#فائدة_جليلة
#أقسام_الكذب
ذكَر العَلَّامة اللغوي المُحدِّث السَّيد مُرتضى الزَّبيدي - رحمه الله - في تاج العروس ، مادة " كذب " نَقلًا عن ابن الأنباري - أنَّ الكَذِب في كلام العرب على خَمسةِ أضرُبٍ
:
الأول : أن يكون الكذب بمعنى تغيير الحاكي ما يَسمَعُه وأن يقول ما لا يُعلم نقلًا وروايةً ، وهذا القِسمُ هو المذمومُ المنهيُّ عنه ، وهو الذي يَهدِم المروءة.
الثاني : أن يقول قولًا يُشبِه الكَذِب ، ولا يَقصِد به إلا الحقَّ ، وهو ما يُعرَف بالمعاريض، وهو ليس مذموما، بل رُوِي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنَّ في المعاريضِ لَمندوحةً عن الكَذب " .
ومن هذا القِسم حديث : " كَذَب إبراهيم ثلاث كذْبَاتٍ " أي قال قولا يُشبِه الكَذب ، وهو صادقٌ في الثلاث .
الثالث : أن يكون الكَذب بمعنى الخطأ ، وهو كثيرٌ في كلام العرب .
ومنه قول عائشة - رضي الله عنها - لَمَّا قال أبو الدرداء :" مَن أدرَكَه الصُّبح فلا وِتْرَ له " فَذُكِرَ ذلك لعائشةَ - رضي الله عنها - فقالت : كَذَب أبو الدرداء ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يُصبِح فَيُوتِر .
ومنه حديث طاووس قال : كنتُ جالسًا عند ابن عمر ، فأتاه رجلٌ فقال: إنَّ أبا هريرة يقول: إنَّ الوِتر ليس بحتمٍ، فخذوا منه وَدعُوا.
فقال ابنُ عمر: كَذَب أبو هريرة ، جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألَه عن صلاةِ الليل ، فقال: "مَثنى مَثنى، فإذا خَشِيتَ الصُّبحَ فواحدة ".
وإنما سُمِّيَ ذلك كَذِبًا ؛ لأنه شبيهٌ بالكذب في كونه ضد الصواب ، كما أن الكذبَ ضدُّ الصدق ، وإنِ افتَرَقا من حيثُ النية والقصد ؛ لأنَّ الكاذب يَعلمُ أنَّ ما يقولُه كَذِبٌ ، والمُخطئ لا يَعلم ، وهذان الصحابِيَّان ليسا بِمُخْبِرَينِ، وإنما قالا ذلك باجتهادهما، والاجتهاد لا يَدخلُه الكَذِب، وإنما يَدخله الخطأ .
وجاء في " التوشيح " : أهل الحجاز يقولون : كَذَبْتَ ، بمعنى أخطأتَ .
الرابع : أن يكون بمعنى " البُطول " يقال : كَذَب الرَّجلُ ، بمعنى بَطَل عليه أمَلُه وخابَ رجاؤه ، ومنه قوله - تعالى - : " انظُر كيف كَذَبُوا على أنفسِهم " أي انظر كيفَ بَطَلَ عليهم أمَلُهم
الخامس : أن يكون " كَذَب " معناه الإغراء ومطالبةُ المُخاطَب بلزومِ الشيء المذكور .
ومنه قولُ عمر - رضي الله عنه - : " كَذَبَ عليكم الحَجّ ، كَذَبَ عليكم العُمرَة ، كَذَبَ عليكم الجِهاد ، ثلاثة أسفارٍ كَذَبْنَ عليكم ".
ومعناه : الزَمُوا الحجَّ والعمرةَ والجهادَ.
والمُغْرَى به مرفوعٌ بــ" كَذَب " ولا يجوزُ نَصبُه؛ لأنَّ " كَذَب " فِعلٌ لابدَّ له من فاعِل ، والفعل والفاعل كلاهما تأويلُهما الإغراء، ومَن زعم أنَّ الحج والعمرة والجهاد في حديث عُمر حُكمُهنَّ النَّصبُ فقد أخطأ ؛ إذ يكون قد حَكمَ بِخُلوِّ الفعل عن الفاعل .
وقد حكى أبو عُبيدٍ عن أبي عُبيدةَ عن أعرابيٍّ أنه نَظَر إلى ناقة ٍنِضْوٍ لرجلٍ فقال : كَذَبَ عليكَ البَزْرَ والنَّوى.
قال أبو عبيدٍ : لم يُسمَعِ النَّصبُ مع " كَذَبَ " في الإغراء إلا في هذا الحرف، قال ابن الأنباري : " وهذا شاذٌّ من القَول خارِجٌ في النَّحو عن منهاجِ القياس، مُلْحَقٌ بالشَّواذِّ التي لا يُعَوَّلُ عليها ولا يُؤخَذ بها " .
لكنْ نقَلَ الزَّبيدي عن شيخِه ابن الطَّيِّب الفاسي قال : والصحيحُ جوازُ النَّصب ، لِنَقلِ العلماءِ أنَّ النصبَ لغةُ مُضَر ، وأنَّ الرفعَ لغةُ اليَمن .
وتوجيهُ الرفع أنه من قبيل ما جاء من ألفاظ الخَبر التي بمعنى الإغراء نحو : رَحِمَهُ الله ورَضِيَ عنه ، أي اللهمَّ ارحمه وارضَ عنه ، وحسبُك زيدٌ، أي اكتفِ به .
وتوجيهُ النصب أنَّه من بابِ سِرَايَةِ المعنى إلى اللفظ ؛ لأنَّ المُغْرَى به لَمَّا كان مفعولا في المعنى اتَّصلَتْ به علامةُ النَّصبِ لِيُطَابِقَ اللفظُ المعنى.
#أقسام_الكذب
ذكَر العَلَّامة اللغوي المُحدِّث السَّيد مُرتضى الزَّبيدي - رحمه الله - في تاج العروس ، مادة " كذب " نَقلًا عن ابن الأنباري - أنَّ الكَذِب في كلام العرب على خَمسةِ أضرُبٍ
:
الأول : أن يكون الكذب بمعنى تغيير الحاكي ما يَسمَعُه وأن يقول ما لا يُعلم نقلًا وروايةً ، وهذا القِسمُ هو المذمومُ المنهيُّ عنه ، وهو الذي يَهدِم المروءة.
الثاني : أن يقول قولًا يُشبِه الكَذِب ، ولا يَقصِد به إلا الحقَّ ، وهو ما يُعرَف بالمعاريض، وهو ليس مذموما، بل رُوِي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنَّ في المعاريضِ لَمندوحةً عن الكَذب " .
ومن هذا القِسم حديث : " كَذَب إبراهيم ثلاث كذْبَاتٍ " أي قال قولا يُشبِه الكَذب ، وهو صادقٌ في الثلاث .
الثالث : أن يكون الكَذب بمعنى الخطأ ، وهو كثيرٌ في كلام العرب .
ومنه قول عائشة - رضي الله عنها - لَمَّا قال أبو الدرداء :" مَن أدرَكَه الصُّبح فلا وِتْرَ له " فَذُكِرَ ذلك لعائشةَ - رضي الله عنها - فقالت : كَذَب أبو الدرداء ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يُصبِح فَيُوتِر .
ومنه حديث طاووس قال : كنتُ جالسًا عند ابن عمر ، فأتاه رجلٌ فقال: إنَّ أبا هريرة يقول: إنَّ الوِتر ليس بحتمٍ، فخذوا منه وَدعُوا.
فقال ابنُ عمر: كَذَب أبو هريرة ، جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألَه عن صلاةِ الليل ، فقال: "مَثنى مَثنى، فإذا خَشِيتَ الصُّبحَ فواحدة ".
وإنما سُمِّيَ ذلك كَذِبًا ؛ لأنه شبيهٌ بالكذب في كونه ضد الصواب ، كما أن الكذبَ ضدُّ الصدق ، وإنِ افتَرَقا من حيثُ النية والقصد ؛ لأنَّ الكاذب يَعلمُ أنَّ ما يقولُه كَذِبٌ ، والمُخطئ لا يَعلم ، وهذان الصحابِيَّان ليسا بِمُخْبِرَينِ، وإنما قالا ذلك باجتهادهما، والاجتهاد لا يَدخلُه الكَذِب، وإنما يَدخله الخطأ .
وجاء في " التوشيح " : أهل الحجاز يقولون : كَذَبْتَ ، بمعنى أخطأتَ .
الرابع : أن يكون بمعنى " البُطول " يقال : كَذَب الرَّجلُ ، بمعنى بَطَل عليه أمَلُه وخابَ رجاؤه ، ومنه قوله - تعالى - : " انظُر كيف كَذَبُوا على أنفسِهم " أي انظر كيفَ بَطَلَ عليهم أمَلُهم
الخامس : أن يكون " كَذَب " معناه الإغراء ومطالبةُ المُخاطَب بلزومِ الشيء المذكور .
ومنه قولُ عمر - رضي الله عنه - : " كَذَبَ عليكم الحَجّ ، كَذَبَ عليكم العُمرَة ، كَذَبَ عليكم الجِهاد ، ثلاثة أسفارٍ كَذَبْنَ عليكم ".
ومعناه : الزَمُوا الحجَّ والعمرةَ والجهادَ.
والمُغْرَى به مرفوعٌ بــ" كَذَب " ولا يجوزُ نَصبُه؛ لأنَّ " كَذَب " فِعلٌ لابدَّ له من فاعِل ، والفعل والفاعل كلاهما تأويلُهما الإغراء، ومَن زعم أنَّ الحج والعمرة والجهاد في حديث عُمر حُكمُهنَّ النَّصبُ فقد أخطأ ؛ إذ يكون قد حَكمَ بِخُلوِّ الفعل عن الفاعل .
وقد حكى أبو عُبيدٍ عن أبي عُبيدةَ عن أعرابيٍّ أنه نَظَر إلى ناقة ٍنِضْوٍ لرجلٍ فقال : كَذَبَ عليكَ البَزْرَ والنَّوى.
قال أبو عبيدٍ : لم يُسمَعِ النَّصبُ مع " كَذَبَ " في الإغراء إلا في هذا الحرف، قال ابن الأنباري : " وهذا شاذٌّ من القَول خارِجٌ في النَّحو عن منهاجِ القياس، مُلْحَقٌ بالشَّواذِّ التي لا يُعَوَّلُ عليها ولا يُؤخَذ بها " .
لكنْ نقَلَ الزَّبيدي عن شيخِه ابن الطَّيِّب الفاسي قال : والصحيحُ جوازُ النَّصب ، لِنَقلِ العلماءِ أنَّ النصبَ لغةُ مُضَر ، وأنَّ الرفعَ لغةُ اليَمن .
وتوجيهُ الرفع أنه من قبيل ما جاء من ألفاظ الخَبر التي بمعنى الإغراء نحو : رَحِمَهُ الله ورَضِيَ عنه ، أي اللهمَّ ارحمه وارضَ عنه ، وحسبُك زيدٌ، أي اكتفِ به .
وتوجيهُ النصب أنَّه من بابِ سِرَايَةِ المعنى إلى اللفظ ؛ لأنَّ المُغْرَى به لَمَّا كان مفعولا في المعنى اتَّصلَتْ به علامةُ النَّصبِ لِيُطَابِقَ اللفظُ المعنى.