ليس العلم بكثرة التعلم
قال إمامنا ومقتدانا أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: (ليس العلم بكثرة التعلّم، وإنما هو نورٌ يقذفه الله في قلب من يريد الله أن يهديه).
وهذه الرواية صريحة للغاية في إثبات نحوٍ آخر من أنحاء العلم لا يحصل بالتعلّم وإن كثُر، وإنما يحصل بالقذف في القلب، وليس هذا فحسب بل [ جعلته الرواية الشريفة ] المصداقَ الحقيقي للعلم؛ كما يشهد بذلك نفي الرواية لعنوان (العلم) عن العلم الاكتسابي الحاصل بالتعلّم.
[ وعلى أيّ حالٍ فالمحتمل في معنى الرواية احتمالان ]:
الاحتمال الأول: أن مجرد التعلّم لا يوجب العلم، بل غاية ما يوجبه هو القطع، والقطعُ قد يكون مطابقاً للواقع، وقد لا يكون بل يكون جهلاً مركباً، فهو حقيقةً ليس بعلم.
الاحتمال الثاني: أنه نفيٌ للعلم لانتفاء آثاره، نظير: (يا أشباه الرجال ولا رجال)، فإن كل شيء لا يترتب عليه أثرُه المطلوب منه يكون بحكم العدم، فالشجرة التي توقفت عن النمو والإثمار يصح أن يُقال عنها: ليست شجرة، والقلم الذي لا يكتب يصح أن يُقال عنه: ليس قلماً، وهكذا.
وبما أن العلم [ الحاصل ] بالتعلّم – وهو العلم الكسبي – لا تترتب عليه آثار العلم الحقيقي كالخشية فإنه يصح نفي عنوان (العلم) عنه، كما يصح حصره بالعلم الإفاضي؛ لأن الآثار تترتب عليه، ولعلّه لأجل هذه النكتة استخدم النص أداة الحصر (إنما) فقال: (إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد الله أن يهديه).
**العلم الإفاضي في أدعية أهل البيت
ويجدر بنا أن نشير إلى أن أدعية أهل البيت عليهم السلام قد ركّزت على مسألة العلم الإفاضي تركيزاً بالغاً في إشارة منها إلى أنه من الأمور الواقعية التي يمكن الحصول عليها والفوز بها عن طريق التفضل الإلهي أو العبادة والطاعة، ولا بأس بالإشارة إلى بعضها:
فمنها: ما ورد في أدعية العشر الأواخر من شهر رمضان عن أيوب بن يقطين عنهم عليهم السلام: (وأن تهب لي يقيناً تباشر به قلبي، وإيماناً يُذهب الشك عني، وترضيني بما قسمت لي).
ومنها: ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في المناجاة الشعبانية: (إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصارُ القلوب حُجبَ النور فتصل إلى معدن العظمة).
ومنها: ما جاء في دعاء أبي حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين عليه السلام: (وأن الراحل إليك قريب المسافة، وأنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك).
وهذا الدعاء صريح جداً في أن الإنسان إذا لم يكن له حجابٌ من قبل نفسه والذي هو عبارة عن الرذائل بشقيها فبإمكانه أن يصل إلى الله تعالى سريعاً؛ لقرب المسافة، ومن وصل إلى الله أفاض عليه - بمقتضى وعده – بمقدار استعداده.
🖋سماحة آية الله المعظّم السيد حسين الشمس الخراساني قدس سره
📗التوحيد بين الفلسفة المادية والمدرسة العرفانية ٢٧٦ - ٢٨٤ (باختصار، وتصرّف بسيط)
#قبسات_الشمس