فلسفة التاريخ النيتشوية (
1):
الجينيالوجيا وآليات تجديد الوعي التاريخي لما بعد الحداثة:
يوضح نيتشه عبر فلسفة القيم مهمة الإنسان الجينيالوجي.
إذا كان السؤال الأفلاطوني يتمثل في: "ما هي الحقيقة؟"..
والسؤال الديكارتي "ما الذي يكون الأساس اليقيني للتفكير والوجود؟" والسؤال الكانطي "كيف يمكن للذات أن تعرف في حدود التجربة الحقيقية معرفة متعالية؟"...
والسؤال الهيجلي "كيف تتجلى الحقيقة المطلقة ويتحقق المطلق في التاريخ؟", فما هي الجينيالوجيا التاريخية، وما هو دورها في التاريخ؟
كل تلك الإشكاليات تصبح غير ذات معنى حينما يظهر السؤال الجينيالوجي الذي يتميز بطريقة نقدية شرسة و لاذعة، إن النقد الجينيالوجي هو خلخلة ونسف، ووسيلة في التفلسف، إذ يستجيب هذا المنهج التاريخي بقوله "نعم"، هذه الـ"نعم" لا يقولها للهوية و"التطابق" بل للصيرورة و "التكاثر " و "التكوثُر " و"الاختلاف" إذ ينبجس نور السؤال النيتشوي/الجينيالوجي من داخل العتمة المُنمطةالدغمائية النسقية، ليبحث عن "من يبحث عن الحقيقة؟"عوض البحث عنها , و"ماذا يريد في نهاية الأمر؟"، فضمن هذا الحيز الجديد الرامي إلى المسك بالحقيقة التاريخية تظل تتردد أصوات مختلفة ومعان متعددة: ضبط جينيالوجيا الفيلسوف، وتحديد تركيبته النفسية، قسوة الاتهام وعنف الشك، السخط على مغالطات الميتافيزيقا والتعرية الجذرية للأمور وفضحها، الوعي بمأساة معرفة الحقيقة التاريخية، وتعيين نمط الإرادة ومعدنها.
ينهال السؤال الجينيالوجي بضربات المطرقة على الميتافيزيقا وعلى الأصنام منذ أن تأسست في نظرتها للوجود والمعرفة، والمنطق، والتاريخ.. فالجينيالوجي لا يتساءل مثلا عن:
ما هو الحق؟
ما هو الخير؟
ما هو العدل؟
إذ هي أسئلة مااورائية لا فائدة من استحضارها
سؤال نيتشه ليس ميتافيزيقا، إنه كما يصفه جيل دولوز "سؤال عمن؟"le qui ? لا سؤال عما هو الصادق أو الطيب؟ بل عمن يضع جمال الأشياء وحقيقتها؟ وعليه ليس على الجينيالوجي أن يكون فيلسوفا: حكيما وعالما، بل عليه أن يكون طبيبا للحضارة، فزيولوجيا ونفسانيا، فنه التشخيص le diagnostic، ومنهجيته: الجينيالوجيا.
إن الجينيالوجي يُمَسرِح الأفكار le généalogiste dramatise les idées، إنه يحرر القوى في حضور أسلوب الحياة، على شكل تفعيل وبالتالي فإن الجينيالوجيا في آن واحد هي المسار التاريخي لنشوء المفاهيم والكشف عن النوازع الأخلاقية والحيوية لهذه المفاهيم، ومن ثمة الشك في مصداقيتها المطلقة للتعارض معها، الدلالات وتشابكها وتصارعها.
إن المعنى هو المكان الذي تفعل فيه الفوارق والمفهوم هو المجال الدلالي الكاشف عن النمو التاريخي, بتبديد التأويل وتأويل تأويلات التأويل.
....(يُتبع ).
#1