قناة

كتب فلسفية - كتب فلسفة

كتب فلسفية - كتب فلسفة
27.2k
عددالاعضاء
80
Links
9,587
Files
4
Videos
650
Photo
وصف القناة
الفلسفة بِكُلْ تجلياتها : مخزن كتب الفلسفة قناة المقالات الفلسفية 👇 @newphilosopher الفيلسوف الجديد نيتشه @Nietzsche1 دوستويفسكي @Dostoyevsky_Kafka باروخ سبينوزا @spinoza_2021 سيوران - شوبنهاور @Schopenhauer_Cioran للتواصل @dan_mh
أين أهل الفلسفة؟ صوتوا لتنالوا كتابكم
عندما اندلعت موجة الجزع من «جنون البقر» في نهاية تسعينيات القرن الماضي، كتب عالم الأنثروبولوجيا الأشهر «كلود ليفي شتراوس» مقالاً بعنوان «درس جنون البقر»، ذهب فيه إلى أن ما يشكل خصوصية هذا الحدث هو انتقال الإنسانية إلى نوع جديد من ظاهرة «الكانبالية» (أي أكل الإنسان للحم البشر) التي كان يعتقد أنه تجاوزها منذ قرون طويلة بفضل التقدم الحضاري.
ما أشار إليه شتراوس هو انمحاء الفواصل الجوهرية بين الإنسان والحيوان التي اعتقدت البشرية أنها كرّستها جذرياً، من خلال تعليف الماشية بلحوم ميتة قبل أن يستخدمها الإنسان، وبذا ينتقل الفيروس الغامض من الحيوان إلى الإنسان، هادماً الحواجز الطبيعية والثقافية العميقة بين النوعين.
مع فيروس كورونا الجديد الذي انطلق من قلب الاقتصاد العالمي الجديد في الصين (مدينة ووهان) وانتقل حتى الآن إلى 15 دولة من مختلف القارات، يشهد العالم مرحلة جديدة من مراحل التهديد الفيروسي في أشكاله المتجددة التي فرضت إعلان حالة الطوارئ الصحية الدولية، بعد مضي 15 سنة على ظهور فيروس «سارس» ومن قبله «إنفلونزا الطيور» و«إنفلونزا الخنازير»، ثم فيروس «إيبولا» الذي اجتاح أفريقيا الغربية قبل سنوات.
ما يجمع كل هذه الموجات الفيروسية هو هذا التهديد الذي غدت تشكله علاقة الإنسان بالحيوان بعد فصول طويلة من تدجين الحيوانات الأليفة، والانتقال من اقتصاد الصيد إلى ثقافة الطبخ التي اعتبر شتراوس أنها مؤشر التحول من منزلة الطبيعة إلى منزلة الثقافة.
لقد بنى الإنسان تميزه عن الحيوان على ثلاثة أسس: العقل الخطابي الذي اهتم به الفلاسفة من العصر اليوناني، ومبدأ الكرامة والاصطفاء الذي حملته الديانات التوحيدية، ومنظور التاريخانية الإنسانية الذي تبنّته عصور الحداثة والتنوير.
ومعلوم أن المقاربة الطبية الحديثة تأسست على هذا التمييز الجذري بين الطب البشري والطب الحيواني، رغم استمرار طقوس القربان القديمة من خلال ممارسة التجريب العلاجي على الحيوانات التي تلتقي مع الإنسان في النظام البيولوجي، وإن اختلفت عنه نوعياً في النظامين النفسي والاجتماعي.
وإذا كانت نظرية النشوء والارتقاء الداروينية قد انبنت على فكرة حيوانية الإنسان، فإنها كرست في الآن نفسه مقولة التميز الإنساني من منظور التصور التطوري نفسه، الذي ينتج عنه بالضرورة تفرد البشر في سلّم التقدم الموجه غائياً.
نحن إذن أمام وضع جديد يختلف عن الأوبئة القاتلة التي عرفها التاريخ البشري، من موجات الطاعون المريعة في العصور الوسطى إلى الإنفلونزا الإسبانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، والتي ذهب ضحيتها خمسون مليون قتيل من أشهرهم عالم الاجتماع الألماني «ماكس فيبر» والشاعر الفرنسي «أبولينير» والكاتب التشيكي «فرانز كافكا».
إنها في منطقها الأعمق تنسف محددين أساسيين من محددات العصور الراهنة: المحدد التبادلي الحر في المجتمعات المفتوحة المعولمة، والمحدد الأمني المتمحور حول ضبط الديناميكية السكانية الجماعية.
👇
في الجانب الأول، تكفي الإشارة إلى وضع المدن الصينية المغلقة التي تنتج اليوم جل المنتجات الصناعية التي يتبادلها الناس في مختلف دول العالم. ومن المفارقات المثيرة أن السلطات الصينية التي ركزت اهتمامها منذ سنوات على مشروع «طرق الحرير الجديدة»، للالتفاف على كل الحواجز العميقة لتمدد العملاق الآسيوي الصاعد، تجد نفسها اليوم مرغمة على أداء دور «الحارس الطبي» للعالم، حسب عبارة عالم الاجتماع «فريدريك كيك».
كما أنه من المفارقة أيضاً أن الحالة الفيروسية الجديدة تفضي إلى نمط من النموذج التواصلي غير المسبوق من خلال الخطر العدواني نفسه الذي هو مثال للانتشار الواسع عابر الحدود، بحيث يغدو التحدي الأكبر هو مواجهة هذا الخطر التواصلي في عصر الثورة التواصلية التي هي أساس الاقتصاد المعولم الجديد.
أما الجانب الأمني، فيتجاوز هذا المنحى التبادلي المعولم ويكرّس نمطاً جديداً من الخطر العالمي يختلف عن مخاطر الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل والهجرة غير الشرعية التي تتمحور حولها الاستراتيجيات الأمنية الدولية.
لقد لاحظ الفيلسوف الفرنسي «ميشال فوكو» أن الغرب الحديث انتقل من نموذج السلطة العقابية العنيفة إلى نمط من «السلطة الحيوية» التي تتركز على ضبط حركة ورغبات السكان، وما نعيشه راهناً مع الموجة الفيروسية الجديدة هو تحول الموضوع البيولوجي إلى رهان سياسي واستراتيجي كوني. لم تعد آليات الرقابة والضبط التقليدية قادرة على تأمين الإنسان من هذا الخطر المنتقل عن طريق الحيوان، بما ينجر عنه موقفان وجوديان كبيران: النظرة التوجسية الخائفة من الأقرب المجاور الذي يمكن أن يكون «العدو» الذي ينقل المرض والموت، وانحسار أصالة تجربة الموت الفردية الضائعة في الظاهرة الوبائية، حيث يتحول الموتى إلى أرقام صماء في العروض الإخبارية.
وفي الحالتين، يتبين عمق المشكل الفلسفي الذي تطرحه عودة الإنسان المأساوية إلى وضعه الحيواني المكبوت.

▪كورونا بعين فلسفية
د. السيد ولد أباه
أستاذ الفلس فة
- جامعة نواكشوط
☆☆☆☆
يهدّد فيروس كورونا بالعودة بالبشرية إلى عالم الضرورة الذي اعتقدنا لزمن أنّنا تخلّصنا منه، أو أننا نتحكّم فيه بشكل مطلق، كما يُهدّد بانهيار بنيان الأبرتهايد، الذي يقسّم البشرية بين من يملك تاريخاً ومن يعيش خارجه، بين جنوب فقير وشمال غني، بين من يملكون ومن لا يملكون.

هل يحق لنا أن نفكر في كورونا فلسفياً؟

يقول الفيروس الجديد الشيء الكثير عن انفصام عرى العلاقة بين الإنسان والطبيعة، ويقول أكثر عن انفصامها بين الإنسان والإنسان، وعن أيديولوجية استهلاكوية، تتلاعب بالمصير البشري، وما يُخيف في كلّ ذلك أنها تحوّلت إلى نوع من الديانة المعاصرة. بل حتى الذين يدينون بآلهة قديمة، لا يدينون بها إلّا من خلال اللغة والفكر والتصوّرات والرموز والأشكال الحياتية التي تُؤسّس لها هذه الديانة الجديدة، سواء كانوا واعين بذلك أم غير واعين.

سيكون لانتشار فيروس كورونا تأثير على تصوّراتنا واعتقاداتنا، ولربما سيكون أول أمر يدفعنا لإعادة النظر به هو تصوّرنا عن الحرية الفردية، بل إن هذا الفيروس وانتشاره، كما سيعبر الفيلسوف الأخلاقي ميشيل ديبويي، إلى جانب التغيّرات المناخية، يؤكّد بأننا نعيش في العالم نفسه، وأنه لا يمكننا تجاوز مخاطره إلّا مجتمعين، وأكثر من هذا، فإن الفيروس برأيه "يعيد الطبيعة إلى مركز اللعبة". لكن هل ستقبل الرأسمالية في نسختها النيوليبرالية بذلك، هي التي اختزلت علاقتنا بموضوعات العالم في الحرب والملكية والاستهلاك؟ أم لربما سترغمها الطبيعة على ذلك؟

يكتب ميشيل سير في "العقد الطبيعي" (1990)، وفي نوع من الرؤيوية، كما لو أنه يكتب عنّا اليوم: "لقد أصبحنا، بحكم تحكُّمنا المفرط في الطبيعة ضعفاء أمامها، حتى إنها تهدّدنا هي بدورها لتسيطر علينا. فمن خلالها ومعها وداخلها نقتسم القدر نفسه. وأكثر من كوننا نملكها، ستملكنا هي بدورها، كما في القديم، عندما كنّا نخضع للضرورات الطبيعية، لكن مع فارق نوعي: في الماضي، كان الخضوع محلياً، أمّا اليوم فسيكون عالمياً. لماذا ينبغي لنا، منذ الآن، البحث عن التحكّم في تحكّمنا؟ لأن تحكّمنا لم يعد منضبطاً ولا مقنّناً، ويتجاوز هدفه، بل أصبح ضد الانتاج. لقد انقلب التحكّم الخالص على نفسه".

وفي لغة هيدغرية، يمكننا أن نقول: "يتوجّب على الفانين بدءاً وباستمرار، البحث عن جوهر السكن. يتوجّب عليهم أن يتعلّموا في البدء كيف يسكنون". (مقالته "البناء، والسكن والتفكير"، 1951). ولربما يتوجّب عليهم بدءاً أن يتعلّموا ما هو أكثر من ذلك، كيف يقتسمون سكنى العالم مع الآخرين، وبلغة أخرى، كيف يتجاوزوا وثنية المكان.

هذا ما سينتبه إليه سلافو جيجك، وإن بعيداً عن هيدغر، وهو يتساءل في مقال حول فيروس كورونا ("حلمي عن ووهان"، صحيفة "دي فيلت" الألمانية، 22. 01. 2020): "لماذا هذا الهوس بفيروس كورونا اليوم، وقد عرفت مناطق من العالم فيروسات أكثر خطورة والآلاف من البشر يموتون يومياً بسبب أمراض أخرى؟"، لكن إذا وافقناه الرأي في مشروعية هذا السؤال، فإننا لا نقتسم رأيه الذي يقول بحاجتنا إلى "شيوعية جديدة" من أجل تجاوز هذا التدمير الرأسمالي المستمر للعالم، لأن الشيوعية هي الأخرى، ابنة العقل الديكارتي الذي يقوم على التحكّم والتملّك، كما وصفه ميشيل سير.

سينشر آجامبن في اليومية الشيوعية "المانفستو" (عدد 26 فبراير، 2020) مقالاً حول الفيروس الجديد بعنوان: "حالة الاستثناء التي أثارها طارئ غير حقيقي"، وفيه يعتبر الفيلسوف الإيطالي بأن الأمر يتعلّق بفيروس أخطر قليلاً من أنفلونزا عادية، وأنّ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإيطالية مبالغ فيها، بل هي نتيجة لنية مبيّتة، تهدف إلى توسيع مدى السيطرة على المواطنين والحد من حريتهم.

إنّ مقاله يذكّرنا بما كتبه في "حالة الاستثناء"، الذي ظهر بُعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، مؤكّداً أن حالة الاستثناء التي يتمّ فيها تعليق العمل بالدستور أو القانون، أضحت حالة دائمة، وليست استثنائية، إذ حسب آجامبن، فبعد استهلاك سردية الإرهاب كسبب لاتخاذ إجراءات فوق أو خارج القانون، فإنّ اختراع فيروس جديد، يمكن أن يوسّع من مدى السيادة بشكل يتجاوز كل حدود. لكن المقارنة هنا بعيدة عن الواقع، فصناعة الإرهاب موجّهة، ومتحكّم فيها، وهو ما لا يمكن أن نقوله عن فيروس كورونا.

وفي الواقع، فإن الأمر في رأينا، أكبر من مجرّد حالة استثناء عادية، ونظرية آجامبن لن تسعفنا لفهم هذه الظاهرة الجديدة ولا تلك الظواهر الأخطر التي تنتظرنا في المستقبل، والتي لن تهدد فقط بإلغاء السياسة. بل سنكون مضطرّين هذه المرّة، ومن هنا فصاعداً، أمام حالات الاستثناء القادمة، إلى أن نضع الطبيعة وحقوقها، وليس السيادة، فوق القانون، وفوق حقوق البشر أو بالأحرى حقوق السوق.

إن الطبيعة تجبرنا اليوم على أن نصغي لها في تواضع، وأن نختار بين الوجود أو التملّك.


▪التفكير في زمن كورونا
▪بقلم: رشيد بوطيب
☆☆☆