المؤلف: الدكتور محمد المختار ولد اباه
المترجم / المحقق: غير موجود
الناشر: دار الكتب العلمية
الطبعة: الثانية 1429 هـ / 2008 م
عدد الصفحات: 666
حول الكتاب
لا شك أن النظر وإعمال الفكر والبحث في النص العربي التراثي المأصول، قضية باتت تشغل جلة أعلام وقتنا، وأولوها بعدها القيمي في تأصيل العلوم العربية الإسلامية، ومنحها موقعها المتميز داخل المنظومة الفكرية والمعاصرة.
وأتذكر دائما في هذا السياق مقالة قالها المؤرخ البحاثة المرحوم محمد المختار السوسي في تصدير كتابه "سوس العالمة"، وهذه المقالة وإن كان المقصود منها تدوين التاريخ المغربي بمختلف آفاقه، فإنها – في بعدها الحضاري – تحسس الباحث العربي المسلم في أية جهة كان، بجسامة المسؤولية العلمية، خاصة على مستوى هذه اللحظة التاريخية الحرجة.
يقول المختار السوسي: "فيمكن أن يتكون التاريخ العام للمغرب تاما غدا إذا لم يقم أبناء اليوم – والعهد لا يزال قريبا، ولما تغمرنا أمواج هذه الحضارة الغربية الجارفة التي تحاول منذ الآن حتى إفساد ماضينا بما يكتبه عنا بعض المغرضين من أهلها – بجمع كل ما يمكن جمعه، وتنسيق ما لا يزال مبعثرا بين الآثار، ومنتشرا أثناء المسامرات، فإنه لو قام من كل ناحية رجال باحثون ببذل الجهود، لتكونت بما سيهيئونه من التاريخ الخاص، لكل ناحية، مراجع عظيمة، سيتكئ عليها الذين سيتصدرون للتاريخ العام المستوعب في العلم العربي المغربي غدا، بله الحوادث والأطوار المتقلبة، وما هذا الغد ببعيد، وتباشير فجره تلوح الآن في الأفق". (1)
ومن تباشير هذا الفجر الثقافي النير، مولود تأليفي جديد صدر مؤخرا، يعني فيه صاحبه بدراسة مكون هام من مكونات الثقافة العربية الإسلامية، ألا وهو تاريخ الدرس النحوي، فقد وقع إلى يدي كتاب أكاديمي قيم صدر في غضون عطلة صيف هذه السنة (1418هـ/1996م).
والمؤلف يحمل عنوان "تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب" (2)، والمؤلف هة فضيلة الأستاذ الباحث الدكتور محمد المختار ولد أباه.
وقد عَنًّ، لي أن أدلي بتعريف مقتضب أسجل فيه أهم محاور هذا التأليف، الذي أفدته منه كثيرا، ولمست في صاحبه عمق البحث، وشجاعة الاقتحام، وسلعة المعرفة.
يقول عنه الدكتور عبد العزيز التويجري:
"والمؤلف من أبرز رجالات العلم والثقافة العربية الإسلامية، الذي أحاطوا علما وقفها واستيعابا بجوانب متعددة من العلوم العربية والإسلامية، وأخذوا بحظ وافر من المناهج الحديثة في البحث والتأليف.." (3)
وتمكن أهمية هذا المؤلف الجديد في طبيعة الموضوع الذي اتخذ من قطبي (التاريخ/النحو العربي) مادة عملية، فصر نظر المؤلف عليها، وأهمية القصوى تبرز أيضا في حضور إسهامات لغويي ونحاة الغرب الإسلامي في تطوير وإنضاج الدرس النحوي.
وبهذه الميزة يكون الدكتور محمد المختار وبد أباه في "تاريخه" قد توفق إلى حد كبير في الإحاطة والنظرة الشمولية، وإن لم تكونا بصيغة مدققة تشمل كل قطر عربي، لأن ذلك يصعب على مجهود فردي طموح، نظرا لشساعة الفضاء الزماني/ خمسة عشر قرنا، والمكاني / الوطن العربي برمته (مشربا ومغربا).
إن معالجة، في هذه الآونة، لموضوع النوح في بعده التاريخي، تبرهن على الجدية والتعمق والتخصص في مسار البحث العلمي المعاصر.
ولا يقتصر مفهوم النحو في هذا المساق التأليفي على تلك القواعد النحوية المقررة عند أقطاب علم النحو، والنظر في المؤتلف، والمختلف عند المدارس النحوية، وتقدمي الترجيحات والآراء، إن المقصود بالنحو في هذا الكتاب، هو تقديم صورة ماثلة أمام القنارى العربي المعاصر لتراكمات درس علم النحو، من خلال منبته المشرقي إلى حضانته المغربية، دون إغفال جديد المدرسة الغربية المعاصرة.
والمغرب كما ورد عند الأستاذ المختار ولد أبه في خطاب العنوان، يعني به آفاق الغرب الإسلامي بما فيها حواضر بلاد شنقيط التي أولاها المؤلف عناية تستحق التنويه والإفصاح عن جميل فوائدها وجليل قيمها.
وقد تراءى للمؤلف، وهو يستجمع أشتات موضوعه، ذلك البعد الوحدوي لبنية الثقافة العربية الإسلامية، فعبر عن ذلك بقوله:
"وتتبع خطوات النحو من المشرق إلى المغرب، يقدونا على التطلع إلى بعض الظاهر التي تبرهن أن أمة الإسلام واحدة، كلما تناءت بها المناحي الجغرافية، حرصت على توثيق العربي الدينية والحضارية، وهذه الظواهر تتمثل بعد المد الإسلامي في ارتباط الأمة بأماكنها المقدسة، ومنابعها الحضارية. وهذا الارتباط حدا بالعلماء في المغرب على العموم بالقيام بالرحلات إلى المشرق، والرحلات لأداء فريضة الحد ولزيارة المدينة المنورة، والسلام على الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام، كما أنها أيضا رحلات علمية، يستقي القائمون بها من ينابيع الثقافة الإسلامية، في كل فن من فنون العلوم". (4)
وهكذا انصبت المعالجة على كل ما يرتبط بعلاقة حميمة مع النحو: القاعدة النحوية، والمثال، والشاهد، وأقطاب الفكر النحوي، ومدارسهم، ومصنفاتهم، التحشيات،