مما ينقص هذه الطبعة أنها اقتصرت على الحاشية من غير الشرح، فيتعب القارئ في تتبّع المواضع التي يعلق عليها المحشّي، ومع ذلك فهي طبعة جيدة وتحقيقها جيد وجميل، وقد طُبعت الحاشية مع الشرح طبعة جديدة عن دار الفتح بالأردن، لعلها تتوفر إن شاء الله في المعرض المقبل:
[ شكاية العطار من الاقتصار على السنوسيات والجمود عليها].
نقَل العلامة الكبير الشيخ حسن العطار رحمه الله عن بعض العلماء أنه عاب على من يقول إن الله تعالى يعلم الأشياء جملة وتفصيلا، وردّه بأن هذا من الجهل وهو يؤدي إلى اجتماع النقيضين، لأن الشيء المُجمل هو الذي لم تُدرك حقيقته، والمفصّل هو الذي عُرفت حقيقته وجزئياته، فالجمع بينهما مثل قولك هذا الشيء مُدرَك ولا مُدرك، وأنشد بعضهم:
والعلم بالشيء على التفصيل
يناقض العلم على التجميل.
وتعجَّب المنقول عنه أن يكون هذا الكلام مما يُقَرّر في الدرس.
قال العطار : " ليت هذا القائل عاش حتى الآن ليرى ما يقوله المدرّسون في دروسهم، بل ما ينقله المؤلفون في عصرنا بما يتعلق بعلم الكلام، فإنهم اتخذوا الصغرى وما كُتب عليها من الحواشي والشروح عمدة وإماما، ولم تطمح نفوسهم إلى ما قرره محققو هذا الفن في كتبهم، حتى إنه لو أُتِي لواحد منهم بنقلٍ ساطع أو ببرهان قاطع لم يعدِل عما استقر في ذهنه مما يخالف الصواب، وقال لا أعدل عما رأيتُه في ذلك الكتاب". انتهى.
وطبعا، السنوسية متن عظيم في العقائد، ومؤلفه من أكابر أهل السنة ومن مشاهير أوليائهم رضي الله عنه، وقد جرَت عادة العلماء على الاشتغال بها وتدريسها، وليس كلام العطار في هذا، ولكن المعيب هو الاقتصار عليها وادعاء أن تحقيق المذهب محصور فيها وفي أمثالها لا يخرج عنها، ومثل هذا يقال في الجمود على غيرها من كتب الفنون الأخرى، كمن يظن مثلا أن ألفية ابن مالك حوَت علم النحو كله فصار يُنكر كل مسألة لا يجدها فيها، أو من يعتقد أن منهاج البيضاوي لا يخرج عنه شيء من مسائل أصول الفقه، وهكذا، فالعلم بحر زخّار ولا أحد يحيط بجميعه.