#يستحق_القراءة
"أجداد الكورونا والتاريخ"
"حكايات عن تاريخ الأوبئة وعلاقة البشر القديمة بها وعلاقة ذلك بالاستعمار والعبيد ومحمد علي باشا .. لمحة سريعة عن علاقة الأوبئة بتشكل العالم.."
ما نراه ليس جديداً! هكذا قلت لنفسي وأنا أتابع الأخبار العاجلة التي تتدفق علينا بأعداد المصابين بهذا المرض، قد يكون شيئا خطيرا لم يعاصره جيلنا أو حتى الجيل الذي سبقه، لكن على رفوف المكتبات قصص كثيرة عن دراما الأوبئة وتاريخ الإنسانية، نرى في مسرحية هاملت: "آلاف العلل والأسقام والصدمات الطبيعية التي تنتاب الجسد"، فقد كان شكسبير يقصد المرض وخصوصا الأوبئة ففي أثناء كتابة تلك المسرحية كان "داء التعرق الإنجليزي، Sweating sickness" متفشياً في لندن، ولم يكن قد مضى على وفاة ابنه "همنت" بالطاعون إلا بضع سنين.
شكل نشوء الزراعة مكافأة للميكروبات، ففي المجتمعات الزراعية فرصة أكبر لنشوء الاستقرار وانتقال العدوى، وكان ظهور المدن في التاريخ هدية أكبر لهذه الميكروبات التي تزدهر مع الازدحام والكثافة السكانية، والقصة قديمة فالجدري يعود لعام 1600 قبل الميلاد كما يشير مكان بثور في مومياء مصرية.
إن من أهم ما تسبب في قتل أعداد هائلة من البشر في التاريخ الحديث هو الأوبئة مثل الجدري والإنفلونزا والسل والملاريا والطاعون والحصبة والكوليرا. الأمراض والجراثيم صاغت الكثير من تفاصيل العالم الحديث، ففي الحرب العالمية الثانية كان عدد ضحايا الميكروبات أكبر من عدد ضحايا الجروح التي أصابت الناس في المعارك.
من الأمراض الوبائية كذلك الإنفلونزا، لكن سنوات بعينها كانت سيئة بشكل خاص مثل سنوات الإنفلونزا الأسبانية التي ظهرت في القرن الماضي حيث قتل 21 مليون شخص مع نهاية الحرب العالمية الأولى، أما أوبئة الكوليرا فتحدث في فترات أكثر تباعداً، وكان وباء بيروفي في عام 1991 أول وباء بالكوليرا يضرب العالم الجديد خلال القرن العشرين. ورغم أن أوبئة الإنفلونزا والكوليرا تسيطر على عناوين الصفحات الأولى بالجرائد, فقد كانت الأوبئة مرعبة أكثر بكثير قبل ظهور الأدوية الحديثة.
ظهر "الطاعون البوبوني" أو الموت الأسود لأول مرة في أوروبا في العامين 542 و 543 بعد الميلاد تحت اسم طاعون جوستنيان، وإذا كانت المطارات الآن أصبحت بوابات للخطر كأنها موانئ الأمس، فقد كانت حركة التجارة قديماً هي المتهم الأساسي في نقل الأوبئة، فقد نشر التجار، والعمال، والمهاجرن، والحجاج، والجنود، والرعاة والعاهرات – الأوبئة على مساحة واسعة من العالم، ففي عام 1348 أبحر التجار من ميناء القرم على البحر الأسود والذي كان موبوءاً بالطاعون إلى أحد الموانئ الإيطالية، وانتقل الطاعون إلى إيطاليا ومنه إلى إنجلترا. قتل الطاعون الذي أطلقوا عليه "الموت الأسود" ربع سكان أوروبا في الفترة بين عامي 1346 و 1352، بحيث وصلت الإصابات القاتلة إلى 70 % في بعض المدن، والسبب الثاني هو توفر طرق التجارة البرية ابتداء من الصين إلى أوروبا، مما أتاح للفراء المملوء بذباب حامل للطاعون بالقدوم من مناطق موبوءة في وسط آسيا إلى أوروبا.
من القصص الدرامية حول علاقة الأوبئة بالتاريخ قصة وصول الأمراض والجراثيم إلى الأمريكتين، من خلال غزو الأوروبيين للعالم الجديد، فقد مات من السكان الأمريكيين الأصليين في الفراش وجراء الجراثيم، أكثر ممن ماتوا في أرض المعركة بسبب البنادق والسيوف، وقد أضعفت الأمراض الروح المعنوية للهنود الحمر عندما قتلت معظمهم ومعظم قادتهم كما يخبرنا جاري دايموند في كتابه "أسلحة وجراثيم وفولاذ". عندما نزل كورتيز على ساحل المكسيك كان معه 600 إسباني لغزو إمبراطورية الأزتيك العسكرية ذات التعداد السكاني الذي يصل إلى عدة ملايين، لكن مرض الجدري الذي وصل إلى المكسيك عام 1520 بوصول عبد واحد من كوبا الإسبانية أدى إلى فتك الوباء الناجم عن ذلك بحوالي نصف الآزتيك بمن فيهم الإمبراطور كيتلاهوك، ولم يصب المرض الإسبان، كما لو أن هذه الحقيقة أكدت أن الإسبان لا يقهرون. وبحلول 1618 هبط عدد سكان المكسيك من حوالي 20 مليونا إلى حوالي 1.6 مليون، أما الجدري فقد قد وصل إلى بيرو حوالي العام 1526 مما أدى إلى موت أغلبية سكان الإنكا بمن في ذلك الإمبراطور هويانا كاباك وخليفته المعيَّن. هكذا ترسخت أكثر من عشرة أمراض معدية من أوروبا إلى العالم الجديد، ولربما لم يصل مرض واحد قاتل إلى أوروبا من الأمريكتين ومن السكان الأصليين باستثناء مرض السفلس الذي يوجد اختلاف حول المنطقة الذي ظهر فيها أول مرة.
الوسيلة الأخرى في انتشار الأمراض الوبائية هي انتقال البشر القهري والقسري، الذي ارتبط بتجارة العبيد التي بدأت عام 1630
👇