الدرس الثاني والعشرون هو الدرس الأخير من شرح شيخنا الشيخ عبد الحميد التركماني على " مغني الطلاب " وبه تمام الكتاب، والحمد لله رب العالمين.
في موطّأ الإمام مالك رحمه الله: أنّ رجلًا خطب إلى رجلٍ أختَه، فذكر [لخاطبها] أنّها قد كانت أحدثت [أي: وقعت في علاقة محرّمة]، فبلغ ذلك عمَر بن الخطّاب رضي الله عنه فضربه، ثم قال: ما لَك وللخبر؟! أي: أيّ غرض لك في إخبار الخاطب بذلك؟!
(1): كان هذ الرّجل قد حسب أنّ إخباره الخاطب بأنّ مخطوبته قد أحدثت= أمرٌ مشروع، وأنّ كتمانه ضرب من الغشّ للخاطب، وكان مخطئًا في حسْبانه ذلك، وإخباره بذلك غير مشروع؛ فلذلك ضربه عمر؛ لأنّه لو فعل أمرًا مشروعًا لما أدّبه على فعله، فالضّرب تأديبٌ ظاهر.
(2): ووجه الفقه في هذا كلّه: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر بستر المسلم فيما زلّ فيه من المعاصي، فقال: من ستر مسلمًا ستره الله في الدّنيا والآخرة، فحصل العلم بأنّ من مقاصد الشّريعة السّتر على المسلمين في المعاصي ما لم يخش ضرٌّ على الأمّة.
(3): ولأنّ في السّتر مصالح كثيرة:
= منها: إبعاد المقترف عن استخفاف النّاس به وكراهيّتهم له.
= ومنها: أنّ في التسميع بالعاصي مظنّة قصْد التشوية به، فيحدث من ذلك سوء نيّة للمشهِّر به.
= ومنها: أنّ إشاعة المعاصي تسهّل أمرها على متجنّبها؛ إذ النّقائص تسهُل بكثرة مرتكبيها، يقول مَن تنزع نفسُه إليها: إنّ له نظائر وأسوة في غيره.
= ومنها: أنّ مَن حصلت له المعصية على وجْه الفلتة إذا ستر أمره= بقي له وقاية مروءته، فلعلّه لا يعاود تلك المعصية، فإذا افتضح زال ذلك الاتّقاء، فقال: أنا الغريق فما خوفي من البلل؟!
= ومنها: أنّ التشهير يحدِث عداوة بين المشهِّر والمشهَّر به، وذلك ينافي مقصد الإسلام من دوام الألفة والمحبّة بين المسلمين.
(4): فلأجل ذلك كلّه وغيره أدّب عمر من شهّر بأخته؛ إذ لا منفعة للخاطب في إعلامه بما أحدثتْه مخطوبتُه، فإنّه ذنبٌ مضى، وليس هو عيْبًا في الخِلقة يجب الإعلام به لتجنّب الغرور بالخاطب: كعيوب الأبدان والأخلاق مِن مرض أو جنون أو حماقة قويّة تمنع حسْن المعاشرة.
(5): على أنّ الإخبار بمثل ذلك يوجِب انكفاف الرّجال عن تزوّج المرأة؛ ولذلك قال له عمَر: ما لك وللخبر؟! أي: ليس لك مع هذا الخبر اتصال واختصاص.
(6): ثمّ إن كان الذي أحدثتْه المرأة لا يعلمه إلا أخوها وخاصّتها= فوجوب كتْمانه عن الخاطب ظاهر، وإن كان قد اشتهر بين النّاس= فوجوب كتمانه عن أهلها وجيه.
(7): فإن كان [الأخ] فعل ذلك خشية أن يطّلع الخاطب بعد التزوّج على حدث زوجته، فليس الذي يحصُل بعد اطّلاعه بأشدّ عاقبة مما أخبره أخوها قبل الزّواج.
[العلّامة الطّاهر ابن عاشور رحمه الله]
أحمد دويدار