( التصالح_مع_النفس )
...................................
يروي «ستيفن كوفي» في كتابه
«العادات السبع للناس الأكثر فاعلية» ..
قصته مع رجل ركب معه المترو يوماً.. مصحوباً بأطفاله الذين كانوا يقفزون من كرسي إلى آخر، وكان صراخهم يكاد يصمّ آذان الركّاب دون أن يتكلف الأب حتى عناء النظر إليهم...
لم يحتمل كوفي تلك الفوضى، فهجم على الرجل بكلام قاسٍ وطلب منه أن يضبط أطفاله.
انتبه الرجل فجأة وقال له: «اعذرني، فلقد توفيت أمهم في المستشفى قبل قليل ولم أنتبه لهم من هول الصدمة ، أنا آسف»..
عندها لم يعرف كوفي ماذا يفعل، وتمنى لو أنه تريّث قليلاً قبل أن يحكم على الرجل بأنه مُهمِل.
#إن ما قام به كوفي هو تصرف مألوف يمتهنه بنو البشر، فلا يكاد أحدنا يرى شخصاً غريباً، حتى يبدأ بإطلاق أحكامه عليه، وخصوصاً إذا كان ذلك الشخص ينحدر من ثقافة أخرى أو من معتقد آخر.
كلّنا يحمل في داخله قاضيا" صغيرا" ، ولكنه ظالم في كثير من الأحيان ...
ومتسرع في إطلاق أحكامه.. قاضٍ لم تنصّبه المحكمة، بل إنه حتى لم يدرس القانون، فهو نتاج لصراع الإنسان مع ذاته، وعراكه المستمر مع نفسه...
ولذلك، يرفض هذا القاضي أي صلح بين المرء وبين نفسه.
كيف تتصالح مع نفسك ..؟!
لكي تتصالح مع الآخرين عليك أولاً أن تتصالح مع ذاتك، وأن تقبلها بكل عيوبها، بضعفها وبزلاتها دون أن تحكم عليها، ودون أن تصنّفها أيضاً ...
أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تَقْبل الآخر بكل اختلافاته وتناقضاته، ليس لأنك تحبه، ولكن لأنك، ببساطة، لا تكرهه.
أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تترك الوعظ جانباً وتهبط إلى المجتمع حتى تفهم مكوناته، وتستوعب تقلّباته التي تشكّل، في خضم تناقضاتها، نسيجه اللامحدود ...
أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تتخلى عن الخرافة، ولن يتأتى لك ذلك إلا من خلال العلم .
أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تدفع بالتجريد إلى حده الأقصى، لكى ترى الوجود الخالص المجرد من كل ما هو حسّي، وكل ما هو تاريخي.. يعني ذلك أن تنسى تاريخك، للحظات ..
لكي تتصالح مع ذاتك عليك أن تعود بذاكرتك إلى الوراء، وتبدأ منذ أول ذكرى في حياتك، وعند أول معلومة حفظتها، ثم قم بمسح كل ذكريات العنف والأسى والقهر ...
أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تناهض التعميم، وتعارض فكرة الشمولية.
المتصالح مع ذاته يشبه النهر الذي يستمر في صبّ مياهه العذبة في البحر المالح على الرغم من علمه بأنه لن يحيله حلواً ...
المتصالح مع ذاته ينصت كثيراً، ليفهم أكثر !