النَّاظر في المصنَّفات النَّحوية التي كُتِبتْ في القرن الرابع والخامس الهجري وما بعدهما بقليل يجدُ شيئًا غيرَ قليل من حُضور المباحث الكلامية وامتزاجِها بعلم النحو ، خاصّةً في التعليلات والتوجيهات ، وكتابُ الخَصائص فيه طَرَف كبير من هذا، وكذا سائر كتب الأصول النحوية ، وهذه القضيةُ - قضيَّةَ علاقةِ علم الكلام بعلم النحو - حقيقةٌ بالبحث والدراسة، بل إنها قد دُرِسَتْ في رسالتين علميتين نُوقِشتْ إحداهما في كُلية دار العلوم بالقاهرة، وهي مطبوعة في دار البصائر - على ما أذكر - والثانية كانت من تأليف الدكتور الفاضل محمد ذنون، نفع الله به.
والحَرِيُّ بالتَّنويه هنا أن الإمام الفقيه الزَّيدي الشريف الحسيب النسيب السيد / يحيى بن حمزة العَلوي - عليه وعلى آبائه السلام والرضوان - له عدَّةُ مؤلفاتٍ قيمةٍ في علوم اللغة فضلًا عن مؤلفاته في الكلام والمعقول، منها شرح نفيس على " الكافية " اسمه : " الأزهار الصافية في شرح المقدمة الكافية "، وهو مخطوط ، حُقِّق الجزءُ الأول منه في كلية اللغة العربية بالقاهرة، ومع طُول بَحثي لم أجدْ لمخطوطته وجودا على شبكة الإنترنت، والكتابُ مُحقَّق على نسخةٍ يتيمةٍ حَصَل عليها المُحقِّق من " اليمن " وهي ضمن مخطوطات " الجامع الكبير " - على ما أظن - .
وهذا الشرح قد أطال فيه النَّفَسَ مع ابن الحاجب ، وناقَشَه طويلا ، ونَقَّح على حُدوده كثيرا ، وثَمَّة ظاهرةٌ مهمةٌ في هذا الشرح، وهي أنَّ النحاة استقرَّ عندهم بعضُ الحُدود المأخوذ في قيودها قضيّةٌ كلامية أو عَقدية هي محلُّ نزاعٍ بين الطوائف، فيأتي الشارح ويُطيل الكلام في هذا القَيد مُرجِّحا مذهبَه واعتقاده، وهو من أصدقِ الشواهد على تعاضُدِ العلوم، وأَخْذِ بعضِها بِحُجَزِ بعض ، والاستدلالِ ببعضِها على بعض .
ومن الأمثلة على ذلك :
قال ابن الحاجب في تعريف الفاعل : " هو ما أُسنِدَ إليه الفِعلُ أو شِبهُه أو قُدِّمَ عليه على جِهة قيامِه به "
يقول الشارح : " ... فأما القيام به " : فقد اختارَ بِزَعْمِه هذه العبارةَ ليندرجَ تحتَها ما يكون على جهة الحقيقة وما يكون على جهة المجاز ، وهي في الحقيقة رَمْزٌ إلى ما يَهْذِي به من الجبر واستحالةِ تَعلُّق قدرةِ العبد بالحدوث ، وهو هذيان لا أصل له ، وهَوَسٌ لا برهان عليه " .
ويقول في موضع آخر :" واعلم أن الشَّيخ - يعني ابن الحاجب - قد جَرى في هذا الكلام على مَسلك الحقِّ في مُطابقة عقيدةِ أهل العَدل من الزَّيدية والمعتزلة ، وغَفَل عن عقيدة الجَبر الذي هو مذهبه ومذهبُ أسلافه الأشعرية ". 😃 ، وكان يُحيل في تحقيق هذه المباحث على كتبه الكلامية.
وأيًّا ما كان موقف القارئ من تلكم الاعتراضات فإنها تَشهد بأهمية هذا الشرح أوّلًا ، وأهميةِ تلك القضية وحلولها هذا المحل من الدرس النحوي ثانيًا، فهي لم تكن فيه بمنزلة النافلة ، بل كانت أُسًّا وأساسًا حتى رُوعِيَتْ في الحدِّ والتعريف والتقسيم والتعليل، وهي جديرة بالنظر ، حرية بالتأمل، والله أعلم.
************
ملحوظة :
للإمام يحيى بن حمزة شرح طويل ممتع على " المفصل " ، وله كذلك شرح جميل على " جمل الزجاجي " اسمه " المنهاج " وهذا موجود على النت ، وله أيضا شرح على مقدمة ابن بابشاذ .
والحَرِيُّ بالتَّنويه هنا أن الإمام الفقيه الزَّيدي الشريف الحسيب النسيب السيد / يحيى بن حمزة العَلوي - عليه وعلى آبائه السلام والرضوان - له عدَّةُ مؤلفاتٍ قيمةٍ في علوم اللغة فضلًا عن مؤلفاته في الكلام والمعقول، منها شرح نفيس على " الكافية " اسمه : " الأزهار الصافية في شرح المقدمة الكافية "، وهو مخطوط ، حُقِّق الجزءُ الأول منه في كلية اللغة العربية بالقاهرة، ومع طُول بَحثي لم أجدْ لمخطوطته وجودا على شبكة الإنترنت، والكتابُ مُحقَّق على نسخةٍ يتيمةٍ حَصَل عليها المُحقِّق من " اليمن " وهي ضمن مخطوطات " الجامع الكبير " - على ما أظن - .
وهذا الشرح قد أطال فيه النَّفَسَ مع ابن الحاجب ، وناقَشَه طويلا ، ونَقَّح على حُدوده كثيرا ، وثَمَّة ظاهرةٌ مهمةٌ في هذا الشرح، وهي أنَّ النحاة استقرَّ عندهم بعضُ الحُدود المأخوذ في قيودها قضيّةٌ كلامية أو عَقدية هي محلُّ نزاعٍ بين الطوائف، فيأتي الشارح ويُطيل الكلام في هذا القَيد مُرجِّحا مذهبَه واعتقاده، وهو من أصدقِ الشواهد على تعاضُدِ العلوم، وأَخْذِ بعضِها بِحُجَزِ بعض ، والاستدلالِ ببعضِها على بعض .
ومن الأمثلة على ذلك :
قال ابن الحاجب في تعريف الفاعل : " هو ما أُسنِدَ إليه الفِعلُ أو شِبهُه أو قُدِّمَ عليه على جِهة قيامِه به "
يقول الشارح : " ... فأما القيام به " : فقد اختارَ بِزَعْمِه هذه العبارةَ ليندرجَ تحتَها ما يكون على جهة الحقيقة وما يكون على جهة المجاز ، وهي في الحقيقة رَمْزٌ إلى ما يَهْذِي به من الجبر واستحالةِ تَعلُّق قدرةِ العبد بالحدوث ، وهو هذيان لا أصل له ، وهَوَسٌ لا برهان عليه " .
ويقول في موضع آخر :" واعلم أن الشَّيخ - يعني ابن الحاجب - قد جَرى في هذا الكلام على مَسلك الحقِّ في مُطابقة عقيدةِ أهل العَدل من الزَّيدية والمعتزلة ، وغَفَل عن عقيدة الجَبر الذي هو مذهبه ومذهبُ أسلافه الأشعرية ". 😃 ، وكان يُحيل في تحقيق هذه المباحث على كتبه الكلامية.
وأيًّا ما كان موقف القارئ من تلكم الاعتراضات فإنها تَشهد بأهمية هذا الشرح أوّلًا ، وأهميةِ تلك القضية وحلولها هذا المحل من الدرس النحوي ثانيًا، فهي لم تكن فيه بمنزلة النافلة ، بل كانت أُسًّا وأساسًا حتى رُوعِيَتْ في الحدِّ والتعريف والتقسيم والتعليل، وهي جديرة بالنظر ، حرية بالتأمل، والله أعلم.
************
ملحوظة :
للإمام يحيى بن حمزة شرح طويل ممتع على " المفصل " ، وله كذلك شرح جميل على " جمل الزجاجي " اسمه " المنهاج " وهذا موجود على النت ، وله أيضا شرح على مقدمة ابن بابشاذ .