قناة

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
11.3k
عددالاعضاء
233
Links
291
Files
88
Videos
901
Photo
وصف القناة
في اعتقادي أن حركة العلم والمعرفة على اختلاف فروعها وتنوُّع صُنوفها واتساع مجالاتها لم تنشَط في تاريخ الإسلام كما نَشِطَت في القرنين: الخامس والسادس الهجري، وقد أفرَز هذا النشاط العام ما يتعذَّر إحصاؤه من العقول الذكية في كل الفنون: اللغوية، والقرآنية، والفقهية، والحديثية، والأصولية، والكلامية والفلسفية، والرياضية والفَلكية، وما شاء الله بعد ذلك.
وفي ظني أيضا أن هذه الحركة العلمية الشاملة التي أنضَجت العقول ووسَّعتِ المدارك كانت هي السبب في استيقاظ أبناء الأمة وقتئذٍ لصدِّ عدوان الأعداء واسترداد المسلوب من الأراضي، حتى شهد العالم الإسلامي من الفتوح وصدِّ الهجمات الشيءَ الكثير، ولمعَت في ذلك الأفق أسماءُ كثيرٍ من القادة العِظام أعادوا إلى أذهان الناس ذِكرى بطولات الصحابة والتابعين، فكانت تلك العصور وما والاها من أجْفَى الأزمنة وأبعدِها عن سمة التخلف والجمود، كيف لا وزماننا هذا الذي نعيشه لم يُنكَب فيه المسلمون نكبةً علمية وحضارية وعسكرية كتلك التي نحياها الآن، فأيُّ الأزمنة أولى بصفة التخلف وأيُّها أحرى بوصمةِ العار!

وإنه لا تقوم قوائم الأمم على مجرد الحماسة والهتاف وشقِّ الحناجر بالصِّيَاح، بل يُمهّد لعزتها وتمكُّنها علمٌ صحيح، وأقلامٌ ثوابت، وعقولٌ رواسخ، تمتلئ دواخلها بعلوم الإسلام، وتتشبَّع بمنهجه، ولا ينقضي عجبي من رجلٍ يصُدُّ الناس عن التعلُّم والتعليم بدعوى أن الاهتمام بأحوال المسلمين الآن أولى من العلم، وأن الانشغال بخلافات العلوم لا يَحُلُّ مشاكل المسلمين، وهذا والله من فساد النظر وضعف العقل، إذ كيف يقوم بالإسلام جاهل! وكيف تنهض حضارةٌ على أكتاف العوام وأنصاف المتعلمين.

أصحاب النظر الكليل يرون أنها حربُ شوارعَ أو معركة طارئة ينتصر فيها المُباغِت ذو العتاد والعُدَّة، والحق أنها قديمة قِدَم الحق والباطل في هذا الوجود، وكانت أولى هزائمنا فيها علمية وثقافية قبل أن تكون سياسية عسكرية.
ما هذا بشرا
إذا نُقِل إليك مذهبُ إمامٍ كبير من علماء الأمة فنَفَر طبعُك من قَبولهِ ، وظهَر لك بطلانُه بكلامٍ جَلِيٍّ ودليلٍ واضحٍ غيرِ دقيق ولا خَفِيّ - فإياك أن تهجُم على إنكاره، وتشتغلَ باستبعاده واستنكاره، فإنك بينَ أن تحكُم بخفاءِ ذلك الكلام الجلي على ذلك الإمام مع مَنصِبه العليّ، وبين أن تقول : لعله اطَّلع على سرٍّ خَفِيٍّ ذَهَب علي ذلك السر الخفي.
فليتَ علمي ، أنت أجدَرُ بالقصور عن دَركِ المعنى الخفي، أم الإمام الكبير بالذهول عن معنى الظاهر الجلي ؟!.
__________________________________

الإمام الغزالي.
" ومَن رامَ الفلاح في العِلم مع كثرة الأكل والشرب والنوم فقد رامَ مستحيلًا في العادة ".

الإمام ابن جماعة .
مِن وجوه إعجاز القرآن : الوحدة التعبيرية والتماسك الأسلوبي على طول القرآن وامتداد نزوله الشريف، فإنك في مألوف العادة يستحيل أن تَجِدَ كاتبا يمتدُّ تأليفُه لكتابٍ مدةَ عَشر سنوات مثلا دون أن تلحظَ تباينا وتغايرا بين بعض مواضعه، ودون أن تلمس قوةً في الأداء والتعبير تارةً وضعفا وتهافتا تارة أخرى؛ تبعًا لنشاط العقل وخموله في اختلاف الأوقات، واستعداد النفس وكَسلها على تباعُد ما بين هذه المدة الطويلة.
أما القرآن فمن أوله لآخره نظام واحد، ونهج واحد، لا يتنافر أسلوبه، ولا تختلف روح التعبير فيه - اللهم إلا ما يستوجبه المقام من الإخشان أو اللين والترهيب والترغيب-، مع أنه ظل ثلاثة وعشرين عاما حتى اكتمَل نزوله، مما يدل على أن التقلبات النفسانية البشرية وما يُرافقها من جودة الكتابة أو رداءتها، ومن قوة الاستدلال أو ضعفه ليس شيء منها واقعا في القرآن الكريم، فهو عَصِيٌّ على الاختلاف، متأبٍّ على التنابُذ ، لمن فَكَّر وقدَّر ... ثم نَظَر.
بشرى عظيمة والله:
المرء كلما طالت صُحبته لأهل الكمال استصغَر نفسه بجوارهم، واحتقر أعماله قبالة أعمالهم، وقاس نفسه بهم فلم يرها أهلا للكرامة، وكلما رسخَت قدم المتبوع في الكمال ازدادت تلك المعاني رسوخا في نفس التابع وإن كان هو في نفس الأمر من أهل الاصطفاء.
وباستصحاب هذا المعنى لعله يتضح لماذا كان يقول أبو بكر رضي الله عنه وهو خير الناس بعد الأنبياء:" أيُّ سماء تظلني، وأيُّ أرض تقلّني، إن قلت في كتاب الله برأيي" وقول عمر رضي الله عنه:" ليت أمي لم تلدني " ونحو ذلك من العبارات المأثورة عن كثير من كبار الصحابة، وذلك لأنهم اعتادوا من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم العصمةَ والحفظ والتأييد الإلهي والوحي المنزَّل ورأوا صورة الكمال في غاية منتهاها، فلما رجعوا إلى أنفسهم وقاسوها بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وقفوا على حقيقة الفرق، فنطقوا بما نطقوا لا تصنُّعا ولا ادِّعاءً.
كنتُ أيام طلَب العِلم في بلاد القبلة حتى أخذتُ بَطَرَفٍ من عِلم العربية، فحدَث لي انتقال إلى ناحية مرّاكش، فأخذتُ في فنونٍ أخرى، كالأصول والمنطق والكلام، وتركتُ العربية، ثم إني دخلتُ السوس الأقصى واتصلتُ بشيخنا أبي فارس عبد العزيز بن أحمد الرسموكي رحمه الله، فوجدتُّ أهل تلك البلاد يشتغلون بتصريف الأفعال ويستحضرون معها النصوص من الخُلاصة ونحوِها، فحضرتُ معهم فإذا أبياتُ الخُلاصة تَشِذُّ عن فِكري لطول العهد بها، فلما رأيتُ ذلك أحببتُ أن أُجدِّد عهدي بها، فقلتُ للطلبة: مَن أحَبَّ أن يسمع الخُلاصة فليأتني، فشرعنا فيها، وكنا نجلس إليها بعد العشاء الآخرة بساعة أو أكثر، فنقطع الليل كله في المجلس، وأنقل كل ما في شرح المرادي بأكمل التقرير والتحرير، وختمناها في نحو شهر وعشر ليال.

وفي الليلة التي ختمناها نِمْتُ فرأيتُ فيما يرى النائم كأن العَذرة تخرُج من جَوفي على فمي كحالة القيء متصلةً حتى انفصَلَت عني، فلما انتبهتُ وقَع في فكري أن ذلك هو الجهل بهذا الكتاب أو ذلك العلم خرَج عني، فسَرَّني ذلك، وفهمتُ من تصوير ذلك بصورة النجاسة أن الجهل قبيح، وأن العِلم كله حَسَن مُحتاج إليه، فإنه إما مقصود لذاته فيما تعبَّد به العبد، وإما مُعِين على ذلك نوعَ إعانة، فمتى صلَحت النية كان الجميع عبادة.

ولقد حدَّثونا عن بعض الفقهاء ممن كان يدرِّس للطلبة الكتبَ المتداولة في الفقه والنحو والكلام وغير ذلك- أنه تُوُفّي ورُئِيَ بعد موته وسُئل عما فعل الله به! فأخبر أنه أُثِيب على كل كتاب من تلك الكتب بحمد الله، وذلك لصلاح نِيّته.

[ أبو علي اليوسي ت١١٠٢]

وفي هذه الحكاية عدة فوائد:

١ - أن العادة مستمرة على أن هجران الشيء يؤدي إلى نسيانه مهما ظن المرء أنه متقن له ومُستجمِع لقضاياه.

٢ - تدريس العلم ينفع المعلم كما ينفع الطالب، بل هو من الأسباب القوية لحفظ العلم واستحضاره الدائم، وقد ذكر اليوسي نفسه في موضع آخر أن من لم يشتغل بالتدريس فيما حَصّله من الفنون قلما يثبُت منه على طائل.

٣ - بعض الكتب لا ينبغي أن يستغرق الطالب في تحصيله زمنا طويلا، ويستعين على ذلك بإعداد جدول صارم يضع فيه عدد ساعات معينة على مدار شهور أو أسابيع ينهيه فيها.

٣ - إصلاح النية سبيل إلى تكثير الأجور، حتى ليكاد المرء بها يُؤجَر على ما تعوَّد عليه من الأعمال والأشغال.