تاسعهم: محقق مُتقن بارع مُبدع، يُشار إليه بالبنان ويُقبَّل رأسه، وهو الذي يقوم بما قام به صاحب الفقرة السابقة، ويتفانى في خدمة النص، فإذا وقع سقط أو بياض في نُسخ الكتاب المخطوط، يجبره بتتبع من ينقل عن هذا المؤلف، فإذا وقف على هذه الألفاظ التي توافق سياق مكان السقط أو البياض؛ فإنه يدرجه في المتن ما بين معقوفتين هكذا [ ] مع الإشارة إلى المصدر، ولا يفعل هذا العمل الشاق إلا المُحب للتراث، ومن يريد كماله وإتقانه.
ويزيد زيادة على ذلك بتخريج النصوص والتعليق عليها، وصناعة فهارس مفصّلة للكتاب تشرح النفس وتثلج الصدر، وهذا -لعمري- عزيز، وعزيز.
عاشرهم: وهو ما يُعرف بمكاتب التحقيق المكوّنة من فريق عمل يباشر التحقيق نسْخًا ومقابلةً مع مشرفٍ عامٍّ تُدفَع إليه الأعمال، فيراجع ويُعدل ويضيف ويحشي، ويعلق ثم تُطبَع الأعمال باسمه، وهذا لا حرج عليه؛ إذا قام بما يلزمه من الأمور المشار إليها؛ تبرئة لذمته.
هذا ما أستحضره من أحوال المحققين، وأنصح من لهم عناية واهتمام باقتناء الكتب وتحصيلها أن يسألوا ذوي الخبرة من أهل التحقيق عن أجود الكتب وأفضلها تحقيقًا وعنايةً وضبطًا؛ لئلا يضعوا أموالهم في غير محلّها، ولتحصل لهم بذلك الفائدة والعائدة المرجوة من اقتناء الكتب والانتفاع بها.