فرائد الفوائد - خزانة الفوائد

أعرفُ من عزم على فتح تجارة فلم يفكّر في المشاريع المعتادة؛ فوجئتُ حين علمت أن مشروعه: إصلاح موازين السمك والخضار، ويبدو لي أنه فتحه في مكان قريب من تجمّع بائعي السمك والخضار في تلك المدينة.
فتح الله عليه، حتى أنه كان يفاوض عماله على دوام إضافي مدفوع لازدحام الطلبات، انطلق وتبدل حاله المادي بما لم يكن يحلم به، وكان قانونه في هذا: ليس شرطًا أن تفتح شركة أو مشروعًا ألِفه الناس لتكون في مصافّ التجار؛ الأرزاق لا قاعدة لها، المهم النتيجة.
وأنا أقول على سنن هذا؛ ليس شرطًا أن تكون شيخًا يشرح الفقه، ويلقي دروس التفسير، ويلتف حوله طلبة الحديث لتكون في مصاف الصالحين وأهل العلم، فكم خدم العلم من لا يتقنه؛ الشأن في التوفيق، والمهم النتيجة.
كلٌ منّا لديه ما يقدمه لخدمة العلم، والدلالة عليه، وتعليم الناس مايجهلونه؛ وقد قرأت في "شذرات الذهب" ترجمة بديعة قال فيها :
"أحمد بن محمد بن إبراهيم الصفدي، نزيل مصر، المعروف بابن شيخ الوضوء.
قال ابن حجر: كانت له عناية بالعلم، وعرف والده بشيخ الوضوء لأنه كان يتعاهد المطاهر فيعلم العوام الوضوء" [1]
كم بيننا من يستطيع أن يكون "شيخ الفاتحة" و "شيخ الصلاة" و "شيخ الأربعين النووية"؛ لكن نحرم التوفيق.
وأنا أخبرك بقصة شيخي الفقيه، حضرت عنده درسًا علميًا، ثم أتاه طلابه في ختامه للأسئلة كالمعتاد؛ سأله أحدنا: ياشيخ، أنا مشرف حلقة تحفيظ شبابية، والطلاب فيهم خير ويعملون أعمالًا دعوية وتعبدية لكني عجزت أن جعلهم طلاب علم عندك، رد الشيخ : يوم القيامة تؤمن بالميزان؟ قال: طبعًا بلا شك، قال الشيخ: ما دام المرء يملأ ميزانه بحسنة فهو على خير، ويوم القيامة العصيب لن تفكر في أن الحسنة جاءت من علم أو غيره؛ المهم حسنة تنجيك.
نحن في زمن نشكو فيه من سهولة نشر الشر، وحقنا أن نشكو من حرماننا من نشر الخير مع سهولته هو أيضًا؛ اللهم استعملنا في طاعتك، وفرّغنا لما خلقتنا له، واصرف عنا شر أنفسنا، وأوهامنا.
البرامج العلمية بحاجة لشيخ أو شيخين؛ وألف شيخ وضوء !

———-
[1] شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (8/ 609)

(منقول).