كبروياً : ينبغي لكلّ ألباب الأحرار وجنان الأبرار ويراع الكرام أن تكون بمثابة معاقل حوارٍ ومنابر أفكارٍ وصحائف إبداعٍ تعين المخيال البشري على الانتقال - في واحدةٍ من وظائفها - من خليط السردية الغامض إلى جوهر الواقعية النابض بالحقائق دون أدنى تحريفٍ وتضليلٍ وغنوصية وضغائن .
صغروياً : ينبغي أن نوقن بأنّ الحسين لم يكن ليهدر النفس والوقت والأموال لأجل صراعٍ دنيوي خاسر الرهان لامحال على ضوء إحصائيات الحال ، ولم يكن ليشغل الأُمّة والتاريخ في مجازفةٍ متهوّرة ومغامرةٍ طائشةٍ مجهولة العواقب والمآل .. بل اتّخذ قراراً مصيرياً اكتنف على أدقّ التفاصيل والجزئيات ، بمعادلةٍ راقية المعايير والحسابات الأنثروبو- سيوسولوجية ... واستشرافاتٍ لاتخلو عن لمسات ميتافيزيقية غير طبيعية . وتُظهِر الدراسات النخبوية المعاصرة حذاقةً فائقةً في رسم خارطة الطريق الزمكانية منذ البدء وإلى الانتهاء..وتكشف البحوث التخصّصية عن استعدادٍ مثير لايغادره الإلهام حتى على صعيد انتقاء الخطب والمفردات والأفراد .. كما لم يغفل الحسين سلطةَ الإعلام حين منحها دوراً محورياً وللمرأة فرصةً ذهبيةً في أدائها وإثبات عالي الثقة بإمكانياتها ، ذلك لمّا أوكل المهمّة التبليغية إلى عقيلة الطالبيين زينب الكبرى ، فأبلت بلاءً حسناً أرغمت بها العدوّ اللدود على الإذعان بعلوّ كعب المرأة عموماً والعالمة غير المعلَّمة والفهِمة غير المفهَّمة خصوصاً ..ولاننسى أبداً مشاطرة زين العابدين لها في إكمال وصقل الدور على أليق تجسيدٍ وأجمل إيصال .
إذن ، ولحمل الصغرى على الكبرى : كان من الطبيعي أن تسجَّل لحسين النهج والذات براءةُ اختراعٍ على صعيد إحياء القيم الإنسانية والمبادىء الأخلاقية باستخدام الميثولوجيا التغييرية عبر الانتقال من الثبوت التنظيري إلى الإثبات الميداني ، فتباركت به نفحات الخلود الأبدي ، وتعطّرت بمقدمه فضاءات الفلاح البشري، وتسابقت إلى إمضائه بيانات العقل الجمعي ،وتنافست على ولوجه دوائر الاستقطاب اللاشعوري .
وإن شاء المناوىء أم أبى ، فالأرض كلّ الأرض باتت حسينيةً تبثّ على مدار الساعة أخبار الحسين مصباح الدجى .