- فريدريك نيتشه
إن زارا يطلب من هم مثله مبدعون يشاركونه في الحصاد وفي الراحة فلا حاجة له بالقطعان والرعاة وأشلاء الأموات.
وأنت يا رفيقي الأول، ارقد بسلام لقد أحسنت دفنك في فراغ الشجرة ووقيتك افتراس الذئاب.
غير أنني سأفترق عنك لأن الزمان قد مر سريعًا، وقد انبثقت حقيقة جديدة في أفق نفسي ما بين فجرين.
لن أكون راعيًا، ولن أكون حفار قبور، ولسوف لا أقف بعد الآن في الجماعات خطيبًا فقد وجهت آخر خطبي إلى ميت.
أريد أن أنضم إلى المبدعين، إلى أولئك الذين يحصدون ويرتاحون فأريهم قوس قزح والمراتب التي يرقاها الواصلون إلى الإنسانية المتفوقة.
سأهتف بنشيدي للمعتزلين ولمن يشعرون بمثنويَّتهم في انفرادهم.
إنني سأملأ بغبطتي قلب كل من له أذنان تصغيان إلى ما لم تسمعه أذن بعد.
إنني أسير إلى هدفي وأتبع طريقي فأقفز فوق المترددين والمتأخرين، وهكذا سيكون سيري جنوحًا إلى الغروب.
من كتاب [هكذا تكلم زرادشت] للفيلسوف الألماني - فريدريك نيتشه Nietzsche1
لقد وجب عليَّ أن أتوارى أسوة بك، وجب عليَّ أن أرقد على حد تعبير الأناسي الذين أهفو إليهم.
باركني — إذن — أيها الكوكب، فأنت المقلة المطمئنة التي يسعها أن تشهد ما لا يُحد من السعادة دون أن تختلج كمقلة الحاسدين.
بارك الكأس الدهاق تسكب سلسبيلًا مذهبًا ينثر على الآفاق وهجًا من مسراتك.
انظر! إن هذه الكأس تريد أن تندفق ثانية، وزارا يريد أن يعود إنسانًا.
وهكذا بدأ جنوح زارا إلى المغيب.
(مستهل كتاب هكذا تكلم زرادشت للفيلسوف الألماني العظيم:
- فريدريك نيتشه Nietzsche1
اليوم غيره بالأمس.
لقد كنتَ تحمل رمادك في ذلك الحين إلى الجبل، يا زارا، فهل أنت تحمل الآن نارك إلى الوادي؟ أفما تحاذر يا هذا أن ينزل بك عقاب مَن يضرم النار؟
لقد عرفت زارا، هذه عينه الصافية، وليس على شفتيه للاشمئزاز أثر، أفما تراه يتقدم بخطوات الراقصين؟
لقد تبدلت هيئة زارا؛ إذ رجع بنفسه إلى طفولته، لقد استيقظت يا زارا فماذا أنت فاعل قرب النائمين؟
كنت تعيش في العزلة كمن يعوم في بحر والبحر يحمل أثقاله، وأراك الآن تتجه إلى اليابسة، أفتريد الاستغناء عمن حملك لتسحب هامتك على الأرض بنفسك؟
فأجاب زارا: إنني أحب الناس.
فقال الشيخ الحكيم: إنني ما طلبت العزلة واتجهت إلى الغاب إلا لاستغراقي في حبهم، أما الآن فقد حولت حبي إلى الله، وما الإنسان في👇
نظري إلا كائن ناقص، فإذا ما أحببته قتلني حبه.
فأجاب زارا: ومن يصف لك الحب الآن! إنني لا أقصد الناس إلا لأنفحهم بالهدايا.
فقال الحكيم القديس: إياك أن تعطيهم شيئًا، والأجدر بك أن تأخذ منهم ما تساعدهم على حمله، ذلك أجدى لهم على أن تغنم سهمك من هذا الخير، وإذا كان لا بد لك من العطاء فلا تمنح الناس إلا صدقة على أن يتقدموا إليك مستجدين أولًا.
فأجاب زارا: أنا لا أتصدق؛ إذ لم أبلغ من الفقر ما يجيز لي أن أكون من المتصدقين.
فضحك القديس مستهزئًا وقال: حاول جهدك إذن إقناعهم بقبول كنوزك، إنهم يحاذرون المنعزلين عن العالم، ولا يصدقون بأننا نأتيهم بالهبات، إن لخطوات الناسك في الشارع وقعًا مستغربًا في آذان الناس، إنهم ليجفلون على مراقدهم؛ إذ يسمعونها فيتساءلون: إلى أين يزحف هذا اللص؟
لا تقترب من هؤلاء الناس. لا تبارح مقامك
👇
أراكِ تتحركين وتتثاءبين، فأنهضي وتكلمي، إن زرادشت يدعوكِ، إن من يهيب بكِ للنهوض إنما هُوَ الكافر زرادشت
أنا هُوَ زرادشت مؤكد الحياة، مؤكد الألم، مؤكد الدائرة الأبدية، أدعوكِ يا أعمق فكرة بين أفكاري.
يا لأبتهاجي ! إنني لا أزال قادمة فهاأنذا أسمع صوت هاويتي. لقد نفضت نحو النور آخر أغواري.
يا لسروري تقدمي إلي.. هاتي يداكِ.
لا .. لا .. أرجعيها.. يا للكراهة.. ويا لشقائي !.
- فريدريك نيتشه
(العشاءُ السّري)
وتقدم العرَّاف كمن عيل صبره وقبض على يد زارا قائلًا: ولكن … أفما أنت القائل: إن بعض الأمور مقدم على بعض، أفما دعوتني إلى تناول الطعام وهنا من قطعوا شوطًا بعيدًا للوصول إليك، فهل ترى أن تشبعنا كلامًا؟
لقد تحدثتم كثيرًا عن الموت بردًا وغرقًا واختناقًا، ولكن لم يذكر أحد منكم بليَّتي أنا وهي الخوف من الموت جوعًا.
وما سمع النسر والأفعوان هذا الكلام حتى سادهما الرعب فهربا؛ إذ تأكدا أن كل ما جمعاه منذ الصباح حتى المساء لن يكفي لإشباع العراف وحده.
وأردف العراف قائلًا: ولم يذكر أحد منكم الخوف من الموت عطشًا، أما أنا فبالرغم من أنني سمعت تدفق الفصاحة كالنهر فإنني لا أرتوي منها بل أطلب خمرًا؛ لأن الخمر وحده يرتجل الصحة ارتجالًا ويقضي على المرض بالشفاء العاجل.
وبينما كان العراف ذاهبًا في كلامه يطلب خمرًا كان ملك الميسرة يقول: لقد تداركت الخمر فأحضرنا منه حملًا ولكن الخبز ينقصنا.
فضحك زارا وقال: إن المنفردين لا خبز لديهم، ولكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بلحم الخراف أيضًا ولديَّ خروفان، فليُذبحا وليعدَّا ليعطرا فإنني أحب لحم الخروف معطرًا، ولدي أيضًا أعشاب وأثمار تكفي أهل الشراهة، وأهل الذوق وعندي من الجوز وسائر المُغلقات ما يشغلنا كسره وكشف خفاياه.
سنجلس عما قليل لنتناول خير غذاء، ولكن على الجميع أن يمدوا سواعدهم للعمل وليشتغل الملكان كالآخرين؛ لأن زارا وهو ملك يمكنه أن يكون طباخًا أيضًا.
وفرح الجميع بهذا الاقتراح ما عدا المتسول المتطوع الذي كان يأنف من اللحوم والخمور والتوابل، فقال: اسمعوا ما يقول زارا في شراهته! فهل يتسلق الإنسان الجبال ليتنعم بوليمة؟ وإنني لأفهم الآن ما كان يقصد بتعليمه؛ إذ قال: ليكن الفقر مباركًا، وأدرك لماذا يريد إفناء المتسولين.
فقال زارا: كن مرحًا مثلي يا هذا واحتفظ بما تعودته امضغ حبوبك واشرب ماءك وامتدح طبخك إذا كان هذا يورثك الحبور، فما أنا أمثل الشريعة إلَّا لأتباعي ولي، ولستُ شريعة للناس أجمعين، ولكن من أراد أن يتبعني فعليه أن تقسو عظامه وتخف رجلاه، عليه أن يكون فرحًا في الولائم فيطَّرح عنه الهموم ويبقى مستعدًا لاقتحام الصعاب قويًّا صحيحًا.
إن خير ما في الأرض لي ولأتباعي وإذا مُنع عنا أخذناه عنوة واقتدارًا، لنا ألذُّ غذاء وأنقى سماء وأقوى الأفكار وأجمل النساء.
👇
▪أعمق الساعاتِ صمتًا !
ماذا جرى لي يا صحابي؟ لقد سادني الاضطراب؛ فأضعت هداي وأراني مندفعًا بالرغم مني إلى الرحيل والابتعاد عنكم وا أسفاه.
أجل، على زارا أن يعود إلى عزلته، غير أن الدُّب يرجع إلى مغارته كئيبًا حزينًا، ماذا جرى لي ومن تُرى يضطرني إلى الرحيل؟
إنها «هي» مولاتي الغاضبة، لقد كلمتني فأعلنت لي إرادتها، وما كنت ذكرت لكم اسمها حتى اليوم، هي أعمق ساعاتي صمتًا وهي نفسها مولاتي القاهرة، كلمتني أمس.
وسأقص عليكم ما جرى فلا أخفي عنكم شيئًا؛ كيلا يقسو قلبكم عليَّ وأنا أفاجئكم برحيلي عنكم.
أتعلمون ما هي خشية من يستسلم للكرى؟ إنه الذعر يستولي على الإنسان من رأسه إلى أخمص قدميه؛ لأن أحلامه لا تبتدئ ما لم تنسحب الأرض من تحته.
إنني أضرب لكم أمثالًا، فأصغوا إليَّ: أمس عند أعمق الساعات صمتًا خلت الأرض من تحتي وبدأت أحلامي.
وكان العقرب يدبُّ على ساعة حياتي في خفقانها، وما كنت سمعت من قبل مثل هذا السكوت يسود حولي ويروع قلبي.
وسمعتها «هي» تقول لي، ولا صوت لها: إنك تعرف هذا يا زارا.
فصحت مذعورًا عند سماعي هذه النجوى، وتصاعد الدم إلى رأسي.
فعادت هي تقول، ولا صوت لها: أنت تعرف هذا يا زارا، ولكنك لا تعلنه.
فانتفضت وأجبت بلهجة المتحدِّي: أجل إنني أعرف هذا، ولكنني لا أريد أن أعلن ما أعرف.
فقالت «هي» ولا صوت لها: أصحيح أنك لا تريد؟ لا تخفِ نفسك وراء هذا التحدي يا زارا.
فأخذت أبكي وأرتعش كالطفل قائلًا: ويلاه، أريد أن أُصرِّح، ولكن هل ذلك بإمكاني؟ أعفيني من هذه المهمة لأنها تفوق طاقتي.
فقالت، ولا صوت لها: وما أهميتك أنت يا زارا، قل كلمتك وتحطَّم.
فقلت: أهي كلمتي ما يهم، فمن أكون أنا؟ إنني أنتظر من هو أجدر مني بإعلانها، وما أنا أهل لأصطدم بالمنتظر فأنحطم عليه.
فقالت، ولا صوت لها: وما أهميتك أنت ما دمت لم تصل بعد إلى ما أريده من الاتضاع؟ وما أقسى ما يتشح الاتضاع به، وما أصلب جلده!
فقلت: لقد تحمَّل جَلَدُ اتضاعي كثيرًا، فأنا ساكن عند قاعدة ارتفاعي، ولم يدلني أحد بعد على ذراه العاليات، ولكنني تمكنت من سبر أغواري ومعرفتها.
فقالت، ولا صوت لها: أي زارا، أنت المعدُّ لنقل الجبال من مكان إلى مكان، أفما بوسعك أن تنقل أغوارك ومهاويك أيضًا؟
⬇️
فقلت: لم تنقل كلمتي الجبال بعد، فإن ما قلته لم يبلغ حتى آذان الناس، لقد أتيت إلى العالم غير أنني لم أتصل به بعد.
فقالت، ولا صوت لها: وما يدريك …؟ إن الندى يتساقط على العشب في أشد أوقات الليل سكوتًا.
فأجبت: لقد هزأ الناس بي عندما اكتشفت طريقي ومشيت عليها، والحق أن رجليَّ كانتا ترتجفان إذ ذاك، فقال لي الناس: لقد ضللت سبيلك يا زارا، بل أصبحت لا تعرف أن تنقل خطاك.
فقالت، ولا صوت لها: وأية أهمية لسخريتهم؟ لقد تخلَّصت من الطاعة يا زارا، فوجب عليك أن تأمر الآن، أفلا تعلم أن من يحتاج الجميع إليه بأكثر من احتياجهم إلى أي شيء إنما هو من يقضي في عظائم الأمور؟
إن القيام بالكبائر صعب، وأصعب من هذا أن يأمر الإنسان بها. إن ذنبك الذي لا يغتفر هو أنك ذو سلطان ولا تريد أن تتحكَّم.
قلت: ليس لي صوت الأسد لأُصدِر أوامري.
فقالت — كأنها تهمس همسًا: لا يثير العاصفة إلا الكلمات التي لا صوت لها. إن من يدير العالم إنما هي الأفكار التي تنتشر كأنها محمولة على أجنحة الحمام. عليك أن تسير يا زارا كأنك شبح لما سيكون يومًا في آتي الزمان، هكذا تندفع في سبيلك إلى الأمام وأنت تتولى الحكم.
فقلت: إن الخجل يتولاني.
فعادت تقول، ولا صوت لها: عليك أن تعود طفلًا فيذهب خجلك عنك. إن غرور الشباب لمَّا يزل مستوليًا عليك؛ لأنك بلغت الشباب متأخرًا، ولكن على من يريد الرجوع إلى طفولته أن يتغلب على شبيبته.
واستغرقت في تفكيري وأنا أرتجف، ثم عدت إلى تكرار كلمتي الأولى قائلًا: لا أريد، وعندئذ ارتفع حولي صوت قهقهة مزقت قلبي وصدَّعت أحشائي.
وقالت «هي» للمرة الأخيرة: أي زارا، إن أثمارك ناضجة، غير أنك لم تنضج أنت لأثمارك، فعليك إذن أن تعود إلى العزلة لتزيد في قساوتك لينًا.
وعاد الضحك يتعالى، فشعرت أنها انصرفت عني «هي» وعاد الصمت يسود بأعمق مما كان حولي، أما أنا فبقيت منطرحًا على الأرض سابحًا في عرقي.
والآن، وقد أعلنت لكم كل شيء أيها الصحاب، فهأنذا أعود إلى عزلتي وما أخفيت عنكم شيئًا. أرحل عنكم بعد أن علمتكم أن تعرفوا من هو أشد الناس تكتمًا، ومن يريد أن يكون كتومًا.
وا أسفاه، أيها الصحاب، إن لديَّ ما أقوله لكم أيضًا، ولديَّ ما أبذله، فلماذا لا أبذله الآن؟ ألعلني أصبحت شحيحًا؟
وما نطق زارا بهذا حتى أرهقه سلطان حزنه لاضطراره إلى الرحيل، فبكي منتحبًا وما تمكن أحد من تعزيته، ومع هذا ما أرخى الليل سدوله حتى ذهب زارا وحده تحت جنح الظلام متخليًا عن صحبه.
هكذا تكلم زرادشت..
▪ من كتاب: هكذا تكلم زرادشت
▪المؤلف: فريدريك نيتشه
▪أعمق الساعات صمتًا
@newphilosopher
@newphilosopher
وفي صبيحة اليوم التالي نهض #زارا من مرقده فشد حقويه بنطاق وخرج من غاره ملتهبا قويا كالغزالة التي كانت حينذاك تذر قرنها من وراء الغمام .
وانتصب زارا يناجي الشمس كما ناجاها من قبل قائلا :
" لو لم يكن لك من تنيرين أكانت لك غبطة ايتها المقلة المتوهجة بانوار السعادة ".
افما يعز عليك ايها الكوكب العظيم ان يبقى من تنير في مكانهم وانت طالع لتهب الانوار وتنشرها على العالمين .
لقد نهضت أنا أما هؤلاء الرجال الراقون فلا يزالون مستغرقين في نومهم أفيكون هؤلاء الرجال رفاقي الصادقين ؟ لا ليسوا هم من انتظر بين هذه الجبال .
أريد أن أبدأ عملي من اول نهاري وهم يجهلون نذير صباحي وصوت اقدامي لاينذرهم بالشروق .
#هكذا_تكلم_زرادشت
▪ فريدريك نيتشه
@Nietzsche1
أنتِ وطني، أيتها العزلة، لقد طال اغترابي في بلاد المتوحشين فها أنذا أعود إليك أيها الوطن وعيناي تذرفان الدموع.
ارفعي شاهدك وهدديني، أيتها العزلة، تهديد الأُم، وانظري إليّ مبتسمة بابتسامتها، وسليني عن حال من هرب منك إلى بعيد كأنه العاصفة الجامحة، من أفلت منك وهو يصيح: لقد طال انفرادي فنسيت الصمت، سليني هل تعلمت الصمت الآن وقولي لي: أي زارا، لم تخف عنِّي منك خافيةٌ فقد كنت تشعر أنك وحيد بين الجميع؛ فيسودك من الوحشة ما لم تعرفه وأنت في أحضاني !
- فريدريك نيتشه || هكذا تكلم زرادشت
@Nietzsche1
▪ النذير
وفي صبيحة اليوم التالي نهض زارا من مرقده فشدَّ حَقْويه بنطاق، وخرج من غاره ملتهبًا قويًّا كالغزالة التي كانت حينذاك تذر قرنها من وراء الغمام.
وانتصب زارا يناجي الشمس كما ناجاها من قبل قائلًا: «لو لم يكن لك من تنيرين، أكانت لك غبطة أيتها المقلة المتوهجة بأنوار السعادة.»
فما يعز عليك أيها الكوكب العظيم أن يبقى من تنير في مكامنهم وأنت طالع لتهب الأنوار وتنشرها على العالمين.
لقد نهضت أنا أما هؤلاء الرجال الراقون فلا يزالون مستغرقين في نومهم، أفيكون هؤلاء الرجال رفاقي الصادقين؟ لا ليسوا هم من أنتظر بين هذه الجبال.
أريد أن أبدأ عملي من أول نهاري وهم يجهلون نذير صباحي وصوت أقدامي لا ينذرهم بالشروق.
إنهم راقدون في غاري ولم تزل أحلامهم ترتوي من نشيدي في نصف الليل، فليست آذانهم بالآذان المرهفة لسماع أقوالي.
وكان زارا ذاهبًا في نجواه والشمس تصعد في الأفق فإذا به يسمع صرخة نسره على الذرى فقال: لقد انتبه معي نسري وأفعواني للتسبيح أمام الشمس في شروقها، فالنسر يقبض بمخلبه على النور الجديد، إنني أحب الحيوان الصادق ولكن أين رجالي الصادقون؟!
وفي ذلك الحين أحس زارا كأن زرافات من الطيور تدور به، واشتد حفيف الأجنحة حول رأسه حتى اضطر إلى إغماض عينيه، فإذا به يشعر بوقع سهام عليه كأنها مفوقة من قوس عدو جديد، وما كانت تلك الوخزات إلا مداعبة طغمات الحب للحبيب الجديد.
فقال زارا في نفسه وقد استولت الحيرة عليه: ما ألمَّ بي يا ترى؟
وقعد باحتراس على الحجر الكبير أمام باب غاره، وبدأ يلوِّح بيديه ليرد عنه الطيور المتدافعة بحنانها إليه، ولكنه شعر بأن راحتيه تغوران في لبدةٍ وسمع من ملمس يديه زئير أسد، زئيرًا ملؤه اللطف والحنان.
فصاح زارا: لقد جاء الإنذار.
وأحس بقوة تبدِّل من قلبه، ففتح عينيه فإذا بوحش ضخم أصفر اللون ممدد عند قدميه، وقد أسند رأسه على ركبتيه كأنه كلب وجد صاحبه القديم فلازمه لا يريد عنه انفكاكًا.
وكانت أسراب الحمام لا تزال تتطاير حول زارا، وإذا أصاب جناح أحدها أنفَ الأسد كان الأسد يهز رأسه مندهشًا ويستغرق في ضحكه.
عند هذا المشهد لم يقل زارا غير كلمة واحدة: «لقد اقترب أبنائي.» وصمت صمتًا عميقا، غير أنه أحس بسقوط حمل ثقيل عن قلبه فانهمرت دموعه غزيرة تبلُّ راحتيه، وذهل عن كل ما حوله لا يبدي حراكًا فجاءت طيور الحمام تقع على كتفيه وتداعب شعره الأبيض ولا تني تغدق عليه عطفها وحنانها، وكان الأسد مستمرًا في إرسال لسانه على راحتي زارا مجففًا ما عليهما من دموعه وهو يزأر متمهلًا خاشعًا.
وطال هذا الموقف ولعله لم يطل فليس لمثله على الأرض من زمان.
وكان الرجال الراقدون نهضوا من رقادهم في هذه الأثناء وتهيَّئوا للخروج إلى زارا ليقدموا له تحية الصباح، ولكنهم ما أطلوا من باب الغار حتى وثب الأسد وهجم عليهم، وهو يزمجر فصرخوا جميعًا والذعر يملأ روعهم وتراجعوا ثم اختفوا عن العيان.
ونهض زارا عن معقده وقد استولى عليه الذهول فأدار لحاظه في كل جهة وهو يتساءل عما جرى له وعما رأى وسمع، ثم ثاب إليه رشده فانجلت أمامه حوادث يومه فقال وهو يمر أنامله على لحيته: في صبيحة الأمس كنت جالسًا على هذا الحجر فتقدم العراف إليَّ، وسمعت لأول مرة صراخ الاستنجاد فيا أيها الرجال الراقون، إن ما أنبأني العراف به أمس إنما كان فشلكم لا غير وقد أراد أن يقودني نحوكم لتجربتي فقال لي: أي زارا، لقد أتيت لأوقعك في آخر أخطائك.
وقهقه زارا ضاحكًا غاضبًا من كلمة «آخر أخطائك» وتساءل عما تحتفظ هذه الخطيئة له!
وعاد فاستوى على الحجر الكبير واستغرق في تفكيره، ثم نهض بغتة وهو يهتف: «هي الرحمة! الرحمة للرجال الراقين!»
وظهرت قساوة الفولاذ على سيمائه فقال: «لقد كان للرحمة زمانها.»
أية أهمية لشهواتي ورحمتي، ما أنا طالب سعادة، إن ما أسعى إليه هو المهمة التي وضعتها نصب إرادتي.
والآن وقد جاء الأسد، فقد اقترب زمان أبنائي، أما أنا فقد بلغت النضوج ودنت ساعتي!
هذا هو الشفق يلوح على صبيحتي وقد طلع نهاري، فأشرقي بأنوارك أيتها الظهيرة العظمى.
هكذا تكلم زارا وهو يبارح مغارته مليئًا بالعزم والقوة كشمس الصباح المنبثقة من وراء الغيوم
▪ فريدريك نيتشه
▪ هكذا تكلم زرادشت
@Nietzsche1
الساحر
وما دار زارا بالصخر على منعطف طريقه حتى لاح له رجل يأتي بحركات غريبة، ثم يدور كالمجانين وينطرح زاحفًا على الأرض، فوقف وقال في نفسه: لعل هذا هو الإنسان الراقي الصارخ المدد، ولعلني أوفَّق إلى نجدته، وإذ وصل إليه رآه شيخًا ارتجفت أعضاؤه وجحظت عيناه، فهرع إليه محاولًا رفعه عن الأرض ولكنه حاول عبثًا، فبقي هذا الشيخ كأنه في غيبوبة لا يحس بوجود أحد قربه، واستمر يتلفت إلى ما حوله ويبدي إشارت اليائس المتروك، وبعد أن تململ وانطوى على نفسه بدأ يرسل أنينه وشكواه قائلًا: من يدفئني؟ من يحبني بعد؟!
إليَّ بالأيادي الحارَّة، إليَّ بالقلوب المتقدة.
أنا المحتضر المحتاج إلى أكفٍّ تفرك رجليَّ الباردتين.
أنا المنتفض تتأكلني الحمَّى الخفية، المرتعش تهب عليَّ الرياح اللوافح.
أنا طريدك أيها الفكر الذي لا اسم له، أيها المحجب المخوف الملفَّع بالغمام عينًا تحدجني في طيات الظلام.
ها أنذا طريحٌ أتلوى بعذاب الأبد تحت ضرباتك، أيها الصياد العاتي، أنت أيها الإله المجهول …
•••
انزل عليَّ بأشد ضرباتك، اضرب أيضًا، اخرق هذا القلب وقطع نياطه تقطيعًا.
ما لك تطيل تعذيبي فلا ترشقني إلا بسهام فُلَّت حرابها.
علامَ تطيل النظر، وفي عينيك الساخرة بريق الألوهية أفما مللت عذاب بني الإنسان؟
أنت تمتنع عن القتل ولا تقصد إلا التعذيب، لماذا تعذبني أيها الإله الساخر المجهول؟
•••
آهٍ، أراك تقترب مني زاحفًا في الليل.
ماذا تريد؟ تكلم.
أراك تزحمني وتدفعني، ها أنت تلاصقني.
إنك تتنصت إلى حشرجة أنفاسي وخفقان قلبي.
فيا لك من حسود! وعلامَ تحسدني؟
اذهب عني … اذهب عني …
ما هذه السلم تحملها إليَّ؟ أتريد أن تعلو عليها لتلج قلبي؟
أتريد أن تنفذ إلى أغوار أفكاري؟
ارجع أيها المتطاول المجهول … أيها السارق.
•••
ما الذي تريد اختطافه؟ وما الذي تطلب سماعه؟
ما الذي تريد اختلاسه، أنت أيها المعذِّب؟
أنت أيها الإله الجلَّاد؟
أتريد أن أترامى كالكلب على قدميك؟
أتريد أن أتقدم ثاملًا لا أعي زاحفًا أحمل إليك غرامي؟
•••
إنك تضرب عبثًا، فاضرب يا أقسى العُتاة!
أنا لست كلبًا! أنا لست فريسة لك، أيها الصياد!
أنا لست أسيرك، أيها اللص الملفع بالغمام.
تكلم أيها المتواري وراء السحب، تكلم أيها المجهول!
قل، ما الذي تطلبه مني، أيها الكامن لعابري السبيل؟
•••
أتطلب فدية؟ يا للغرابة!
وما هي الفدية التي تقتضيها؟
إن عزة نفسي تشير عليك بأن تطلب كثيرًا.
غير أن عزتي الثانية تشير عليك بالإيجاز فيما تقول.
آه! إن ما تطلبه هو أنا بكليتي!
•••
يا لجنونك! إنك ترهقني بتعذيبك، إنك تعذب عزتي.
أعطني المحبة … من يدفئني … من يحبني بعد؟
إليَّ بالأيادي الحارة … إليَّ بالقلوب المتقدة.
أعطني … أنا المنفرد المتشوق في الصقيع حتى إلى أعدائه.
أطلب إليك أن تستسلم لي، وأنت أقسى من يعاديني.
ولكنه توارى! توارى رفيقي الوحيد، أكبر أعدائي، الكائن المجهول، الإله الجلاد …
•••
لا … لا تذهب، ارجع … عُد إليَّ بتعذيبك.
عد إلى آخر المنفردين فإن دموعي كلها تنهمر شوقًا إليك، وآخر أشعة من فؤادي تترامى نحوك.
آواه. عد إليَّ يا إلهي المجهول، يا ألمي يا منتهى سعادتي!
1
وبلغت الثورة في زارا حدها؛ فرفع عصاه وأخذ يقرع بها الرجل الذاهب بنواحه وشكواه، قائلًا له بضحكة ملؤها الغضب: توقف أيها المشعوذ، أيها المزيَّف، أيها الكذاب، لقد عرفت من أنت.
سألهب ساقيك فأنا أعرف كيف أعامل أمثالك، فانتصب الشيخ وصاح: توقف عن ضربي يا زارا، فإن ما شهدته مني لم يكن إلا مزاحًا ولعبًا، وما اللعب إلا فنٌ من فنوني. لقد أردت أن أعرضك للتجربة، والحق أنك نفذت إلى أعماق سريرتي، فأبنت لي أيضًا ما تنطوي أنت عليه، إنك لحكيم قاسٍ يا زارا، وعصاك ذات العقد تضطرني إلى أن أقول لك إنك تجلد الناس بحقائقك جلدًا.
فقال زارا — وهو لا يزال على حنقه: لا تداهن يا مشعوذ الأرواح، ما أنت إلا مظهر لا ينمُّ على حقيقته فليس لك أن تذكر الحقائق بفمك.
بأي دور كنت تقوم أمامي يا طاووس الطواويس، أيها البحر الزاخر بالأباطيل، أيها الساحر المشئوم، أظننت أنني كنت مصدقًا أنينك وشكاياتك؟
فقال الشيخ: كنت أمثل دور كفارة العقل، أفما أنت المخترع لهذا التعبير؟ فتكلمت بلسان الشاعر الساحر الذي ينقلب عليه عقله بعد تبدله لإدراكه فساد عمله وفساد ضميره.
أفما خُدعت بتمثيلي يا زارا؟ وهل تكشَّف لك خداعي قبل أن آمنت بشقائي وألقيت راحتيك على رأسي؟ وقد سمعتك تقول آسفًا: «لم يُمتع من الحب إلا بالنذر اليسير.» فرقص شرِّي حبورًا في داخلي.
فقال زارا: لا ريب في أنك خدعتَ من قبلي مَن هم أقوى فراسة مني، وما أنا من يتحوط لنفسه تجاه المخادعين؛ لأن من واجبي ألا أحاذر أحدًا، هكذا قُضي عليَّ.
أما أنت فقد قُضي عليك بأن تخدع الناس، فما يخفى أمرك عليَّ فأنا أعرفك وأعرف أن لكل كلمة من كلماتك معنيين بل ثلاثة وأربعة معانٍ، حتى إن ما اعترفت به الآن ليس فيه الصدق كله ولا الكذب كله.
وهل بوسعك أن تكون على غير ما أنت عليه أيها الشرير الكاذب أيها المزيف، وأنت إذا ما وقفت عاريًا أمام طبيبك يومًا، فإنك لتجعل داءَك نفسه يتنكر عليه، هكذا موَّهتَ أمامي كذبك نفسه ونكَّرته عندما قلت لي: إن ما شهدته مني لم يكن إلا مزاحًا ولعبًا، فقد ضمَّنت كذبك شيئًا من الحقيقة وأنت شبيه من بعض الوجوه بالمكفِّر عن ذنوب العقل.
لقد تكشفت لي سريرتك، فأنا أراك بلغت من السحر ما تستهوي به الناس، ولكنك لا تجد من الكذب والرياء ما تستهوي به نفسك، لقد انكسر خيالك وعثرت آمالك؛ لأنك لم تجنِ غير الكره حقيقةً لا حقيقةَ لك سواها، فأصبحت ولا كلمة صادقة عندك، فكل شيء مزيف فيك إلا شفتاك أو بالأحرى ما التصق بهما من كره أو اشمئزاز.
وصاح الساحر بصوت جلجلت الكبرياء فيه: من أنت يا هذا ليحق لك أن توجه إليَّ مثل هذا الخطاب، وأنا أعظم الأحياء في هذا الزمان؟
ونزل الساحر على زارا بنظرة التمعت بأشعتها الخضراء، ولكنه وجم بغتة وأردف قائلًا بصوت حزين: آي زارا … لقد تعبتُ من كل هذا … لقد كرهت جميع فنوني فما أنا بالعظيم وما يجدي التظاهر شيئًا، ولكنني طلبت العظمة كما تعلم، أردت أن أمثل دور الرجل العظيم؛ فتمكنت من اكتساب ثقة الكثيرين ولكن أكاذيبي تجاوزت طاقتي ووقفت دوني حائلًا اصطدمت به فانحطمت.
أي زارا … إن كل ما فيَّ أكاذيب بأكاذيب … ولا حقيقة عندي سوى انحطامي.
فأجاب زارا وهو ينكث الأرض بنظراته: لقد كان طلبك للعظمة مشرِّفًا لك وقد خانك مقصدك فما أنت بالعظيم.
إن ما أكرِّم فيك وما أراه خير صفة لديك هو تعبك من نفسك وهتفتك: «إنني لست عظيمًا.» لذلك أكرمك كمكفِّرٍ عن العقل، وهب أن تكفيرك هذا لم يدم إلا لحظة واحدة فإنك كنت في هذه اللحظة صادقًا.
ولكن قل لي ما أتيت تطلب هنا في غاباتي وبين صخوري، وإذا كنت انطرحت على طريقي لتلقاني فأي برهان قصدت نواله مني؟ بأية وسيلة أردت أن تنصب شَرَك تجربتك لي؟
هكذا تكلم زارا وعيناه تقدحان شررًا، فوجم الساحر الشيخ، ثم قال: وهل حاولت تجربتك؟ ما كنت إلا مفتِّشًا، وما أفتش عليه هو الإنسان الصادق المستقيم الإنسان الذي لا يُظهر إلا ما يضمر، إن ما أطلبه هو إناء الحكمة الصادقة هو الرجل العظيم.
2
أفما تعلم يا زارا أنني أطلب زارا.
وساد السكوت على المتخاطبين، وأغمض زارا عينيه مستغرقًا بالتفكير، ثم قبض على يد الساحر وقال له بكل تأدب: هنالك على المرتفع الطريق المؤدي إلى مغارتي، وفي هذه المغارة ستجد من تطلب، فإذا ما بلغتها سلْ نسري وأفعواني ليساعداك بالتفتيش في طولها وعرضها.
لا أكتمك إنني ما رأيت الرجل العظيم حتى الآن؛ لأن العيون لا تزال في خشونتها قاصرة عن تفحص أية عظمة، فإننا في عهد سيادة الشعوب.
ولكَم رأيت من متعاظم يتمطَّى وينتفخ، والشعب يصيح حوله هذا هو الرجل العظيم، ولكن ما يفيد منفخ الحداد تمدده إذا كان الهواء لا يلبث فيه.
هكذا يخرج الهواء أيضًا من الضفدع حين ينتفخ لينشق، وليس من لعبة أشد تسلية من غرز مِنصل في جلد منتفخ فاسمعوا هذا يا أبنائي: إن يومنا هذا يوم الشعوب فمن له أن يميز بين الكبير والصغير فيها، ومن له أن يطلب العظمة فيظفر بها غير المجانين، وهل من ظافر غير من فقد رشده.
أراك تفتش على الرجل العظيم أيها المجنون الغريب، فمن ترى أوعز إليك بهذا؟
أفي مثل هذا الزمان يوجد العظيم، أيها المراوغ؟
لماذا تحاول نصب شراكك أمامي؟
3
▪ الساحر، الكتاب الرابع: هكذا تكلم زرادشت، تأليف: فريدريك نيتشه
@Nietzsche1
الفداء
وسار زارا يومًا على الجسر فأحاط به رهط من أهل العاهات والمتسولين، وتقدم إليه أحدب يقول له: التفت إلى الشعب يا زارا، فهو أيضًا يستفيد من تعاليمك وقد بدأ يؤمن بسنَّتك، ولكن الشعب بحاجة إلى أمر واحد ليتوطد إيمانه بك: عليك يا زارا أن تتوصل إلى إقناعنا نحن أهل العاهات، وأمامك الآن نخبة منهم وما لك بعدُ مثل هذه الفرصة تنتهزها لتقوم باختبارك على مثل هذا العدد من الرءوس، بوسعك الآن أن تشفي العميان والمقعدين فتخفف الأثقال، وتريح المتعبين، تلك هي الطريقة المثلى لهداية هؤلاء القوم إلى الإيمان بزارا.
فأجاب زارا: مَنْ يرفع عن ظهر الأحدب حدبته فقد نزع منه ذكاءه. هذه هي تعاليم الشعب، وإذا أُعيد النور إلى عيني الأعمى فإنه ليرى على الأرض كثيرًا من قبيح الأشياء فيلعن من سبَّب شفاءه، ومن يُطلق رِجلَ الأعرج من قيدها فإنه يورثه أَذيَّة كبرى؛ إذ لا يكاد يسير ركضًا حتى تتحكم فيه رذائله فتدفعه إلى غايتها. هذه هي التعاليم التي ينشرها الشعب، وهل على زارا إلا أن يأخذ عن الشعب ما أخذه الشعب عنه؟
غير أنني منذ نزلت بين الناس سهل عليَّ أن أرى منهم مَن تنقصه عين، ومن تنقصه إذن، وآخر فقد رجليه، وهنالك من فقدوا لسانهم أو أنفهم أو رأسهم.
وهكذا رأيت أقبح الأمور، وهنالك أشياء أشد قبحًا إن أعرضتُ عن ذكرها فلا يسعني السكوت عن أكثرها.
رأيت رجالًا فقدوا كل شيء، غير أنهم يملكون شيئًا يسوده الإفراط، فهم رجال كأنهم عين عظيمة أو فم واسع أو بطن كبير أو عضو آخر كبير لا غير، وما هؤلاء الناس إلا أهل العاهات المعكوسة.
وعندما عدت من عزلتي لأجتاز هذا الجسر للمرة الأولى وقفت مندهشًا لا أصدق ما أرى فقلت: هذه أذن، أذن وسيعة كأنها قامة رجل، وتقدمت إليها فلَاحَ لي وراءها شيء صغير لم يزل يتحرك، وهو ناحل ضعيف يستدعي الإشفاق فإن الأذن الكبرى كانت قائمة على ساق دقيق، وما كانت هذه الساق إلا إنسانًا، ولو أنك تفرست في هذا الشيء بنظَّارة لرأيت فوقه وجهًا يتقطب بالحسد، وينمُّ عن روح صغيرة تريد الانتفاخ وترتجف على قاعدتها.
وقال لي الشعب: إن هذه الأذن ليست رجلًا فحسب، بل هي أيضًا رجل عظيم بل عبقري من عباقرة الزمان، غير أنني ما صدقت الشعب يومًا إذا هو تكلم عن عظماء الرجال، فاحتفظت بعقيدتي وهي أن هذا الرجل ذو عاهة معكوسة؛ إذ ليس له إلا القليل من كل شيء والكثير من شيء واحد.
وبعد أن وجه زارا هذا الخطاب إلى الأحدب ومن تكلم بالوكالة عنهم اتجه نحو أتباعه، وقد تحكم الكدر فيه فقال: والحق أنني أسير بين الناس كأنني أمشي بين أنقاض وأعضاء منثورة عن أجسادها، وذلك أفظع ما تقع عليه عيناي فإنني أرى أشلاء مقطعة كأنها بقايا مجزرة هائلة، وإذا ما لجأتْ عيني إلى الماضي هاربة من الحاضر فإنها لتُصدم بالمشهد نفسه، فهنالك أيضًا أنقاض وأعضاء أشلاء وحادثات مروعة، ولكنني لا أرى رجالًا …
إن أشد ما يقع عليَّ أيها الصحاب، إنما هو الحاضر والماضي وما كنت لأطيق الحياة لو لم أكن مستكشفًا ما لا بد من وقوعه في آتي الزمان، وما زارا إلا باصرة تخترق الغيب فهو رجل العزم وهو المبدع، هو المستقبل والمَعْبَر المؤدي إلى المستقبل، هو وا أسفاه ذو عاهة ينتصب على هذا المعبر.
وأنتم أيضًا تتساءلون مرارًا: من هو زارا؟ وبماذا نسميه؟ فلا تتلقون غير السؤال جوابًا كما أتلقاه أنا.
أهو من يَعِدُ أم من ينفِّذ الوعد؟ أهو فاتح أم وريث أهو الطبيب أم هو الناقه؟
أشاعر هو أم رجل حقيقة؟ أمحرر أم متسلط؟ أصالح أم شرير؟
1
هل نطقت الإرادة بمثل هذا حتى اليوم؟ وأي متى ستنطق به؟ هل هي تملصت من قيود جنونها فأصبحت تفتدي الحادثات بعزمها وتبشر بالحبور؟ هل هي اطَّرحت فكرة الانتقام وتوقفت عن حرق الأرم من كيدها؟ مَنْ ترى تمكن من تعليمها مسالمة الزمان بل ما يفوق هذه المسالمة؟
يجب على الإرادة ولا أعني سوى إرادة الاقتدار أن توجِّه مشيئتها إلى ما هو أعظم من المسالمة، ولكن أنَّى لها ذلك ومن سيعلِّمها أن توجه هذه المشيئة إلى ما فات؟
وتوقف زارا عن الكلام فجأة كأن رعبًا شديدًا حل به؛ فاتسعت حدقاته وشخص بأتباعه سابرًا أفكارهم غير أنه ما لبث أن عاد إلى الضحك، فقال بكل هدوء: ما تهون الحياة بين الناس لأن الصمت صعب على المرء وخاصةً إذا كان ثرثارًا.
هكذا تكلم زارا …
ولكن الأحدب الذي كان يصغي إلى هذا الحديث، وهو يستر وجهه بيديه سمع قهقهة زارا ففتح عينيه مستغربًا وقال: لماذا يخاطبنا زارا بغير ما يخاطب به أتباعه.
فقال زارا: وهل من عجب في هذا؟ أفما يصح أن يُخاطب الأحدب بأقوال لها حدبتان.
فقال الأحدب: ولا عجب أيضًا في أن يخاطب زارا تلاميذه كمعلم أولاد، ولكن لماذا يخاطب أتباعه بغير ما يخاطب به نفسه؟
3
▪ الفداء - هكذا تكلم زرادشت
▪ فريدريك نيتشه
@Nietzsche1
أنتِ وطني أيتها العزلة.......
لقد طالَ اغترابي في بلادِ المتوحشينْ.....
فها أنذا أعودُ اليكَ أيها الوطنْ
وعيناي تذرفانِ الدموعْ
لِمَن أُوجهُ خطابي؟!!
إذا كانت كلماتي لاتَطرِقُ أسماعاً تُشبهُ أسماعي...
غير انني سأُرسل صوتي في الفضاء لتهُبَّ به الريح
لقد فقدتُ السعادةَ في العطاءِ
لوفرةِ ما أعطيت....
وقد زَهِقَتْ فضيلتي من نفسها
ومن جُودها......
إنَّ من يستمر على بذل الهباتِ
مهددٌ بفَقدِ الحياءِ ولا بُدَّ أن تتصلبَ راحتهُ
ويتصلبَ قلبُه.
فريدريك نيتشه
@Nietzsche1
مهما كان الشيء الذي أُبدعه، ومهما بلغ حبي له فإن عليَّ أن أنقلب له خصمًا، وأتحوَّل عن حبي وحناني، ذلك ما قضته إرادتي عليَّ.
وأنت، أنت يا من تطلب المعرفة ليس لك من سبيل غير سبيلي، فعليك أن تقتفي أثر إرادتي، وما تقتفي إرادتي إلا آثار إرادة الحق.
ما عثر على الحقيقة من قال بإرادة الحياة؛ لأن مثل هذه الإرادة لا وجود لها، وليس للعدم إرادة كما أن المتمتع بالحياة لا يمكنه أن يطلب الحياة.
ولا إرادة إلا حيث تتجلى حياة، ومع هذا فإن ما أدعو إليه إنْ هو إلا إرادة القوة لا إرادة الحياة.
إن هنالك أمورًا كثيرة يراها الحي أرفع من الحياة نفسها، وما كان ليرى أشياء أفضل من الحياة، لو لم تكن هنالك إرادة القوة.
هذا ما علمتني إياه الحياة يومًا، وأنا بهذا التعليم أهتك أسرار قلبكم، أيها الحكماء، فأقول لكم: إنه ليس هنالك من خير دائم وشر دائم؛ لأن على الخير والشر كليهما أن يندفعا أبدًا إلى التفوق والاعتلاء.
وأنتم أيها الواضعون للقيم أقدارها بمقاييسكم وموازينكم، وبما تقولونه عن الخير والشر هل كان لكم أن تفعلوا هذا لو لم تكن لكم إرادة القوة؟ وما تطمحون في أعماق ضمائركم إلا إلى الشهرة والشعور بتأثركم وفيضان أرواحكم. إنكم تجهلون أن في الأمور التي تخضعونها لتقديركم قوة أعظم من تقديركم تنمو وتتفوق على ذاتها لتحطم غلافها وقشورها، فمن أراد أن يكون مبدعًا سواء أكان في الخير أم في الشر، فعليه أن يبدأ بهدم ما سبق تقديره وبتحطيمه تحطيمًا. وهكذا فإن أعظم الشر يبدو جزاء من أعظم الخير، ولكن هذا الخير لم يُعطَ إدراكه إلا للمبدعين.
لقد حق علينا القول، أيها الحكماء، مهما كلفنا الجهر به فإن الصمت أشد وطأة علينا؛ لأن كل حقيقة نكتمها إنما تتحول إلى سم زُعاف فينا، فلنحطم الحقائق التي نجهر بها ما يمكنها أن تُحطَّم فإن هنالك أبنية عديدة يجب علينا أن نرفعها.
هكذا تكلم زرادشت
2
فريدريك نيتشه
@Nietzsche1
بهذا كان يناجي زارا نفسه، وهو يصعد المرتفع معللًا بالتعاليم الصارمة ما في قلبه من جراح.
وعندما بلغ الذروة انبسط البحر أمام ناظريه، فوقف مبهوتًا واستغرق في صمت طويل، وكانت السماء لا تزال تتألق بالنجوم والهواء يهب باردًا على الأكمة.
وهتف زارا حزينًا: «لقد تبيَّنت ما قُدِّر عليَّ، وها أنا ذا مستعد للإقدام فهذه آخر عزلة أقتحمها.
سأنحدر إليك أيها البحر المظلم المنبسط عند أقدامي، أنت الليالي المفعمة بالأحزان، أنت القضاء والقدر أيها الخِضَم البعيد.
إنني أقصد أرفع جبالي مقتحمًا أبعد أسفاري فعليَّ إذن أن أهبط إلى مهاوٍ أبعد في أغوارها من كل ذروة رقيتها حتى الآن.
عليَّ أن أذهب من الأسى إلى أغوار ما رسبتُ في مثلها من قبل فأصل إلى قرارة ما في الأحزان من ظلمات. ذلك ما قُدر عليَّ فأنا على أُهْبة اقتحامه.
لقد تساءلت فيما مضى عن منشأ الجبال فعرفت أخيرًا أنها نهدت من البحار، كما تشهد صخورها وجروف ذرواتها، فما يبلغ الأعلى مقامه إلا لانطلاقه من المقام الأدنى.»
هكذا تكلم زارا، وهو ماثل على قمة الجبل تدور به لفحات الصقيع، ولكنه ما بلغ الشاطئ ووقف بين نتوءات صخوره حتى حلَّ عليه التعب وتزايدت أشواقه، فقال: «إن البحر هاجع أيضًا فعينه الوَسْنى تحدجني بلفتات غريبة وأنفاسه الحرَّى تهب عليَّ. إنه مستغرق في أحلامه يتقلب مضطربًا على جافيات مسانده، إنني أستمع لهديره كأنه يئن بتذكارات مفجعات، وقد يكون هذا الهدير نذيرًا بالشؤم في آتي الزمان.
إنني أشاطرك الأسى أيها المدى المظلم الوسيع، فأنا بسببك ناقم على نفسي أتمنى لو طالت يدي فأنقذك من أصفاد أحلامك.»
وانتبه زارا، فإذا هو يضحك ساخرًا من ذاته فتمرمر وتساءل عما إذا كان سيبلغ به حماسه إلى إطلاق إنشاده لتعزية البحار، وعما إذا كان سيستمر مضعضعًا في سكرة غرامه واستسلامه فقال: «لقد عرفتك في كل زمان يا زارا تقتحم الأمور الخطيرة بلا كلفة وبلا مبالاة، وقد رأيتك طوال حياتك تدغدغ الوحوش المفترسة، فكان يكفيك منها أن تهتاج حبك بأنفاسها الحرَّى وبنعومة مخالبها لتجتذبك إليها.
ليس من خطر أعظم من الحب يحدق بالمستغرق في عزلته، فإن المنفرد يحب كل شيء يتنسم فيه الحياة، وما أعجب جنوني بالحب وتساهلي فيه!»
هكذا تكلم زارا وقد عاد إلى الهزء بنفسه، غير أنه تذكر مَن هجر من خلانه، فخيل إليه أنه يُسيء إليهم بتفكيره فيهم، فنقم على نفسه وانقلب من ضحكه إلى البكاء، فسالت دموعه مريرة يتمازج فيها الغضب والشوق.
2
هكذا تكلم زرادشت
فريدريك نيتشه
@Nietzsche1
《نشيد القبور》
هنالك جزيرة القبور، جزيرة الصمت والسكون، وهنالك أيضًا أجداث شبابي، فلأحملنَّ إليها إكليلًا من الأزاهر الخالدات.
بهذا ناجيت نفسي، فقررت أن أقتحم الغمر.
يا لصور الشباب وأشباح أحلامه، يا للحظات الغرام! يا لأويقات الحياة الإلهية! لقد تراميتِ سريعًا إلى الزوال، فأصبحت أستعرض ذكرياتك كما أستعرض خيال الأحبة الراقدين في القبور.
إن نفحات الطيب تهب منك يا أعزَّ المضيَّعات فتروِّح عن قلبي وتستقطر مدامعي، إنها لنفحات تستنبض قلب العائم وحيدًا على العباب.
أنا المنفرد أراني أغنى الناس وأجدرهم بالغبطة؛ لأنك كنت لي يومًا أيتها الذكريات ولما أزل أنا لك، فقولي لي: علامَ تساقطت ثمراتك الذهبية عن أغصانها؟
إنني لم أزل منبتًا لغرامك الذي أورثتنيه يا أيام الشباب، وبذكرك تنوِّر فضائلي بعد وحشتها بعديد ألوانها الزاهية.
وا أسفاه، ما كان أولاك بألَّا تفارقينني أيتها الأيام الساحرات، فقد اقتربت إليَّ وإلى شهواتي لا كأطيار يسودها الذعر بل كأطيار تستأنس بالواثق بنفسه.
أجل لقد كنتِ معدة مثلي للبقاء على العهد إلى الأبد، يا أويقات الشباب، وليس لي أن أدعوك خائنة وقد وصفتك بالأويقات الإلهية. لقد مررت سِراعًا أيتها الأويقات الهاربات وما هربت مني ولا أنا هربت منك، فما أنا مسئول ولا أنت أيضًا عن خيانتك وعن خيانتي.
لقد أماتوك طلبًا لقتلي يا أطيار آمالي، وصوبت الشرور سهامها نحوك لتصل مخضبةً بالدماء إلى قلبي فأصابت هذه السهام مقتلًا مني؛ لأنك كنت أعز شيء لدي، بل كنت كل ما أملك، لذلك قُضي عليك بالذبول في صباك والزوال قبل أوانك.
لقد صُوِّبت السهام إليك وأنت أنعم من الحرير، وأضعف من ابتسامة تمحوها نظرة قاسية.
فليسمع أعدائي ما أقول: إن القتل أخف جرمًا من جنايتكم عليَّ، فقد سلبتموني ما لا قبل لي بالاستعاضة عنه بشيء، ذلك ما أقوله لكم أيها الأعداء، أفما قتلتم أحلام شبابي وحلتم دون إتياني بمعجزاتي؟ لقد سلبتم مني تفكيري، وهأنذا أحمل هذا الإكليل لتذكاره حاملًا معه لعنتي لكم أيها الأعداء؛ لأنكم قصَّرتم مدى أبديتي فانقطعت كأنها صوت ينقطع في الزمهرير تحت جنح الظلام فما تسنَّى لي أن أنظر إلى هذه الأبدية إلَّا لمحًا؛ لأنها توارت عني بطرفة عين.
وأتت ساعة ناجتني فيها طهارتي قائلة: يجب أن تكون جميع الكائنات إلهية، وأنتِ أرسلتِ إليَّ الأشباح المدنسة، يا أيام الشباب، فانقضت تلك السانحة وعادت حكمة الشباب تقول لي: «يجب أن تكون جميع الأيام مقدسة في نظري.» وما هذه الكلمة إلا كلمة الحكمة المرحة، وعندئذ أتيتم أيها الأعداء فحولتم ليالي راحتي إلى أرق وهموم، فأين توارت هذه الحكمة المرحة؟
لقد كنت فيما مضى أتوقع السعادة فأرسلتم على طريقي بومة مروعة مشئومة؛ فتبددت أمانيَّ العِذَاب.
نذرت يومًا أن أرجع عن كل كراهة، فحولتم كل ما حولي إلى قروح، فأين مضت مُخلصات نذوري الطاهرات؟
لقد مررت على سبيل السعادة كفيف البصر، فرميتم على طريق الأعمى كومًا من الأقذار؛ فأصبحت كارهًا للطريق القديم الذي تلمسته، وعندما توصلت إلى القيام بأصعب أعمالي، عندما تمكنت من الاحتفال بالانتصارات التي تغلبت فيها على ذاتي أهبتم بمن يحبونني إلى الهتاف قائلين بأنني أوقعت بهم أشد الآلام.
والحق أنكم لم تنقطعوا عن تشريد خير العاملات في قفيري وتحويل جناها إلى علقم مرير، ولكَم أرسلتم إلى إحساني أشد المتسولين إلحاحًا، ودفعتم أهل القحة ليطوفوا بإشفاقي، وهكذا نلتم من فضيلتي وهي ممنعة بإيمانها.
وكنت كلما قدَّمتُ أقدسَ ما عندي محرقة للتضحية تسارعون في تقواكم إلى إحراق أدسم ذبائحكم؛ لتتصاعد أبخرة شحمها مدنسةً خير ما قدست.
وطمحت يومًا إلى الرقص متعاليًا بفني إلى ما وراء السبع الطباق، فأفسدتم عليَّ أعز المنشدين لديَّ، فرفع عقيرته بأفظع الأناشيد وقرع أسماعي بنغمات الأبواق الحزينة الباكية.
لقد كنت قاتلًا أيها المنشد البريء، إذا غدوت آلة في يد الغدر، فقضت نغماتك على خشوعي بينما كنت أتهيأ للقيام بأروع رقصي.
ما أنا بالمعبر عن أسمى المعاني بالرموز إلا عندما أدور راقصًا؛ لذلك عجزت أعضائي عن رسم أروع الرموز بحركاتها، فأُرتج عليَّ وامتنع عليَّ أن أبوح بسر آمالي. لقد ماتت أحلام شبابي وفقدت معانيها المعزيات.
إنني لأعجب لتحملي هذه الصدمات، وأعجب لصبري على ما فتحت فيَّ من جراح، فكيف أمكن لروحي أن تُبعث من مثل هذه القبور؟
أجل إن فيَّ شيئًا لا تنال منه السهام مقتلًا، ولا قِبَل لأحد بدفنه؛ لأنه يزحزح الصخور عنه فتتحطم، وما هذا الشيء إلا إرادتي، والإرادة تجتاز مراحل السنين صامتة لا يعتريها تحول وتغير. إن إرادتي قديمة لا تني تدفع قدمي إلى السير فهي القوة المتصلبة المتعالية عن الفناء.
ليس فيَّ من عضو لا يصاب إلا قدمي السائرة إلى الأمام تدفعها هذه الإرادة الثابتة الصامدة المتجلدة، التي تخترق المدافن دون أن تنطرح تحت لحودها.
إن فيكِ وحدكِ يا إرادتي يصمد ما لا تبدده أيام الشباب، فأنت لا تزالين حية وفتية تملؤك الآمال، تجلسين👇
الكتب والمواضيع والآراء فيها لا تعبر عن رأي الموقع
تنبيه: جميع المحتويات والكتب في هذا الموقع جمعت من القنوات والمجموعات بواسطة بوتات في تطبيق تلغرام (برنامج Telegram) تلقائيا، فإذا شاهدت مادة مخالفة للعرف أو لقوانين النشر وحقوق المؤلفين فالرجاء إرسال المادة عبر هذا الإيميل حتى يحذف فورا:
alkhazanah.com@gmail.com
All contents and books on this website are collected from Telegram channels and groups by bots automatically. if you detect a post that is culturally inappropriate or violates publishing law or copyright, please send the permanent link of the post to the email below so the message will be deleted immediately:
alkhazanah.com@gmail.com