حوار مفتوح بين مؤلف ومدرس
المؤلف للمدرس: إذا مت مات علمك!
المدرس: تحسب نفسك الذهبي أو ابن حجر! كم بقي من المؤلفات؟ وكم التي فنيت؟ فهي ليست ضربة لازب؛ الفائز منها واحد من الألف، استيقظ من أوهامك.
المؤلف: كم عندك من التلامذة؟ خمسة! مائة! كتابي تقرأه الأجيال وراء الأجيال.
المدرس: أنا مسؤول عن واجبي نحو قومي لا عن الأجيال القادمة، التأليف هو تلبية مكتوبة لحاجة معرفية فإن كانت متقنة حفظت نفسها، فلا تغرك كثرة الكتب، فالمائة سنة ستغربل الكتب، ولن يبق منها إلا النزر القليل.
المؤلف: ما بقي من إرث العلماء إلا الكتب، فكفى بذاك عبرة، صحيح البخاري انتفع الناس به لأكثر من ألف عام، ولا يزال النفع به مستمرا.
المدرس: هل تقدر أن نبقى لألف عام أخرى حتى يتم قياسك؟ وهل ترى في نفسك حرفة البخاري في صناعة الكتاب حتى تقايس نفسك به؟ التدريس مضمون النفع وإن قل منتفعوه، والتأليف مشكوك في نجاحه، ومشكوك في انتشاره، ومشكوك في بقائه.
المؤلف: لا يقوى التلاميذ على حمل أفكاري، فالورق والكاغد يحملان عهدتي.
المدرس: يحكى أن أبا حنيفة قيل له: لم لم تصنف؟ قال: صنفت أبا يوسف ومحمد بن الحسن، نحن اليوم في زمن صناعة الأفذاذ لا صناعة الأوراق.
المؤلف: صدقت؛ ولذا سأنفث في روع أوراقي روح الحياة لأجل ذلك.
المدرس: خاطب بأوراقك تلاميذك، تحيا أوراقك، فلم تزل تصانيف العلماء تلبي حاجات العصر.
المؤلف: إلى حد ما، وإلا فإن تجريد المعرفة يعني أن أتجاوز الزمان والمكان والأشخاص والأحداث وإلا جمدت أوراقي في قوالب صلبة، وتحنطت، وصارت من التاريغ الغابر.
المدرس: هلا استفدت من طريقة النووي؛ فقد كان تحصيله تصنيفا، وتصنيفه تحصيلا.
المؤلف: ومن أين لي نية النووي، وبركة كتبه؟
المدرس: خالط أنفاس الأتقياء الأخفياء الأنقياء، فأنفاسهم الطاهرة تتناقلها الأجيال الحية، ومنها يلهم الأفذاذ.