فائدةٌ في ذمّ إعارةِ واستعارةِ الكتبِ
هذا الموضوعُ لطيفٌ، ولو جمعه باحثٌ لصارَ مجموعًا لطيفًا طريفًا في بابه، إذ تطالعُنا في طررِ المخطوطاتِ وخواتيِمها أبياتٌ شعريةٌ وأقوالٌ نثريّةٌ في ذمّ إعارةِ الكتبِ نتلمّسُ منها مدى انزعاجِ أصحابِ المكتباتِ ممّن يستعيرُ كتبَهم، وهذا واضحٌ في نظمِهم أبياتًا جميلةً تنبضُ بحزنِهم وحرصِهم على كتبِهم، ومن هذا ما رأيتُه في آخرِ صفحةٍ من مخطوطةِ (التعريفات) للجرجانيّ (ت816هــ) المحفوظةِ في مكتبةِ راغب باشا بتركيا تحت رقم (1411): [الوافر]
(أَلا يا مُستعيرَ الكتْبِ دعْني فإنّ إعارتي للكتْب عارُ
ومعشوقي من الدنيا كتابٌ فهل أبصرتَ معشوقاً يعارُ؟
وجوابُه : [الوافر]
فَلا تمنعْ كتابًا مستعيرًا فإنّ البخلَ للإنسانِ عارُ
أَمَا تسمعْ حديثًا من رُواةٍ جزاءُ البخلِ عند اللهِ نارُ
ولا يخفى لطف تسكينه لتاء (الكتب) في موضعين وكأنه أوقفها عن الخروج للاستعارة وجعلها ساكنة عنده.
وقال آخر : [البسيط]
مَن استعارَ كتابي ثمّ أفسدَهُ اللهُ عذّبَه في النّارِ ألوانا
إنّي حلفتُ يمينًا غيرَ كاذبةٍ أنْ لَا أُعيرُ كتابي قطُّ إنسانا
إلّا برهنٍ وثيقٍ مثلِ قيمتِهِ هذا جزاءُ امرأ إنْ كان إخوانا
كم من كتابٍ نفيسٍ ضاعَ عاريةً وصارَ صاحبُه المبهوتُ حيرانا
أقول : كلمةُ (استعار) الواردةُ في البيتِ الأوّل كُتبت في فهرس المخطوطات العربية والتركية والفارسية في مكتبة راغب باشا 8/452: (لمستعار) وهو خطأٌ صريحٌ يختلُّ به وزنُ البيتِ.
ورأيتُ في كتاب الوافي بالوفيات للصفدي(5/62) عند ترجمتِه لأبي عبد الله البستي (ت491هـ)، فقال: (كَانَ من أعرف النَّاس بالتواريخ وَجمع من كتب التَّارِيخ مَا لم يجمعه أحد وَكَانَ لَا يعبر كتابا وَيكْتب على كتبه: [البسيط]
إِنِّي حَلَفت يَمِينا غير كَاذِبَة أَن لَا أعبر كتابي الدَّهْر إنْسَانا
إِلَّا برهن وإيمان مغلطة كَيْلا يضيع كتابي أَيْنَمَا كَانَا
وفي الختام أدعو الباحثينَ الكرامَ لجمع ما تناثرَ من أقوالٍ وأشعارٍ حولَ ذمّ الاستعارة وتقديمها في كتاب واحد.
وكتب الدكتور محمد نوري الموسوي 16 / 8 /2020م
http://t.me/drmhmdnoori