يه السلام، وهذا من أظهرِ ما دعا البعضَ إلى ادّعاء كونه شيعيا، ومنهم ابن كثير رحمه الله.
ولكن هذا الذي وقَع في شعره يمكن أن يكون له تفسيران :
- إمّا أنه كان شيعيا في هذه المرحلة التي نَظَم فيها هذه القصائد، ثم تحوَّل عن ذلك إلى مذهب المعتزلة في الفترة التي كان يشرح فيها نهج البلاغة.
- أو أنه لم يكن شيعيا أصلا، وإنما غلَب عليه حُبّه لسيدنا علي رضي الله عنه، فغالى فيه، لا سيما أن الشعر مظنة الغلو والتهويل، خصوصا حين تفور العاطفة ويغلب الهوى، ويعلو منطق القلب والوجدان على منطق العقل والنظر، ولذلك فليس من السديد أن تُستفاد المذاهب والأقوال من الشعر وحده، لهذا المعنى.
وإلّا فإن المُطّلِع على شرحه لنهج البلاغة لا يُخالجه أدنى شك في أن الرجل ليس شيعيا أبدا، وذلك لعدة أمور:
الأول : أنه صرَّح في مواضع كثيرة من الشرح أنه توخّى أن يشرح هذا المجموع على مذهب ( أصحابه ) المعتزلة، خصوصا معتزلة بغداد، والكتاب مليء بالمفاجآت الكلامية للمعتزلة المخالفة للمشهور عنهم في كتب مناوئيهم من أئمة الأشاعرة، وظاهِرٌ في الكتاب أنهم طوائف كثيرة، وأنّ من المجازفة نسبة الأقوال إلى جماهيرهم دون تمحيص وتفصيل.
الثاني: أن الشرح مليء بالردّ على الشيعة في كثير من مذاهبهم وأقاويلهم، لا سيما في مسألة الإمامة والوصاية، ويتضمن تفنيدا لطعونهم في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما،
بل إني أقول إنه يمكن جمعُ رسالة علمية في ردوده على الشيعة في هذا الكتاب.
الثالث: أنه نفسه يرى صحة خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويعتقد أنها خلافة شرعية سليمة لا مَطعن فيها، ويُذعِن لهما بالفضل والتقدم في الإسلام، وهذا كله يُصرّح به في الكتاب، إلا أنه يرى أن عليًّا رضي الله عنه أفضَلُ منهما، وأنه أفضلُ الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه ثبَت له من الفضائل والمناقب ما لم يثبت لغيره.
وإلا أنه أيضا يعتقد أن معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم فُسّاق، ويصرح بفسقهم كثيرا في الكتاب، ويذكر عنهم من الشنائع والفظائع ما لا يُتصوّر، وله كذلك كلمات في حق سيدنا عمر رضي الله عنه لا تنبغي، وهي تتعلق بتحليل شخصيته، فيذكر مثلا أنه كان في خُلقه فظاظة وفي طبعه غلظة وتهوّر( نعوذ بالله من سوء الأدب في حق سادتنا رضي الله عنهم ) ولكنه لا يذهب فيه ما تذهبه الشيعة من تكفيره ونصبِه العداء لآل البيت، بل يردّ على تلك الاتهامات ويُبطِلها.
الرابع: أن الرجل وإن كان يُفضّل عليًّا رضي الله عنه على جميع الصحابة إلا أنه لا يتكفّل لبيان فضله بالآثار والأخبار الموضوعة الباطلة كما تفعل الشيعة، وله في هذا المقام كلمة حسَنة تصلح أصلا في هذا الباب، وهي قوله : " وليس يجب من قولنا إنَّ بعض الأخبار الواردة في حقّ شخص فاضل مُفتعلَة - أن تكون قادحة في فضلِ ذلك الفاضل؛ فإنا مع اعتقادنا أن عليًّا أفضل الناس نعتقد أن بعض الأخبار الواردة في فضائله مُفتعَل ومُختلَق".
كل هذا وغيره يدل على عدم شيعيّة الرجل، بالمعنى الرافضي المعروف لدى المتأخرين.
وأرى أنه بسبب طلبهِ للحق، وبحثِه الجريء في مسألة الصحابة اختلَف المؤرخون في تصنيفه، فبعضُ غلاة الرافضة يعدُّه من أهل السنة، ربما لأنه لا يرى في أبي بكر وعمر ما يرونه هم فيهما، وبعض أهل السنة يجعله شيعيا، لأنه يُقدّم عليًّا على الكل، وبعضهم يجعله شيعيا إلا أنه يتظاهر بالاعتزال، وهذا لا دليل عليه، والصواب إن شاء الله أنه ليس شيئا من هؤلاء جميعا كما بيّنتُ لك.
والكتاب حديقة غَنّاء، وبستان جميل، خُذ منه ما يروقك، ودع ما لا يوافقك ولا يعجبك.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2468121006813213&id=100008460126256