عاطفة الشَّفقة في فلسفة نيتشه
زاهر هلال
- لقد كانت غاية فريدريك نيتشه في معظم كتاباته ، لاسيّما كتابه الأشهر "هكذا تكلم زرادشت" ، إيجاد إنساناً يتفوَّق على ذاته. والإنسان المتفوق - حسب نيتشه - هو الإنسان القوي صاحب الإرادة التي لا تهزُّها أكثر النوائب شدَّة. وقد تعوَّدنا نيتشه هدَّاماً للأصنام التي تمادت العقول في تقديسها ، بمطرقته التي هوَت ضارِبةً كل القيم التي كان يعتبرها الإنسان أخلاقية المنشأ والغاية. فأن تكون أخلاقياً بحسب نيتشه ، يعني أنك تسير عكس دوافعك الحقيقية ، إذ كثيراً ما يعتقد أن الدوافع البشرية في غالبها تكون أعمق و أدهى من الغايات الموجَّهة إليها.
- هل نستطيع أن نجزم بأن غاية الغايات للطبيب هي مساعدة مريضه على الشفاء ، لمجرَّد المساعدة ؟
طبعاً في هذه الحالات لايمكننا التعميم أبداً ، ولكن بحسب نيتشه فإن الدوافع الحقيقية تكون غالباً مُضمَرة داخل النفس البشرية ، ومعها لا يمكن للإنسان أن يكتم دوافعه. ولذا وجب تطهير الفضائل ، أو بالإفراد "الفضيلة" لأن نيتشه يعتبر أن امتلاك فضيلة واحدة خير من امتلاك عديد الفضائل ، وأن يكون في الفضيلة الواحدة من الحكمة القليل خير من امتلاك عدة فضائل لا حكمة فيها.
- إن الصديق الحقيقي حسب نيتشه هو ذاك الذي لا يمدّ لك يده رحمةً بك أو إشفاقاً عليك في حالة تألُّمك. فهو بذلك لا يُسدي لك أدنى خدمة ، ذلك أنه سيوقِظ فيك بواعث الانحطاط والضعف. إنه بذلك يمدّ لك يد العون محاوِلاً تصنُّع الرحمة والشفقة ، باحثاً عن نفسه عبر رحمته بك. والأجدى أن تصغي إلى إرادتك ، وتتركه يبحث عن نفسه بعيداً عنك. فالصديق الحقيقي هو الذي يتعمَّد الهروب لحظة رآك تتألم ، حتى لا تفضحه غبطته المُتصَّنعة للإشفاق.
- وما أكثر هذه النماذج في عصرنا ، عصر الفيسبوك و التواصل الاجتماعي ، ذلك العصر الذي يشهد يومياً عمليات توثيق بالصورة والصوت لجميع حالات الشفقة والرحمة بالمتألمين والمساكين. فترى أسنان المُشفِق بارزةً في الصورة ، تعبيراً عن غبطتهِ بإنسانيته ، أو مضطجعاً يشير ببنانهِ إلى جميلهُ الذي وهبه.
والخلاصة أن الشفقة عند نيتشه عاطفة مزيَّفة وجب توجيهها وصقلها ، بحيث لا تزيد في ألم المتألمين ، بل تخلق فيهم حافزاً جديداً على طريق الإنسان المتفوق. يقول : "إنني والحق أكره الرحماء الذين يطلبون الغبطة في رحمتهم ، فإذا ما قُضي عليَّ بأن أرحم ، تمنيت أن تُجهَل رحمتي ، وألا أبذلها إلا عن كثب. أحب أن أستر وجهي عند إشفاقي وأن أسارع إلى الهرب دون أن أعرف".
▪أقوال نيتشه الواردة في النص مأخوذة من كتاب "هكذا
تكلم زرادشت" ترجمة : فليكس فارس.