«الرياسة في الحديث بلا دراية رياسة نذلة».
روى العلامة القاضي أبومحمد ابن خلاد الرامهرمزي في "كتاب المحدث؛ الفاصل بين الراوي والواعي" هذه العبارة عن الإمام الجليل الحافظ شيخ الأئمة وبقية أتباع التابعين أبي عاصم النبيل .
وقد روى ذلك من طريق ابن خلاد: الحافظ الكبير أبوبكر الخطيب في "كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2: 181)، ثم قال: "والرئاسة التي أشار إليها أبو عاصم: إنما هي اجتماع الطلبة على الراوي للسماع منه عند علو سنه وانصرام عمره، وربما عاجلته المنية قبل بلوغ تلك الأمنية فتكون أعظم لحسرته وأشد لمصيبته".
فذكر الخطيب حالي المقتصر على الرواية من نيل الرياسة النذلة أو الحسرة بفوات هذه الأمنية من أصلها، ولم يتعرض للصورة القبيحة التي إنما صار لها انتشار مع رفع العلم وقبض أهله بالموت وما دونه، وفشو الجهل وترأس أهله وسهولة وصولهم إلى الناس ووصول الناس إليهم، وهي صورة التصدي لرياسة الرواية المجردة - مع نذالتها - قبل إبانها وأوانها وفي غير وقتها ومع تحقق الاستغناء عنها وعن المُهينِ نفسَه المبتذِلها بالتصدي لها منخدعاً باجتماع الدهماء إليه وضن العقلاء بوقتهم أن يضيعوه في الإنكار عليه، لتوقعهم عدم انتصاحه وتيقنهم لافتضاحه.
ثم ذكر الحافظ الخطيب طريق الخلاص من تلك الحال الردية الناشئة عن الاقتصار على الرواية فقال: "وإذا تميز الطالب بفهم الحديث ومعرفته = تعجل بركة ذلك في شبيبته، والطريق إليه ما ذكرناه من داوم السماع والإكثار منه والمطالبة له والنظر فيه والمذاكرة به وصرف العناية إليه، وسنرتب ذلك ترتيبا ينتفع به من وقف عليه إن شاء الله"، وقد عقد لهذا الترتيب الذي أشار إليه في عبارته هذه الباب التالي لها فليراجع من أحب الوقوف عليه، وكذا ما يناسبه في كتب علوم الحديث التالية له فقد أثرى الأئمة ذلك وأنضجوه.
وقد قال الإمام الحافظ العلامة أبوعمرو ابن الصلاح: "لا ينبغي لطالب الحديث، أن يقتصر على سماع الحديث وكتبه دون معرفته وفهمه، فيكون قد أتعب نفسه من غير أن يظفر بطائل، وبغير أن يحصل في عداد أهل الحديث، بل لم يزد على أن صار من المتشبهين المنقوصين المتحلين بما هم منه عاطلون".
وكان الخطيب قد حذر بين يدي كلامه المذكور من مغبة التفريط الذي فسر إنكار أبي عاصم له، وذكر ما يغري من فيه مروءة وعقل ودين وحياء أن يتنزه عنه وإذا تلطخ به أن يتخلص منه فقال: "ولو لم يكن في الاقتصار على سماع الحديث وتخليده الصحف دون التميز بمعرفة صحيحه من فاسده والوقوف على اختلاف وجوهه والتصرف في أنواع علومه إلا تلقيب المعتزلةِ القدريةِ من سلك تلك الطريقةَ بالحشوية = لوجب على الطالب الأنفة لنفسه، ودفع ذلك عنه وعن أبناء جنسه".
ولقد صدق وبر، وأخلص النصيحة رحمه الله تعالى، وجعلنا من المنتصحين.
https://t.me/arrewayahalthkafh/2051