قناة

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
11.3k
عددالاعضاء
233
Links
291
Files
88
Videos
901
Photo
وصف القناة
بعض الناس ما زال يعتقد أن الإمام الشعراني مُخرِّف، ودرويش بطَّال، ومتسكّع لا يدري شيئا عن العلم الشرعي، وحاشاه رضي الله عنه من ذلك، وسوف أكتب إن شاء الله الليلة أو غدا ترجمة مختصرة له، ألخّص فيها شيئا من سيرته والكتب الشرعية التي قرأها على أئمة عصره، وأجازوه بها، وهذه الترجمة ستكون ملخصة تلخيصا مُخِلّا من كتابه: المنن الكبرى، ومن أراد المزيد فعليه بالأصل.

لا يقُل مُجحِف سامحه الله: وكيف نتأكد من صدقه فيما يخبر عن نفسه من أمر دراسته لهذه الكتب واطلاعه عليها.
وجواب هذا بأمور:

الأول- أن هذه الكتب التي يحكي فيها عن نفسه أنه قرأ ودرس كذا وكذا قد كتبها وانتشرت في الناس وعلماء عصره حاضرون، لم يكذّبه أحد منهم فيما يحكيه عن نفسه، وما زال العلماء من قديم يُترجمون لأنفسهم ويذكرون فضل الله عليهم ليقتدي بهم الأتباع، ولو كذّبناهم لارتفعت الثقة بكل ما يذكرون.

والثاني- ثناء العلماء عليه وعلى دينه وعلمه وفضله واعتقادهم فيه الخير والصلاح والإمامة في الدين.

والثالث- أن تنظر في مؤلفاته التي كتبها في علوم الظاهر، ككُتبه في مصطلح الحديث والقواعد الفقهية والنحو والفروع الفقهية وعلم الكلام وغير ذلك فهي وإن كانت ملخصة من كتب سابقيه - تشهد بعلمه وفضله، وعلى هذا المنوال جرى الفحول من العلماء كابن منظور والسيوطي وغيرهما، ومع هذا فكتاب" الميزان الكبرى " لا أظن يوجد مثله في الأمة.

نسأل الله التوفيق.
مثال آخر للدسّ في كتب العلماء، وإلحاق الزوائد الفاسدة التي على الهامش في أصل الكتاب، جهلا من الناسخ أو عمدا:

قال الإمام الرازي رحمه الله في شرح " عيون الحكمة " للرئيس ابن سينا :

"والسببُ في وقوع مثل هذه الكلمات في الكُتب أنَّ الكثير من الناس يُطالِعون هذه الكُتب ولا يَفهمون هذه الكلمات فهمًا صحيحا مُطابقا، بل يتخيَّلون أشياءَ فاسدة ويظنون أنها هي الوجوه الصحيحة، فيُثبِتُون تلك الكلمات المشوَّشة على حواشي الكتاب، ثم إنَّ الناسخ الجاهل يظنُّ بها أنها من أصل الكتاب، فينسخُها في الكتاب، فلهذا السبب تَتشوَّش هذه الكتب، فإني قد رأيتُ في تصنيفاتي كثيرا من الناس كتَبوا على حواشيها زوائدَ فاسدة، ثم إنَّ قومًا ظنُّوا أنها من أصل الكتاب، فأدخلوها في المتن، ثم جاء بعضهم بتلك النتيجة، فأراها مملوءةً من الحشو والزوائد الفاسدة، ومثل هذا لا يبعد أيضا في كتب الشيخ....وبالجملة : فليرجع في تفسير هذا الفصل إلى غيري".
وممن كان يُحِبّني ويبالغ في مَحبّتي، ويمنحني الفوائد والنِّكات من العلوم، لمزيد أدبي معه: شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وكان يقول لي: والله إني لأوَدُّ أن أسقِيك جميع ما عندي من العلوم في مجلس واحد، وكذلك الشيخ نور الدين المحلي، والشيخ عبد الحق السنباطي، والشيخ برهان الدين ابن أبي شريف، والشيخ شمس الدين السمنودي، والشيخ شهاب الدين الرملي، رضي الله عنهم جميعا، كلهم كانوا يحبونني.

- الإمام الشعراني-
الإمام الشعراني

تمهيد ( 1 ) :

اسمه ونسبه:
أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الحنفي الشافعي.

فالحنفي، نسبة إلى سيدنا محمد ابن الحنفية بن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إذ ينتهي نسبه إليه، فهو من الأشراف العلويين، والشافعي، نسبة إلى المذهب المعروف.

مولده:

ولد سنة 898 هـ ونشأ بقرية اسمها " ساقية أبي شعرة " بالمنوفية، وإليها ينتسب فيقال له : الشعراني، أو الشعراوي، مات أبواه صغيرا، وحفظ القرآن الكريم كاملا وهو في سن التمييز، وكان محافظا على الصلوات الخمس في أوقاتها منذ نعومة أظفاره، يقول:" ولا أتذكر أني أخرجتُ الصلاة عن وقتها عمدا من ذلك الوقت إلى وقتي هذا ".

رحلته إلى مصر :

رحل من الريف إلى القاهرة، حيث الأزهر الشريف والعلماء وهو في سن المراهقة، فأقام بجامع " الغمري" وجَدَّ واجتهد في تحصيل العلوم والفنون حتى فاق الأقران وشهد له شيوخه بالعلم الغزير والفضل العميم، وأحبُّوه، وقدَّمُوه، وقرَّظوا له كتبه وأثنوا عليها، فممن أخذ عنهم : شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وشهاب الدين الرملي ( وهما عمدة الشافعية في وقتهما ) ونور الدين المحلي، والأشموني، وعبد الحق السنباطي، وناصر الدين اللقاني، وبرهان الدين ابن أبي شريف، وغيرهم، وكل واحد من هؤلاء إمام من أئمة العلم وقدوة من قدوات الدين.

= يتبع.
الإمام الشعراني:

بداية طلبه للعلم وبعض ما حفظه من المتون والكتب العلمية عن ظهر غيب في أول أمره( 2 )

قال رضي الله عنه:

ومما أنعم الله تعالى به عليَّ: حِفظُ متون الكتب، فحفظتُ أوّلا :

١ - أبا شجاع.

٢ - ثم الآجرومية، في بلاد الريف، وحللتُهما على أخي الشيخ عبد القادر بعد وفاة والدي.

٣ - ثم لما جئتُ إلى مصر حفظتُ كتاب" المنهاج " للإمام النووي.

٤ - ثم ألفية ابن مالك.

٥ - ثم أوضح المسالك لابن هشام.

٦- ثم جمع الجوامع.

٧ - ثم ألفية العراقي.

٨ - ثم تلخيص المفتاح

٩ - ثم الشاطبية

١٠ - ثم قواعد ابن هشام ( الإعراب عن قواعد الإعراب )

وغير ذلك من المختصرات، وحفظتُ هذه الكتب حتى صِرتُ أعرف متشابهاتها كالقرآن من جودة الحفظ.

١١ - ثم ارتفعَت الهمة إلى حفظ كتاب " الروض" مختصر الروضة، لكونه أجمع كتاب في مذهب الإمام الشافعي، فحفظتُ منه إلى أثناء باب القضاء على الغائب، فلقِيَني بعض أرباب الأحوال بباب الخرق خارج باب زُويلة فقال لي مكاشفا: قِف على باب القضاء على الغائب، ولا تقضِ على غائب بشيء.
فما قدرت بعد ذلك على حِفظ لوح واحد منه، لكنني طالعتُ الكتاب ودرسته نحو مائة مرة.

وكنت أقرأ محفوظي من المتن في الشرح، وأنظر كل شيء توقَّفتُ في فهمه حتى صار شرحه للشيخ زكريا عندي نصْب عيني، ثم لقيني أحد المشايخ وقال لي: أقبِل على الاشتغال بالله، ويكفيك من العلم ما علمتَه، فشاورتُ في ذلك مشايخي فقالوا لي: لا تدخُل طريق القوم إلا بعد شرحِ محفوظاتك كلها على الأشياخ، فإذا فهمتَها فعليك بطريق القوم، وكان أشياخي كلهم من الجامعين بين العلم والعمل.

= يتبع.
الإمام الشعراني:

بعضُ ما قرأه على مشايخ عصره من الكتب ( 3 ) :

قال رضي الله عنه:

ومما أنعم الله تعالى به عليَّ:

شرحي لمحفوظاتي السابقة على المشايخ الذين عرضتُها عليهم، وهم نحو خمسين شيخا.
- فقرأتُ على الشيخ أمين الدين الإمام والمحدّث بجامع الغمري شرح المنهاج للجلال المحلي، وكان أعرَف أشياخي بنُكَت هذا الشرح، لكونه قرأه على أعيان طلبة الشيخ جلال الدين... وكنت أطالع على درسي هذا: القوت للأذرعي، والقطعة والتكملة للإسنوي، والزركشي، والقطعة للسبكي، والعمدة لابن الملقّن، وشرح ابن قاضي شهبة، وشرح الروض للشيخ زكريا، وكنتُ أكتب زوائد هذه الكتب كلها على هامش نسختي، وألصِق فيها أوراقا حتى ربما تصير الحواشي أكثر من الكتاب، ثم أقرؤها كلها عليه، وذلك لضِيق يدي عن شيء أشتري به هذه الكتب.

وقرأت عليه أيضا شرح جمع الجوامع للشيخ جلال الدين، وحاشية الشيخ كمال الدين ابن أبي شريف.
وقرأت عليه أيضا: شرح ألفية العراقي للسخاوي( ويقال إنه للحافظ ابن حجر، ظفر به السخاوي مسوَّدة في تركة الحافظ ابن حجر أو غيره فضبَطه وبيَّضه وأبرَزه للناس)

وقرأتُ عليه أيضا: شرح ألفية ابن مالك لابن عقيل، وكنت أطالع عليها شرْحها للأعمى، وشرح التوضيح للشيخ خالد، وشرح المكودي، وشرح ابن الناظم، وشرح المرادي، وشرح الشواهد للعيني، وأكتب زوائد هذه الكتب على ابن عقيل، ثم أقرؤها كلها.

وقرأت عليه أيضا: الكتب الستة في الحديث، ومسند عبد بن حميد، وكتبا كثيرة، وأجازني بجميع مروياته، وكان له السند العالي، لأنه أخذ عن الحافظ ابن حجر وغيره.
- وقرأتُ على الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الدواخلي: هذا الشرح المذكور آنفا، وكان فقيها صوفيا أصوليا نحويا مُحقّقا للأبحاث، وقرأتُ عليه أيضا: إيضاح شرح الإرشاد لابن أبي شريف، وكنت أطالع عليه: شرح البهجة الكبير للشيخ زكريا، وشرح الإرشاد للجوجري، والقوت للأذرعي، والتوسط والفتح له أيضا.

وقرأت عليه أيضا: شرح الروض إلى أثناء باب الجهاد، فحصَل لي مرض فلم أتمه عليه، لكني أتممته على غيره، وكنت أطالع على هذا الشرح: كتاب الخادم، وكتاب القوت، وجميع المواد التي استمدَّ منها شارحه، وكنت أتتبَّع نُقولَه بذِكر سابق الكلام ولاحِقه، وألحِق ذلك بالشرح، حتى إن حواشي الكتاب صارت أكبر من الشرح، وكان يتعجَّب من سرعة مطالعتي لهذه الكتب وزوائدها، ويقول لي: لولا أنك تُلخّص زوائدها لقلت إنك لم تلحق تطَّلع على بعضها.

وقرأتُ عليه أيضا: شرح الألفية لابن الناظم، وشرح التوضيح للشيخ خالد، وكتاب المطوّل بحواشيه، وشرح ألفية العراقي للمصنف وللسخاوي، وشرح جمع الجوامع بحاشية ابن أبي شريف، وغير ذلك.

- وقرأت على الشيخ الإمام المحقق نور الدين المحلي: شرح جمع الجوامع بحاشيته، وكثيرا ما كنت أقرأ عليه الشرح مع الحاشية من ذهني وهو يُمسِك عليَّ الأصلين، فيتعجَّب من جودة حفظي مع صغر سني.

وقرأت عليه أيضا: شرح العقائد للتفتازاني مع حاشية ابن أبي شريف عليه، وشرح المقاصد، وكتاب سراج العقول لأبي طاهر القزويني، وهو كتاب نفيس مشتمل على أربعين مسألة من مشكلات علم الكلام عقَد لكل مسألة بابا جمع فيه نُقول المتقدمين والمتأخرين.

- وقرأت على الشيخ نور الدين الجارحي، المدرس بجامع الغمري، شرح ألفية العراقي للمؤلف، وشرح الشاطبية لابن القاصح، والسخاوي صهر الشاطبي.

- وقرأت على الشيخ العلامة نور الدين السنهوري عدة كتب، منها : شرح شذور الذهب، ونظْمه للآجرومية، وشرْح الألفية للمكودي، وغير ذلك.

- وقرأت على الشيخ نور الدين الأشموني قطعة من المنهاج، وقطعة من ألفية ابن مالك، ونظْمه لجمع الجوامع، ثم مات.

- وقرأت على شيخ مشايخ الإسلام في عصره الشيخ زكريا الأنصاري: شرْحه على الرسالة القشيرية كاملا، وشرْحه لمختصر المُزني، وشرح مختصره لجمع الجوامع مع حاشيته هو على شرح جمع الجوامع، وشرح التحرير، وقرأت عليه: تفسير البيضاوي كاملا، ونشأ من قراءتي عليه حاشيته التي وضعها على هذا التفسير، وغالبها بخطي وخط ولده الشيخ جمال الدين، وذلك بعد أن كُفّ بصره، وطالعتُ له حاشية الطيبي على الكشاف، وحاشية الشيخ سعد الدين التفتازاني، وحاشية الشيخ جلال الدين السيوطي، والبابوني، وغير ذلك .

ولمَّا شرَح البخاري كنت أطالع له حال التأليف: فتح الباري، وشرح العيني، وشرح الكرماني، وشرح البرماوي، وشرح القسطلاني، حتى صار غالب هذه الشروح نصْب عيني من كثرة مطالعتها له وتكرار الكلام حتى يأخذ منه المعنى الذي يضعه في شرحه.

وكان ذهني بحمد الله سيالا، لا يسمع شيئا وينساه، ولم أزل كذلك حتى ترادَفَت عليَّ الهموم، لمَّا بلغتُ في السن إلى نحو خمس وعشرين سنة، وقال لي شيخي شيخ الإسلام زكريا مرات: بدايتك نهاية غيرك، لأني ما رأيت أحدا تيسر له مطالعة هذه الكتب كلها في هذا الزمان أبدا.

وكنت أطالع الجزء الكبير من الرافعي، والخادم كاملا في ليلة واحدة.

فهذا ما استحضرته الآن من الكتب التي طالعتها حال قراءتي على الأشياخ، وسيأتي إن شاء الله قريبا ذِكر أس
ماء الكتب التي طالعتها لنفسي، والحمد لله رب العالمين.
الإمام الشعراني:

بعض ما طالعه بنفسي من كتب العلم ( 4 )

قال رضي الله عنه:

ومما أنعم الله تعالى به علي:

كثرة مطالعتي لكتب الشريعة وآلاتها بنفسي، ثم مراجعة العلماء لِما أشكِل عليَّ منها دون الاستقلال بفهمي، لاحتمال الخطأ.

فطالعتُ بحمد الله: شرح الروض للشيخ زكريا نحو ثلاثين مرة، وشرْحه لابن سولة مرتين، وطالعتُ كتاب " الأم " للإمام الشافعي ثلاث مرات، حتى كنت أستحضر غالب نصوصه، وطالعتُ مختصر المزني مرة واحدة، وطالعتُ مسند الإمام الشافعي، وشرْحه للجاولي ثلاث مرات، وطالعتُ كتاب المحلى لابن حزم ثلاث مرات، ومختصره للشيخ محيي الدين ابن العربي، وطالعتُ كتاب الحاوي للماوردي، والأحكام السلطانية له، وطالعت فروع ابن الحداد مرتين، وطالعتُ كتاب الشامل لابن الصباغ، والمحيط للشيخ أبي محمد الجويني، والوسيط والبسيط والوجيز للغزالي، وطالعتُ الرافعي الكبير ثلاث مرات، وطالعت الروضة سبع مرات، وطالعت شرح المهذب نحو خمسين مرة، وطالعت شرح مسلم للنووي نحو خمس عشرة مرة، وطالعت كتاب المهمات للإسنوي، والتعقبات لابن العماد مرتين، وطالعت شروح التنبيه لابن يونس والزنكلوني وابن الملقّن والسيوطي، وشرح المنهاج لابن قاضي شهبة، وطالعت شرح البهجة للشيخ ولي الدين العراقي مرات، وطالعت قواعد الشيخ العز بن عبد السلام الصغرى والكبرى نحو خمس مرات، وقواعد العلائي مرة واحدة، وقواعد الزركشي ثلاث مرات، ثم اختصرتُها، وطالعت الأشباه والنظائر لابن السبكي مرة واحدة، وغير ذلك من الكتب المشهورة في الفقه وتوابعه.

- وطالعت من شروح الحديث: فتح الباري لابن حجر مرة واحدة، وشرح الكرماني مرتين، وشرح البرماوي خمس مرات، والعيني مرتين، والقسطلاني مرة ونصفا، وطالعت شرح مسلم للقاضي عياض، وطالعت شرحه للشيخ زكريا نحو خمس مرات، وطالعت شرح الترمذي لابن المقري المالكي.

- وطالعتُ من كتب التفسير: غالب التفاسير المشهورة، فطالعتُ تفسير البغوي مرة، وتفسير الخازن ثلاث مرات، وتفسير ابن عادل سبع مرات، وتفسير الكواشي عشر مرات، وتفسير ابن زهرة مرة، وتفسير القرطبي مرتين، وتفسير ابن كثير مرة، وتفسير البيضاوي خمس مرات، وتفسير ابن النقيب مرة واحدة وهو نحو مائة مجلد، وطالعت البسيط والوجيز للواحدي، وتفسير الجلالين نحو ثلاثين مرة، وتفسير الزمخشري بحواشيه مرة واحدة، وكذلك طالعتُ البحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون لتلميذه السمين الحلبي، وكذلك طالعتُ إعراب الصفاقسي، وكذلك حاشية الشيخ قطب الدين الشيرازي على الكشاف، وقطعة من حاشية الجاربردي، وقطعة من حاشية البابرتي، وغير ذلك.

- وطالعتُ من كتب الحديث وأدلة المذاهب كثيرا، فمن جملة ذلك: الكتب الستة، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ومسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك، ومعاجم الطبراني الثلاثة، وجامع الأصول لابن الأثير، والجامع الكبير والصغير للسيوطي، وهي عشرة آلاف حديث، ولا يكاد يخرج من الشريعة عن أحاديث هذه الكتب شيء إلا نادرا، وكذلك طالعت السنن الكبرى للبيهقي، ثم اختصرتُها بحذف السند والمكرَّر دون الأحكام، وكذلك طالعت المنتقى من الأحكام لابن تيمية، وهو الشيخ مجد الدين، وليس هو الشيخ تقي الدين صاحب المِحنة، وهو أصل مسوَّدة كتابي: " كشف الغمة عن جميع الأمة " وكذلك طالعتُ كتاب الهدي النبوي لابن القيم، ودلائل النبوة للبيهقي، وغير ذلك مما لا أحصي.

- وطالعت من كتب اللغة: صحاح الجوهري، والقاموس المحيط، والنهاية لابن الأثير، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي، وقد طالعته خمس عشرة مرة.

- وطالعت من كتب الأصول والكلام: شرح العضد على ابن الحاجب، والمستصفى للغزالي، وشرح منهاج البيضاوي، وشرح المقاصد، وشرح الطوالع، وسراج العقول للقزويني، وشرح العقائد النسفية، وغير ذلك كثير.

- وطالعت من فتاوى العلماء في وقائع الأحوال ما لا أحصي، ومنها: فتاوى ابن أبي زيد المروزي، وفتاوى القفال، وفتاوى القاضي حسين، وفتاوى الماوردي، وفتاوى الغزالي، وابن الصباغ، وابن الصلاح، والعز ابن عبد السلام، والنووي، والسبكي، والبلقيني، والشيخ زكريا، والشيخ شهاب الدين الرملي.

- وطالعتُ من كتب القواعد: قواعد الشيخ العز بن عبد السلام الكبرى والصغرى، وقواعد العلائي، وقواعد ابن السبكي، وقواعد الزركشي، وهي أجمع هذه القواعد وأوضحها عبارة، وقد اختصرتُها كما مرَّ من غير حذف شيء من أحكامها الصحيحة، ثم إني جمعتُ هذه القواعد في كتاب، وحذفتُ المتداخل منها فجاء كتابا نفيسا، وكذلك فعلت في كتب الفتاوى، وقد سارت الركبان بنسخة الفتاوى إلى بلاد التكرور.

- وطالعت من كتب السيرة: سيرة ابن هشام، وسيرة ابن إسحاق، وسيرة الكلبي، وسيرة ابن سيد الناس، وسيرة الشيخ الشامي الصالحي، وغير ذلك.

- وطالعت من كتب التصوف والرقائق ما لا يُحصى....

فهذا ما استحضرتُه من الكتب التي طالعتها.
الإمام الشعراني:

بعضٌ من أخلاقه وأوصافه الفاضلة التي ذكَرها تحدُّثا بنعمة الله تعالى عليه، ولكي يرغّب إخوانه في الاقتداء بها، لمَّا رآهم يظنون أن أحوال السلف الصالح رضي الله عنهم عزيزة غير ممكنة في هذه الأزمنة( 5 )

قال:

- وقد كنت فقيرا، حتى إني كثيرا ما كنت أخرج إلى موارد البِرَك التي يغسل فيها الناس الفجل والخسّ والجزر، فألتقط منها ما يكفيني ذلك اليوم مما أعرَضوا عنه، وأشرب عليه الماء، وأشكر الله تعالى على ذلك.

ثم إني طويتُ عن طعام جميع الناس، فلا آكل إلا عند أوائل درجة الاضطرار، وذلك حين لا تجد أمعائي شيئا تشتغل به فيلدغ بعضها بعضا.

وكنت إذا افتتحتُ مجلس الذكر لا أختمه إلا عند طلوع الفجر، ثم أصلي الصبح، وأذكر إلى ضحوة النهار، ثم أصلي الضحى، وأذكر حتى يدخل وقت الظهر، فأصلي الظهر، ثم أذكر إلى العصر، ثم من العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء، وهكذا، مكثتُ على ذلك نحو سنة.

وكنت كثيرا ما أصلي بربع القرآن ما بين المغرب إلى العشاء، ثم أتهجد بباقيه فأختمه قبل الفجر، وربما صليت بالقرآن كله في ركعة واحدة.

وكان نومي غلبةً تخطف رأسي خطفة بعد خطفة، وخفقة بعد خفقة، وكثيرا ما كان يغلب عليَّ النوم فأضرب أفخاذي بالسوط، وربما نزلتُ بثيابي في الماء البارد في الشتاء حتى لا يأخذني النوم.

- ومما أنعم الله تعالى به عليّ:
محبة أشياخي لي، واعتقادهم في، حتى إني ما وردتُّ قط على الشيخ ناصر الدين اللقاني في بيته أو في الجامع الأزهر إلا ونزل عن فراشه وأجلسني عليه، فإن أبيتُ أقسم عليَّ بالله، ثم يجلس بين يدي على الحصير، ولم يفعل ذلك مع أحد من أبناء الزمان، وقد تغالى في التكبر بعده جماعة ممن لا يصلح الواحد منهم أن يكون الآن من طلبته ... وربما أدخُل على بعض طلبة العلم الآن فأقبِّل ركبته فلا يمد يمده ليسلم عليَّ، فالله يلطف بنا وبهم، ويردُّ عاقبتنا إلى خير.

- ومما أنعم الله تعالى به علي: موت جميع أشياخي في الفقه والتصوف وهم عني راضون، وهذا من أكبر نعم الله تعالى علي ...

- ومما أنعم الله تعالى به علي بعد المجاهدة: عِلمي بكون الحق سبحانه وتعالى يكرهني أو يحبني، وذلك بنظري إلى أعمالي وما أنا منطوٍ عليه، فإن نظرتُ إلى نفسي ورأيتها متبعةً للكتاب والسنة مهتدية بهدي السلف الصالح بحسب طاقتها- حكمتُ بأن الحق عز وجل يحبها وهو راض عنها، وإن رأيتها مخالفة للكتاب والسنة قليلة الورع، قليلة الزهد، قليلة الخشوع، قليلة الخوف من الله تعالى، ذاكرةً للدنيا ووظائفها ومناصبها، ناسيةً للآخرة- حكمتُ بأن الله تبارك وتعالى يكرهها، فعليك يا أخي بالعمل بهذا الميزان، صباحا ومساء، لتعلم ما لك وما عليك.

- ومما أنعم الله تعالى به عليّ :قصدي بتعلُّم العلم نفْع نفسي به أولا، ثم المسلمين ثانيا، ولا أقصد نفع غيري إلا بحكم التبعية لي، وإذا رأيت نفسي عاجزة عن العمل بما علمت أوقفتها عن التعلم حتى تستوعب العمل بكل ما علمت، وهكذا كان طريق السلف الصالح رضي الله عنهم، فالحمد لله.

- ومما أنعم الله تعالى به عليّ: قلة ضجري ممن يؤذيني، وإنما أرجع إلى تفتيش نفسي، وأُكثِر من الاستغفار والاشتغال بالله عز وجل، وشهودي أني جالس بين يدي الله تعالى وهو يرى صنيع عبده فيَّ، ومَن كان هذا مشهده حمَل أذى الثقلين...

ثم إن هذا المقام ليس هو من مقامات الأكابر كما توهَّمه بعضهم، بل هو من مقامات المريدين، فمن أراد أن يعرف قَدمه في مقام الإرادة فليفتِّش نفسه إذا قام عليه أهل بلده ورموه بالعظائم حتى امتنعوا عن مجالسته، فإن وجد نفسه متأثرة بذلك، فليعلم أنه لم يشمَّ من مقام المريدين رائحة، وهو مُلحَق بالعوام الذين يلعب بهم إبليس كالكرة.

- ومما أنعم الله تبارك وتعالى به عليّ: أخذي بالأحوط في ديني ولا أترخص في تركه إلا بطريق شرعي، فكما أن من أخَذ بالأحوط فهو على هدى من ربه كذلك من أخَد بالرخصة بشرطها فهو على هدى من ربه فيها، وكنت بحمد الله تعالى حال أخذي على الأشياخ أشدّد على نفسي في العمل على الخروج من الخلاف ما أمكن، وكل ذلك لكي تكون عبادتي صحيحة على جميع المذاهب أو أكثرها ... واعلم أن من جملة الاحتياط: اجتناب المكروه كأنه حرام، والاعتناء بالسنن كأنها واجبة...

= يتبع.
الإمام الشعراني:

خاتمة، في ثناء بعض العلماء وأهل المعرفة والفضل على دينه وعلمه وورعه( 6 )

لا يمكن إحصاء عدد المعترفين بفضل الإمام الشعراني وعلمه وصلاحه، فإن النقول عنه في كتب التصوف والفقه المتأخرة كثيرة جدا، ومعظمها مذيّل ولاهجٌ بالثناء عليه، ولكن نكتفي هنا ببعض النقول الخفيفة فحسب:

١ - تقدَّم ثناء شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عليه ومحبته الشديدة له، حتى كان الشيخ زكريا يجعله مُطالِعا له بعض الكتب التي يريدها حال التأليف، بل بعضُ مؤلفات الشيخ زكريا هي بخطّ الشعراني كما صرّح هو بذلك، والناظر في كتب الشعراني يُدرك أنه كان ملازما للشيخ زكريا ملازمة شديدة، لِما يَحكِي عنه من الأحوال والمعارف والأقوال، وقد أذِن له شيخ الإسلام زكريا بتدريس التفسير والفقه والتصوف.

٢ - كان فقهاء ومشاهير المذاهب الأربعة في وقته يقرّظون كتبه ويصفونه بالأوصاف الجليلة، انظر " المنن الكبرى " من صفحة ٩٣ إلى صفحة ١٠٦ .

٣ - قال عنه تلميذه الإمام الحافظ عبد الرءوف المناوي في كتابه " الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية :

" عبد الوهاب بن أحمد الشعراوى، شيخنا الإمام العامل، والهمام الكامل، إنسان عين ذوى الفضائل، وعين إنسان الواصلين من ذوى الوسائل، العابد الزاهد، الفقيه المُحدّث، الصوفي المربّي المُسلِّك، وهو من ذرية الإمام محمد بن الحنفية ... فغلب الحسد على طائفة من الفقهاء
والصوفية، فدسُّوا عليه في بعضها كلمات تخالف ظاهرها الشريعة، وعقائد زائغة، ومسائل تخالف الإجماع، وأقاموا عليه القيامة، وشنَّعوا وسَبُّوا، ورموه بكل عظيمة، وبالغوا في الأذى والنميمة، فخَذلهم الله تعالى، وأظهره عليهم، وكان مواظبا على السنة، ومجانبا للبدعة، مبالغا في الورع، مُؤْثِرا ذوي الفاقة على نفسه، حتى بملبوسه، متحملا للأذى، سالكا طريق العفو، موزِّعًا أوقاته على العبادة، ما بين تصنيف وتسليك وإفادة... وكان يُسمع لزاويته دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النحل ليلا ونهارا ما بين ذاكر وقارئ ومتهجّد ومُطالِع للكتب وغير ذلك...

ولم يزل قائما على ذلك معظَّما في صدر الصدور مبجَّلا في عيون الأعيان بالخير والحبور، حتى نقله الله في دار كرامته في سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، وكانت جنازته جمعًا حافلا من العلماء، والفقهاء، والأمراء، والفقراء".

٤ - قال عنه العلامة المتفنن في علوم المعقول والمنقول الشهاب أحمد الغُنيمي رحمه الله في أول شرْحه على مقدمته النحوية:

" قد سألني مَن لا تَسَعُني مخالفتُه أن أشرَح المقدمة النحوية المنسوبة إلى سيدنا ومولانا وقدوتنا إلى الله تعالى، العالم الرباني، والعارف الصمداني ... عمدة السالكين .. مَن وَسَّعَ الله له في الزمن، وأفاضَ عليه من كمال الأسرار والمعارف التي لم يبلغها أحد من أهل عصره على الإطلاق، وذلك أمر مُجمَع عليه بالاتفاق ... وذلك مع المحافظة على عدم الخروج عن ظاهر الشريعة المحمدية، من غير أن يقع له شيء من الشطحات كما وقع من بعض العارفين أولي الكرامات .. فماذا يقول مثلي في وصف ذلك العارف الفاخر، فإنه شيء نفيس تَكِلُّ الألسن عن حصره، ولا تفي به طول الدفاتر".

٥ - وقال عنه نجم الدين الغزّي في " الكواكب السائرة " : عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن ذوقا الشعراني... الشيخ العالم العارف... وكان رحمه الله من آيات الله تعالى في العلم والتصوف والتآليف".

٦ - وقال عنه الشيخ يوسف النبهاني :" عبد الوهاب الشعراني، أشهر أئمة العارفين من عصره إلى الآن، وأنفعُهم بتآليفه لأهل الإيمان ... ومناقب سيدي عبد الوهاب الشعراني وكراماته لا يمكن حصرُها ... ".

٧ - وقال عنه العلامة المسنِد الكبير عبد الحي الكتاني: " الشعراني هو الإمام الفقيه المُحدّث الصوفي العارف المُسلِّك أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد الشعراني أو الشعراوي بالنون والواو، كما وُجِد بخطه، الشافعي، وقفتُ على تحليته بخط أبي العباس أحمد بن مبارك اللمطي هكذا: " سيدنا الإمام ولي العلماء عالم الأولياء مُربّي السالكين وبقية الأيمة العارفين المهتدين ".

وغير ذلك كثير، وفي هذا كفاية.