(الكشاكيلُ) نظرةٌ في المصطلحِ
بقلم الدكتور محمد نوري الموسوي
الكشاكيلُ: جمعُ كشكولٍ، وهو في اللغةِ دفترُ التلميذِ، مجموعةٌ من الأوراقِ البيضاءِ أو المسطّرةِ مغلَّفةٌ بورقٍ مُقوَّى، وهي كلمةٌ فارسيةٌ تُطلقُ على الحقيبةِ التي تضمُّ أشياءَ متنوعةً.
وهو نمطٌ من التأليفِ يقومُ على جمعِ الفوائدِ النادرةِ، والنكاتِ اللطيفةِ في كتابٍ غالبا ما يُسمى بالكشكولِ. يقيَّدُ فيه ما يستحسنُه العلماءُ من الفوائدِ، والشواردِ؛ من نصٍّ عزيزٍ، أو نقلٍ غريب، أو استدلالٍ محرَّرٍ، أو ترتيبٍ مُبتكرٍ، أو استنباطٍ دقيقٍ، أو إشارةٍ لطيفةٍ يُقيِّدونَ تلك الفوائدَ وقتَ ارتياضِهم في خزائنِ العلمِ، أو ممّا سمعوه من أفواهِ الشيوخِ أو عندَ مناظرةِ الأقرانِ، أو بما تُمليه خواطرُهم، وينقدحُ في الأذهانِ، وهو يعدّ بمثابةِ الاستراحةِ من كدّ طلبِ العلمِ، وصعوبةِ الحياةِ التي يعانيها طالبُ العلمِ، فيهربُ منها إلى مطالعةِ الكتبِ، وانتخابِ الفوائدِ منها ليجمعَها في كتابٍ.
وتعدُّ هذه المجاميعُ مهمةً؛ إذ تكشفُ لنا ثقافةَ جامعِها، وأحيانًا نجدُ فيها نقولاً من كتابٍ مفقودٍ، أو يروي لنا المؤلفُ مشاهداتِهِ التي قد لا نجدُها في كتابٍ، وأرى أنه يمكن أن تعدّ كتب الرحلات من ضمن هذا النمط من التأليف إذ يكتب فيها صاحبها كل ما يشاهده في طريق رحلته
وتُجمَعُ تلك الفوائدُ في كتبٍ، لهم في تسميتها مسالك، فتُسَمَّى بـ"التذكرة" أو "الزنبيل" أو "السفينة" أو " الفنون" أو "الفوائد" أو "الكشكول" أو "الكنَّاش" أو "المخلاة" وغيرها، ويبدو أن لفظ (كشكول) شاع استعمال في شرق البلاد الإسلامية، ولفظ (كناش) شاع في غربها.
والعلماءُ يتفاوتونَ في جَوْدةِ اختيارِهم لهذه الفوائدِ، وطرافةِ ترتيبِها، بحسبِ تفاوتِهم في العلمِ، والقريحةِ والذوق، فاختيارُ الانسانِ قطعةٌ من عقلِهِ، ويدلُّ على المرءِ حسنُ اختيارِه ونقلِهِ.
ويُرجعُ بعضُهم نشأةَ هذا النمطِ التأليفيِّ إلى القرنِ الثالثِ الهجريّ، ويجعلُ منه كتابَ عيونِ الأخبارِ لابنِ قتيبةَ (ت276هـ)، وهذا رأيٌ لا نرتضيه، لأنّ ابنَ قتيبةَ قصدَ إلى تأليفِه هذا قصدًا، وكان غرضُهُ ترغيبَ الناسِ بالعلمِ والتأدّبِ، وأولُ ظهورٍ لمصطلحِ (كشكول) كان قد ظهرَ في القرنِ الثامنِ الهجريّ في الحلةِ الفيحاءِ بالعراقِ على يدِ عالمٍ من علمائِها هو السيد حيدر الآملي الحليّ في كتابِهِ الكشكول فيما جرى على آل الرسولِ، وهذا يدفعُ قولَ بعضِ الأفاضلِ أنّ ظهورَ هذا العنوانِ على يدِ الشيخِ البهائيّ.
وهذا النمطُ من التأليفِ يشتركُ في مجموعةٍ من الأمورِ منها:
1/ النقلُ : إذ الغالبُ على الكشاكيلِ كثرةُ النقلِ عن الكتبِ أو الأشخاصِ.
2/ عزّةُ الفوائدِ: فغالبًا ما نرى أنّ العلماءَ يكتبونَ في كشاكيلِهم الفوائدَ العزيزةَ النادرةَ.
3/ عدمُ الترتيبِ في عرضِ الفوائدِ.
4/ تنوّعُ المعارفِ، فتجدُ مسألةً تفسيريةً، وأخرى نحويةً وثالثة فلسفيةً ...
5/ غيابُ المنهجِ ووحدةُ الموضوعِ، إذ الكشكولُ لا تجدُ فيه فصولًا ومباحثَ تتسلسلُ تسلسلاً منطقياً حسب المنهجِ العلميّ للبحثِ، وترى المؤلفَ ينتقل من علمٍ إلى آخرَ ومن فنّ إلى فنّ.
وأمّا الأمورُ التي يتميزُ بها كلّ كشكولٍ عن غيرِهِ فهي:
أولًا : الاختلافُ بحسبِ التسميةِ: فنجدُ اختلافًا في تسميةِ هذا الكتابِ ، واستطعتُ أن أجمعَ بعضَ الكتبِ المختلفةِ في العنوانِ، وهي تجتمعُ تحت هذا النمط من التأليفِ:
- تجارب : تجارب محمد جواد مغنية بقلمه ، تجاربي مع المنبر للشيخ أحمد الوائلي (2003م)
- تذكرة : تذكرة السيد علي خان المدني (ت1120هـ) ، التذكرة التيمورية لأحمد تيمور باشا
- حجر وطين محمد تقي الفقيه العاملي
- زنبيل : الزنبيل في أدب أهل الطريق بابكر الحضرمي اليماني ، زنبيل في فوائد متفرقة لفرهاد القاجاري (ت1305هـ)
- فوائد : بدائع الفوائد لابن الجوزية (ت751هـ)
- كشكول : الكشكول فيما جرى على آل الرسول حيدر الآملي الحلي (ت782هـ) ، كشكول البهائي (ت1031هـ) ، كشكول البحراني (ت1186هـ) وكشكول الإحسائيّ
- كُنّاش، كناشة النوادر ، كناشة الأوائل والنوادر
- المخلاة: المنسوب للشيخ البهائي (ت1031هـ)
- من هنا وهناك، لمحمد جواد مغنية
- نفّاضة: نفّاضة الجراب للسان الدين ابن الخطيب (ت776هـ)
ثانيا: الاختلافُ بحسبِ المادةِ :
تختلفُ مادةُ هذه الكشاكيلِ بحسبِ ثقافةِ جامعِهِ وذوقِهِ العلميّ في انتقاءِ الفوائدِ، وكذلك تختلفُ المادةُ بحسبِ تخصصِ جامعِهِ، فإذا كان العالمُ فقيهاً يكون الغالبُ على كشكولِهِ المسائلُ الفقهيةُ وهكذا، وإذا كان العالمُ متنوعَ الاهتمامِ يكون كشكولُهُ متنوّعًا وجامعاً لشتى الفنون.
ومن الجديرِ بالذكرِ أنّ سليمان فوزي قد أصدرَ مجلةً بعنوانِ الكشكول في سنة 1921م
والحمد لله رب العالمين، وكتب الدكتور محمد نوري الموسوي في 4/7/2022م
http://t.me/drmhmdnoori