المدارس اللسانية العربية:
1- المدرسة البيانية مع الجاحظ
2- مدرسة النظم مع الجرجاني
3- المدرسة الشمولية مع السكاكي
4- المدرسة الارتقائية مع ابن خلدون
إن علماء العرب، مثل الجاحظ والجرجاني والسكاكي وابن خلدون هم الذين أسّسوا المدارس اللسانية العربية، وبإمكاننا أن نتحدث عنهم في هذا الحديث بداية من المدرسة البيانية مع الجاحظ ثم مدرسة النظم مع الجرجاني ثم المدرسة الشمولية مع السكاكي لنصل إلى المدرسة الارتقائية مع ابن خلدون.
1- المدرسة البيانية مع الجاحظ
كان من الأصح أن نقول المدرسة البيانية -التبيينية- حتى نلتزم بعبارة الجاحظ وبفكره كما كانا في عنوان كتابه المشهور «البيان والتبيين»، لأن إتباع التبيين للبيان الذي كان بالإمكان الاستغناء عنه في العنوان طلبا للاختصار دفع بالجاحظ إلى تجشم المسالك الوعرة لاستيعاب مدارك الكلام في جميع مضانها، لأن البيان إن كان يعبر بالخصوص عن هذه الظاهرة اللسانية الإنسانية التي تمثل الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان لأنه كان ظلوما جهولا، وهي بالتالي ظاهرة غيبية بالدرجة الأولى، فإن التبيين موضوع من الجاحظ لوصف العلاقات اللسانية التي تجري في عالم الشهادة وتجمع بين المتكلم والمخاطب وتنقل البيان إلى بلاغة، والكلام إلى رسالة مع ما تتضمنه الرسالة من إلقاء وتلقي ورموز ومعاقد وحال ومقال ومقام كما تشرحه اليوم اللسانيات الحديثة.
والتأمل في حقيقة الكلام وفي كيفية إنشائه وتطويره وعلاقته بالإنسان منذ بدء الخليقة إلى أن صار بلاغة في سياسة الكون والكلام. كل هذا ضمنها في كتابيه «البيان والتبيين» و«الحيوان»، وقد اعتمد في ذلك على ما جاء في القرآن خاصة مما جعله أول ممثل للمدارس الكلامية المستمدة من القرآن الكريم.
بدأ الجاحظ بتلخيص أنواع الدلالات في خمسة لا تزيد ولا تنقص، هي: اللفظ ثم الإشارة ثم العقد ثم الخط ثم النصبة. وسر هذا التصنيف لا يزال لغزا، لكن يبدو أنه قائم على النظرة الارتقائية التي تتلخص في عبارة «العالم الصغير سليل العالم الكبير» الشهيرة عنده حيث ينحدر اللفظ من الإشارة، والإشارة من العقد، والعقد من الخط، والخط من النصبة.
2- مدرسة النظم مع الجرجاني
النظم كما تصوره الجرجاني يعني كيفية تركيب الكلام انطلاقا من الجملة البسيطة ليصل إلى نظم القرآن في تراكيبه الصوتية والدلالية والنحوية والبلاغية والأسلوبية والغيبية الإعجازية. والنظم باختصار يعني تأليف الحروف والكلمات والجمل تأليفا خاصا يسمح للمتكلم والسامع أن يرتقيا بفضل بديع التركيب إلى مدارك الإعجاز في المعاني علما بأن المعاني تملأ الكون وتعمر الفضاء واختيار تركيب من التراكيب في النص كاختيار مسلك من المسالك في البر والبحر قد يؤدي بالسالك يعني المتكلم إما إلى الوصول إلى الغاية التي يقصدها في بر النجاة أو إلى الضلال والهلاك، والنظم كالبناء والنسج يتم في معاقد النسب والشبكة، فمعاقد النسب تبرم الخيوط التي تذهب طولا، ومعاقد الشبكة تبرم الخيوط التي تذهب عرضا، فإذا نسجت خيوط الطول في خيوط العرض حصل النظم.
3- المدرسة الشمولية مع السكاكي
كتاب السكاكي «مفتاح العلوم في البلاغة»، كان له تأثير كبير على الأجيال التالية، فصارت آراؤه مرجعا للدارسين جعلته أكبر مدرسة لسانية في العربية، ولا يعرف الدارسون مدرسة مماثلة لها من حيث الاتساع والشمول في الثقافات الأخرى.
وقد صنف السكاكي العلوم اللسانية في شكل شجرة أصلها ثابت في قواعد اللغة وفروعها في السماء تشمل جميع أنواع الكلام.
والتطور يشمل أولا فرعين: النحو والصرف، ثم يرتقي النحو والصرف إلى درجة البلاغة، فيخلف علم المعاني «النحو» وعلم البيان «الصرف»، ويخلف مقتضى الحال في البلاغة مقتضى الوضع في النحو بإدراج المنطق والاستدلال في العملية عملية التحويل كما يدرج مع مقتضى الحال مقتضى المقام ومقتضى المقال، ويرتقي من البلاغة إلى علوم الأسلوب في مستوى علم البديع، فيخلف البيان المحسنات اللفظية والمعاني المحسنات المعنوية، ولا يعرف العلماء عندنا حتى الآن أن انتقال السكاكي من البيان إلى المعانـي ليس شيئا آخر سوى انتقال من علم البلاغة إلى علم الأسلوب الذي أصبح علما قائما بذاته اليوم، وجعل الكثير من الأدباء واللسانيين لا يميزون بين الطائف الدقيقة في البلاغة والأسلوب، وجعلهم يعدون الوجوه البديعية زبدا رابيا يذهب جفاء ولا ينفع الناس. وقد ساهم بعض أصحاب البديع بتصنعهم وتكلفهم في تأكيد هذا الانطباع، وبعد البديع يرتقي الكلام إلى مرتبة الشعر مع العروض والقافية. فالعروض يخلف التراكيب النحوية والمعنوية، والقافية تخلف البيان، وعند اكتمال هذه الطبقات كلها ينتقل إلى الأدبية. ومفهوم الأدب يجمع بين القول والعمل يعني بين التربية [التأديب] والقول الحسن، وليس فوق الأدب إلاّ الإعجاز القرآنـي الذي ينقل القول والفعل الحسن إلى مدارك الغيب حيث يلتقي صواب القول بصواب العمل.
وهكذا يطمح السكاكي في مفتاحه إلى ا