#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت 🛡 #المحـ5ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
🛡 #المحـ5ـاضرة [سقوط بغداد]
             ∫∫    الحـ٥٤ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - --
💎إحراق التتار لبغداد:
بعد أن فرغ التتار من تدمير مكتبة بغداد انتقلوا إلى الديار الجميلة والمباني الأنيقة، فتناولوها بالتدمير والحرق، وسرقوا محتوياتها الثمينة، وما عجزوا عن حمله من المسروقات أحرقوه، فتحولت المدينة الكبيرة إلى ركام وخراب، فقد كانت ألسنة النار والدخان تتصاعد من كل مكان.

💎أمان هولاكو لأهل بغداد لأجل دفن القتلى:
بعد (٤٠) يوماً أعلن هولاكو أماناً حقيقياً في بغداد، وعدم قتل مسلم بصورة عشوائية؛ لأن الجثث المتعفنة أصبحت كالتلال في شوارع بغداد.
فخاف هولاكو أن يحدث وباء خطير في هذه المناطق فيهلك المسلمين والتتار على السواء، فأمر بخروج المسلمين من مخابئهم، وأعلن أماناً حقيقياً؛ ليقوموا بدفن موتاهم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقد كان دفن الموتى عمل شاق جداً؛ لأن القتلى وصل عددهم إلى مليون قتيل تبعثروا في شوارع بغداد وفي كل مكان، فخرج الناس من الخنادق ومن المقابر ومن الآبار المهجورة ليدفنوا أهلهم، وكان كل شخص يبحث عن ابنه وأبيه وأمه وأخيه بعد هذه الكارثة، وانتشرت الأوبئة في بغداد بشكل مريع، ومات من المسلمين عدد هائل بسبب الأمراض القاتلة،

وكما يقول ابن كثير رحمه الله: ومن نجا من الطعن بالسيوف لم ينجو من الطاعون والأوبئة التي انتشرت، وكانت هذه كارثة جديدة في بغداد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
💎تعيين هولاكو لمؤيد الدين العلقمي حاكماً على بغداد ثم ولده من بعده:
ثم أصدر أيضاً هولاكو قراراً جديداً بتعيين مؤيد الدين العلقمي الشيعي رئيساً على مجلس الحكم المعين من قبل التتار، على أن توضع عليه وصاية تترية، فلم يكن مؤيد الدين إلا صورة للحاكم فقط، وكانت القيادة الفعلية للتتار، بل إن الأمر تزايد بعد ذلك، حتى وصل إلى الإهانة المباشرة للرئيس الجديد مؤيد الدين العلقمي، ولم تكن هذه الإهانة تأتي من قبل هولاكو بل من صغار الجند في جيش التتار؛ لأنهم يريدون أن يحطموا نفسيته حتى لا يشعر بقوته، ولا يظن أنه رئيس فعلاً، بل يظل تابعاً للتتار في منتهى الذلة.

وهكذا من باع دينه ووطنه ونفسه، فإنه يصبح بلا ثمن حتى عند الأعداء، فالعميل عند الأعداء ليس له أي قيمة، ولم يعش الوزير الخائن بعد أن تولى الحكم إلا أياماً قليلة في ذل ومهانة، ثم مات في بيته، ولم يستمتع بحكم ولا ملك ولا خيانة؛ ليكون عبرة بعد ذلك لكل خائن، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢].

ثم ولى التتار ابن مؤيد الدين العلقمي على بغداد، وكان الابن قد ورث الخيانة من أبيه، ولكن هذا المنصب أصبح شؤماً على من يتولاه، فقد مات الابن الخائن الجديد الشاب الصغير في نفس السنة التي سقطت فيها بغداد سنة (٦٥٦) من الهجرة.

ولا عجب فمن تمسك بهذه الدنيا أهلكته، فقد تمسك بها الخليفة فهلك، ثم الوزير الخائن فهلك، ثم ابن الوزير فهلك، وتمسك بها شعب بغداد فهلك، وهذه سنة ماضية.
#يتبع ....👇

قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت 🛡 #المحـ5ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
🛡 #المحـ5ـاضرة [سقوط بغداد]
             ∫∫    الحـ٥٥ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎أثر سقوط بغداد على العالم الإسلامي:

وصلت أخبار سقوط بغداد إلى العالم بأسره، فأما العالم الإسلامي فكان سقوط بغداد بالنسبة له صدمة رهيبة، لم يمكنه استيعابها مطلقاً، فبغداد لم تكن مدينة عادية، فكونها أكبر مدينة على وجه الأرض في ذلك الحين، وبها أكثر من ثلاثة ملايين مسلم، وأنها من أعظم دور العلم والحضارة والمدنية في الأرض، ومن ثغور الإسلام القديمة، فهي عاصمة الخلافة الإسلامية.

وتساءل الناس سؤالاً خطيراً: ماذا يعني سقوط بغداد؟ وماذا يعني قتل الخليفة وعدم تعيين خليفة آخر؟ لم تكن تعني للمسلمين شيئاً بدون خلافة أو خليفة، فحتى مع مظاهر الضعف الواضحة في السنوات الأخيرة للخلافة العباسية، إلا أن ذلك لم يكن يلغي معنى الخلافة من أذهان الناس، فالخلافة كانت تعتبر رمزاً هاماً للمسلمين، فإذا كان هناك خلافة ولو ضعيفة، فقد يأتي زمان تتقوى فيه الخلافة، أما أن تختفي الخلافة بالمرة فهذا غير مفهوم عند المسلمين.

ثم ظهر عند المسلمين في ذلك الوقت اعتقاد غريب، فسيطر على كثير منهم اعتقاد أن ظهور التتار وهزيمة المسلمين وسقوط بغداد ما هي إلا علامات للساعة، وأن المهدي سيظهر قريباً جداً؛ ليقود جيوش المسلمين للانتصار على التتار.

وأنا أقول: سيظهر المهدي في يوم ما، وسينزل المسيح عليه السلام، وستقوم الساعة، فنحن نؤمن بذلك يقيناً، وأما متى فلا يدري أحد، {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب:٦٣].

ثم لماذا تظهر مثل هذه الدعوات في أوقات الهزائم والانتكاسات؟ هذا ليس له إلا مبرر واحد، وهو أن الناس أحبطوا تماماً، وأصبحوا يشكون في إمكانية النصر على أعداء الله بمفردهم، فقد أيقن الناس أنهم لا طاقة لهم بـ هولاكو وجنوده، ولذلك بحثوا عن حل آخر أسهل، وهو انتظار خروج المهدي، وعندها سيقاتلون معه، أما الآن فلا يستطيعون، فجلسوا يراقبون الموقف عن بعد، وينتظرون المعجزة.

كان هذا هو الوضع في العالم الإسلامي.
وأما العالم النصراني فقد عمت البهجة والفرح أطرافه بكاملها، وكان هذا الشيء متوقعاً جداً منهم، فقد ذكرنا في أول هذه المحاضرات أن قوى العالم الرئيسية في هذا القرن كانت ثلاث قوى: العالم الإسلامي، والعالم النصراني، والتتار، وكانت الحروب بين المسلمين والنصارى على أشدها.

وكانت هذه الضربة التترية ضربة موجعة جداً للعالم الإسلامي، ولاشك أن أطماع الصليبيين ستتجدد في الشام ومصر، وبغض النظر عن سرور النصارى أو التتار فقد سقطت بغداد، ومع عظم المصيبة على المسلمين، والمكاسب الهائلة التي حققها التتار، والكنوز الثمينة التي نهبوها، إلا أن الذي يشرب من الدم لا يرتوي أبداً.
لذلك كان من الواضح أن بغداد لن تكون المحطة الأخيرة للمعتدين، ولابد أنهم سيبحثون عن كنز آخر وضحية جديدة.

فماذا سيفعل التتار؟ وإلى أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي سيتجهون؟ وما هو رد فعل المسلمين؟ هذا ما سنعرفه وغيره إن شاء الله في المحاضرة القادمة.

أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:٤٤].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 #يتبع باذن الله المحاضرة السادسه في يوم اخر.

قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت 💫 #المحـ4ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
🛡 #المحـ5ـاضرة [سقوط بغداد]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

المحاضرة الخامسة.

للنصر أسباب ينبغي الأخذ بها، ولا يجوز إغفالها بأي حال من الأحوال، ومن الوهم اكتفاؤنا باعتقاد أننا أصحاب الدين الحق مع عدم إعداد العدة، فللهزيمة أسباب ينبغي تجنبها، وأخطر هذه الأسباب وأشدها التفرق والتناحر والتشرذم، كما كان الحال عند اجتياح التتار لبغداد.
 
💎اهم العنواين الرئيسية :
جالوت:
_تجهيزات الجيش التتري لغزو العراق
_بدء تحرك جيش التتار نحو بغداد
وسحقهم للإسماعيلية في طريقم
_الأحوال في بغداد أثناء غزو التتار لها:
حال الخليفة المستعصم
حال الحكومة في بغداد
حال الشعب في بغداد

-حصار هولاكو لبغداد
-المفاوضات بين التتار وبين الخلافة العباسية
-قصف التتار لبغداد
- خروج الخليفة ووزرائه إلى هولاكو
-استباحة التتار لبغداد

-إغراق التتار لمكتبة بغداد
-إتلاف الغزاة لمكتبات المسلمين
- إحراق التتار لبغداد
-أمان هولاكو لأهل بغداد
تعيين هولاكو لمؤيد الدين العلقمي
 حاكما على بغداد
أثر سقوط بغداد على العالم الإسلامي
.
#يتبع الليلة باذن الله

قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت 🛡 #المحـ5ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
🛡 #المحـ5ـاضرة [سقوط بغداد]
             ∫∫    الحـ٥٠ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎قصف التتار لبغداد:

كان الخليفة يريد القليل من الوقت ليفكر، وهولاكو ليس عنده وقت.
كان هولاكو محاصراً لبغداد بجيوش تترية ضخمة تكلفه آلاف الدنانير كل يوم، وكان هذا الحصار في شهر محرم سنة (٦٥٦) هجرية الموافق لشهر يناير سنة (١٢٥٨) ميلادية في جو شديد البرودة، وفوق كل هذه الصعوبات كان هولاكو ينظر إلى بغداد ويرى الحلم الجميل الذي راود أجداده من قبل، حلم اجتياح بغداد وإسقاط الخلافة العباسية الإسلامية، فهو لن ينتظر وقتاً طويلاً، فبدأ يقصف بغداد بالقذائف الحجرية والنارية، ومع أول قذيفة سقط قلب الخليفة في قدمه، واستمر القصف على بغداد أربعة أيام متتالية.
وقد ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية موقفاً بسيطاً ولم يعلق على الموقف، ولكنه حمل معاني كثيرة، يقول ابن كثير: وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل مكان، حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى عرفة، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة.
فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرة الستائر على دار الخلافة.
هذا الحدث ذكره ابن كثير ولم يعلق عليه، وهو وإن كان في ظاهره أمر بسيطاً عابراً، إلا أنه يحمل معاني هائلة عندي، فقد تمكنت الدنيا تماماً من قلوب الناس في بغداد، وأولهم الخليفة، فالخليفة الموكل إليه حماية هذه الأمة في هذا الموقف الخطير يسهر هذه السهرة اللاهية.
وقد تكون الجارية ملك يمينه حلالاً له، ولكن أتحاصر عاصمة الخلافة الإسلامية، والموت على بعد خطوات منها، والمدفعية المغولية تقصف بمنتهى العنف، والسهام النارية تحرق، والناس في ضنك شديد، والخليفة يستمتع برقص الجواري! أين العقل والحكمة؟ فقد أصبح رقص الجواري في الدماء، وصار كالطعام والشراب لابد منه حتى في وقت الحروب، ولا أدري والله كيف كانت نفسه تقبل أن تنشغل بمثل هذه الأمور، والبلاد والشعب وهو شخصياً في مثل هذه الضائقة، وما أبلغ العبارة التي كتبها التتار على السهم الذي أطلق على دار الخلافة، فقد اختيرت بعناية، فقد كتب عليه: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم.
يعني: أن الله عز وجل قضى على بغداد بالهلكة في ذلك الوقت، وأذهب عقل الخليفة وعقل أعوانه وشعبه.
ولاشك أن هذه العبارات المنتقاة كانت نوعاً من الحرب النفسية المدروسة، التي يمارسها التتار بمنتهى المهارة على أهل بغداد، ويكفي دليلاً على قلة عقل الخليفة، أنه بعد قتل الجارية الراقصة لم يأمر الشعب بالتجهز للقتال، وإنما فقط أمر بزيادة الاحتراز! ولذلك كثرت الستائر حول دار الخلافة لحجب الرؤية، ولزيادة الوقاية، ولستر الراقصات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
واستمر القصف على بغداد من يوم (١) صفر إلى (٤) من صفر في سنة (٦٥٦) من الهجرة، وفي (٤) من صفر سقطت الأسوار الشرقية لبغداد وانهارت.
 
#يتبع ....👇

قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت 🛡 #المحـ5ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
🛡 #المحـ5ـاضرة [سقوط بغداد]
             ∫∫    الحـ٥١ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خروج الخليفة ووزرائه وكبار قومه إلى هولاكو وقتل التتار لهم

مع انهيار الأسوار الشرقية انهار الخليفة تماماً، فلم يبق من عمره إلا لحظات قليلة، فأشار عليه الوزير مؤيد الدين العلقمي أن يخرج بنفسه لمقابلة هولاكو؛ فلعله يقتنع هولاكو في مباحثات السلام، فذهبت الرسل من عند الخليفة إلى هولاكو تخبره بقدوم الخليفة،

 فأمر هولاكو أن يأتي الخليفة ومعه كبار رجال الدولة من الوزراء والفقهاء والعلماء وأمراء الناس وأعيانهم؛ حتى يحضروا جميعاً المفاوضات، وتصبح المفاوضات ملزمة للجميع،

فلم يكن عند الخليفة اختيار، فجمع كبار قومه، وخرج في وفد مهيب إلى خيمة هولاكو ومعه (٧٠٠) من قادة المسلمين وعلمائهم في بغداد، وخرج وقد تحجرت الدموع في عينيه، وتجمدت الدماء في عروقه، وتسارعت ضربات قلبه، فهذه أول مرة يخرج فيها بهذه الذلة والمهانة، فقد كان من عادته أن يستقبل في قصره وفود الأمراء والملوك، والآن يخرج بهذه الصورة، وكان ماشياً بجواره وزيره مؤيد الدين العلقمي الشيعي،

 فلما اقترب الوفد من خيمة هولاكو اعترضه فرقة من الحرس الملكي التتري قبل الدخول على هولاكو، ولم يسمحوا لكل الوفد بالدخول على هولاكو، وقالوا: سيدخل الخليفة ومعه (١٧) رجلاً فقط، وأما الباقي فعليهم الخضوع للتفتيش الدقيق،

فدخل الخليفة ومعه (١٧) من رجاله، وحجب عنه بقية الوفد، ولكنهم لم يخضعوا للتفتيش، بل أخذوا جميعاً للقتل، فقتل الوفد بكامله إلا الخليفة ومن كان معه في داخل الخيمة، فقتل كبراء القوم ووزراء الخلافة وأعيان البلد وأصحاب الرأي، وفقهاء وعلماء الخلافة العباسية، ولم يقتل الخليفة؛ لأن هولاكو كان يريد استخدامه في أشياء أخرى،

وبدأ هولاكو يصدر الأوامر في عنف وتكبر، واكتشف الخليفة أن وفده قد قتل بكامله، واكتشف ما كان واضحاً لكل الخلق ولم يره هو إلا الآن، اكتشف أن التتار وأمثالهم لا عهد لهم ولا أمان، {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة:١٠].
واكتشف أيضاً أن الحق لابد له من قوة تحميه، وإن تركت حقك دون حماية فلا تلومن إلا نفسك، ولكن هذا الاكتشاف جاء متأخراً للأسف،

وبدأ السفاح هولاكو يصدر الأوامر الصارمة:
 الأول: على الخليفة أن يصدر أوامره لأهل بغداد بإلقاء أي سلاح، والامتناع عن أي مقاومة، وكان هذا أمراً سهلاً؛ لأنه لا يوجد شخص في المدينة رافعاً للسلاح.

الأمر الثاني: تقييد الخليفة المسلم وسوقه إلى المدينة يرسف في أغلاله؛ لكي يدل التتار على كنوز العباسيين.

الأمر الثالث: قتل ولدي الخليفة أمام عينه: أحمد وعبد الرحمن، ما كان اسمهما: عدي وقصي، وإنما أحمد وعبد الرحمن.

الأمر الرابع: أسر أخوات الخليفة الثلاث: فاطمة، وخديجة، ومريم.

الأمر الخامس: أن يكتب ابن العلقمي أسماء علماء السنة وحملة القرآن وخطباء المساجد داخل بغداد، ثم أمر بإخراجهم مع أولادهم ونسائهم إلى مكان خارج بغداد بجوار المقابر، فكان ينام العالم على الأرض ويذبح كما تذبح الشياة، ثم تؤخذ نساؤه وأولاده سبايا أو للقتل، فكانت مأساة بكل المقاييس،

وقد ذبح على هذه الصورة أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف ابن العالم الإسلامي المشهور ابن الجوزي رحمه الله، وذبح أولاده الثلاثة معه: عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم، وذبح المجاهد مجاهد الدين أيبك وزميله سليمان شاه، وذبح شيخ الشيوخ ومؤدب الخليفة ومربيه صدر الدين علي بن النيار، ثم ذبح بعد ذلك خطباء المساجد والأئمة وحملة القرآن،

والخليفة حي يشاهد هذا، فيا ترى كم من الألم والندم والخزي والرعب الذي كان يشعر به الخليفة؟! ولو تخيل الخليفة ولو للحظات أن العاقبة ستكون بهذه الصورة، فلا شك أن إدارته للبلاد ستختلف اختلافاً جذرياً، والأيام لا تعود، وهذه سنة الأيام، فألقى أهل المدينة السلاح وقتلت الصفوة.
 
#يتبع ....👇

قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت 🛡 #المحـ5ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
🛡 #المحـ5ـاضرة [سقوط بغداد]
             ∫∫    الحـ٥٢ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎استباحة التتار لبغداد:
بعد هذا الأمر انساب جنود هولاكو إلى شوارع بغداد ومحاورها المختلفة، وأصدر السفاح هولاكو أمره الشنيع باستباحة بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية -يعني: أن للجيش التتري أن يفعل فيها ما يشاء، فيقتل ويأسر ويسبي ويزني ويسرق ويدمر ويحرق، وكل ما بدا له أن يفعله فليفعله،

فانطلقت وحوش التتار الهمجية تنهش في أجساد المسلمين، واستبيحت مدينة بغداد العظيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله،

فكم من الجيوش خرجت لتجاهد من هذه المدينة العظيمة بغداد؟ وكم من العلماء جلسوا يفقهون الناس في دينهم في هذه المدينة؟ وكم من طلاب العلم شدوا الرحال إليها؟ والآن لم يبق لها أحد.

أين خالد بن الوليد؟ وأين المثنى بن حارثة؟ وأين القعقاع؟ وأين النعمان؟ وأين سعد؟ أين الحمية في صدور الرجال؟ وأين النخوة في أبناء المسلمين؟ أين العزة والكرامة؟ أين الذين يطلبون الجنة ويقاتلون في سبيل الله؟ بل أين الذين يدافعون عن أعراضهم ونسائهم وأولادهم وديارهم وأموالهم؟ لم يوجد منهم أحد،

ففتحت بغداد أبوابها على مصراعيها، فلا مقاومة لا حراك، فلم يبق في بغداد رجال، ولكن أشباه رجال، واستبيحت المدينة العظيمة، مدينة الإمام أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل، مدينة الرشيد رحمه الله والمعتصم فاتح عمورية، واستبيحت عاصمة الإسلام التي بقيت كذلك لأكثر من خمسة قرون،

وفعل التتار في المدينة ما لا يتخيله عقل أبداً، فبدأ التتار يتعقبون المسلمين في كل شارع وميدان وبيت وحديقة ومسجد ومكتبة، واستحر القتل في المسلمين، والمسلمون لا حول لهم ولا قوة، ولا هم لهم إلا الهرب إلى أي مكان،

فكان المسلم يهرب إلى داره ويغلق عليه الباب، فيأتي التتري ويحرق الباب أو يقلعه ويدخل عليه، فيهرب إلى السطح ويصعد التتري وراءه ويقتله فوق السطح، حتى سالت الدماء بكثرة من ميازيب المدينة.

ولم يقتصر التتار على قتل الرجال الأقوياء فقط، بل كانوا يقتلون الكهول والشيوخ، والنساء إلا من استحسنوها منهن فكانوا يأخذونها سبياً، بل وكانوا يقتلون الأطفال والرضع، فقد وجد جندي من التتار (٤٠) طفلاً في شارع جانبي قد قتلت أمهاتهم، فقتلهم جميعاً،

فقد كانت قلوب التتار قاسية كالحجارة أو أشد قسوة، وتزايد أعداد القتلى في المدينة بشكل بشع على مر الأيام، ولم تتوقف الإبادة ولم تنته، ولم يكن هناك دفاع ولا مقاومة، ودخل في روع الناس أن التتار لا يهزمون لا يجرحون، بل إنهم لا يموتون،

حدث كل هذا والخليفة حي يشاهد، وهذا هو العذاب بعينه، ولنتخيل مدى الحسرة والألم في قلب الخليفة وهو واقف يتفرج على هذه الأحداث، وقد سيق كما يساق البعير في داخل مدينته الكبيرة، لاشك أنه قال مراراً: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم:٢٣]، ولاشك أنه نادم يقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٨ - ٢٩]، ولابد أنه قد مر على ذهنه شريط حياته في لحظات، وأن لسان حاله كان يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠].

روى أبو داود وأحمد رحمهما الله تعالى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: (إذا تبايعتم بالعينة -وهي نوع من أنواع الربا- وأخذتم أذناب البقر -أي: عملتم في رعي المواشي- ورضيتم بالزرع -أي: رضيتم بالاشتغال بالزراعة وأعمال الرعي في وقت الجهاد المتعين- وتركتم الجهاد)،

فإذا حدثت هذه الأمور: (تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا دينكم).

فقد عمل أهل بغداد في الزراعة والتجارة والكتابة والصناعة، بل في العلم والتعلم، وتركوا الجهاد في سبيل الله، فكانت النتيجة هذا الذل،

ثم سيق الخليفة المستعصم بالله إلى خاتمته الشنيعة بعد أن دل على كل كنوز العباسيين، فقد انتهى دوره، وقتل الخليفة المسلم، فقد وضعه التتار في كيس، ثم أمر هولاكو أن يقتل الخليفة رفساً بالأقدام في ذل وإهانة.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

لم تسقط بغداد فقط، بل سقط معها آخر خلفاء بني العباس في بغداد، وسقط معه الشعب بكامله، وكان هذا في اليوم العاشر من فتح بغداد لأبوابها، يوم (١٤) صفر سنة (٦٥٦) من الهجرة،

ولم تنته المأساة بقتل الخليفة، وإنما أمر هولاكو لعنه الله باستمرار عملية القتل في بغداد، فاستمر القتل مدة (٤٠) يوماً متصلة، لم يكن فيها هم للجنود التتر إلا قتل المسلمين، فقتل في بغداد ألف ألف مسلم ما بين رجال ونساء وأطفال، قتلوا في (٤٠) يوماً فقط.
 
#يتبع ....👇

قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت 🛡 #المحـ5ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
🛡 #المحـ5ـاضرة [سقوط بغداد]
             ∫∫    الحـ٥٣ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎إغراق التتار لمكتبة بغداد في نهر دجلة:

بينما كان فريق من التتار يقتل المسلمين ويسفك دماءهم، اتجه فريق آخر من التتار لعمل إجرامي آخر، ليس له مبرر، إلا أن التتار قد ملأ الحقد قلوبهم لكل ما هو حضاري في بلاد المسلمين، فقد شعر التتار بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين، فالمسلمون لهم تاريخ طويل جداً في العلوم والدراسة والأخلاق، ولهم عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء في كافة فروع العلم الديني منها والدنيوي، فقد أثرى هؤلاء العلماء الحضارة الإسلامية بملايين المصنفات، بينما التتار لا حضارة لهم، بل هم أصلاً أمة لقيطة، نشأت في صحراء شمال الصين، واعتمدت على شريعة الغاب في نشأتها، وقاتلت كما تقاتل الحيوانات، بل عاشت كما تعيش الحيوانات، فلم ترغب مطلقاً في إعمار الأرض أو إصلاح الدنيا كما فعل المسلمون قبل ذلك، ولكنهم عاشوا فقط للتخريب والتدمير والإبادة.

فشتان بين أمة التتار وبين أمة الإسلام، بل شتان بين أي أمة من أمم الأرض وأمة الإسلام.
وهذا الانهيار الذي رأيناه في تاريخ بغداد من المستحيل أن يمحو التاريخ العظيم لهذه الأمة،

فاتجه فريق من أشقياء التتار إلى تدمير مكتبة بغداد العظيمة، أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن، فقد كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في أكثر من (٦٠٠) عام، جمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون، من علوم شرعية، كالتفسير والحديث والفقه والعقيدة والأخلاق، وعلوم حياتية، كالطب والفلك والهندسة والكيمياء والفيزياء والجغرافيا، وعلوم إنسانية، كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والأدب والتاريخ والفلسفة، وكل أنواع العلوم،

هذا بالإضافة إلى ملايين الأبيات من الشعر، وعشرات الآلاف من القصص والنثر، والترجمات المختلفة لكل العلوم الأجنبية اليونانية والفارسية والهندية وغيرها.

فقد كانت مكتبة بغداد مكتبة عظيمة بكل المقاييس، ولم يقترب منها في العظمة إلا مكتبة قرطبة الإسلامية في الأندلس،

وقد مرت مكتبة قرطبة بنفس التجربة قبل (٢٠) سنة فقط من سقوط بغداد -أي: عام ٦٣٦ من الهجرة- فقد أحرقت مكتبة قرطبة تماماً عندما سقطت في يد نصارى أوروبا، وقام بذلك الحرق أحد قساوسة النصارى بنفسه واسمه قمبيز.

حمل التتار الكتب الثمينة والتي بلغ أعدادها ملايين الكتب الثمينة، وألقوا بها جميعاً في نهر دجلة، هكذا ببساطة، وهذا من غباء التتار، فقد كان يمكنهم أخذ هذه الكتب إلى قراقورم عاصمة المغول؛ ليستفيدوا منها، فهم لا يزالون في مرحلة الطفولة الحضارية، ولكن التتار أمة همجية لا تقرأ ولا تريد أن تتعلم، فهي لا تعيش إلا لملذاتها وشهواتها فقط.

وكان هدفهم في الدنيا هو تخريبها، فألقى التتار بمجهود القرون الماضية في نهر دجلة، حتى تحول لون مياه نهر دجلة إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب، حتى قيل: إن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من الضفة إلى الضفة الأخرى.
 
💎إتلاف الغزاة لمكتبات المسلمين في كل حروبهم:
إن إغراق مكتبة بغداد ليست جريمة في حق المسلمين فقط، بل في حق الإنسانية كلها، وهي جريمة متكررة في التاريخ، فقد فعلها الصليبيون النصارى في الأندلس في مكتبة قرطبة الهائلة كما ذكرنا من قبل، وفعلوها مرة ثانية في الأندلس في مكتبة غرناطة عند سقوطها، فأحرقوا مليون كتاب في أحد الميادين العامة، وفعلوها في الأندلس مرة ثالثة ورابعة وخامسة وعاشرة في مكتبات طليطلة وأشبيلية وبلنسية وسرقسطة وغيرها.

وفعلها الصليبيون النصارى أيضاً في الشام في مكتبة طرابلس اللبنانية، فقد أحرقوا ثلاثة ملايين كتاب، ومكتبة طرابلس لا تقارن بالمرة بمكتبة بغداد، فتخيل الرقم الذي أغرق في نهر دجلة من الكتب من مكتبة بغداد، وفعلها الصليبيون النصارى في فلسطين في مكتبة غزة والقدس وعسقلان،

ثم فعلها بعد ذلك المستعمرون الأوروبيون الجدد الذين نزلوا إلى بلاد العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر، ولكنهم كانوا أكثر ذكاء من أجدادهم، فقد سرقوا الكتب إلى أوروبا ولم يحرقوها، ومازالت المكتبات الكبرى في أوروبا إلى الآن تحوي مجموعة من أعظم كتب العلم في الأرض، والكتب الأصلية في أوروبا أضعاف أضعاف ما يمتلكه المسلمون في بلادهم.

فقد كان هم الغزاة على طول العصور أن يحرموا هذه الأمة من اتصالها بأي نوع من أنواع العلوم، إما بحرق الكتب، أو تغريقها في الأنهار، أو سرقتها، أو بتغيير مناهج التعليم كما يعملون الآن حالياً؛ لتفريغ الأمة من أهم ما تمتلك من العلم والدين والأخلاق.
#يتبع ....👇

قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت 🛡المحـ5ـاضر
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
🛡 #المحـ5ـاضرة [سقوط بغداد]
             ∫∫    الحـ٤٥ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - -
💎بدء تحرك جيش التتار نحو بغداد وسحقهم للإسماعيلية الشيعة على طريقهم:
بهذا الإعداد العالي المستوى للتتار اكتمل جيش التتار، وبدأ في الزحف من فارس في اتجاه الغرب إلى العراق، وبدأ هولاكو يضع خطة المعركة، وبدراسة مسرح العمليات وجد هولاكو أن طائفة الإسماعيلية الشيعية التي تتمركز في الجبال في غرب فارس وشرق العراق، يعني: بين الجيش التتري وبين الخلافة العباسية، سوف تمثل خطورة كبيرة على الجيش التتري، فهي مشهورة بقوة القتال والحصون المنيعة، وهي طائفة لا عهد لها ولا أمان، ومع أن التتار يعلمون أن الإسماعيلية على خلاف شديد مع الخلافة العباسية، وأنها من المنافقين الذين يتزلفون إلى الأقوياء، إلا أن التتار لم يطمئنوا لهم أبداً، فآثروا ألا يتركوا شيئاً للمفاجآت، وقرروا عدم دخول بغداد إلا بعد استئصال شأفة الإسماعيلية تماماً، ومع أن هذا سيأخذ منهم وقتاً إلا أنه لابد أن يعمل لكل شيء حسابه.
فتحركت الجيوش الهائلة صوب معاقل الإسماعيلية وحاصرتها حصاراً محكماً، ودارت حروب شرسة بين التتار والإسماعيلية انتهت بسحق كامل للإسماعيلية وخلو المنطقة تماماً منهم، وأصبح الطريق مفتوحاً إلى بغداد.
وقد استغرقت هذه الحروب سنة (٦٥٥) للهجرة بكاملها.
وهذا الإسهاب النسبي في شرح إعداد هولاكو للحرب مع الخلافة لم نقصد منه إظهار الانبهار بـ هولاكو أو الاحتقار للمسلمين، وإنما هو محاولة للبحث عن مبرر واضح للنتائج الرهيبة التي حدثت عند سقوط بغداد، فالناظر للأحداث دون تعمق، أو الدارس للأمر بسطحية قد يتساءل: لماذا يسمح الله عز وجل للتتار وهم أخس أهل الأرض بسفك دماء المسلمين، واستباحة الحرمات بهذه الصورة، مع أن المسلمين مهما وقع منهم من قصور إلا أنهم موحدون، ومقيمون للصلاة، وقارئون لكتاب الله عز وجل؟
أقول: أحببت أن أتابع معكم هذا الإعداد الطويل المرتب، الذي لم يقابل بأقل درجات الاهتمام من جانب المسلمين، لتحدث بذلك المأساة الكبرى والبلية العظمى، والذي يعتمد فقط على كونه من الموحدين المسلمين، ولا يعد العدة للقتال، ولا يأخذ بالأسباب، فهو واهم في إمكانية تحقيق النصر.
وكثيراً ما رأينا في التاريخ وفي الواقع اليهود أو النصارى أو البوذيين أو الهندوس أو الشيوعيين الملاحدة ينتصرون على المسلمين، بل ويكثرون من إهانتهم، عندما يأخذ هؤلاء الأقوام بالأسباب المادية ويتركها المسلمون، وسنة الله عز وجل لا تبديل لها ولا تغيير.
ثم اجتمع هولاكو مع كبار مستشاريه في مجلس حرب يعد من أهم مجالس الحرب في تاريخ التتار، فالقرار فيه هو غزو العاصمة بغداد وإسقاط الخلافة الإسلامية، وعقد مجلس الحرب هذا في مدينة همذان الفارسية، وأخذ القرار فعلاً بالحرب، واهتم هولاكو بوضع مراقبة لصيقة على الفرق الإسلامية، فقد كان خائفاً من الخيانة، ولكن هذا الخوف لم يكن حقيقياً، فالأمراء المسلمون الذين انضموا إلى هولاكو لم يكن في نيتهم أبداً الغدر بـ هولاكو، وإنما كانت نيتهم وعزمهم أن يغدروا ببغداد، ثم انطلقت الجيوش من همذان في اتجاه العراق، وبينهما (٤٥٠) كيلو متر.
قسم هولاكو جيشه إلى ثلاثة أقسام:
📌القسم الأول: القلب، وهو القسم الرئيسي من الجيش، وقاده هولاكو بنفسه، ثم لحقت به أكثر من فرقة من الفرق الهامة في الجيش التتري، فلحقت به الفرقة التي أتت من روسيا، والفرق المساعدة من مملكتي أرمينيا والكرج، واخترق الجبال الواقعة في غرب فارس صوب بغداد، ومر بمدينة كرمان شاه، بعد أن نقيت هذه المنطقة تماماً من الإسماعيلية، ليحاصر بغداد من الجهة الشرقية.
📌القسم الثاني: الجناح الأيسر لجيش التتار، وقاده كتبغانوين أفضل قواد هولاكو، وقد تحرك هذا الجيش بمفرده في اتجاه بغداد إلى الجنوب من الجيش الأول.
وتم فصل الجيشين حتى لا تستطيع المخابرات الإسلامية -إن كان هناك مخابرات- أن تقدر العدد الصحيح للجيش التتري، بالإضافة إلى أن الطرق لا تستوعب هذه الأعداد الهائلة من الجنود، فضلاً أنه كان على جيش كتبغانوين اختراق سهول العراق والتوجه لحصار بغداد من جنوبها.
ومع أن المسافة من همذان إلى بغداد (٤٥٠) كيلو متر إلا أن هولاكو كان يتميز بالحذر، الذي استطاع معه أن يخفي هذا الجيش بكامله عن عيون العباسيين، ولم يكتشف العباسيون جيش التتار إلا وهو على بعد أقل من (٥٠) كيلو متر من بغداد.
📌القسم الثالث: الجيش التتري الرابض على أطراف الأناضول شمال تركيا الآن، وهو الذي فتح أوروبا، وكان على رأسه الزعيم التتري الكبير بيجو، وقد جاء هذا الجيش من المناطق الشمالية في اتجاه الجنوب، حتى وصل إلى بغداد؛ ليحاصرها من الشمال، ثم التف أيضاً ليحاصرها من الغرب، وبذلك حوصرت بغداد بين هولاكو شرقاً وكتبغانوين من الجنوب وبيجو من الغرب والشمال.
#يتبع ...👇
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚

📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت 🛡 #المحـ5ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
🛡 #المحـ5ـاضرة [سقوط بغداد]
             ∫∫    الحـ٤٦ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎الأحوال في بغداد أثناء غزو التتار لها:

كانت بغداد في ذلك الوقت من أشد مدن الأرض حصانة، وكانت أسوارها من أقوى الأسوار، فهي عاصمة الخلافة الإسلامية لأكثر من خمسة قرون، فقد أنفق على تحصينها أموال طائلة وجهود هائلة، وكانت هذه الجهود جهود سنين وقرون، ولكن وا أسفاه على المدينة الحصينة، فالحصون تحتاج إلى رجال يحمونها، ويبدو أن الرجال قد ندروا في ذلك الزمان.
 
١☆💎حال الخليفة المستعصم:
كان رأس الدولة في الخلافة العباسية الخليفة السابع والثلاثين والأخير من خلفاء بني العباس في بغداد المستعصم بالله واسمه كبير جداً المستعصم بالله، ووظيفته كبيرة جداً خليفة المسلمين، ولكن أين مقومات الخلافة في المستعصم بالله؟

وعندما تقرأ عن سيرة المستعصم بالله الذاتية في كتب السير مثل تاريخ الخلفاء للسيوطي أو البداية والنهاية لـ ابن كثير أو غيرهما من الكتب تجد أمراً عجباً، فتجدهم يصفونه بأنه كان رجلاً فاضلاً في حياته الشخصية وفي معاملاته مع الناس، بخلاف ما ذكرنا عن محمد بن خوارزم من أنه قطع العلاقات بينه وبين من حوله،

لكن تعالوا نرى ما هي مشكلة المستعصم بالله، يقول ابن كثير واصفاً المستعصم بالله: إنه إنسان فاضل في نفسه، كان حسن الصورة، جيد السريرة، صحيح العقيدة، مقتدياً بأبيه المستنصر بالله في العدل وكثرة الصدقات وإكرام العلماء والعباد.

ثم يقول كلمة غريبة جداً يقول: وكان سنياً على مذهب السلف.
ولا أعرف ماذا يقصد بكلمة (على مذهب السلف)، أفلم يكن في مذهب السلف جهاد وإعداد للقتال، ودراسة لأحوال الأرض وموازين القوى العالمية، وحمية ونخوة لدماء المسلمين التي سالت على مقربة من العراق في فارس وأذربيجان وأفغانستان وباكستان وغيرها؟! ألم يكن في مذهب السلف وحدة وألفة وترابط؟

فالخليفة المستعصم كان جيداً في ذاته، ولكنه افتقر إلى أمور لا يصح أن يفتقر إليها حاكم مسلم، فقد افتقر إلى القدرة على إدارة الأمور والأزمات، وإلى كفاءة القيادة، وإلى علو الهمة والأمل في سيادة الأرض والنصر على الأعداء، ونشر دين الله عز وجل في الأرض،

وإلى الشجاعة التي تمكنه من أخذ قرار الحرب في الوقت المناسب، فلم يكن عنده القدرة على تجميع الصفوف وتوحيد القلوب، ونبذ الفرقة، ورفع راية الوحدة الإسلامية الواحدة، ولم يكن قادراً حتى على اختيار أعوانه،

ففشت في بلاده بطانة السوء، فالوزراء يسرقون، وأفراد الشرطة يظلمون، وقواد الجيش يتخاذلون، والفساد عم وطغى في كل مكان، وكثرت الاختلاسات من أموال الدولة، وعمت الرشاوى، وطغت الوساطة، وانتشرت أماكن اللهو والفساد والإباحية والمجون في كل مكان، بل وأعلن عنها صراحة، ودعي إليها على رءوس الأشهاد، والراقصات والخليعات كن يعلن عن أنفسهن صراحة في هذا البلد المسلم،

والخليفة كان يصلي ويصوم ويزكي، وكان لسانه نظيفاً ومحباً للفقراء والعلماء، وكل ذلك جميل في مسئوليته أمام نفسه، ولكن أين مسئوليته أمام مجتمعه وأمته؟ فقد ضعف تماماً عن حمل مسئولية الشعب.

وكان باستطاعة الخليفة أن يجهز من داخل العراق في ذلك الوقت مائة وعشرين ألف فارس، فضلاً عن المشاة والمتطوعين، فالجيش التتري الذي حاصر بغداد كان مائتي ألف، فكان هناك أملاً كبيراً جداً في رد الغزاة،

ولكن الخليفة كان مهزوماً من داخله، وفاقداً للروح التي تمكنه من المقاومة، كما أنه لم يربِ شعبه أبداً على الجهاد، ولم يعلمهم فنون القتال، فلم يوجد معسكرات للتدريب تعد شباب الأمة ليوم كيوم التتار، ولم يهتم بالسباحة والرماية وركوب الخيل، ولم يجهز الأمة معنوياً لتعيش حياة الجد والنضال.

وأنا لست متحاملاً على الخليفة أبداً، فقد حكم البلاد (١٦) سنة، وأعطي الفرصة الكاملة لإدارة البلاد، فكان عليه أن يعد العدة، ويقوي من شأن البلاد، ويرفع من هيبتها، ويعلي من شأنها، ويجهز جيشها، ويعزز رأيها إن كان كفؤاً، وإن لم يكن كفؤاً وكان صادقاً فعليه أن يتنحى عن الحكم ويترك الأمر لمن يستطيع، فهذه ليست مسئولية أسرة أو قبيلة، وإنما مسئولية أمة عظيمة كبيرة جليلة، أمة هي خير أمة أخرجت للناس، ولكن الخليفة لم يعمل هذا ولا ذاك، فلا قام بالإعداد ولا بالتنحي، فكان لا بد أن يدفع الثمن، ولا بد لشعبه الذي رضي به أن يدفع الثمن معه.

والبلاد لم يكن ينقصها المال اللازم لشراء السلاح أو تصنيعه، فقد كانت خزائن الدولة ملأى بالأموال والسلاح، ولكنه إما سلاح قديم بال عفا عليه الزمن، وأكل عليه الدهر وشرب، أو سلاح جديد عظيم جداً، ولكنه ما تدرب عليه أحد.
فهذا هو جيش الخلافة العباسية الذي سيواجه التتار.
 
#يتبع ...👇

قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت 🛡 #المحـ5ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
🛡 #المحـ5ـاضرة [سقوط بغداد]
             ∫∫    الحـ٤٧ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأحوال في بغداد أثناء غزو التتار لها:
٢-☆💎حال الحكومة في بغداد:
أما الحكومة التي هي بطانة الحاكم فقد كانت مثله وهو مثلها، فالحكومة كانت مثل الجيش هزيلة وضعيفة ومريضة، وكانت مكونة من أشباح، فالوزراء ليس همهم إلا جمع المال والثروات وتوسيع نطاق السلطة، واستعباد رقاب العباد، والتنافس غير الشريف بين بعضهم البعض، والتصارع المرير من أجل دار أو منصب أو حتى جارية،

وكان على رأس هذه الوزارة الساقطة رئيس وزراء خائن، باع البلاد والعباد، ووالى أعداء الأمة وعادى أبناءها.

وكانت هذه الوزارة سيفاً مسلطاً على رقاب وأموال المسلمين، ولم تكن علاقتها بالمسلمين الذين يحكمونهم علاقة الأخ بأخيه، وإنما كانت علاقة سيد بعبد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
٣-☆💎حال الشعب في بغداد:
أما الشعب في بغداد فلم يكن مظلوماً بهذا الخليفة الضعيف الهزيل، فالحكام إفراز طبيعي جداً للشعوب، وكما تكونوا يولى عليكم،

فالشعب في بغداد آنذاك كان شعباً كبيراً ضخماً، عدده ثلاثة ملايين نسمة على الأقل، فقد كانت بغداد أكبر مدينة على وجه الأرض، وسكانها كانوا أكبر عدد من السكان في مدينة واحدة، وهذا غير السكان الذين في المدن والقرى المحيطة ببغداد، فلم تكن تنقصهم الطاقة البشرية أبداً ولا الأموال، فقد كانوا شعباً مترفاً حقاً، ألفوا حياة الدعة والهدوء والراحة،

والملتزم فيهم قد اكتفى بتحصيل العلم النظري، وحضور الصلوات في المساجد، وقراءة القرآن، وقد نسي الفريضة التي جعلها رسول الله ذروة سنام الإسلام، فريضة الجهاد،

وأما غير الملتزمين بالدين فقد كانوا كثيرين جداً، عاشوا لشهواتهم وملذاتهم، وتنافسوا في ألوان الطعام والثياب، وفي أعداد الجواري والغلمان، وأنواع الديار والحدائق والبساتين والدواب، ومنهم من التهى بسماع الأغاني والألحان عن سماع القرآن والحديث،ومنهم من شرب الخمر، ومنهم من سرق المال، ومنهم من ظلم العباد،

وفوق ذلك فقد ظلوا قرابة أربعين سنة يسمعون عن المذابح البشعة، التي لحقت بإخوانهم المسلمين في أفغانستان،وأوزباكستان،وفارس وتركمانستان،وأذربيجان،والشيشان وغيرها ولم يتحركوا،

وسمعوا عن سبي النساء المسلمات
وخطف أطفال المسلمين،واغتصاب بناتهم، ولم يتحركوا، وسمعوا عن سرقة الأموال، وتدمير الديار، وحرق المساجد، ولم يتحركوا،

بل سمعوا أن خليفتهم الناصر لدين الله جد المستعصم بالله كان يساعد التتار ضد المسلمين الخوارزمية، ولم يتحركوا،
فلابد أن يكون الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان،

وسيأتي يوم يفعل فيه بهذا الشعب كما فعل في الشعوب المسلمة الأخرى، ولن يتحرك لهم أحد من المسلمين، بل سيساعدون التتار عليهم، كما أنهم ساعدوا التتار قبل ذلك على إخوانهم الخوارزمية،

فقد ساعد أهل سوريا وتركيا في ذلك الوقت التتار على فتح العراق للتتار، وهكذا تدور الدوائر،

ولا يقولن قائل: إن الشعب مغلوب على أمره، فالشعوب التي تقبل بكل هذا الانحراف عن نهج الشريعة لا تستحق الحياة، والشعوب التي لا تثور إلا من أجل لقمة عيشها ليس لها أن ترفع رأسها أبداً.

ثم أين العلماء؟ وأين الرجال؟ وأين الشباب؟ وأين المجاهدون؟ وأين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؟ وأين الحركات الإصلاحية في هذا المجتمع الفاسد؟ وأين الفهم الصحيح لمقاصد الشريعة ولأصول الدين؟ أفليس في بغداد رجل رشيد؟ كان هذا هو الوضع في بغداد، وأما خارج بغداد، فكما تعلمون أن جيوش التتار كانت تتحرق شوقاً لتعذيب المسلمين، والمسلمون في استكانة ينتظرون التعذيب.
 
#يتبع ...👇

قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55