إطلالة تاريخية عامة على مراسم إحياء ذكرى عاشوراء في أهم المدن العربية
مقدمة
تعتبر الشعائر الحسينية، ولا سيّما ما يقام منها في يوم عاشوراء والليالي العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، من أهم المظاهر الدينية والاجتماعية التي امتاز بها الشيعة في مختلف العصور، ولا شكّ أن المظاهر الأولى لإقامة المآتم والبكاء على الإمام الحسين (ع) نجدها في سيرة أهل البيت (ع) والشيعة الأوائل، بعد فترة قصيرة من واقعة عاشوراء، وتتمثل بالمآتم التي أقامها سبايا أهل بيت الإمام الحسين (ع) في الكوفة، وعند مرورهم على قتلى عاشوراء، وفي أيام تواجدهم في الشام، وبعد رجوعهم من الشام إلى المدينة المنورة.
وقد أدّى نشوء الدول والإمارات الشيعية في القرن الرابع الهجري، كالدولة الفاطمية في مصر وشمال إفريقيا، والدولة البويهية في إيران والعراق، إلى انتشار التشيّع في المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الدول؛ مما ساهم بدوره في إقامة ونشر الشعائر الدينية للشيعة، وبخاصة مآتم يوم عاشوراء واحتفالات عيد الغدير في كل عام.
وإلى هذا الواقع أشار أبو ريحان البيروني (ت 440هـ) بقوله عن يوم عاشوراء: «وأما الشيعة، فإنهم ينوحون ويبكون أسفاً لقتل سيد الشهداء فيه، ويُظهرون ذلك بمدينة السلام، وأمثالها من المدن والبلاد، ويزورون فيه التربة المسعودة بكربلاء.» ويظهر من هذا النص أنّ إقامة المآتم الحسينية في يوم عاشوراء كانت منتشرة بشكل واسع في بداية القرن الخامس الهجري.
ونظراً لأهمية الشعائر الحسينية عند الشيعة في مختلف العصور، وبهدف دراسة التطوّر التاريخي لإحياء ذكرى عاشوراء، وتسليط الضوء على أهم مظاهر العزاء والنياحة المرافقة لإحياء ذكرى عاشوراء، نحاول أن نستعرض في هذا المقال ما تيسّر جمعه من النصوص التاريخية التي تزوّدنا بالتفاصيل والمعلومات عن إقامة ذكرى عاشوراء في العصور المتقدمة.
وهذا وقد قصرنا البحث على دراسة هذه الظاهرة في خمس مدن عربية وهي: بغداد، والقاهرة، وحلب، ودمشق، والمدينة المنورة. وسبب اختيار هذه المدن هو توفّر المواد التاريخية حول إحياء ذكرى عاشوراء بهذه المدن، فضلاً عن دورها وأهميتها السياسية والثقافية البالغة في العصور المتقدمة.
* مقال منشور في فصلية الإصلاح الحسيني، الصادرة عن العتبة الحسينية المقدسة، العدد 12.
رابط النص الكامل للمقال:
http://ahmad.kateban.com/post/2957https://telegram.me/ganjineh_channel