مجالس ابن الأخوّة البغداديّ لرواية الكتب في قاسان في القرن السادس الهجريّ
يجب الإعتراف بأنّ معرفتنا بتشيّع مدينة قاسان لا تكفي لربط القطع التاريخيّة، كما يمكن القول بأنّ في بداية القرن الرابع الهجري كان المذهب السائد في قاسان هو التشيّع. لكن هناك فترات ذهبيّة نتلقى فيها تقارير موثوق بها عن الشيعة والتشيّع في هذه المدينة ومنها القرن السادس الهجريّ. تشير العلوم المنبثة من الوافدين إلى قاسان في القرن السادس الهجريّ إلى سفح انبثاث التشيّع في تلك الديار. ومع ذلك كلّه فمن البديهيّ لا يمكن عدّ هذه المسألة في عداد المقتضيات والمعدات لولوج المذهب الشيعيّ في هذه المدينة، نعم إنّها حصيلة ذلك.
هذا.. وكانت تتلخّص أهمّ النشاطات العلميّة والانتعاشات التعليميّة في القرون الإسلاميّة السالفة في مجالس «السماع» و«القراءة» و«الإجازة».. للمصادر الإسلاميّة؛ لأنّ جميع العلوم الإسلاميّة على ما يُظنّ كانت تُرتكز على هذا المحور، لإثبات أصالة ما نُقل إلى الناس عن رجال العلم والدين. وكان يغادر الرواة والعلماء إلى البلدان البعيدة والأصقاع النائية لتلقّي العلوم وتحمّل الكتب، فتعاكست من ذلك ميول الأفراد والمهاجرين إلى تلك الأقطار.
ومن الوافدين إلى مدينة كاشان في القرن السادس الهجريّ هو الإمام جمال الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن خالد الشيبانيّ البغداديّ الذي ولد ببغداد ونشأ ودرس بها ثمّ غادر في ابتغاء الحديث إلى خراسان وسمع بنيسابور والريّ وطبرستان وأصبهان وقرأ بنفسه واستنسخ بخطّه ما لا يعدّ ولا يحصى وكان بديع الخطّ وسريع القراءة والكتابة.. ويقال إنّه كتب بخطّه ألف مجلّدة وأخيراً نزل إصفهان وتوفّي بشيراز في 13 شعبان سنة 548 هـ [سير أعلام النبلاء 21: 484؛ الوافي بالوفيات 18: 194؛ فوات الوفيات 1: 650].
وقد كانت بين ابن الأخوّة البغداديّ والسيّد الراونديّ علاقة وطيدة ويتبيّن ذلك من المراسلات الشعريّة والنثريّة التي دارت بينهما وهي من أنفس المراسلات في ذلك العصر. وحكى المجلسيّ بعض هذه المراسلات عن خطّ الشيخ شمس الدين محمّد الجبعيّ جدّ الشيخ البهائيّ عن خطّ الشهيد الأوّل محمّد بن مكّيّ، وبعضها عن كتاب خريدة العصر [بحار الأنوار 104: 22؛ أعيان الشيعة 7: 466 ـ 469].
وممّا يجدر بنا الانتباه إليه هو أنّ كل من روى عنه فقد تلقّى عنه الرواية في قاسان ولم ترو عنه رواية في إصفهان بل أنّه غادر سنة 546 الهجريّة إلى تلك الديار، وحَدَّث بكتبٍ وهي: «الأمالي» للسيّد المرتضى وكتاب «نهج البلاغة» للسيّد الرضيّ، و«خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام)» لأبي عبد الرحمن السكريّ، و«كتاب الجعفريّات أو الأشعثيّات» و«صحاح اللغة».
وقد كان لدى ابن الأُخوة مجلس مزدهر شارك فيه معظم مشايخ قاسان، وأخذ عنه أعاظم مشايخ هذه المدينة منهم ـ على ما وصل بنا الخبر ـ :
• السيّد ضياء الدين فضل الله بن علي بن عبيد الله العلويّ الحسنيّ الراونديّ (ت بعد 571 هـ) فروى عنه كتاب «نهج البلاغة»، و«أمالي المرتضى» [كما على نصوص إجازات الراونديّ على المخطوطات]، وكتاب «خصائص أمير المؤمنين ع» لأبي عبد الرحمن السكريّ ـ وسنتكلّم عن هذا الكتاب في مقال مستقلّ ـ و«كتاب الجعفريات» کما ورد ذكر طريقهما في الإجازة الكبيرة للعلّامة الحلّيّ لبني زهرة [بحار الأنوار 104: 131 ـ 132].
• وقطب الدين سعيد بن هبة الله الراونديّ كما صرّح بروايته عنه كتاب «نهج البلاغة» في آخر كتابه [منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 3: 453] وكتب بخطّه على نسخة من «نهج البلاغة» [التراث العربي المخطوط في مكتبة السيّد المرعشيّ 4: 378/ الرقم 5690].
• وعماد الدين أبي الفرج عليّ بن قطب الدين الراونديّ (حيّاً سنة 589 هـ)، ففي الإجازة الكبيرة للشيخ حسن صاحب المعالم (ت 1011 هـ) أنّ الشيخ جعفر بن نما يروي كتاب «صحاح اللغة» عن والده جعفر بن نما، عن عماد الدين أبي الفرج الراونديّ، عن ابن الأُخوة [بحار الأنوار 106: 66]، وروى عماد الدين أيضاً كتاب «نهج البلاغة» عن ابن الأُخوّة كما عدّه من طرقه في إجازة زين الدين أبي نصر علّي بن محمّد بن الحسن المتطبّب في سنة 598 هـ بقمّ، وهذه الإجازة وردت على نسخة مستنسخة عن تلك النسخة الأصليّة وهي من مخطوطات المتحف العراقيّ [طبقات أعلام الشيعة ق 6 ج 2 ص 199 ـ 200؛ في رحاب نهج البلاغة، مجلة تراثنا 29: 20].
www.daralturath.org
Faceboock.com/daralturathorg
Twitter.com/daralturathorg
Instagram.com/daralturathorg
@daralturathorg