عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ثلاثةٌ لا يكلمُهم اللهُ ولا ينظرُ إليهم يومَ القيامةِ ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ على فضلِ ماءٍ يمنعُه ابنَ السبيلِ فيقولُ اللهُ له يومَ القيامةِ: اليومَ أمنعُك فضلي كما منعتَ فضلَ ما لم تعملْ يداك، ورجلٌ بايع إمامًا لا يبايعُه إلا لدنيا إن أعطاه رضيَ وإن لم يعطِه سخِط، ورجلٌ حلف على سلعةٍ بعد العصرِ كاذبًا لقد أُعطىَ بها أكثرَ مما أعطي))
أخرجه البخاري (٧٢١٢)، ومسلم (١٠٨)
مفهوم ذكر التقييد بعد العصر وأقوال العلماء في ذلك
⤵️⤵️⤵️
اختلف في سبب تقييده بعد العصر على أقوال:
قيل: لشرف هذا الوقت بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار فيه، واختاره النووي (انظر: شرح النووي لمسلم: [2/300]).
قيل: لأنها الصلاة الوسطى وخصها الله بالمحافظة بعد عموم الصلوات الأخرى فقال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ} [البقرة من الآية:238]، ومن شأن الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت من الآية:45]، ومن لم تنهَهُ صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد إلا إثمًا، وإذا كان هذا في الصلوات عامة كانت الصلاة الوسطى بذلك أولى، وحقها في ذلك أكثر وأوفى، فمن اجترأ بعدها على اليمين الغموس التي يأكل بها مال الغير كان إثمه أشد، وهذا معنى كلام القاضي أبي الفضل الذي نقله القرطبي وأيده (في المفهم: [1/307]).
وقيل: لأن العصر وقت ختام الأعمال، والأمور بخواتيمها، واختاره الخطابي. وقيل: لأنه وقت ارتفاع الأعمال، واختاره ابن حجر (في الفتح: [5/349]). ورد ابن حجر (في الفتح: [5/349]) القول الأول، وهو لكونه اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار، وكذلك رده القرطبي (في المفهم: [1/308])، وبين القرطبي أنه وجه بعيد لسببين: الأول: لأن الملائكة أيضًا تجتمع في الفجر، ولم يكن كما بعد الفجر خصوصية ما بعد العصر من الوعيد؛ ففي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ» (صحيح البخاري؛ برقم: [7429]، صحيح مسلم؛ برقم: [632]). والثاني: أن حضور الملائكة واجتماعهم إنما هو في حال فعل هاتين الصلاتين لا بعدهما، كما هو ظاهر نص الحديث، فإنه فيه «وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ» وتقول الملائكة: «تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» (صحيح البخاري؛ برقم: [7429]، صحيح مسلم؛ برقم: [632]).