قناة

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
11.3k
عددالاعضاء
233
Links
291
Files
88
Videos
901
Photo
وصف القناة
والعَجب في جُرأة هذا الرجل بقوله: إن هذا القول لمالك لم يسبقه إليه أحد وإنه قاله برأيه، وإنه خلاف الكتاب والسنة وما أجمَع عليه الصحابة والتابعون .. وها أنت ترى ما في ذلك عن الصحابة والتابعين وظاهر القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام السلف، فهذا رجل هانَت عليه نفسُه، واستهان بمنطقِه، وهوَى بدينه، وأعوذ بالله من الجُرأة على الأئمة، والقولِ بغير علم في دين الله.

- ابن أبي زيد القيرواني تــ٣٨٦هــ -
فتأمَّلْ كيف جَعل مَن قال بخلافه من السَّلف قد خالَف ظاهر القرآن بما لا يَحتمِل إلا مخالفةَ القرآن؛ لأن ذلك الظاهر عنده لا يَحتمِل غيرَ الوجه الذي ذهَب إليه.

والشافعيُّ وغيرُه من المختلِفين يرون أن الظاهر مُحتمِلٌ لقولِ المُخالفين، إلا أن كل واحد يرى أن ما تبيَّن له من الاحتمال أشبَهُ وأولَى.

فتأمَّلوا مبلغ ما تنتهي إليه هذه الكلمة منه دون رَوِيّة، وما علمتُ أحدا من العلماء يَنسُب مَن خالفَه إلى أنه يخالف ظاهرَ نصٍّ من القرآن غير مُحتمِلٍ لقوله، وهذا لا يجوز أن يُنسَب إلى العامة فضلا عن الأئمة.
وإنما اختَلف الناس فيما ظاهرُه من الكتاب والسنة يَحتمل ما ذهب إليه المختلفون، فكل واحد يرى أن تأويله في الاحتمال أولى وأكثر أدلة، ومن عَدَّ كلامه مِن عَمله لم يُطلِق مثل هذا في أئمة الدين.

- ابن أبي زيد القيرواني تــ٣٨٦هــ
وإذا احتمَل الحديثُ ما قلتَ وقال خَصمُك لم تكن أولى بتأويلِك فيه مِنّا، ورجَعْنا إلى الاستدلال على أشبهِ القولين بالأصول.

- ابن أبي زيد القيرواني تــ ٣٨٦هــ
فارفُقْ في تأمُّلِك، وعوِّدْ نفسَك أن تَظنَّ بها التقصير عن فهم الراسخين من السلف المتقدمين؛ فإن ذلك يَثنيك عن الإعجاب بنفسك، والتقصيرِ بسلفِك، والله المستعان.

- ابن أبي زيد القيرواني تــ٣٨٦هـ
وكان لمالكٍ رضي الله عنه حَلقةٌ وهو ابن سبع عشرة سنة، وبالناس يومئذ حياة، ووفْدُ التابعين باقون، قد رأوه لذلك أهلا.
ثم أقام سبعين سنة بعد ذلك يُحدِّث الناس عنه ويستفتونه في دينهم، وتُشَدّ إليه المطايا من الأقطار.

بل قال مالك: قَلَّ رجلٌ كتبتُ عنه إلا كان يأتيني فيستفتيني.

واحتاج إليه في العلم مُعلِّموه كلُّهم إلا نافعا مولى ابن عمر، فإنه قديم الموت، مات وعُمر مالك دون العشرين.

وكان سفيان بن عُيينة يجلس في حلقة مالك يسمع الحلال والحرام ولا يتكلم بحرف.

وكان سفيان الثوري في الحجّ يتبع مالكًا، فما يفعله مالك يفعله سفيان مِثله اقتداءً به.

وقال حماد بن زيد لرجل جاءه في مسألة: يا أخي، إن أردتَّ السلامة لدينك فعليك بعالم المدينة، وسِرْ إلى قوله فإنه حُجّة، مالك إمام الناس.

وقال عبد الله بن المبارك: لو قيل لي اختَر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إماما ما اخترتُ غير مالك.

وقال رجل لسفيان بن عيينة: يا أبا محمد، رجل أراد أن يسأل رجلا من أهل العلم يكون حُجّة بينه وبين الله، فقال سفيان: كان مالك ممن يجعله الرجل حُجّة بينه وبين الله، قيل له: قد مضى مالك فمن ترى ؟! قال: هيهات هيهات، ذهَب الناس.

وقال ابن أبي حازم للدراوردي: أسألك برب البيت، هل رأيتَ أجَلَّ من مالك بن أنس؟ قال: اللهم لا.

قال ابن أبي زيد: فمَن انتهى في الإمامة إلى هذه النهاية التي ذكرناها عند التابعين وتابعيهم وأئمة الناس وخيارهم، وارتفع قدره في العلم والدين على ألسنة الأخيار- لم يجُز أن ينطق فيه رجل ذو دين وعقل بتقصيرِ قدرِه في العلم وخفضِ مرتبته فيه.
كانت مشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورؤية أحواله كافيةً لكثير من أهل الزمان الأول في الإيمان به، وكانت كذلك مُغنيةً لبعض المنصفين من أهل هذه العصور في تصديقه أو في توقيره وتبجيله على أقل الأحوال، فلم يحتاجوا إلى شيء من الخوارق والمعجزات ليذعنوا بأنه مؤيَّد بالوحي وموصول بالسماء.

وتوزَّعتْ شؤونه عليه السلام بين مُعجز - لإفحام المعاند وإقناع السائل - وبين حال باهرة لاقتداء المحب وائتساء الوامق، ولم يشأ الله عز وجل أن تكون نفسُ معجزاته ممتدة الظهور لكل الخلائق على مدى الدهور؛ حفاظا على اختيار العقل وعدم جَبره على التصديق، فأمّا القرآن .. فالمعجزة هي نفسها المنهج.
في أثناء التحضير لغزوة الخندق رأى سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن التعب والجوع قد بلغا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبلغا، فانطلق إلى زوجته لكي تجهز لهم طعاما، فلم تجد في بيتها إلا ما يكفي رجلين أو ثلاثة، فقالت له ادعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين معه، فاقتنع جابر بما اقترحته عليه زوجته، وانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، ولكنه صلى الله عليه وسلم دعا جميع أصحابه معه إلى بيت جابر، وأجرَى الله على يديه معجزة إشباع هذا العدد الهائل بهذا القدر القليل من الطعام.

وبغض النظر عن المعجزة وعن تفاصيلها التي وقعَت في هذا اليوم البعيد يجمُل بقارئ هذا الخبر أن ينتبه إلى مدى مروءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونخوته وشهامته وحبه الشديد لأصحابه؛ إذ كان بإمكان غيره أن يقبل الدعوة منفردا، وأن يعتذر بأنه ليس الداعي، وبأنه لم يُرِد أن يُسبّب لصاحب الطعام حرجا باصطحاب كل هذا العدد معه، لا سيما وقد سارَرَه جابر ولم يُذِع الأمر لغيره، ولكنه يشعر بآلام أصحابه، ويصيبه من الأذى والجوع ما يصيبهم، ولا يحب أن يُؤثِره آحاد الناس بفضيلةٍ دونهم.

فلو أنَّ هذا الرجل العظيم كان يسعى إلى مجد شخصي وأثَرة عاجلة وعرَضٍ زائل من الدنيا فما الذي كان يحمله على كل هذا، مع أنه قد ثبت بالتجربة أن أهل الأهواء أكثر الناس حِرصا على اقتناص الفُرص، وأقلُّهم صبرا على المِحن!.
قال أبو حيان الأندلسي ( ت 745 هج) :"
ولما حَللتُ بديارِ مصر، ورأيتُ كثيرا من أهلها يَشتغلون بجهالاتِ الفلاسفة ظاهرًا من غير أن يُنكر ذلك أحد، تعجَّبتُ من ذلك، إذ كنا نشأنا في جزيرة الأندلس على التبرؤ من ذلك، والإنكارِ له، وأنَّه إذا بِيعَ كتاب في المنطق إنما يُباع خُفية، وأنه لا يُتجاسَر أن يُنطَق بلفظه، إنما يُسمُّونه: المَفْعِل، حتى إنَّ صاحبنا وزير الملك بن الأحمر أبا عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الحكيم، كتَب إلينا كتابا من الأندلس، يَسألني أن أشتري أو أستنتسخ كتابا لبعض شيوخنا في المنطق، فلم يَتجاسر أن ينطق بالمنطق، - وهو وزير - فسماه في كتابه بـ" المَفعِل".😅
صوم يوم عرفة الذي يُكفّر سنتين من الذنوب هو الفَرد الكامل منه، أي المستجمِع لكل أركانه وشروطه ومستحباته، الخالي من كافة نواقضه ومكروهاته، وكذلك الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والوضوء الذي يمحو الخطايا، وسائر الطاعات التي يترتب عليها الجزاء الإلهي والوعد النبوي بالأجر الجزيل والثواب العظيم.
وهذا الفرد الكامل من الطاعات لا يكاد يتحقق إلا في الأفراد من خواصّ الأنبياء والأولياء، فهم الأقدر على تحقيق مراد الله على وجهه الأتم وصراطه الأقوم، وأمّا طاعاتنا نحن أهل التفريط فهي مليئة بالغفلة ومُكتنفَة بالنقص، ولهذا كانت محتاجة إلى جبرها بالاستغفار، ورأبِ صَدعها بطلب العفو، ولكنا نُعوّل على فضل الله، ونعتمد على كرمه، ونرتكن على إحسانه، ولولا ذلك لكنا مستحقّين للسخط، مستوجبين للطرد، ولم تغنِ عن الواحد فينا طاعاته في عدل الله فتيلا ولا قِطميرا ولو جاء بها على ما ينبغي ويجمُل، فإنه معطي التوفيق، والواهب الحمد، والواصل بالمِنح، والغنيّ عن العالمين.