الكثير من أصولنا الروائية والمصنفات القديمة لم تصل إلينا إلّا عن طريق ما نقله أصحاب الجوامع الحديثية الذين عاصروا أواخر زمن النص وما بعده، فتجد الكليني والصدوق وغيرهما حفظوا لنا الكثير من ذلك التراث المفقود في يومنا هذا، ومن تلك المصنفات المفقودة، تفسير عيسى بن داود النجار الذي يرويه عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام)، وقد أكثر النقل عنه محمد بن العباس ابن الماهيار في واحد من تفاسيره، والذي هو الآخر لم يصلنا إلا عن طريق ما حفظه السيد ابن طاووس وغيره من العلماء في بعض كتبهم، وقد جُمِعت تلك النقولات عن تفسير محمد بن العباس وطبعت تحت عنوان "تأويل ما نزل من القرآن الكريم في النبي وآله صلى الله عليه" بتحقيق الشيخ فارس تبريزيان.
🔸ترجمة عيسى بن داود النجّار
قال النجاشي: "عيسى بن داود النجار: كوفي، من أصحابنا، قليل الرواية، روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام، له كتاب التفسير، رواه أحمد بن محمد ابن سعيد، عن محمد بن سالم بن عبد الرحمان، عن عيسى، به ".
وقوله: "من أصحابنا" صفة تقتضي المدح عند بعض العلماء كالعلامة المجلسي.
🔹وجود تفسير النجار عند محمد بن العباس
يحتمل بشكل قوي وجود تفسير النجار عند محمد بن العباس، فقد روى -في ما وصل إلينا من تفسيره- عن النجار في ٣٨ مورداً، وبتتبع هذه الموارد بأجمعها نلاحظ وحدة السند إلى عيسى بن داود، ووحدة المضمون التفسيري، وهذان الأمران من قرائن الرواية عن الكتاب، فذلك السند المتكرر إلى النجار ما هو إلا طريق إلى كتابه، وكون المضمون متحداً ومتلائماً مع عنوان كتاب النجار الذي ذكره النجاشي يزيد من إحتمالية ذلك.
نعم، الطريق الذي يذكره محمد بن العباس يختلف عمّا هو موجود في كتاب النجاشي، ولكن لا ضير في ذلك، لوضوح إمكان تعدّد الأسناد والطرق إلى الكتاب الواحد.
يضاف إلى ذلك، أنّ محمد بن العباس ممّن كان له اهتمام كبير بجمع الروايات المتعلقة بالتفسير والتأويل، فقد عدّ له الطوسي أربعة كتب في هذا المعنى، ونقل النجاشي أنّ كتابه في ألف ورقة، فتراث بهذا الحجم يبعد أن يكون مصنّفه ممّن لم يمتلك المصادر الأصلية كتفسير النجّار المروي عن الكاظم (عليه السلام).
🔸طريق محمد بن العباس إلى تفسير النجّار
يروي محمد بن العباس عن تفسير النجّار بواسطة محمد بن همام بن سهيل عن محمد بن اسماعيل العلوي.
أمّا محمد بن همام فهو الإسكافي الثقة الجليل، وأما العلوي فهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، ليس له توثيق خاص، وهو ممن رأى صاحب الأمر (عجل الله فرجه) وهو غلام، وذُكر في سند رواية أوردها الكليني أنه كان أسن شيخ من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالعراق.
والحمد لله ربّ العالمين.