قراءة لرواية خرائط التيه
Sura sami
خرائط التيه
خرائط التيه .. رواية لن تفارق رأسي على الاقل شهرين , و ستطرق ذاكرتي بين الحين و الاخر ما حيت
مشاري, فيصل , سمية , سعود , مكة , سيناء .. اسامي كلما ذكرت أمامي ستذكرني بالتيه و خرائطه , بالواقع الاليم .
هي قصة الطفل مشاري ,الكويتي الذي لم يتجاوز السابعة من عمره يختطف في بيت الله و يقاسي ما لا يمكن لعقله الصغير ان يستوعبه , و بداية رحلته ورحلة عائلته نحو الشقاء . تلك الرحلة التي تفتح أعينهم على عالم آخر , عالم فاق بوحشيته عالم الحيوان ,عالم المتجارة بالبشر والاعضاء البشرية .
" الالم يوجد في التفاصيل, الحب يوجد في التفاصيل. سمع و قرأ ان الرب يوجد في التفاصيل , اليوم فقط فهم المقصود "
الرواية المفيدة هي تلك التي تغير فيك أشياء بعد انتهائك منها , تحيي فيك أشياء و تقتل أشياء اخرى , الرواية التي تجعلك تتأمل و تتفكر و تتسائل . تلك التي تغريك لالتهامها دفعة واحدة , تسرق من عينك النوم وان عجزت عن سرقته فهي تتخلل في نومك وتفاصيل يومك تستحثك للعودة لقراءتها .
الحبكة و اللغة جيدة جداً , و النهاية غير متوقعة , ابدعت في تصوير الاحداث و وجدت نفسي اندمج مع الرواية لدرجة سماع الاصوات والاحساس بالالم , ناهيك عن الدموع و التعاطف الى درجة توجع القلب و تفقد الشهية .
"الزمن ليس حليفاً لك , الزمن هو العدو"
كنت اعد الايام بل والساعات و هذه العبارة تجول في خاطري , وكانت تدفعني للاستمرار بالقراءة لدرجة اني انهيت 260 صفحة بصورة مستمرة
راجعت في الرواية نقاط مهمه , منها :
1- حماقة اصطحاب الاطفال الى الحج او العمرة او زيارة العتبات المقدسه عموماً .
2- التمييز العرقي .
3- المتاجرة بالبشر , و تجارة الاعضاء خصوصا
4- التمسك بالله عند الازمات
5- التكاتف الاسري .
6-التناقض و فهم الدين بصورة خاطئة .
قداسة بيت الله تطرد شياطين الجن لكنها لا تطرد شياطين الانس اصحاب النفوس المريضة , ناهيك عن خطورة تعرض الاطفال للدهس او الاختناق , اما التمييز على اساس الجنسية والبشرة فهي قصة اخرى اعجز عن استيعابها , عالجتها بثينة بصورة مختصرة لكنها تركت اثراً عميقاً في نفسي , و المتاجرة بالبشر و المخدرات و غيرها من الامور التي تنص الحكومات قوانيناًُ صارمة ضد مرتكيبها و هي تحرك بخيوط الحكومات نفسها , و هو ما اشارت له الكاتبة بصورة ضبابية تنقصها الجرأة لكن لا الومها .
"ربما كان هو الشيطان الذي كان يستعيذ منه طوال عمره ."
عتبي على الكاتبة هو ربطها التدين بالجنون , والانحراف الخلقي .
نجد "نظام شجاع" يصلي , بل ويلتزم بالصلاة و لا يضيع صلاة الفجر ثم يتوجه لاغتصاب الصبي بعد الفراغ من صلاته . و سمية التي وجدت الله بعد ضياع و وثقت به و تضرعت اليه ليعيد لها ولدها تدروشت و كأن مس من الجنون اصابها , لو كان الكاتب من ديانة اخرى او اجنبي لإتهمناه بالتهجم على الاسلام , اعلم ان الكثير من اللصوص والمغتصبين و المجانين يتدعون الدين لكن الربط بهذه الطريقة هو تشويه لصورة الاسلام و هذا آخر ما ينقصنا في هذه الفترة ! اعلم ان الكاتبة تحاول نقد التناقض و فهم الدين على اساس كونه صلاة و صيام فقط ونبذ الجانب الاخلاقي متناسين حديثه الشريف : ( الدين المعاملة) لكن طريقة الكاتبة كانت سيئة .
وكما قلت الحبكة جيدة لكن الجزء المتعلق بهروب مشاري وجدت فيه بعض الركاكة , طفل ضعيف شبه مخدر يهرب بهذه السهولة من عصابه متمرسة ؟
عدا هاتين الملاحظتين , فالرواية كانت رائعة.
" و لأول مرة بعد سنوات طويلة جداً, شعرت بأنها تحن الى خيمتها في ليتشور , الى براءتها المكسورة على نحو لا يمكن اصلاحه"
آلمتني مريم جداً , يا ترى كم مريم توجد في بلداننا ؟ مريم التي ربما لا تموت نزيفا ً لكنها تموت من الداخل وتسلك دروب البغاء مجبرة لا مخيرة .
. ناقشت قبل فترة مع عدة اشخاص تمكن المرأة من خوض غمار الكتابة , فكان رأي البعض ان ابداع المرأة يقتصر على الروايات العاطفية - التي تعجب المرأة فقط - و كتب الطبخ. كنت استشهد برضوى عاشور و اشيد بمقدرتها على احتواء معاني و دروس انسانية , و تسجيل التاريخ في رواياتها بعيداً عن الحب و الغرام , و ها انا اليوم امام مثال آخر لكاتبة أخرى ترفع الرأس .قراءتي الثانية لـ بثينة , سأقرأ لها المزيد
" لا تستطيع ان تعطي ابنك اماناً كاذبا لكن اتدري اين المشكلة ؟ المشكلة ان الامان كله كاذب , الامان كذبة "