ضرورة العقائد والأخلاق والأحكام في حياة الإنسان
لا يخفى أن الإنسان مركّب من جزئين: الروح والبدن، والأول هو الجهة الخاصة به، والثاني هو الجهة المشتركة بينه وبين سائر الحيوانات.
ولأجل تركّبه منهما فإن له ثلاث جوانب:
الأول: متعلّق بتحصيل العقائد الحقة.
الثاني: متعلّق بتحصيل الأخلاق الفاضلة الكريمة الموجبة لكمال الإنسان ورفعته، وإزالة الصفات الرذيلة القبيحة الموجبة لنقص الإنسان ولؤمه وبعده عن الله تعالى، وجعل منشئها من القوى الشهوية والغضبية تحت الاختيار والسيطرة.
ومحلّ الاعتقادات والأخلاق – بقسميها - هو الروح.
الثالث: متعلّق بالأعمال الاختيارية للبدن المرتبطة بالجوارح والأعضاء بأنواعها.
ومن المعلوم أن الروح هي الجزء الأصيل والمدير والمدبّر والحاكم على البدن، والبدن هو المحكوم والمؤتمر والمطيع؛ لأنه هو الوسيلة والآلة للروح لتحقيق الأعمال الاختيارية، والروح في هذه النشأة تعمل بالبدن وبآليته تصل إلى مقاصدها وبمعونته تسعد وتشقى وتترقى وتنحط، فإنه على طبق اعتقاداته وحسب مقتضاها ومقتضى الفضيلة والرذيلة من أخلاقياته تأمر وتنهى، إن كانت خيراً فخير، وإن كانت شراً فشر، فالأوامر الصادرة تكون على حسب مقتضاهما، والمأمور به إما الأعمال الصالحة المصلحة الخيّرة وإما الأعمال الفاسدة المفسدة الشريرة.
[الوظائف المتعلّقة بالمثلث الديني]
والوظائف المتعلّقة بركائز الدين الثلاث – العقائد والأخلاق والأحكام – ثلاث وظائف وهي:
الوظيفة الأولى: العمل بالوظائف الإرشادية من جانب الشرع، ولابد من الرجوع إلى الإرشادات الموجودة في منابع الوحي غير المحرّفة المرشدة إلى حقائق الأمور وواقعيّاتها لإرائتها على ما هي في الكتب السماوية.
الوظيفة الثانية: السير طبق التعاليم المرتبطة بتهذيب النفس وتزكيتها والتي اهتم الشارع بها اهتماماً بالغاً واعتبرها من أسمى مقاصده، حتى إنه لما تحدّث عنها في سورة الشمس قائلاً: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} لم يذكرها إلا بعد أن سبقها بالقسم أحد عشر مرة، واعتبرها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله الجهاد الأكبر، بينما اعتبر الضرب بالسيف والرمي بالسهم والطعن بالرمح في المعارك الضارية هو الجهاد الأصغر؛ وذلك لكون جهاد النفس وتزكيتها أشكل وأصعب من مبارزة العدو ومواجهته؛ فإن مبارزة العدو الخارجي محدودة بأمد معيّن كما أن عدته وعتاده محدودان، بينما مبارزة النفس لا أمد لها، كما أن أسلحتها وقوتها لا نفاد لها، فتكون عملية تهذيبها إحداثاً وإبقاءً أشد وأصعب عمل في حياة الإنسان.
وبتطبيق هذه الوظيفة بحذافيرها يخرج الإنسان من حضيض الحيوانية إلى كمال الإنسانية.
الوظيفة الثالثة: الالتزام بالأحكام التعبدية، من الأحكام التكليفية والوضعية الناشئة من الملاكات في متعلّقها أو في نفسها، المتعلّقة بالأعمال الجوارحية وما يرجع إليها وإن كان متعلّقها غيرها نحو الدم نجس والكافر نجس والماء طاهر وهكذا.
والعمل بمجموع الوظائف المذكورة موجبٌ لوصول الإنسان لكماله المستعد له مع اختلاف مراتب الاستعداد المستلزم لكسب السعادة الدنيوية والأخروية والفرار عن الشقاوتين الدنيوية والأخروية اللذين هما أمران مطلوبان فطرةً لكل إنسان ذي شعور؛ ليصير بهما ذا نفس مطمئنة راضية مرضية.
🖋سماحة آية الله المعظّم السيد حسين الشمس قدس سره
📙مشكاة الأصول ١ / ٢٣ -٢٧ (بتصرف)
#قبسات_الشمس
