قناة

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
11.3k
عددالاعضاء
233
Links
291
Files
88
Videos
901
Photo
وصف القناة
واعلم أن أصل الأمور راجعة إلى العطايا الربانية، وأن الله تعالى لا يُخْلِي عبادَه وبلادَه من قائمٍ لله بِحُجّة على ما أشارَت إليه الأخبار وذهَب إليه العلماء الأخيار، ولا شك في اختلاف الناس وتباعُد مراتبهم في أمرين:

- في الفهم.

- وفي حسن التعبير عن المفهوم.

- ابن الوزير اليماني تــ٨٤٠هـ
Forwarded From الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
في شرف مكة المكرمة رزقنا الله زيارتها.
***************

وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا.

وهاهنا نُكتة، وهي أن الظُّلم يُنسَب في القرآن إلى القرية مجازا: "وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ" "فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ" "وضَرَبَ الله مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ".

وها هنا نُسِب الظُّلم إلى أهل مكة، لا إليها، مع أنها هي المرادة، ولكنها رُفِّعَتْ عن نسبة الظلم إليها.

نقله الطيبي عن ابن المُنَيِّر السكندري المالكي.
دراسة المذهب الفقهي الواحد دراسةً مُتقنة تحتاج إلى سنوات كثيرة من الجهد والتعب وكثرة التحصيل، بل معرفة كيفية استخراج الأقوال المعتمدة في المسألة الواحدة من المذهب الواحد ليس سهلا إلا لمن له حصلَت له خبرة بالتعامل مع كتب المذهب وطال تقليبه فيها، وليس المقصود بالطبع تصفُّح كتب المتأخرين لمعرفة ما اعتمدوه من أقوال متقدمي المذهب، وإنما معرفة مباني هذا الاعتماد وفلسفة الترجيح والتضعيف وطرق الاختيار والردّ ونحو ذلك هو الأمر العسير بالفعل، ولا يكاد يتوفر إلا لمن بذل حياته في هذه الكتب.

فإذا ضممتَ إلى هذا ضرورة الإحاطة بأصول المذهب، وقواعده، وطبقات رجاله، ومدارسهم، ومناهجهم، والخلاف بين رجال المذهب أنفسهم، تبيَّنتِ الكُلفة الكبيرة على الدارس، وصرَفته عن دعاوى الترجيح بين المذاهب المختلفة بأوائل النظر الساذج والاغترار بظواهر النصوص، وفي ظني أن من أهم أسباب هذه المسالك الرديئة هو عدم الوقوف على طرق تكوُّن هذه المذاهب ومسائلها، والظن بأنها آراء ساذجة غير منقَّحة صدرَت عن تسرُّع ودون تتبُّع لِما يعارضها.
Forwarded From الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
نقل الشهاب الغُنيمي رحمه الله عن بعض شيوخه أن إمام الحرمين كان يقول: " إذا فهمتَ مُرادي، فما عليك من سَوادي".

يعني إذا فهمتَ ما أقصده وأعنيه من الكلام فما ينبغي لك أن تؤاخذني في اللفظ ولا أن تُضايقني في العبارة ما دام أن المعنى واضح لك ومفهوم لديك، وذلك لأن المسامحة في التعبير عن المعاني كثيرا ما تجري في كلام المؤلفين لا سيما مع دقة المباحث وغموض المطالب التي يتعرضون لبيانها، ولا يقال هنا إن المراد لا يدفع الإيراد؛ لأن محل هذا - كما بيّنه المحققون - فيما إذا كان الكلام ظاهرا في غير المراد ولم ينصب المتكلم قرينة على مراده، أو كان الكلام نصا واضحا في غير المراد أصلا، ففي هذين الحالين يصح أن يقال إن المراد لا يدفع الإيراد، فأما إذا لاح مقصود المتكلم للقارئ وعرفه من كلامه نصّا أو من خلال القرائن فلا يصح أن يُورِد عليه الاحتمالات البعيدة المخالفة لقصده، بل هو حينئذ من التعصب المذموم، والله أعلم.
إنَّ كثيرًا من المحسوسات يَعسُر على العبد التعبيرُ عنها، بل يعسُر على الخَلق كلِّهم التعبيرُ عنها وإن كانت محسوسةً لهم موجودةً فيما بينهم، وذلك لو قيل لقائل: ما الفرقُ بين رائحة الزُّبد ورائحةِ المِسك؟! وطُولِبَ بعبارةٍ تُميِّز هذا من ذاك = لعسُر عليه، وهو يدرك الفرق من نفسه قطعًا، ولو قيل له: ما الفرق بين حلاوة السُّكَّر وحلاوةِ العسل لكان كذلك، أو ما الفرق بين حُموضة الليمون وحموضة النارنج لعسُر عليه كذلك.

وإذا عسُرتِ العبارات عن تمييز هذه المحسوسات فعجزُها عن موارد القلوب وما يفتح به الحق سبحانه وتعالى فيها من المحبة، والشوق، والفرح، والأُنس، وغير ذلك من أحزان القلوب = أَولَى وأَولى.

وإنما يشير مَن مَنَّ الله تعالى عليه بها بالإشارات ويُقرِّبها بالأمثال، ولذلك قال " لا تقع عليه عبارة".

شرح اللخمي ت ٦٣٨هـ على الرسالة القُشيرية.
فمالِكٌ على طريقةِ عُمَرْ
والشافعيْ على أبي بكرِ الأبَرّْ
كذا على عثمانَ نجلُ حنبلِ
ثم أبو حنيفةٍ على علِيْ
لكنْ إمامُنا الفروعَ قد حوَى
مع الحديثِ والقياسِ فقَوَى.

العلامة محمد حبيب الله بن ما يأبى الشنقيطي، رحمه الله.
الشيخ العَلّامة الجليل مولود السريري حفظه الله ونفع بعلومه، وأمتع به، تُبَثُّ دروسُه العلمية النافعة من مدرسة " تنكرت " من المغرب الحبيب.

وقد ظللتُ طويلا لا أعرف كيف تُنطَق كلمة " تنكرت " هذه، حتى سألتُ أحد الأفاضل المغاربة، فذكر لي أن هذه كلمة أمازيغية، تُنطَق بفتح التاء الأولى، ثم تسكين بقية الأحرف، فتعجبتُ غاية العجب؛ لأن توالي ساكنينِ في العربية متعذّر ما لم يكن ذلك في الوقف، أو ما لم يكن الأول منهما حرفَ مدٍّ أو لين، فكيفَ بأربع سواكن!

وبعد مفاوضات معه ذكر أنه يجوز فتحُ الكاف أيضا، لتكون الكلمة هكذا :" تَنْكَرْتْ" بفتح التاء، ثم تسكين النون، ثم فتح الكاف، ثم تسكين الراء والتاء، مع رعاية ترقيق الراء، ومعناها كما قال: الاستيقاظ والنهوض.

وذكر لي غيره أنه يجوز البداية بتسكين التاء، وهذا أغرب؛ لأنه لا يمكن مطلقا الابتداء بالساكن إلا بجلبِ همزةِ وصل، أو بنحوٍ من اختلاس حركة خفيفة خَفِيَّة قبل الساكن لا يَلتفِت إليها الناطق جيدا لكثرة تعوُّده، فيظن أنه يبتدئ بالساكن، وما هو كذلك، وعلى كثرة ما سمعتُ من الإخوة الأفاضل المغاربة( الأمازيغ منهم خصوصا ) وما أرسلوه لي من التجربة الصوتية لم أجد واحدا منهم يبتدئ بالساكن على النحو المراد، وإنما يُحْدِثون شيئا من الإخفاء خَفِيًّا جدا قبل الحرف الساكن، فيظنون هذا سكونا، بل يذهبون إلى أبعدَ مِن هذا، فيدّعي بعضهم إمكان النطق بكلمات ساكنة الأحرف جميعا، وهو حديثُ خرافةٍ يا أمّ عمرو.

يقوم الشيخ الجليل حفظه الله بتدريس العلوم الشرعية، والعربية، والعقلية في هذه المدرسة العتيقة، وقد أقرأ فيها عيون كتب الأصول، والنحو والأدب، والفقه المالكي، وعلم المنطق والكلام، فدرّس المستصفى للغزالي، ومرتقى الوصول لابن عاصم، ومراقي السعود، وجمع الجوامع، ومفتاح الوصول للتلمساني، ونيل المُنى نظم الموافقات لابن عاصم، والكامل للمبرد، وشرح الألفية للمكودي، ومختصر خليل، والشمسية، والمواقف، وطوالع البيضاوي، وغير ذلك.

وهو طويل النفَس في الشرح، وله طريقة فريدة في تخريج الطلاب وتربيتهم، وذلك أنهم يمرّنهم على البحث والنظر والتخريج والمناقشة بين يديه، فيجعل الواحد منهم يتناول موضوعا معينا، ويستقصي جوانبه، وهو جالس أمامه، يعترض عليه، والطالب يجيب ويستدل ويُفصّل، وهكذا، على الطريقة الأزهرية القديمة التي كان يتخرَّج بها العلماء قديما وقد حكاها علي باشا مبارك في " الخطط التوفيقية ".

يبدأ الشيخ دروسه بعد صلاة الفجر، ويستمر إلى بعد صلاة العشاء، لا يقطعه عن ذلك إلا أداء الصلوات، واستراحات خفيفة متفرقة على مدار اليوم، وهو مشغول كل الشغل بالعلم، لا شغل له بغيره، ولا اهتمام له على الإطلاق بما يحدث هنا في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يكترث بكثرة الصياح فيها.
فهو في رباط العلم وبين يدي كتب المتقدمين والمتأخرين لا يبغي بها بدلا، ولا يريد عنها حِولا، وهو يعيش حياة زهيدة مُتقشّفة، وقد عُرض عليه التدريس في بعض جامعات المغرب فأبى، وكذلك عُرِضَت عليه بعض المناصب في بعض الأكاديميات العلمية هناك فرفض أيضا.

وقد ظل الشيخ زمانا طويلا يكتفي بشرح الكتب العلمية وتدريسها، ولا يخوض في المسائل الخلافية بين الطوائف الإسلامية، ولا كان هو يحب هذا، وهذا ما جذب إليه كثيرا من أبناء التيار السلفي في المغرب، والتفَّ الكثير منهم حوله، حتى كثرت عليه الأسئلة مؤخرا فاضطر إلى الكشف عما يراه من الحق والصواب في تلك المسائل، مع شدته القديمة والمتكررة على اللامذهبيين والعلمانيين على حدٍّ سواء، وله المقالات والمقاطع الصوتية والمرئية الكثيرة في تقريعهم والتشنيع عليهم.

والشيخ وإن كان يقرر في دروسه مذهب المتكلمين في العقائد فإنه- فيما أعلم - على طريقة أهل التفويض، يرى الاستمساك بالألفاظ القرآنية المُجملَة في حق الذات الإلهية دون كثرة كلام وخوض وتفصيلات، وهو مع ذلك كله شديد الإنكار لِما شاع واشتهر من بِدَع القبور وما يحدث حولها.

وهو أيضا شديد التعظيم والتبجيل والتوقير لابن تيمية وابن القيم، ويراهما من أهل الاتصاف بالتعمُّق في البحث، والغوص في أعماق النصوص ومدلولات الكلام وإعمال النظر فيها باستمرارٍ وطول تفكُّر، وأنهما من مشايخ الإسلام المحققين في العلوم، وأن من طالَع كتب ابن تيمية- خصوصا - أدرك تلك الدرجة العظيمة التي عليها هذا الإمام في شأن الاشتغال والبحث عن أسرار الكلام الديني والشرعي.

بل إن الشيخ يرى أن في السلفيين المعاصرين مَن هم أهل علم وتحقيق ونظر وأنه لا يمكن جَحدُ فضلهم وثمارهم في خدمة الدين إلا من جاحد أو حاقد.

وهذه الأسباب مجتمعةً كانت من أهم ما جعل الطلاب السلفيين يلتفُّون حول الشيخ ويتحلَّقون في دروسه.

وبهذه الاعتبارات جميعا أيضا فليس هو أشعريا بالمعنى الشائع اليوم، ولا هو سلفيا كذلك، فمحاولة اجتذاب الشيخ إلى أحد الفُسطاطين تسرُّع وعدم تقدير جيّد لموقفه الكلي فيما أرى.
ومواقفه العلمية التي يُبديها في مسائل الخلاف لا تعدو أن تكون مجرد اختيار شخصي لا يَبنِيه هو على محاولة الانتصار لفريق على فريق ولا لطائفة على أخرى، ولا يشغله شيء من ذلك.

وكلامه في ذمّ التجسيم وما جاء في كتب بعض الأوائل هو الواجب أصلا على كل مؤمن منزِّه أن يسلكه تجاه هذه المسالك الرديئة، على أني لم أرَه صرَّح باسم عثمان بن سعيد الدارمي، وإن فعَل فلا لوم عليه، فإن ما جاء في هذا الكتاب المنسوب للدارمي شديد القبح، وهو طافح بما يؤول إلى التجسيم الممنوع والمذموم عند المتكلمين، من الحركة والثِقل، والأطيط، والبُعد والقرب الحسي المحدود بالمسافة المعهودة، ومن خبر خلقِ الملائكة من شعر الذراعين والصدر !! والاستلقاء على العرش!! ووضعِ رِجلٍ على أخرى !!! ومسِّ الرُّكبة !!! وأن الله تعالى يزول من مكان إلى مكان !! وأن رأس المنارة أقرب إلى الله من أسفله، وغير ذلك من الأمور الفجّة الشنيعة المُقتضية للتجسيم، تعالى الله عن ذلك.

وعلى التسليم بكونه أورَدها في معرض الإلزام والمعارضة كما يقال فإن هذا لا يُعفيه من سُوئها وشناعتها مع كل تلك القرائن المتكررة المؤدية إلى التجسيم، ولا يمكن الاستمساك هنا بثناء مثل تاج الدين السبكي عليه، لاحتمال أن يكون لم يرَ كتابه هذا ولم يقع تحت يديه، وإلا فإن التاج شديد الإغلاظ على مَن هو دون الدارمي في هذه الأمور وينسبهم إلى التجسيم ولا يبالي.

ولو سلمنا بأن الشيخ مولودًا نبَتْ منه هذه الكلمة في حق الدارمي فإنها لا تكون - بحالٍ - نظيرَ ما صدر من محمد حسن عبد الغفار في حق الإمام الشافعي حتى تُطلب المساواة بين الرجلين في تقويم الخطأ.
فلا محمد عبد الغفار كالشيخ مولود، ولا كلامه ككلامه، ولا بناء مناقشة الشيخ مولود كهذا العتَه الذي صدر منه، ولا الدارمي كالشافعي، ولا الخطأ في أصول الدين كالخطأ في فروع الفقه؛ إذ وقع الإجماع على أن الذمة تبرأ بتقليد أحد الأئمة الأربعة، بل ذكر العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي: أن دعوى غير المجتهد في المذاهب أنه حنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي هي دعوى لا حقيقة لها في الواقع ونفس الأمر، فهي كدعوى أنه نحويّ ولا يعرف قواعد النحو، فلا معنى لكونه حنفيّا أو مالكيّا أو غير ذلك إلا أنه التزم أن تكون عباداته ومعاملاته موافقةً لمذهب ذلك الإمام فقط تقليدا، ولا رأي له في المذهب أصلا.

فإطلاق القول بخطأ هؤلاء الأئمة في آحاد المسائل من غير العارف ولا المتأهل= تهوُّر وعبث، فكيف إذا انضمّ إلى ذلك طول اللسان وقلة الأدب والجهل!

وأما أصول الدين فللناس كلهم الاجتهاد فيها والنظر في أدلتها، وليست النسبة إلى مثل الأشعري والحنبلي والماتريدي تقتضي التقليد المذموم؛ لأن هذه نسبة تعلُّم يستتبعها نظرٌ في الدليل وبحثٌ في الحُجج.

فهو بمنزلة من سأل منجِّمًا عن منزلة الهلال، فأرشَده إليها، ثم بحَث عنه حتى رآه وتحقَّقه، فهو يجزم بعِلم نفسه ولا يعوّل على إخبار المُنجِّم، أما لو ترَك البحث بعد إخبار المُنجِّم مُصدّقًا له في طلوع الهلال لحُسن ظنه لكان بمنزلة المقلّد؛ لأنه لا محالة إنما يُخبِر عن إخبار المُنجِّم بطلوع الهلال لا عن عِلم نفسه، فليس التعليم إلا إعانة للعقل بالإرشاد إلى المقدمات ودفعِ الشكوك والشبهات، وقد شَبَّهوا نظرَ البصيرة بنظرِ الباصرة، وقولَ المُعلِّم بالضوء الحِسّي، فكما لا يتم الإبصار إلا بهما لا تتم المعرفة إلا بالنظر والتعليم، فالمتعلم ليس غافلا بالمرة، بل ناظر متأمل.

وإذا كان الأمر كذلك ثبت أن الكلام فيمن يخطئ في أصول الدين حتى على قول بعض موافقيه ممن اعترفوا بفجاجة ما جاء في الكتاب المنسوب إليه ليس كالكلام على أئمة الاجتهاد المتفق على جلالتهم وإمامتهم، خصوصا مع قول العلامة اللقاني: " مَن تكلَّم في أئمة الدين وهُداةِ المسلمين من الرؤساء المجتهدين = لا يُلتفَت إليه، ولا يُعوَّل في شيء عليه، ومقتُ الله والسقوطُ من عينه مُنجذِبٌ إليه".

نعم لا بد من الأدب في الجملة على أي حال، لا سيما إذا عُرف عنه قصدُ الحق وغلبت فضائله على رذائله، والله أعلم.

وليس لي من تعقيب على العلامة الشيخ مولود في حلقته الأخيرة النافعة سوى في محاولته إلزام القائلين بإثبات حقائق الصفات الإلهية بأنهم لو قالوا بثبوت حقيقة اللفظ لأداهم ذلك إلى التجسيم؛ إذ إن لفظ " اليد" مثلا موضوع في اللغة حقيقةً للجارحة التي يتأتي بها العمل، والتي هي جسم مركب في الذات، فلو قالوا بأنها ثابتة لله عز وجل على هذا المعنى الحقيقي فهذا هو التجسيم.

وفي رأيي أن هذا الإلزام لا يرد عليهم؛ لأن الإلزام مبني على مصادرة، وهو التسليم بين الطرفين بأن للألفاظ وضعا لغويا أوليا يكون للحقائق، ثم وضعا ثانويا يكون للمجازات، فتكون مثلا " اليد" هكذا عند الإطلاق للجارحة المعروفة، وهذا هو المعنى الحقيقي، ثم " يد الأمير على البلدة " مثلا وهذا هو المعنى المجازي، فعندما يقول الخصم بهذا التقسيم يكون الإلزام واقعا عليه، لكنه لا يقول بذلك أصلا؛ فهو ينازع في ثبوت ما يسمى بالوضع، وأن هناك وضعا حقيقيا ووضعا تأويليا، ونحو ذلك من الأقسام التي هي راجعة إلى المعاني.

فليس عنده ما يحدد معاني الألفاظ سوى أن تكون موضوعة في جملة مفيدة، وتكثُّر المعاني في اللفظ الواحد لا يستدعي عنده أن يكون أحد هذه المعاني حقيقةً والباقي مجازا، بل هذا عنده تحكُّم لا دليل عليه، لأنه لا مانع عقلا ولا لغةً أن يدل اللفظ الواحد على عدة معان وتكون كلها حقائق يعيّنها السياق، فأنت تستعمل اليد في سياق وتريد بها الجارحة، وتستعملها في سياق آخر وتريد بها النعمة، وهكذا، وهذه كلها حقائق، أما لفظ" اليد" وحده هكذا مجردا دون إضافته لشيء فلا يدل على شيء ولا يفيد شيئا، والقول بأنه عند الإطلاق يصدُق على الجارحة مبنيٌّ على القول بأوليَّة الوضع على الاستعمال، وهو لا يقول بهذه القسمة.

لهذا قلتُ إن هذا الإلزام فيه مصادرة على المطلوب، وحلُّ الإشكال يكون بإثبات الوضع وتشييد بنائه وإقامة الأدلة عليه، وبمناقشته في إثبات الكلي ذهنا ومنعِه خارجًا، لأنه مع قوله بثبوت المعنى الكلي في الذهن فإنه يقول مع ذلك بأنه لا يستلزم التماثل بعد الإضافة والتخصيص في الخارج.

وعلى كل حال، فقد كانت حلقة الشيخ مولود حفظه الله في غاية الإفادة، ونرجو إن شاء الله أن ينجز الشيخ وعدَه بالكتابة حول الموضوع بما يُجليه بصورة أكثر تفصيلا ووضوحا.