بقلم عبد القادر سلامي
المقدمـــــة :
تدور مفردات هذا البحث حول علم الدلالة وتسبح في فلك تطبيقاته التي نرصـد منها الجوانب الدلالية عند العرب و التطور الدلالي الذي آلت إليه اللغة العربية ، وجاهدت فيه جهاد المنتصرين ، ممّا يقوّي الرغبة بهذا العلم وتطبيقاته لنقف على خلاصة ماهية هذا العلم وبعض خصائصه،ونعرض الأصول الفكرية الممهدة لظهور الدلالة العربية جوهراً أو عَرَضاً ، وذلك وفق منهج ترجع أوليات التفكير في أصوله إلى الأسلاف بما يمثّل خطوةً رائدةً في العمل الدلالي.
1-علم الدلالـة :
تجمع تعريفات علم الدلالة على أنه"علم لغوي حديث،يبحث في الدلالة اللغوية،والتي يلتزم فيها حدود النظام اللغوي والعلامات اللغوية، دون سواها" وأنّ مجاله دراسة المعنى اللغوي على صعيد المفردات والتراكيب،وإن كان المفهوم السائد هو اقتصار علم الدلالة على دراسة دلالات الألفاظ وتطورهالكونها أكثر العناصر اللغوية قابلية للتغـّير في اللغات الإنسانية؛ بحيث" لا تستقرّ علىحال؛ لأنها تتبع الظروف ،فكل متكلم يكوّن مفرداته من أول حياته إلى آخرها بمداومته على الاستعارة ممن يحيطون به؛ فالإنسان يزيد من مفرداته، ولكنه ينقص منها أيضا ويغير الكلمات في حركة دائمة من الدخول والخروج." ويعدّ هذا مقدمة للمفردات ودلالاتها في اللغة عـامة. وتعبّر كل نظرية فيه عن هذا المضمون في زاوية مناسبة . فالذين يعنون بالجوانب النظرية فيه يضمنونه نظرية المعنى والعلاقة بين اللفظ و المعنى والدال والمدلول والرمز والشي، والذين يعنون بجوانبه التطبيقية الحديثة يلمّـون فيه بعناصر التطور.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن بعض الدارسين المحدثين يتحفّظون في إطلاق مصطلح " علم " على دراسة المعاني أو الدلالات, نظراً إلى ما يعتري مصطلحات هذا الحقل اللغوي من اضطراب ينحو بها نحو الإطلاق، فيذكرون أن المقصود من الدرس هو مستوى المفردات أو المعجم أو الدلالة. والمؤكّد" أن نموّ علم الدلالة الحديث وتشعّب مقارباته المنهجية جعله قطب الدوران في كلّ بحث لغوي ممّا لا ينفصل عن نظرية الإدراك الفلسفي وفلسفة المعنى . لذلك بات علم الدلالة أوسع مجالاً من أيّ علم آخر يدرس المفردات أو المعجم أو المصطلح " ويشمل فروعا من البحث اللغوي منها ما يمت بصلة إلى تقنية صناعة المعاجم أو الدراسة المعجمية أو علم صناعة المعاجم (Lexicographie ) ، الذي لا يهتمّ إ لاّ بوصف فحوى الكلمات كما نراها مسجلة - في الحالة التقليدية –في المعجم ، و نسمي مؤلّف المعجم بصورة عامّة بالمعجمي (Lexicographe) ،و منها ما يتعلّق بالبحث في معاني الكلمات، ومصادر هذه المعاني واختلافها في اللغة باختلاف العصور، ويسمّى هذا الفرع بعلم المفردات أو التأصيل الاشتقاقي (Etymologie ) الذي و إ ن لم يكن علماً قائماً بذاته و لا جزء اً من علم اللغةالتطوري ، فإنه يعدّ تطبيقاً خاصّاً للمبادئ التي تربط بين الحقـائق التزامنية(Synchroniques) التطورية (Diachroniques) إلاّ أنّه يرجع إلى تاريخ الكلمات ليجد ما يفسّرها. كما يشمل علم تصنيف المفردات ، وهو العلم الذي يبحثفي إرساء المبادئ والأصول للدراسة المعجمية ولطرائقها، وعلم المصطلح(Néologie) والمصطلحية ( Terminologie ). كما أنّ من غايات علم الدلالة البحث في الاشتقاق، والتصريف ، والأبنية وتغيّرها بتغيّر المعنى وهو المسمى بعلم الأبنية (Morphologie)؛والبحث في أقسام الكلمات ، وأنواع كلّ قسم ووظيفته الدلالية، وأجزاء الجملة وترتيبها ، وأثر كلّ جزء منها في الآخر وهو المسمّى علم لتنظيم (Syntaxe) ؛والبحث في أساليب اللغة، واختلافها باختلاف نصوصها وعصورها والناطقين بها، وتطوّر هذه الأساليب وقوانين تطورهاوهو علم لأساليب (Stylistique).والعلم اللغوي الحديث يخرج علم البنية التعليمي ( الصرف )، وعلم التنظيم التعليمي (النحو )،وعلم الأساليب التعليمي(البلاغة ) من نطاق علم اللغة لاختلاف ميادين هذه العلوم وأغراضها ومناهج البحث فيها من علم اللغة.
وإذا كان علم الدلالة يشتمل على كلّ ذلك بصياغته العلمية الحالية،فقد أخذ مصطلح علم الدلالة (Sémantique)أو(Semantics) من الأصل اليوناني (Sémantikos ) أو(Semmaino) بمعنى:يعني ويدلّ و مصدره كلمة (sema ) أي دال.
ولكنّ هذا المصطلح لم يحمل معناه العلمي الحديث إلاّ في كتاب"حياة الكلمات"(La vie des mots)لمؤلفه الفرنسي دمستتر (Darmesteter )عام1887م وفي كتاب "محاولة في علم الدلالة"(Essai de sémantique ) للفرنسي بريال(Bréal )عام1897م وعُدّ علم الدلالة أو السيمانتيك (بالفرنسية) أوالسيمانتيكس( بالإنجليزية) أو علم المعنى أحد أقسام اللسانيات ، وما يزال على ذلك حتى يومنا مع أنه لم يخرج عن الناحية التاريخية.و قد نبّه الباحثون من بعد بريال إلى الناحية الاجتماعية والعوامل الخارجية الفاعلة في تطور المعنى ، ثمّ جاء المؤلفان الإنجليزيان أوغدن (C K-Ogden ) و ريتشاردز ( I A –Richards) فبحثافي كتابهما (Mean