*خطبتان عن محاسبة النفس [ الجمعة الثالثة من شهر صفر 1443 هجرية].*
#الخطبة الأولى .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الكريم الفتاح، أهل الكرم والسماح ، المُجزل لمن عامله بالأرباح ، سبحانه فالق الإصباح وخالق الأرواح ، أحمده سبحانه على نعمٍ تتجدد بالغدو والرواح، وأشكره على ما صرَف من المكروه وأزاح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن المكان والكيف والأين والكم ، لا تراه العيون، ولا تحيط به الظنون، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، شهادةً بها للقلب انفساح وانشراح.
وأشهد أنَّ سيدنا ، وقائدنا، ومعلمنا ، ومربينا، محمداً عبد الله ورسوله ، الذي أُرسل بالهدى والصلاح، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة ، وكشف الغمة، ولم يترك الأمة في عمياء من أمرها، صلى الله عليه صلاة تبلغ روحه الطاهرة ، ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻗﺮﻧﺎء اﻟﻮﺣﻲ اﻟﺤﺎﻣﻴﻦ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭاﻹﻓﺴﺎﺩ ،اﻷﺋﻤﺔ اﻟﻬﺪاﺓ، اﻟﺬﻳﻦ ﻋﻤﺪﻭا ﺃﻗﻮاﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺪﻟﻴﻞ، ﻭﺃﻧﺎﺭﻭا ﻓﻲ ﻏﻴﺎﻫﺐ اﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﻖ ﻭﺃﺑﺎﻧﻮا اﻟﺴﺒﻴﻞ، وسلم تسليماً كثيراً.
و بعد- *عباد الله :*
أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نُقدّم لأنفسنا أعمالاً صالحة مباركة تبيض وجوهنا يوم نلقاه عزوجل{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} ،{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}،{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} .
*عباد الله:* بين كل حين وآخر ، بين كل فترة وفترة ينبغي للمسلم أن يحاسب نفسه على ما قدم وأخر ، ونحن في أول شهرين من عام هجري جديد دعونا نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة قبل هجوم هادم اللذات روي في كتاب اﻷﺭﺑﻌﻮﻥ ﺣﺪﻳﺜﺎ السيلقية عن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ : (ﺃﻛﺜﺮﻭا ﺫﻛﺮ ﻫﺎﺩﻡ اﻟﻠﺬاﺕ، ﻓﺈﻧﻜﻢ ﺇﻥ ﺫﻛﺮﺗﻤﻮﻩ ﻓﻲ ﺿﻴﻖ ﻭﺳﻌﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﺮﺿﻴﺘﻢ ﺑﻪ ﻓﺄﺟﺮﺗﻢ، ﻭﺇﻥ ﺫﻛﺮﺗﻤﻮﻩ ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﺑﻐﻀﻪ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﻓﺠﺪﺗﻢ ﺑﻪ ﻓﺄﺛﺒﺘﻢ، ﻓﺈﻥ اﻟﻤﻨﺎﻳﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎﺕ اﻵﻣﺎﻝ، ﻭاﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻣﺪﻧﻴﺎﺕ اﻵﺟﺎﻝ، ﻭﺇﻥ اﻟﻤﺮء ﺑﻴﻦ ﻳﻮﻣﻴﻦ، ﻳﻮﻡ ﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﺃﺣﺼﻲ ﻓﻴﻪ ﻋﻤﻠﻪ ﻓﺨﺘﻢ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﻮﻡ ﻗﺪ ﺑﻘﻲ ﻻ ﻳﺪﺭﻱ ﻟﻌﻠﻪ ﻻ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺇﻥ اﻟﻌﺒﺪ ﻋﻨﺪ ﺧﺮﻭﺝ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺣﻠﻮﻝ ﺭﻣﺴﻪ ﻳﺮﻯ ﺟﺰاء ﻣﺎ ﺃﺳﻠﻒ ﻭﻗﻠﺔ ﻏﻨﻰ ﻣﺎ ﺧﻠﻒ، ﻭﻟﻌﻠﻪ ﻣﻦ ﺑﺎﻃﻞ ﺟﻤﻌﻪ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﺣﻖ ﻣﻨﻌﻪ). ويقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)}.
*أيها المسلمون:*
إن الله سيحاسبنا على كل شيء على الصغير والكبير والفتيل والقطمير، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}. أصحاب القلوب السليمة والعقول الواعية عرفوا أن الله لهم بالمرصاد، فعرفوا أنه لن يُنجيّهم إلا لزوم المحاسبة ومُطالبة النفس، و محاسبتها على الأنفاس والحركات، قال - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)}.
*تأمّل عبد الله* هذه الآية التي أشارت إلى تقوى الله فيما مضى من عمرك من أعمال، والنظر والمحاسبة فيما قدّمت لأخرتك والله خبيرٌ بما تعمل في هذه اللحظة ، روي في ﻛﺘﺎﺏ اﻷﺭﺑﻌﻴﻦ ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺧﻄﺒﻪ ﺃﻭ ﻣﻮاﻋﻈﻪ: (ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﺗﺸﻐﻠﻨﻜﻢ ﺩﻧﻴﺎﻛﻢ ﻋﻦ ﺁﺧﺮﺗﻜﻢ، ﻭﻻ ﺗﺆﺛﺮﻭا ﺃﻫﻮاﺋﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺔ ﺭﺑﻜﻢ، ﻭﻻ ﺗﺠﻌﻠﻮا ﺇﻳﻤﺎﻧﻜﻢ ﺫﺭﻳﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﺻﻴﻜﻢ، ﻭﺣﺎﺳﺒﻮا ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺣﺎﺳﺒﻮا، ﻭﻣﻬﺪﻭا ﻟﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻌﺬﺑﻮا، ﻭﺗﺰﻭﺩﻭا ﻟﻠﺮﺣﻴﻞ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺰﻋﺠﻮا، ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﻋﺪﻝ، ﻭﻗﻀﺎء ﺣﻖ، ﻭﺳﺆاﻝ ﻋﻦ ﻭاﺟﺐ، ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺑﻠﻎ ﻓﻲ اﻹﻋﺬاﺭ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻡ ﺑﺎﻹﻧﺬاﺭ).
*عباد الله:* ينبغي للعاقل أن يكون له في يومه ساعة يحاسب فيها نفسه ، كما يحاسب الشريك شريكه في شؤون الدنيا ، فكيف لا يحاسب الإنسان نفسه في سعادة الأبد وشقاوة الأبد ،ﺃﺧﺮﺝ الإمام ﺃﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ عليه السلام ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻣﺮﻓﻮﻋﺎ: (ﺇﺫا ﺃﺭاﺩ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺴﺄﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﺃﻋﻄﺎﻩ ﻓﻠﻴﻴﺄﺱ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻛﻠﻬﻢ ﻭﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺭﺟﺎء ﺇﻻ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﺈﺫا ﻋﻠﻢ اﻟﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻟﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﺃﻋﻄﺎﻩ، ﺃﻻ ﻓﺣﺎﺳﺒﻮا ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺣﺎﺳﺒﻮا ﻓﺈﻥ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻣﻮاﻗﻔﺎ ﻛﻞ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻘﺎﻡ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ، ﺛﻢ ﺗﻼ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ: {ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺪاﺭﻩ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ(4)}.
*ألا عباد الله* وإن من فوائد محاسبة النفس أنها تُعرِّف الإنسان بنعم الله عليه فيشكرها، ويستخدمها في طاعة الله ويحذر من التعرض لأسباب زوالها، قال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)}، فبداية المحاسبة أن يقيس العبد ويوازن بين نعم الله عليه من عافية، وأمن و
#الخطبة الأولى .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الكريم الفتاح، أهل الكرم والسماح ، المُجزل لمن عامله بالأرباح ، سبحانه فالق الإصباح وخالق الأرواح ، أحمده سبحانه على نعمٍ تتجدد بالغدو والرواح، وأشكره على ما صرَف من المكروه وأزاح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن المكان والكيف والأين والكم ، لا تراه العيون، ولا تحيط به الظنون، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، شهادةً بها للقلب انفساح وانشراح.
وأشهد أنَّ سيدنا ، وقائدنا، ومعلمنا ، ومربينا، محمداً عبد الله ورسوله ، الذي أُرسل بالهدى والصلاح، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة ، وكشف الغمة، ولم يترك الأمة في عمياء من أمرها، صلى الله عليه صلاة تبلغ روحه الطاهرة ، ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻗﺮﻧﺎء اﻟﻮﺣﻲ اﻟﺤﺎﻣﻴﻦ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭاﻹﻓﺴﺎﺩ ،اﻷﺋﻤﺔ اﻟﻬﺪاﺓ، اﻟﺬﻳﻦ ﻋﻤﺪﻭا ﺃﻗﻮاﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺪﻟﻴﻞ، ﻭﺃﻧﺎﺭﻭا ﻓﻲ ﻏﻴﺎﻫﺐ اﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﻖ ﻭﺃﺑﺎﻧﻮا اﻟﺴﺒﻴﻞ، وسلم تسليماً كثيراً.
و بعد- *عباد الله :*
أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نُقدّم لأنفسنا أعمالاً صالحة مباركة تبيض وجوهنا يوم نلقاه عزوجل{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} ،{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}،{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} .
*عباد الله:* بين كل حين وآخر ، بين كل فترة وفترة ينبغي للمسلم أن يحاسب نفسه على ما قدم وأخر ، ونحن في أول شهرين من عام هجري جديد دعونا نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة قبل هجوم هادم اللذات روي في كتاب اﻷﺭﺑﻌﻮﻥ ﺣﺪﻳﺜﺎ السيلقية عن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ : (ﺃﻛﺜﺮﻭا ﺫﻛﺮ ﻫﺎﺩﻡ اﻟﻠﺬاﺕ، ﻓﺈﻧﻜﻢ ﺇﻥ ﺫﻛﺮﺗﻤﻮﻩ ﻓﻲ ﺿﻴﻖ ﻭﺳﻌﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﺮﺿﻴﺘﻢ ﺑﻪ ﻓﺄﺟﺮﺗﻢ، ﻭﺇﻥ ﺫﻛﺮﺗﻤﻮﻩ ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﺑﻐﻀﻪ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﻓﺠﺪﺗﻢ ﺑﻪ ﻓﺄﺛﺒﺘﻢ، ﻓﺈﻥ اﻟﻤﻨﺎﻳﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎﺕ اﻵﻣﺎﻝ، ﻭاﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻣﺪﻧﻴﺎﺕ اﻵﺟﺎﻝ، ﻭﺇﻥ اﻟﻤﺮء ﺑﻴﻦ ﻳﻮﻣﻴﻦ، ﻳﻮﻡ ﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﺃﺣﺼﻲ ﻓﻴﻪ ﻋﻤﻠﻪ ﻓﺨﺘﻢ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﻮﻡ ﻗﺪ ﺑﻘﻲ ﻻ ﻳﺪﺭﻱ ﻟﻌﻠﻪ ﻻ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺇﻥ اﻟﻌﺒﺪ ﻋﻨﺪ ﺧﺮﻭﺝ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺣﻠﻮﻝ ﺭﻣﺴﻪ ﻳﺮﻯ ﺟﺰاء ﻣﺎ ﺃﺳﻠﻒ ﻭﻗﻠﺔ ﻏﻨﻰ ﻣﺎ ﺧﻠﻒ، ﻭﻟﻌﻠﻪ ﻣﻦ ﺑﺎﻃﻞ ﺟﻤﻌﻪ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﺣﻖ ﻣﻨﻌﻪ). ويقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)}.
*أيها المسلمون:*
إن الله سيحاسبنا على كل شيء على الصغير والكبير والفتيل والقطمير، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}. أصحاب القلوب السليمة والعقول الواعية عرفوا أن الله لهم بالمرصاد، فعرفوا أنه لن يُنجيّهم إلا لزوم المحاسبة ومُطالبة النفس، و محاسبتها على الأنفاس والحركات، قال - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)}.
*تأمّل عبد الله* هذه الآية التي أشارت إلى تقوى الله فيما مضى من عمرك من أعمال، والنظر والمحاسبة فيما قدّمت لأخرتك والله خبيرٌ بما تعمل في هذه اللحظة ، روي في ﻛﺘﺎﺏ اﻷﺭﺑﻌﻴﻦ ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺧﻄﺒﻪ ﺃﻭ ﻣﻮاﻋﻈﻪ: (ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﺗﺸﻐﻠﻨﻜﻢ ﺩﻧﻴﺎﻛﻢ ﻋﻦ ﺁﺧﺮﺗﻜﻢ، ﻭﻻ ﺗﺆﺛﺮﻭا ﺃﻫﻮاﺋﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺔ ﺭﺑﻜﻢ، ﻭﻻ ﺗﺠﻌﻠﻮا ﺇﻳﻤﺎﻧﻜﻢ ﺫﺭﻳﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﺻﻴﻜﻢ، ﻭﺣﺎﺳﺒﻮا ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺣﺎﺳﺒﻮا، ﻭﻣﻬﺪﻭا ﻟﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻌﺬﺑﻮا، ﻭﺗﺰﻭﺩﻭا ﻟﻠﺮﺣﻴﻞ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺰﻋﺠﻮا، ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﻋﺪﻝ، ﻭﻗﻀﺎء ﺣﻖ، ﻭﺳﺆاﻝ ﻋﻦ ﻭاﺟﺐ، ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺑﻠﻎ ﻓﻲ اﻹﻋﺬاﺭ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻡ ﺑﺎﻹﻧﺬاﺭ).
*عباد الله:* ينبغي للعاقل أن يكون له في يومه ساعة يحاسب فيها نفسه ، كما يحاسب الشريك شريكه في شؤون الدنيا ، فكيف لا يحاسب الإنسان نفسه في سعادة الأبد وشقاوة الأبد ،ﺃﺧﺮﺝ الإمام ﺃﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ عليه السلام ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻣﺮﻓﻮﻋﺎ: (ﺇﺫا ﺃﺭاﺩ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺴﺄﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﺃﻋﻄﺎﻩ ﻓﻠﻴﻴﺄﺱ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻛﻠﻬﻢ ﻭﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺭﺟﺎء ﺇﻻ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﺈﺫا ﻋﻠﻢ اﻟﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻟﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﺃﻋﻄﺎﻩ، ﺃﻻ ﻓﺣﺎﺳﺒﻮا ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺣﺎﺳﺒﻮا ﻓﺈﻥ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻣﻮاﻗﻔﺎ ﻛﻞ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻘﺎﻡ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ، ﺛﻢ ﺗﻼ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ: {ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺪاﺭﻩ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ(4)}.
*ألا عباد الله* وإن من فوائد محاسبة النفس أنها تُعرِّف الإنسان بنعم الله عليه فيشكرها، ويستخدمها في طاعة الله ويحذر من التعرض لأسباب زوالها، قال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)}، فبداية المحاسبة أن يقيس العبد ويوازن بين نعم الله عليه من عافية، وأمن و