الجزء الأول
@rwayate
أصعب شي بهالحياة هي مسألة نسبية.. بتختلف من شخص للتاني.. في ناس واقفين بمواجهة زوج أو زوجة سيئين.. و ناس مشكلتهم أهلهم، ولد أو بنت أو أم و أب.. و في ناس مشكلتهم هي نظرة مجتمع بأكمله لوضعهم الإجتماعي، مبني على ثقافة أو عادات و تقاليد بالية أساسها ضعيف و أحيانا مريض.
أنا بالنسبة إلي الصعوبة اللي واجهتها كانت نوعا ما خليط من كل هاد.. شوي من هون و شوي من هناك.. إشي واجهته من لما كنت صغيرة.. و أشياء كثير ظهرت بعدين، لما صار لازم أطلع من المثاليات اللي كانت تحيط فيي و أنا في كنف أهلي، أعضاء نادي الطبقة المخملية.
زي ما بحكوا: الناس إلها بالظاهر.. ما بتعرف بالنوايا و داخليات الناس و شو بصير معهم.. بشوفوا شو قدامهم، و شو بظهروا الناس إلهم.. ساعتها بنقسموا الناس لقسمين: في ناس بتشوف و بتسكت، ما إلها علاقة بالشي اللي ما بخصها.. و ناس ما يتقدر إلا تراقب و تحكم كمان، حتى لو كان رأيها ما بقدم ولا بأخّر.. و أنا مشكلتي الأهم و الأصعب مع النوع الثاني.
يارا.. بنت عادية.. بسيطة.. بنت زيها زي باقي البنات.. كنت طفلة بحب اللعب و بحب ألبس فساتين بتدور و نافشة كثير.. بنت كانت طفلة بيوم من الأيام و كبرت.. و كان أول حب إلها هو وائل كفوري.. و لما حلق عالصفر و راح عالجيش حبت رامي عياش بداله.
طفلة بتركض على أبوها لما يروح من الشغل، و تحكيله شو صار معها بالمدرسة و تفرجيه علامتها الكاملة عشان يعطيها مكافأتها اللي تعودت عليها منه.. طفلة زي معظم الناس كانت تحب خوالها و خالاتها أكثر من أعمامها و عماتها.. و تسرق مكياج أمها و تجرب بحالها بدون ما حدا يعرف، و هكذا.
بمعنى آخر ما كنت أفرق عن أي بنت ثانية سواء عرفوا الناس عنها هاي الأمور، أو احتفظت فيها لنفسها و ما شاركته مع أي مخلوق.. زي ما عملت أنا بالزبط.. لإني ببساطة ما كان عندي حدا أو صديقة مقربة إلي كثير حتى أسرّلها هيك شغلات.. ولا حتى أخت.
يمكن بهداك الوقت كانت هاي أكبر مشاكلي بالحياة.. كنت ألاحظ إنه في بنات معي بالمدرسة إلهم صديقة وحدة مقربة.. و بنات ثانيات كانوا يعتمدوا على إنه إلهم مجموعة من أربع أو خمس صديقات مقربات لبعض، و ما بسمحوا لأي بنت جديدة تخترق دائرتهم.
و بين هدول النوعين؛ أنا كنت ضايعة تماما.. حاولت أتقرب من كثير بنات و ما كنت أفلح بهاي المهمة.. و السبب الأساسي و الأهم كان إني بنت العز.. هاد كان ذنبي اللي ما أذنبته.. مفهوم البنات بالمدرسة على بساطته إني بنت غنية و أهلي من جماعة "الجخ و النفخ" كان يسببلي أزمة غير إعتيادية، كل اللي كنت أشكيله منها كان يعتبر إنه هاي تفاهة مش بمكانها.
"إنت لإنك مش زينا بتفكري هيك".. أكثر جملة سمعتها زمان و كنت أكرهها.. شو يعني مش زينا؟ كنت دايما أتغلب و أبذل جهد كبير بإني ما أظهر أي شكل من أشكال النعمة و الترف اللي فعلا كان بإيدي و ربنا منعم فيه على أهلي، بس حتى أثبت للبنات إني زيهم.
ما بتتخيلوا قديش هاي المهمة صعبة.. و صعبة كثير.. فكرة إنك تكوني شخص ثاني غير حالك مش هداك الشي السهل أبدا على فكرة.. إنك تعيشي حياتك كلها و كإنك بحفلة تنكرية.. بتدّعي إنك شكل مش شكلِك،، و لبس مش لبسِك.. و حكي مش حكيِك.. بس حتى تقنعي غيرك إنه إنتِ زيِك زيها.
ولذلك مش كثير بحب أتذكر يارا أيام المدرسة.. خاصة إني بهاد الأسلوب خسرت الطرفين، لا صار إلي صاحبة ولا عجب أهلي اللي بعمله بحالي.. دايما لحالي و مهتمة بدراستي و بس.. مع العلم كثير كانوا معلماتي يحبوني و يفضلوني على كثير من بنات صفي؛ بس ما كانوا يغنوا عن الشخص اللي كان نفسي يكون قريب مني.. و دورت عليها كثير و ما لقيتها.
بالآخر يأست و بطلت تفرق معي كثير، لإنه الجهد اللي كنت أبذله حتى أقنع غيري بحالي تعّبني كثير و زهقت منه.. يمكن أكون تعودت، بس المهم نفسيتي كثير تحسنت بعد ما صرت طالبة ثانوي و وصلت لهاي القناعة.. هاي القناعة اللي حولت مشكلتي لشي مختلف تماما.
في الثانوي كان لازم أمر بمرحلة مين أنا.. و شو أنا.. بعد ما صرت على طبيعتي اللي برتاح فيها، بدون تصنّع و تمثيل إني شخص ثاني.. كنت ألبس و أسرح شعري بالطريقة اللي بتناسبني و شايفيتها حلوة، بس كان بدي حدا يحكيلي إنه هيك حلو فعلا أو لأ.. أرفع شعري ولا أنزله؟ ألبس جاكيت الجلد ولا الصوف؟ ألف اللفحة على رقبتي ولا أفردها على كتفي؟ و الأهم: أنا حلوة ولا لأ؟؟؟؟
هسه أمي من الناس اللي دايما كانت مشغولة بصالوناتها النسائية و نواديها الثقافية.. و جلساتها الصباحية و المسائية اللي ما بتخلص مع مدام فلانة و طنط علانة.. و الوقت اللي كنت بدور فيه على وجودها معي و على أجوبة عن كثير أسئلة كنت أحتاج إجابتها، كان يضيع هدر.