قناة

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
11.3k
عددالاعضاء
233
Links
291
Files
88
Videos
901
Photo
وصف القناة
" وجُملة الأمر أن عُمَر لا يَجوز أن يُطعَن فيه بمثلِ هذا، ولا يُنسَب إلى شَرَهٍ وحُبٍّ للمال، فإنّ طريقته في التعفُّف والتقشُّف وخشونةِ العَيش والزُّهد أظهَرُ من كل ظاهر، وأوضَحُ من كلِّ واضح، وحالُه في ذلك معلومة، وعلى كلّ تقديرٍ سواءٌ كان يفعل ذلك دِينا أو ورعًا - كما هو الظاهر من حاله - أو كان يفعل ذلك ناموسا وصِناعة ورياءً وحِيلةً - كما تزعم الشيعة - فإنه عظيم؛ لأنه إمّا أن يكون على غايةِ الدين والتُّقَى، أو يكون أقوى الناس نفسًا وأشدَّهم عَزمًا، وكلا الأمرين فضيلة".

هذه سطور قليلة من صفحات كثيرة كان يدافع فيها ابن أبي الحديد عن سيدنا عمر رضي الله عنه.
وإني لَأُطِيل التعجُّب مِن رجلٍ يَخطُب في الحرب بكلامٍ يدلُّ على أن طبعَه مناسبٌ لطباع الأُسُود والنُّمور وأمثالِهما من السباع الضارية، ثم يخطب في ذلك الموقف بعينه إذا أراد الموعظة بكلامٍ يدل على أن طبعَه مُشَاكِلٌ لطباعِ الرُّهبان لابسِي المُسوح الذين لم يأكلوا لحمًا ولم يُريقوا دمًا، فتارةً يكون في صورةِ بسطامِ بن قيسٍ الشيباني، وعتيبة بن الحارث اليربوعيّ، وعامر بن الطُّفيل العامري، وتارةً يكون في صورة سُقراطَ الحَبرِ اليوناني، ويوحنا المعمدان الإسرائيلي، والمسيح ابن مريم الإلهي.

وأُقسِم بِمَن تُقسِمُ الأممُ كلها به لقد قرأتُ هذه الخُطبة منذ خمسين سنةً وإلى الآن أكثرَ من ألفِ مرة، ما قرأتُها قطُّ إلا وأَحْدَثَتْ عندي روعةً وخوفًا وعِظةً، وأثَّرَتْ في قلبي وَجِيبًا، وفي أعضائي رِعدةً، ولا تأمَّلتُها إلّا وذَكرتُ الموتى من أهلي وأقاربي وأربابِ وُدِّي، وخُيّلتُ في نفسي أني أنا ذلك الشخص الذي وَصَف عليه السلام حالَه، وكم قد قال الواعظون والخُطباء والفُصحاء في هذا المعنى، وكم وقفتُ على ما قالوه، وتكَرَّر وقوفي عليه فلم أجِد لشيءٍ منه مِثلَ تأثيرِ هذا الكلام في نفسي، فإمَّا أن يكون ذلك لعقيدتي في قائله، أو كانت نية القائل صالحةً، ويقينُه كان ثابتا، وإخلاصه كان محضًا خالصا، فكان تأثير قوله في النفوس أعظَم، وسريان موعظته في القلوب أبلَغ.

_ ابن أبي الحديد في وصف خطبة لسيدنا علي رضي الله عنه-
من كُتب الاعتقاد السُّنّي الأشعري المغفول عنها حديثا : " العقيدة البرهانية" للإمام الكبير أبي عمرو السلالجي المغربي المتوفى سنة ٥٧٤ هـ، فمع كونها كانت ذائعةَ الصِيت في عصره ولأهل العلم اهتمام كبير بها إلا أن مصنفات الإمام السنوسي قد طغَت عليها وحَلَّت مَحلَّها لاحقًا في الدرس الكلامي في المغرب، وللكُتب حظوظ كحظوظ الناس.

وأهميتها ترجع إلى أمور:

١ - جلالة مؤلفها وتضلُّعه في الأصلين.

٢ - أن المؤلف قصَد فيها اختصار كتاب الإرشاد لإمام الحرمين، بالاقتصار على براهينه، وتجريد زوائده، فقد كان له اهتمام زائد بالإرشاد، ولهذا فمع كون هذه العقيدة متنا صغيرا يحفظه الطلاب فإنها مع ذلك امتداد لمدرسة الإرشاد وطريقته في الاستدلال.

٣ - أنها كانت من أهم مراجع الإمام السنوسي في كتبه وشروحه الكلامية.

٤ - كثرة شروحها، فقد وُضِع عليها أكثر من عشرة شروح، وأصحابها من أعلام عصورهم ومن أهل الإمامة في علم الكلام، منهم تقيّ الدين المقترَح، والعقباني، واليَفرني، وشروحهم مطبوعة.

٥ - ذيوعها في ربوع المغرب وسيطرتها على الساحة الكلامية آنذاك، حتى وُصِف مؤلفها الإمام السلالجي بأنه مُنقِذ أهل فاس من التجسيم، وبأنه إمام أهل المغرب في علم الاعتقاد.

والباعث على تأليف هذه العقيدة مما يشهد بصدق مؤلفها وإخلاصه وورعه، وذلك أنه كانت في مدينة فاس امرأة أندلسية تسمى" خَيرُونة" وكانت امرأةً صالحة تقيَّة زاهدة، وكانت من طلاب الإمام السلالجي، وكانت تُوقِّره وتُعظِّمه وتلتزم حضور مجالسه، فطلبَت منه أن يكتب لها في لوحها شيئا تقرأه في العقيدة، فكان يكتب لها في لوحها فصلًا، ثم تذهب وتحفظه، ثم تأتي ويشرحه لها، ثم يكتب لها الفصل التالي وهكذا، حتى اكتملَت العقيدة، وسبحان الله، لم يبقَ من تصانيفه غير هذه العقيدة على هذا النحو الذي كتبه لتلك المرأة الفاضلة، حتى إن بعض طلابه اقترح عليه - بعد أن انتشرتِ العقيدة في بلاد المغرب- أن يكتب لها خُطبة، ويزيد فيها فصولا، ويرتِّب لها أمورا زائدة، فامتنع الإمام السلالجي عن ذلك وقال له: إني لم أشَأ أن تكون تأليفا يُكتَب ويَنتشِر، وإنما كتبتُها لتلك المرأة على وجهٍ يناسبها، فشاء الله أن تشيع، فاتركها كما هي.

وإعادة مثل هذه الكتب إلى الساحة العلمية أمر مهم يُوقِف الدارس على ملامح التطور الكلامي وطرائق النظر الأشعري في عصور مختلفة.

ورحم الله العلماء.
بمثل هؤلاء يعتبر العقلاء!
****************
دلت وقائع الحس على أن العالِم إذا طال اشتغاله بولاية أو نحوها، قل علمه، ثم خف حلمه، ثم تحاتت عنه ـ مع الأيام ـ مروءته، كما يتحاتّ عن الشجرة ورقُها، فلا يكاد يأتي من الأمر إلا ما يُذهب من الصدور محبته، وإذا هو في نزول ويحسب أنه في علو، كالأخسرين أعمالا..
منكوس الإناء..
قريب الغور..
مبدد القلب..
مدثَّرٌ بالنفاق.. قد أنتن مجلسه مما امتلأ به من أكاذيب التزلف
مخذول عند العقلاء، لا يقيمون له وزنًا
دأبه ـ كما قال أبو حيان ـ "تنفيق بضاعته بالاقتدار في سوق العز"
نعوذ بالله من الخذلان!
هذا في العالِم، فكيف الأمر في الدعي؟!

د أسامة شفيع رحمه الله.
حلقة جميلة مهمة:
https://fb.watch/eYKbVW_SEs/
درَج كثير من التنويريين على الإسراف في مدح المعتزلة والتغزُّل بهم، بدعوى أنهم يرفعون من قيمة التعقُّل وينادون بحرية التفكير، وأنهم استطاعوا التحرُّر من ربقة النقل والتخلُّص من الجمود على النصوص، وأنهم الاتجاه العقلاني في الإسلام، ونحو ذلك، حتى إني من أيام رأيت إسلام البحيري يكاد يقول فيهم شعرا.

ولا شك أن للمعتزلة جهودا عظيمة في خدمة الإسلام يستحقون بها المدح فيما أصابوا فيه جهةَ الصواب والحق، لكن تلك الجهة التي يمدحهم بها هؤلاء التنويريون هي عبارة عن نصف الحقيقة فقط، وهي راجعة إلى سوء التصور لمذهب المعتزلة الكلي، والاكتفاء بشذرات وعناوين مُجتزأة لا تعبر عن مذهبهم الحقيقي ولا يمكن نسبتها إليهم بهذا النحو الساذج.

وبغضّ النظر الآن عن موقف المعتزلة من النقل لأن الكلام يطول فيه، وهو على كل حال على غير ما يتصور هؤلاء =فقد كان لاعتمادهم الأكبر على العقل في مصدر التلقي والمعرفة أثرٌ كبير جدا في التكفير والتفسيق، وليس كما يتوهمون من أنهم متسامحون مع من يخالفهم الرأي بناءً على هذا المبدأ المعرفي، هذا بالإضافة إلى تأصيلاتهم الشديدة جدا في الأصل الخامس عندهم " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"،
بل إن مخالفيهم في تقرير أيّ أصل من الأصول الخمسة ليسوا بمنجاة من الكفر على قواعدهم العقلية.

وبالجملة: فالمعتزلة من أكثر الفرق الإسلامية تكفيرا لغيرهم ممن لم يكن على منهجهم، بل وقع التكفير من بعضهم لبعض، حتى كان أبو هاشم يُكفِّر والده أبا عليّ الجُبّائي، ولم يأخذ من ميراثه شيئا بعد وفاته، على هذا النحو الذي تراه في الجماعات التكفيرية، ولهذا فمن غير المستبعَد أن تجد شخصا متطرفا شديد التطرف ومع ذلك يمكن إرجاع تصرفاته ومبادئه إلى قواعد المعتزلة، بل ذكر ابن أبي الحديد أنه لا فرقَ بينهم وبين الخوارج إلا في مسألة البراءة من سيدنا عليّ رضي الله عنه.

ولا شك أن التكفير من حيث هو هو ليس مذموما ولا شيئا يُخجل منه؛ إذ إنه حُكم فقهي إذا توفَّرت دواعيه وانتفَت موانعه حُكم به على المُتلبِّس به، وليس المقصود تصويب نظر المعتزلة أو بيان خطئهم في مسالكه، وإنما المراد هو أن مذهب المعتزلة لا يستحق المدح على ما تسمح به مبادئ هؤلاء الليبراليين وليس هو منهم في قريب ولا بعيد ولا قبيل ولا دبير.

وسبيل القراءة المُجتزأة وعدم التعامل مع المذهب أيا كان هو باعتباره مذهبا متكاملا متناغم الأجزاء متناسق الأقوال ليس فيه تناقُض داخلي = يُوصل حتما إلى هذه النتائج المغلوطة، ويُورث مِثل هذه التصورات الطفولية.
كل شيء يعرِض في هذه الدنيا فللدينِ فيه حُكم شرعي، ومن الواجب على المكلَّف أن لا يُقدِم على شيء حتى يعلم حُكم الله فيه، وقد نقلَ الإمام الشافعي رحمه الله الإجماعَ على هذا.
ومن الألاعيب التي يمارسها البعض أنهم يعبّرون عن هذا المعنى بتعبيرٍ آخر، فيقولون: رأي الدين في كذا، فيستعملون كلمة : الرأي، بدلَ كلمة: الحُكم الشرعي، وبرغمِ أن صالحي النوايا يرون أن الكلمتين بمعنى واحد في نفس المتكلم، ولا بأس باختلاف المباني إذا اتفَقت القُصود والمعاني = فإنه مع ذلك لا ينبغي الاستهانة بتبديل الألفاظ المعبّرة عن هُوية الدين؛ لأن ذلك له أثرٌ عظيم جدا على الوجدان الباطني تستطيع أن تلمسَه في سائر ما تبدَّل اسمُه الآن من الممارسات الشائعة، ولخطورة هذا الأمر أنبأ عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله" إن ناسا من أمتي يشربون الخمر يسمّونها بغير اسمها" فلا يشك أحد في أن مصطلح" المشروبات الروحية" مثلا أخفّ وطأةً على الضمير الحيّ من اسم الخمر.

هو يستعمل كلمة " رأي الدين" في كذا، باعتباره رأيا مطروحا من ضمن الآراء، فالواقعة الفلانية للدين فيها رأي، وللفلسفة فيها رأي، ولعلماء النفس فيها رأي ثالث، وهكذا، فهي آراء مختلفة ووجهات نظر متباينة، فيصير الحكم الشرعي مجرد وجهة نظر ضمن آراء أخرى، وهذا بخلاف كلمة " الحكم " بثِقلها النفسي المؤثر والذي يجذبك من أعماقك إلى المصدر الحقّ الذي منه يُعرف ويُتنظر اتخاذ الموقف من هذه القضايا، فهذه الحمولة النفسية لا يُستهان بها بحال من الأحوال.
Forwarded From عبد الله الداغستاني
من المشاريع التي أعتقد عموم نفعها نشر الأعمال الكاملة لشيخ البلاغيين محمد محمد أبو موسى نشرة متقنة.

هذه الكتب وإن كان القصد الأول منها البحث البلاغي فليست قاصرة عليه، بل فيه :
- من دقائق التفسير ولطائفه، وشرح الحكم المصطفوية،
- وفيه من نقد الشعر وأخلاق العرب،
- وفيه من مناهج العلم والعلماء في استنباط العلوم وترتيب المعارف.

وعلى كثرة فوائد الشيخ وعوائده لم يرزق من إحسان الناشرين ما يليق بمقامه، بل منيت كتبه بما يندى له الجبين:
- من التصحيف والتحريف الذي لا تكاد صفحة واحدة تخلو منه.
- وعدم تمييز منقول الشيخ عن مقوله بالأقواس في كثير منها.
- عدم تخريج النصوص الواردة في الكتب من أصولها.
- وعلى كثرة تردد المسألة الواحدة في كتب الشيخ لم يتم ربط متفرق كلامه بعضه ببعض.
- غياب الفهارس الكاشفة، والتي توجد منها يكاد يستوي وجودها وعدمها.
- ضعف الناحية الفنية في النشر على غلاء في السعر.
قال الإمام أبو بكر الصولي ت336 هـ.

" ربما كان الإنسان مُهَيَّأَ الذهنِ لحَمل العلم، قريبَ الخاطر، مُتَّقِدَ الذكاء، فيُضيِّعُ نفسَه بإهمالها، ويُميتُ خواطره بترك استعمالها، فيكون كما قال عليُّ بن الجهم:
والنارُ في أحجارها مخبوءةٌ
ليستْ تُرى إن لم تُثرها الأزْنُدُ"انتهى.

دائما أقول: الاختبار الحقيقي للدارس هو في دوام التحصيل وعدم الانقطاع أو حصول الفترة، لا في قوة الذكاء أو حدّة الذهن؛ فإن القدر المطلوب من ذلك متوفر في معظم المشتغلين، وكم من ذكيٍّ أقعَدْته هِمَّته الضعيفة عن اللحاق بركاب غيره من متوسطي الذكاء مِمَّن حَصَّلوا ووصلوا إلى مراتب عالية في العلم ولم يكن لهم زاد بعد توفيق الله إلا قوة الجد والمثابرة والرجولية في الطلب، وقد قيل للأصمعي: كيف حفظتَ ونسي أصحابك؟! قال: درستُ، وتركوا، وقال الميرغيناني الحنفي: " إنما فُقتُ شركائي بأني لم تقع لي الفترةُ في التحصيل".
وذكر العلامة طاشكبري زاده في " الشقائق النعمانية " في ترجمة العالم الفاضل المولى شمس الدين أحمد، الشهير بقراجه أحمد:

" أنه كان صارفا جميع أوقاته في الاشتغال بالعلم، وكان كثير الاشتغال قليل التحصيل؛ لِثِقَل فهمه، ومع هذا فقد وصل بشدة اجتهاده إلى المراتب العالية من العلم، وصنَّف الكتب، واستفاد منه الكثير من الطلبة".
"إن كل من كان أغوص نظرًا، وأدق فكرًا، وأكثر إحاطة بالأصول والفروع، وأتم وقوفًا على شرائط الأدلة= كانت الإشكالات عنده أكثر.

أما المُصِرُّ على الوجه الواحد طُولَ عُمره في المباحث الظنية بحيث لا يَتردَّد فيه= فذاك لا يكون إلا من جُمود الطبع، وقلةِ الفِطنة، وكَلال القريحة، وعدمِ الوقوف على شرائط الأدلة والاعتراضات".

الإمام الرازي.