قناة

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )

الدُّرّ النَّثِير( كُنَّاشة سامي معوض )
11.3k
عددالاعضاء
233
Links
291
Files
88
Videos
901
Photo
وصف القناة
مما ينقص هذه الطبعة أنها اقتصرت على الحاشية من غير الشرح، فيتعب القارئ في تتبّع المواضع التي يعلق عليها المحشّي، ومع ذلك فهي طبعة جيدة وتحقيقها جيد وجميل، وقد طُبعت الحاشية مع الشرح طبعة جديدة عن دار الفتح بالأردن، لعلها تتوفر إن شاء الله في المعرض المقبل:
[ شكاية العطار من الاقتصار على السنوسيات والجمود عليها].

نقَل العلامة الكبير الشيخ حسن العطار رحمه الله عن بعض العلماء أنه عاب على من يقول إن الله تعالى يعلم الأشياء جملة وتفصيلا، وردّه بأن هذا من الجهل وهو يؤدي إلى اجتماع النقيضين، لأن الشيء المُجمل هو الذي لم تُدرك حقيقته، والمفصّل هو الذي عُرفت حقيقته وجزئياته، فالجمع بينهما مثل قولك هذا الشيء مُدرَك ولا مُدرك، وأنشد بعضهم:

والعلم بالشيء على التفصيل
يناقض العلم على التجميل.

وتعجَّب المنقول عنه أن يكون هذا الكلام مما يُقَرّر في الدرس.

قال العطار : " ليت هذا القائل عاش حتى الآن ليرى ما يقوله المدرّسون في دروسهم، بل ما ينقله المؤلفون في عصرنا بما يتعلق بعلم الكلام، فإنهم اتخذوا الصغرى وما كُتب عليها من الحواشي والشروح عمدة وإماما، ولم تطمح نفوسهم إلى ما قرره محققو هذا الفن في كتبهم، حتى إنه لو أُتِي لواحد منهم بنقلٍ ساطع أو ببرهان قاطع لم يعدِل عما استقر في ذهنه مما يخالف الصواب، وقال لا أعدل عما رأيتُه في ذلك الكتاب". انتهى.

وطبعا، السنوسية متن عظيم في العقائد، ومؤلفه من أكابر أهل السنة ومن مشاهير أوليائهم رضي الله عنه، وقد جرَت عادة العلماء على الاشتغال بها وتدريسها، وليس كلام العطار في هذا، ولكن المعيب هو الاقتصار عليها وادعاء أن تحقيق المذهب محصور فيها وفي أمثالها لا يخرج عنها، ومثل هذا يقال في الجمود على غيرها من كتب الفنون الأخرى، كمن يظن مثلا أن ألفية ابن مالك حوَت علم النحو كله فصار يُنكر كل مسألة لا يجدها فيها، أو من يعتقد أن منهاج البيضاوي لا يخرج عنه شيء من مسائل أصول الفقه، وهكذا، فالعلم بحر زخّار ولا أحد يحيط بجميعه.
ليست المُختصَرات عند علمائنا كما هي في تصوُّرِنا هذه الأيام : إيجازًا وضغطًا للكتاب الكبير بحذفِ الأسانيد والمُكرَّر .. ونعم، إنها قد تكون كذلك، لكن مع الرؤية الخاصة للمُختصِر، بإضافته أو نقدِه.
وإليك مثالا واحدا على ذلك: كتاب " الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، اختصَره ابن منظور صاحب " لسان العرب" فيما سمَّاه "مختار الأغاني"، وفي الجزء الثالث من هذا المختار نجد ترجمةً مُوسَّعة جدا لأبي نواس تضمَّنت أخبارا وأشعارا لأبي نواس لا تجدهما في الأصل " الأغاني"، وكذلك صَنع ابن منظور في ترجمة جميل بن مَعْمَر حيث أورد له بعضَ أخبار وأشعار لم تَرِد في الأغاني.

العلامة الطناحي رحمه الله.
هذه النسخة من " شرح المفضّلِيّات " عُمرها أكثر من ألف سنة، إذ هي منسوخة سنة 427هـ، يعني هذه النسخة فقط أقدَم وأعرَق من أوربا كلها ومن حضارة العالَم الغربي مجتمعةً، يعني عندما كان هذا الناسخ ينقل هذا الشرح ويدوّن هذا العلم وتلك المعارف لم تكن لأوربا ولا لثقافتها أي معالم ولا أي ملامح بل ولا أي وجود معتبَر:
لماذا لا تتعارض القطعيات؟

قال الجاربردي في شرح المنهاج الأصولي: إنما لا تتعارض القطعيات لوجوب كون مقدمات الأدلة القطعية بديهية أو منتهية إلى البديهي، ووجوب كون تركيبها بديهي الصحة، فإذا تعارضَت اجتمع النقيضان أو ارتفعا.

قال العطار: ومعنى ذلك أنهما لو تعارضا لم يمكن العمل بأحدهما دون الآخر، لامتناع الترجيح من غير مرجّح، وحينئذ يرتفع النقيضان إن لم يُعمل بشيء منهما، أو يجتمعان إذا عُمل بهما، فتلخَّص أن الترجيح إنما يكون بين الظنّيّين: إما أن يكونا منقولين كنَصّين، أو معقولين كقياسَين، أو منقول ومعقول كنصٍّ وقياس.
كثير من العلماء نُكِبُوا واضطُّهِدوا وأُهِينُوا قُبَيل وفاتهم، وجَرى معهم ما لو جَرى مع الواحد منا بعضُه لَفُتِن وتبدَّل حاله، ونسأل الله العفو والعافية.

ومن أشهر هؤلاء:

- الإمام البخاري رحمه الله، فقد نُفِي من بلده إلى سمرقند، وأقام هناك عند أحد أقربائه، وحدثَتْ له مِحَنٌ وضُيِّقَ عليه، حتى قال :" اللهم إنه قد ضاقَت عليَّ الأرض بما رحُبَت، فاقبِضْني إليك" فما تمَّ الشهر حتى مات.

- ومنهم سيبويه رحمه الله، فقد مات قهرًا وكمَدًا بعد ظُلمِه في المناظرة التي جرَتْ بينه وبين الكسائي بحضرة هارون الرشيد في شأن المسألة الزنبورية.

- ومنهم الشيخ جمال الدين ابن مالك رحمه الله، صاحب الألفيّة، فقد مات أيضا بسبب حُزنه الشديد على ما جَرى له في آخرِ عُمره، فقد ذَكر السخاوي أنه عُورِضَ فيما استقرّ فيه مِن خَطابةٍ ببعض قرى دمشق، من بعض جَهَلتها، وانتُزعتْ منه له، فكاد يموت، لا سيّما وقد حضر بنفسه الجُمعةَ، وسأل هذا الجاهلَ بعد فراغه من الخُطبة والصلاة عن مخرج الألِف، فتحيَّر وظَنّ أنه كلَّمه بالعجمية، ثم عدَّد له حروفَ الهجاء، مبتدئاً بالألِف، وسرَدَها، فصَاحَ العامة الذين تعصَّبوا لهذا الجاهل؛ سروراً لكونه سُئل عن مسألة فأجاب بتسعٍ وعشرين إجابةً، وما وجَدَ الجمالُ ابن مالك ناصراً، بل استكانَ، ومات بعد أيام يسيرة.

- ومنهم الإمام السيوطي، فقد عُزِلَ في آخر عُمره عن منصبه في التدريس بالمدرسة البِيبَرْسِيّة، واعتَزل الناس حتى مات، ويَذكُر الإمام الرائد سيدي الشيخ محمد زكي إبراهيم رحمه الله في سببِ اعتزاله: أنَّه لمَّا انتشرَتِ البِدع والمناكير والمُحرَّمات في صفوف أكثريةِ عوامِّ الصوفية - أراد الإمام السيوطي رحمه الله أن يَرُدَّهم إلى الصواب، فانتهَز الغوغاء منهم خُلُوَّ مسجد الظاهر بيبرس( الذي كان السيوطي شيخا له وكان يُلقِي درسه فيه ) فكَبُّوه على وجهه، وجَرُّوه على أرض المسجد، وهم يضربونه بالقباقب والأحذية حتى ألقَوه خارج المسجد، ثم حَمَله بعضُ الناس إلى داره، فما خرج منها بعد ذلك قط إلا إلى قبره.

وغير هؤلاء كثيرون، ولو نشط أحد النابهين لتأليفِ رسالةٍ تَجمع أسماء هؤلاء العلماء المنكوبين، وتَذكُر سيرتهم وأخبارهم- لكانت رسالة مفيدة، ومثل هذا التأليف مُهِمٌّ من ثلاث جهات :

الأولى : أنَّ فيه تسليةً لأهل الابتلاء، وتصبيرا لهم، حتى إذا عَلِموا بوجود هؤلاء الأكابر الذين ابتلاهم الله تعالى بهذه الأمور- أيقَنوا أن هذه الدنيا قذرة حقيرة، ولو كانت تساوي عند الله شيئا لأعَزَّ فيها هؤلاء العلماء الذين قدَّموا للدين والإسلام ما لم يُقدّمه غيرهم، ورضُوا بقضاء الله وقدره، وعَلِمُوا أنهم ليسوا بأعَزَّ على الله من البخاري وابن مالك ونحوهما، وإنما يُبتلَى الناس على قدر دينهم.

الثانية: في هذه الحكايات تصحيح لمفهوم الخاتمة الحسنة الذي يُخطِئ في تطبيقه كثير من الناس؛ إذ يظنون أن كل عبد صالح من المسلمين لا بد أن يموت ميتة حسنة تدل على مقامه، أو تَحدُث له عند موته كرامةٌ ظاهرة تدل على صلاحه، مع أن هذا غير لازم ولا مُطّرِد، فكثير من العلماء والصالحين يُنكَب ويُختَم له بغير الصالح في عقول الناس، وبعض أهل البطالة والمعاصي يُختَم له بما لا يدل على فجوره وفسوقه، وشأن الخاتمة الحسنة في غاية الخفاء، والعبرة بما ظَهر من حال الإنسان في حياته.

الثالثة: أن الكلمة المَروِيّة عن الإمام أحمد رحمه الله، وهي قوله لمَّا سُئل عن أهل البدع :" بيننا وبينهم يوم الجنائز " لا ينبغي تعميمها في كل عصرٍ وزمن، لأن هذه كلمة قِيلَت في مجتمع صالح في مجمله، كان يرفع قيمة العِلم، ويعرف أقدار العلماء، فليست مطردة في كل زمان ومكان، وإلا فانظُر الآن إلى جنائز المشاهير من الفنانين والممثلين والحُكَّام الظَلَمة وقارِنها بجنائز أهل العلم والصلاح.

ونسأل الله أن يسترَنا ولا يفضحنا، ويُحيِيَنا على طاعته، وأن يتوفَّانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين، ويكفينا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
فائدة عظيمة :
____________

قال ابن الناظم:

"وأُعْرِبَت ( أيّ) دون أخواتها، لأنّ شبهها بالحروف في الافتقار إلى جُملة مُعارَضٌ بلزومِ الإضافة في المعنى، فبقِيَتْ على مقتضَى الأصل في الأسماء".

قال العلامة عِزّ الدين ابن جَماعة: " وفي هذا إشارة إلى تحقيقٍ نفيسٍ لِمَا تلقَّيناه من الأشياخ؛ مِن أنَّ محلَّ قول أئمة الأصول: المانع مُقَدَّم على المقتضِي، إذا لم يتعدَّد المقتضي، وإلا فالمقتضِي مُقدَّم، لسلامته حينئذ من المانع".

ومرادُه بالمقتضِي المتعدّد هنا: الاسمية ولزوم الإضافة، كما قاله العلّامة ياسين.
إيضاحه:
________________

الاسم إذا أشبه الحرف في واحد من أمور ثلاثة وجب بناؤه، وهي: الشبه الوضعي، والشبه المعنوي، والشبه الاستعمالي، وما نحن فيه حقه أن يكون من القسم الثاني وهو الشبه المعنوي، ومعناه: أن يكون الاسم متضمنا معنى من معاني الحروف ، سواء وضع لذلك المعنى حرف أم لا، فإذا نظرنا إلى( أي ) في الشرط والاستفهام، وجدنا أنها في الاستفهام بمعنى همزة الاستفهام، وفي الشرط بمعنى ( إن ) الشرطية، ومع شبهها بهما إلا أن النحويين يقولون إنها معربة لا مبنية، فلماذا صارت كذلك ولم تكن مبنية؟!
الجواب: أن هذا الشبه قد عورض بلزوم الإضافة، والإضافة من خصائص الأسماء، ومقتضى الأصل في الأسماء أن تكون معربة، فإن الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال، فلهذا أعربت.

هذا تقرير كلام ابن الناظم الذي نقلته عنه.

وأما ابن جماعة فمراده أن ما فعله النحويون هنا من إخراج( أي ) من البناء للإعراب لمعارضة الشبه المعنوي بمقتضي الإعراب وهو لزوم الإضافة- إشارة إلى ما ينبغي أن يحمل عليه كلام الأصوليين، فإنهم يقولون إذا تعارض المانع والمقتضي فالمانع مقدم، بمعنى أنه إذا كان للشيء الواحد أمور تستلزم منعه، وكان له أيضا في نفس الوقت أمور تقتضي تسويغه وعمله، فقد تعارضا، والراجح المنع، لأن فيه درء المفسدة، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وما هنا كذلك فإن الشبه المعنوي المانع من الإعراب قد تعارض مع المقتضي للإعراب وهو الإضافة، فعلى قاعدة الأصوليين السابقة ينبغي أن يقدم المانع، فلا تكون ( أي ) معربة، فما الحل ؟
أشار ابن جماعة إلى حل الإشكال، وهو أن محل تقديم المانع على المقتضي إنما يكون حيث لا يتعدد المقتضي، بمعنى حيث لا تكون الأمور المقتضية للعمل متعددة، فإذا تعددت وكثرت عمل بالمقتضي دون المانع، والأمر في ( أي ) كذلك ، فإن المانع واحد، وهو الشبه المعنوي، والمقتضي متعدد، وهو الاسمية التي الأصل فيها الإعراب، ولزوم الإضافة التي هي من خصائص الأسماء.

هذا إيضاح ما في هذا المقام.