قناة

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
11.3k
عددالاعضاء
233
Links
291
Files
88
Videos
901
Photo
وصف القناة
والعَجب في جُرأة هذا الرجل بقوله: إن هذا القول لمالك لم يسبقه إليه أحد وإنه قاله برأيه، وإنه خلاف الكتاب والسنة وما أجمَع عليه الصحابة والتابعون .. وها أنت ترى ما في ذلك عن الصحابة والتابعين وظاهر القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام السلف، فهذا رجل هانَت عليه نفسُه، واستهان بمنطقِه، وهوَى بدينه، وأعوذ بالله من الجُرأة على الأئمة، والقولِ بغير علم في دين الله.

- ابن أبي زيد القيرواني تــ٣٨٦هــ -


#إعادة نشر
من مستطرفات علم البيانِ لون يسمونه " عكس الظاهر " وهو عبارة عن نفي الشيء بإثباته، وذاك أنك تذكر كلاماً يدل ظاهره على أنه نفي لصفة موصوف، وهو نفي للموصوف أصلاً

قال ابن الأثير : فمما جاء منه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصف مجلس رسول الله ( لَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ ) أي لا تذاع سقطاته، فظاهر هذا اللفظ أنه كان هناك فلتات غير أنها لا تذاع، وليس المراد ذلك، بل المراد أنه لم يكن ثم فلتات
فَتُنْثَى، وهذا من أغرب ما توسعت فيه اللغة العربية.

قال : ولي أنا في هذا بيتٌ من الشعر وهو:

أدْنَيْنَ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلَنْ يُرَى ...
لِذُيُولِهِنَّ عَلَى الطَّرِيقِ غُبَارُ

وظاهر هذا الكلام أن هؤلاء النساء يمشين هَوناً لحيائهن فلا يظهر لذيولهن غبار على الطريقِ، وليس المراد ذلك، بل المراد أنهن لا يمشين على الطريق أصلاً، أي أنهن مُخبّآت لا يخرجن من بيوتهن فلا يكون إذًا لذيولهن على الطريق غبار، وهذا حسن رائق، ..فمن استعمل هذا النوع من الكلام فليستعمله هكذا وإلا فَلْيَدَع، على أن الإكثار من استعماله عَسِر لأنه لا يظهر المعنى فيه.

ومنه في القرآن قوله تعالى:" لا يسألون الناس إلحافا " فليس المراد أنهم يسألون من غير إلحاح، بل المراد نفي السؤال أصلا.
جاء في " نهج البلاغة " من كلام سيدنا علي رضي الله عنه:

" كُلُّ شَيْ‏ءٍ مِنَ الدُّنْيَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِهِ، وَكُلُّ شَيْ‏ءٍ مِنَ الْآخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ، فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعِيَانِ السَّمَاعُ وَمِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ".

يعني أن كل شيء من أمور الدنيا المُرغِّبة والمُرهِّبة، سماعُه أعظَمُ من عِيَانه، والآخرة بالعكس، وهذا حق، أما القضية الأولى فظاهرة، وقد قال القائل:

أهتَزُّ عند تمنِّي وصلِها طَربًا
ورُبَّ أُمْنَيةٍ أحلَى من الظَّفَرِ .

ولهذا يحرص الواحد منا على الأمر، فإذا بَلَغَه برَد وفَتَر، ولم يَجِدْه كما كان يَظُنّ في اللذة، ويُوصَف لنا البلد البعيد عنا، بالخِصب والأمن والعدل، وسماحِ أهله، وحُسنِ نسائه، وظُرفِ رجاله، فإذا سافَرْنا إليه لم نَجِده كما وُصِف، بل ربّما وجَدْنا القليل من ذلك، ويُوصَف لنا الإنسان الفاضل بالعلم بفنونٍ من الآداب والحِكَم، ويبالغ الواصفون في ذلك، فإذا اختبَرْناه وجَدْناه دون ما وُصِف،

وكذلك قد يخاف الانسان حبسًا أو ضربًا أو نحوهما فإذا وقَع فيهما هان ما كان يَتخوَّفه، ووجَد الأمر دون ذلك، وكذلك القتل والموت، فإنَّ ما يستعظمه الناس منهما دون أمرِهما في الحقيقة، وقد قال أبو الطَيّب - وهو حكيم الشعراء:
كل ما لم يكن من الصعبِ في الأنفس
سهلٌ فيها إذا هو كانا.

ويقال في المثل: لِجِ الخوفَ تأمَن.

وأما أحوال الآخرة فلا ريب أن الأمر فيها بالضدِّ من ذلك، لأن الذي يتصوَّره الناس من الجَنّة أنها أشجار وأنهار ومأكول ومشروب، وجماع، وأمرُها في الحقيقة أعظَمُ من هذا وأشرَف، لأنَّ مَلاذَّها الروحانية المقارِنة لهذه الملاذِّ المضادّة لها أعظَمُ من هذه الملاذِّ بطبقاتٍ عظيمة، وكذلك أكثر الناس يتوهَّمون أن عذاب النار يكون أيامًا وينقضي، كما يَذهب إليه المرجئة، أو أنه لا عذاب بالنار لمسلمٍ أصلا، كما هو قول الخُلَّص من المرجئة، وأن أهل النار يألفون عذابها فلا يَستضِرُّون به إذا تطاول الأمَد عليهم، وأمرُ العذاب أصعَبُ مما يَظنُّون، خصوصا على مذهبِنا في الوعيد، ولو لم يكن إلا آلام النفوس باستشعارها سُخطِ الله تعالى عليها، فإن ذلك أعظم من ملاقاة جِرْمِ النار لبدنِ الحيّ.
وفي هذا الموضع أبحاث شريفة دقيقة، ليس هذا الكتاب موضوعا لها.

_ ابن أبي الحديد _
ومما يجب التنبُّه له في التفقُّه: التفرقةُ بين الغُلوّ في الدين، وسَدِّ الذريعة، وهي تفرقةٌ دقيقة.

فسَدُّ الذريعة موقعُه وجودُ المَفسدة، والغلوُّ موقعُه المبالغةُ والإغراق في إلحاق مباحٍ بمأمور أو منهيٍّ شرعيّ، أو في إتيان عمل شرعي بأشدَّ مما أراده الشرع بدعوى خشية التقصير عن مراد الشارع، وهو المسمَّى في السُّنة بالتعمُّق والتنطُّع، وفيه مراتب، منها ما يدخل في الورع في خاصة النفس، أو الورع في حمل الناس على الحرَج، ومنها ما يدخل في معنى الوسوسة المذمومة، ويجب على المُستنبطِين والمُفتِين أن يتجنَّبوا مواقع الغُلوّ والتعمُّق في حمل الأمة على الشريعة، وما يُسَنّ لها من ذلك، وهو موقف عظيم.

- الطاهر ابن عاشور رحمه الله-

هكذا كلام العلماء.
قال الإمام الطاهر ابن عاشور رحمه الله:

" ليس لأحدٍ أن يَبْحَثَ في الأصول التي تَلقَّتْهَا العلماء جِيلًا بعد آخر بالقَبول، ولا أن يُكثِرَ من تغليطِ المُصنّفين، فإنَّ كثرة التغليط أمارةُ الاشتباهِ والتخليط، بل عليه أن يَبذُلَ الوُسع في فهمِ مُرادات الفضلاء، ولا يُلقي البحثَ إلا بعد التحرّي والإحاطة بأطرافِ الكلام والتدبُّر في فهم المراد " انتهى.
_________________

أقول: ذلك لأنَّ الأصل في الكلام المفيد أن يكون قائله عاقلا واعيًا لِما يقول، ومن مقتضيات ذلك ألا يأتي في كلامه بما لا يستحسنه العقل من السهو والخطأ ونحو ذلك، وكلُّ متكلم عاقل من شأنه أن يجهد جهدَه على أن يتحقَّق في كلامه النظام والالتئام والاستواء والصحّة، ومراعاة هذا كله في الكلام المكتوب أكملُ وأتمُّ منه في الكلام الملفوظ، لأنَّ الكلام الملفوظ يجري فيه من التسامح والتساهل - بسبب الارتجال- ما لا يجري مثله في المكتوب، والواجب على القارئ أن يَستصحب هذا؛ وأن يَضع في رأسه أن الكاتب عاقل، ومن شأن العاقل الحرصُ على الإصابة، وكلَّما ارتفعَ مَقام هذا الكاتب بين العقلاء كان استصحاب إحسان الظن به أوجَب، وكان استحضار التحرز مِن ردّ كلامه أولى وأحرَى، فطالبُ العلم مثلا في رتبة أعلى من غيره، والعالم أعلى من طالب العلم، والعالم الكبير في فنه أعلى من العالم غير الكبير ، وهكذا.

فالواجب على الناظر أن يحمل كلامهم على الصحة - ما أمكن- حتى يستنفد كل طاقات التخريج والتأويل الممكنة؛ لا سيما حين يكون الكاتب إمامًا من الأئمة الذين أفنوا أعمارهم في العناية بالفن دراسة وتدريسا وشرحا وتحريرا وتنقيحا، بل ربما يكون قضى في كتابة متن أو شرح سنينَ طويلة، مع اشتغال تام بالفن، وهذا يعني أنه بالَغَ في اختيار مبانيه وتحرير معانيه ، فكيف يُسرِع الواحد منا إلى الحكم بخطئه مثلا مع أول النظر !!.

فإذن لاحِظ أنه كلام مكتوب لا ملفوظ، ولاحظ أن كاتبه عاقل ، بل لاحظ أنه عالم، بل لاحظ أنه من كبار العلماء ، ولاحظ أنه مكَث فيه زمنا.

فكيف إذا أُضِيف إلى ذلك تواردُ الجم الغفير العظيم من أهل العلم في كل طبقة طبقة على تصحيح ما يتراءى لك ببادهِ الرأي أنه خطأ، وهم موصوفون بالعدالة والديانة والورع ومشهود لهم من أهل طبقاتهم بالعلم والإمعان والتحري والإتقان!.

فتجَاوُز هذا كله جنونٌ وخَبال ورميٌ في عماية، وبمثل هذه الممارسات المفارقة لاتفاق الجماعة أو مخالفة جماهيرهم رُمِي البعض بالشذوذ في آحاد الأقضية وهُجِرت فيها أقوالهم مع كمالهم في العلم والدين والتقوى، فكيف يجب أن يكون الحال الآن مع السواقط والمجاهيل ومن لا يحسن إلا إلقاء الكلام مرسلا على عواهنة بدون حجة ولا برهان ولا حتى شبهة دليل في كبريات الأمور المتفق عليها بين أهل الشأن !.

ولو أن رجلا خرج الآن وصَدع في جماعة الأطباء أو المهندسين وقال إن العقار الفلاني لا يناسب المرض الفلاني، أو أن البناء الفلاني مخالف لأصول الهندسة مع إطباق الكافة من أهل الطب أو الهندسة على خلاف قوله، فماذا يكون وصفُ مثل هذا الرجل عندهم! وكيف سيتَلقَّون قوله ! ولمثل هذا يجب أن تؤخذ الصنائع عن أهلها وتُسلَّم إليهم ولا يُنازَعون فيها، لا سيما إذا كان بينهم إجماع أو اتفاق على شيء منها مما هو معدود عندهم أو عند عامّتهم من الأصول الثوابت.

فإن قال قائل: ولمَ تقول هذا، أليس من الجائز عقلا أن يتواطأ هذا الجمع الكثيف من العلماء على الخطأ في بعض الأمور !!

قلنا: التجويز العقلي في مثل هذه الأمور لا حد له ولا نهاية يقف عندها، فما ذُكر وإن جاز عقلا جاز نقيضه أيضا وهو أن يكون المعترض عليهم هو المخطئ، وجاز عقلا أن يكون من يكتب هذه السطور الآن رجلا من الجن، أو مَلكا من السماء، وهكذا، فالتعويل على الجواز العقلي لا ينفع شيئا هنا، على أن مجرد الجواز لا يستلزم الوقوع والحصول، وإنما الاعتماد في هذا الشأن على ما جرى من العادة المستمرة فيه، ولم يستقر من العادة تواردُهم واجتماعهم على ذمّ الحَسن، ولا مدح السيئ، ولا تقرير الباطل، ولا اعتماد الخطأ.

وليس هذا معناه التعصب والجمود والتقديس، بل هو مقتضى العقل السليم، وصنيع الأئمة الراسخين، وإلا فإنَّ أسهل كلمة يقولها القارئ : أخطأ المفسرون، وجهل اللغويون، وغفل الأصوليون، ، وسَها المصنف هنا ، وزلَّ الشارح في كذا ، نَسِيَ كذا، وهي كلمات - كما تَرى - سهلة غير مُكلّفة، وليس وراءها إلا الاستسهال والاستهتار اللذان يزعم أهلهما أنه ذكاء وألمعية، ونعم .. لا أحد معصوم غير الأنبياء؛ ولكنَّ انتفاءَ العصمة لا يعني لزوم إتيان الخطأ.
Forwarded From کتب مفیدة و نادرة
@ktbmfid
معنى عظيم وتحقيق نفيس، رحم الله الطاهر ابن عاشور:
في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي".

وقد ذكَر العلماء رضي الله عنهم في سبب ذلك أنه عليه السلام قد اتخَذ ربَّه عز وجل خليلا، ومقام الخُلّة يأبَى الشركة، فلا يليق أن يُخالل عليه مخلوقا، لأن الخليل هو الذي سرَت محبته ومودته في نفس خليله مسرى الروح في الجسد، فلا يشاركه فيه غيره، ولهذا المعنى ذكروا أن إبراهيم عليه السلام لما أمرَه الله عز وجل بذبح ولده لم يكن المقصود مجرد إراقة الدم، بل كان المراد تحقيق مقام الخلة بتفريغ محلها لمن لا يصلح أن يزاحمه فيها أحد، سبحانه وتعالى.
لا يوجد من العلماء الكبار الذين اشتهر في الناس الأخذ عنه إلا وله قدوة من الكبار، هكذا كان الصحابة والتابعون، وقلما وجدت فرقة زائغة ولا أحد فارق السنة، إلا وهو مفارق لهذا الوصف، وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري، وأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ، ولا تأدب بآدابهم، وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة وأشباههم.
أبو إسحاق الشاطبي بتصرف يسير.

بواسطة الدكتور أحمد البشير.