كان من أهم الدعائم التي أرسَى قواعدها دين الإسلام وتشدَّد فيها وغلَّظ النذير على التلبُّس بها: العنصرية القومية والتعصُّب لِلّون والجنس والتعظُّم بالأنساب، وفي نظري أن هذا المبدأ الشريف لم يكن الغرض منه - فقط - تحقيق انضواء كافة الداخلين في الإسلام تحت لواء العبودية للإله الأعلى سبحانه وتعالى، وأنهم كلهم لآدم وآدم من تراب، ولا أنَّ ذلك كان جبرًا لخاطر الأعاجم فحسب.
وعلى الرغم من كون هذه أغراضا شريفا ومقاصد مهمة فإن في هذا المبدأ الإسلامي الشريف مع ذلك التفاتا إلى غاية أخرى، ورعاية لمقصود آخر عظيم، وهو تحفيز نشاط العجم إلى صدق الانتماء للإسلام، وتحقيق الاستفادة القُصوى من طاقاتهم الضخمة، واستغلال قُواهم وعقولهم واستعداداتهم الهائلة في خدمة الدين وإعلاء كلمته واتساع سلطانه وبناء حضارته.
فعلى مستوى سياسة الأمم كان هذا المبدأ في صالح الإسلام نفسه، فلقد شاطَر هؤلاء العربَ، بل تفوقوا عليهم في خدمة معارف القرآن والسنة، فكما وسّعوا رقعة الإسلام وفتحوا البلدان شيَّدوا كذلك صُروح العلوم الإسلامية والعربية وكان المحققون فيها منهم، على ما بسَطه ابن خلدون في فصلٍ خاصّ.
فلك أن تتخيَّل - لو غاب هذا الأصل الإسلامي المهم- كيف كانت طاقات هؤلاء ستتوجَّه إلى خِدمة معارف أُممهم وقومياتهم الضيّقة، وكيف كان كثير مما في أيدينا الآن من العلم والكتب والمؤلفات والبلدان التي تدين بدين الإسلام لم يُعهد له وجود أصلا، ولا كنا اهتدينا إلى كل هذه المعارف.
وما يعلم جنود ربك إلا هو.