قناة

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
11.3k
عددالاعضاء
233
Links
291
Files
88
Videos
901
Photo
وصف القناة
النَّاظر في المصنَّفات النَّحوية التي كُتِبتْ في القرن الرابع والخامس الهجري وما بعدهما بقليل يجدُ شيئًا غيرَ قليل من حُضور المباحث الكلامية وامتزاجِها بعلم النحو ، خاصّةً في التعليلات والتوجيهات ، وكتابُ الخَصائص فيه طَرَف كبير من هذا، وكذا سائر كتب الأصول النحوية ، وهذه القضيةُ - قضيَّةَ علاقةِ علم الكلام بعلم النحو - حقيقةٌ بالبحث والدراسة، بل إنها قد دُرِسَتْ في رسالتين علميتين نُوقِشتْ إحداهما في كُلية دار العلوم بالقاهرة، وهي مطبوعة في دار البصائر - على ما أذكر - والثانية كانت من تأليف الدكتور الفاضل محمد ذنون، نفع الله به.

والحَرِيُّ بالتَّنويه هنا أن الإمام الفقيه الزَّيدي الشريف الحسيب النسيب السيد / يحيى بن حمزة العَلوي - عليه وعلى آبائه السلام والرضوان - له عدَّةُ مؤلفاتٍ قيمةٍ في علوم اللغة فضلًا عن مؤلفاته في الكلام والمعقول، منها شرح نفيس على " الكافية " اسمه : " الأزهار الصافية في شرح المقدمة الكافية "، وهو مخطوط ، حُقِّق الجزءُ الأول منه في كلية اللغة العربية بالقاهرة، ومع طُول بَحثي لم أجدْ لمخطوطته وجودا على شبكة الإنترنت، والكتابُ مُحقَّق على نسخةٍ يتيمةٍ حَصَل عليها المُحقِّق من " اليمن " وهي ضمن مخطوطات " الجامع الكبير " - على ما أظن - .
وهذا الشرح قد أطال فيه النَّفَسَ مع ابن الحاجب ، وناقَشَه طويلا ، ونَقَّح على حُدوده كثيرا ، وثَمَّة ظاهرةٌ مهمةٌ في هذا الشرح، وهي أنَّ النحاة استقرَّ عندهم بعضُ الحُدود المأخوذ في قيودها قضيّةٌ كلامية أو عَقدية هي محلُّ نزاعٍ بين الطوائف، فيأتي الشارح ويُطيل الكلام في هذا القَيد مُرجِّحا مذهبَه واعتقاده، وهو من أصدقِ الشواهد على تعاضُدِ العلوم، وأَخْذِ بعضِها بِحُجَزِ بعض ، والاستدلالِ ببعضِها على بعض .

ومن الأمثلة على ذلك :

قال ابن الحاجب في تعريف الفاعل : " هو ما أُسنِدَ إليه الفِعلُ أو شِبهُه أو قُدِّمَ عليه على جِهة قيامِه به "

يقول الشارح : " ... فأما القيام به " : فقد اختارَ بِزَعْمِه هذه العبارةَ ليندرجَ تحتَها ما يكون على جهة الحقيقة وما يكون على جهة المجاز ، وهي في الحقيقة رَمْزٌ إلى ما يَهْذِي به من الجبر واستحالةِ تَعلُّق قدرةِ العبد بالحدوث ، وهو هذيان لا أصل له ، وهَوَسٌ لا برهان عليه " .

ويقول في موضع آخر :" واعلم أن الشَّيخ - يعني ابن الحاجب - قد جَرى في هذا الكلام على مَسلك الحقِّ في مُطابقة عقيدةِ أهل العَدل من الزَّيدية والمعتزلة ، وغَفَل عن عقيدة الجَبر الذي هو مذهبه ومذهبُ أسلافه الأشعرية ". 😃 ، وكان يُحيل في تحقيق هذه المباحث على كتبه الكلامية.
وأيًّا ما كان موقف القارئ من تلكم الاعتراضات فإنها تَشهد بأهمية هذا الشرح أوّلًا ، وأهميةِ تلك القضية وحلولها هذا المحل من الدرس النحوي ثانيًا، فهي لم تكن فيه بمنزلة النافلة ، بل كانت أُسًّا وأساسًا حتى رُوعِيَتْ في الحدِّ والتعريف والتقسيم والتعليل، وهي جديرة بالنظر ، حرية بالتأمل، والله أعلم.
************
ملحوظة :
للإمام يحيى بن حمزة شرح طويل ممتع على " المفصل " ، وله كذلك شرح جميل على " جمل الزجاجي " اسمه " المنهاج " وهذا موجود على النت ، وله أيضا شرح على مقدمة ابن بابشاذ .
" وقد ظهَر فضلُ نبيِّنا على الملائكة ليلةَ المعراج لمَّا صار بمستوى يَسمع فيه صريفَ الأقلام، وعلا على مقامات الملائكة، والله تعالى أظهَر من عظيم قدرته وعجيب حكمته من صالحي الآدميين من الأنبياء والأولياء ما لم يُظهِر مثله من الملائكة؛ حيث جمَع فيه ما تفرَّق في المخلوقات، فخلَق بدنه من الأرض وروحَه من الملأ الأعلى ؛ ولهذا يقال: هو العالَم الصغير، وهو نُسخة العالَم الكبير.

ومحمد سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه، ومن هنا قال من قال: إن الله خَلق من أجله العالَم، أو أنه لولا هو لَمَا خَلق عرشًا ولا كُرسيًّا، ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا.

لكن ليس هذا حديثا عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا صحيحا ولا ضعيفا، ولم ينقله أحد من أهل العلم بالحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، بل ولا يُعرَف عن الصحابة، بل هو كلام لا يُدرى قائله.

ويمكن أن يُفسَّر بوجه صحيح كقوله تعالى:
( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ ) وقوله:(اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) وقوله ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ).
وأمثال ذلك من الآيات التي يبيّن فيها أنه خلق المخلوقات لبنى آدم، ومعلوم أن لله فيها حِكَما عظيمةً غير ذلك وأعظم من ذلك، ولكن يبيّن لبني آدم ما فيها من المنفعة وما أسبَغ عليهم، فإذا قيل فعَل كذا لكذا لم يقتضِ أن لا يكون فيه حكمة أخرى.

وكذلك قول القائل: لولا كذا ما خَلق كذا لا يقتضي أن لا يكون فيه حِكَم أخرى عظيمة، بل يقتضي إذا كان أفضل صالحي بنى آدم محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت خلقته غايةً مطلوبة وحِكمة بالغة مقصودة أعظم من غيره - صار تمامُ الخلق ونهايةُ الكمال حصَل بمحمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.

والله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وكان آخر الخلق يوم الجمعة وفيه خُلق آدم وهو آخر ما خلق يوم الجمعة بعد العصر في آخر يوم الجمعة.

وسيد ولد آدم هو محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، آدم فمن دونه تحت لوائه، قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم " إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وان آدم لمجندِلٌ في طينته " أي كُتبت نبوَّتي وأُظهِرت لمَّا خلق آدم قبل نفخ الروح فيه كما يكتب الله رزق العبد وأجله وعمله وشقي أو سعيد إذا خلق الجنين قبل نفخ الروح فيه .

فإذا كان الإنسان هو خاتم المخلوقات وآخرها وهو الجامع لِما فيها، وفاضله هو فاضل المخلوقات مطلقا، ومحمد إنسان هذا العين وقُطب هذه الرحى كان كأنه غاية الغايات في المخلوقات.

فما يُنكَر أن يقال : إنه لأجله خُلِقَتْ جميعُها، وأنه لولاه لَمَا خُلِقَت، فإذا فُسّر هذا الكلام ونحوه بما يدل عليه الكتاب والسنة قُبِل ذلك ".

- ابن تيمية-

" أكثر السلف على أن استخراج ذرية آدم منه كان بعد نفخِ الروح فيه، وعلى هذا يدلُّ أكثر الأحاديث، فيُحتمل على هذا أن يكون محمد -صلى الله عليه وسلم - خُصَّ باستخراجه من ظهر آدم قبل نفخِ الروح فيه؛ فإن محمدا -صلى الله عليه وسلم - هو المقصود من خَلقِ النوع الإنساني، وهو عينُه وخُلاصته وواسطةُ عِقده ،فلا يبعُد أن يكون أُخرِج من ظهر آدم عند خلقه قبل نفخ الروح فيه".

- ابن رجب الحنبلي -

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
فائدة:
*********
صِحَّة بعضِ أجزاء الماهية لا يَدلُّ على صِحّتِها ، وأما فسادُ أحدِ أجزاء الماهية فإنه يَكفي في فسادها.
فمثلا الكُفر لا يَقبُح لكونه ممكنا، ولا لكونه عرَضا، ولا لكونه اعتقادا، وإنما قبُح بخصوص كونه اعتقادا مخالفا للحق، فهذا القيدُ الواحد الموجِب للقُبح كافٍ في الحكم عليه بالقُبح، وحُسن سائرِ القيود لا يدل على حُسنِه.

الإمام الرازي.
من الأمور اللافتة للنظر أن الإمامين: البوصيري وابن تيمية - رحمهما الله- كانا متعاصِرَين في زمن واحد، ولمّا مات البوصيري كان عُمر ابن تيمية 35 سنة، ومن اطلع على ترجمة الشيخ واتساع علومه وتحصيله الباهر يعلم أنه في هذا الوقت كان في أوْجِ نشاطه العلمي والمعرفي، وكانت قصيدة البُردة من القصائد المشهورة آنذاك، وقد أخذها عن المؤلف أعلام كثيرون: فقهاء، ومحدِّثون، ولغويون، وأدباء، وبعض هؤلاء كان نظيرا لابن تيمية، كالشيخ أبي حيان الأندلسي مثلا، وابن سيد الناس، وغيرهما، ومع انتهاض ابن تيمية وضَراوته في الردّ على كل من يخالف الكتاب والسنة- بنظره- لم نرَ له أثرا في الاعتراض على شيء من أبيات البُردة مما يعدونه غلوا في النبي صلى الله عليه وسلم ، بل إنَّ له كلاما يصلح أن يكون شرحا وبيانا لبعض أبيات البردة، كالكلام الذي نقلتُه عنه في المنشور السابق، فإنه يصح أن يكون جوابا عن استشكال البعض لقول البوصيري:

وَكَيْفَ تَدْعُو إلَى الدُّنْيَا ضَرُوْرَةُ مَنْ
لَوْلَاهُ لَمْ تَخْرُجِ الدُّنْيَا مِنَ العَدَمِ!.

وغير ذلك مما يعدُّه هؤلاء غلوّا مذموما، وهو عند الشيخ مما يمكن حمله على وجه صحيح، وبالطبع ليس قصدي مطابقة الشيخ لكل ما يقول به الصوفية، كيف وردوده عليهم مشهورة ومزبورة في كتبه، بل هم أنفسهم مشارب مختلفة، وعند بعضهم يجوز بعضُ ما لا يجوز عند غيره، ولكنْ حسبُك أن تعرف أن كل هذه التهاويل حول البردة في هذه العصور مما كان الخطب فيه يسيرا عند أهل العلم المتقدمين.
من الأمور اللافتة للنظر أن الإمامين: البوصيري وابن
وكلام ابن تيمية في الاستغاثة معروف، وقد بلغته البردة جزما، ولم ينقد فيها شيئا سوى أبيات أوردها ولا غلو فيها، وكلامه فيها مشهور، وأما كل هذه الأبيات التي يرونها غلوا فلم يتعرض لها بحسب ما رأيت، ومسألة الاستغاثة خلافية بينه وبين غيره، فالبردة لا شيء فيها يستحق كل هذه التهاويل.
من رد ابن تيمية على البكري في الاستغاثة، أورَد هذه الأبيات من البردة ولم يعلّق عليها، وقال قبل إيرادها: ومن الصوفية من يقول أسقِط الربوبية وقل في الرسول ما شئت .. ثم أورَد الأبيات، والأبيات لا غلوّ فيها والله أعلم:
حضّرتُ منشورا طويلا عن نفع النسب الشريف يوم القيامة، وكيف أنّ العلماء أجابوا عن الأحاديث التي تعارض ذلك من مثل قوله لفاطمة عليها السلام ولعددٍ من آل بيته عليهم السلام: اعملوا فإني لا أغني عنكم من الله شيئا، ونحو ذلك من الآثار، وكيف وفّقوا بينها وبين ما يفيد نفع النسب الشريف، ثم تراجعتُ عن نشره، لأن بعض الناس قد يقع في الأشراف من حيث يظن أنه ينتصر للدين، بل قد يمَسّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم، وبعضهم قد يسيء الأدب مع الله ويعترض على حُكمه، فلا أكون سببا إن شاء الله في شيء من ذلك، مع قلة الداعي للمسألة، والله المستعان.
لو كنتَ مشغولا أو منهمكا في عملك أو لا صبرَ لك على القراءة، وسمعتَ أنّ في قصيدة البردة مشاكل وأنّ في أبياتها شِركا، ولا قدرةَ لك ولا استطاعة ولا وقتَ لمطالعة الشروح عليها - فلا أقلَّ من أن تقرأ هذا الكتاب اللطيف الذي وضعتُ لك رابطه، وهو كتاب نفيس مهم اسمه :" نحتُ حديدِ الباطل وبَرده بأدلة الحق الذابّة عن صاحب البُردة" جمع فيه المؤلف رحمه الله من أبيات البردة ما زعموا أنَّ فيه مخالفة للكتاب والسنة وناقش كلامهم فيها، وأجاب عن جميع إشكالاتهم، وشرَح الأبيات على ما تقتضيه صناعة الأدب من غير خروجٍ عن قطعيات الدين، اقرأه بإنصاف، وإنْ وجدتَ بعد هذا كله في كلامه تكلُّفا فعليك بالتوقف وهو أدنى المنازل، فهو والله خيرٌ من إخراج مسلم من دين الله فضلا عن عالم فضلا عن وليٍّ صالح، وإنّ الخطأ في إدخال ألف رجل في الإسلام أفضل من الخطأ في إخراج رجل واحد منه.

قراءة ممتعة إن شاء الله:

https://ketabpedia.com/%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%84/%D9%86%D8%AD%D8%AA-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B7%D9%84-%D9%88%D8%A8%D8%B1%D8%AF%D9%87-%D8%A8%D8%A3%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%A8/
من المادحين للنبي صلى الله عليه وسلم أيضا وشِعره طبقةٌ عالية في هذا الفن: الإمام العلامة الشيخ جمال الدين يحيى بن يوسف بن منصور الصَّرْصَرِيّ الحنبليّ، بل من أعيان الحنابلة في وقته، رضي الله عنه، وقد قصَر هذا الإمام الفقيه هِمّته على مدحِ الجناب النبوي الشريف، وأنتجَت قريحتُه المئات من القصائد البليغة الرقيقة في مدح الشؤون النبوية وووصفِ الخصائص الشريفة بأسرها، وترجمته جميلة مُنوَّرة، وديوانه ضخم يقع في أكثر من ثلاثة مجلدات، غالبه إن لم يكن جميعه في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك يُلقَّب بــ" حَسَّان السُّنَّة " مات شهيدا رحمه الله، قتله التتار لمَّا دخلوا بغداد سنة 656 هــ.