال: الشاهد هو الله المسما، والاسم فاسم الله وما لله فليس هو بالله وله الاسماء الحسنى والأسماء فعدد كثير غير واحد، والله المسما فواحد صمد لم يلد ولم يولد. وسألت: عن قول الله سحبانه: وتقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، فقلت: هل تقرأ يقاتلون، وقد قرأ بها حمزة وغيره والذي نراه ونقرأ به فهو ويقتلون. وسألت: عن قول الله سبحانه: ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة، فقلت: ما معنى هذا وهل يجوز للرجل إذا أكره أن يقتل إنسانا أو يشرب خمرا أو يأكل ميتة أو يركب فاحشة أو أن يفعل ذلك إذا خاف على نفسه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا أحاطك الله نهي من الله عزوجل للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين والموالاة فهي المحابة والموادة والطاعة والمؤازرة فنهاهم الله عن ذلك وحظره عليهم. (1/346) ألا تسمع كيف يقول سبحانه: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، فإذا كان عزوجل قد حظر على المؤمنين ومنع الصالحين من موادة الأقربين إذا كانوا لله من العاصين فكيف لا يحظر ذلك على المؤمنين في من كان سواء هؤلاء الأقارب من العالمين فنهاه الله عن موادة الكافرين ومخالة الظالمين أهل الفسق من المتمردين الضالين المبعدين حطب جهنم هم لها واردون، ثم قال عزوجل: إلا أن تتقوا منهم تقاة يقول: إلا أن تخشوا من بلائهم وتوقنوا بإهلاكهم فتاقوهم بالألسن، وتداحوهم بالقول لا بيقين ولا اعتقاد ولا صحة ضمير ولا اعتداد فيكون اللسان مداحيا، ولضررهم دافعا، وتكون القلوب لهم مبغضة وعنهم متباعدة ولفعلهم قالية المتاقاة بالألسن لا بالفعال. فأما إ أمر ظالم محقا بقتل رجل مسلم فحرام عليه أن يفعل أو إمرأة بزنا فذلك أيضا لا يجوز له فعله ولا يسعه عند خالقه ولا يحل له إتيانه فكلما كان مما يضطر إليه أهل الظلم والعصيان من قتل أو أكل ميتة أو شرب خمرا أو ارتكاب لمعصية بفرج أو يد فلا يجوز لمسلم أن يجيبه إلى ذلك وكل ما كان باللسان مما في القلب غيره، فجايز عند البلاء، ومكنه الأعداء ليدفع بذلك ما يحاذر من الردا. وسألت: عن قول الله سبحانه: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، فقلت: ما معنى الإصطفا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الإصطفاء يرحمك الله فهو الإختيار والتفضيل على غيرهم، بما اختصهم به من الرسالة والإبلاغ والقيام بالحجة والإجتهاد مع فضلهم وطاعتهم لله وإيثارهم لأمره وبعدهم عن معصيته صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته. ثم الجزء الثاني: (1/347) وسألت: عن قول الله سبحانه في ما يخبر عن إمرأة عمران في قولها: رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، قال محمد بن يحيى عليه السلام معنا قولها: إني نذرت لك ما بطني محررا إني أسلمت وخلصت ذلك لك وفي عبادتك لا أشغله بشيء من خدمتي ولا أدخله في شيء من أعمالي، وذلك أن هذه الكلمة كان يقولها الصالحون وينذرونها أن يسلموا أولادهم ويفردوهم لطاعة ربهم ولا يشغلوهم بشيء من خدمتهم إذ الوالد لا يستغنى عن خدمة ولده وقيامه فأرادت بذلك إني أسلمته وأفردته لعبادتك ولا أشغله بشيء من أمري، فهذا معنا قولها: إني نذرت لك ما بطني محررا. وسألت: عن قول الله سبحانه في يحيى صلوات الله عليه، فقلت: ما معنا الحصور حين يقول: وسيدا وحصور ا، قال محمد بن يحيى عليه السلام الحصور، فهو الذي حصر نفسه عن النساء فكان صلى الله عليه هو الذي قد حصر نفسه عن ذلك، وقد يروى عن النبي صلى الله عليه أنه قال: لا حصر بعد يحي ولا سياحة بعد عيسى، ومن رغب عن سنتي فليس مني عليكم بالمساجد«. وسألت: عن قول زكريا: رب اجعل لي آية يقول عند الحمل بيحي والخلق له فجعل الله عزوجل آية ذلك سكوته وانقطاع الكلام منه ثلاثة أيام إلا رمزا والرمز: فهو الإشارة والإيما، إلى ما أراد فلما قر يحيى صلوات الله عليه في بطن أمه امتنع الكلام من زكريا فكانت هذه آية ودلالة عند خلقه وتكوينه ليحيى صلوات الله عليهما. (1/348) وسألت: عن قول الله سبحانه: ويكلم الناس في المهد وكهلا، فقلت: هل كان متكلما صغيرا وقد كان صلوات الله عليه يتكلم في مهده فكان من كلامه في مهده آيتان عجيبتان أحداهما إثبات لنبوته ومعجزة ظهرت له إذ الاطفال لا يتكلمون في المهد فعلم الخلق جميعا أن الكلام لم يكن من عيسى عليه السلام إلا بإنطاق الله له، وأن تلك حال لا ينالها أحد إلا بعون الله له فيها وإقداره عليها، والثانية: فيرائه لأمه الطاهرة المطهرة من قول اللبس وما تكلم به فيها أهل البغي والرجس. وسألت: عن الخبر الذي بلغكم عن يحيى صلوات الله عليه، أن اليهود لما أن طلبوه دخل في الشجرة فلحقوه فنشروه بالمنشار، وقد كثرت في ذلك الأخبار، واختلف فيه المحدثون، فأما الذي نوقن به ونصححه فإنه صلى الله عليه، لما أن وصل إلى الاكانع يدعوهم إلى الله سبحانه كان فيهم ملك جبار عنيد، فلما أن كان ذات يوم وهو يدعو الخلق إلى الله ويحضهم على طاعته ويقيم عليهم حجج ربه إذ جازت عليه مرة على فرس ذات جمال وهيئة قاصدة إلى الملك فقيل ليحيى عليه السلام: إن هذه إمرأة يفسق بها هذا الظالم، وهي تختلف إليه للفجور فوثب إليها صلوات الله عليه فرماها بالحصا، قال: يا عدوة الله تجاهرين بمعصية الله فوعظها مع كلام طرحه عليه السلام لها، فلما أن دخلت على ملكهم دخلت غضبانة. فسألها عن خبرها فأخبرته بفعله وامتنعت عن الوقوف عنده والانبساط إليه حتى يقتل لها يحيى صلوات الله عليه فأرسل الطاغية فنشره بالمنشار طلبا لرضائها وتغييرا لما كان من فعله بها ولإنكاره الفاحشة عليها فلم يمنع الطاغية أجد من أهل ذلك الدهر منه. (1/349) ولم ينكر فعله عليه فأقام دمه عليه السلام يغلى على الأرض دهراً فلما أن ثار بختنصر وظهر على البلد، قال: ما بال هذا الدم الذي يغلي، فقيل له: إنه على ما تعاين منذ دهراً وحين فاعلموه بالسبب، فقال: إن لهذا الدم لأمرا وشأنا فلأقتلن جميع أهل البلد به، فأقبل يقتلهم على الدم، والدم يطفح على دمائهم ويغلي حتى قتل مائة ألف إلا واحدا والدم على حاله يعلوا على الدماء ويغلي على حاله، فقال: اطلبوا فقيل له لم يبق أحد من القوم فأمر بالطلب فلم يزالوا يطلبون حتى وجدوا رجلا مندجحرا في غار فضربوا عنقه على الدم، فلما أن قتل سكن الدم، عند كمال مائة ألف، فهذا ما صح بن خبره صلى الله عليه. وقلت: لم لم ينجه الله كما نجا عيسى، واعلم حاطك الله أن الله عزوجل كان قادرا على أن ينجيه وغيره ممن قتل من الأنبياء والصالحين، ولكن جعل ذلك سبحانه لنبيه محنة ليكافئه بها ويجزيه عليها ويعطيه فيها الثواب العظيم والمحل الكريم، وكان ذلك على فاعله به وزرا وعذابا وهلكة ودمارا فعوض الله نبيه جنانه وأعظم له الأجر في ما ناله وانتقم له ممن قتله بالإهلاك لهم في الدنيا والآخرة، فهذا غاية ما يكون من النصفة والنعمة والعطية. وأما عيسى عليه السلام فإن الله عزوجل قد جعل له مدة وحكم له ببلوغها فمنع الخلق من اخترامه دونها والله سبحانه يمتحن ويتيب ويعطي كلا على قدر ما امتحنه به، وذلك فأبين العدل، وقلت: هل كان يحيى بعد موسى عليهما السلام أم قبله ولم يكن إلا من بعد موسى صلوات الله عليهما، وذلك موجود في كتاب الله عزوجل إذ يقول: وكفلها زكريا، ويقول: هنالك دعا زكريا ربه فقال: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، فوهب له يحيى ومريم عند زكريا، كافل لها وعيسى فإنما كان من بعد موسى بأربعمائة سنة صلى الله عليهما. (1/350) وسألت: عن القراءة في قصة مريم عليها السلام في قول الله سبحانه في قوله: فانتبذت، فقلت: هل تقرأ بالذال، وهي تقرأ بالذال فانتبذت وقوله: إن الله يبشرك، فقلت: هل تقرأ بالتشديد أم بالتخفيف وهي تقرأ بالتشديد، وقد نفذ إليكم مصحف على القراءة الصحيحة فما شككتم من هذه وشبهه اعتمدتم على ما تجدون في المصحف بحول الله وقوته، وقد رأيت أكرم الله عن النار وجهك في كتاب مسائلك الأولى مسائلا لك تسأل فيها عن اختلافنا فأعلمتك بالوجه كيف هو وأن ليس ثم اختلاف بل الأمر على غاية الائتلاف لأن الأصول واحدة متفقة حلالها واحد وحرامها واحد، وقد يقع الاختلاف في الشرح والتبيين وكل يأتلف إلى أصل ويجتمع إلى كلمة حق والشرح، فيزيد وينقص ويكثر ويقل. وقد فسرت لك ذلك تفسيرا جيداً شافياً فيمسائلك الأولى ظننت أنكقد اجتزيت به فرددت في كتابك مسائلك هذا من ذلك أطرافا فدل ذلك على أنك لم تستجز بما شرحت لك وبينت والعربية أكرمك الله متسعة ومثل الإختلاف في الشرح، والتبيين وكل بأتلف إلى أصل ومجتمع إلى كلمة حق والشرح فيريد وينقص ويكثر ويقل. وقد فسرت لك ذلك تفسيرا جيدا شافيا في مسائلك الأولى ظننت أنك قد اجتزيت به فرددت في كتاب مسائلك هذا من ذلك أطرافا فدل ذلك على أنك لم تستجز بما شرحت لك وبينت والعربية أكرمك الله متسعة ومثل الاختلاف في الشرح والاصل واحد كمثل الجمل، فقايل: يقول اشتر جملا وآخر يقول: بازلا، وآخر يقول: بعيرا والمرجع كله إلى جمل لا يختلفون فيه، وإن اختلفت الاسماء والصفات، وكذلك أصلنا واحد في الحلال والحرام، واللفظ والكلام يختلف والمرجع إلى أصل وثيق فلما رأيتك تكثر في هذا ولا تجتزي حسبت أن يقع في قلبك ما يحيرك وتأثم فيه عند ربك لأن الظن بأهل الحق لا يجوز فرأيت أن أكتب لك كل ماوجدنا في مسائلك مما قد أجاب عليه القاسم رحمة الله عليه بلفظه مستوفا. (1/351) وكذلك ما أجاب عليه الهادي إلى الحق صلوات الله عليه أجبتك عليه بلفظه مستوفا ليكون أسلم لقلبك من الحيرة والشك إلا أن تنسا مسألة أو تسهو فيها فيكون ذلك نسيانا لا تتعمده وإنا لنعلم أن في المسائل التي نسخنا لك عنهما مما لم يجيبا به واجتزينا باليسير المقيم للحجة عن الكثير المفرع دقايقاً وزيادة في الشرح لم يقع في الكتب حفظناها من لفظ الهادي إلى الحق صلوات الله عليه وأداها إلينا عن القاسم عليه السلام من لحقنا من ولده فدعانا إلى ترك شرحها لك معرفتنا بأن ذلك الشرح ليس عندكم ولم يصل في الكتب إليكم فخشينا عند ذلك إن شرحناه لكم أن تنسبونا إلى الاختلاف تارة أخرى. وقد أعلمتك في مسائلك الأولى أنه لا يحل ولا يجوز لمن أراد الفايدة والعلم أن يسيء الظن ولا ينسب إلى المخالفة، فلكل مسألة جواب وشرح وأوقات يظهر ذلك فيها وأوقات يغمض إلا ما لابد منه ودهر يعمل فيه بالقليل لشره أهله والخوف لظلمهم والتعدي منهم لقلة معرفتهم، وعلى قدر الإمكان والقدرة يجب إقامة الحجة وفي دون ما ذكرنا لك كفاية غير أنه قد يحدث في الكتب من الكتَّاب فساد بالزيادة والنقصان والتصحيف فكل ما وجدتم في كتبنا مما هو يتفاوت في أصول الحق فنعوذ بالله أن يكون منا وإنما ذلك مزيد، ومكذوب علينا. ولقد وجدت في كتب الأحكام التي وضع الهادي إلى الحق صلوات الله عليه بابا مزيدا عليه منسوبا إليه ما وضعه قط ووجد هو أيضا رحمة الله عليه كثير، فما وجدتم من ذلك فليس منالانا جميعا متبعون لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وليس في ذلك تناقض ولا تفاوت ولا نقصان بل ذلك مؤتلف بأحق الحقائق وأبين البيان فعلى ما قد فرعت لك فليكن عملك. (1/352) وأعلم أن الله عزوجل يقول في كتابه والذين اهتدوا زادهم هدا وآتاهم تقواهم وأن الله يوفق أهل هذا المقام لأسباب غامضة وأمور على غيرهم مزيحة ويشرح صدورهم ويعطيهم من التأييد والعون والتسديد مالم يعطه أحدا غيرهم، وذلك على نحو ما كلفهم وجعل من حاجة الناس إليهم أو لست ترا أنك إذا كان لك عبدان فوجهت أحدهما في حوائج، وحملته رسائلا وأقمته مخاطبا احتاج منك إليهم والتعليم إلى ما لا يحتاج إليه الآخر الذي لم توجهه، ولا يجوز إلا ذلك وإلا كنت قد ضيعت إذا أرسلت عبدك في أسباب لم توقفه عليها، ولم تبين له بالشرح أمرها كذلك الله سبحانه عزوجل إذا أقام عبدا من عبيده وأمره في خلقه خصه بالتوفيق ومنحه منه الفايدة والتسديد مع شرحه صدره وتقويم أمره بأشياء لم يعطها غيره لحال قيامه وعلمه عزوجل بحاجة الناس إليه. والله سبحانه الموفق لمن قصده والمعتز لمن أطاعه إن الله لا يضيع أجر المحسنين، قال الله سبحانه: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. والتسليم: للحق وقبول الصدق من أعظم الديانة، نسأل الله لنا ولكم الثبات على طاعته والتوفيق لمرضاته وأن يشرح صدرك ويثبت على الحق أمرك وله وبه يهدي قلبك وأنت والحمد لله ولي واحد في الله نرجوا أن يهدي الله بعنايتك جماعة من الخلق حتى ما يأتلفوا بعون الله على الحق فليكن ذلك أكثر همك فهو أفضل الأشياء، وأقربها عند الله لك فقد يروى عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال لأمير المؤمنين: ؛يا علي لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم«. وسألت: عن قول الله سبحانه: إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك، وقال في موضع آخر، فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا، فقلت: ذكر في موضع ملائكة وفي موضع ملكا واحد ا. (1/353) قال محمد بن يحيى عليه السلام: إعلم هداك الله أن قول الملائكة إن الله يبشرك هو والله أعلم من بعد حملها من بعد حملها به بشرتها الملائكة بفضله وبنبوته وما جعل الله فيه، وخصه به. والروح الذي لقيها، وأعلمها بتكوين الله له وما قضا من حملها به فهو جبريل صلوات الله عليه، فكان معلما مبتدئا أو لا بما حكم الله به من خلق عيسى في بطنها، وما قدر الله من ذلك فيها ولها وكانت الملائكة أخرا مهنون لها معلمون بما جعل الله في ولدها من البركات والآيات المعجزات والاكمه، الذي سألت عنه فهو الاعمى الذي لا يبصر شيئا فكان صلى الله عليه يبرئه من عماه بقدرة الله وأمره وإتيان الملائكة إلى مريم، فإنما هم رسل من قبل الله سبحانه أمروا بذلك غير متكلفين ولا بقول مبتدين ولا عما أمر الله سبحانه زايغين بل له مطيعين ولأمره منفذين. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولأ حل لكم بعض الذي حرم عليكم، فقلت: ما الذي كان حرم قبله فأحله هو وهل يجوز للأنبياء عليهم السلام، أن يخالف بعضهم بعضا فيحل هذا ما حرم هذا ويحرم هذا ما أحل هذا. قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى ولأ حل لكم بعض الذي حرم عليكم فذلك بفضل من الله عليهم وتخفيف من المحنة، والتكليف لهم لأن الله عزوجل تعبد أهل الكتاب بأسباب وامتحنهم بها خففها عن أمة عيسى عليه السلام، وتعبد أمة عيسى بأشياء وامتحنهم بها خففها عن أمة محمد صلى الله عليه رحمة منه بهم وتسهيلا في الفرض عليهم، وإقامة حجة واختيارا وإعذارا وإنذارا لتجري الذين أساؤا بما عملوا ويخزي الذين أحسنوا بالحسنى. (1/354) وأما ما ذكرت من اختلاف الأنبياء عليهم السلام فالانبياء غير مختلفة ولا متضادة بل هم مؤتلفون ولله سبحانه مطيعون ولحكمه مسلمون وإنما هم مأمورون مرسلون فما أمروا به أنفذوه وما نهوا عنه تركوه، وإنما ينسخ الله التعبد مع الأنبياء عليهم السلام لينظر طاعة الخلق فهم ينقلون من طاعة إلى طاعة فكلما نقلوا فيه من أمر الله وفرضه فهو رضى له. ألا ترى أنه لو كان لك عبيد فأمرتهم ببناء دار ففعلوا ذلك كانوا مطيعين لك ثم حولتهم من بناء الدار إلى حرث زرع ففعلوا ذلك كانوا أيضا مطيعين ولم تكن أنت في صرفك إياهم من عمل إلى عمل بمستجهل ولا مخطي لصواب. وكذلك الله عزوجل وله: وله المثل الأعلى إنما ينقلهم من طاعة إلى طاعة ليثيب المطيع على عمله ويجزي العاصي بفعله، ولو لا ما كان من تعبد الله سبحانه لخلقه بالأمر والنهي لما عرف مطيع من عاص إذ الطاعة والمعصية لا يكونان إلا بأمر الله سبحانه يتعبد أو معصية له فيما نهى عنه ترتكب وإنما صار الحرام حراما بتحريم الله له وصار الحلال حلالا بتحليل له. ألا ترى أن عبيدك الذين أمرتهم بالتحول من البناء إلى الحرث لو امتنعوا من التحول عن ذلك، وقالوا: لن نتحول من البناء إلى الحرث لكانوا بقولهم ذلك عاصين، ومن الخلق للأدب مستوجبين إذ المملوك لا يصدف عن أمر سيده ولا يخالفه في شيء من حكمه إلا وقع عليه اسم المعصية واستوجب العقوبة، فكذلك ذو العزة والسلطان والجبروت والبرهان، وله المثل الأعلى، فإنما يتعبد الخلق بشريعة بعد شريعة وزيادة في الفرض ونقص من التكليف رحمة واختبارا ونعمة وإعذار فمن عارض حكمه فقد أنكر أمره ومن خالف أمره فقد استوجب عذابه. (1/355) فإن قال: قائل: لم نقضت هذه الشريعة الأولى، قيل له: الحكم لله سبحانه والأمر يحكم في عباده ولا معصب لحكمه، وإنما ينقل عبيده في طاعته ويأمرهم في ما شاء من إرادته، وحال من نقلهم من الشريعة إليه آخرا كحال ما أمرهم به من الشريعة أولا سواء سواء فإن جاز أن يقول قايل لم نقل الحق من الشريعة الأولى كان حاله كحال من قال لم تعبدنا أولا فإذا قال ذلك قايل فقد أبطل أمر الله ونهيه وما افترضه على خلقه من العمل بطاعته إذ الطاعة لا تبين إلا عند الأمر والنهي وكان مذهب من قال بذلك كمذهب من لم يرا التعبد، وإذا قائل بذلك قال فقد خرج من الإسلام، وصار بذلك من أهل الوزر والآثام فالتارك لما أمر به متقحم في معصية ربه خارج مما حكم به عليه خالقه. وقلت: هل يجوز للأئمة الاختلاف في الديانة والمقالة كما جاز للأنبياء الاختلاف في الشريعة واعلم أعزك الله أن الأئمة متبعة لا مبتدعة محتذية لا مخترعة في نفوسها ولا متقحمة بذلك على خالقها والانبياء، فإنما اختلفوا في الشريعة لأمر الله سبحانه لهم بذلك وهم مؤتلفون جميعا على العدل والتوحيد والوعد والوعيد والطاعة للواحد الحميد لا يختلفون في ذلك ولا يتضادون فيه بل كلهم عليه مجتمعون، وإليه داعون، وبه مأمورون وعليه محاربون أهل دين لا ينسخ وشريعة ثابتة لا تفسخ، وإنما الذي ينسخ بعض الشريعة بزيادة ونقصان، وذلك فضل من الله ذي المن والاحسان والأئمة فإنما هم يحتذون بالكتاب والسنة ليسوا بأهل باطل، ولا بدعه وكيف يجوز لمن كان أصل دينهم وتعبدهم واحد آ لا يقبل لهم عمل إلا به، ولا يزكوا لهم فعل إلا عليه، أن يختلفوا فيه، ولو اختلفوا في الحلال والحرام. (1/356) والمنصوص في الكتاب لكانوا من المبتدعين وعن كتب الله من الصادين ولسنة نبيه يقينا من التاركين ولما وجبت لهم طاعة ولا حكم لهم بولاية ساعة لأن الذي حكم لهم فيه بالإمامة من الكتاب والسنة قد خالفهم، وإذا خالفهم وخالفوه فلسيوا ممن حكم الله لهم فيه بالإمامة ولا أوجب لهم طاعة، فالأئمة في الحلال والحرام مؤتلفون وعليه مجتمعون لا يحرم هذا حرامه فيحله الآخر، ولا يحل هذا حلاله فيحرمه الآخر، وإنما يقع ذلك في مثل مسألة ومسألتين من طريق غفلة أو سهوا وشغل قلب فيستخلفونه بالنظر فيه، ويعودون إلى الحق والصواب والأخذ بما نزل به الكتاب وإنما تكون الزيادة والنقصان لمن نزل عليه الوحي من الله عزوجل فيكون ذلك أمرا من الله لهم، لا باختراع من أنفسهم. ألا ترى أن الله سبحانه إذا بعث نبيا فنسخ بعض شريعة نبي جعل له آيات ودلالات تشهد له بالنبوة والرسالة وتوجب له الطاعة كما أوجبت للأول على الأمة، ولولا هذه الآيات لو قعت ثم الشبهات، ولكن لما أن قامت الآيات للأول ثبتت له النبوة ووجبت له على الخلق الطاعة، ولما أن دعا الآخر إلى نفسه، وأعلمهم بنبوته لم يجب له من الطاعة ما وجب للأول إلا أن يأتي بمعجزة يعجز عنها الخلق تشهد له أنه من الله مرسل كما شهدت الآيات للأول بذلك سواء سواء فإذا ثبت الآيات وبانت الدلالات وجبت الطاعة والتسليم للحكم، ولما جاء به المرسل من الأمر. (1/357) والأئمة: فإنما هي تعمل وتقتدى بكتاب الله وسنة نبيه لا يزلون منهما ولا يعدلون ساعة عنهما فإذا قاموا بذلك فهم الأئمة المفروضة طاعتهم، وإذا خالفوا ذلك فليسوا ممن حكم له بطاعة ولا ثبت لهم من الله سبحانه ولاية، وإنما تختلف الأئمة في غير الحلال والحرام في الشرح والكلام ولكل إمام في عصره نوازل تنزل به وعليه فيحكم فيها بما يوفقه الله له فيستنبطها من كتاب الله وسنة نبيه، أو حجة العقل التي يستدل بها على غامض الكتاب ويستخرج بها الحق والصواب، ولو نزلت هذه المسألة بالأول يستخرجها الآخر، والأئمة مؤتمنة على الخلق قد أمرهم الله بحسن السيرة فيهم والنصح لهم فلعلها أن تجري في عصر الإمام بسبب من أسباب الرعية يحكم فيه بالصواب الذي يشهد له به الكتاب، ثم تنزل تلك النازلة في عصر آخر من الأئمة لا يمكنه من إنفاذ الحكم فيه ما أمكن الأول فيكون بذلك عند الله معذور ا، كما فعل النبي صلى الله عليه في غنايم حنين، فكان في ذلك صلاح للإسلام والمسلمين، ففعل صلى الله عليه ما كان أفضل وأصلح عند رب العالمين، إذ كان الإسلام ضعيفا، والعرب في أول إسلامها على يقين من نياتها. ثم كان من بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه ثبوت الدعوة ورسوخ الملة وكثرة المؤمنين فلم يكن عليه السلام يفعل من ذلك شيئا بل ألحق كلا سهمه وأمضى فيه ما حكم الله له به حتى غضب في ذلك طلحة والزبير، وقال: أتجعلنا ومولانا سوا فقال عليه السلام: ما وجدت لكما في حكم الله فضلا عليه فقالا له فأين سابقتنا وإبلائنا مع رسول الله صلى الله عليه فقال رحمة الله عليه: أنتما أسبق أم أنا، قال: لا، بل أنت فقال، والله ما أخذت إلا كما أخذتما فلم يستحل لهما زيادة وإنما الإمام مؤتمن على من تحت يده حاله كحال ولي اليتيم عليه أن ينظر لليتيم الذي معه، فما رأى أن له فيه صلاحا فعله في ماله. (1/358) ألا ترى: أن يتيما لوكان في يد رجل ولليتيم قطعة عنب تغل عليه وترفقه لم يجز لوليه أن يغيرها أبد إلا أن يزيد في صلاحها فإن تغيرت القطعة وتعسرت على اليتيم، واخلفت سنينا ولم تأته بمنفعة ولم تعد عليه بعايدة فرأى الولي أن يقطع عبنها ويردها حرثا يزرعها له ويعود يزرعها عليه كان له أن يقطع عنبها ويردها للزرع وكان ذلك عليه واجبا وكان عند الله فيه مأجورا إذ هو مؤتمن يطلب لليتيم صلاحه ويدبر بجهده معايشه ولكل دهر نازلة، ولكل نازلة، جواب حق يشهد له الكتاب إذا استنطق مع توفيق الله للأئمة وتسديدهم لما تحتاج إليه الأمة، وذلك قوله سبحانه: والذين اهتدوا زادهم هدى وأتاهم تقواهم، فالواجب على الرعية إذا وثقت بعدالة إمامها، وصحت عندهم إمامته أن يعلموا أن علمهم يقصر عن علمه، ولا يقعون من الغامض على ما يقع عليه، فإذا علموا ذلك وجب عليهم التسليم كما قال ذو الجلال والإكرام، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. (1/359) وكم من سائل عن مسألة يُسأل عنها الإمام فيجيبه فيها بالحق والصواب فيكل ذهنُه عن معرفة ذلك والإحاطة به في وقته وعند مناظرته ويكون ذلك من السائل لنقص علم أو بطوِّ ذهن وبالادة أو تعنتا وأذية فلا يحل له الطعن على الأئمة بما الحجة عليه فيه قايمة بمكابرة لمناظرة أو جهل منه، وقلة معرفة، لأن العلم يشهد بعضه لبعض ويبين بعضه بعضا، وإذا لم يكن مع السائل مامع الإمام من العلم، ولن يكون معه أجابه الإمام بما قد وقف عليه واستنبطه من حكم الله دق على السامع إذ لا معرفة له بالموضع الذي استشهده الإمام عليه منه فمن هاهنا وجب التسليم والطاعة فسلم عند ذلك العبد من الخطل، والدخول في الوزر والآثام والزلل، فيكون مستفيدا طالبا لما عزب عن فهمه قاصدا إلى الله سبحانه في تفهمه ويصير عند الله بذلك من أهل الدين والإيمان والبر والإحسان، فهذا معنى ما عنه سألت. وقد اختصرنا لك في ذلك ولو استقصينا فيه الجواب لكثر الخطاب لأن هذه المسألة كمثل البحر لا يلحق قعره، ومن لم ينفعه المختصر المصيب من الحجج لم ينتفع بالكثير لدا اللجج، وبالله نستعين على صلاح النية ونرغب إليه في الإتمام لكل عطية، وهو حسبنا ونعم الوكيل عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم. وسألت: عن قول الله سبحانه: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه نزلت في نصارى نجران أيام وفدوا إلى النبي صلى الله عليه فلما أن تبين لهم الحق وأوضح لهم الصدق وكابروه وجاحدوه من بعد أن قام الحق عليهم وثبتت الحجة في رقابهم حتى كان من قولهم أن أخر واذكر المباهلة، وذلك أن المباهلة كانت في سالف الدهر. (1/360) وعند اختلاف أهل الباطل والحق، فكانوا إذا تباهل الحزبان أنزل الله العذاب على الكاذب منهما، فأنزل الله سبحانه على محمد صلى الله عليه أن قال لهم: تعالوا: ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، فلما أن وعدهم النبي صلى الله عليه المباهلة وغدَّوا إليه لذلك فيقال إن الشيطان تشبه لهم أوناداهم بصوت أسمعهم، فقال: إن باهلكم محمد بأصحابه كافة فباهلوه وإن باهلكم بنفسه وابن عمه وولده فلا تباهلوه فتهلكوا فلما أن خرج صلى الله عليه لمباهلتهم خرج معه علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام، فلما رأوهم معه خصوصا منفردين من غيرهم جنبوا عن مباهلته ورجعوا خائبين وبالذلة والصغار معترفين فضرب رسول الله صلى الله عليه عليهم الجزية، وهي ما بلغكم من الأواق والحلل. وسألت: عن قول الله سبحانه: ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين، قلت: ما معنى ذلك، وقد سئل جدي القاسم صلوات الله عليه عن هذه المسألة فقال: أما مكر الله واستهزاؤه، فهو استدراج الله وإملائه ومكر من كفر بالله ربه، فإنما هو احتيال من الذين كذبوا وحيه واستهزاء من كفر بالحق والمحقين فيشبه كذبا في القول والفعال بالمحقين فكل ما قيل أبدا للمبطلين خادعوا ومكروا فإنما يراد به فيهم كذبوا وكفوا وأظهروا خلاف ما أبطنوا وأسروا ومتى ما قيل استهزؤا وسخروا فإنما يراد به يَلْعَنوا وبَطِروا. وفي ذلك ما يقول سبحانه لنبيه عليه السلام: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم، وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم. (1/361) ويقول سبحانه: وإن يريدوا أن يخدعوك فيمكروا بالكذب فيما أعطوك معطوك المسالمة كذبا ويكذبونك بالمخادعة تلعبا فحسبك في ذلك تأييد الله ونصره وبما ألف بين قلوب المؤمنين على دينه وأمره، وإذا كان استهزاؤهم ومكرهم إنما هو إخفاؤهم ما يخفون وسترهم من أمرهم ما يسترون فأمور الله استروأ بطن وأخفاء عنهم، وأكن وذلك فقد يكون مكرا من الله بهم استهزاء واختداعا من الله لهم صاغرين فلذلك كان الله سبحانه خادعا لمن خدعه لا مخادعا ولا مخدوعا وكان قلب من خادعه سبحانه عن العلم بمكر الله مقفلا مطبوعا ليس لله فيه جذار ولا لهم عن مكره ازدجار حتى يدهاه من أخذ الله دواهيه وهو لا يوقن بأن شيئا منها يأتيه كما قال الله سبحانه فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون. وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه المسألة جدي القاسم صلوات الله عليه، فقال: معي متوفيك إلي فهو متوفيك إلي صحيحا غير مكلوم ورافعك إلي من الأرض التي هي مأوا كل أثيم ظلوم غشوم فرفعه الله لا شريك له كما قال إلي سمائه غير مقتول ولا مجروح يُجرح عضو من أعضائه، كما قال الله سبحانه: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه، ثم قال: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ممن يدرك عيسى. وقوله: قبل موته يقول: قبل موت عيسى ووفاته وهو صلى الله عليه حي في السماء لم يمت بعد، وهذه خاصة له من الله لم يدركها قبله ولا بد بعد أحد ولا بديعه أحد ولا يريعه طول بقايه من أن يعيش إلى ما وعد الله به غير من فنائه كما قال سبحانه: كل من عليها فان ويبقا وجه ربك ذو الجلال والإكرام. (1/362) وسألت: عن قول الله سبحانه: وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا قول من أهل الكتاب أهل الكفر والارتياب يأمر بذلك بعضهم بعضا أن آمنوا وجه النهار واكفروا آخره استهزاءً بالدين وجرأة على المؤمنين أراد بذلك أن يراهم الناس والجهال وأهل الكفر والضلال يؤمنون به حينا ويقبلونه ويكفرون به وقتا ويجحدونه ويوهمون بذلك أنما هم عليه باطل، وأنهم بعد أن دخلوا في الإيمان خرجوا منه تمردا وعصيانا وتنهيدا لمن لا دين له، ولا حقيقة معه على الكفر، قال بعض المفسرين: إنهم كانوا يؤمنون ضحى ويكفرون عشيا. وسألت: عن القراءة في قول الله سبحانه بما كنتم تعلمون الكتاب، فقلت: هل تقرأ بتشديد اللام أم بتخفيفها والقراءة بتخفيف اللام يقول: بما كنتم تعلمون، وقوله: ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم برفع الميم كلاهما جميعا، وقوله: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيناكم من كتاب وحكمة، فقلت: كيف تقرأ لما وهي تقرأ بنصب اللام وتخفيف الميم لما أتيناكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم.. فقلت: من الرسول المذكور هاهنا ولمن الخطاب، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الرسول فهو محمد صلى الله عليه المخاطبون فهم أهل الكتاب، ومعنى مصدق لما معكم فهو مصدق لما كان في كتابكم من ذكر محمد عليه السلام ونبوته وإرسال الله له إلى الخلق كافة بوحيه، فكان معهم في كتبهم مذكورا موصوفا، فلما أن كان ذكره وصفته في كتبهم ثم بعثه الله عزوجل على الصفة والحال التي أعلمهم بها ووعدهم إياها كان ذلك تصديقا من الله لما وعدهم به ولما أخبرهم بعلمه. (1/363) وسألت: عن قول الله عزوجل: إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم أزدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا إخبار من الله عزوجل بحال من عصاه وصد عن أمره وعاداه أنه لا يقبل منه التوبة على ما هو عليه من المعصية والمناواه. ألا تسمع كيف يقول عزوجل: إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا، فأخبر سبحانه أنهم كفروا ثم ازدادوا ولم يتوبوا بإخلاص ولا نية ولم يرجعوا بإقلاع ولا حقيقة، ولم يخبر عزوجل لهم بتوبة وإخلاص وإنما أخبر بتماديهم في ضلالهم وتزايدهم في كفرهم وعنادهم، ولو كانت توبتهم بصحة ونية وعزيمة وبصيرة لقبل الله توبتهم وغفر خطيئتهم. ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى: إنما يتقبل الله من المتقين، وقد يمكن ويكون أيضا، وينتظم تفسير هذه الآية، ويدخل فيها رجل مقر بأمر الله غير مشرك وهو كافر لنعمه مرتكب لمعاصيه وهو يتوب بقوله: ويخالف بفعله فهذا كافر نعمة لن يقبل منه إلا إخلاص التوبة والرفض لما هو عليه من الخطيئة وليس ذلك كما قالت المرجئة أن التوبة نافعة مع الإصرار على الخطيئة إذكان قولهم واعتقادهم أن الإسلام قول بلا عمل فضلوا في قولهم وخسروا في مذهبهم وهلكوا بذلك عند خالقهم. وقد قيل: في تفسير هذه الآية أنهم جماعة رجعوا إلى مكة عن الإسلام منهم الحارث بن سويد، فلما بعثوا إلى النبي صلى الله عليه ويطلبون منه الإقالة والمتوبة، لم يقبل ذلك منهم صلى الله عليه، فلما نزل من الله سبحانه قبول التوبة بلغهم ذلك، فرجع الحارث بن سويد إلى النبي صلى الله عليه فقبل منه، وقال الآخرون: نحن نتربص بمكة بمحمد ريب المنون، فإن يظهر يقبل منا كما قبل من صاحبنا وإلا كنا فيما نحن فيه من التمتع بماله رجعنا، وله قصدنا. (1/364) وسألت: عن قول الله سبحانه: وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون، قال محمد بن يحيى عليه السلام معنى أسلم فهو استسلم لأمره وانقاد لما قضا به من حكمه، ومعنى طوعا وكرها فقد يخرج على ثلاثة وجوه: أحدها: أن يكونوا أطاعوا أمره مسرعين كطاعة الملائكة المقربين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وكطاعة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وقد يكون معنى كرها كمثل من كان لله عاصيا ولطاعته مجانبا فيرجع إلى طاعته بما حكم الله به عليه وأمر به أوليائه فيه من قتله وقتاله حتى يفي إلى حكم الله صاغرا وينقاد إلى ما أمر به راغما، وقد يمكن أن يكون معنى قوله أسلم طوعا وكرها يخرج على ما أراد الله سبحانه من خلق الأشياء وهو الوجه الثالث، إذ كان لا يمتنع على الله شيء مما فطر من السماء والأرض وما بينهما وما خلق وجعل فيهما فإذا أراد الله سبحانه إيجاد شيء أوجده وكونه وعلى أي صورة شاء جعله وركبه لا يمتنع عليه من مفطوراتها ممتنع فهو الموجد سبحانه للخلق من بعد العدم الفاطر لهم المكون الجاعل لأرواحهم المركبة في أجسادهم المقدر الخالق لأ لو انهم الجابر لهم علي ذلك سبحانه وتعالى، فعلى هذا المعنى يخرج ما سألت عنه. (1/365) ألا تسمع كيف يقول سبحانه في كتابه: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض اتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، والأرض فليس تكلم ولا السماء، وإنما أخبر الله عزوجل بكون ما أرد من إنفاذ أمره وأنه لا يمتنع عليه شيء خلقه لأن العرب تعرف في لغتها أن كل ما لابد من إيتائه طوعا أو كرها أنه شيء لا حيلة فيه ولا مرد له، وهو حتم نافذ فجاز أن يقول طوعا أو كرها إذ هو جايز في اللغة موجود في الكلام والمخاطبة والمعنيان الأولان جواب مسألتك إلا أنا نحب إذا وقع للمسألة وجوه يخرج عليها شرحها، جميعا ليكون ذلك مغنيا للسائل في جوابه، إلا أنا نحب الشرح والتبيين ليكون أشفا لصدور السامعين، وحسبنا الله ذو القوة المتين. وسألت: عن قول الله سبحانه: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد ذكر أن إسرائيل أصابته علة من عرق النساء، وقد قيل: إنها عروق خرجت به فحرم على نفسه، ألا يأكل عرقا ولا يأكل لحوم الإبل، فهذا الذي حرم إسرائيل فكانوا إذا ذبحوا الذبيحة أخرجوا عروقها جميعا، فهذا تفسير الآية ومعناها. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه آية محكمة لا تحتاج إلى تفسير في نفس الحج وهو من الله فرض على جميع الخلق. وأما السبيل فهو وجود الراحلة والزاد و الأمن فإذا كان ذلك وجب على كل مسلم الحج فإن تركه تارك استخفافا وإطراحا فقد ترك فريضة من فرائض الله ولزمه اسم الكفر، وإن كان تأخره لعلة مانعة أو فقر مجحف أو خوف متلف فهو عند الله معذور فمتى استراح من علله وجب عليه أن يخرج إلى طاعة ربه وينهض حاجا إلى بيته. (1/366) وقلت: إن كان رجل عازما على الحج ثم نزلت به نازلة منعته عما أمل من قصده فأوصى بثلث ماله يحج به عنه، هل يجوز أن يدفع إلى من يحج به عنه من المدينة والكوفة، إذا كان لا يكفيه للحج من بلده، ولم تشرح المعنى جيدا في هذه الوصية فإن كانت النازلة التي نزلت به عند قصده للحج نازلة موت فأوصى بثلث ماله يحجج به عنه، فلا بأس أن يدفع بالمدينة أو بالكوفة يحج منها عنه إذا كان لا يبلغ من يخرج من بلده، وإن كانت النازلة بالرجل من مرض فهو على نيته. وما أمل في أو أداء حجه، فإذا أزاح الله ما به من علته خرج بنفسه ولم يكل ذلك إلى غيره. وقلت: إنا جعلنا الحج من الثلث إذا أوصى به الميت، وكذلك فعلنا لأن كل وصية عند الوفاة فإنما تخرج من الثلث، ولم يجعل الله للموصي عند الموت أن يوصي بأكثر من ثلثه فأجزنا ما أجازه له خالقه، ومتعناه مما لم يجزه سبحانه له والحج فإنما هو فرض على الرجل في رقبته يؤديه لنفسه بحركاته وسفره وحطه ورحله، وأما إذا حضرت الوفاة فليس له في المال إلا الثلث. وقلت: هل يخرج من سائر المال للحج إذا لم يكفه الثلث وليس ذلك على الورثة ولا يلزمهم من حكم الله فإن تبرعوا بشيء وأجازوه، فذلك بر منهم وإحسان وليس بلازم لهم ولا واجب عليهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين، قال محمد بن يحيى عليه السلام الآيات فهي ما أنزل الله سبحانه من كتابه، وما جعل الله فيه من آياته ودلائله التي توجب الطاعة وتذهب المعصية ويتم بها من الله على عباده النعمة آيات حق ومبينات لصدق رسول أمين مقرب عند ذي العرش مكين مستودع من أخبار الأولين والآخرين مع علم ما سيكون في يوم الدين والآيات التي جاء بها محمد صلى الله عليه تشهد على نبوته وتفلج خصمه، وتقيم الحجة له. (1/367) ألا تسمع كيف يقول سبحانه في أول العشر، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله، ومن يعتصم بالله، فقد هدى إلى صراط مستقيم، فكل هذه آيات وتبصرة وهداية للحق وتذكرة. وسألت: عن قول الله سبحانه: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه آية قايمة بنفسها مستغنية عن التفسير لها، ألا تسمع كيف يقول عزوجل: إن أول بيت وضع للناس ببكة مباركا، وهو بيت آدم صلى الله عليه الذي ابتناه عند خروجه من الجنة التي كان فيها وفي ظلالها فاحتاج عند ذلك إلى الظل والكنان، فدله الله على بنائه فكان أو لبيت بني في الدنيا، فكان فيه صلى الله عليه ساكنا وحوله قاطنا وهو البيت الذي أقسم الله به في قوله: والبيت المعمور، وهو قبلة إبراهيم وقبلة محمد صلى الله عليهما، وقبلة الخلق إلى منقطع الدنيا، وذكرت أن بيت آدم رفع إلى السماء ليس من ذلك شيء بل هو البيت الحرام المتعبد به جميع الأنام الذي يطاف به الآن ويقصده جميع أهل الإيمان. وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدوركم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون، إلى قوله: إن الله بما تعملون محيط، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى قوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم نهي منه عزوجل للمؤمنين أن يتخذوا بطانة والبطانة فهي الخاصة الموثوق بهم المحبون المكرمون فنهاهم الله سبحانه أن يتخذوا الكافرين بطانة وأولياء، ثم قال: لا يألونكم خبالا، فأخبرهم أن هؤلاء الذين اتخذوهم بطانة لا يألونهم خبالا. (1/368) والخبال: فهو الإفساد والمكيدة والاحتيال، ثم قال عزوجل: ودوا ما عنتم، فأخبر أنهم يودون ما عنت به المؤمنون والعنت فهو الهلاك فأخبره أنهم يودون ذلك ويحبونه ويشتهونه، ثم قال: قد بدت البغضاء من أفواههم بقبح اللفظ، والكلام والطعن على المؤمنين والإفساد على الصالحين والمساعدة لمن حاربهم من الكافرين.. ثم أخبر عزوجل أن ما تخفي صدورهم أكبر مما هم مضمرون، وله معتقدون في المؤمنين من التحسر عليهم، والطلب لهلاكهم والتغيظ عليهم في جميع أحوالهم فقلوبهم على المؤمنين وغرة وأنفسهم عليهم حنقة يطلبون بهم الغوايل ويولبون عليهم القبايل، ثم أخبرهم سبحانه تبيناً بذلك للمؤمنين، وإيقافا على مكايد الفاسقين، فقال: قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون، يقول: إن كنتم تفهمون، ثم قال عزوجل: هاءنتم أو لا تحبونهم ولا يحبونكم إعلاما منه سبحانه للمؤمنين أنكم تعاملونهم بالصحة وليس في محبتكم لهم غش ولا مكيدة وهم يعاملونكم بالبغض والخيانة ووغر الصدور والانطواء على أقبح الأمور. ثم قال سبحانه: وتؤمنون بالكتاب كله ولا تكذبون شيئا من حكمه وإذا لقوكم، قالوا: آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ يقول عزوجل إذا لقوا المؤمنين أعطوهم ظاهرا من القول ومحالا من الكلام وإذا خلوا عضوا كما ذكر الله سبحانه عليهم الأنامل من الغيظ والأنامل فهي الاصابع، وهذا يفعله كل من اشتد غيظه وعظم حنقه تأسفا وتحسرا إذا قصرت يده عما لا يقدر أن يناله فإذا كان ذلك عض أنامله، فقال الله عزوجل: أمرا منه لنبيه وللمؤمنين أن يقولوا للكافرين عند ما أخبرهم به سبحانه من غيظ الظالمين عليهم، قل موتوا بغيظكم يريد أنكم كناصح تبلغوا ما تأملون ولا تقدرون عليه، ولا تلحقونه أو تفنون. (1/369) ومعنى: عليم بذات الصدور فهو عليم بما استجن في الصدور واستتر في القلوب وعلمه بغامض السر والخفيات كعلمه بما بان وظهر من الأفعال المعلنات الواضحات البينات لا يخفى عليه شيء وهو السميع العليم. ثم قال عزوجل: إن تمسسكم حسنة تسؤهم، فأخبر سبحانه أنه أذا مس المؤمنين من الله حسنة وأنعم عليهم نعمة أو فتح عليهم فتحاسأ هؤلاء الكفرة المذكورين، وغمهم ثم قال سبحانه: وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها، ومعنى يفرحوا فهو يسرو ويستبشروا، ثم قال سبحانه: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط، فأخبر سبحانه أنه محيط بأعمالهم مجازي لهم على جميع أفعالهم، حافظ للمؤمنين من كيدهم إذ هو سبحانه ذو الفضل والإحسان على جميع أهل الطاعة والإيمان، وهذا معنى الآيات وما يخرج تفسيرهن عليه، والله ولي التوفيق.. وسألت: عن قول الله سبحانه: إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما، قال محمد بن يحيى عليه السلام: سئل عن هذه المسألة أبي الهادي إلى الحق صلوات الله عليه، فقال: هما بنوا سلمة وبنوا حارثه فكانت بنوا سلمة نحو سَلْعٍ وبنو حارثة نحو أحد حين عبأ النبي صلى الله عليه الناس، وذلك يوم الخندق. وسألت: عن قول الله سبحانه: سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض، وقد مضى تفسيرها في مسائلكم الأولة. وسألت: عن قول الله سبحانه: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، فقلت: ما هذه السماء والأرض، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هي سماء الآخرة وأرضها الباقيتان المحكوم لهما من الله بالدوام. (1/370) وسألت: عن الآخرة، فقلت: هما داران جنة، ونار، فقلت: فأين يكون الموقف إذا لم يكن إلا جنة ونار، قال محمد بن يحيى عليه السلام كذلك الآخرة ليس فيها لساكن مثوى ولا قرار إلا جنة ونار، والحشر فإنما يكون قبل الموقف والقضاء والمحاسبة على جميع الأشياء والحساب، فإنما يقع من قبل المكافأة والجزاء وعند مصيرهم إلى منازلهم ودارهم لا يسكنون غيرها ولا يكونون أبدا إلا فيها، فلما أن حكم الله عزوجل للمؤمنين بالجنة ثوابا وبالنار لأهل المعصية جزاء، وعقابا لم يكن الموقف لهم بقرار، ولو كان لهم قرارا لكان مسكنا ودارا وما حالهم في الموقف إلا كحالهم عند خروجهم من قبورهم لأنه لابد لهم من الخروج منها، والمسير إلى غيرها. فإن قلت: الموقف من الجنة أو من النار، فقيل لك: من الجنة، فقلت: فقد دخل أهل النار الجنة، وإن قيل من النار قلت: فقد دخل أهل الجنة النار، قلنا لك: أرأيت القبور التي خرج الناس منها، أليس كان خروجهم منها في الآخرة عند قيام الساعة، أفرأيت المواضع التي خرجوا منها وصاروا إلى المحشر فيها أم من الجنة أم من النار، فإن كان من النار كان ذلك فاسداً لأن أهل النار لايزالون فيها وليسوا بزائلين من النار وأهل الجنة، واقفون فيه وليسوا ممن يدخل النار، ومما يحتج به عليك أن يقال لك: أرأيت الآخرة، هل ذكر الله فيها مسكنا إلا جنة أو نارا و ليس ما زيل منه وخرج منه، وخرج من قراره بجنة ولا بنار ولن يخلوا هذا المقام من أن يكون على أحد ثلاثة وجوه: إما أن يكون يرد في النار، فيدخل فيها فليس ما يكون فيها منها حتى يكون فيها كما لا يقال لمن كان من أهل النار، قد دخل النار حتى يدخلها أو يكون من الجنة، فليس يقال لما لم يدخل في الجنة أنه من الجنة وإنما يسمى بها إذا دخل في حدودها، وعند دخوله في حدودها يخلق سوا خلقه ويغير كتغيير غيره من السماء الأولى والأرض عند تغييره فليس هو بعينه. (1/371) وقد يمكن أن يكون الله عزوجل يجعل موقفا للخلق يحاسبون فيه، ويحشرون إليه كما ذكر سبحانه المحشر والوقوف بين يديه، ثم يبيده كما أباد السماء الدنيا وأرضها ونسف جبالها ويصير أهل الجنة وأهل النار إلى قرارهما ولا يبقى شيء غيرهما ولا منزل سواهما وأي ذلك فحسن جميل لا يلحق الله سبحانه فيه ذم ولا لقايل مقال وليس هذا مما تعبد الله به الخلق أن يعرفوه وإنما عليهم أن يصدقوا بالجنة والنار، وليس عليهم أن يصفوهما، فما مثل مسألتك هذه إلا كمثل إنسان قال: كم طول النار، وكم عرضها وما فيها من عدة عذابه، وهذا شيء قد وضعه الله عن الخلق لا يحتاجون إليه، ولا يسألون عنه والترك للجواب فيه واسع إلا أنا أحببنا أن نجيبك ببعض الجواب، ولو أردنا التفريع والتطويل لأمكن ذلك. وأما ما سألت عنه من إطلاع أهل الجنة على أهل النار، وما قال فيه الهادي إلى الحق صلوات الله عليه، وما أجبنا به فليس بيننا اختلاف بل نحن ولله الحمد على غاية الائتلاف لأن الاطلاع يكون إطلاعا بخبر وإطلاعا بنظر، فقلنا: ما قال الله فاطلع فرأه في سواء الجحيم، وسواؤها وسطها، فلما أن قال: سواء، قلنا: نظرا إذا قال في سواد الجحيم، والعرب تقول: أطلعت على خبرك تريد بالاطلاع أي بالاخبار لا بالنظر، ويقول القايل: أطلعت على ما كنت تفعل بالاشراف والبصر، وقد صار الاطلاع بالنظر والاطلاع بالخبر كلاهما غير خارج من المعنى ولا مفسد لصفة الإطلاع، ولا يقع بهذا تحليل حرام ولا تحريم حلال نعنف على إختلافنا فيه، ولا كان في قولي أن أهل الجنة يدخلون النار، ولا أن أهل النار يدخلون الجنة، فتكون هذه المخالفة التي أحلت وحرمت. (1/372) فأما في اللغة المتسعة فجايز الاطلاع بالخبر والاطلاع بالنظر وكلاهما جايز في اللغة ثابت في العربية غير مفسد ولا مدخل ضدا و إنما يقع التضاد فيما أحل وحرم أو ممن أدخل في الوعيد، من كان من أهل الوعيد ففي هذا تكون المخالفة، فأما ما جاء في اللغة وخرج في الكلام فإنما حاله كحال من قال: يا رجل، وقال: يا إنسان، أو قال: يا غلام وكلهم يجمعه اسم الانسان، وإنما يقع الاختلاف، لو سمى الإنسان بجني أو فرس فيكون أحدهما مخالفا لصاحبه خارجا من حده ووقته وجنسه وصفته لأن من سما الإنسان باسم الفرس فلم يعرف الإنسان، وكان هذا خطأ من المقال وتناقضا في كل حال. فأما من قال: يارجل، وقال: يا إنسان فهما جميعا مؤتلفان لا فرق بينهما ولا اختلاف فيهما وكل إسم يجوز أن يدعا به صاحبه فافهم هديت المعنى الذي يقع فيه الاختلاف بين لك فيه الصواب، ويخرج بعون الله من الارتياب، والهادي إلى الحق صلوات الله عليه فمصيب في جميع أحواله فما قال: فهو صواب، ولم نخالفه في شيء من الأشياء بل نحن تابعون له مقتدون بفعله ممتمثلون لرسومه فجمعنا الله معه في مستقر رحمته بمنه ورأفته. وسألت: عن قول الله سبحانه: وتلك الأيام نداولها بين الناس، فقلت: ما معنى ذلك، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد قيل في ذلك أنها مداولة بينهم في الملك والغلبة، وقيل: إن الله عزوجل جعل بينهم الدولة، وهذا عندي، فقول مدخول ليس هو بصواب ولكن أقول، والله الموفق: إن معنى قوله سبحانه: نداولها بين الناس، فهو إفنأ قرون وإحداث قرون وأمور بعد أمور ومداولتهم فيها فهو ما جعل الله لهم من البقا في مدتها فقوم يموتون وخلق يحدثون إلى انقطاع الأيام وآخر الآية يشهد على ما قلنا به ليجزي الله سبحانه كلا بفعله ويعطيه على إحسانه ويعاقبه على سيئته. (1/373) وسألت: عن قول الله سبحانه: ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه نزلت في يوم أحد، فيما امتحن به المؤمنون ونالهم به المشركون، ومعنى قوله سبحانه: فقد رأيتموه وأنتم تنظرون، يقول: عاينتم من الشدة والهول وحصول ما يقع به القتل والموت وأنتم تنظرون، والعرب تسمي كل شيء فظعها وهالها وأيقنت فيه بالهلكة والموت، تقول: إذا وقعت في خطر أو أمر شديد رأينا اليوم الموت عيانا ووقعنا في الموت، وهذا جايز في لغتهم حسن من كلامهم، وإنما خاطبهم الله بما يعرفون وناجاهم بما لا ينكرون. وسألت: عن قول الله سبحانه: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى بإذن الله أي بعلمه وكذلك فلا يموت أحد إلا بعلم الله والكتاب المؤجل، فهو الوقت الذي قد علمه الله وقدر فيه العمر والمدة، وقلت: إذا قتل الرجل هل يكون ذلك بإذن الله وبأمره فنقول: أكرم الله عن النار وجهك إن قتل الرجل يعلم الله، وليس علم الله الذي كان به قتله، وإنما علم الله ما كان من التعدي عليه، وأما بأمر الله وقضائه فمعاذ الله ما أمر الله به، وكيف يأمر به، وهو يقول عزوجل: قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون، ويقول سبحانه: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ويقول: من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم، الآية. (1/374) فنهى عن قتل النفس، وذم فيها وأوجب العقوبة على قاتلها، وكيف يجوز أن ينسب إليه ما تبرأ منه وأوجب العقاب عليه تعالى الله عن ذلك علوا كبير ا، وهل يمكن في عدل الحكيم أن يقضي بقتل عبد على عبد وقضاؤه لا حيلة فيه ولا مخرج منه ثم يعذب القاتل ويأمر بقتله، وهذا بعيد من العدل والله برئ من ذلك بل قد أمر خلقه بترك التعدي والظلم، فقال: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، وقال: النفس بالنفس، وقال: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، فكيف ينسب إليه ما هو برئ منه سبحانه ويأمر بخلافه ويحكم بالتغيير على فاعله. وإن كنت أردت بقولك: إن قتل المقتول بأمر الله من طريق ما حكم الله به على الظالمين، حيث يقول: فاقتلوهم حيث وجدتموهم، وقوله عزوجل: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، وما أطلق للأولياء من القتل للقاتل الظالم لهم المتعدي عليهم، فهذا لعمري من فعل الله تبارك وتعالى وأمره وحكمه على ظلمة خلقه مكافأة لهم على فعلهم ومجازاة على قبيح عملهم من بعد إقامة الحجة عليهم وتبيين الحق لهم، وفي هذا من الحجج كثير لو شرحناه واحتججنا به وفيه لكان متسعا كثيرا، والقليل المجزي الموافق في الديانه أنفع من الكثير عند من يخالف في المقالة نسأل الله التوفيق لما يرضيه ويقرب من الأمور إليه. (1/375) وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزا، فقلت: لم قال: إذا ضربوا وهل يحتمل أن يطرح الألف من إذا، وهذا يرحمك الله كلام فصيح جايز مستقيم لو كان على غيره لدخله نقصان لأن الله سبحانه إنما أخبر عن قول الظالمين، فقال: لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض، أو كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ما توا وما قتلوا، فأخبر الله عزوجل أنهم إنما يقولون هذا الكلام لإخوانهم إذا أخرجوا بأمر نبيهم وغزوا في طاعة ربهم وليسوا إذا قعدوا يقولون لهم من ذلك شيئا فلما أن كانوا يمسكون عن هذا الكلام في حال قعود إخوانهم، ويتكلمون به عند خروجهم في جهاد أعداء الله وعدوهم كانت هذه حالان. فأخبر الله عزوجل بكلامهم في حال الغزو والضرب في الأرض وبسكوتهم في حال التخلف والخفض فلم يحسن ولم يجز في صحيح اللغة، إلا أن يقول: إذا لأن إذا إخبار عن كلام هؤلاء القوم لإخوانهم في كل مرة غزوا وضربوا في الأرض، قالوا لهم: هذا وخاطبوهم بهذه المخاطبة لا يقطعونها عنهم أصلا وإذا كان قولهم إذ ضربوا في الأرض كانوا كأنهم إنما خاطبوهم في فعلة واحدة وسفر منفرد وحده فهذا الفرق بين إذا وإذ. وسألت: عن قول الله سبحانه: وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل، فقلت: كيف تقرأ بضم الياء وفتح الغين أم بنصب الياء ورفع الغين، وليس القراءة تجوز في هذا إلا برفع الياء ونصب الغين، وقد عندكم في القراءة مصحف أنفذناه إليكم فيه جميع ما تحتاج إلى معرفته من القراءة الصحيحة. وسألت: عن قول الله سبحانه: هم درجات عند الله، وقد مضا تفسيرها إليكم وشرحها مبينا بتفضيل الله لأولياده في عطائه لهم على قدر أعمالهم وشدة اجتهادهم وصدق قولهم، وفي ذلك لكم كفاية إن شاء الله. (1/376) وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا يحسبن الذين كفروا أنما تملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه الآية جدي القاسم عليه السلام، فقال: الإملاء منه الإبقاء، وهو تأخير العذاب، والنقم فيما ارتكبوا من الإثم والجرم وبهذا كله وعنه وبما يولي الله منه أمراً من الإثم والإساءة ما أتوا وعصوا الله بما عصوا فأعلم أن الإملاء من الله نعمة وإحسان وازدياد الإثم منهم فإساءة وعصيان. فمن الله سبحانه الإملاء ومنهم الاعتداء وتأخيره سبحانه لإنزال العذاب بهم، وإنما هو ليزدادوا إثما بكسبهم ليس لما يحبون من سرورهم ولا لما يريدون من أمورهم ولكن ليزدادوا بالبقاء والإملاء إثما ولأنفسهم بما ارتكبوا من الظلم هلكه وإخزا، وإن كان ما تركوا من الهدى، وإن لم يفعلوه لهم ممكنا، وكان ما تركوا من الهدى في نفسه حسنا، ولهم لو صاروا إليه ولن يصيروا محييا وكان كلهم بإتيانه له مهتديا. والإملاء والإبقاء: فهو من فعل الله بهم وازدياد الإثم فهو من فعلهم وكسبهم وما يمكن ويكون بالإملاء من الأمور فسوى في المكنة من البر والفجور، فلما آثروا اعتداهم على ما يمكنهم من هداهم جاز أن يقال: أملوا ليزدادوا إثما وردا كما يجوز لو اهتدوا أن يقال: أملوا ليزدادوا برا وهد ا، ومثل ليزدادوا إثما قول الله تبارك وتعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، وهم وإن خلقوا ليعبدوه فيحتملون لغير العبادة وإن أرادوه والعبادة لله وخلافها إنما هو فعل منهم إن فعلوه نسب إليهم، ولم يزل عنهم، وكل ذلك ففعل لهم وصنع والله تعالى هو الصانع لهم المبتدع ففعل الله بريء من فعلهم فيما كان من الإملاء لهم ففعل الله تأخير وإملا وفعلهم إزدياد واعتداء، وبين ذلك فرق لا يجهله إلا جاهل. (1/377) وسألت: عن قول الله سبحانه: ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب، فقلت: ما معنى هذا وهل نقرأ يميز الخبيث من الطيب?. قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه الآية نزلت في المؤمنين والمنافقين من قبل فرض الجهاد، فكان المؤمنون الصادق قولهم الخالصة نياتهم الصحيحة، عزائمهم يقولون: يا رسول الله لو فرض الله الجهاد عليك كما فرضه على من كان قبلك أو امتحنا بما كان يمتحن به الأمم من قبلنا لسلمنا ولقمنا واجتهدنا وأبلينا في الله ونصحنا وكان المنافقون يقولون: مثل قول المؤمنين سواء ويصفون عن أنفسهم ما يصفه المؤمنون من نياتهم فاستووا في الظاهر، واختلفوا في الضماير فلم يفرق بينهم في الضماير شيء من الأمور، فأنزل الله تبارك وتعالى: ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب. ففرض الله سبحانه على نبيه صلى الله وعلى من معه الجهاد، فأماز أهل الشرك والارتياب وبانوا لجميع أهل الدين في الالباب فعرفوا بكذبهم واستدل عليهم بغشهم ونفذ المؤمنون لطاعة ربهم مصممون في مرضاة خالقهم لم يشكوا في دينهم ولم يرتابوا في بصايرهم بل زادهم ذلك إيمانا ويقينا، وهدى وعزما فميز الله بما افترض من جهاد أعدائه، وقد كانوا عند الله من المميزين وهوبهم عالم على سرايرهم مطلع ولكن أبانهم لنبيه صلى الله عليه وميزهم للمؤمنين ولجميع الصالحين فكان من المنافقين ما قد بلغك في خروج النبي صلى الله عليه إلى بدر ورجوعهم عنه، وما كان من عبدالله بن أبي سلول المنافق من الرجوع بكثير من الناس عن رسول الله عليه السلام فلم يضر بذلك إلا نفسه، وتولى الله النصر لنبيه صلى الله عليه وأظهر كلمته ولو كره المشركون، وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون. (1/378) وسألت: عن قول الله سبحانه: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول: ذوقوا عذاب الحريق. قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا إخبار من الله عزوجل بقول الفاسقين الظلمة المتمردين وما يقولون به في رب العالمين، والقايل لذلك فهم المشركون الجاحدون لله المنكرون لنبيه صلى الله عليه من أهل الكتاب ومن ساعدهم من الأشرار وأهل الكفر والارتياب وأمثالهم، ثم قال: سنكتب ما قالوا والكتاب فهو الحفظ من الله تبارك وتعالى لقولهم وما كان من سيء لفظهم ومعنى قتلهم الأنبياء بغير حق فهو الرضى منهم بقتل آبائهم لمن سلف من النبيين فلما أن رضوا بذلك كانوا من القاتلين ولفعل من سلف من المصوبين، وفي ذلك لا محالة من الداخلين. ثم قال: ونقول: ذوقوا عذاب الحريق يخبر عزوجل بما يصيرون إليه ويجازون به في الآخرة من عذاب الحريق والبلاء الشديد جزاء على فعلهم ومكافاة على أعمالهم. وسألت: عن قول الله عزوجل: الذين قالوا: إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا قول أهل الكتاب كذبوا فيه على الله عزوجل وقالوا زورا وبهتانا عظيما فأكذبهم الله سبحانه في آخر الآية، فقال لنبيه عليه السلام: قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين في قولكم إن الله عهد إليكم فيما سألتم فلم قتلتم من جاءكم بالبينات وبالقربان الذي طلبتم فأوقفهم الله سبحانه على كذبهم وقرعهم بما كان من فعلهم. وقلت: ما القربان فهو شيء كان يقربه الأولون من طريق البر والطاعة لله سبحانه مثل الكباش وغيرها من الاطعمات فتخرج نار فتأخذ قربان أزكاهم عملا وأقربهم عند الله عزوجل محلا وتدع ما ليس بزكي ولا مقرِّبُة بمؤمن رضي كما فعل أبناء آدم في قربانهما، فتقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر. (1/379) وقد قيل: إن الكبش الذي فدا الله به إسماعيل عليه السلام هو قربان ابن آدم أنزله الله على إبراهيم صلى الله عليه، والله أعلم، كيف كان ذلك، فسبحانه العادل في حكمه المنصف لخلقه المتعطف عليهم المنعم بالإحسان إليهم، ولكن الخلق في فعلهم كما ذكر عنهم حين يقول: وقليل من عبادي الشكور. وسألت: عن قول الله سبحانه: فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، فقلت: هل ذلك متعلق لمن يزعم أن أهل النار يخرجون منها ثم يدخلون الجنة، قال محمد بن يحيى عليه السلام: وأي تعلق يرحمك الله في ذلك لأحد أو ما فيه من الدليل على خروجهم من النار إلى الجنة، وكيف يزحزح منها من كان من أهلها فصار بحكم الله فيها ووصل بقبيح فعله إليها، ووقع في أليم العذاب، وصار بذلك إلى شر مآب.. وإنما المعنى في قوله فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فهو أبعد من النار وأزيح عنها وأزلف الجنة وأدخل فيها، فأصبح من الآمنين وعند الله سبحانه من المقربين، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، بعدين من الراحة والسرور والنعمة والحبور، أهل الآثام والشرور المتقحمون في المعصية التاركون للطاعة الكفرة الأشزار المصيرون إلى أسوأ دار جهنم يصلونها فبئس القرار. قال سبحانه: لا بثين فيها أحقابا، وقال: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، وقال سبحانه: وما هم منها بمخرجين، وقال ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال: إنكم ماكثون، فأين يرحمك الله ما ذكرت من خلاصهم مع ما ذكر الله سبحانه وأخبر من دوام حسرتهم وطول مقامهم في طبقات النيران ما كثون في الخزي والهوان لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور، غير خارجين من أليم العذاب ماكثون فيه طول الأبد إلى غاية لا تبيد ولا تنفد. (1/380) وسألت: عن قول الله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى يفرحون بما أتوا فهو فرحهم بما ارتكبوا وأتوا، من الجرأة على خاتم النبيين والطعن على المؤمنين مع قبيح فعلهم ومستسمج سيرتهم فكانوا يستحسنون من ذلك من أنفسهم ويرونه جايزاً عندهم لشرارتهم وشدة كفرهم، وبعدهم من الله وعنادهم والفرح منهم، فهو أشر وازدها وتبع للمعصية والهوى كفرح قارون إذ يقول له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وإنما كان فرحه جرأة وأشرا ومعصية لله وتمردا. وهذه الآية فنزلت في اليهود ذماً لهم فيما كانوا يأتون من الجرأة على الله سبحانه وعلى أوليائه، ثم قال عزوجل: ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فهو ما كانوا يتوسمون ويذكرونه عن أنفسهم من الفضل والطاعة لله والمدح لأمر ربهم فأكذ بهم الله عزوجل في قولهم وبين للمسلمين كفرهم ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فأخبر أنهم غير فاعلين لما ذكروا ولا صادقين، فيما انتحلوا بل هم كاذبون وعند الله معذبون، ثم قال: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب، والمفازة: فهي البعد فذكر سبحانه أنهم من العذاب قريب غير بعيد فحكم عليهم بأليم العذاب، وأوجب لهم الخزي والعقاب وصاروا بذلك إلى شر مآب جهنم يصلونها وبئس المهاد. ثم الجزء الثالث: ومن سورة النساء: وسألت: عن قول الله سبحانه: الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، فقلت: هل خلقت حواء من نفس آدم من الطين الذي خلق منه آدم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إعلم هداك الله وأعانك أن الناس قد اختلفوا في هذه الآية وتفسير خلق حواء من آدم، فقال: فيها قوم خلقها الله من ضلعه الأصغر، وهو الأسفل من الأضلاع.. (1/381) وقال آخرون: خلقت من بعض لحمه وتكلموا في ذلك ورووا روايات قد سمعتها إن كانت وصلت بك ووقفت على شرحهم فيها ونظرته وكل عندي لم يصب المعنى ولم يقع فيه على باب حق ولا هدى والقول فيها، والله أعلم وهو الموفق للصواب أن الله سبحانه لما أن خلق آدم من الطين أقام مطروحا من طين على هيئة إنسان في الذراع والعضد والرأس والأنف والاصابع فكان على ذلك تبصرهُ الملائكة لا روح فيه وخلق الله سبحانه حواء من تلك الطينة من قبل أن ينفخ فيها الروح، ثم نفخ فيه الروح فصلى الله عليه فإذا هو يسمع ويبصر ويتحرك وينطق ويقوم ويقعد، فهذا معنى خلق منها زوجها وهو صواب إن شاء الله، وقد قيل: إن معنى خلق منها زوجها أي خلقها من جنسه وأنشأها مما أنشأه منه، وليس ذلك عندي بقول، والقول الأول أحب إلينا وهو إن شاء الله الصواب. وسألت: من قراءة آخر الآية، فقد أجتزيت بماصار اليك من القراءة الصحيحة، وقلت: هل يجوز لوصي اليتيم إذا خاف ألا يقسط في مال اليتيم ولا يقوم بما يجب فيه عليه وخاف تضييعه أن يدفعه إلى اليتيم وإن كان صغير ا، واعلم حاطك الله أنه لا يحل للوصي تضييع مال اليتيم المؤتمن عليه الموثوق به فيه بل يجب عليه القيام به والايثار له والعمارة لخرابه والاجتهاد في صلاحه، فهو أمانة في رقبته يجب عليه القيام بها، والتخلص إلى الله من تضييعها. (1/382) فأما دفعه إلى الصبي فلا يجوز لأنه إذا دفعه إليه فقد أذهبه كله عليه إذ الصبي لا يميز فعله ولا يعقل فيعمر ماله ويقوم لشآنه ويحرص في جميع أموره ولكن يجب على وصيه القيام بأمره فإن أيقن بإتلاف ماله وتضييعه فيه لأمانته ولم يكن عنده من الخير ما أمل منه ورجى فيه وظن به الموصي أطلع ذلك على الإمام إن كان ظاهرا ليقيم الإمام له رجلا مسلما يقوم بماله ويحوطه فيه لأن الإمام والد الايتام متعطف على ضعفة الأنام، حافظ لما أمر به فيهم، وفي جميع المسلمين وما حوت يده من ضعفة المؤمنين فيكون إذ ذلك المتولي لأمره والقايم بشأنه إلى بلوغ أشده أو الاستيناس لرشده. والرشد: فهو العقل والفهم والدين فإذا رأى ذلك ولي اليتيم من بعد بلوغه سلم إليه ما في يده من ماله وأشهد على ذلك ولا يجوز له دفعه إليه حتى يرى الرشد فيه ويوفق بالصلاح لديه، وأما ما سألت عنه من المعروف الذي أبيح للوصي الفقير أن يأكله فقد تقدم تفسير ذلك إليكم. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه الآية جدي القاسم صلوات الله عليه معنى لا تؤتوا هو لا تعطوا السفهاء أموالكم، فإن كانوا لكم أبناء وآباء يجب عليكم رزقهم وكسوتهم فيها وأمرهم أن ينفقوا عليهم ويكسوهم منهم، وقولوا لهم قولا معروفا من القول معروفه وحسنه، وسهل القول ولينه ونهاهم أن يعطوا سفهائهم أموالهم التي جعل الله لهم قياما. (1/383) والقيم: هو المعاش واللباس الذي به يبقى ويقوم الناس فيهبوها لهم أو يأمنوهم فيها ويجعلوا لهم سبيلا إليها فيفسدوا معاشهم منها عليهم ونهاهم أن يعطوهم إياها ويسلموها إليهم وأمرهم أن لا يؤتوا الابناء من أموالهم إلا أن يؤنسوا و معنى أن يونسوا أن يروا منهم رشدا فيدفعوها إليهم، وكيف يجوز أن يؤتي أحد ماله أحدا إذا كان في أرض الله لنفسه مفسد ا، وقد نهى الله عن ذلك نظرا منه لعباده وحياطة منه برحمته لأرضه وخلقه من الفساد. وقلت: هل يجوز لرجل أن يقيم إمرأته مقام الوصي فيوصي إليها، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا وثق بدينها وأيقن بأمانتها ورصانة عقلها فجايزة إليها. وسألت: عن رجل حلف بصدقة ماله فحنث، ثم حلف فحنث حتى فعل ذلك مرارا ولم يكفر فقلت: ما يلزمه؟، قال محمد بن يحيى عليه السلام: يلزم في ذلك إذا حلف في شيء بصدقة ماله ثم حنث فيه أن يخرج ثلث ماله للمساكين كما حلف، وهذا ما كان يقول به القاسم بن إبراهيم ثم الهادي إلى الحق صلوات الله عليهما، ثم نحن بعدهما، وقلت: فإن اكتسب مالا من بعد الحنث في المال الأول، فهل يدخل المال المكتسب فيما حنث فيه، قال: إعلم أن كل ما حنث فيه الحالف فلازم له تنفيذ ما لزمه الحنث فيه وكل ما اكتسب من بعد الحنث فليس بداخل فيه وما حاله في اكتسابه من بعد الحنث إلا كحال من حنث ثم كفر ثم اكتسب مالا فلا يلزمه فيه شيء، وإنما يلزمه في ما ملك يوم حنث. (1/384) وسألت: عن قول الله سبحانه: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا تأديب من الله عزوجل لمن عرفه من المؤمنين وسلم لحكمه من الصالحين، ألا يأخذوا مما آتوا النساء من مهورهن شيئا، وهذا فعل يفعله من لا معرفة له ولا تمييز وهم الآن كثير إذا أبغض الرجل المرأة ضيق عليها وأقبح في المعاشرة لها واضربها واضطرها بسوء فعله وسده تعيبه إلى أن يفتدي منه بمهرها فيأخذه ظلما وتعديا ثم يتزوج به النساء فيأكله حراما وسحتا فنهى الله عزوجل من استبدل زوجة مكان زوجة ألا يضر بالأولى ويسيء إليها، ولا يتجرم بظلم عليها حتي يأخذ ما أعطاها. ألا تسمع كيف يقول سبحانه: وكيف يأخذونه، وقد أفضا بعضكم إلى بعض، والإفضاء فهو الدخول عليها والكشف لمحاسنها ولما استتر من غيره من بدنها مع الدنو منها فقد أفضى منها إلى أشياء أوجبت عليه مهرها وحظرت عليه بحكم الله أخذه منها، فنهاهم الله من بعد ذلك عن الظلم والاعتداء والتحيل بالباطل لطلب الفدا منهن أو الاخذ لمهورهن، وما أوجبه الله سبحانه بحكمه لهن، ولا يجوز ولا يحل في حكم الله ذي الطول والإحسان أن يأخذ المسلم مهر إمرأته إلا أن تكون كما قال الله سبحانه إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإذا كان منهما جميعا الظلم، والتعدي ولم يكونا متناصفين ولا بما فرض الله عليهما في الصحبة بعاملين جاز حنيئذ الفدا والقبول. وقلت: في رجل عنين دخل بمرة وأقام معها مدة لم يمسها هل لها نصف المهر أم المهر كاملا عند طلاقها، ولها يرحمك الله المهر كاملا لأنه قد دخل بها وأرخا ستره وأغلق بابه عليها، وقلبها ونظر إلى المستتر منها فالعجز كان منه، والمهر عليه يحكم الله سبحانه لها به. (1/385) وقلت: فإن رجلا دخل بمرة وأرخا الستر وأغلق الباب ولم يمسها ثم طلقها، فقلت: هل لها نصف الصداق أم الصداق كله، وقلت: إن كان الرجل ثقة في قوله مأمونا هل يصدق في كلامه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إعلم أحاطك الله وهداك أن كل إمرأة دخل بها أن لها الصداق كاملا وعليها العدة كاملة، لأنه قد خلا ولعل أن يكون دنا منها دون فرجها ولصق بدنه ببدنها وربما وقع الحمل من ذلك والمرأة عابق فلا بد لها من العدة إذا دخل بها وإذا لزمت العدة وجب المهر فاعلم ذلك وقس عليه ما أتاك من هذا الباب فهو بعون الله الحق والصواب. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الموالي فهم القرابة والعصبة، ألا تسمع كيف يخبر الله عزوجل عن زكريا عليه السلام حين يقول: وإني خفت الموالي من ورائي يعني العصبة، وقوله: والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم، فقلت: فما نصيبهم، وهذه آية منسوخة، وذلك أن قريشا والعرب في جاهليتهم كان يتعاقد الرجالان منهم والقبيلان ويتحالفون على الموازرة والمناصرة والمحابة ما بقوا، وعلى أنه من مات منهم ورث الآخرون مع ورثته، وربما لا يكون له قريب لاصق فيرثه حَليفه دون عصبته فكانوا يتعاملون بذلك فلما أنزل الله عزوجل: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، ثم أنزل الله سبحانه: فرض المواريث وقسمها فزاح ما كان بينهم ورد المال إلى أهله، وقسمت على ما حكم الله بها له وأمضاها فيه. وسألت: عن قول الله سبحانه: والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل، وقد مضى تفسيرها بشرح بين إليكم في مسائلكم التي سألتم عنها، وفيما وصل بكم كفاية والجواب واحد. (1/386) وسألت: عن قول الله عزوجل: يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول ولو تسوى بهم الارض ولا يكتمون الله حديثا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: يومئذ هو يوم القيامة، يوم الدين وحشر العالمين، والموقف بين يدي أحكم الحاكمين، يود الكفرة يومئذ عند معاينة العذاب والإيقان بشر مآب أن الأرض تسوي بهم وتسويها فهو انخسافها وذهابهم فيها من شدة ما يرون، ثم قال: ولا يكتمون الله حديثا، فهم يوم القيامة لا يكتمون حديثا من أفعالهم ولا شيئا مما سلف من زمان حياتهم وأيام لهولهم. ألا تسمع كيف يقول سبحانه: اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، فأي خشية أو فضيحة أو عظيمة أشد من كلام الجوارح وشهادتها على العبد بما كان من فعله وما ارتكب من معصيته في أيام مهلته وأوان غفلته فنعوذ بالله من شر المنقلب وموقف الجزا، وقبح الهول والجزا إنه ولينا وغاية قصدنا. وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، وقد مضى تفسيرها إليك، وقلت: في آخر كلامك دليل على أن الله عزوجل، قد أجاز شرب الخمر، ومعاذ الله ما في هذا دليل على ترخيص في المسكر، وكيف يرخص في ذلك وهو يقول تبارك وتعالى: إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، مع ما نزل فيه من الجد وشدد فيه الرسول عليه السلام. (1/387) ولكن السكر الذي نهى الله عن الصلاة فيه سكر النوم، وذلك أن المسلمين كانوا يأتون من أعمالهم وهم تعبون فيحضرون الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه فإذا صلوا المغرب وانتظروا العشاء مالت بهم أعينهم فإذا نهض النبي صلى الله عليه إلى الصلاة قاموا نَسْخُ النوم ووسَنُه وشدته يصلون، فلا يسمعون قرأه ويختلط عليهم كثير من حدود صلاتهم لغلبة النوم فناهم الله عزوجل عن ذلك، ولو كان هذا السكر سكر الخمر، كما قلت لكان مطلقا لهم ترك الصلاة لأنه نهاهم ألا يقربوا الصلاة وهم سكارى، فقد أحل الخمر لهم. فإذا كان كذلك فقد جاز لهم ترك الصلاة أبدا حتى يصحوا إلا أنه أمرهم لا يقربوا وهم سكارى فصار تركهم لها عند سكرهم فرضا من الله عزوجل عليهم بأمره سبحانه لهم بذلك وإطلاقه لهم فهم غير معذبين ولا مأثومين في تركها، والله برئ من ذلك متعال عنه بل حظره عليهم ومنعهم أشد المنع منه وعذبهم على فعله، وإنما السكر الذي نهاهم الله عنه سكر النوم وأمرهم عند الصلاة بالتيقظ والانتباه وإعادة الوضوء فهذا تفسير الآية ومعناها. وسألت: عن قول الله سبحانه: من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه، وما معنى تحريفهم له، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هل يكون يرحمك الله تحريف هو أشد من تحريفهم لما أنزل الله في التوراة من ذكر محمد صلى الله عليه وما كان فيها من صفته والأمر بطاعته والدلالة عليه فحرفوا كلام الله فيه وبدلوا وغيروا وكتموه فهذا أشد تحريف وأصح ما يعرف من الحيف ومن التحريف أيضا الكذب على المؤمنين وتغيير كلامهم وادخال الفساد في ذلك بالظلم لهم، ومن التحريف. (1/388) ألا يسمعوا شيئا من ذكر الله سبحانه ولا من كلام نبيه صلى الله عليه إلا حرفوه على غير معناه، ووهموا الناس فيه غير ما أنزله لأن اليهود أشرار الخلق وأعداهم لله ولرسوله وأقساهم قلوبا وأشدهم كفرا وحقدا على المؤمنين لاتخشع قلوبهم لذكر الله إلا اليسير من الكثير، وذلك قول الله سبحانه: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون. وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فيزدها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت، فقال: آمنوا بما نزلنا مصدقا لها معكم أراد سبحانه من أهل الكتاب الإيمان به وبكتابه ورسله ومعنى مصدقا لما معكم لما في توراتكم من ذكر محمد صلى الله عليه وصفته والأمر بطاعته لأن الله عزوجل قد ذكره لهم في كتابه وأخبرهم أنه سيرسله وأمرهم بطاعته، وبين لهم صفته فإذا لم يؤمنوا بما قد ذكر لهم في كتابهم فلم يصدقوا بشيء مما.......كان في توراتهم، وكذلك لو لم يرسل محمدا صلى الله عليه تصديقا لما ذكر في التوراة نبوته، وكذلك يلزمهم إذا كذبوا بما في التوراة من بعد إتيانه وتبيينه فقد كذبوا بكل ما في التوراة من وحي وأمر ونهي ووعد ووعيد وإذا كذبوا بذلك فقد باينوا بالكفر وجاهروا به وسواء جحدوا شيئا واحدا مما أمروا به أو جحدوا جميع ما أنزل عليهم وما حكم الله به وأمر فيهم. ومعنى: من قبل أن نطمس وجوها فهو الخذلان لهم والاذلال والهوان وإنزال المصايب بهم، والمسخ لهم والتغيير لخلقهم أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت واللعنة من الله عزوجل فهي العقوبة والعذاب، وأراد سحبانه ينزل بهم كما أنزل بأصحاب السبت من المسخ لهم والتغيير لخلقهم وأصحاب السبت فهم الذين خالفوا أمره في الحيتان فمسخهم قردة وخنازير. (1/389) وسألت: عن قول الله سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل جدي عن هذه المسألة فقال: تأويل ذلك أن الله عزوجل قادر على ما يشاء من مغفرة أو تعذيب لمن خلق وأنشا وليس في خبر من الأخبار أنه غير معذب لمن أوعده بالنار لأنه جل ثناؤه لو لم يعذب من أوعده بالعذاب من أهل الكبائر لكان في ذلك خلف وإكذاب لما وعد به في ذلك الميعاد، وفيما ذكر سبحانه من وفاء ميعاده ووعده ما يقول تبارك وتعالى: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد وليس بين قوله سبحانه: يغفر وبين يعذب فرق لأن من لم يغفر له فقد عذبه ومن عذبه فلم يغفر له. وسألت: عن قول الله سبحانه: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هؤلاء المذكورون في الحسد هم أهل الكتاب حسدوا محمدا صلى الله عليه ما خصه الله به وأعطاه وحسدوا المؤمنين ومن تبعه من المسلمين، فقال الله سبحانه: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما. فأخبر عزوجل بما آتا الأنبياء، وهذا دليل على أنهم أرادوا النبوة فيهم وحسدوا رسول الله صلى الله عليه ما خصه الله به من الملك وأنزل عليه من الوحي، ألا تسمع كيف يقول فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه فلم ينتفعوا إذ كان ذلك في داود وسليمان حتى صدوا عنه وأبعدوه وكرهوه ونابذوه، ثم ذكر ربه إبراهيم، فقال: ومن ذريته داود وسليمان، وقد كان أعطى داود ملكا عظيما، فاختلفوا عليهما كاختلافهم على محمد صلى الله عليه وسلم وزعموا أن ملك سليمان كان بالسحر فلم ينتفعوا بذلك. (1/390) وأما ما قلت: إنهم حسدوا محمدا النسا فهذا شيء لم يكن ولكن حسدوه في النبوة، وفي الملك الذي أتاه الله إياه. وسألت: عن قول الله سبحانه وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة، قال: قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: لمن ليبطين هو يتخلف ويتثاقل عن الغزو والخروج فإن أصاب المسلمين مصيبة كما قال الله عزوجل والمصيبة فهي المحنة والنازلة، قال: قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا والشهيد فهو الحاضر فهؤلاء ومثلهم المتربصون برسول الله صلى الله عليه وبالمؤمنين قد ذكرهم الله عزوجل، فقال: يتربصون بكم الدواير عليهم دايرة السؤ وإن ظفر المؤمنون بعدوهم وأصابوا غنايما وفضلا ونعمة من الله وخيرا كان منهم ما ذكر الله سبحانه عنهم، وأخبر به من قولهم يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما. وهذا الإبطا: الآن في الناس يفعلونه ونراه منهم عيانا في الغزوات والجهاد، وإنما يكون ذلك ممن لا دين له ولا معرفة يرى الجهاد مغرما والسير فيه تعبا لقلة العلم ورداؤة المعرفة، وقد يمكن أن يقولوا هذا في الآخرة عندما يرون من ثواب المؤمنين وعطائهم وإحسان الله إليهم على ما كان من جهادهم وسرعة نهوضهم في ما افترض الله عليهم، ثم يرى أهل التخلف والتثبط ما يصنع الله للمؤمنين فيندمون على ما كان منهم ويأسفون على تخلفهم ويقولون: يا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزا عظيما، فيكون أسفهم على ما فاتهم من غنايم المؤمنين التي نالوا بجهاد الظالمين، فهذا وجه مما يصلح ويخرج في تفسيرها، والوجه الأول عندي هو مخرجها إلا أني استحب تخريج المسألة على وجهها، والشرح لما يخرج عليه من أبوابها. وسألت: عن رجل كان له على رجل حق فجحده إياه، ومنعه منه، فقلت: هل يستعدي إلى السلطان الجاير، وفي هذه المسألة جواب أغفلناه إلى وقت يمكن فيه شرحه إن شاء الله. (1/391) وسألت: عن قول الله سبحانه: وحسن أولئك رفيقا، فقلت: ما معنى الرفيق?، قال محمد بن يحيى عليه السلام: ألا تسمع كيف يقول الله عزوجل في أول الآية فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين إلى آخر الآية، ومعنى قوله: رفيقا فالرفيق: هو الصاحب والمجالس والمحادث والمقارن فهذا هو الرفيق.. وسألت: عن قول الله سبحانه: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شحر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى قوله: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم من مناظرتهم، وما اختلفوا فيه من أمورهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت والحرج فهو الشك والارتياب وضيق الصدر فإذا لم يجدوا ذلك في قلوبهم من حكمه ولم يراجعوه في شيء، من قوله وسلموا كذلك فقد صح لهم الإيمان وبعدت عنهم نزغات الشيطان، وهذا دليل على أنه قد كان مع رسول الله صلى الله عليه من إذا حكم عليه بحكم أو أنفذ شيئا من أمور الله فيه حرج صدره وضاقت نفسه فنبههم الله في ذلك وبين لهم به شريطة الإيمان ويتم عليهم فيه من الله النعمة والإحسان فهذا معنى الآية وتفسيرها. (1/392) وقلت: هل كتب الله عليهم أن يقتلوا أنفسهم، أو لا تسمع كيف يقول عزوجل ولو أنا كتبنا عليهم ولم يقل كتبنا فأخبر سبحانه أنه لو امتحنهم وأمرهم بشديد من الأمر ما قد روا على ذلك ولا أطاقوه، فهذا يوجب الشكر له عزوجل عليهم إذ لم يمتحنهم بمحنة تصعب ولا بفرض منه سبحانه يغلب ولم يكلفهم شيئا من الأمور المعضلات التي كلفها غيرهم من القرون الخالية والأمور السالفة فيجب عليهم بتركها اسم المعصية ويستوجبوا من الله فيها النقمة أو يحمدوا على فعله، ويثابوا في الآخرة على عمله بل خفف عليهم الامتحان وأوجب لهم على الطاعة المغفرة والرضوان، وقد ذكر عزوجل أنه قد امتحن قوم موسى بقتل أنفسهم، وقيل: أنهم امتحنوا بقتال عدوهم وحرم عليهم أن يزولوا من مصافهم حتى يفنوا عن آخرهم. وكل ذلك فمحنة شديدة عظيمة، إذ لم يجعل لهم توبة، دون فعل ما أمرهم به، وذلك قوله عزوجل في كتابه يخبر عن موسى عليه السلام في قوله لهم: وإذ قال موسى لقومه: يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلك خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم، وقد امتحن الله عزوجل الأمم من قبل أمة محمد صلى الله عليه بأمور شديدة وأسباب جليلة وتعبدهم بفرايض خفف ذلك كله عن أمة محمد صلى الله عليه رحمة منه لهم وإكمال حجة عليهم وكرامة لنبيهم صلى الله عليه وعلى أهل بيته وسلم. (1/393) وسألت: عن قول الله سبحانه: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة إلى قوله: ولا يظلمون فتيلا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هؤلاء قوم ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه من المنافقين ممن كان يظهر بلسانه ما ليس في قلبه وكانوا ينبزعون إلى الفتنة والقتال ويمدون أيديهم فيما لا يجوز من الأفعال فنهاهم الله عزوجل عن ذلك وكان فعلهم هذا من قبل أن يفترض الله عزوجل على النبي صلى الله عليه الجهاد، فأمرهم سبحانه بالجهاد وحكم به عليهم وأطلق لنبيه ولهم ثم نكلوا عما كانوا يقولون ورجعوا عما كانوا من أنفسهم يظهرون ثم أخبر أنهم يحشون الناس ويفزعون من قتالهم كخشية المؤمنين لله الذين لا ينكلون عن أمره ولا يرجعون عن حكمه. فذكر عزوجل هؤلاء المنافقين أنهم يخشون الناس ويهابوهم كخشية الله وليس لهم خشية لله ولو كانت لهم خشية لله وهيبة ومعرفة ما نكلوا ولا رجعوا ولا ونوا ولا قصروا، ولكن الله عزوجل أخبر نبيه والمؤمنين أن هؤلاء المنافقين يخشون الناس كخشية الله التي في قلب نبيه وقلوب المؤمنين معه، فذم الله سبحانه أهل النفاق، والكفر والشقاق بفعلهم، وما ربك بظلام للعبيد. وقولهم: لولا أخرتنا إلى أجل قريب، يقولون: إلى انقضاء المدة وحضور الموت فأخبرهم عزوجل أن متاع الدنيا قليل وأنهم لو بلغوا في المدة غاية الأمل والأرادة، لكان انصرام وذهاب وكل ما زال وذهب فليس بغبطة لمن كان له عقل ومعرفة والفتيل، فقد قيل: إنه الذي يكون وسط النواة، وقد قيل: إنه الذي يكون في شقها والفتيل عندي ما قل وحقر وصغر وقد قيل: إن هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهري. (1/394) وسألت: عن قول الله سبحانه: وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك، فقلت: مرة ينسبه إلى نفسك ومرة ينسبه إلى العبد، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا تفهيم من الله عزوجل وتبيين لمن كان مع محمد صلى الله عليه، وذلك أنه كان يعظهم إذا أصابتهم حسنة وغنيمة ونصر قالوا: هذا من الله عزوجل وإذا أصابتهم محنة نسبوها إلى نبيهم صلى الله عليه، وهذا كان من كلام بعضهم يوم أحد، وذلك أنهم لما أشتوروا في قتال المشركين أشار بعضهم بقتالهم في المدينة، وأشار بعضهم بالخروج إليهم، وقالوا: يا رسول الله نخشى أن يطمع العدو فينا إذا قاتلنا بين الأزقة وحول القرية ويظنوا أنا قد دخلنا منهم أو ضعفنا عن الخروج إليهم. وأشاروا بالخروج فلما لبس صلى الله عليه درعه، وتقلد سيفه وخرج وسار ساعة، قال له بعض من كان معه: يا رسول الله لو رجعت إلى المدينة فقاتلنا بين أزقتها فهو أنصر لنا فقال صلى الله عليه: قد أبيتم ذلك، وما كان لنبي إذا لبس لآمته أن يضعها حتى تنقضي الحرب فسار عليه السلام ومن كان معه من المؤمنين حتى قاتل أهل الشرك والنفاق فلما عبأ العسكر جعل الرماة على جبلين من ورائه، وأمرهم أن لا يبرحوا من الموضع خوفا منه صلى الله عليه أن يقتحم العدو عليهم من خلفهم ويأتوا الطرق التي جعل فيها الرماة مقابلة لهم فلما أن هزم عليه السلام المشركين ووقع المسلمون في غنايمهم خلاَّ الرماة الموضع الذي كانوا فيه واستغاروا في طلب الغنيمة فاستدارت خيل المشركين، ومن كان معهم فدخلها على النبي صلى الله عليه من ورائه من حيث كانت الرماة. (1/395) فقتل من المسلمين ما قد علمت وامتحنوا بمحنة عظيمة جنتها عليهم أنفسهم بما كان من مخالفتهم فلما أن رجعوا إلى المدينة قال بعضهم: هذا منك يا محمد، قد كنا أدر باك على القتال في المدينة فغسلت فأخبر الله سبحانه عزوجل أنه ما أصاب من النعمة والفتح في أول ذلك النهار فمن الله وما أصابهم من سيئة فمن أنفسهم إذ خلَّوا مواقفهم وراحوا عن مواضعهم وتركوا ما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه حتى وجد العدو مدخلا عليهم من بعد أن أراهم الله ما يحبون. وأما قوله سبحانه: قل كل من عند الله، فإنما ذلك معنى سوى هذا يخبر عزوجل عن الحسنة والنعمة منه عليهم والسيئة التي ينزل بهم فهو ما يكافيهم الله به من فعلهم وما أوجب عليهم من الحد والعقوبة وما جعل في ذلك من الأحكام الشديدة، وقد يخرج في هذا وجه أخر بما يصيبهم من التقل والجراح فإنما ذلك لفرض الله عليهم، إذ تعبدهم به وأمرهم بالقيام فيه فهذا وجه المسألة، وتفسيرها والله أعلم سبحانه وتعالى علوا كبير ا. وقد قال بعض المفسرين: إن معنى وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك، قالوا في ذلك أنه ما كان من مطر وخصب فهو من عند الله وما كان من قحط وجدب فهو منك، فقال الله عزوجل: قل كل من عند الله، وليس التفسير عندي كما فسروا والقول الأول الذي قلنا به هو الصواب عندنا، والله الموفق لكل خير وسداد. وسألت: عن قول الله سبحانه: فإذا برزوا إلى عندك بيَّت طائفة منهم غير الذي تقول، فقلت: ما معنى التبييت، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا إخبار من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه بفعل أهل النفاق والشك والارتياب كانوا إذ دخلوا على النبي صلى الله عليه وسمعوا الحكمة، وما أنزل الله من الموعظة ثم خرجوا من عنده فأبوا في ليلتهم يبيتون تحريف كلامه والكذب في قولهم عليه مدبرون لصد الحكمة التي يسمعون متبعون لغير ما به يوعظون. (1/396) وقد قيل: إن معنى بيت طايفة منهم غير الذي تقول أي بيتوا غير ما أعطوك من أنفسهم وليس ذلك كذلك ولا القول فيه إلا ما قلنا به أو لا. وقلت: ما معنى قوله سبحانه: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، فقلت: قد نجد فيه الفاظا مختلفة حتى كأنه ينقض بعضها بعضا.. واعلم هداك الله أن هذا شيء لا يطلق في الكتاب ولا يتكلم به أهل المعرفة والألباب، قد بعد منه الاختلاف والتناقض بل هو المؤتلف الواضح يشهد بعضه لبعض ويؤكد بعضه بعضا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، شفأ من الأدوا ونور لمن اهتدى منجي من الهلكة قايد في كل ظلمة لا يضل من تعلق به ولا يهلك أبدا من تمسك بحبله فيه شفاء الصدور، وموضح ما التبس من الأمور، ولو كان في نسقه ورصين كلامه ومحكم تأليفه وعزيز مطرد وصفه اختلاف وتناقض أو تفاوت لما قال سحبانه: فأتوا بسورة من مثله. فلما أن كان معناه واحدا وتنزيله محكما عز على الخلق أن يأتوا بمثله ويقدروا على سورة من شكله فانقطع عند ذلك كلام المتكلمين وانقطعت لديه حجج المخالفين فالج من خصمه وقاهر من حاوره وناضل من ناضله إليه يرجع الصادون ويتحاكم المتحاكمون مزيح الشبهات وكاشف الظلمات فكل كلام سواه مختلف، وفي معانيه غير مؤتلف، فهو كما قال العلي الأعلى: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين. وسألت: عن قول الله سبحانه: فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون، وقوله: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان، وقوله: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فمرة يقول: لا يسألون ومرة يقول: يسألون، فهذا مما يقع في الشك عند من لا يعرف التفسير، وقلت: بين لي ذلك وأوقفني منه على معنى يذهب الشك والارتياب. (1/397) قال محمد بن يحيى عليه السلام: إعلم هداك الله ووفقك أن هذه الآيات بينات واضحات لاشك فيهن ولا ارتياب وسنفسر لك إن شاء الله ما عنه سألت ونوقفك فيه على ما له قصدت، أما معنى قوله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه: فوربك لنسألنهم أجمعين، فسؤاله لهم عزوجل فهو لغير استفادة أمر مجهول ولا غايب مستور، وإنما يسأل سبحانه للتقريع، والتبكيت والاذلال للظالمين، لا على حاجة منه عزوجل إلى علم شيء من الأشياء مستتر عنه. وأما قوله: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان، فإنما أراد سبحانه أنهم لا يسألون مسألة استخبار ولا استفهام بل هو العالم بجميع الأسرار، ومعنى قوله تبارك وتعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فكذلك الله سبحانه لا يسأل عن فعله ولا راد لحكمه إذ هو المالك لخلقه والقادر على عباده العادل في جميع أفعاله الذي أوجد خلقه من بعد العدم، وفطرهم على ما شاء من صورهم واختلاف خلقهم والوانهم حكمة وتدبيرا وصنعا متقنا وتقديرا فلا معقب لحكمه ولا راد لأمره، وهو العزيز الحكيم، الذي أمات وأحيا وخلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، وهو الذي سبحانه أغنا وأقنا ورزق وأعطى وتعبد خلقه بما افترض في كتابه المنزل مع نبيه المرسل ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم، فكل ذلك من فعله والخلق فيسألون عن أفعالهم وعما يكون من ظلمهم وإحسانهم وكل سيكشف عمله ويجازى على فعله ويوقف على قصده، فهذا معنى ما عنه سألت: فافهم هديت وميزيبن لك الصواب، ويذهب عنك بعون الله الإرتياب. (1/398) وسألت: عن قول الله سبحانه: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها، فقلت: ما معنى الشفاعة، فمعنى ذلك أنه من عمل عملا أو شفع شفاعة يقول رضيً وعند الله سبحانه مقبول زكي كان له من ذلك نصيب، ومعنى النصيب: أي حظ وأجر وثواب وعطا على فعله ومجازاة على المرضي من فعله لأن الله لا يضيع أجر المحسنين. وسألت: عن قول الله سبحانه: وكان الله على كل شيء مقيتا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى مقيتا فهو مقتدرا، وذلك في لغة العرب فموجود أن المقيت هو المقتدر، ألا تسمع كيف يقول الشاعر: وذو حنق كففت النفس عنه... وكنت على سوأته مقيتا ويقول: مقتدراً، وقد قال بعض المفسرين: إن معنى مقيتا هو شهيد ا، وليس هذا عندي بصواب، والقول الأول أوضح للحق وأبعد من الشك. وسألت: عن قول الله سبحانه: فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى قوله: فما لكم في المنافقين هو مالكم فيهم حزبين تتحاجون، وفي أمرهم تحاورون وهذا القول، فكان من المؤمنين في أهل النفاق والكفر والشقاق، فأخبر عزوجل أنه أركسهم بما كسبوا أي خذلهم وتركهم من التوفيق لشرارتهم وبعدهم من طاعة ربهم، فهلكوا بذلك وصاروا من المعذبين وعند الله من المقبوحين وذلك أن هؤلاء القوم الذين ذكر الله اختلاف المؤمنين فيهم رجعوا إلى مكة من بعد إيمانهم، فقال قوم: هم مؤمنون.. وقال آخرون: هم منافقون، قد أرتدوا عن الإسلام، وذلك أنهم عند خروجهم إلى مكة كتبوا من طريقهم إلى رسول الله صلى الله عليه إنا على عهدك والتصديق بدينك إلا أنا نزعنا إلى وطننا فوهموا بذلك على المؤمنين فبين الله نفاقهم وما كان في ضميرهم من الرجوع عن الدين وأوضح أمرهم لجميع المؤمنين، ومعنى حصرت صدورهم، فالحصر: هو الضيق والحرج، وقلت: كيف تقرأ حصرت صدورهم بتسكين التاء. (1/399) وسألت: عن قول الله سبحانه: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ثم قال: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد عزوجل بتحرير رقبة تكفيرا للخطية ومحوا للسيئة فجعل فيه تحرير رقية بعد الدية، ثم قال في آخر الآية: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله فأوجب الصيام لشهرين متتابعين فمن لم يجد الرقبة ولم يطق أن يصوم فعليه أن يطلب الرقبة ويجتهد فيها، وتكون في رقبته دينا حتى يفيدها أو يمكنه الصيام من قبل المقدرة على الرقبة فيصوم إن كان تركه أولا لعلة عرضت عليه. وقلت: هل يحكم على العاقلة بالدية، وكذلك يفعل بهم والدية عليهم، وقلت: فإن لم يكن له عاقلة، وله مال هل يخرج من ماله، فقد قيل: إن عاقلته إذ لا عاقلة له المسلمون لأنهم ورثته إذ لا ورثة له وإن كان الإمام ظاهراً وداه من بيت مال المسلمين لأنهم ورثته إذ لا ورثة له. وسألت: عن رجل قتل مسلما عمدا، هل يجب عليه عتق رقبة، ولم يذكر الله في كتابه وإنما يلزمه القتل فإن عفي عنه وقبلت الدية فقد أحسن في ذلك إليه، ومنوا بنفسه عليه، وعليه أن يؤديها كما قال الله سبحانه: فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، ويستحب له أن يكفر بعتق رقبة فهو أفضل له. فأما أن يكون محكوما به عليه فليس ذلك يلازم له، وقلت: فإن قتل قوم رجلا خطأ هل تجزيهم كفارة واحدة مثل قوم دفعوا جدارا ليطرحوه، ولم يعلموا بما خلفه فقتلوا رجلا فعلي كل واحد منهم كفارة. (1/400) وقلت: إن قتل قوم رجلا مؤمنا عمدا، فالجواب في ذلك أنهم كلهم يقتلون به وأنه إذا عفي عن بعضهم أن القتل قد زاح عن كلهم ولا قتل عليهم لأن جميعهم بمنزلة رجل واحد، وإذا صفح عنه أحد الأولياء لم يجز قتله للآخرين، ويجب على كل هؤلاء القاتلين إذا عفي عن بعضهم وسقط القتل عنهم دية دية يخرجونها لأولياء المقتول فإن كانوا خمسة أخرجوا خمسة ألاف وإن كانوا عشرة أخرجوا عشرة آلاف، وإن كانوا أقل أو أكثر فعلى حساب ذلك، وقد قال قوم ممن لا علم عندهم ولا تمييز لهم: إنه إذا قتل جماعة رجلا عمدا ساهم بينهم الولي فقتل منهم واحد ا، وهذا عين الظلم والمحال، وأقبح شيء من الحكم والأفعال أن يكونوا كلهم قائلين معا ثم يقتل ولي المقتول منهم واحدا فيجمع ذنوبهم كلها في رقبة ويخرجوا سالمين مما دخلوا فيه معه، هذا قول مدخول لا يقبله إلا كل عقل فاسد مخبول. وقد سئل: عن هذه المسألة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فقال: ؛نعم، لو قتله أهل صنعاء كلهم لقتلتهم به«، وقد يروى أن المسألة وردت عليه من صنعاء، ويذكر أنه قال: لو قتله أهل منى لقتلتهم به. وسألت: عن قول الله سبحانه: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى توفاهم الملائكة فهو عند حضور الأجل وانقطاع الأمل وخروج نفس المتوفا وما ينزل من الموت لجميع الأحياء ثم قال ظالمي أنفسهم يقول عز وجل يتوفا أنفسهم وهم ظالمون لها بما اجترموه من أفعالهم، وكانوا فيه من المخالفة لربهم فأهلكوا أنفسهم، وقد كانوا قادرين على إيصالها إلى الثواب والنجاة لها من أليم العقاب فلم يفعلوا و اتبعوا الهوى وارتكبوا الردا، فكانوا بذلك ظالمين، وبتقصيرهم في أمر الله من الهالكين. (1/401) ثم أخبر عزوجل عما يعتذرون به في الآخرة من قولهم: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فلم يجعل الله فيما احتجوا به من ذلك لهم حجة، ولا عذرا بل كان ذلك عليهم نقمة وإلى العذاب ذريعة فهذه الآية فجوابها يطول، ولها معاني يوفق الله لها من قصده من عباده وهي توجب على الخلق أسبابا لا يقوم بها إلا من امتحن الله قلبه وشرح بالإيمان صدره والقليل المجزي لمن قبله خير من الكثير الغزير لمن لا ينتفع به، وقد أعطيناك فيها جملة، وهي للهجرة ملزمة وعن دار الفسق والكفر للعزلة موجبة، فنسأل الله التوفيق لما يرضيه ويقرب من الأمور إليه. وذكرت السكنا مع الظالمين والكينونة بينهم، وقد أجبنا في هذا بجواب شاف، عندك في كتاب الإيضاح والقول واحد لا يختلف ومعاشرة الظالمين فحرام ومكاونتهم من أعظا الاثام. وسألت: عن الظالم يغشى البلد ولا يقدر أهلها أن يمنعوه منها فيقيموا في البلد معه هل يسعهم ذلك أو يجوز لهم أن يساكنوه فيها، قال: إن أمكنهم الانتقال منه فلينتقلوا إلى أطراف البلدان حيث لا يلحقه لهم حكم، ولا يجوز له عليهم أمر وإن أضر بهم وحال بينهم وبين الخروج من بلدهم كانت حالهم كحال من حبسه ظالم لا حيلة لهم في ذلك فيجب عليهم أن يعادوه بقلوبهم ولا يدخلوا عليه بشيء من أرفاقهم وهم معذورون عند الله بحصرهم. (1/402) وسألت: عن الحديث الذي يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في صفة المتقين إن كان الرجل منهم في الغافلين كتب من الذاكرين، وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين يعفو عن من ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه، فأما العفو عن من ظلمه والصلة لمن قطعه والإعطاء لمن حرمه، فقد سمعنا عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال: ليس البر أن تعطي من أعطاك، ولا أن تصل من وصلك ولا أن تبر من برك ولكن البر أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتبر من عقك وتعفو عن من ظلمك، وأما ما ذكرت من الكينونة مع الغافلين فلا نعرف عنه ذلك عليه السلام. وسألت: عن قول الله سبحانه: لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه الآية جدي القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه، فقال: معنى قوله: لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا يعني من لم يمكنه النقلة والهجرة عن أهل المعصية الظلمة الفجرة، ثم قال: فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله غفورا رحيما. ثم قال سبحانه: مؤكدا على من أمكنه النقلة والهجرة والاعتزال لأهل المعصية والفسق والريبة: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة يعني بالمراغم الإعتزال لجوار أئمة الظلمة والمغاضبة وإن غاظ ذلك الفساق وأرغمهم وغمهم. (1/403) وسألت: عن قول الله سبحانه: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا تبيين من الله عزوجل للمؤمنين وإعلام لمن حظر عليهم معاشرته من الفاسقين ومن أطلق لهم مكاونته من المخالفين، فنهاهم عزوجل عن الذين حاربوهم وأدخلوا عليهم واستجلبوا العدو إلى حربهم، وطلبوا العوايل ولم ينههم تبارك وتعالى عن من كان غير محارب لهم ولا موجف عليهم، ولا مكاون لعدوهم والقسط: فهو العدل وترك الظلم. فأمر نبيه صلى الله عليه والمؤمنين معه أن يقسطوا في من وفاء بعهدهم ويبروا من لم يشهد نفسه بعداوتهم وكان منصفا لهم، فهذا معنى الآية وتفسيرها. وسألت: عن قول الله سبحانه: إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى قوله: تألمون، ألم الجراح، ووجعها عند الجهاد ومحاربة أهل الكفر والعناد مع التعب في الحركة والاسفار والمسير في الليل والنهار، فأخبرهم عزوجل أن عدوهم يألم كما يألمون وتجد من الألم أكثر مما يحدون وأنتم فترجون من الله من الرحمة والرضوان والمغرفة والجنان ما لا يرجون الكفرة الأشرار، فإذا صبروا على ما فيه هلكتهم ولا نجاة عند الله سبحانه لهم فأنتم أولى وأحق منهم بهم إذ أنتم أهل الثواب الكريم والمحل عند الله العظيم، فكان هذا تثبيتا من الله لنيَّات المؤمنين ومعونة منه سبحانه لعزائم المتقين أهل الصدق واليقين والطاعة لرب العالمين خصيما. (1/404) وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تكن للخائنين خصيما، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد الله عزوجل إكرام نبيه وتعظيمه من بعد إقامة الحجة على أهل الشرك من أهل الكتاب ألا يكون لهم خصيما في ما قد بان لهم من الحق وعرفوه معه صلى الله عليه من الصدق ووجدوه في كتبهم وثبت في عقولهم وهم يجادلون في الحق بعد ما تبين مضادة لله ولرسوله فأمره الله ألا يكون لهم خصيما من بعد ذلك، وأن يحكم بما أراه الله من الحق وينفذه عليهم وعلى غيرهم وهم كارهون. وقد ذكر ذلك عزوجل، فقال: وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، فأمره الله سبحانه أن يحكم بينهم بما أنزل الله فكان صلى الله عليه ينفذ أحكام الله فيهم ويمضيها برغمهم عليهم، وقال عزوجل: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، فأمره أن يصدع بالحق وما أنزل الله عليه من الصدق وأن يعرض عن مخاطبة الجاهلين وأهل الزيغ المردة المعاندين. وقد قيل: إن هذه الآية في طعمة، وذلك أنه سرق درعا لبعض أصحاب النبي عليه السلام ثم استعدي عليه فقامت عشيرته دونه وجحدوا عنه، وسألوا النبي صلى الله عليه أن يبريه عند الناس مما شيع به عليه، فأنزل الله: ولا تكن للخائنين خصيما معارضة لكلامهم ولم يكن النبي عليه السلام ليحتج عنه ولا يفعل ما قالوا، فأنزل الله تحقيق ما ذكر عليه فقطع النبي صلى الله عليه يده، وكلاهما معنى حسن، والمعنى الأول فأحسن عندنا وأصوب لدينا. وسألت: عن قول الله سبحانه فيما يحكى عن إبليس اللعين في قوله: لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا، يريد جماعة وحزبا يضلهم، وعن الحق يصدهم ويختزلهم من طاعة الله سبحانه ويجْترُّهم في أمره، فلما أن كان من شأن الملعون الإفساد والإغوا والمكر لهم والاستهزاء والوسوسة في قلوبهم والتلبيس لدينهم وجعل ذلك على نفسه مثل الفريضة سواء. (1/405) وسألت: عن قول الله سبحانه: واتخذ الله إبراهيم خليلا، فقلت: ما معنى الخليل، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى اتخاذه سبحانه إبراهيم خليلا فهو اصطفاؤه له وتفضيله إياه وتكرمته وتعظيمه وما من به عليه من فضله وإحسانه. وسألت: عن قول الله سبحانه: ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتاما النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتاما بالقسط وما تفلعوا من خير فإن الله كان به عليما، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى: ويستفتونك أي يسألونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتاما النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن، ويتاما النساء فهي الاطفال منهن ومعنى: ترغبون أن تنكحوهن فهو تزهدون في نكاحهن، وقد كانت الجاهلية لا يؤتون الصبيان من الميراث شيئا. وكانوا يفعلون ذلك قبل نزول حكم الميراث وفرضه، فقال سبحانه: اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن يقول: تمنعونهن حقهن لصغرهن والمستضعفين من الولدان فهم الصبيان من الذكور والإناث الذين في أيدي الأوصياء، وغيرهم من الأقارب والصبي فلا يزال يتيما حتى يبلغ ثم يخرج من حد اليتم، ويجب على الوصي إن أنس منه رشدا، والرشد: فهو الصلاح والعقل والمعرفة فإذا بان ذلك للوصي سلم ما في يده إليه، وأشهد عند ذلك عليه، ومالم يبن منه رشد، فلا يجب دفعه إليه بل الحضر واجب عليه، ثم قال: وأن تقوموا لليتاما بالقسط. (1/406) والقسط: فهو العدل في أموالهم والحفظ في أنفسهم، ثم قال: وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما، يريد عزوجل أنكم ما فعلتم إليهم من خير أو أنلتموهم إياه إن الله كان به يقول عليه مطلعا، ولكم فيه مكافيا، وقد قيل: إن معنى ترغبون أن تنكحوهن تريدون نكاحهن، والقول الأول أصوب عندنا لأن معنى ترغبون أن تنكحوهن أي تزهدون فيهن، وذلك في كتاب الله موجود في قوله: ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه فصارت الرغبة كراهية، وقد تكون في موضع آخر من طريق المحبة، فأما في هذا فليس إلا من طريق الزهد والكراهية، وذلك صحيح في اللغة. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تتبعوا الهواء أن تعدلوا وأن تلووا أوتعرضوا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى قوله: ولا تتبعوا الهوى، يريد لا تتبعوا هوا النفس، ومالم يجز الله لكم إتباعه فلا تعدلوا عند ذلك، وأن تلووا فمعنى تلووا أي تحرفوا ولا تقيموا الحق، وتعرضوا فهو تتركوا الواجب وتصدوا عنه وتجانبوه فإن الله كان بما تعملون خبير ا. يقول: عليما، مطلقا فأمرهم أن يعدلوا في شهادتهم وأن يقولوا بما افترض من الحق عليهم في القريب والبعيد وأن يكونوا عندهم في الحق بمنزلة سواء. (1/407) وسألت: عن قول الله سبحانه: إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هؤلاء قوم ممن آمن مع النبي صلى الله عليه ثم رجعوا إلي قريش وارتدوا عن الإسلام، ثم رجعوا ثم هفوا ثانية فرجعوا إلى الكفر فازدادوا فيه ومضوا عليه، فأخبر الله سبحانه أنهم حين ازدادوا كفرا ثم مضوا على ذلك أن الله لا يغفر لهم ولا يهديهم سبيلا، بل تركهم من التوفيق والتسديد والعون والتأييد وحكم عليهم، عند ذلك سبحانه بالهلكة والخذلان بما استوجبوه من تركهم للحق والإيمان فصاروا بذلك معذبين ولديه سبحانه من الهالكين في السلاسل والاغلال مصيرون إلى شر حال. فأخبر سبحانه أنه لم ينفعهم ما كان من إيمانهم أولاً، وما كانوا عليه في إسلامهم لأن ما ختموا به أعمالهم من الردة والكفر موجب لهم النار مصيرون به إلى شر دار جهنم يصلونها فبئس القرار، وقد قيل في ذلك آمنوا بموسى ثم كفروا به وغيروا دينه، ثم آمنوا بمحمد ثم كفروا به ثم مضوا على كفرهم والمعنى الأول أقرب إلى الحق، وهو الذي وضح من الخبر، والله ولي التوفيق والعون والتسديد. وسألت: عن قول الله سبحانه: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وقد سئل عن هذه المسألة جدي القاسم صلوات الله عليه قال: المنافقين في دين الله وإحلاله من كان مخالفا لقوله فيه بفعاله يقر بما لا يعمل، ويقول ما لا يفعل، وفي أولئك ومن كان كذلك ما يقول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون، وفي ذلك وأولئك ما يقول سبحانه ومنهم من عاهد الله لإن أتانا من فضله لتصدقن، ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله يخلوا به وتولوا وهم معرضون. (1/408) وسألت: عن قول الله سبحانه: فيما عني عن قوم موسى إذ قالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هؤلاء قوم من بني إسرائيل سألوا موسى صلى الله عليه أن يريهم الله جهرة فأنزل الله سبحانه عليهم الصاعقة فأهلكتهم بظلمهم وشدة كفرهم وما طلبوه من محال مسألتهم وعظيم فريتهم فسبحان الذي لا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأقطار ولا تجدوه الفكر ولا يلحقه النظر. ثم قصَّ عزوجل ما كان من فعل بني إسرائيل وحربهم إخبارا لمحمد صلى الله عليه وللمؤمنين بما كان عليه أولئك من شرارتهم، وقلة إنصافهم وبعداوتهم وشدة كفرهم وهم يرون الآيات العظام فلا يرجعون ولا بها ساعة يتعظون ولا إلى الله سبحانه من جهلهم يستفيقون، فأخبرهم سبحانه أن هؤلاء الذين تشاهدون وبالمعاينة تنظرون هم من أولئك الذين قد غابوا عنهم يحتذون بفعلهم ويسيرون بسيرهم أهل جهل وضلال، وباطل وإدغال وكفر ومحال. ثم ذكر سبحانه اتخاذهم العجل بعد أن أنقذهم من آل فرعون وما أبان لهم في ذلك من اللطف والعون وما رأوا من الآيات العظام من إنفلاق البحر لهم طريقا ومشيهم فرقا في قعره يبسا عددا فلم ينتفعوا بذلك إذ عاينوه ولم يرجعوا عن عبادة العجل، ولم يرفضوه فكان هذا ذما لهم وتبيينا لعوراتهم وتوقيفا على كفرهم، وقلت: كيف اتخذوا العجل من بعد أن أخذتهم الصاعقة، قال: قد أخبر الله سبحانه بحياتهم وبعثهم بعد موتهم، فقال: وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم يعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون. (1/409) وسألت: عن قول الله سبحانه: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد سبحانه بذلك عيسى صلى الله عليه لما أخذه الظالمون ليهلكوه وسجنوه في البيت ليقتلوه فسلمه الله من كيدهم ودفع عنه ما هموا به من عظيم كفرهم وألبس الكافر الذي كان يحرسه شبه عيسى في صورته وخلقه، فلم يفرقوا عند ذلك بينه وبين عيسى عليه السلام في شيء من أمره فلما أن نهضوا لقتل عيسى صلى الله عليه وجدوا صاحبهم في مكانه فقتلوه ولم يشكوا فيه عندما عاينوه أنه عيسى صلى الله عليه فأخبرهم عزوجل عنه، فقال: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، ثم رفعه الله عنهم وأخرجه من بينهم سالما مسلما. وقوله: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته فهذا دليل على حياته، وأنهم سيؤمنون به قبل موته، وذلك على ما يروى عند نزوله مع المهدي وإسلام الخلق ورجوعهم وما وعد الله به نبيه أن يظهر دينه على الأديان جميعا ولو كره المشركون. وقلت: هل يجوز أن تقرأ قبل موتهم، وهذا لا يجوز والذين يؤمنون به، فهم أهل الكتاب، وقد يقال: إن عيسى بن مريم صلى الله عليه يقيم بعد المهدي سنينا ثم يموت، ومعنى قوله: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، والله سبحانه يشهد بالحق، وقد أخبر أنه من عنده أنزله بعلمه لاشك ولا أمترا، ثم قال: والملائكة يشهدون على صحته، وصدقه ولم يضر الحق جحدان الفاسقين ولا إنكار المبطلين.. (1/410) وقلت: لم لم يستشهد عليه الجن والإنس عامة، فكيف يستشهد عليه قوما منهم من يجحده وأكثرهم يصد عنه وينكره، ولما أن جحده أهل الكتاب وأنكروا أن تكون صفته في كتابهم وإيجاب تصديقه وطاعته عليهم، قالت قريش: يا محمد أيتنا بمن يشهد على صدقك فإن أهل الكتاب قد جحدوك وما جيت به يعنون اليهود والنصارى، فاحتج بذلك المشركون من قريش ومن كان معهم، وأبطلوا أن يكون ما جاء به محمد عليه السلام من الله، فأخبر سبحانه بإكذابهم وشهد بالصدق لرسوله بقوله: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون فكانوا صلوات الله عليهم يشهدون على أنه من الله فكانت الملائكة مجمعة على التصديق وليس منهم مخالف ولا عن الحق معاند. وسألت: عن قول الله سبحانه: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الكلالة ما خلا الولد والوالد، وهذه الآية يروى أنها نزلت في جابر بن عبدالله وفي أخته أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال له: إن لي أختا فمالي من ميراثها بعد موتها، فنزلت هذه الآية. وقلت: ما معنى قوله سبحانه: ليس له ولد هل أراد الذكور والإناث، وهذا المعنى سواء لأن الأنثى والذكر كلاهما ولد، وكذلك ولد الولد، إذا لم يكن ولد قاموا مقام الولد الذكور مثل الذكور والإناث، مثل الإناث سواء مثل ابن الابن وبنت الابن وما سواهم كلالة، وذكرت أن بعض من يدعي العلم يحجب العصبة بالبنت ولا يعطيهم شيئا معها ويقيمها مقام الإبن، وليس هذا قول من له علم، وكيف يقيمها مقام الذكر والله عزوجل لم يقيمها كذلك مع العصبة، وإنما يقول بهذا بعض فرق الإمامية الجهلة المفسدين في الإسلام المعطلين للأحكام الرافضين للفرقان. (1/411) والبنت تحجب الزوج: عن النصف وتحجب الزوجة عن الربع، فليس لزوج مع إبنةٍ ولا ابن الاَّربع ولا لزوجة مع بنت ولا ابن الاثمن والبنت فلها النصف وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان وما بقي فللعصبة مثل العم وابن العم والاخ، وابن الاخ، ومن كان من العصبة. وقلت: إنك قبلت الحجة في العول فقد، والحمد لله قلت صوابا وأزحت عنك في ذلك شكا، وارتيابا وفقك الله للهدى وأعانك على التقوى، وقلت: إني كتبت إليك إن الفرائض بالإتباع للثقات فما كان منها يرحمك الله منصوصا في الكتاب مشروحا، فقد اجتزينا به عن النظر في غيره وما كان فيه مجملا يحتاج إلى تفسير، فذلك موجود في السنة عن رسول الله صلى الله عليه والاتباع له فرض من الله عزوجل لقوله: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، مع ما قد برأه الله منه سبحانه في كتابه من التكلف فقال: إن أتبع إلا ما يوحى إلي. وقال في موضع آخر: قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين فشهد له سبحانه بالبراءة من التكلف وأنه لا يتبع إلا ما يوحى إليه، ثم قال عزوجل: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وقال: من يطع الرسول فقد أطاع الله، فكل ما جاء به النبي صلى الله عليه فمن الله أمره به، وإذا صح عنه سبب ونقله الثقات تبعناه وعملنا به لأن الله قد أمرنا بذلك أمرا وحكم به حكما لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب. وذكرت في مسألتك هذه عن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه وعن غيره أشياء لم نقف في شرحها على صحة فاعلم ذلك، وفي ما كتبنا لك أولا وآخرا كفاية وغنا. ومن سورة المائدة: (1/412) وسألت: عن قول الله سبحانه: أحلت لكم بهيمة الأنعام، فقلت: كم هي من الأصناف، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هي البهايم التي أجاز الله أكلها وأحل لخلقه لحومها وأنعم على البرية بها، وهي الإبل والبقر والغنم وغير ذلك، مثل الظبا وبقر الوحش والوعل وما أشبه ذلك من بهيمة الأنعام، ثم قال سبحانه: إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم. فأخبرهم أن هذه البهائم التي من الأنعام مثل الضبا وبقر الوحش والوعل محرمة عند الإحرام امتحانا من الله لخلقه وتعبدا منه لعباده فحظرها عليهم في حال إحرامهم وأباحها لهم عند إحلالهم اختيار منه: ليجزي الذي أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام إلى آخر الآية، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الشعاير فهي ما تعبد الله به خلقه في الحج مثل: الصفا والمروة والمواقف والجمار والبدن فأمرهم الله ألا يبيحوا ذلك ولا يتركوه ولا يفرطوا فيه، وقد قيل: إنهم في سالف الدهر من بعد إبراهيم يتركون بعض هذه الأشياء ولا يرون في تركها بأسا، وكان ذلك من فعلهم خطأ فنهاهم الله سبحانه عنه، ومن إحلالها أيضا الإفساد فيها واستجازة الظلم والصد عنها، والمعنى الأول هو تفسيرها. وقد يلحق في الكلام ما يفرع عليه وجوه المسألة نريد بذلك إفهام المسترشد وتبيين الحق والله ولي التوفيق والعون والتسديد. (1/413) والهدي والقلايد: فهن الشعاير والهدي هو البدن، والقلايد فهو تقليدها وإشعارها فهو شق سهامها، وهو من التعبد الذي أمر الله به فيها والشهر الحرام، فهي الأشهر الحرم التي ذكر الله عزوجل حين يقول: منها أربعة حرم، فأخبر بقول الشهر الحرام عن ذكر جماعتها إذ كان ذكرها قد تقدم وشرحها كما قال سبحانه: يا أيها الإنسان فإنما أراد يا أيها الناس، وقال عزوجل: الشهر الحرام بالشهر الحرام، فأجاز لمحمد صلى الله عليه ولأصحابه حين تعتدي عليهم الأشهر الحرم وغزوا فيها أن يغزوهم صلى الله عليه فيها وإنما أراد عزوجل الاشهر الحرم كلها لا واحدا منها واجتزا بقوله: الأشهر الحرام عن ذكر الاشهر وعلم السامع أنه قد أجاز الانتصار في كلها لأن هذا من لغة العرب، فصحيح معروف في إيجاز الكلام والآمون البيت الحرام فهو من أمَّه وقصده من المؤمنين الطالبين لرضى الله فحرم سبحانه صدهم عنه، ومنعهم منه، والإعتراض لهم دونه، تأديبا منه عزوجل لخلقه ودلالةً على أرشد طرقهم، وإن كانوا لم يفعلوا ذلك كما قال عزوجل: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن. فكان ذلك عظة منه وتعليما وتفهيما لما لهم فيه الصلاح ونهيا عن أفعال الجاهلية الأولين، من فسادهم لأموال اليتاما وصدهم عن البيت الحرام، وإن كان المؤمنون لم يفعلوا ذلك في إيمانهم، ولكن كان ذلك من الله تعليما لهم ودلالة على أرشد أمورهم، ثم قد أصبح أهل الظلم اليوم، وهم صادون عنه ما نعون لأهل الإسلام عنه مخيفون للمؤمنين دونه، فالله عزوجل على ذلك المستعان وإليه المشتكا. (1/414) وقد: قيل في الآمين البيت الحرام أنه شريح بن ضبيعة في مسيره من اليمامة إلى مكة فأراد المؤمنون أن يعارضوه ويكافوه على ما كان من أخذه لسرح أهل المدينة، وذلك أنه وصل برسول الله صلى الله عليه ثم خرج من عنده ولم يسلم فأجاز بسرح أهل المدينة فأخذه ومضى به وليس تفسير الآية بهذا المعنى، والقول الأول أصوب إن شاء الله لزن شريحا كان كافرا معاند ا، والله سبحانه فأخبر أنهم يبتغون فضلا منه ورضوانا والكافر فليس الله عنه براض ولا له بمقرب. ثم الجزء الرابع: وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا يجرمنكم شنأن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا أمر من الله عزوجل للمؤمنين وتأديب لهم، ودلالة على ما فيه نجاتهم والسلامة في آخرتهم، فقال: ولا يجرمنكم شنآن قوم، والشنآن: فهو البغض والقلا، يريد لا يحملنكم بغض قوم على أن تعتدوا و تميلوا عن الحق فتهلكوا و التعدي فهو الظلم والحيف فنهاهم الله سبحانه عن ذلك وحذرهم منه وأمرهم أن يكونوا منصفين وبالحق حاكمين لا يزيلهم عنه بغض لمن شنوا ولا إيثار لمحبة فتظلموا ولا يخرجهم ذلك إلى الميل والهوى وأن ينفذوا أحكامه سبحانه فيهم على السواء لأن الله عزوجل لم يجعل في حكمه تناقضا ولا فسادا ولا زلفة لأحد ولا إيثارا بل جعلهم في ذلك معا وحكم عليهم ولهم فيه بالسواء إنصافا لخلقه وتسوية بين بريته، فقال: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين. فأمرهم أن يقوموا بالقسط، وهو العدل في من ولدهم وقرب نسبه إليهم بالسواء، فلا يحل لمؤمن عرف ربه وأيقن بيوم بعثه أن يعدل عن القسط، والحق بالحكم في عدوه وقريبه على ما أمر الله سواء سواء، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون، والحق فيه الناس جميعا مشتركون. (1/415) وسألت: عن قول الله سبحانه: وأن تستقسموا بالأزلام، فقلت: ما الأزلام، وهي القداح التي يقتسمون بها ويرضون بما يكون من أمرها فنهاهم الله عزوجل عنها إذ كانت من فعلالجاهلية.. وسألت: عن قول الله سبحانه: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى أكملت فهو أتممت لكم دينكم، وهو ما لا يكون له نقص ولا يكون بعده تعبد ولا شريعة ولا نقصان ولا زيادة لأن الأنبياء عليهم السلام كانوا يأتون بشرايع مختلفة للذي أراد الله سبحانه من التعبد بالأمر النهي وامتحان الخلق وتبيين المطيع من العاصي، وكان سبحانه ينقلهم من طاعة إلى طاعة حتى ختم الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وأكمل به التعبد وجعل الإسلام خاتم الأديان إلى آخر الدنيا لا دين بعده، ولا فرض سواه ولا نقصان فيه ولا زيادة، فمحمد صلى الله عليه خاتم النبيين ودينه أكمل أديان المتعبدين، قال الله سبحانه: ورضيت لكم الاسلام دينا.. فذكر أنه قد ارتضاه لخلقه واختاره لهم، وافترضه عليهم، فكملت به النعمة، وقامت على العباد به الحجة، فهذا معنى ما عنه سألت وهذه الآية فنزلت على رسول الله صلى الله عليه بعرفة وكان ذلك يوم الجمعة.. وسألت: عن قول الله سبحانه: غير متجانف لإثم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد عزوجل بقوله: غير متجانف لإثم، يقول: غير متحرف له ولا قاصد لمحرم عليه، ألا تسمع كيف يقول: من قبل هذا فمن اضطر في مخمصة والمخمصة فهي المجاعة، يقول: فمن اضطر في ذلك إلى أكل شيء مما قد حرم عليه مثل: الميتة والدم ولحم الخنزير، وكان ذلك على حد مخمصة وجوع، فلا إثم عليه ومن تجانف له لظلم نفسه واستحلال لما حرم عليه منه فهو المعاقب فيه والمأخوذ به. (1/416) وسألت: عن قول الله سبحانه: وما علمتم من الجوارح مكلبين، فقلت: هل يجوز لمن أطلق كلبا معلما على صيد فأكل الكلب بعض الصيد أن يأكل الرجل ما بقي منه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الجوارح فهي الصقور والشواهين والبواشق والباز، ومعنى المكلبين، فهو ما علموا من الكلاب، فإذا كان الكلب معلما لصيد يغرا فيأخذ ويدعا، فيجيب ثم أغري على صيد فلحقه فقتله ثم لحقه صاحبه فوجده قد أكل منه، فلا بأس بأكل ما بقي لأنه معلم. وقد أطلق الله سبحانه كل ما أمسك الكلب المعلم، وأحب لمن توارى كلبه من عينه في الجبال والعياض ألا يأكل ما فضل منه لأنه لا يؤمن أن يكون الصيد تردا أو غرق فإذا قتله في موضع براز من الأرض وهو يبصره ثم أكل منه ولحقه صاحبه فلا بأس بأكل بقيته، وقد قال بعض الناس: إن الكلب إذا أكل من صيده فلم يمسك على صاحبه، وإنما أمسك لنفسه وليس ذلك بصواب، بل كان السلف عليهم السلام يجيزون أكله على ما ذكرت لك. وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فقلت: هل يجوز غسل اليدين قبل الوجه أو يسع ذلك، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى فاغسلوا وجوهكم، فهو أمر من الله بغسل الوجه عند وضوءه للصلاة والغسل: فهو الإنقاء للدرن بالماء، ثم قال: وأيديكم، فأمر سبحانه بغسل اليدين بعد الوجه، ثم قال: وامسحوا برؤسكم، فأمر بمسح الرأس مسحا، ولم يأمر بغسله ثم قال: وأرجلكم تقرأ بالنصب عطفا على الوجه واليدين ولا يجوز لأحد أن يقدم مؤخرا ولا يؤخر مقدما. (1/417) فمن فعل ذلك فقد خالف حكم الله عزوجل، وترك ما أمر به ولا يجوز لأحد أن يغسل اليدين قبل الوجه، ولا أن يغسل الرجلين قبل مسح الرأس فمن فعل من ذلك شيئا أعاده ولو أن رجلا نسي غسل وجهه حتى غسل يديه ومسح رأسه وغسل رجليه لوجب عليه أن يستأنف الوضوء ويبتديه، ولو أنه غسل وجهه ونسي المضمضة والاستنشاق لوجب عليه أن يعيد وضوءه; فيتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه، ثم يده اليمنى ثم اليسرى، ثم يمسح رأسه وأذنيه ورقبته وعابته. والعابة: فهي ما تحت اللحية، ثم يغسل رجله اليمنى، ويخلل أصابعه ثم رجله اليسرى فيفعل كذلك بها فإن نسي يده اليمنى غسلها، ثم أعاد اليسرى ثم رأسه، ثم رجليه وإن نسي اليسرى غسلها ثم أعاد مسح رأسه، وكذلك إن نسي مسح رأسه مسحه ثم أعاد غسل رجليه وإن نسي رجله اليمنى غسلها ثم أعاد على اليسرى، وإن نسي اليسرى غسلها فقط، وقد تم وضوءه فعلى هذا فقس الوضوء فكل ما قدمت شيئا من الأعضاء قبل المقدم قبله غسلت المقدم، ثم أعدت ما كان بعده. وبذلك أمر الله ذو الطول والإحسان والنعمة والإمتنان والاستنجاء فواجب لأن الله سبحانه يقول في كتابه: أو جاء أحد منكم من الغائظ أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء، فأوجب الاستنجاء عند الوضوء وافترضه، وليس مع من قال: إن الاستنجاء لا يكون إلا من الغائط حجة لأن الله قد ذكر الاستنجاء عند الوضوء وافترضه فإن قال قائل: ليس إلا من ملامسة النساء والغائط فما تقول في البول فليس البول يدعا غايطا، ولا يدعا المذي غايطا فيجب عليه أن يقول: إن المذي والبول لا يقطعان الوضوء ولا يجب منهما الاستنجاء. وإن قال بذلك قائل; فقد خرج من حد المعرفة، وخالف الكتاب وما نطق به مع ما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه من الأمر بالاستنجاء نصا والتشديد فيه. (1/418) ومن أعجب عجائبهم أنهم يرون إعادة الوضوء من الريح والدود يخرج من الددبر فيرون إعادة الوجه واليدين والرأس والرجلين ولا يرون الاستنجاء فالذي وقع منه من الحديث ونقض الوضوء أحق بالغسل والإنقاء مما لم يحدث فيه شيء من الأشياء بل الوجه واليدان والرأس على غاية الطهارة والنقاء، وإنما جاءت الإعادة مما كان من الحدث والأذا، فالذي جاء منه الحدث أحق بالغسل والإنقاء وإلا فإن عارضهم معارض، فقال: من أين قلتم بإعادة الوضوء من الرعاف والقي، وليس له ذكر في كتاب الله فنحن نراكم لا توجبون الإستنجاء، وهو في كتاب الله قايم فكيف توجبون ما ليس في كتاب الله فيجب عند ذلك ألا تعيدوا الوضوء من الدم، ولا من القيء، وإذا فعلوا ذلك فقد خرجوا من المعرفة إلى الجهل، ومن الحق إلى الضلال، ولكن يقال لمن قال: بهذه المقالة: إن الله سبحانه قد أمر بإعادة الوضوء على لسان نبيه صلى الله عليه فكل ما جاء به محمد صلى الله عليه فمن الله عزوجل، ومن خالف قوله صلى الله عليه فقد خالف حكم ربه.. وكذلك أيضا الاستنجاء: قد ذكره الله في كتابه ووكده نبيه بلسانه، وقد كان جدي القاسم صلوات الله عليه قد أجاب فيها، واحتج بحجج في كتاب الطهارة، وهو عندكم مثبت، وفي ما ذكرنا حجة، وغنا لمن قصد الحق واهتدا. (1/419) وسألت: عن قول الله: يآ أيها الذين آمنوا أذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: القوم الذين أرادوا أن يبسطوا أيديهم فهم بنوا قريظه وبنوا النظير، وذلك أن النبي صلى الله عليه لما وقعت عليه الدية التي لزمت في الرجلين اللذين قتلهما المسلمون وظنوا أنهما لم يسلما وكانا ممن يطالبه المسلمون بالقتل، فقدما على رسول الله صلى الله عليه فأسلما، ثم خرجا فلقيهما بالحرة من لم يعرفهما، ولم يقع عنده إيمانهما فقتلا خطأ بلا تعمد ظلم، ولا اجترا فخرج صلى الله عليه يستعينهم في ديتهما فرحبوا به ولقيوه بأحسن لقا، وقالوا: أقعد يا محمد حتى نأتيك فقعد صلى الله عليه ومعه أنفار من أصحابه يسير أقل من عشرة أو عشرة، ثم مضوا من عنده فأزمعوا بقتله عليه السلام وتعاملوا على ذلك، فأنزل الله عليه جبريل عليهما السلام فأخبره بخبرهم، وما يهمون به من مكرهم فنهض صلى الله عليه مسرعا، وكان الذي بينه وبين المدينة قريبا، ثم جاؤا يطلبونه في الموضع الذي تركوه فيه فلم يجدوه فأرسلوا إليه يعاتبونه في مضيه من قبل أن يأتوه فأعلمهم صلى الله عليه بما كان منهم، وما أرادوا به ونهض في حربهم من ساعته فأذلهم الله وأخزاهم وأباح عزهم وأرداهم، وكان من أمرهم ما قد وقفت عليه فسلم الله نبيه من كيدهم، وخبرهم عما أرادوا من قتله وجعل دايرة السوء بأعدائه وكان ذلك كفا لأيديهم وقبضا لأنبساطها على إتلاف نبيه والمؤمنين معه، فكف الله شرهم، وأوهن كيدهم وما هموا به من عظيم فعلهم، وردهم بغيظهم. (1/420) وسألت: عن قول الله سبحانه: فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى أغرينا أي خذلنا وتركناهم من التوفيق والتسديد لما كان من معصيتهم وتركهم لما أمروا به من عظيم طاعة خالقهم فلما أن خذلهم ضلوا عن رشدهم ووقع البلاء بينهم والبغضاء في قلوبهم، كما قال ربنا تبارك وتعالى: إنما نملي لهم يريد بالإملاء الترك والخذلان، فدام ذلك فيهم وفي أولادهم، وعقبهم إلى يوم القيامة بما اكتسبوا لأنفسهم واجتلبوه من الخذلان على فعلهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه المخاطبة من الله عزوجل لأهل الكتاب وتوقيف لهم والرسول، فهو محمد صلى الله عليه قال: يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب يريد ما كنتم تغيرون من أحكامه وتكتمون من صفة محمد صلى الله عليه ونبوته والأمر بطاعته، فكان مما يخفون الرجم فأبانه لهم وأوقفهم فيه على كذبهم، ومثله من الأشياء التي كانوا يحرفونها وعمن لا يعرفها من الخلق يغمضونها فكان هذا شاهدا له صلى الله عليه بالنبوة إذ أخبرهم بما كانوا يخفون وأظهر لهم كثيرا مما كانوا يسترون مما لم يكن ليدرك علمه إلا بالوحي من الله عزوجل. ويعفو عن كثير، فالذي يعفو عنه صلى الله عليه فهو ما ستره عنهم وعفى عن كشفه لهم، ومن العفو أيضا تخفيف الله سبحانه التعبد الذي كان عليهم لو رجعوا إلى طاعة الله لكانوا في التكليف كالمؤمنين مثل عبدالله بن سلام، وأصحابه الذين أسلموا معه فزاح عنهم ما كان من التشديد الأول في التعبد لأن الله عزوجل جعل أمة محمد أمة وسطا في التعبد فخفف عنهم المحن العظيمة والأسباب الشديدة فضلا منه وإنعاما ومنة وإحسانا. (1/421) وسألت: عن قول الله سبحانه: وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا قول من اليهود والنصارى يكذبون فيه، ويقولون البهتان والزور والفاحش من جميع الأمور، فأكذبهم الله عزوجل في قولهم، فقال: بل أنتم بشر ممن خلق يقول: مثل من قد خلق من الأمم تؤمرون وتنهون وتماتون وتحيون وتثابون وتعاقبون. ثم قال: يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، الذي يشاء عزوجل المغرفة له فهو المطيع لأمره المتبع لحكمه، فحكم لمن كان كذلك بالثواب والنعيم، والنجاة من العذاب الأليم، ولم يحكم سبحانه بالمغفرة إلا لمن أطاعه واتقاه، وكذلك عزوجل يعذب من عصاه وخالف أمره وأباه فقد شاء سبحانه عند ذلك عذابه وحكم به عليه في فعله واكتسابه وما كان من صدوده وعناده فلا يشاء تبارك وتعالى للمؤمنين إلا الثواب، وكذلك فلن يشاء سبحانه، ولن يحكم أبدا للعاصين بنجاة وإذا لم يحكم لهم سبحانه بالنجاة، فقد شاء لهم العقاب وحكم عليهم بأليم العذاب. وقلت: قد قال قوم إن الله عزوجل حين قال: يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، فقد أبطل الفعل والعمل فقد أخطئوا في قولهم وتأولوا غير ما نطق به كتاب ربهم، ولو كان ذلك لفسد الوعد والوعيد، وإذا فسد الوعد والوعيد جاز أيضا أن يفسد البعث والحشر لأنه يقول سبحانه لا يخلف الله الميعاد، ويقول: وما ربك بظلام للعبيد.. (1/422) فإذا دخل أهل الجنة النار، ذهب الوعد، ووقع الظلم وإن جاز أن يدخل أهل الجنة النار، جاز أن يدخل أهل النار الجنة، وإن جاز ذهب الوعد والوعيد، وبطل الأمر والنهي، فإذا بطل ذلك فسد إرسال الأنبياء، وكان ذلك عبثا واستهزاء والله سبحانه برئ من ذلك متعال عنه بل وعده الحق، وقوله الصدق لا يخلف الميعاد، ولا يظلم العباد، ولا يدخل النار أهل طاعته، ولا يوصل الجنة أبدا من مات على معصيته عز سلطانه وعظم برهانه وجل عن كل شأن شأنه. فأما ما زعم أهل الحديث، واحتجوا به من قوله: لا يسئل عما يفعل وهم يسألون، فقالوا: هو في تعذيب المؤمنين إن شاء إدخال الكافرين الجنة إذا شاء، فبيس ما نطقوا إذ عن الحق عدلوا، وله في كل الأمور باينوا وإنما أراد الله عزوجل بقوله: لا يسأل عما يفعل من الموت والحياة والأمر والنهي والخلق والتصوير والتعذيب والتقدير، فهذا معني الآية لا ما ذهبوا إليه من فاحش قولهم وعظيم فريتهم، فأين قوله سبحانه: فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شرايره، بُعداً والله ممن أدخل النار أن يوتا خيرا أو غبطة أو سرورا أو يعرف لصالح عمله جزا أو ينال أبداً راحةأو نعماً كذب المفترون على الله في قولهم وضلوا عن طريق رشدهم بل هو تبارك وتعالى عدل في فعله غير ظالم لخلقه بري مما نسبه إليه أهل الإفك من عباده، وليس قولهم لهذا المقال الفاسد المحال، إلا مثل قولهم: إن الله سبحانه يقضي بالمعاصي ويأمر بها ويشأها ويعذب خلقه عليها. (1/423) ومثل قولهم: إن الله جسم، وصورة فوصفوه بما نفا عن نفسه وشبهوه بالمحدثين من خلقه فأوجبوا أن خالقهم مصور مجسم فيه آثار الصنع والتدبير والتأليف والتقدير فحكموا بجهلهم أنه مخلوق كخلقهم، مؤلف كأحدهم فصاروا يعبدون شبحا مقدرا وجسما مؤلفا فكفروا وهم لا يعلمون، وعبدوا غير الله وهم لا يشعرون، عماً من قلوبهم وقلة معرفة بخالقهم وجهلا بدينهم يخبطون في عشوا مظلمة لم يستضيئوا بنور الحكمة، ولم يقبسوا من معدن الرسالة، فيعرفوا الحق ويقفوا منه على الصدق اتبعوا الشهوات وتركوا الواضح من المحكمات وصاروا في المهالك والظلمات وأخذوا دينهم من كذب المقالات فضلوا عن الصواب وصاروا بذلك إلى شر مآب، جهنم يصلونها فبئس المهاد، فلا تلتفت يرحمك الله إلى شيء من مقالتهم فإنها حجج داحضة وأقاويل مختلطة ومذاهب مهلكة فهم كما قال الله عزوجل: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وسألت: عن معنى قوله: على فترة من الرسل، والفترة: فهي المدة التي بين الرسل، وقد يقال: إنه كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام أربعمائة سنة وبين موسى وعيسى مثل ذلك. وسألت: عن قول الله سبحانه: إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا، فقلت: ما معنى الأنبياء، وهل يجوز أن يدعا باسم النبوة غير الانبياء، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الأنبياء فهم المبلغون عن الله عزوجل والمقيمون للحجج على خلقه والملوك الذين جعلهم الله فيهم، فهم ولاة أمرهم العادلون فيهم المحكوم من الله بالطاعة لهم، ثم قال سبحانه: وآتاكم مالم يؤت أحدا من العالمين، فهو ما آتاهم من الملك والنبوة والآيات المنزلات بينهم وما خصوا به في عصرهم، وفضلوا به على غيرهم، فكان ذلك لهم نعمة، وعليهم لله حجة. وقلت: هل يجوز أن يدعا أحد من الناس باسم الأنبياء، ويسما نبيا، فهذا يرحمك الله لا يجوز، ولكن قد يجوز أن يقال: منبي يريد مخبرا، كما قال الشاعر: ... (1/424) أنبيت عمرا حز بين السنابك... ألا فمتى بالفايزين كذلك قال: أنيت يريد أخبرت ويقال: أنبأني فلان عن فلان، وقال الله عزوجل: ولا ينبئك مثل خبير، يقول: لا يخبرك مثل خبير فجعل الإخبار إنباء، قال الشاعر: أنبيت أن أبا قابوس أوعدني... ولا مقام على زار من الأسد ... وقال الشاعر أيضا: ... أنبيت عمرا غير شاكر نعمتي... والكفر محبثة لنفس المنعم ... فقال: أنبيت أي أخبرت، ولا يجوز أن يقال: لإنسان نبيء، ولكن يقال: منبي. وسألت: عن قول الله سبحانه: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة، والمقدسة، فهي المفصلة الطاهرة، وقد يقال: إنها بيت المقدس والشامات كلها، وهي التي قال الله سبحانه: والقرى التي باركنا فيها، والمقدس فهو اسم لما طهر من الأنجاس، ونقي من المعاصي والأدناس، فيقال: مقدس أي مطهر. وسألت: عن قول الله سبحانه: قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما، فقلت: من الرجلان؟، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد قال فيهما الناس بأقاويل مختلفة، وهما حاطك الله فرجلان كانا خائفين لله عارفين بأمره مسلمين لحكمه متبعين لأمر موسى صلى الله عليه، وقد قيل: إن أحدهما يوشع بن نون، وليس معرفة أسمائهما مما تعبد الله به خلقه، فافهم هديت ذلك. وقلت: هل كان هؤلاء القوم الذين أمروا بدخول القرية مع موسى مؤمنين، فقد كانوا قد آمنوا بموسى عليه السلام وصدقوه، ثم ضعفوا عن الدخول على الجبارين، ورغبوا في الدنيا، وخافوا القتل والفنا فصاروا بذلك من العاصين، ولما أمروا به من المخالفين، ولذلك حرم الله عليهم مصرا أربعين سنة، إذ كان امتناعهم من دخول القرية على الظالمين محبة للدنيا وميلا إلى الهوى وطلب الدعة ورغبة في العاجلة، فأقاموا عند ذلك يتيهون في الأرض أربعين سنة. (1/425) وقلت: لم جاهد بهم، وهم فاسقون منافقون، وفسقهم ونفاقهم، فإنما بان عندما أمروا بالجهاد وافترضه عليهم ذو العزة والأياد، ثم سأل موسى ربه عند مخالفتهم لأمره، وصدهم عن طاعته أن يفرق بينه وبينهم; إذ كانوا غير مطيعين له. وقلت: ما معنى يتيهون، والتيه: فهو التحير عن القصد لما يطلب، وذلك أنه لما حرمت عليهم مصر أقبلوا يطلبونها وهم لا يهتدون لطريقها فحينا يذهبون يمينا وتارة يسعون شمالا، ومرة يرجعون على أعقابهم يتكمهون في حيرتهم يمعنون في تيههم يتكبدون بطون الأودية والفيافي والقفار، فلما أن لم يهتدوا ولم يعرفوا الطريق التي يؤمون في سيرهم، قيل: يتيهون لتحيرهم عما يريدون. -وقلت: ما كان طعامهم وشرابهم، وقد تقدم تفسير ذلك في أول مسائلك. وقلت: ما كانت الحجة في الفترات على الأمم، والحجة عليهم فالتمسك بدين النبي الذي بعثه الله إلى أولهم والإقرار به فهو عليهم حجة إلى ظهور مرسل من بعده إليهم، فكان موسى عليه السلام في عصره حجة على أهل دهره، وكان القيام بدينه عليهم واجبا وفرضا من الله سبحانه لهم لازما، إلى أن بعث الله عيسى بن مريم عليه السلام، ثم كان عيسى حجة حتى بعث الله محمد صلى الله عليه، فختم به النبيين وبعثه إلى جميع العالمين، وجعل دينه أفضل الاديان مفروضا على جميع المربوبين إلى يوم الدين، وحشر العالمين وكانت بين المرسلين فترات قد فسرناها في أول كلامنا. (1/426) وقلت: هل كان للأنبياء أوصياء، وكذلك كان الأمر فيهم كانت الانبياء لم يزل لهم الأوصياء صلوات الله عليهم حتى لم يمت نبي إلا وله وصي يقوم بدينه وبتعليم أمته، ويأمر فيهم بالتقوى ويجنبهم عن الردا ويبين لهم طريق الهدى، فمنهم من يتبع أمره ومنهم من يصد عن سبيله، ويخالف حكمه، وذلك فعل الأشقياء الظلمة الجهلاء بالدين إخوان المنافقين. وأتباع الجايرين وأشباه أولئك الآن فموجودون في الأرض يجذون أفعالهم ويتبعون آثارهم عجل الله سريعا إهلاكهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، فقلت: ما معنى هذا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد الله عزوجل أنه من قتل نفسا مؤمنة ظلما وتعمدا أو تعديا فكأنما قتل الناس جميعا لأنه قد ظلم وتعدا واستوجب العقاب بفعله فيما اكتسبه من عظيم جرمه والعقوبة والهوان، والخلود بين طبقات النيران وكتبنا فمعناه حكمنا بالعقوبة عليهم والتعذيب لمن فعل ذلك منهم. ومعنى: ومن أحياها، فهو بالتعليم للدين والتفهيم لأحكام رب العالمين، وأنجاها بذلك وإنجاها من اليم عقوبة الله عزوجل التي جعلها على أهل الجهل والغفلة عما افترض عليهم من تعليم الدين والنفقة فيما جاء به خاتم النبيين فكان إحياؤه للنفس هو بالتعليم والتفهيم لما افترض الله على جميع المسلمين، ومن إحياء النفس الدفع عن المسلمين والحقن لدماء المؤمنين والذب عن المستضعفين. (1/427) ووجه آخر من وجوهها أيضا أنه لما كان هذا الحكم من الله عزوجل في ابن آدم وجب أن يكون حكما خاصا في الأنبياء والأئمة أن من قتل منهم نبيا أو إماما كان كأنما قتل الناس جميعا إذ حكم الانبياء والأئمة سوا حكم الخلق وبهم يهتدى من الحيرة ويستضا من الظلمة وينصف المظلوم وينعش الضعيف وتقتسم الأموال وتحقن الدماء وتطهر من الله سبحانه على الخلق بهم النعما، فإذا قتلوا فقد قتل الخلق وأهلك العباد، وأفسدت البلاد فنعوذ بالله من الضلال بعد التقا ومن الحيرة بعد الهدى. وسألت: عن رجل قتل قوما عمدا ثم أراد التوبة من جرمه والإقادة من نفسه، فقلت: كيف يصنع أيجمع الأولياء أم كيف يعمل، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا فعل ذلك فاعل فكان أولياء المقتولين في بلد واحد فليجمعهم ثم ليقدهم نفسه فيحكموا فيه بما رأوا فإن رأوا الصفح عنه، فذلك جاز وعليه لهم الديات، وإن صفح بعضهم وقتل بعض، فذلك جايز لأن هذا حكمه خلاف حكم من قتل وله أولياء كثيرون وهم فيه مستوون فإذا وهب أحدهم سقط القتل عن القاتل، ولم يكن للثانين أن يقتلوا، وهؤلاء فإنما هم أولياء القتلى متباعدون، وفي الأنساب غير مجتمعين، فلولي هذا أن يقتل وليولي هذا أن يعفوا، وإن كان قتل رجلا بالري وأولياءه فيها، وقتل آخر بجرجان، وقتل آخر بآمل وقتل آخر نورفوه كان هؤلاء في بلدان شاسعةٍ، ومواضع باينة رأيت له أن يكتب إلى كلهم يعلمهم بتوبته. (1/428) ورجعته إلى الله سبحانه وأنه خارج من خطيئة بإقادة نفسه لهم ويعلم أن كل أولياء المقتولين بمن يطلبه بالقتل، وأنه سيعرض نفسه للأول فالأول فمن صفح عنه وأخذ الدية أعطاه إياها، ومن قتله فبحقه وإن سلم صار إلى الآخر كمصيره إلى الأول، ونحب له إذا كتب إلى أوليائهم أن يذكر لهم أمر الدية، ويتوقف عن القود حتى تتصل به كتبهم فمن قبل الدية أرسل بها إليه، ومن أبا أقاد نفسه، فإذا فعل ذلك فقد خرج إلى الله من دَينه، وإن قتله واحد منهم دونهم كان أدا ما يجب عليه من بعد التوبة والاستغفار والاخلاص في العلانية والاسرار، والتأدي إلى من ظلم والخروج ممن أساء فيه إلى نفسه واجترم. وسألت: عن قول الله سبحانه: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه آية فيها أحكام من الله عزوجل حكم بها على الفاسقين، وألزمها من عند من جميع المفسدين فجعل على من حاربه سبحانه وسعى بالفساد في أرضه وأخاف عباده أحكاما على قدر جناياتهم وجعل عليهم حدودا تنفذ على ما يكون من أفعالهم فمن سعا في الأرض فسادا من جميع الناس، وقطع الطريق على المسلمين، وقتل المجتاز عليها كان حكمه إذا أخذ وظفر به أن يقتل ويصلب وإذا أخذ أموال المسلمين على الطريق ولم يقتل نفسا قطعت يده ورجله من خلاف، وإذا عاد لقطع الطريق من بعد قطع اليد والرجل نفي من الأرض وأدب على قدر ما يرى الإمام. وقد قيل: في النفي أنه يحبس، ومن النفي أيضا الطرد من البلد والإخراج منها، فيكون خروجهم نفيا من أرضها وإبعادا له من الفساد فيها، وهذه الأحكام فلا تكون إلا للأئمة الحكام على الأمة. (1/429) وسألت: عن قول الله سبحانه: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا الحكم من الله عزوجل في السارق خلاف حكمه أولا في المفسدين في الأرض لأن الله عزوجل جعل عقاب مخيف الطريق وقاطعها قطع اليد والرجل، وعلى السارق في المدن والحوانيت والبيوت قطع اليد لا غير لأن قاطع الطريق مجاهر لله بالمعصية معلن بالجرأة مفتخر بالمخالفة مخيف للمسلمين في طرقهم ذا عرلهم في اختلافهم فجعل الله عليه في ذلك قطع اليد والرجل جزاء على فعله، وتشريدا لأهل البغي من خلقه وتحذيرا لأشكاله من المردة المفسدين فيما كان من مجاهرته بالفعل العظيم، والجرأة بذلك على رب العالمين. وسارق الحانوت والبيت ذليل غير مخيف لطريق ولا قاطع لسبيل ولا ذاعر للمسلمين، ولا معلن بمعصية على رب العالمين، فجعل عليه في سرقته الغبية الخفيه للحانوت والبيت قطع اليد، فلما نزلت الآية بقطع اليد لم يدر المسلمون، أي يديه يقطعون لولا أن رسول الله صلى الله عليه بين ذلك وشرحه عن الله فقال صلى الله عليه: ؛هي اليد اليمنى لسارق البيت وما كان في الحرز «، وقال في الذي يأخذ على طريق اليد اليمنى والرجل اليسرى فكان تبيين ما يقطع من الأعضاء، باسمه عن الله سبحانه على لسان نبيه صلى الله عليه كما كان تبيين الصلاة بعد ذكرها مجملة في الكتاب على لسان نبيه عليه السلام سوا سوا لا شك في ذلك ولا امتراء. (1/430) وقد قال بعض الناس: إن القاطع إذا قطع الطريق قطعت يده ورجله، ثم عاد الثانية، فنهب ساير الطريق قطعت رجله الأخرى ويده أو سرق من بيت أو حرز قطعت يده الأخرى، وهذا قول فاحش لا يحكم به عدل في نفسه ولا حاكم بكتاب ربه لأن ذلك من الميل وعينُ القتل، والله سبحانه فإنما جعل عليه القطع لم يجعل عليه القتل لأنه إذا قطعت يداه ورجلاه فقد قتل إذ لا يقدر يأكل ولا يشرب ولا يقوم ولا يتحرك إلا تحريكا ضعيفا ولا يصلي ولا يتوضى للصلاة ولا يغسل عن يديه دنسا ولا يميط درنا ولا يدفع عن نفسه بلا ولا يجر إليها ساعة رخا، ولكن إذا كان ذلك ممن قطعت يده ورجله أدب ونفي، وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال: لا بد له من يد يأكل بها ويميط بها الأذا أو يقيم بها الفرض، ورجل يمشي بها في ما لا بد له منه. وقلت: هل تكون يده، ورجله إذا تاب معذبتين، وإنما حال يده ورجله كحال ساير ما بقي من يده إذا مات العبد وهو مؤمن تايب حشر ورد إليه ما قطع منه، وخرج على حال السلامة، والكمال وليس لليد عقوبة في الآخرة دون البدن ولا للبدن عقوبة دون البصر ولا للرأس عقوبة دون الرجلين بل الإنسان وجميع جوارحه مشتركون في العذاب، أرأيت إن كان القياس كما ذكرت لو أن ظالما قطع يدي مؤمن وأذنيه وأنفه ثم أقام مدة من الدهر حيا ثم نكص عن دينه وخدعه الشيطان في أمره حتى مات على ضلال وصار بذلك إلى شر حال، أمثابة يداه وأذناه وأنفه إذ بِنَّ منه، وهو مؤمن، والله سبحانه فقد حكم في الخلق بردهم في الآخرة على أكمل صورهم وليسوا بمنقوصين من خلقهم بل هم خارجون على أكمل أحوالهم بذلك حكم فيهم ربهم. (1/431) فإن قلت: ترد إليه يداه وأذناه وأنفه فقد عذب معه جزء بان منه، وهو مؤمن، وإن قلت: يجعل له سواء ذلك فقد عذب من لم يعص ولم يطع ولابد أن يكون لهذه اليد المقطوعة التي ذكرت أنها تعذب أو تثاب، وهي منفصلة من صاحبها باينة على حيالها أن يكون فيها روح وتمييز للنعيم، فقد جعلت يداً تميز وتعقل وتألم وتنعم وهي باينة من مركبها منفصلة من جثة صاحبها ولم يسمع بذلك في خبر ولا في كتاب ولا نقله ذو عقل ومعرفة وتمييز وبصيرة لأنا رأينا اليد إذا بانت من صاحبها تحرق بالنار، وهو لا يجد لها ألما ولا تجد هي لذلك وجعا ولا يشاهد منها عند احتراقها جزعا، وهذا من المقال عجيب ما سمعنا بأحد تكلم به، ولا قامت له فيه حجة، فافهم ما به قلنا في ذلك. وسألت: هل تقطع يد السارق بإقراره على نفسه، وهل يلزمه رد السرقة، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا أقر السارق على نفسه بالسرقة مرتين من غير إفزاع ولا بلا لأن رسول الله صلى الله عليه قال: لاحد على معترف بعد بلا، فإذا لم يخف ولم ير سوءا سئل عن عقله فإن كان صحيح العقل سئل أحر أم مملوك، فإذا شهد على حريته قطع الإمام يده، وما حال اعترافه بالسرقة إلا كحال اعترافه بالزنا وإن رجع السارق عن إقراره من قبل أن ينفذ فيه الحكم لم يقطع لأن حاله كحال شاهدين شهدا على رجل بالسرقة فلما قرب إلى القطع نكل أحدهما أو كلاهما فلا قطع عليه عند نكولهما. (1/432) وأما السرقة: فإن وجدت معه أخذت بعينها، وإن لم توجد معه، وكان قد استهلكها لم يحكم عليه بغرمها لأنه قد استهلكها ونفذ الحكم عليه من الله فيها فحاله كحال من اغتصب إمرأة بكرا على نفسها فأقيم الحد عليه فلا عقر لها لأن الحد قد نفذ فيه فلا يجتمع حد وعقر، كذلك لا يجتمع قطع وغرامة وإنما ذهب من قال بعقر المكرهة إلى أن للإمام أن يحسن النظر في أمرها وله أن يفعل في ذلك ما يوفقه الله له ويرى من طريق نظر العلماء، واستحسانهم لا من طريق فرض مؤكد كغيره مما هو مشدد. وسألت: عن قول الله سبحانه: وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد الله عزوجل بقوله: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، أي تتبعون وتحكمون بما أنزل الله فيه من الامر بطاعة محمد صلى الله عليه وآله والدلالة والبشارة به فإن حكموا بذلك فسيؤمنون برسوله ويقرون بنبوته وما أمروا به من اتباعه وإن حرفوا ولم يحكموا على أنفسهم وعلى من تحت أيديهم بما أنزل الله في الإنجيل من الإتباع لمحمد صلى الله عليه فقد كفروا بالانجيل وجحدوه وخالفوا حكمه ونبذوه فهذا معنى الآية ومخرجها. وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد عزوجل أنه من رجع من المؤمنين عما عاهد الله عليه وعقده في رقبته فإن ذلك عليه وبال، وله مهلك ولن يضر الله سبحانه بشيء من فعله ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، ثم قال سبحانه: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه. (1/433) وإيتائه بهم فهو إيجاده نبيه صلى الله عليه من خلقه قوما راغبين وإلى الله سبحانه من ذنوبهم متنصلين، ولدعوة رسوله صلى الله عليه مجيبين فيشرح صدورهم ويعينهم على أمورهم فنسبتهم لنبيه محبهم ويحبونه صحيحة مودتهم لله ولرسوله أذلة على المؤمنين يريد رحماء بالمؤمنين مطيعين لهم غير متكبرين عليهم ولا متطاولين، بل هم خاضعون لله يتذللون ليسوا بجبارين ولا فراعنة شياطين، ومعنى أذلة على المؤمنين فإنما هي للمؤمنين فقامت على مقام اللام، ولم يذكر عزوجل ارتدوا ولا كفروا وإنما قال: من يرتدد منكم فكان ذلك تنبيها للمؤمنين وتعريفا وموعظة وزجر ا، وقد يقال: إن هذه نزلت في قوم كرهوا الجهاد وهم الذين قالوا: ربنا لم كتبت علينا لولا أخرتنا إلى أجل قريب، وقد تقدم تفسير أمرهم في وسط مسائلك. وسألت: عن قول الله سبحانه: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه آية نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فيقال: إنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه، وهو في منزله، فقال: لقد نزلت علي آية عجيب أمرها فانظروا من ذا الذي أدا الزكاة وهو راكع، فإذا بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد جاءته مسكينة وهو راكع فسألته المنفعة فمد يده إليها، فأخذت خاتمه من يده فوجده معها تقلبه في يدها فكان صلى الله عليه المتزكي في صلاته والمتصدق في ركوعه دون جميع أهل دهره. (1/434) وسألت: لم جاء الوحي لجماعة وإنما هو واحد، وهذا من لغة العرب صحيح جيد لأن الواحد من العرب يقول فعلنا وضعنا وإنما يريد نفسه والله سبحانه يقول إنما نحن نحي ونميت وليس أحد يحيي ويميت إلا الله تبارك وتعالى فجاز أن يقول: إنا نحن وإن كان واحدا كما قال إنا أنزلنا الكتاب، وهذا فصيح في اللغة حسن، وكما قال سليمان صلى الله عليه: يا أيها الناس علمنا منطق الطير، فقال: علمنا منطق الطير فخرج لفظه يدل على أنهم جماعة علموا ذلك ولم يكن أحد في عصره علم ذلك إلا هو وحده فهذا حجة فيما سألت عنه ومبين لذلك إن شاء الله. وسألت: عن قول الله سبحانه: وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، فقلت: ما معنى ذلك؟ قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل جدي القاسم صلوات الله عليه عن هذه المسألة فقال: جعلهم فهو تبديله لهم تبارك وتعالى، وقوله: وعبد الطاغوت فإنما هو نسق وتمام لما تقدم من الأول ولحق من قوله سبحانه: قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله يريد منزلة ومرتبة عند الله من غضب الله عليه ولعنه وجعل منهم القردة والخنازير، وعبد الطاغوت والمسخ المقدوره الممقوته تقديما وتأخيرا وتعريفا ولست تحتاج والله محمود إلى تفسير فيما يجوز في بيان القرآن من التقديم والتأخير. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد عزوجل أن أهل التوراة والإنجيل لو أقاموا ما أنزل إليهم من ربهم لدرت أرزاقهم وكثرت نعمهم وأكلوا كما قال من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولأنزل الله عليهم من السماء البركات والأرض النعم السابغات كما قال عزوجل: وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا، وقال: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض. (1/435) فلما أن كانت البركات تأتي من السماء والأرض قال: من فوقهم ومن تحت أرجلهم فكان هذا دليلا وشاهدا على كفر أهل الكتاب وتحريفهم للتوراة والإنجيل وتركهم ما فيهما من أمر الله ونهيه وأحكامه، وفي مثل ما ذكرت في الآية ما يروى عن عيسى بن مريم صلوات الله عليه أنه قال بحق أقول لكم يابني إسرائيل أن لو اتقيتم الله حق تقاته لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم وعن أيمانكم وعن شمائلكم. فإن قلتم: كيف ذلك فانظروا إلى الطير تغدوا خماصاً وتروح بطانا فإن قلتم نحن أكبر أجوافا فانظروا إلى بقر الوحش والظبا والسباع تعدوا خماصا وتروح بطانا لا تحرث ولا تزرع الله يرزقها وإياكم في كتاب الله عزوجل الشاهد لذلك قوله سبحانه: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. وسألت: عن القسيسين، فقلت: ما معنى هذا الاسم، وأنه يقال: النجاشي وأصحابه والقسيسون فهم كتاب النصارى يصلون بهم ويقدمونهم ويعظموهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: اللغو، فهو ما لا تعتمد فيه اليمين، ولا يقصد به جرأة على رب العالمين، وإنما يقع من طريق الغفلة والسهو واللغو ما لا يكون له حقيقة ولا قصد، ولا ضمير، وقد قيل في اللغو: إنه الرجل يحلف على الشيء ما فعله، وقد فعله وليس هو عندي كذلك. وسألت: هل يجوز أن يحلف على الحقوق بالقرآن، والطلاق، قال محمد بن يحيى عليه السلام ذلك جايز، وقد قيل: إن رسول الله صلى الله عليه كان يستحلف على القرآن وأمير المؤمنين عليه السلام من بعده. وأما الطلاق فلا يدخل في ذلك لأن الله يقول عزوجل: ألا بذكر الله تطمئن القلوب، وفي اليمين بالله كفاية لمن عرفه، والطلاق فقد يستحْلف به بعض من لا معرفة له بالقرآن فيكون هيبته للطلاق، والعتاق أشد عليه من اليمين على الكتاب، وفي كتاب الله المقنع والكفاية فافهم هديت. (1/436) وسألت: عن من حلف فحنث وهو لا يقدر على كفارة، فقلت: كيف يعمل?، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن الله سبحانه جعل الكفارة أربعة أشياء رأفة بعباده ورحمة لخلقه فسح بذلك عليهم وجعله على قدر ما يمكن من طاقتهم إطعام أو كسوة أو عتق أو صيام فإذا لم يقدر على إطعام ولا كسوة ولا عتق ولا صيام، كان ذلك عليه دينا حتى يقوي على الصيام فيصوم عند صحته إن كان به مرض أو يرزق فيكفر أو يستعين إمام حق إن كان في عصره فيعينه أو يحمل كفارته عنه. وقلت: فإن كفر برزأ يعطيه بقشره، ونحن نعطيك في هذا أصلا، تعتمد عليه والذي نحب في الاطعام من رزأ وذرة أو بر أوشعير أن يطعم كل مسكين ما يشبعه ويكيفه بأدمه يومه فإذا فعل ذلك فقد أداَّ ما عليه. وقلت: أيما أفضل إعطا المساكين حبا أو يسويه لهم خبزا، والخبر لهم والإشباع والتقديم إليهم، ما قد فرغ من تعبه وعن شغله أفضل وإن دفع من الحب ما يكفي خبزاً و إدما أجزأه وخلصه وكفاه. وقلت: إن أوصى رجل عند موته للمساكين بالف رغيف ولم يسم من أي طعام هو، قال: ينظر إلى ما كان يأكل ويجريه على عياله ويستنفقه الناس في البلد لهم منه، وإن كان مختلفا كان أفضلها أحب إلي، وأما قوله: الف رغيف فهذا شيء مجهول لأن الخبر يتفاضل فرغيف فيه مدور رغيف فيه مدين ورغيف فيه ربع مد وثلث مد وأقل وأكثر وأصلح ما يفعل في مثل هذا أجد وجهين ينظر إلى خبز هذا الرجل الذي كان يعمل في منزله فيعطا المساكين على ضربه لأنه لم يأمر إلا بما يعرف من أرغفته التي لو نذر في حياته أن يطعم عشرة أرغفة لم يطعم إلا من خبزه الذي في بيته لأن اعتقاده لم يكن إلا ذلك، ولم يعتقد خبز غيره. (1/437) والوجه الثاني: وهو أحبها إلي أن يختر لهم الف رغيف من أوسط ما يعرف من خبز أوسط أهل البلد، وشكل ذلك الرجل ثم يعطا المساكين من طريق نظر عدل من المسلمين يتحرا ذلك ويعدل فيه، وقد قيل: إن هذه وصية مجهولة إذ لم يحد فيها حد كيل أو وزن فلا يجاز فيها شيء، والذي أراه أصلح في الدين وأسلم عند رب العالمين ما شرحت لك فاعلم ذلك. وقلت: هل يعطى الرجل قريبه إذا كان فقيرا من كفارته شيئا، واعلم حاطك الله أنه إن كان ممن يجب عليه النفقة فلا يحل أن يعطيه من كفارته شيئا وإن كان ممن لا يجب عليه نفقته فهو من المساكين والفقراء غير أنا لا نحب أن يعطا المساكين أكثر من شبعة يومه ذلك ويعطا الفقراء معه ولا يخص بالكفارة واحداً ولا إثنين، فيعطيهم إياها كلها ولا بدأن يعطي عشرة مساكين كما أمر الله عزوجل. وسألت: عن رجل استحلف بطلاق فحلف بطلاق وسما اسم إمرأته وهو يعني إمرأة أخرى، وافق اسمها اسم إمرأته ولم ينو لمرأته طلاقا، فقلت: هل يحنث? قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا نوى غير إمرأته وسما باسم مشابه لاسمها ولم يعتقدها في قلبه فلا حنث عليه وإنما يقع الحنث بالاعتقاد والقصد لأن تطليقه إمرأة ليست له بزوجة عبث وكذب منه للذي حلف له. وسألت: عن رجل له إمرأتان باسم واحد، فقال: فلانه طالق وأشهد الشهود على لفظه ولم يدروا أيهما عنا، ولم ينسبهما إلى أبيهما فتعرف، قال محمد بن يحيى عليه السلام: يسأل أيهما أعقد عليها قلبه ونيته فالتطليقة لازمة لها وهو أولى بها في عدتها فتكون معه بثنتين، ثم قلت: أرأيت إن مات عند لفظه بطلاقها ولم يسأل أيهما أراد ووقعت الشبهة واللبسة فهذه يرحمك الله شبهة قد وقعت إذ الاسمان مستويان ولم يسأل الزوج أيهما نوى فكلاهما تقول لصاحبتها أنت المطلقة وليس معها على ذلك بينة يصح المقصود بها منهما. (1/438) فالجواب: فيه عندي أنه يلزمهما تطليقة تطليقة وترثانه إذهما في العدة التي جعل الله على المتوفا عنها زوجها وكل مطلقة طلقت أو مات عنها زوجها وهي في عدتها، أو ماتت فهي ترثه ويرثها إلا أن تكون التطليقة الثالثة التي لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فلا ترثه إن مات ولا يرثها وقياس ذلك رجل له ثلاث نسوة، ثم حلف بطلاق مرة من نسائه فحنث ولم يدر أيتهن عنا ولم يعتقد منهن واحدة بعينها فالطلاق لازم لهن كلهن وله عليهن الرجعة في عدتهن. وسألت: عن قول الله سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى ليبلونكم هو ليمتحننكم بالصيد الذي تناله أيديكم ورماحكم أراد بذلك عزوجل الإختبار لهم والإمتحان بالطاعة لينظر كيف صبرهم وقد كان عزوجل عالما بهم ولكن امتحنهم بذلك ليكافي المطيع على فعله ويعاقب المسيء على علمه فكان الصيد في إحرامهم كثيرا لا يذعر منهم كما كان يذعر حتى لو شاء أحدهم أن يضربه بالسيف لضربه أو يطعنه بالرمحة لطعنه فكان ذلك من الله سبحانه اختبارا لهم كما اختبر أصحاب الحيتان فكانت الحيتان في يوم سبتهم تأتيهم شرعا حتى لو شاؤا لأخذوها بأيديهم وإذا كان ساير الأيام لم يقدروا عليها إلا بالشبك والحيل والطلب. وقلت: فإن قتل رجل صيدا متعمدا ثم قتل صيدا ثانيا هل يجب عليه كفارة أو كفارتان والذي يجب عليه في كل ما قتل وهو محرم كفارة كفاره، ولو قتل خمس بقرات من الوحش لوجب عليه خمس بقرات من الأوانس، فإن لم يجد فقيمتهن في ذلك البلد الذي قتل فيه. فإن لم يجد القيمة وجب عليه عدل ذلك صياما وهو ثلثمائة وخمسون يوما عن كل بقرة سبعون يوما. (1/439) وقلت: لم قال الله سبحانه: يحكم به ذوا عدل منكم ولم يقل يحكم به ذو عدل وذوا العدل فهو واحد وذو عدل فهما اثنان فأراد الله سبحانه أن يحكم في هذه القيمة ذوا عدل لأن الاثنين أوثق من الواحد وأجدر أن يصح القيمة بالتراجع بينهما والنظر فيها منهما ولم يجز سبحانه شيئاً من الأحكام إلا بشاهدين. وسألت: عن قول الله سبحانه: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم، فقلت: لم يذكر الله سبحانه الخمس في الكتاب في صيد البر والبحر. وسألت: من أين أوجبناه نحن وليس له في كتاب الله ذكر، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إعلم هداك الله وأعانك أنما ذكرنا من الخمس في البحر والبر وأوجبناه معنا فيه آية من كتاب الله عزوجل والذين لم يوجبوه وأنكروه فإنما استحلوا ورخصوا فيه لأنفسهم وجرت بهم سوء العادة عليه وعدموا المودب والمنبه فصار عندهم حكما واجبا باستحسان أنفسهم وقلة المنكر عليهم، وليس ما فعله العباد بجهل أو تجاوز وترخيص تبع فيه الأول الثاني وتبع الثاني الثالث بحكم الله إذ رضوا به وأجمعوا عليه لأن إجماعهم على غير الحق غير موجب لهم صدقا ولا مثبت من الله إتباعا فلا تنظر إلى الإجماع على ما لا يشهد له به كتاب ولا سنة. وإنا وجدنا الله سبحانه يقول في كتابه: وأعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه، فقال: من شيء ولم يقل شيئا واحدا فكل ما وقع عليه اسم الغنيمة فقد أوجب فيه الخمس وإن كنت تقول حتى نجده لك مسما في كتاب الله خمس البحر، فقلت تجده كذلك ولكن قوله سبحانه ما غنمتم من شيء يوجب في البر والبحر الخمس و إلا كان قال لك مناظرا وجدنا للمعادن في كتاب الله تسمية في الخمس أو في الركائز فلن تجد ذلك أبد ا. (1/440) وإذا لم تجده وجب عليك أن تطرح الخمس من المعادن والركاز، وكذلك اللؤلؤ والجواهر الذي تخرج من البحر ليس فيه أيضا خمس وإذا قال بذلك قايل فقد رد حكمه وضاد أمره وعاند نبيه وخالف فرضه، وإن أوجب الخمس فقد أصاب الحق وإذا أوجبه في هذه الأشياء التي ليس لها في كتاب الله ذكر، وكذلك أيضا لا يجب في الاشياء الأخر سوا سوا. وقد احتججنا في هذا بحجج قد صارت إليك، ووصلت بك، والقاسم صلوات الله عليه فإنما أراد بقوله يحول الحول عليه ثم تكون فيه الزكاة إن كل ما كان من الغنايم فإنما أراد يجب فيه الخمس عند أخذه ثم ليس فيه شيء على مالكه غير ذلك، حتى يحول عليه الحول فإذا حال عليه الحول، وجبت عليه فيه الزكاة إذا كان قيمته مائتي درهم أو عشرون مثقالا لأن بعض الناس يوجب فيه من بعد الخمس العشر، ولسنا نرى ذلك حتى يحول عليه الحول، ثم فيه ربع عشره، وعلى ذلك يجرى حسابه في العشرين مثقالا نصف مثقال، وفي المائتي درهم خمسة دراهم، ولا اختلاف عندنا أن القاسم صلوات الله عليه كان يوجب الخمس. وكذلك يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وبذلك كان يقول الهادي إلى الحق صلوات الله، وبه أقول وعليه اعتمد وكفى بالآية شاهدا ومبينا. وقلت: إن كثيرا من أئمة الحلال والحرام، لم يتكلموا في ذلك بشيء، واعلم حاطك الله أن أئمة السلف أعلم ومعهم من التوفيق والتسديد ما ليس مع الآخرين ولعلهم لو سئلوا عنها أو كشفوا عن جوابها أن يجيبوا فيها بما أجبنا. وسألت: هل يوصى المريض في مرضه بما عليه من الأعشار والأخماس، قال محمد بن يحيى عليه السلام: ذلك عليه واجب وله لازم لأنه حق لله سبحانه في رقبته واجب عليه تأديته لأن الزكاة غلها عظيم، وقد أوعد الله سبحانه فيه لفاعله العذاب الأليم. وفي ذلك ما يقول رسول الله صلى الله عليه مانع الزكاة وآكل الربا حر باي في الدنيا والآخرة، وقال عليه السلام: لا تقبل الصدقة من غلول. (1/441) وسألت: عن إمام قائم في بلد هل يجوز التوجيه بالأعشار والأخماس إليه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: ذلك واجب على الناس أن يرسلوا إليه بأعشارهم وأخماسهم لأن الله سبحانه قد فرض ذلك عليهم وأمره بقبضه منهم، فقال تبارك وتعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها. وقلت: إن وجَّه الرجل بها مع رسول الإمام فذهبت هل يغرم ?، واعلم هداك الله أنه لا يجب عليه غرامه لأنه قد سلمها إلى رسول صاحبها المأمور بقبضها وكذلك أيضا إن جعل الإمام لأهل البلد أن يوجهوا بها إليه مع رسل ثقات فأرسلوا بها مع ثقة كما أمرهم فذهبت في الطريق فلا شيء عليهم لأنهم قد أنفذوها على ما أمرهم به فيها وإذا خرج بها إنسان بغير أمر الإمام فذهبت منه، في الطريق فهو ضامن لها أبدا حتى يوصلها إلى صاحبها لأن الضمان لازم له إذا خرج بها بغير مشورة ولا رأي ولا إطلاق له بذلك، فهي في رقبته حتى يسلمها. (1/442) وسألت: عن رجل اشترى من رجل ما يجب عليه فيه الخمس وقد علم أن البايع لم يخرج خمسه، فقلت: هل يجب عليه هو أن يخرج الخمس ؟، قال محمد بن يحيى عليه السلام: يجب على المشتري إذا علم أن البايع قد غل ولم يؤد الأمانة المفروضة عليه أن يخرج خمس ما اشتراه، وقلت: إن تاب البايع هل يجب عليه للمشتري ثمن ما أخرج، وذلك واجب عليه لازم له، وقد قيل: في ذلك أن الخمس إنما هو على الغانم لا على المشتري وليس على المشتري أن يخرج خمسا، وليس هذا عندي بقول بل أرى لمن عرف الحق أن يتخلص مما غله ذلك الظالم ويخرجه من يديه فإن ذلك أقرب إلى الصواب، وأبعد من الباطل والارتياب، مثل ذلك مثل ظالم باع سلعة كانت بينه وبين رجل فاغتصبت شريكه حقه الذي كان معه فيها، وقد علم المشتري وأيقن بسهم المغصوب الذي اشتراه من هذا الغاصب، فعلى المشتري له إن كان مؤمنا أن يرد إلى المغصوب سهمه، لأنه اشتراه ممن لا يملكه، وقد أيقن بذلك عند شرائه وتقرر ظلمه في قلبه، فلا يجوز لنفسه ولا يسوغها أحد حرام قد علمه وأيقن به وله على البايع قيمة هذا السهم إذا قدر عليه ووجد حاكما يحكم له به لأنه باعه ما لا يملك ظلما وعدوانا وجهلا وعصيانا. وسألت: عن قول الله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه: قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هما كما ذكر عزوجل لن يستويا عند الله تبارك وتعالى في منزلة ولا يحلان لديه في درجة لأن الخبيث وإن كثر وغزر حرام كثير الأثام، وعقوبته المجازاة فيه الخزي الطويل والويل والعويل في العذاب الأليم الدائم المقيم فعاقبته وخيمة وآثامه جمة، وليس فيه لأحد منفعة بل هو عليه وبال ومضرة في جميع الأحوال. (1/443) والطيب: فزكي مطهر مرضي يثاب عليه بأكرم الثواب، مقبول عند الله في كل الأسباب، وقد يكون الطيب من المؤمنين أهل البصائر، والدين والمعرفة واليقين، فقد سماهم الله سبحانه طيبين، فقال: الطيبون للطيبات، فكل هذا يسما طيبا إذ هو من النجس بعيد، وعند الله سبحانه مكرم قريب، وقد يكون الخبيث من مكاسب الدنيا وجمايع الكفرة وزهاها وكثرة زينتها وكبرها في أعين أبناء الدنيا، وعظمها في صدورهم لما يرون من العدد والتملك فتهواهم قلوبهم وتأمقهم أنفسهم فيزدرون عند ذلك جمايع المؤمنين لقلة عددهم وخمول الدنيا وزينتها لديهم فلا ينظرون إليهم من الاعجاب بما ينظرون به أبناء الدنيا، فمدح الله الطيب من كل شيء وعاب الخبيث، ثم قال: ولو أعجبك كثرة الخبيث، فهو غير زكي ولا نامٍ رضي فذمه الله سبحانه، ولم يحمده، فهذا معنى الآية، والله ولي العون والتوفيق. وفي أهل الكفر والعصيان ما يقول ذو المنة والإحسان: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، فقال: ولا تنكحوهن ولو أعجبكم حسنهن، ثم قال: ولا تنكحوهم يعني الرجال يقول: ولو أعجبكم كثرة أموالهم، وشرف أصولهم لأنهم عند الله مذمومون ولديه من الهالكين. (1/444) وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى يا أيها الذين آمنوا فهم المؤمنون المصدقون بالله الذين آمنوا نفوسهم من عذاب الله بما كان من اجتنابهم لمعصية واتباعهم لحكمه، فآمنوا بذلك من العقاب وصاروا به إلى محل الخلد والثواب، ثم قال: عليكم أنفسكم، يقول عزوجل: أصلحوها بالطاعة فاستنقذوها، ثم قال: لا يضركم ضلال الضالين ولا تحاسبون بفعل المبطلين ولا تسألون عن شيء من أعمال المفسدين، وإنما أفعالهم عليهم وضرهم في رقابهم. وقد ذكر أن اليهود، قالوا للمسلمين: كيف تطمعون بالنجاة وآباؤكم مشركون، ولستم بناجين من فعلهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، وقال سبحانه: ولا تزر وازرة وزر أخرى، فأخبر أنه لا يعذب أحدا يجرم أحدا والدا كان أو ولد ا. وسألت: هل يعرِّف الله عزوجل الخصمين المتنازعين بقبيح أفعالهما وما يكون من تظالمهما، قال محمد بن يحيى عليه السلام: كذلك الله عزوجل يوقف كلا على فعله ويحاسبه على عمله وينصف المظلوم من ظالمه، ألا تسمع كيف يقول عزوجل: ويخبر عما يتكلم به الظالمون، حين يقولون: يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا. ويقول عزوجل: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين. (1/445) وسألت: عن قول الله سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية إثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه المسألة جدي القاسم عليه السلام فقال: كذلك أمر الله لا شريك له كما قال لكل من آمن إذا حضره الموت فأوصى أن يشهد على وصيته ذوي عدل من المؤمنين فإن لم يمكنهم من يشهد فأشهدوا من غيرهم من أمكنه فإن أرتيب بهما واتهما أقسما وحلفا كما قال الله سبحانه لا شريك له على شهادتهما:ألا يشريان بشهادتهما ثمنا ولا يأخذان عليها جعلا. وسألت: عن قول الله سبحانه: يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى قوله سبحانه: يوم يجمع الله الرسل، فهو يوم القيامة وهو اليوم الذي قال الله عزوجل: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، فيحضر عزوجل أنبياءه وأممهم ثم يقول سبحانه لهم عندما يكون من تغيير الأمم وفعالهم خلاف ما أعطوا أنبيائهم من أنفسهم وأبانوه من علانيتهم عند كشف سرايرهم وتوقيفهم على أعمالهم التي خالفوا فيها ما كان من ظاهرهم، فيقول تبارك وتعالى: لأنبيائهم ما هذا أجبتم، أي ليس هذا الفعل الذي أعاقبهم عليه وأجزيهم فيه الذي أعطوكم من أنفسهم ولم يفوا بما أظهروا لكم من ألسنتهم بل كانت لهم أعمال دون ذلك، فيقول الأنبياء عليهم السلام: سبحانك لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب. أرادوا بذلك أنه لا علم لهم بضمايرهم، ولا ما استجن في قلوبهم، ولم يكن عندهم من العلم إلا ما أظهروا من أنفسهم ولا يعلمون منهم، إلا ما كان يظهر من قولهم الذي كانوا يبدونه لأنبيائهم، وهو ظاهر الأمور لا باطنها. ألا ترى كيف يقول إنك أنت علام الغيوب، فهذا دليل على أن الله عزوجل، أعلم أنبياه بما كان من ضمايرهم أن سألهم عند معاقبته لهم مما لا علم لهم به. (1/446) وأما ما يقول به من لا علم له أنه سألهم يوم القيامة سبحانه عن مطيعي أممهم فأنكروه ولم يعرفوه فعلى ما أحضرهم عزوجل شهودا إذ كانوا لا يعرفون من أطاعهم في عصرهم فهذا ما لا يقول به أحد يميز، وليس القول فيه إلا القول الأول الذي قلنا، وقد قيل: في ذلك عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم، فقال: يقول ماذا أجابكم قومكم، وهذا في بعض مواطن القيامة، قالوا: لا علم لنا من شدة هول المسألة، وهول ذلك الموطن، قالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب. ثم رجعت إليهم عقولهم فشهدوا على قومهم أنهم قد بلغوهم الرسالة، وهذا قول ليس هو عندي بثابت بل هو مدخول وكيف يحزن أولياء الله ورسله المطهرون، في ذلك اليوم والله سبحانه يخبر بأن المؤمنين الذين آمنوا في ذلك اليوم غير محزونين ولا خايفين، وذلك قوله عزوجل: لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون. فكيف يجزن من تتلقاه الملائكة عند خروجه من قبره تبشره بالرضا من الله عزوجل والجنة وحسن الثواب والأمن من اليم العقاب، والقول الأول الذي قلنا به في صدر جوابنا هذا هو أقرب إلى الحق، وهو الصواب عندنا وبالله نستعين على طاعة خالقنا. وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذ أيدتك بروح القدس، فقلت: ما معنى روح القدس، قال محمد بن يحيى عليه السلام هو الروح المطهر الزكي المكرم، فلما أن أيده الله به كان فضلا منه سبحانه عليه وتعظيما العيسى عليه السلام. وقد قيل: إنه جبريل عليه السلام أيده الله به عزوجل وأعانه به على أهل الكيد له والطلب لتلفه، وأما ما سألت عنه من قوله عزوجل فنادها من تحتها فقد تقدم تفسيرها إليكم. (1/447) وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذا أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى أوحيت إلى الحواريين هو ما أوحى عزوجل إلى عيسى عليه السلام من الأمر لهم والنهي والدعاء إلى الله عزوجل، فلما كان ذلك إليهم جاز أن يقول أوحيت لأن الأمر والنهي كان لهم ومنهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم، هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مايدة من السماء، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل جدي القاسم عليه السلام عن هذه المسألة فقال: معنى هل يستطيع ربك يقولون: هل ذلك مما يجوز طلبنا له والحواريون فلا يشكون ولا ينكرون أن الله سبحانه يستطيع ويقدر والشك في هذا كفر بالله عزوجل فهل يتوهم على الحواريين الشك في قدرة الله عزوجل، وقال: يستطيع يقرأ بالياء ولا يقرأ بالتاء. وسألت: عن قول الله سبحانه: إني منزلها عليكم، فقلت: هل أنزلها عليهم أم لا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: بل قد أنزلت عليهم، ألا تسمع كيف يقول، وقوله الحق إني منزلها عليكم، ومعنى قوله عيدا لأولنا وآخرنا وإنما سألوا أن تكون لهم المائدة، عيدا فكان ذلك يوم عيد من أعيادهم، فقالوا: لأولنا وآخرنا أرادوا جميعهم والأول منهم فهو نبلهم المقدمون والآخر: المؤخر فهو الأوسط منهم التابع للأول، وهذا موجود في لغة العرب، يقول: بلغت الرسالة أولهم وآخرهم يريد بقوله ذلك أي جميعهم ويقول القايل خرجوا عن آخرهم، وهذا الكلام حسن جميل جايز، وقد قيل: إنها لم تنزل عليهم وليس ذلك عندي كذلك لأن الله سبحانه يقول: إني منزلها عليكم، وقوله الحق ووعده الصدق تعالى علوا كبير ا. (1/448) وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذا قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس أتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفس ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه المسألة جدي القاسم عليه السلام فقال: هذا تسبيح لله وإكبار لله عزوجل عن أن يقول في ذلك على الله سبحانه على ما كان وما يكون يقول: إفك مفترا مكذوب لا يصح فيه أبدا قول في فطرة ولا يقوم في عقل سليم ولا فكرة، فقال صلى الله عليه: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد. فأنبأهم عليه السلام أنه عبد له كما هم كلهم جميعا لله عزوجل عبيد وأخبر الله سبحانه من قوله في ذلك بما لا تنكره النصارى كلها، وإن اختلفت في أديانها وفرقتها البلدان في كل مفترق من أوطانها لما رأوا منه عيانا وأيقنه من غاب عنه منهم إيقانا من عبادته عليه السلام لله سبحانه واجتهاده في طاعة الله عزوجل وكان فيما عاينوا من مشابهته لهم في الخلقة، دليل مبين على أنه عبدالله يجري عليه من حكم الله عزوجل أنه عبد لله ما جرى عليهم بما بان من أثر تدبير الله وصنعه فيه وفيهم. (1/449) وسألت: عن قول الله عزوجل في ما يذكر عن إبراهيم عليه السلام حين يقول رب: إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبغي فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، قال محمد بن يحيى عليه السلام أراد إبراهيم عليه السلام بقوله أضللن كثيرا من الناس يعني الأصنام التي اعتكف عليها الجهال واتخذوها ألهة من دون الرحمن عزوجل وجهلوا في فعلهم وتبعوا فعل من مضا من أسلافهم من أهل الجهل والعما والميل عن طريق الهدى، ثم قال عليه السلام: فمن تبعني فإنه مني يقول على ملتي وديني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، صفة الله سبحانه بالمغفرة والرحمة والرأفة والمنة على من تاب إليه راجعا عن معصيته تايبا من ذنبه. ومن سورة الأنعام: وسألت: عن قول الله سبحانه: ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين، فقلت: ما تأويل القرن وقلت إنه يقال عندكم ثمانون سنة قال محمد بن يحيى عليه السلام: القرن الخلف الذي يكون بعد الأول الفاني، فأما ما يقال به من ثمانين سنة فليس ذلك بشيء لأنا قد رأينا قوما يزيدون على الثمانين في عصر واحد، ولكن القرن ما خلف من قد مضا، ويقال القرن لأنهم غير الأولين فسبحان الله رب العالمين، وفي ذلك ما يقول الشاعر: إذا ذهب القرن الذي كنت فيهم... وخلفت في قرن فأنت غريب وسألت: متا يقسم مال المفقود، قال محمد بن يحيى عليه السلام يقسم مال المفقود إذا مضى عليه من السنين ما لا يجوز أن يبلغه أحد من أهل دهره فإذا مضت السنون التي لا يمكن أن يبلغها المفقود أقتسم ماله. وسألت: عن قول الله سبحانه: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الذين أوتوا الكتاب فهم اليهود والنصارى وهم يعرفون محمدا صلى الله عليه وآله ويثبتون صفته ويقفون على صحة أمره وما أمروا به من طاعته، كما يعرفون أبناءهم مشروح ذلك في كتبهم مبين لهم ولكن جحدوا ما عرفوا وأنكروا ما علموا فضلوا وخسروا ذلك هو الخسران المبين. (1/450) وسألت: عن قول الله سبحانه في سورة الزمر: قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين، قال محمد بن يحيى عليه السلام صدق الله العظيم إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة خسروا بتفريطهم فيما ينجيهم وتركهم النظر لأنفسهم في ما يحييها ومن عذاب ربها ينجيها حتى خسروا أنفسهم وصاروا إلى جهنم وبئس المصير، ومعنى: وأهليهم هو ما جعله الله سبحانه لهم على الطاعة من الحوريات والخلد والنعيم الذي جعله لجميع المخلوقين ثوابا على طاعتهم، فلما أن عصوا الله عزوجل وآثروا دنياهم واختاروا حلاوة فسقهم خسروا أنفسهم وأهليهم. ثم قال سبحانه: ألا ذلك هو الخسران المبين، تأكيدا في الخسران، وتقريعا على التقصير، لأنه خسران لا يجتبر إذ كل خسران في الدنيا يستلحق ويدرك ويستعاض إلا من خسر بتقصيره نفسه فأوردها جهنم وترك ما أعد الله عزوجل على طاعته مما ذكر سبحانه للمطيعين من الجنان والرضى والرضوان، والحور الحسان، وذلك الفوز العظيم والمحل الكريم، ولمثل ذلك فليعمل العاملون، وله فليقصد الطالبون. وقلت: إنه يقال: ما من مؤمن ولا كافر إلاَّوله، منزلة في الجنة، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أما الكافر فلا شيء له ولا كرامة ولا مرتبة عند الله سبحانه ولا سلامة والله سبحانه فإنما خلق الخلق جميعا ليعبدوه، فقال جل ذكره: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، فجعل الجنة للمطيعين والعقاب للعاصين، ولو قبلوا ما تعبدوا به كما قبله المؤمنون لكانوا من المثابين، وعند الله عزوجل من المكرمين، بل غلبت عليهم شقوتهم وتركوا أفضل المنازل لشرارتهم ورادوة أفهامهم وإنما هلكوا بنفوسهم ولم تأتهم الهلكة من ربهم بل أعذر إليهم وأنذر وأوضح وبين وكلف فسهل وبذل المغفرة وأمهل ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم. (1/451) وسألت: عن قول الله سبحانه: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون، فقلت: ما معنى مسألة الله عزوجل لهم، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه معنى قوله عزوجل: أين شركاؤكم تبكيت لهم، وتقريع وإذلال عند ما تنقطع بهم الأسباب ويعاينوا ما كذبوا به من أليم العذاب، لأنهم كانوا يساوون الله عزوجل بخلقه ويعبدون الأصنام ويوقدون النيران ويرون ذلك عندهم حسنا جايزا ومن الشرك أيضا طاعة الجبارين الظلمة المتمردين فيشركونهم ويجعلون لهم من الطاعة ما لله عزوجل ويتبعون منهم الرضا ويبتغون في ذلك الغي، والهوا ويتركون عيانا رشدهم مصدقون لهم في كفرهم مستمعون من كلامهم حتى ضلوا وهلكوا، وعن سبيل الحق يقينا عدلوا فأصبحوا من المعذبين، وعند الله سبحانه من الهالكين. ألا تسمع كيف يقول سبحانه: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا، فيقولون عندما يرون العذاب ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، وقالوا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين، وكل ذلك ندم وأسف على ما فاتهم من التعلق بالحق، والميل في طريق الصدق بغرور ما كانوا يعبدون وخديعة ما كانوا يطيعون. وأما قولهم: والله ربنا وما كنا مشركين، فإنما ذلك كذب منهم وكلام عند معاينة العذاب، يرجون به ما لا ينالون جهلا منهم وإيقانا بالعذاب وتقطعا من الاسباب لقبيح ما عاينوا في الآخرة، من المآب جهنم يصلونها فلبئس المهاد. (1/452) وسألت: عن قول الله سبحانه: وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه هذا تسهيل من الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه لما علم من غمه بإعراض الخلق عن الله سبحانه ومعصيتهم له ومخالفتهم لحكمه، فلما كبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وعظم عنده إعراضهم عن الله سبحانه واشتد عليه ما يرا من شرارتهم، قال الله سبحانه: فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض. والنفق: فهو المحتفر في الأرض أو سلما في السماء، يقول: ترقا في السماء فتأتيهم بآية، وهذا غابة الاجتهاد الذهاب في الأرض والسماء، فقال: إنك قد جيتهم من الآيات والعلامات والحجج الواضحات الباهرات بما في أقل منه يؤمن من كان له قلب أو معرفة، ولم تترك غاية في حرص ونصيحة واجتهاد وموعظة، فما تريد أن تعمل بهم بعد ذلك، أتذهب في الأرض أو في السماء، وليس تقدر على ذلك ليس عليك من الأمر إلا ما قد فعلت. ألا تسمع كيف يقول مشركوا قريش أو ترقا في السماء ولن نؤمن لرقيك فذكروا أنه لورقا في السماء لم يؤمنوا به لشدة كفرهم وعظم عنادهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: وما من دابة في الأرض ولا طاير يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم، وقد تقدم تفسيرها إليكم في مسائلكم الأولى والله سبحانه باعث جميع خلقه كما ذكر في كتابه، وقلت: هل في الجنة خيل وإبل، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: إن يكن لأهل الجنة فيها طرب وشهوة، فسيجعلها الله سبحانه لهم كما قال سبحانه لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فكلما أحبوا أحضره الله لهم أو وقع في نفوسهم تصور من ساعته لهم على قدر مرادهم كرامة منه سبحانه لهم وجزأ على فعلهم، فهذه المنزلة العظيمة والدار الكريمة التي يرغب فيها من عقل وينافس فيها من فهم، نسأل الله حسن الاستعداد ليوم الحساب، فإنما نحن له وبه. (1/453) وقلت: هل في النار عفاريت وحيات، وقد قيل: بذلك وروى أن الله سبحانه يجعلها عذابا لأهل النار وغير مستنكر أن يجعل الله ذلك لهم لأن في النار ما هو أشد منها عذابا وأشد تنكيلا من سلاسلها وأغلالها ومقامعها وإنطباق لهبها على من صار إليها، وفي ذلك عقاب أليم وعذاب عظيم فشرابهم الحميم وطعامهم الزقوم لا يشبع ولا يغني من جوع في الذل والهوان والذلة والصغار يدعون فلا يحابون ويسترحمون فلا يرحمون ويستقيلون، فلا يقالون قد تقطعت بهم الاسباب، وصاروا إلى شر محل ومآب الجمر، يفترشون واللهب يلتحفون وبألوان العذاب يعذبون: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما. قد غلت أنفاسهم واشتدت زفراتهم ونضجت جلودهم واسودت وجوههم في الكربات دايبون وفي الخزي مقيمون ولهول البلا هم كالحون، قد أبسلوا بحسرة نفوسهم وأيقنوا بالخلود في عذاب ربهم فعظمت الحسرة واشتدت النقمة، وزاحت عنهم النعمة فلا يرون أبدا راحة ولا يذوقوه في عذابها قبدة أدمغتهم في رؤسهم تغلا والصديد في أبدانهم يجري لباسهم القطران تلهبه عليهم النيران مقرنون في الاصفاد معذبون بأنواع العذاب لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها لا يستريحون ساعة فيسئلون ولا يجدون نعمة فيلهون: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ) وصاحبته وأخيه ) وفصيلته التي تؤيه ) ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه، كلا، أكسبهم ذلك شهوات غفلفتهم وتصنيع العمل في أيام مهلتهم والتكذيب بما أوعد به ربهم والطاعة للمتمردين الظلمة من أهل دهرهم آثروا أياما تفنا، وتزول ودنيا متغيرة تحول فصاروا في ذلك إلى طول البلا، ومقاساة الشقا الذي لا انقطاع له ولا فنا أولئك الذين خسروا أنفسهم وأخذوا بذنوبهم حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. (1/454) وسألت: عن قول الله سبحانه: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضرا لعلهم يتضرعون، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الأمم الذين كانوا فيه عليه السلام فهو مثل ما كان من أمة إبراهيم وأمة إسماعيل وأمة موسى وعيسى ومن كان مثلهم من الأمم الخالية الذين أرسل الله سبحانه إليهم رسله معذرين ومنذرين ومعلمين من الجهالة ومنقذين من الهلكة، فلما كانت منهم القسوة والصدود عن الحق والميل والعنود أخذهم الله عزوجل بالبأسا والضراء.. والبأسا: فهو ما يكون من عقابه وانتقامه من أعدائه وما يحل بهم من خسف وقذف بالحجارة، وقتل بالسيف ومسخ وإهلاك فكان هذا من البأسا ومثله كثير، والضراء: فهو من جنس البأسا ومن الضرا أيضا نقص الأموال والانفس والثمرات والجوع والحسرات: فكل ذلك ليرجعوا إلى الله عزوجل ورسله عليهم السلام ويصدقوا بالحق ويؤمنوا به فمنهم من يؤمن فيحكم له بالنجاة، ومنهم من يستعظم في كفره ويدوم على شرته فينزل به البلاء، وتتراصف عليه النقم، فيكون ذلك عبرة لمن بعدهم وإهانة وتخويفا لهم وردعا للمتخلف ومانعا من الزيغ والتكلف فيكون في ما نبههم الله به وعرف به مسيهم نعمة وفلاحا وسلامة وصلاحا، وما ربك بظلام للعبيد. (1/455) وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد الله عزوجل نهيهم عن قتل أولادهم ومنعا لهم عن الظلم والتعدي عليهم، وذلك أن الجاهلية كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق والاملاق: فهو الفقر. ألا تسمع كيف يقول سبحانه: وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت، وذلك أنهم يأدون أولادهم، والوأد: فهو الدفن، فكان أحدهم إذا ولد له إبنة وليس له مال خشي عليها الفقر،..... فأود ولده فنهاهم الله عزوجل عن ذلك فقال: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم، فأخبرهم سبحانه أنه الرزاق لهم ولأولادهم ونهاهم عن قتلهم، ثم قال: إن قتلهم كان خطأ كبيرا يقول: خطأ وفعلا عظيما أنتم به مأثومون وعليه معاقبون. وسألت: عن قول الله سبحانه: فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، فقلت: هل كان ينفعهم التضرع إذا رأوا البأس، قال محمد بن يحيى عليه السلام: لو لا أن الله سبحانه قد علم أن تضرعهم ينفعهم ما قال تضرعوا فأعلمهم بقسوة قلوبهم ولو تضرعوا وتابوا لقبل توبتهم ورفع العذاب عنهم، ولكن قست قلوبهم فلم يتضرعوا ولا إلى الله سبحانه من ذنوبهم رجعوا بل مضوا في خطاياهم وأصروا على كفرهم، حتى أنزل الله سبحانه العذاب بهم، وكان ذلك من تزيين الشيطان لهم فاستحقوا من الله عزوجل الخذلان، وقد نفع قوم يونس التضرع حين أقبل العذاب وعاينوه فأخلصوا عند ذلك لله عزوجل قلوبهم، وعلم الله سبحانه صحة التوبة منهم فرفعه عنهم. وسألت: عن قول الله سبحانه: قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: كذلك حكم الله عزوجل في أعدائه إذا جاء الفتح عليهم والنصر منه فيهم لم تنفعهم عند العلو منه عليهم توبة ولم يقالوا زلة. (1/456) ألا تسمع كيف يذكر الله سبحانه عنهم في ما كانوا يقولون إذا أخبرهم رسول الله صلى الله عليه بفتح متى هذا الفتح إن كنتم صادقين، يقولون ذلك للنبي عليه السلام وللمؤمنين استبطا منهم وتكذيبا به، فأخبرهم عزوجل أن يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم عند الظهور عليهم، وهو فتح مكة الذي وعد الله عزوجل نبيه به عليه السلام. وقد قيل: إن يوم الفتح يوم هلاك الله عزوجل لهم وإنزاله الموت بهم، وقد قيل: إنه يوم القيامة، والقول الأول أصوب وأصح لأنه إنما تقبل التوبة من قبل المقدرة. ألا تسمع كيف يقول سبحانه: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم، فجعل التوبة لهم من قبل المقدرة ولم يجعلها عند المقدرة عليهم، بعد رد الحق والصدق عنه، فلما كان السيف قايما والحرب ثابتة فليس إلا القتل لأعداء الله فأما إذا وقعوا في الأسر فليس يحل قتلهم، ولا يسع عند الله سبحانه إهلاكهم، إلا أن يقاتلوا وهم مأسورون فتحل بذلك دماؤهم وفي قتل الظالمين سير مذكورة وأخبار صحيحة، فمنهم من يقتل أسيره ومنهم من لا يقتل، وكل ذلك بين عند أهل العلم والفهم واضح عند من شرح الله صدره ونور بالحكمة قلبه. وقلت: إن خرج أهل القرية المحاصرون مستأمنين إلى الإمام من قبل أن يدخل عليهم قريتهم وتعلوا بالسيف رؤسهم وإذا خرجوا إليه قَبِل ذلك منهم ووجب عليه الأمان لهم والحقن لدمائهم لا يجوز له غير ذلك ولا يسعه عند الله عزوجل إلا فعله فإن قتلهم بعد أن خرجوا إليه من مدينتهم تائبين مستأمنين فقد ظلم وتعدا وخرج من الصواب وصار من الجهل إلى شر مآب. (1/457) وقلت: فإن أعطاهم بعض من معه الأمان، هل يجوز له بعد ذلك قتالهم وقتلهم وأخذ أموالهم وهذا لا يجوز ولا يحل ومن فعل ذلك من الأئمة فهو ظالم لأن المؤمنين كما قال رسول الله صلى الله عليه تتكافأ دماؤهم ويسعا بذمتهم أدناهم، فإذا أمن أهل دار الحرب رجل من قواد الإمام أو من أصحابه فقد حقنت دماؤهم ولا قتل عليهم فإن قتلهم بعد أمان قايد الإمام أو أحد من أصحابه قاتل، وقد علم بأمانه لهم قتل من قتلهم وإن لم يعلم القاتل أنهم أومنوا وجب على الإمام أن يخرج دياتهم لا يجوز له إلا ذلك، ولا يسعه غيره وسير الحرب دقيق علمها غامض تفسيرها لا يخلصها ولا يقوم بها ولا بما أوجب الله سبحانه فيها إلا أهل العلم والمعرفة والديانة، والبصيرة فيكون يعمل بمعرفة ويسير على أوضح طريقة وأبعدها من لبسه. وقلت: إن خدعهم بالأمان بالقول واللسان، وليس له في ذلك اعتقاد ليخرجوا إليه من الحصار هل يجوز له سفك دمائهم، وليس يفعل ذلك الخُلُق إلا كافر ظالم غاشم لأن ضمير أهل العدل وكلامهم سواء، وإذا قال بلسانه شيئا فلا بد له من إمضائه وتنفيذه على ما تكلم به لأن الخدع والكذب من أفعال الظالمين المردة الجايرين، وهذا ما لا يجوز فيه التأويل لأنه إذا قال لكم الأمان فهو الأمان لا نكث له في وقت ولا أوان. (1/458) وقلت: إن قتلهم هل يكون ظالما لهم، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: إن قتلهم من بعد ذلك فقد ظلمهم وسار بسيرة الباطل فيهم وحكم بغير ما أنزل الله عزوجل: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، ولقد سمعت أبي الهادي عليه السلام ونحن في الحرب، وقد خرج رجل من أصحابه فدعا رجلا من العدو، وقال له: هلم إلي، فليس عليك بأس فناداه الهادي عليه السلام فلما جاءه قال له: ما أردت بالرجل حين دعوته، وقلت: لا بأس عليك، قال: أردت أن أمكر به، فقال: والذي نفسي بيده لو قتلته، بعد هذا أو مكرت به لضربت رقبتك ولألحقنك به أتغدر به بعد أن توهمه، ألا بأس عليك حتى يسترسل إليك. وكان عليه السلام: إذا أعطا أمانا قوما محاربين له زالت الجبال من قبل أن يزول بل يحفظهم في أموالهم ويحوطهم في غفلاتهم ويفي بذمته لهم، ولقد رأيته عليه السلام وقد دخل ظالم، يقال له ابن كبالة، أحد عبيد أهل اليمن، وكان قد استأمن إليه ليغدر به وصح له ذلك وأيقن به فلما علم ذلك منه حذره عليه السلام فأدخله وقد ملاء الدار رجالا، فلما أن قعد ابن كباله بين يديه عليه السلام أقبل يرتعد وأيقن بأن الهادي عليه السلام قد عرف أمره وصح له خبره وأيقن بالقتل وهو قاعد بين يدي الهادي عليه السلام قد أدخله منفردا من أصحابه وترك عسكره على الباب فكتب رجل من قواد الهادي إلى الحق عليه السلام رقعة ودفعها إليه يشاوره في قتل العبد إذا خرج من عنده فكتب عليه السلام في الرقعة قد صح لي ما هو عليه من الغدر وأيقنت بما قدم فيه كما أيقنتم ولكن لا أيداه حتى يبدني ولا أستحل ذلك في ديني، فإن مد أحد يده إليه قتلته. (1/459) ثم أذن للكلب فخرج، فلما أن صارخار جامع أصحابه أقبل علينا بالحرب فكان من الأمر ما لا أشك أنه قد بلغكم وكفى الله شره، وما استحل عليه السلام أن بيداه من بعد أن أيقن بغدره إن للأئمة عليهم السلام أزمة من الحق تزمهم عن معاصي الله عزوجل وتردهم إلى طاعته لا يغيرون عن الحق في رضا ولا سخط ولا خوف ولا أمن فرحمة الله وصلواته على الهادي إلى الحق ورضوانه ومغفرته فقد عظمت علينا مصيبته وجلت لدينا رزيته. وقد سألت: عن أشياء كثيرة في الحرب بينا لك بعضها وبعضها أنت عنها مستغني فإن يظهر الله عز وجل حقاً فسوف يبدوا لك من سنن المحقين في قتال الظالمين ما يبين به الحق ويشهد لصاحبه بالصدق، نسأل الله العون والهداية، بمنه ورأفته ولكل مسألة جواب، ولو علمنا أن بك فاقة أو يلزمك إليه حاجة لأجنباك في مسائلك غضب من غضب ورضي من رضي ولبينا لك على شرحك ولكن أنت بمعزل عن ذلك في وقتك هذا، ولم نحب أن نجيبك على كل ما سألت لعلل وأسباب. نسأل الله التوفيق للصواب، ولكل سيرة ومذهب والقليل الظاهر يدل على الكثير الغامض والشقي من أهلك نفسه بالتقحم في ما لا ينفعه عند ربه ولا ينقذه منه فالزم بيتك ومن كان مثلك ولا تتفرق بكم السبل فإن الحق أبلج، والباطل لجلج وما بقي لأحد من شك، ولله الحمد. وسألت: عن قول الله سبحانه: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقلت: كيف أخذهم بفرحهم بما أتاهم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: لم يأخذهم عزوجل بما توهمت ولكن أخذهم سبحانه وجل عن كل شأن شأنه بذنوبهم. (1/460) ألا تسمع كيف يقول عزوجل: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء، يقول: لما نسوا ما أمروا به وبعثت الأنبياء عليهم السلام فيه، ومعنى نسوا فإنما هو تركوا وغفلوا وسهوا فلما تركوا ما أمرهم الله عزوجل به وأعرضوا عنه ونسوه فتح عليهم سبحانه كما قال أبواب كل شيء يحبون لإقامة الحجة عليهم، فكان ذلك إملا لهم وتأخيرا لعقوبتهم كما قال سبحانه: إنما نملي لهم ليزدادوا إثما، فكان ذلك إملا لهم وما فتح الله سبحانه عليهم أوكد في الحجة، وأشد للأخذ وآلم للعقوبة والله سبحانه فلا يخشى فوتا ولا يعجل، وإنما يعجل من يخشى الفوت أو يضره شيء فيتقيه والله عزوجل فلا يضره شيء من معصيتهم ولا تنفعه طاعتهم بل هم ضارون في ذلك لأنفسهم فلما أن فرحوا بما أوتوا وجعلوه في معاصي الله عزوجل ونسوا ما أمرهم به أخذهم سبحانه بغتة، وذلك أشد حسرة يكون الأخذ على الغفلة فإذا هم مبلسون، فانقطع عنهم اللهو والعبث واليسارة والغنا وصاروا إلى الآخرة مبلسين، وعند الله عزوجل مهلكين. والمبلس: فهو الذي ليس له ولا في يده شيء العادم لما كان معه، ألآ يس مما كان يؤمله فدامت حسراتهم وحصلوا بذنوبهم حيث لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في أيمانها خيرا. (1/461) وسألت: عن قول الله سبحانه: وانذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم، فقلت: كيف أمر أن ينذر به الخايف دون الآخر?، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الإنذار فهو التحذير: مما أعد الله عزوجل للعاصي وحكم به على المخالفين، فقد أمره سبحانه أن ينذر خلقه أجمعين، فلما قبل قوم وأنكر آخرون، قال عزوجل: أنذر به الخايف إذ قد غلب العاصي فكان المنتفع به المصدق الخايف لله سبحانه فيه، وذلك موجود في اللغة إذا وعظ رجل جماعة، وكان فيها من لا يقبل عظته، قال: أعظ بها من يؤمن بالله سبحانه يريد إن لم يستمع هؤلاء المعرضون أنتفع به من كان من المؤمنين، فلما أن كان المعرضون عن الله عزوجل لا يذكرون حشرا ولا يخافون وعيدا. وكان المؤمنون يخافون الله عزوجل ويخشونه، قال: أتذر به الذين يحشرون لما أن كان أولئك لا يحذرونه ولا يقبلونه، وقد كان إلى جميع الخلق كافة، وقد قال الله سبحانه: يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخاشها، فقال: منذر من يخشاها فأما من لا يخشاها فليس له في إنذاره حيلة، لقلة قبوله ومن لم يقبل الإنذار، فلم ينتفع به وإذا لم ينتفع به فهو مقيم على غفلته غير حذر ولا نذر لما ينذر به فلم تبق التذكرة والتفهيم إلا لمن قبلها وأخذ بحظه منها. (1/462) وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى لا تطرد فهو لا تبعد ولا تقصي فكان ذلك من الله عزوجل تفهيما لنبيه عليه السلام وأمرا بحفظهم وردا على من سأل طردهم ومحمد عليه السلام فلم يطرد أحد ا، وإنما قالت له قريش: لما دعاهم إلى الله سبحانه، فقالوا: كيف نؤمن يا محمد وقد سبقنا من ليس له قدر فينا ولا رياسة من أوساط الناس واتباعنا فاطرهم فإن طردتهم آمنا بك، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، تقريعا لهم وردا عليهم وأمرا بخلاف قولهم، وشهد الله سبحانه لمن اتبع رسوله بالدين وإخلاص النيات، فقال: يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، فأخبر أنهم يقصدونه، ويطلبون ما عنده فكان هذا مدحا لهم وثناء عليهم، وذما لغيرهم. ثم أخبر نبيه عليه السلام أنه إن فعل ذلك كان من الظالمين، وهو عليه السلام فلم يكن ليفعل ذلك بالمؤمنين بل كان شفيقا عليهم عارفا بحقوقهم وكانت مسئلتهم هذه لمحمد صلى الله عليه وآله كمسألة أصحاب نوح عليه السلام، حين سألوه طرد من كان معه من المؤمنين حسدا لهم لما سبقوهم إلى الإيمان بالله عزوجل فقالوا: أنؤمن لك واتبعك الأرذلون.. والأرذلون: في اللغة فهم الذين لا خطر لهم ولا قيمة ولا رياسة سقاط الناس ومن لا ينظر إليه، منهم فسموهم بهذا الاسم احتقارا لهم واستخفافا بهم وكانوا عند الله سبحانه أفضل منهم وأعلا درجه وأعظم مرتبه فكان قول نوح عليه السلام وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملا قواربهم ولكني أراكم قوما تجهلون، ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون، فسألوا محمدا صلى الله عليه وآله ما سأل إخوانهم المبطلون في سالف الدهر نوحا وغيره، من الأنبياء عليهم السلام، وكذلك أهل الباطل أفعالهم متقاربة وأمورهم متشابهة. (1/463) ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه: تشابهت قلوبهم. يعني الأولين والآخرين، فيما يسألون الأنبياء ويتقحمون به من جميع الأشياء فنعوذ بالله من الحيرة والعما والضلالة بعد الهدى. وسألت: عن قول الله سبحانه: وكذلك فثنا بعضهم ببعض، فقلت: ما معنى ذلك، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الفتنة هي المحنة والفتنة تكون من العذاب، وهذه لغة في اليمن إذا غاظ إنسان إنسانا، قال: فتنتني قال الله سبحانه: آلم ) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، يقول: يمتحنون وقد امتحن الله سبحانه المؤمنين بجهاد الظالمين، وفتن الظالمين بمحاربة المحقين وعذبهم على ذلك وأوجب عليهم النكال فيه، وبه ومعنى فتنهم فهو عذبهم لأن الفتنة قد تكون من العذاب، قال الله سبحانه: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، فقال: فتنوا يريد عذبوا وقد فسرنا لك في مسائلك الأولى الفتنة على كم من الوجوه. وأما ما سألت عنه من القراءة في قوله سبحانه: ولتستبين سبيل المجرمين، فقلت: كيف تقرأ وقد مضا إليك المصحف الذي فيه القراءة الصحيحة فاعتمد عليه وخذيه وقد استغنينا عن جوابك فيما سألت عنه من القراءة بما صار إليك وفيه الكفاية والجزا.. (1/464) وسألت: عن قول الله سبحانه: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الغيب فهو ما استتر واستجن وغبي فلم يعلم، وذلك لا يعلمه إلا الله عزوجل المطلع على السراير العالم بالضماير، فلا يعلم الغيب من الأ شيئا، إلا هو ولا يعرف منه إلا ما دل عليه وفتحه وبينه لعباده وأخبربه ومفتاح الشيء، فهو علمه لأنه لا يوصل إلى ما كان منغلقا إلا بمفتاحه، وإنما هذا مثل ضربه الله عزوجل لخلقه وبينه لعباده بأنهم يعلمون الأغلاق، لا يفتحه إلا المفاتيح فلما أن كان الغيب منغلقا عن الخلق والله سبحانه هو العالم، قال: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، إذ هو العالم بالمحجوبات المطلع على السراير المستورات، ثم قال: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين. يريد عزوجل أنه العالم به المطلع عليه، فإنما أخبر سبحانه بعلمه وإحاطته بجميع الأشياء، فقال: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها عند سقوطها ولا تغباا عنه عند انحتاتها فكذلك الحبة في ظلمات الأرض فهو مطلع على مكانها عالم بقرارها ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين. والكتاب: فهو العلم فسبحان من لا يستتر عنه علم محجوب ولا يسقط عليه دقيق من الأمور، ولا جليل في الأرض، ولا في السماء وهو السميع المبين. (1/465) وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضون في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الذين يخوضون في آياته عزوجل فهم أهل الشرك وخوضهم فيها فهو تكذيبهم بها، وطعنهم عليها واستهزاؤهم فيها وبها فأمره الله عزوجل ألا يقعد معهم، وهذه المخاطبة فلنبيه عليه السلام وللمؤمنين عامة دلهم الله سبحانه على أفضل الأعمال وأدبهم بأحسن الأدب ونهاهم عن القعود مع الخايضين. ثم قال عزوجل: وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، فنهاه عزوجل ألا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، ولم يكن عليه السلام يغشى حِلقهم ولا مجالسهم، وإنما كانوا يغشونه ويقعدون عنده، فإذا وعظهم وتلا عليهم ما أنزل الله سبحانه إليه خاضوا في ما لا يجوز من الأقوال وتكلموا بالباطل والمحال، فأمره الله سبحانه عند ذلك بالقيام عنهم والمجانبة لهم من بعد ما كان من إقامته عليهم للحجة. وسألت: عن قول الله سبحانه: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله من ولي ولا شفيع، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا غاية الوعيد من الله عزوجل لمن اتخذ دينه لعبا ولهوا، كما قال الله سبحانه: فمهل الكافرين أمهلهم رويد ا، فكان هذا وعيدا لهم وتعريفا بجهلهم ثم قال عزوجل وغرتهم الحياة الدنيا والحياة: فهي هذه المهلة التي جعلها الله سبحانه لكل نفس متحركة فاغتروا بالدنيا ومالوا إلى الهوا واتبعوا الجهل والردا وآثروا العاجلة على ما جعل الله عزوجل لهم في الآخرة من العطا والفوز والجزا. (1/466) وقوله: وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت، يقول: إعذر وأنذر من قبل أن تبسل نفس والابسال: فهي كلمة عربية يقول القايل لمن خالف أمره ولم يقبل نصيحته إذا وقع في البلاء بسلا بسلا، وهي من طريق التبكيت والتقريع والخذلان والافراد يقول: أبسلوا أي أفردوا. وسألت: عن قول الله سبحانه: كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا مثل ضربه الله عزوجل لكل من عند عن الحق وتركه من بعد الدعا إليه والتبيين له فكان حاله في جهله وعماه عن الحق بعد إذ عاينه ورآه كحال المستهوا في الأرض، والمستهوا فهو المتحير الضال في الأرض الذاهب عن القصد المايل عن الصدق التارك للحق من بعد أن شرع له الدين، وأبانه الله عزوجل لجميع العالمين. والشيطان: فقد يكون من الجن والإنس وهم المغوون المفسدون المجترؤن. وسألت: عن قول الله سبحانه: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى هو القادر فهو الله سبحانه القادر على خلقه الذي لا يعجزه ما طلب ولا ينجوا منه من هرب، ثم قال سبحانه على أن يبعث عليكم عذابا فأخبرهم سبحانه إن شاء أنزل عليهم عذاباً من فوقهم وهو مثل ما يكون من القذف بالحجارة والصواعق وما ينزل الله عزوجل من النقم بأعدائه المعرضين عن طاعته أو من تحت أرجلهم فهو مثل الخسف وما ينزل من متالف الأرض بهم وذهاب معايشهم ونقص ثمارهم، وهو سبحانه قادر على ذلك إذا أراد كونه لا معقب لحكمه ولا راد لأمره ومعنى: أو يلبسهم شيعا: فهو يذلهم ويخرجهم ويفرقهم حتى يصبحوا بعد العز أذلة، وبعد الجماعة شيعا يتفرقون في الأرض. (1/467) ألا تسمع كيف يقول سبحانه: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، يقول: من بعد الاجتماع على الدّين تفرقوا عن ذلك ومضوا في سبيل غيره، فمال كل قوم في هوا والتفرقة لهم والتبديد شيعا فهو من أشد الذل، والهوان والقلة والصغار، ونذيق بعضكم بأس بعض فهو بالخذلان، لهم والترك من التوفيق حتى تقع بينهم الشحناء، والبأس والبلاء فيقتل بعضهم بعضا، ويقع عند ذلك العداوة والبغضاء فيكون اجتماعهم على الباطل سببا لإهلاكهم وطريقا إلى تبديدهم ونكاية من الله عزوجل لهم وإزالة لنعمهم وإذهابا لعزهم. وسألت: عن قول إبراهيم لأبيه آزر، فقلت: ما معنى هذا الاسم، وقد يقال: إن اسم أبيه كان آزر، فدعاه باسمه وليس هذا مما تعبدك الله سبحانه به ولا أوجب عليك معرفته، ويقال: إن آزر هو الصنم الذي كانوا يعبدونه.. وسألت: عن قول الله سبحانه: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الملكوت، فهو ما خلق الله عزوجل من السموات والأرض ومن فيهن وما أظهر في ذلك من قدرته وملكه سبحانه لجميع خلقه لا يمتنع عليه شيء من مفطوراتها ولا يحتجب عنه شيء من محجوبات سرايرها فأرى إبراهيم عليه السلام قدرته وسلطانه كما قال ليكون من الموقنين. ومعنى: آراه فهو عرفه وهداه، وكان تكرمة له وتبيينا وتعريفا مثل ما كان آراه من الطير الذي أمره بأصرها عند مسألته لله عزوجل أن يريه كيف يحيي الموتى، وغير ذلك مما اطلعه عليه سبحانه فآراه سبحانه من قدرته التي قامت بها الدنيا وما فيها من جميع الأشياء ما بهره، وزاد في نيته وعظم به شكره وعلم بذلك منزلته عند الله سبحانه وكرامته، وقد كان بالله عارفا وله مجلا ولأ مره مقدما. (1/468) ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى: فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فأخبر أن ملكوت كل شيء في يده وملكه سبحانه وتعالى عما يقول به المبطلون، وأهل الزيغ الظلمة الملحدون الكفرة الجايرون عز ربنا سبحانه وتعالى عما يقولون. وسألت: عن قول الله سبحانه: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: سألت أبي الهادي إلى الحق عليه السلام عن هذه الآية، فقال: معنى جن عليه الليل فهو غشية وأجنه وركبه وأظله ومعنى هذا ربي توبيخ وتقريع لعبدة النجوم على غلطهم وكفرهم في عبادتهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم، فقال: هذا ربي يريد أهذا ربي يجب الذي تزعمون أنه لي ولكم رب وتدعونني إلى عبادته من دون إلهي وخالقي، وهو زايل آفل ذاهب غافل هذا لا يكون لي ربا ولا يجوز أن يدعا خالقا، وكذلك قوله في الشمس والقمر على هذا المعنى الذي قاله في النجم يريد بذلك كله التوقيف لهم على خطأ أفعالهم والشرك بربهم. ألا ترى كيف قد تبرأ من أعمالهم في عبادة النجوم والشمس والقمر حين يقول: إني برئ مما تشركون، من بعد التقريع لهم والتوقيف.. (1/469) وسألت: عن قول الله سبحانه: فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الفريقان فهما فريق الحق وفريق الباطل، ألا تسمع كيف يقول عزوجل في أول المخاطبة وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا يقول عليه السلام: إن الذي معكم وما تعبدون من هذه النجوم والشمس والقمر والأصنام أشياء لم ينزل الله بها سلطانا، يعني حكماً ولا أمرا ولا وحيا، وإنما ذلك ابتداع منكم وعمىً وكفر واتباع هواء فكان عليه السلام على بينة وبرهان من الله عزوجل والفريق الذي أحق بالأمن فهو إبراهيم عليه السلام ومن تبعه الماضون على بصيرة المتبعون لحكم الله عزوجل الصادون عن الهواء التاركون لما ضل فيه أهل الجهل والفتنة الأشقياء فكان عليه السلام أحق بالسلامة وأولى بالجنة والكرامة إذ هو على المحجة ومن أمره على بصيرة وبينة فكان حقيقا من الله عزوجل بالثواب، وحسن المويل والمآب. ثم قال سبحانه: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، فدل على الفريق بعينه ونسبه بمذهبه ونعته، فقال: ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، يقول: لم يدخلوا فيه فسادا ولم يلبسوا فيه ظلما، ولا بعد اليقين والمعرفة شكا فكانت هذه حجة على المشركين لإبراهيم الخليل عليه السلام أتاه الله سبحانه إياها وفهمه الاحتجاج بها عليه السلام ولقد آتاه الله عزوجل من الحجج على قومه ما فلجهم بها وقطع حججهم عندها مثل ما رأوا من الآيات والعلامات ومثل مخاطبته للكافر الجاحد المتمرد المعاند، حين قال: إن الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر. (1/470) وسألت: عن قول الله سبحانه: ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ) وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ) وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين، فقلت: أمن ذرية إبراهيم هؤلاء أم ذرية نوح?، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قوله، ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون، فإخبار منه عزوجل بأنهم لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ولم يكونوا ليشركوا عليهم السلام وإنما قال لو ولم يقل فعلوا فأخبر سبحانه عن فعله فيهم على محلهم عنده وكرامته لهم أنهم لو زالوا عن الحق ما قبل منهم ولأحبط أعمالهم، فإذا كان ذلك حكمه سبحانه فيهم لو كان منهم ما ذكر عزوجل ولن يكون فكيف بغيرهم إذا ظلم وتعدا وتقحم في المهالك والردا وصد عن طريق الحق والهدى. وفي هذا إبطال لقول المزخرفين لأنفسهم الأباطيل الذين مالت بهم الدنيا واتبعوا الغى والهواء ثم يزعمون بجهلهم ورداوة تمييزهم أنهم ممن يغفر له خطيته ويتجاوز عن سيئته بغير توبة ولا رجعة ولا خروج عن معصية، ثم قالوا بجهلهم وقلة بصايرهم أنه لا يدخل النار من أمة محمد عليه السلام أحد وإن ظلم وقعدا وأفسدو عصا كأن لم يسمعوا ما ذكر الله عزوجل في أول القصص إذ ذكر الأنبياء عليهم السلام حين يقول سبحانه: ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون، فإذا كانت الأنبياء في قدرها وعظيم محلها لو كان منهم بعض ما قد كان من هؤلاء الظلمة وحاش لأنبياء الله سبحانه من الدخول في معصيته أو مخالفة شيء من أمره لحبطت أعمالهم، فكيف بغيرهم من أهل الجهل والعما التابعين للغي والردا إذ هذا هو العدل من الله عزوجل في خلقه وعين الإنصاف لبريته إذ الحق كلا بذنبه وجازاه على فعله وأخذه بعمله. (1/471) ألا تسمع كيف يقول عزوجل: ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا، يقول: يكافأ عليه ويعاقب فيه فكان هذا إكذابا لقولهم وإبطالا لمحال ظنهم فأوضح سبحانه لهم الحق الذي لا شك يدخله ولا فساد يلحقه أنه يجزي كلا بعمله ويكافيه على فعله ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، فسبحان العدل في حكمه المنصف لخلقه البري من ظلم عباده. وسألت: عن قول الله سبحانه: فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين، فقلت: من هم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هم قريش ومن تبعهم من أهل الكتاب، يقول: إن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين.. يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، فأخبر أنهم غير كافرين بها ولا تاركين لما أمر الله عزوجل به من فرضها، كما كفر أهل الكتاب وتركوا ما عرفوه من الحق، ومن هذه الشريعة النيرة الواضحة لمن عقل وأنصف، ثم قال: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فرجع الخبر إلى إبراهيم عليه السلام، ومن ذكر الله سبحانه من الأنبياء عليهم السلام فأمره أن يقتدي بفعلهم ويتبع سبيلهم ويصبر كصبرهم إذ هو عليه السلام كأحدهم فكان عليه السلام صابرا يحتسبا حريصا على أمته شفيقا وعلى جميع أهل طاعته مقيما لحجج ربه ناصحا لله سبحانه بجهده حتى قبضه الله سبحانه حميدا مفقودا فعليه أفضل الصلاة والترحيم، من ربنا الواحد الكريم: وقد يخرج تفسير الآية وشرحها أن الموكلين نهاهم الأئمة القايمون على الأمة المعروفة طاعتهم المحكوم من الله عزوجل بولايتهم. (1/472) وسألت: عن قول الله سبحانه: وما قدروا الله حق قدره، قال محمد بن يحيى عليه السلام: يقول سبحانه: ما قدروا الله حق الحقيقة التي تجب عليهم، ثم قال: إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء، وهذا قول من كفرة أهل الكتاب، وقد قيل: إنه مالك بن الصيف آخر الأحبار قالها جحدانا لمحمد صلى الله عليه وتعلقا بكفره وصدودا عن الحق الذي بان له، ثم قال عزوجل: قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس يقول سبحانه: فمن أنزل كتاب موسى إذ كان الله عزوجل لم ينزل على بشر حبار وموسى عليه السلام من البشر، فقد جحدتم بقولكم هذا كتاب موسى عليه السلام، وأكذبتموه، ثم قال سبحانه: تجعلو به قراطيس تبدونها وتخفون كثير ا، يقول: تجعلون الكتاب الذي أنزل سبحانه، والوحي المحكم كحال القراطيس عندكم التي تكتبون فيها فتخفونها مرة وتظهرونها أخرى وتغيرون فيها وتبدلون وتزيدون وتنقصون فجعلتم كتب الله عزوجل في النقصان والزيادة والتبديل كنقصانكم في كتبكم وزيادتكم وتخفون ما كرهتم وتطهرون ما أحببتم، فذمهم الله في فعلهم ووقفهم على عظم جرمهم. ثم أخبرهم عزوجل بما علمهم من الحق وهداهم إليه، وما كانوا ليعلموا هم، ولا آباؤهم، إلا بفضل الله عزوجل وإحسانه إليهم فكفروا بنعمه وخالفو حكمه فأمر الله سبحانه نبيه عليه السلام عند ذلك أن يقول لهم: قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون، أراد عزوجل بقوله: قل الله أي هو الذي أنزل الكتب التي جاءت بها الرسل ثم أمره من بعد إقامة الحجة عليهم أن يذرهم في خوضهم يعلبون. (1/473) واللعب: فهو اللهو والعبث والسهو، والاشتغال بالباطل والمحال، وقد قيل: إن معنى قوله عزوجل: تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا يقول: تطهرون من الصحف التي كتبتموها ما ليس فيه صفة رسول الله عليه السلام ووقت مبعثه وصحة نبوته وتخفون ما كان له فيه صفة ولنبوته علامة والقول الأول أشبه بالحق، والله المعين والموفق، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وسألت: عن قول الله سبحانه: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أوقال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، فقلت: في من نزلت هذه الآية قال محمد بن يحيى قد قيل إنها نزلت في مسيلمة وهي عامة لكل من ادعا وحي آ ولم ينزله الله عزوجل إليه من الأولين والآخرين ومسيلمة فإنما كان على عهد أبي بكر وقد كان من الأولين المردة الكافرين ممن يدعي النبوة في الإسلام، فقد ادعا النبوة مسيلمة والأسود الكذاب والزنديق ابن فضل الذي هو الآن باقي لا يوجد على قتاله أنصار ولاعلى جهاده أعوان فإنا لله وإنا إليه راجعون مصيبة عظمت ورزية في الإسلام جلت، فهذه الآية عامة لكل من ادعا الوحي ممن قد سلف من الأولين ومن تبعهم من الآخرين. وقوله: ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله فإنما هذا نسق يقول من أظلم ممن افترى على الله الكذب، أو قال أوحي إلى ولم يوح إليه شيء، ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله فهو ظالم كافر محكوم عليه من الله عزوجل بالقتل والقتال، والذل والهوان، فأما ما قيل به في عبد الله بن سعيد بن أبي سرح فإنما ذلك كذب منه على رسول الله صلى الله عليه، وقد قيل: إنه قال سأنزل مثل ما أنزل الله، فأما ما ذكر من أملا النبي صلى الله عليه الله غفور رحيم، فقال: سميع عليم. (1/474) ومثل ذلك وأشباهه، وقوله: أحسن الخالقين، فقال له النبي صلى الله عليه أكتبها فهكذا نزلت فهذا كذب منه على رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحل لمسلم القول به ولا يسمع الكلام فيه قد برأ الله محمداً من أن يحَّرف حرفا واحدا مما أنزل الله سبحانه عليه أو يبدله. ألا تسمع كيف يقول حتى برأه من ذلك أن أتبع إلا ما يوحى إلي، وقوله: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال: الذين لا يرجون لقاءنا أيت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي أن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم فقال إن أتبع إلا ما يوحي إلي ولم يكن عليه السلام، ولم يكن عليه السلام، ليحرف كتاب الله سبحانه ولا يزيد فيه ولا ينقص منه وإنما كان يتبع ما نزل إليه سوا سوا، ولو كان يبدل موضع غفور رحيم، سميع عليم، لكان قد بدل لهم كما سألوه ولم ينف الله سبحانه ذلك عنه، ولم يكن عليه السلام بمتكلف ولا مفتر وإنما كان يتبع الوحي من الله عزوجل فيتلوه كما أنزل عليه سوا سوا لازيادة فيه ولا نقصان وإنما يقول بما ذكرت عن عبدالله بن أبي سرح الذين لا يؤمنون. وقلت: لأي معنى لم تدخل الأحاديث في أقوالنا ويمنعنا أن ندخل من الحديث ما كان باطلا عندنا لأنا رأينا في كثير من الأحاديث مخالفة لكتاب الله عزوجل ومضادة له فلم نلتفت إليها، ولم نحتج بما كان كذلك منها، وكل ما وافق الكتاب وشهد له بالصواب، وصح عندنا أخذنا به وما كان أيضا من الحديث مما رواه أسلافنا عن أب فأب عن علي بن أبي طالب عن النبي عليه السلام فنحن نحتج به ومما كان مما رواه الثقات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه قبلناه وأخذنا به ونفذناه وما كان خلاف ذلك لم نره صوابا، ولم نقل به. (1/475) وأما ما سألت عنه من تفسيرنا الكتاب، فإنما نفسره بتوفيق الله وعونه لمن خصه الله سبحانه وأعانه على معرفته فإذا رزق رجل معرفته فسره واستنبطه واستشهد بعضه على بعض واستخرج غامضه بما فضله الله سبحانه به من معرفته وما كان يخرج من اللغة بينه وفسره وشرحه لأن الله عزوجل يقول: قرآنا عربيا غير ذي عوج، ولم يخاطب الله سبحانه العرب إلا بما تعرف من لغتها ومنه ما يفسر بالرواية عن السلف بالإسناد إلى النبي عليه السلام تلقينا وتعريفا مع توفيق الله عزوجل وتسديده لمن قصده من أهل طاعته كما قال الله سبحانه: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم.. وفي الحديث الذي ترويه العامة ما لا تقوم له حجة، ولا تتضح به بينة ولا يشهد له كتاب ولا سنة وكل ما قلنا به وأجبنا عليه فشاهده في كتاب الله عزوجل. وفي السنة المجمع عليها عن رسو الله صلى الله عليه أو حجة من العقل يصدقها الكتاب، فكل ما كان من هذه الطريق فهو أصح مطلوب وأنور حجة في القلوب وليس يجوز تفسيره إلا لأهله الذين خصهم الله عزوجل بعلمه من أهل بيته عليه وعليهم السلام. وسألت: عن قول الله عزوجل: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت، والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا عند خروج أنفسهم وحضور وفاتهم ونزول الملائكة لقبض أرواحهم وبسط أيديهم فهو نزعهم لأنفس الظالمين، وأخذهم لها وقوله: أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون، وعذاب الهون، فهو الهوان والذل والصغار بالعذاب الأليم، والخزي الدايم المقيم. (1/476) ألا تسمع كيف يقول سبحانه: ولو ترى إذ يتوفا الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق، فضرب الملائكة عليهم السلام لوجوه الظالمين وأدبارهم عند خروج أنفسهم هو من أول عقابهم مع ما يعاينونه من سوء منقلبهم وقبيح مآبهم وكذلك فعل الله عزوجل بالكافرين، ومن عند عن أمره من الظالمين. وليس يخرج عبد من الدنيا حتى يرى محله ويعرف من الآخرة مكانه بأخبار الملائكة عليهم السلام له عند قبض روحه وخروج نفسه فإن كان فاسقا أيقن بالنيران وبالمصير إلى سوء دار مع إتعاب الملائكة عليهم السلام له في إخراج نفسه وضربها لوجهه وظهره كما قال الله عزوجل يضربون وجوههم وأدبارهم، وإن كان مؤمنا تلقته الملائكة بالبشاره والكرامة وقبضت روحه قبضا رفيقا سهلا لا متعبا ولا معذبا. ألا تسمع كيف يقول سبحانه: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، فأخبر سبحانه ببشارة الملائكة للمؤمنين عند خروج أنفسهم وتطمينهم لهم بما يطلعونهم عليه، ويخبرونهم من رضا ربهم عنهم، وقبوله لهم على طاعة ربهم، والجنة والنعيم الدايم المقيم حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وأما ما سألت: عنه من ضرب الملائكة لوجوه الظالمين، فقلت: كيف لا نسمع ذلك من فعلهم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: وكيف نسمع رحمك الله من حجب الله سبحانه عن الخلق الإحاطة به لو سمع ضربهم لنُظُر إليهم، وما ضربهم بأكبر من صورهم ولكن الله سبحانه حجب أعين الخلق عن درك الملائكة فلا ينظر إليهم أبدا إلا من حضرته الوفاة أو في يوم القيامة فينظرون ويعاينون. (1/477) وقلت: قد رأيت الفاسق يكون أسرع خروج نفس من المؤمن، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد يناله في سرعة خروج نفسه من التعب والألم وعنف الملائكة عليهم السلام، به ما لا يعد له من النكاية وقد يكون التعب والعنف في سرعة قبض روحه أشد في أليم العقوبة، وقد يكون المؤمن في إبطا خروج روحه على أحد معنيين كلاهما فيه راحة، وإما أن يكون في بطو موته يجد إفاقة ساعة بعد ساعة وتُسَلُّ نفسه هونا فيكون أسهل عليه من العنف بها وأيسر في خروجها، وإما أن يكون محنة من الله عزوجل ليثيبه على ذلك ويكافيه عليه، وقد يروى عن رسول الله صلى الله عليه، أنه قال: أشد الناس محنا الأفضل، فالأفضل نسأل الله حسن الإستعداد ليوم المعاد، وقد تخرج نفس المؤمن بسهولة وسرعة فيكون ذلك من الله عليه نعمة، وبه لطف ورحمة. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الفرادى فهو المنفرد الوحيد، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم، يقول: تركتم أموالكم وخدمكم وأولادكم ونعمكم التي ورثتموها وراء ظهوركم وحيتم فرادى من ذلك مؤخرين منه منفردين. وسألت: عما ذكر أنه قيل: من إتيان الخلق عند حشرهم عراة، فليس ذلك بشيء، وليس يخرج أحد من قبره عاريا بل كلهم يخرج في كفنه ويصل به إلى موقفه، وبذلك جاء الخبر عن النبي عليه السلام، وقد اجبناك على هذه المسألة قبل هذا بشرح بين اجتزينا به عن التطويل. (1/478) وسألت: عن قول الله سبحانه: فمستقر ومستودع، فقلت: ما معنى ذلك، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه المستقر من الآدميين، فهو ما قر في الأرحام، ألا تسمع كيف يقول عزوجل: ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، والمستوع: فهو ما كان في الأصلاب فسبحان ذي القدرة والسلطان والرأفة والإمتنان إلى جميع من خلق من عباده المحسن إليهم والمنعم بفضله عليهم، فتبارك الله أحسن الخالقين، ذي العزة والقدرة المتين وتعالى سلطانه وجل عن كل شأن شأنه. وسألت: عن قول الله سبحانه: وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه معناها حفظت وأتقنت فكانوا إذا سمعوا ورأوا ما يجي به رسول الله عليه السلام من آيات الله عزوجل ويصرفه من أحكامه وبيينه من حلاله وحرامه، قالوا: درست يريدون أنه محكم لما هو فيه دارس له يوهمون أنه عليه السلام يتعلم ذلك ويدرسه من أخبار الأولين، وقلت: ما الصواب في قراءة هذا الحرف والصواب فيه درست. وسألت: عن قول الله سبحانه: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جائتهم آية ليؤمنن بها، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: هذا إخبار من الله عزوجل عن أهل الكفر والنفاق والصد عن الحق والشقاق من أهل الكتاب وغيرهم وكانوا يحلفون بالله لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ويصدقون لمحمد عليه السلام عند إتيانها، فقال الله سبحانه: إنما الآيات عند الله، ومعنى عند الله إنما أرادتها من الله سبحانه، ثم قال: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون. (1/479) فأخبر سبحانه: بما علم من سرهم وأحاط به من غامض كفرهم، وأنهم إذا رأوا الآيات لم يؤمنوا بها ولا عند المعاينة يصدقونها ولا يرجعون بها، ولقد جاءهم من الآيات والمعجزات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ثبتت له به النبوة والتصديق وزاح به الشك عنه وسوء الظن فيه فلم ينتفعوا بذلك، ولم يؤمنوا به، بل ثبتوا على كفرهم وأصروا على معصيتهم، فأصبحوا بذلك من الخاسرين. وعند الله سبحانه من الهالكين، ولديه من المعذبين، وإنما كان هدا منهم عبثا وتمردا وعنادا وتعنتا لغير قصد لهدى ولا طلب لتقوى ولقد جاءهم من ربهم الهدى ونالهم فيه أكبر الشقا.. وسألت: عن قول الله سبحانه: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكةوكلمهم الموتا وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا تعريف من الله عزوجل لنبيه عليه السلام بكفر المشركين، وأهل الصدود من المعاندين، أخبر عزوجل بما أطلع عليه من قولهم وعلمه من سرايرهم أنهم لا يؤمنون، أبد ا، ولو نزلت عليهم الملائكة حتى يعاينوها وكلمهم الموتا وحشرنا عليهم كل شيء قبلا مجموعا مشاهدا معاينا حتى يعاينوه ويروه، ما كانوا ليؤمنوا ولا يرجعون إلى الله سبحانه ولا يهتدون للذي قد علم من تصميمهم على الكفر وبعدهم من الإيمان. ثم قال: إلا أن يشاء الله إيمانهم قسرا ويدخلهم في الإيمان جبرا، فأما طوعا من أنفسهم واختيارا فلا يكون أبدا، والله تبارك وتعالى فلا يدخل أحد في طاعته جبرا، وإنما يأمره سبحانه به أمر ولا يحمله على معصية قسر ا، ولا يحتم بها عليه حتما ولو كان ذلك كذلك ما حمد مطيعا، ولاذم عاصيا كما لم يحمدهم في ما جبرهم عليه من صورهم والوانهم بل أمرهم تخييرا ونهاهم تحذيرا وكلفهم يسيرا وأعطاهم على القليل كثير ا. (1/480) وسألت: عن قول الله سبحانه: فلا تكن من الممترين، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: لم يكن محمد عليه السلام من الممترين، ولم يخبر الله سبحانه أنه من الممترين، وإنما قال لا تكن منهم كما قال لئن أشركت ليحبطن عملك وهو فلم يشرك عليه السلام، وهذا في اللغة جايز.. ألا تسمع كيف يقول سبحانه: وذا النون إذ ذهب مغاضبا، فظن الن نقدر عليه، وهو فلم يظن ذلك بل أيقن أن الله عزوجل يقدر عليه، وقال عزوجل ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يظنوا ولكن أيقنوا و يقول القايل عسى أن تأكل وإنما يريد نأكل فأدخل عسى، فصارت شكاه وليست بشك وإنما أراد يقينا، وهذا في اللغة كثير موجود. وسألت: عن قول الله سبحانه: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك، فسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك، قال محمد بن يحيى عليه السلام: ليس رسول الله صلى الله عليه وآله في شك مما أنزل إليه بل هو على أيقن يقين، ولم يقل الله سبحانه أنه في شك، وإنما قال إن كنت في شك وليس هو عليه السلام في شك بل هو على بصيرة ثابتة، وعزيمة ماضيه بعيدة من الشك والإرتياب، وليس يظن أحد أن رسول الله صلى الله عليه كان في شك إلا أعما القلب بعيد الذهن كثير الجهل. وهذه المخاطبة في لغة العرب تستعملها وتتكلم بها ويخاطب بعضهم بعضا، فيها وبها يقول القايل إن كنت في شك من قطع هذا السيف فيك فجرب وهو فلا يشك بل يوقن ويقول لصاحبه آتنا غداءنا عسى أن نأكل فأدخل عسى لمجاز الكلام، وإنما أراد أن نأكل، ولم يكن شاكا في ذلك بل كان قصده له قال الله سبحانه: وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن الن نقدر عليه، ولم يظن عليه السلام أن الله عزوجل لا يقدر عليه بل هو موقن بقدرة الله عزوجل، ونفاذ أمره وقد يخرج فظن على الإستفهام كما يقول القايل لم باع فلان طعامه وترك نفسه أظن أنه لا يحتاج إلى الأكل، وهو فلم يظن ذلك. (1/481) وهذا مما تعارفه العرب في لغتها وتجيزه في كلامها. ومعنا فسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك فإنما أراد عزوجل كتبهم المنزلة وما فيها من القصص وأخبار الأنبياء عليهم السلام، وما لقوا وما امتحنوا به من أممهم مما قص الله عزوجل عليه من أخبارهم فأقامهم مقام كتبهم لأنهم لوكانوا قصدوا بالمسألة لكانوا في موضع الصدق، ولو صدقوا ما خالفوا أمر الله عزوجل ولا نبيه عليه السلام ولكن حرفوا وكذبوا وغيروا وبدلوا، ومن كانت هذه حاله لم يكن في موضع المسألة ولكن الله عزوجل أراد ما في كتبهم من القصص والأخبار. وقد قيل: إن الذين يمين أمر بمسألتهم هو من كان معه مسلما من مؤمني أهل الكتاب، وليس المعنى فيه إلاعلى ما شرحنا، ألا تسمع كيف يقول الله عزوجل: لتنذر أم القرى ومن حولها وأم القرى فإنما هي مكة، فأقام القرية مقام أهلها، ومثل قوله في قصة يعقوب حين يقول: واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها، والقرية فإنما هي لبن وحجارة والعير، فهي الإبل وليس هي تتكلم ولكن أقيمت مقام أهلها، ومثل قوله سبحانه: وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم. والعجل: فلا يشرب وإنما إراد حب العجل، ومحمد عليه السلام: فأشد الخلق معرفة لله سبحانه وإعظاما لعلمه وفضله وما من الله عزوجل به عليه من تفهيمه وتعريفه فرحمة الله ورضوانه وصلواته وبركاته عليه. وسألت: عن قول الله سبحانه: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: هذا أمر من الله عزوجل للمؤمنين أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ثم نهاهم عزوجل ألا يأكلوا مما لم يذكر اسم عليه، فقال: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، وإنه لفسق، فنهاهم الله سبحانه عن أكل ذبايح الملحدين والجاحدين.. (1/482) المشبهين: والكفرة المتمردين لأن هؤلاء كلهم غير عارف بالله عزوجل ولا مقر وإنما يعرفه من آمن به وصدق رسله ووحده وذبايحهم فميته غير ذكية لا يحل أكلها ولا يسع مسلما الانتفاع بها. وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتا مثل ما أوتي رسل الله، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه هذا إخبار من الله عزوجل عن الظالمين الخونة الكافرين، أنهم إذا جاءتهم آية من آيات الله سبحانه مع محمد عليه السلام تبهر العقول وتصحح النبوة قالوا: لن نومن بها حتى نؤتا مثلها كما أوتيتها فإذا أوتينا ذلك آمنا وصدقنا أنه من الله عزوجل فقال الله عزوجل الله أعلم حيث يجعل رسالاته أراد إنكم لستم في موضع الرسالة ولا منزلة الطهارة، ولا بأهل ثقة، ولا أمانة فاختار سبحانه لرسالته، وما أنزل من حجته محمداً عليه السلام لأمانته وفضله ومعرفته بالله عزوجل وقدره عنده، وقد يروى أن الذي قال هذه المقالة الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو مسعود الثقفي. وسألت: عن قول الله سبحانه: يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آيأتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا، قالوا: شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين، فقلت: ما معناها، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه، هذا قول من الله سبحانه لهم في الآخرة عند مصيرهم إلى النار، يقول: ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم أياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا، وما صرتم إليه من العذاب فيشهدون على أنفسهم بالكفر، والتقصير حين يقولون شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بما أنزل الله إليهم مخالفين لما أمروا به من طاعة ربهم. (1/483) وقلت: هل كان إلى الجن رسول أفلا تسمع كيف يقول الله سبحانه في كتابه، وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يسمعون القرآن، فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي، ولَّو إلى قومهم منذرين، فكان رجوعهم إلى قومهم وإنذارهم لهم إقامة حجة عليهم، ومحمد عليه السلام فكان الحجة على الثقلين. وقد تقدم تفسير ذلك، وفي هذه الآية لك شفا وكفاية، والقرآن فيفسر بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض هدى للناس، ومذهبا للشك والإلتباس.. وسألت: عن قول الله سبحانه: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: كذلك الله عزوجل لم يظلم خلقه ولم يتعد على أحد من بريته، ولم يكن ليهلك القرى بظلم لأنه تبارك وتعالى عدل في حكمه رؤف بعباده، فأخبر سبحانه أنه لا يهلكهم وهم غافلون، لأن الإهلاك لهم على غفلة من غير دعوة ظلم، والله عزوجل بري من ذلك متعال عنه لا يعذب إلا من بعد الإعذار والإنذار. فإذا أرسل الله سبحانه إلى أهل القرى المرسلين، فدعوهم إلى الطاعة وأمروهم بأمره ونهوهم عن نهيه وأقاموا عليهم الحجة، وأوقفوهم على المحجة زاح عنهم بذلك الجهل، والعما وتمت عليهم من الله سبحانه النعما وعرفوا ما أنكروا وأوقفوا على ما إليه دعوا، وبه أمروا وإن أبوا واستعصموا وصدوا عن الحق وأدبروا قامت الحجة عليهم، ولم يكونوا حينئذ بغافلين عما دعوا إليه إذ قد أوقفوا عليه فحق عليهم العذاب، عند قيام الحجة، كما قال سبحانه: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، يقول: ما كان عزوجل ليأخذ قوما على ظلم حتى يبينه ويدعوهم إلى تركه، ثم يأخذهم عند كراهتهم لأمره وبعدهم عنه وثباتهم على ضده، فعند ذلك يستوجبون من الله عزوجل البلا. (1/484) وسألت: عن قول الله سبحانه: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه معنى أنشأ فهو خلق وجعل هذه الجنات التي ذكرهن سبحانه فالمعروش منها ما كان مثل العنب يعرش تحته، ويرفع فقال سبحانه: إن مما خلقنا من هذه الجنان ما هو معروش، فدل عليه بعينه والعنب فلا ينتصب باسقا في السماء، وإنما يذهب على الأرض منبسطا فلما أن كان كذلك لم يكن له بد من العرش والرفع من الأرض وإلا فسد حمله وتغير أكله. وغير معروشات: فهو ما كان من الأشجار، مثل النخل، والرمان، وما أشبه ذلك مما ينتصب ولا يعرش تحته كل ذلك خلق الله سبحانه وأقامه حجة، منه على عباده ونعمة وتفضل على بريته وإنعام عليهم ليشكروه ويذكروا آلاءه، ويحمدوه وقليل من عباده سبحانه كما قال الشكور. وسألت: عن قول الله سبحانه: وآتوا حقه يوم حصاده، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: حقه، فهو زكاته وما جعل الله سبحانه فيه لضعفة عباده، وقلت: هل تجب الزكاة في قليله وكثيره، واعلم حاطك الله أن الزكاة قد جعل الله سبحانه لها جدا، فإذا بلغ شيء مما تخرجه الأرض ذلك الحد، فقد وجبت فيه الزكاة وإذا نقص عنه فلا زكاة فيه وتفسير ذلك غير مجهول عندكم، ولا مستتر عنكم بل قد وصل بكم من قِبَلنا شرحه وتبيينه. وقلت: أرأيت ما أكل منه وانتفع به من قبل حصاده، هل تجب فيه الزكاة وكل ما قطع أو أكل و انتفع به وأكثر الأخذ منه ففيه الزكاة، إذا كانت الزكاة واجبة في أصله، وما كان مما يأكل الداخل للضيعة والطايف فيها فقد رخص في ذلك والحيطة في الدين أصلح، واحتجوا في ترخيصهم بقول الله سبحانه: كلو من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده، فجعلوا ذلك لهم حجة فصاروا يحملونه ويقطعونه ويأكلونه من قبل حصاده حتى يذهبوا منه فأكثر من ربعة وثلثه ثم يزعمون ألا زكاة فيه، ويقولون إنما تجب عليك الزكاة فيه عند حصاده، وهذا قول فاسد مدخول. (1/485) وقد يخرج في تفسير الآية: كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده، أن يأكلوا الثمر ويؤدوا الحق الذي فيه فكان ذلك منه عزوجل رحمة لهم وإنظارا بما يجب عليهم فيه، ولو حظره عزوجل عليهم حتى يحصدوه لأضر ذلك بهم، ولأتعبهم ولكن أطلق لهم سبحانه أكله وأمرهم بتأدية ما تحب في أوله وآخره عند كماله. وقلت: إن الهادي إلى الحق عليه السلام كان يوجب الزكاة في ما أخذ منه قبل الحصاد، فعلى ما ذكرت لك كان يوجب الزكاة لأنهم كانوا يأخذون عامة الثمار ويتصرفون في ذلك غاية التصرف، وكذلك كان جدي القاسم عليه السلام أيضا لم يجز لهم أن يسرفوا والقول مؤتلف. فأما ما ذكرت أن الهادي عليه السلام جعل في ما تبلغ قيمته من الفواكه مائتي درهم العشر كاملا على قدر شرب الماء، فكذلك فعل رحمة الله عليه في كل ما كان يحمل في الحول مرة واحدة أو مرارا وكان يقول عليه السلام في ذلك إذا بلغت قيمة الخضر والفواكه مائتي درهم في السنة أخذ في ما سقي بالدلا نصف العشر وما سقي سيحا أو بماء السماء أخذ منه العشر كاملا. وقلت: إني جعلت في ورق التوت زكاة قبل يحول الحول عليه، وحال الورق كحال القضب والفواكه وحال ما يأتي في السنة مرارا مثل القطن وغيره، فإن كان هذا الورق يأتي في السنة مرة واحدة قوم عند حضوره وإن كان يأتي في السنة مرارا أخذ منه بحساب ذلك إذا كان يوفى في السنة مائتي درهم وكان من الأموال المستغلة، وذكرت القز وما أوجب فيه القاسم والهادي عليهما السلام، وما هو إلا مال من الأموال. وسألت: عن قول الله سبحانه: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هو ما كان له ظفر يعرف به ويقع عليه إسم الظفر فهو عليهم محرم ولكن أباحوه وأكلوه وتعدوا فيه. (1/486) وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا أمر من الله عزوجل لعباده في أموال الأيتام ألا يقربوها إلا بالتي هي أحسن، والذي هو أحسن فهو الإصلاح فيها والتوفير لها. وسألت: عن قوله سبحانه: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه هو حضور الموت فلا ينفع عبدا إيمانه عند نزول ذلك به. وسألت: هل يجوز للرجل أن يقر عند مرضه بالديون التي عليه، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه ذلك عليه واجب لا يسعه غيره ولا يحل له إلا تبيينه وشرحه فإن اتهم المقر له بالدين أنه ولج إليه استحلف أن هذا الدين حق له واحب على المقر له وما ولج إليه ثم يقبض حقه، وما أقر له به. وسألت: عن رجل يقول: إن موضع كذا وكذا معروفا، فالمرأته فلانة ولم يذكر هبة ولا صدقة إلا أنه قال: إنه لها وليس لأحد فيه سبيل عليها، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن كان ذلك الموضع يعرف من ماله فلم يرد به إلا هبة لها لأن قوله لا سبيل لأحد عليه يدل على تسليمه إليها، ولكن كثيرا من الناس لا يحسن الشرح. وقلت: هل يجوز إن كان أكثر من الثلث، وهو جايز إن أجازة الورثة وإن أنكروا ذلك وكرهوه رجع إلى الثلث، ولا يجوز للميت أن يوصي بأكثر من ثلثه للخبر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه، والكتاب أيضا ينطق بذلك في قول الله عزوجل نصيب مما اكتسبوا ولم يقل كلما اكتسبوا. (1/487) وسألت: هل يجوز لرجل أن يهب ثلث ماله لموهوب ثم يهب له ثلثا آخر، ثم يهب له أيضا أو لغيره ما بقي من ماله، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه ما أحب لأحد من المسلمين أن يفعل ذلك لأنه يضر بولده ويهلك نفسه، ويخالف تأديب ربه ولا نحظر عليه فعله في ماله فإن مات كان لورثته في ذلك نظر، وكلام على قدر ما يعرف من فعله وما قصد إليه في مذهبه ويكون فيه نظر لأهل العلم، يوفق الله عزوجل له، وقد جاءت في ذلك أخبار وروايات، وقد يكون هذا من فعل الفاعل على طريق الظلم لورثته والتوليج عنهم، وقد شرح الهادي عليه السلام هذا في كتاب الأحكام وبينه وهو عندكم. نسأل الله العون والتوفيق والهداية والتسديد بمنه ورأفته. وسألت: عن رجل قتل رجلا عمدا أوخطأ فعفى الأولياء عن القود والديه في الخطأ والعمد، فقلت: هل يجوز ذلك له، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا عفى الأولياء عن الدية من بعد أن يعرض عليهم فذلك جايز حسن، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فأجاز الهبة والتصدق بها والإحسان فيها، وقد قال عز وجل في موضع آخر، ولا تنسوا الفضل بينكم، فإذا وهب الولي الدية التي حكم الله بها، فذلك جايز. وسألت: عن من لزمه عتق رقبة عن قتل الخطأ فأعتق عنه رجل آخر، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه إن كانت هذه الرقبة التي أعتقها عنه غيره، قد وهبها له فقد صارت في ملك صاحب الكفارة فجايز له عتقها، وهي تجزي عنه وتقوم لكفارته وإن كان الرجل أعتقها هو عن صاحب الكفارة ولم يعتقها صاحب الكفارة فهي من مال المعتق، وعلى صاحب الكفارة رقبة لأنه لا يجوز له ولا يخلصة إلا عتق رقبة يملكها فإن بره أخوه المسلم ووهب له رقبة فأعتقها هو من بعد ملكه إياها كان ذلك له جايزا وعنه مقبولا. (1/488) وقلت: أيما أفضل في كفارة القتل، العبد أم الأمة، والعبد والأمة في ذلك سواء إذا كانا مؤمنين لأن الله سبحانه يقول: فتحرير رقبة ولم يذكر عبدا ولا أمة، وأما قاتل العمد فإذا أقاد من نفسه فصفح عنه ولي الدم، وقبلت الدية منه وأناب إلى الله عزوجل، فقد خلص من ذنبه لأنه قد أقاد نفسه، وفعل ما أوجب الله عزوجل فعله عليه فصفح الأولياء عنه، وليس عليه إلا دية يسلمها فإن وهبوا له الدية، فحسن وذلك له جايز، وليس عليه رقبة غير أني أحب له من غير أن أوجبه عليه أن يعتق لأن في عتق الرقبة المؤمنة أجرا عظيما. ويخلص لله سبحانه التوبة من ذنبه وما ارتكبه من عظيم فعله، وفي عتق الرقبة له فضل عظيم، وأجر لأن الله سبحانه يقول: فمن تطوع خيرا فهو خير له، وقال: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما، ودية الخطأ على العاقلة: ودية العمد إذا عفي عن صاحبها ولم يقتل وقبلت الدية منه، فهي في ماله وليس على العاقلة منها شيء لأن العاقلة لا تعقل عمدا ولا عبدا ولا اعترافا ولا صلحا فافهم هديت ما عنه سألت. (1/489) وسألت: عن قوم شركوا في شبكة كانوا يصطادون بها فمرض أحدهم واصطادوا شركاؤه وعملوا بها فطالبهم المريض بحصته التي تلزم له في جزؤه وحقه من السكه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا على قدر ما بنا عليه المشاركون أمرهم فإن كانوا بنوا أمرهم على الشركة في الشبكة على أنهم إن اصطادوا بها مجمعين أو مفترقين فهم فيه سواء وجعلوا ذلك مثل المشتركين المتفاوضين فله حقه وإن مرض ولم يحضر فإن كانوا جعلوا الشركة على أنهم يصطادون كلهم معا ويتعاونون فمرض أحدهم واصطاد الآخرون فالصيد لهم وعليهم أن يعطوه ما يجب له من كرا الشبكة فإن كانوا خمسة فله خمسها فينظركم يكون كرا الشبكة في الأيام التي اصطادوا بها وهو مريض، ثم يعطونه خمس الكرا، وفي هذا أيضا باب حسن إذا وقع مثل هذا والتبس ولم.....بتحديد دخل بينهم بصلح فإن الله يقول: والصلح خير. وسألت: عن قوم من الموحدين خرجوا مع قوم من الفاسقين في حرب أعدائهم من الكفرة الظالمين، بغير إمام خوفا على أموالهم وحرمهم، وديارهم فقاتلوا حتى قهروا عدوهم وغنموا أموالهم ثم انصرفوا إلى بلدهم ولم يعثوا في الأرض فسادا. قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن كان هؤلاء القوم الموحدين خرجوا في حرب عدو قد قصدهم يريد إهلاكهم وهتك حريمهم واستعانوا معهم بغيرهم ليدفعوا به عن أنفسهم ويقوو بهم على الدفع لهذا الظالم القاصد لهم الطالب لهلكتهم، فذلك جايز حلال لأن رسول الله صلى الله عليه يقول: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عقال بعيره فهو شهيد. (1/490) والله سبحانه يقول: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وقال سبحانه: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، فإذا قصد المسلمين ظالم يريد إهلاكهم، وكانوا يطيقون الإنتصار منه فعليهم أن يحموا دماهم وكرايمهم وما أنعم الله عزوجل عليهم به من نعمهم ولا أحب لهؤلاء الموحدين أن يسيروا إلى هذا الظالم إلى موضعه ولا يقاتلوه إلا أن يكونوا مع إمام فأما إذا قصدهم فجايز حربه حلال عند الله عزوجل جهاده وإن كان عدوهم هذا على مسيرة عشرة أيام منهم وكانوا له خايفين ولم يقصدهم ثم جاء ظالم، يقصد هذا العدو ويطمع بقتله وإزالته وأخذ مكانه فليس لهم أن يسيروا معه إلى العدو الذي يخافون لأن هذا الظالم يقصد ظالما يطلب ما في يده ويحاربه على بلده، يريد الرياسة والظلم والنهب والغشم، فلا يحل اتباعه لأنهم إذا تبعوه فقد قووه وإذا قووه فقد أظهروه وإذا أظهروه فقد أعانوه على هلاك الاسلام والمسلمين. وشركوا معه في ما أهلك من المؤمنين، وثبتوا عزه ونصبوا ملكه، ومن فعل ذلك فليس من الله في شيء إن الله لا يصلح عمل المفسدين، فعلى من فعل ذلك التوبة والرجعة والإقلاع والانابة فإن الله سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، وفي هذه المسألة جواب لو فسرناه وفرعناه لكان كثيرا، و قليل ينفع ويجزي خير من كثير لا ينفع ولا يغني، نسأل الله سبحانه العون والتوفيق والهداية والتسديد، فإن من وفقه الله فقد سدده ومن سدده فقد أمن الزلل والخطأ وصار إلى أفضل درجة وأكمل نعما. وسألت: عن رجل ظالم منع الناس طريقهم وقطع عليهم سبلهم، وكان في جواره رجل لم يرض بفعل هذا الظالم ثم أدخل هذا الظالم نصف هذه الطريق في داره وقطع طريق المسلمين المسلوكة وأضر في ذلك بهم وضيق بفعله عليهم وبقي نصف الطريق مما يلي جاره معطلا، فقلت: هل يحل لجار هذا الظالم أن يزرع بقية هذه الطريق. (1/491) وقلت: إن زرعه فما حال ثمره، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن كان هذا الغاصب لطريق المسلمين الظالم لهم قطع الطريق طولا فقد ضيف مسلكها وظلم في أخذها ولا نحب لجارها أن يأخذ باقيها بل يتركه ينفذ فيه من احتاج إليه وسار فيه ووسعه وإن كان أخذها عرضا فقد قطعها عليهم فلا يحل لجاره أن يأخذ ما فضل عنده منها لأن هذا قد ظلم وتعدا، ولو وجد المسلمون من ينصفهم منه لهدم الحاكم ما بنا وعاقبه فيما فعل وأتا لأن قطع طرق المسلمين حرام، وعلى من فعل ذلك أكثر الآثام، وإن زرع هذا الرجل باقي هذه الطريق فد زرع فيما لا يملك فيأخذ بذره، وما يجب له في أرض لو عملها لغيره بغير إذنه ويخرج باقيها للمساكين، وضعفة المسلمين. فهذا أقرب له إلى الخلاص، ولا يعود لزرعها، وقد قيل في هذا بأشياء رخص فيها ولسنا نرى ذلك صوابا ولا نقول به. وسألت: عن رجل تزوج بإمرأة فزنت قبل أن يدخل بها، فقلت: هل يدفع إليها مهرها أم لا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: حالها في مهرها إذا زنت قبل دخولها كحالها إذا فعلت ذلك بعد دخوله بها لأنها إذا أتت بغيا وهي عنده. تم الموجود من الكتاب والحمد لله رب الأرباب، منشيء السحاب ومذلل الصعاب،.. الحمد لله حسبي الله وحده وصلى الله على محمد وآله: هذا الكتاب مشتمل من علم آبائنا على بحوث يثلج أمواهها الصدور، ويطلع متأملها على حقايق مذاهب أئمة العترة وما اختاروه من المذاهب لأنفسهم وأبنائهم وشيعتهم الصدور، ولا زموه في الورود والصدور، فيا أسفى على ما أضاعت الأتباع بزعمهم من علوم الأئمة الأطهار، ويا عجبا مما اختاروه وهو عند أئمتهم غير مختار، ومن حوادث الدهر وعجايبه وعظيمات مصايبه أن كتب أئمة العترة صارت في زماننا بالمشاهدة تباع في الأسواق بالأثمان الباخسة ويجلد بها محدثات الكتب والأقوال التي معالم أربابها طامسة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. (1/492) كتبه إبراهيم بن محمد بن عبدالله الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل بن الهادي إلى الحق عليهم السلام، وكان ذلك بصنعاء اليمن برجب من سنة ست وستين وثماني مائة أحسن الله خواتمها ونشر باليمن والتوفيق قوادمها، وحرس مذهب العترة النبوية وكف عنه أكف الفرق الغوية. الحمد لله وحده: هذا التفسير القويم الكاشف معاني القرآن الكريم، من تفسير الإمام القاسم بن إبراهيم وأبنائه الأكرمين، صلوات الله عليهم أجمعين، فأوله إلى الشمس وضحاها من تفسير شيخ آل رسول الله القاسم بن إبراهيم، وعاقته عن التمام شواغل منعته إلى أن نزل به الحمام، ومن لا أقسم بهذا البلد من تفسير علامة العترة وقاموس الأسرة محمد بن القاسم بن إبراهم عليه السلام إلى آخر والنازعات غرقا. ومن عم يتساءلون إلى سورة المنافقين من تفسير الإمام الأعظم الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن القاسم عليه السلام ومن بعد ذلك مسائل للقاسم عليه السلام ثم تفسيره مما سأل المرتضى بن الهادي عنه أباه ثم مسائل سئل عنها الأئمة ثم تفسير للمرتضى عليه السلام ثم مسائل أجاب عنها، فهذا حاصل ما في هذا السفر على الترتيب.. (1/493)