قناة

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
11.3k
عددالاعضاء
233
Links
291
Files
88
Videos
901
Photo
وصف القناة
قال الله تعالى: "والكاظِمينَ الغَيْظَ" ولم يَقُل " والفاقِدين الغيظ ".

وهذا لأنَّ العادة لا تَنتهي إلى أن يُجرَح الإنسانُ فلا يتألَّم، بل تَنتهي إلى أن يَصبِرَ عليه ويَحْتمِل، وكما أنَّ التألُّمَ بالجُرحِ مُقتضَى طبعِ البَدن فالتألُّمُ بأسبابِ الغَضبِ طَبعُ القلب، ولا يُمكِنُ قَلْعُه، ولكنْ ضبطُه وكظْمُه والعملُ بخلافِ مُقتضاه؛ فإنه يَقتضِي التَشَفِّي والانتقامَ والمكافأةَ، وتركُ العمل بمقتضاه ممكنٌ، وقد قال الشاعر :

ولستَ بِمُستبْقٍ أخًا لا تَلمُّهُ ...
على شَعَثٍ، أيُّ الرجالِ المُهَذَّبُ!.

_ حجة الإسلام الغزالي _.
والفَلكُ وجميع ما تحويه أقطار الأرض، وكلُّ ما تُقلُّه أكنافها للإنسان خَوَلٌ ومتاعٌ إلى حين.

إلا أنّ أقرب ما سُخِّر له من روحه وألطفه عند نفسه " الأُنثى "؛ فإنّها خُلقت له ليسكن إليها، وجُعلت بينه وبينها مودّة ورحمة.

ووجب أن تكون كذلك، وأن يكون أحقَّ وأولى بها من سائر ما خُوِّل؛ إذْ كانت مخلوقةً منه، وكانت بعضاً له وجزءاً من أجزائه، وكان بعض الشيء أشكَل ببعض وأقربَ به قُرباً من بعضه ببعضِ غيره.

- رسائل الجاحظ -
" قال فَمَنْ رَّبُّكُما يا موسى "

خاطَب الاثنين ، ووجَّه النداءَ إلى أحدهما وهو موسى ، وهذا يَحتمل وجهين:

الأول: أنَّ ذلك لأن موسى عليه السلام هو الأصل في النبوة، وهارون وزيره وتابعه.

الثاني: يُحتمَل أن فرعون لعنَه الله استَعْمَل خُبثه ومَكره فاستدَعى موسى عليه السلام للكلام والبيان دون أخيه، لِمَا عُرِفَ عن أخيه هارون من الفصاحة والبلاغة دون موسى - إذ كان موسى في لسانه حُبسة، ولهذا قال لربه عز وجل " وأخي هارون هو أفصحُ مني لسانا فأرسله معي رِدءا يُصدّقني "-

ويدلُّ على هذا المعنى قول فرعون نفسه عن موسى : " أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يُبين " .

انتهى بمعناه من الكشاف.
" هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ"


المعنى: ما يَنظُرون إلا أن يأتيهم قهرُ الله وعذابُه في ظُلَلٍ من الغَمَام .

قال الزمخشري رحمه الله: فإن قيل : ولِمَ يأتيهم العذابُ في الغَمام ؟

قلتُ: لأن الغَمام مَظِنّة الرحمة، فإذا نَزَل منه العذابُ كان الأمرُ أفظَع وأَهْوَل؛ لأن الشّرَّ إذا جاء من حيث لا يُحتَسب كان أغَمَّ، كما أن الخير إذا جاء من حيث لا يُحتَسب كان أسَرَّ، فكيف إذا جاء الشّرُّ من حيث يُحتَسب الخير، ولذلك كانت الصاعقة من العذاب المستفظَع؛ لمجيئها من حيث يُتوَقَّع الغيث، ومِن ثَمَّ اشتَدَّ على المُتفكِّرِينَ في كتاب الله قولُه تعالى: " وبَدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون" .
Forwarded From الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
منهجية:

يرى العلّامة العطار رحمه الله أن من يريد التفقُّه في القرآن الكريم والحديث الشريف فعليه أن يُقدِّم على ذلك: تعلُّمَ العلوم العربية من النحو والصرف وعلم المعاني والبيان، ثم علم مصطلح الحديث وأصول الفقه، حتى ينكشف له إعجاز القرآن ومدارك الأئمة المستنبطين للأحكام.

ويرى أنَّ من أراد فهمَ دقائق علم الكلام فهو محتاج لإتقان ثلاثة علوم: المنطق، وآداب البحث، والفلسفة؛ حتى يكون في تقرير الأدلة وردِّ الشبهة على بصيرة من الحق.

ويرى أن من أراد النظر في علم الفقه فلابد من تقديم علم الأصول عليه إن أراد فهمَ دقائقه.

قال: " فمن نظَر في شيء من هذه العلوم الأربعة بدون معرفة وسائلها خبط خَبْطَ عَشواء ".
قال أبو حيان الأندلسي - رحمه الله - وهو يذكر العلوم التي يحتاج إليها المفسِّر : "

معرفة كَونِ اللَّفْظِ أَوِ التَّرْكِيبِ أَحْسَنَ وَأَفْصَح،َ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ ، وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ تَصَانِيفَ كَثِيرَةً ، وَأَجْمَعُهَا مَا جَمَعَهُ شَيْخُنَا الْأَدِيبُ الصَّالِحُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّقِيبُ ، وَذَلِكَ فِي مُجَلَّدَيْنِ قَدَّمَهُمَا أَمَامَ كِتَابِهِ فِي التَّفْسِيرِ ..... " .

وهذه هي مقدمة ابن النقيب التي يقصدها الشيخ ، وقد طبعت خطأ باسم " المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان لابن القيم " .

http://waqfeya.com/book.php?bid=9395
" إنَّهُ لمْ يكنْ نَبِيٌّ قَبلي إِلا كان حَقًّا عليهِ أنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ على ما يَعْلَمُهُ خيرًا لهُمْ، ويُنْذِرَهُمْ ما يَعْلَمُهُ شَرًّا لهُمْ.

وإِنَّ أُمَّتَكُمْ هذه جُعِلَتْ عَافِيَتُها في أولِها، وإِنَّ آخِرَهُمْ يُصِيبُهُمْ بَلاَءٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها، ثُمَّ تَجِيءُ فِتَنٌ يُرَقِّقُ بَعْضُها بَعْضًا، فيقولُ المؤمنُ: هذه مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ، ثُمَّ تَجِيءُ فِتْنَةٌ، فيقولُ المؤمنُ: هذه مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ.

فمَنْ سَرَّهُ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النارِ ويُدْخَلَ الجنةَ فَلْتُدْرِكْهُ مَوْتَتُهُ وهوَ يُؤْمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، ولْيَأْتِ إلى الناسِ الذي يحبُّ أنْ يَأْتُوا إليهِ".


أخرجه الإمام مسلم رحمه الله.
هنا فائدة جليلة، ويعقبها تنبيه مهم واستدراك خفي لمن يتعاطى علم التفسير.

قال الله تعالى: " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ".

قال العلامة الزمخشري رحمه الله:

فإن قلتَ: إن (عُفِيَ) يتعدَّى بــ"عن " لا باللام، تقول: عُفِيَ عنه ، فما وجه قوله: فمن عُفِيَ له ؟

قلتُ: يتعدَّى بــ" عن " إلى الجاني وإلى الذنب، فيقال: عفوتُ عن فلان وعن ذنبه، قال الله تعالى: عَفَا الله عنكَ، وقال: عَفَا الله عنها ، لكن إذا تعدَّى إلى الذنب والجاني معا، قيل: عفوتُ لفلانٍ عمَّا جنَى، كما تقول: غفرتُ له ذنبَه وتجاوزتُ له عنه، وعلى هذا ما في الآية، كأنه قيل: فمن عُفِيَ له عن جنايته... إلخ، فاستغنَى عن ذِكر الجِناية.

- فإن قلت: هلَّا فَسَّرتَ (عُفِيَ) بـ(تُرِكَ) حتى يكون قوله (شيء) في معنى المفعول به؟

قلتُ: لا، لأنَّ عَفَا الشيء بمعنى تَركَه ليس يَثْبُت، وإنما يقال: أَعْفَاه، ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام-: "وأعفُوا اللِّحَى".

- فإن قلتَ: فقد ثبَت قولُهم: عَفَا أثرَه، إذا محاه وأزاله، فهلَّا جعلتَ معناه: فَمَن مُحِيَ له من أخيه شيء؟

قلتُ: هذه عبارة قَلِقَةٌ في مكانها، والعفو في باب الجِنايات عبارةٌ مُتداوَلة مشهورة في الكِتاب والسُّنة واستعمالِ الناس، فلا يُعدَل عنها إلى أخرى قَلِقَةٍ نابيةٍ عن مكانها.

(( وتَرَى كثيرا مِمَّن يَتعاطى هذا العِلمَ يَجترِئُ -إذا أُعضِلَ عليه تخريجُ وجهٍ للمُشكِلِ من كلام الله- على اختراعِ لغةٍ وادِّعاءٍ على العَرب ما لا تَعرِفه، وهذه جُرأةٌ يُستعَاذُ بالله منها)).
" الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ".

- المَثَاني: جمعُ مُثنَّى بمعنى مُرَدَّد مُكَرَّر، وُصِفَ القرآنُ بهذا لِمَا ثُنِّى من قَصصِه وأنبائه، وأحكامه، وأوامره ونواهيه، ووعدِه ووعيدِه، ومواعظه.

وقيل: لأنه يُثَنَّى في التلاوة، فلا يُمَلّ كما جاء في الحديث" لا يَخلَقُ على كثرة الردّ" .

- ويجوز أن يكون " المثاني" جمع مَثْنَى ، على وزن " مَفْعَل "، من التثنية بمعنى التكرير، والإعادة كما كان قوله تعالى: ثم ارجعِ البصر كرّتين، بمعنى كَرَّة بعد كَرَّة، وكذلك: لبّيك وسعديك، وحنانيك.

وعلى كلا المعنيين ينشأ إشكال، وهو كيف صحَّ وصفُ المفرد وهو القرآن بالجمع وهو " مثاني " ؟!

قال العلامة الزمخشري رحمه الله: " فإن قلت: كيف وُصِف الواحد بالجمع؟

قلت: إنما صَحّ ذلك لأن الكتاب جملةٌ ذات تفاصيل، وتفاصيل الشيء هي جُملته لا غير، ألا تراك تقول: القرآن أسباع وأخماس، وسُوَر وآيات ، وكذلك تقول: أقاصيص وأحكام ومواعظ مُكرَّرات، ونظيره قولك: الإنسان عظام وعروق وأعصاب، إلا أنك تركتَ الموصوف إلى الصفة، وأصله: كتابا متشابها فصولا مثاني ....

* ويجوز أن لا يكون مثاني صفة، ويكون منتصبا على التمييز من "متشابها"، كما تقول: رأيت رجلا حَسَنًا شمائل، والمعنى: متشابهة مَثَانِيه ".

ثم قال :

فإن قلت: ما فائدة التثنية والتكرير؟

قلت: النفوس أنفَرُ شيءٍ من حديث الوعظ والنصيحة، فمَا لم يُكرَّر عليها عَودًا عن بَدءٍ لم يَرسُخ فيها ولم يعمَل عملَه، ومن ثَمَّ كانت عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُكَرِّر عليهم ما كان يَعِظ به وينصح ثلاث مرات وسبعًا، ليركُزه في قلوبهم، ويَغْرِسَه في صدورهم".

وقد علّق على هذه الفقرة أستاذُنا الشيخ الدكتور محمد أبو موسى حفظه الله فقال :

"إنَّ دفعَ النفوس إلى الخير وانقيادَها له من الأشياء الصعبة، لذلك كان على الواعظين أن يصبروا على تكرار ما يعظون به، تعهُّدًا لهذه النفوس، وتتبُّعًا لها بالنصيحة، حتى تنقادَ إلى أمر الله ، وهذا هو السر في أن الله جعَل أحسنَ الحديث كتابا متشابها مثاني".
قال الإمام الأذرعي في كتابه" التوسط والفتح":

بلَغني أنَّ الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله، كان يكتب إلى أن يتعب، فيضع القلم يستريح، ويُنشِد:

تشوَّقتُ لَيْلَى حين فارقتُ أرضَها
فقلتُ وعيني عند ذلك تَدمَعُ
لئِنْ كان هذا الدمعُ يجري صبابةً
على غير ليلى، فهو دمعٌ مُضَيَّعُ.