#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت ✍ #المحــ2ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
#المحــ2ـاضرة [ الاجتياح ]
∫∫ الحـ٢٠ــلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎اجتياح التتار لإقليم خوارزم:

وأما إقليم خوارزم فقد كانت أشهر مدنه هي مدينة خوارزم، فقد كانت مركز عائلة خوارزم شاه، وكان بها تجمع ضخم جداً من المسلمين، وكانت حصون مدينة خوارزم من أشد حصون المسلمين بأساً وقوة، وهي تقع الآن على الحدود بين أوزبكستان وتركمانستان على نهر جيحون، وكانت تمثل للمسلمين قيمة اقتصادية واستراتيجية وسياسية كبيرة جداً،

ولأهمية هذه البلدة وجه إليها جنكيز خان أعظم جيوشه وأكبرها، فقام هذا الجيش بحصار المدينة لمدة خمسة أشهر كاملة، ولم يتم له الفتح، فطلبوا المدد من جنكيز خان فأمدهم بخلق كثير فزحفوا على البلد زحفاً متتابعاً وضغطوا عليه من كل موضع، حتى استطاعوا أن يحدثوا ثغرة في الأسوار، فدخلوا المدينة، ودار قتال رهيب بين التتار والمسلمين وفني من الفريقين عدد كبير جداً إلا أن السيطرة الميدانية كانت للتتار، ثم تدفقت جموع جديدة من التتار على المدينة، وحلت الهزيمة الساحقة بالمسلمين، ودار القتل على أشده فيهم وبدأ المسلمون في الهروب والاختفاء في السراديب والخنادق والديار،

فقام التتار بهدم سد ضخم كان مبنياً على نهر جيحون، يمنع الماء من دخول المدينة، فتدفق الماء الغزير طوفاناً على خوارزم، فأُغرقت المدينة بكاملها، ودخل الماء في كل السراديب والخنادق والديار، فتهدمت الديار بفعل الطوفان الهائل، ولم يسلم من مدينة خوارزم أحد البتة، فمن نجا من القتل قُتل تحت الهدم أو أُغرق بالماء، وأصبحت المدينة العظيمة خراباً، ولم يتركها التتار إلا وقد اختفت من على وجه الأرض، وأصبح مكانها ماء نهر جيحون، فكان من يمر على المدينة الضخمة بعد ذلك لا يستطيع أن يرى أثر لأي حياة سابقة.

وهذا كما يقول ابن الأثير: ما لم يُسمع بمثله في قديم الزمان وحديثه، اللهم ما حدث مع قوم نوح عليه السلام، ونعوذ بالله من الخذلان بعد النصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كانت هذه الأحداث الدامية أيضاً في سنة ٦١٧ هـ، وبتدمير إقليمي خراسان وخوارزم سيطر التتار على المناطق الشمالية والوسطى من دولة خوارزم الكبرى، ووصلوا في تقدمهم ناحية الغرب إلى قريب من نهاية الدولة الخوارزمية على حدود العراق، ولكنهم لم يقتربوا بعد من جنوب دولة خوارزم.

قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت ✍ #المحــ2ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
#المحــ2ـاضرة [ الاجتياح ]
∫∫ الحـ٢١ــلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎معركة بلق:

وكان جنوب دولة خوارزم تحت سيطرة رجل اسمه جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه ابن الزعيم الخوارزمي الكبير محمد بن خوارزم.

وجنوب دولة خوارزم كان يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان، وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند، وكان جلال الدين زعيم الجنوب يتخذ مدينة غزنة مقراً له، وهي في أفغانستان الآن، وتقع على بعد ١٥٠ كيلو متر جنوب مدينة كابل، وكانت مدينة حصينة جداً حيث تقع في وسط جبال باروبا ميزوس الأفغانية.

ولما انتهى جنكيز خان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد محمد بن خوارزم شاه وأسقط دولته بهذا الشكل البشع بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها، فقد كان يريد أن يحتل كل دولة خوارزم الكبرى، وينتهي من أمر جلال الدين الذي ورث الحكم بعد أبيه محمد بن خوارزم شاه،

فوجه جنكيز خان إلى غزنة جيشاً كثيفاً جداً من التتار، وكانت أخبار الاجتياح التتري الرهيب لمناطق الشمال والوسط من الدولة الخوارزمية قد بلغت جلال الدين، وبلغه ما حدث لأبيه وكيف مات في جزيرة في بحر قزوين، وأنه قد أصبح الزعيم الشرعي للبلاد،

فبدأ يُعد العدة لقتال التتار، فجمع جيشاً كبيراً من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين واسمه سيف الدين بغراق، وكان هذا الملك شجاعاً مقداماً، صاحب رأي ومكيدة وحرب، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل،

ثم انضم إليه ستون ألف مقاتل من الجنود الخوارزمية التي استطاعت أن تفر من المدن الإسلامية الكثيرة التي احتلها التتار،

ثم انضم إليه أيضاً ملك خان، وهو أمير مدينة هراة الذي هرب منها بفرقة من جيشه،

فبلغ جيش جلال الدين عدداً كبيراً جداً، ولا يعرف عدده بالضبط، ولكن كان عدد جيش سيف الدين بغراق تسعين ألفاً، غير جيش هراة، وغير جيش جلال الدين نفسه الذي هو جيش أفغانستان،

فخرج جلال الدين بهذا الجيش الكبير إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى بلق، وكانت منطقة وعرة جداً وسط الجبال العظيمة،
وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، فجاء جيش التتار،

ودارت بين قوات جلال الدين المتحدة وقوات التتار معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة، وقاتل المسلمون فيها قتال المستميت،

فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك، فكان لحمية المسلمين في هذه الموقعة وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية، وكثرة أعداد المسلمين وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق والقيادة الميدانية لـ جلال الدين أثراً واضحاً في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار،

واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام ثم أنزل الله عز وجل نصره على المسلمين، فانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين، وكثر فيهم القتل وفر الباقون منهم إلى ملكهم جنكيز خان،

وكان جنكيز خان في ذلك الوقت قد ترك سمرقند وتمركز في منطقة تعرف بالطالقان شمال شرق أفغانستان؛ ليكون قريباً من الأحداث.

وبعد هذه الموقعة ارتفعت معنويات المسلمين جداً، فقد كان وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يُهزمون، ولكن اتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة آتى ثماره، فقد اتحدت في هذه الموقعة جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش أبيه محمد بن خوارزم مع الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق مع ملك خان أمير هراة، واختاروا مكاناً مناسباً وأخذوا بالأسباب المتاحة فكان النصر.
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت ✍ #المحــ2ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
#المحــ2ـاضرة [ الاجتياح ]
∫∫ الحـ٢٢ــلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎 معركة كابل:

فاطمأن جلال الدين إلى جيشه، وأرسل رسالة إلى جنكيز خان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، ولأول مرة يشعر جنكيز خان بالألم، فجهّز جيشاً أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهّز الجيش المسلم،

والتقى الجيشان في مدينة كابل الأفغانية، وهي مدينة حصينة جداً، فهي تُحاط من كل جهاتها تقريباً بالجبال، ففي شمالها جبال هندكوش الشاهقة، وفي غربها جبال باروبا ميزوس، وفي جنوبها وشرقها جبال سليمان، ودارت موقعة كابل الكبيرة، وكان القتال عنيفاً جداً وأشد ضراوة من موقعة غزنة،

وثبت المسلمون وحققوا نصراً غالياً ثانياً على التتار، وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار، فارتفعت معنويات المسلمين جداً، وفرح المسلمون جداً وفرحنا، وقلنا: إن هاتين الموقعتين كانتا نهاية لأحزان وآلام المسلمين،

لكن بقيت في القصة مفاجأة عجيبة وقاسية، يعدها البعض نعمة وهي في الحقيقة نقمة، فقد حدث شيء أعاد الكرة للتتار وأضاع النصر من المسلمين، فيا ترى ما هو هذا الشيء؟ وما هذه المفاجأة؟ وما هو مصير جلال الدين بن محمد بن خوارزم؟ وما هو مصير أفغانستان؟ وما هو رد فعل العالم الإسلامي لسقوط دولة خوارزم الكبرى بكاملها؟ هذا ما سنعرفه وغيره إن شاء الله في المحاضرة القادمة.

أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:٤٤].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 انتهت المحاضرة الثانية
#يتبع غدا باذن الله المحاضرة الثالثة بعنوان (المتساقطون)
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت ✍ #المحــ2ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
#المحــ2ـاضرة [ الاجتياح ]
∫∫ الحـ١٦ــلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎احتلال التتار لمازندران والري وقزوين وأرمينيا والكرج:

عادت الفرقة التترية الخاصة من شاطئ بحر قزوين إلى[ بلاد مازندران] فملكوها في أسرع وقت، مع حصانتها وصعوبة الدخول إليها وامتناع قلاعها،

مع أنها كانت من أشد بلاد المسلمين قوة، حتى أن المسلمين لما ملكوا بلاد الأكاسرة أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه من أدناها إلى أقصاها ما استطاعوا أن يدخلوا مازندران، ولم يدخلوها إلا في زمان سليمان بن عبد الملك رحمه الله الخليفة الأموي المعروف،

ولكن التتار دخلوها بسرعة عجيبة جداً لا لقوتهم ولكن لضعف نفسيات أهلها في ذلك الوقت، ولما دخلوها فعلوا بها ما فعلوه في غيرها، فقتلوا وعذّبوا وسبوا ونهبوا وأحرقوا البلاد والعباد،

ثم اتجهوا إلى الري، وهي أيضاً مدينة إيرانية كبيرة، وكأن الله عز وجل أراد أن يتم الذلة لـ محمد بن خوارزم شاه حتى بعد وفاته، فقد وجد التتار في طريقهم من مازندران إلى الري والدة محمد بن خوارزم وزوجاته ومعهن الأموال الغزيرة والذخائر النفيسة التي لم يسمع بمثلها قبل ذلك، فأخذوا كل ذلك سبياً وغنيمة، وأرسلوهم من فورهم إلى جنكيز خان المتمركز في سمرقند آنذاك.

ولما وصل التتار إلى الري ملكوها ونهبوها وسبوا النساء والأطفال، وفعلوا الأفعال التي لم يسمع بمثلها قبل ذلك، ثم فعلوا مثل ذلك في المدن والقرى المحيطة بها، حتى دخلوا مدينة قزوين فقتلوا من المسلمين فيها أربعين ألفاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله،

ثم اتجهوا إلى غرب بحر قزوين إلى إقليم أذربيحان المسلم، ومروا في طريقهم على مدينة تبريز، وهي مدينة من مدن أذربيحان، وهي الآن من مدن إيران، فقرر زعيمها المسلم [أوزبك بن البهلوان] أن يصالح التتار على الأموال والثياب والدواب، ولم يفكر مطلقاً في حربهم، فقد كان لا يفيق من شرب الخمر ليلاً أو نهاراً، وكثير من زعماء المسلمين يشربون الخمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فرضي التتار منه بذلك؛ لأن الشتاء القارص كان قد دخل على هذه المنطقة،

ثم اتجه التتار إلى الساحل الغربي لبحر قزوين، وتركوا تبريز إلى أجل، وبدءوا في اجتياح الناحية الشرقية لأذربيجان متجهين ناحية الشمال،

وفي الطريق اجتاحوا وأرمينيا وجورجيا، وأرمينيا كانت مملكة يسكنها الكثير من النصارى، وأما جورجيا فقد كان يتجمع فيها قبائل الكرج، وهي قبائل نصرانية ووثنية، فقاتل التتار مملكتي أرمينيا والكرج،

وانتهى القتال بهزيمة الكرج وأرمينيا، واجتاح التتار هذه البلاد وضموها في أملاكهم، وقُتل من الكرج في هذه الموقعة ما لا يحصى من العدد، فتعدى أمر التتار المسلمين إلى النصارى في أرمينيا والكرج.

وكل هذا الذي ذكرناه من الاسترقاق والقتل والسبي فعل الفرقة التترية الصغيرة، العشرون ألفاً الذين أطلقهم جنكيز خان خلف محمد بن خوارزم شاه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
#يتبع غدا إن شاء الله احتلال التتار لمرو وإبادة أهلها
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت ✍ #المحــ2ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
#المحــ2ـاضرة [ الاجتياح ]
∫∫ الحـ١٥ــلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎ترجمة محمد بن خوارزم وأسباب هزيمته:

وعندما نقرأ كلام ابن الأثير وهو يتحدث عن سيرة محمد بن خوارزم شاه تجد كلاماً غريباً وأموراً غريبة، وتجد أنك أمام إمام عظيم من عظماء المسلمين، فإذا راجعت حياة الرجل الأخيرة وخاتمته وفراره وهزيمته تبدّى لك غير ذلك،

يقول ابن الأثير رحمه الله في ذكر سيرته: وكان مدة ملكه إحدى وعشرين سنة وعدة أشهر، واتسع ملكه، وعظُم محله، وأطاعه العالم بأسره، وملك من حد العراق إلى تركستان، وهي بلاد مسلمة محتلة من الصين الآن، وملك بلاد غزنة -وهي في أفغانستان- وبعض الهند، وملك سجستان وكرمان -وهما في باكستان- وطبرستان وجرجان وبلاد الجبال وخراسان وبعض فارس -وكل هذه المناطق في إيران- فكل هذه المناطق ملكها هذا الزعيم الذي فر من التتار.

ومن هذه الفقرة يتبين لنا أنه كان عظيماً في ملكه، وقد استقر له الوضع في بلاد واسعة لفترة طويلة، وهذا يظهر حسن إدارته لبلاده،

حتى أن ابن الأثير يقول في فقرة أخرى: وكان صبوراً على التعب وإدمان السير، غير متنعم ولا مقبل على اللذات، وإنما همه في الملك وتدبيره وحفظه وحفظ رعاياه.

وعندما تحدث ابن الأثير عن حياته العلمية الشخصية قال: وكان فاضلاً، عالماً بالفقه والحديث وغيرهما، وكان مكرماً للعلماء، محباً لهم، محسناً إليهم، وكان معظماً لأهل الدين، مقبلاً عليهم، متبركاً بهم.

وهذا الوصف لـ محمد بن خوارزم شاه يمثل لغزاً كبيراً، فكيف يكون على هذه الصفة النبيلة، ثم تحدث له هذه الهزائم المنكرة؟ وكيف لا يجد جيشاً من كل أطراف مملكته الواسعة يصبر على حرب التتار حتى ينتهي هذه النهاية المؤسفة ويفر هذا الفرار الفاضح؟

كنت في حيرة من أمري وأنا أحلل هذا الموقف، ثم وجدت نصاً في مكان آخر في كتاب ابن الأثير يفسر كثيراً من الألغاز في حياة هذا الرجل.

يقول ابن الأثير رحمه الله: وكان محمد بن خوارزم قد استولى على البلاد، وقتل ملوكها وأفناهم، وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها، فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم، ولا من يحميها.
وهذا النص تفسير واضح لمدى المأساة التي كان يعيشها المسلمون في ذلك الوقت.

فقد كان محمد بن خوارزم شاه جيداً في ذاته وفي إدارته، ولكنه قطّع كل العلاقات بينه وبين من حوله من الأقطار الإسلامية، ولم يتعاون معها، بل على العكس قاتلها الواحدة تلو الأخرى، وكان يقتل ملوك هذه الأقطار ويضمها إلى مملكته، ولا شك أن هذا خلّف عليه أحقاداً كبيرة في قلوب سكان هذه البلاد، وهذا ليس من الحكمة في شيء.

ورسول الله عندما كان يفتح البلاد كان يولي زعماءها عليها؛ ليكسب بذلك ولاءهم وحب الناس له، فعلى سبيل المثال لما أسلم ملك البحرين المنذر بن ساوي رضي الله عنه أبقاه على حكم بلاده، وأبقى على حكم عمان ملكيها جيفر وعباد ممن أسلموا وتركهم على حكم البلاد، وأبقى على اليمن واليها باذان بن ساسان الفارسي.
وهذا من السياسة والحكمة، وهو جمع جميل جداً بين الحزم والحب، وأسلوب راق جداً في الإدارة.

وأما هنا فقد افتقد الزعيم محمد بن خوارزم هذا الجمع الجميل بين الحب والحزم، وأصبح حاكماً بقوته لا بحب الناس له، فلما احتاج وافتقر إلى الناس والأعوان لم يجدهم،

ولم تكن خلافات الدولة الخوارزمية مع الخلافة العباسية فقط، وإنما قامت الدولة الخوارزمية نفسها على صراعات داخلية وخارجية في كل مكان، وعلى مكائد كثيرة ومؤامرات عدة، فلم تتوحد القلوب في هذه البلاد، ومن ثم لم تتوحد الصفوف، ومن المحال أن يحدث النصر والأمة على هذه الصورة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:٤]،

هذا هو سر اللغز في حياة قائد عالم فقيه، اتسع ملكه وكثرت جيوشه ثم مات طريداً شريداً وحيداً فقيراً في عمق البحر، وصدق الرسول إذ يقول فيما رواه النسائي وأحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه: (عليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب القاصية)، أي: الغنم القاصية.
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
المحاضرة الثانية [الاجتياح] سلسلة التتار من البداي
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
#المحــ2ـاضرة [ الاجتياح ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎أهم العنواين الرئيسية :

-مقدمة ابن الأثير لحادثة التتار
احتلال سمرقند
مطاردة التتار لمحمد بن خوارزم
ترجمة محمد بن خوارزم وأسباب هزيمته
احتلال التتار لمازندران والري وقزوين
وارمنيا والكرج

اجتياح التتار ﻹقليم خراسان
اجتياح التتار لإقليم خوارزم
معركة بلق
معركة كابل
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت ✍ #المحــ2ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
#المحــ2ـاضرة [ الاجتياح ]
∫∫ الحـ١٢ــلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎مقدمة ابن الأثير لحادثة التتار:

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فمع المحاضرة الثانية من محاضرات قصة التتار من البداية إلى عين جالوت، ذكرنا في المحاضرة السابقة قصة نشأة دولة التتار، وحالة الضعف الشديد التي كانت تمر بها أمة الإسلام والفرقة والتشتت والترف والتمسك بالدنيا، وهذه الحالة أدت إلى اجتياح تتري لشرق الدولة الخوارزمية واحتلال مدينة بخارى المسلمة واستباحتها استباحة تامة، فقتل الرجال واغتُصبت النساء وأُسر الأطفال وأحرقت الديار والمساجد، كل هذا تم في أواخر السنة السادسة عشرة بعد الستمائة من الهجرة، وكانت هذه الأحداث المؤلمة مجرد مقدمة لأحداث أشد إيلاماً.

انتهت سنة ٦١٦ هـ باحتلال مدينة بخارى وإقليم كازاخستان المسلم، لتبدأ سنة ٦١٧ هـ بأحداثها الرهيبة.
وقد كانت ٦١٧ هـ من أبشع السنوات التي مرت على المسلمين منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى هذه اللحظة، فقد علا فيها نجم التتار، حتى اجتاحوا البلاد الإسلامية اجتياحاً لم يُسبق، وأحدثوا فيها من المجازر والفظائع والمنكرات ما لم يُسمع به مطلقاً ولا يُتخيل أصلاً.

وأرى أنه من المناسب أن نقدم لهذه الأحداث بكلام المؤرخ الإسلامي العلامة ابن الأثير رحمه الله في كتابه القيم الكامل في التاريخ، وكلامه يعتبر به في هذا المجال أكثر من غيره؛ لأنه كان معاصراً لهذه الأحداث، فقد عاش في نفس الفترة التي تمت فيها هذه الأحداث ورأى بعينه وسمع بأذنه رحمه الله، وليس من رأى كمن سمع، فهو يقدم لشرحه لقصة التتار في بلاد المسلمين بقوله:

لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلاً وأؤخر أخرى.

ثم يقول كلمة غريبة جداً وعجيبة ومؤلمة، يقول: فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ والذي كان معاصراً لهذه الأحداث ظن أن هذه بداية النهاية، وأنها علامات الساعة الكبرى، وأن الأرض ستنتهي الآن وسيبدأ يوم القيامة، ولم يظن أن أمة الإسلام ستبقى بعد هذه الأحداث.

يقول رحمه الله: فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً.

ثم يقول: إلا أنه حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعاً.

أي: أن كتابة القصة أو عدم كتابتها لن يقدم ولن يؤخر، فلماذا لا تُكتب ليستفيد المسلمون بعد ذلك منها؟ ثم يقول مقدماً للقصة: فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكرى الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها.

ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث -أي: الحوادث السابقة- ما فعله بختنصر ببني إسرائيل من القتل، وتخريب البيت المقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرّب هؤلاء الملاعين من البلاد، التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس؟ وما بنو إسرائيل إلى من قتلوا -أي: بنو إسرائيل كلهم في ذلك الوقت ما نسبتهم إلى الذين قُتلوا من المسلمين-؟ فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم.

ثم يقول قولاً غريباً عجيباً، فيقول: ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا، إلا يأجوج ومأجوج، وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه، ويُهلك من خالفه، وهؤلاء لم يبقوا على أحد.

فعند ابن الأثير رحمه الله أن فتنة التتار وبأسهم وقوتهم أشد من فتنة الدجال، وفتنة الدجال أشد وأمر، ولكن من شدة المأساة وقع هذا الكلام على لسانه رحمه الله.

ثم يقول: بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة في بطون أمهاتهم.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كانت هذه مقدمة كتبها ابن الأثير رحمه الله لكلام طويل جداً يفيض ألماً وحزناً وهماً وغماً، لقد كانت كارثة على العالم الإسلامي بكل المقاييس، بمقاييس الماضي والحاضر والمستقبل، فإن هذه المصيبة تتضاءل إلى جوارها كثير من مصائب المسلمين في كل العصور.
 
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت ✍ #المحــ2ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
#المحــ2ـاضرة [ الاجتياح ]
∫∫ الحـ١٣ــلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - -
💎احتلال سمرقند:
بعد أن دمّر التتار مدينة بخارى العظيمة وأهلكوا أهلها وأحرقوا ديارها ومساجدها ومدارسها، انتقلوا إلى المدينة المجاورة سمرقند وهي في دولة أوزباكستان الحالية، مثل بخارى واصطحبوا في طريقهم مجموعة كبيرة من أسارى المسلمين من مدينة بخارى، وكما يقول ابن الأثير: فساروا بهم على أقبح صورة، فكل من أعيا وعجز عن المشي قُتل.
وأما لماذا يصطحبون الأسرى معهم من بخارى إلى سمرقند؟ فقد كان هناك أكثر من هدف لاصطحاب الأسرى من بخارى إلى سمرقند، وكانت هذه سنة من سنن التتار، ففي كل حرب كانوا يأخذون معهم الأسرى،لعدة أسباب
📌أولاً:كانوا يعطون كل عشرة من الأسرى علماً من أعلام التتار يرفعونه، فإذا رآهم أحد من بعيد ظن أن المجموع كله من التتار، فتكثر أعداهم جداً في أعين أعدائهم بشكل رهيب فلا يعتقدون مطلقاً أنهم يقدرون على قتالهم فيستسلمون،فتبدأ الهزيمة النفسية تدب في قلوب من يواجهونه
📌ثانياً:كانوا يجبرون الأسارى على أن يقاتلوا معهم ضد أعدائهم، ومن رفض القتال أو لم يظهر فيه قوة قتلوه،فكان الأسرى المسلمون يقاتلون المسلمين مع التتار كرهاً
📌ثالثاً:كانوا يتترسون بهم عند لقاء المسلمين،فيضعونهم في أول الصفوف كالدروع،ويختبئون خلفهم، فإذا أطلق المسلمون السهام على جيش التتار أصابت الأسرى المسلمين،والتتار يطلقون سهامهم من خلف صفوف الأسرى المسلمين
📌رابعاً: كانوا يقتلونهم على أبواب المدن لبث الرعب في قلوب أعدائهم، وإعلامهم أن هذا هو المصير الذي ينتظرهم إذا قاوموا التتار.
📌خامساً: كانوا يبادلون بهم الأسرى في حال أسر رجال من التتار في القتال، وإن كان هذا قليلاً؛ لقلة الهزائم في جيش التتار.
وكانت سمرقند من حواضر الإسلام العظيمة جداً،ومن أغنى مدن المسلمين في ذلك الوقت، ولها قلاع حصينة وأسوار عالية، ولهذه القيمة الاستراتيجية والاقتصادية الكبيرة ترك فيها محمد بن خوارزم شاه زعيم الدولة الخوارزمية خمسين ألف جندي خوارزمي لحمايتها فوق أهلها،فأهل سمرقند يقدرون بمئات الآلاف دون مبالغة
ولما وصل جنكيز خان إلى مدينة سمرقند حاصرها من كل الاتجاهات، ولم يخرج الجيش الخوارزمي النظامي للدفاع عن البلد، فقد دب الرعب في قلوبهم وتعلقوا بالحياة تعلقاً مخزياً، فاجتمع أهل البلد وتباحثوا في أمرهم بعد أن فشلوا في إقناع الجيش المتخاذل بالخروج للدفاع عنهم،

فقرر بعض الذين في قلوبهم حمية من عامة الناس أن يخرجوا لحرب التتار،فخرج سبعون ألفاً من أهل الجلد من سمرقند،وخرج معهم العلماء والفقهاء على أرجلهم دون خيول ولا دواب، ولم يكن لهم دراية عسكرية تمكنهم من القتال، ولكنهم فعلوا ما كان يجب أن يفعله الجيش المتهاون الذي لم تستيقظ نخوته بعد
وعندما رأى التتار أهل سمرقند يخرجون لهم قاموا بخدعة خطيرة، وهي الانسحاب المتدرج من حول أسوار المدينة محاولين سحب المجاهدين المسلمين بعيداً عن مدينتهم، فبدءوا يتراجعون تدريجياً بعيداً عن سمرقند، وقد نصبوا الكمائن خلفهم، ونجحت خطة التتار،
فبدأ المسلمون المفتقدون لحكمة القتال يطمعون فيهم،وتقدموا خلف الجيش التتري، حتى إذا ابتعد المسلمون عن المدينة بصورة كبيرة أحاط بهم جيش التتار، وبدءوا عملية تصفية بشعة لأفضل رجال سمرقند من المجاهدين والعلماء والفقهاء،واستشهد في هذا اللقاء غير المتكافئ السبعون ألفاً جميعاً الذين خرجوا،وفقد المسلمون في سمرقند سبعين ألفاً من رجالهم دفعة واحدة
سبعون ألف مسلم في لحظات فنوا جميعاً،وقد كانوا أفضل أهل سمرقند،وليست مفاجأة أن يُقتل سبعون ألف مسلم على يد التتار، وهذا أمر متوقع،ودفع المسلمون ثمن عدم استعدادهم للقتال،وعدم اهتمامهم بالتربية العسكرية لأبنائهم، وعدم الاكتراث بالقوى الهائلة التي تحيط بدولتهم، فدولة التتار منذ ١٤ سنة تتوسع تدريجياً حولهم وتقترب تدريجياً من حدود بلادهم،فأين الاستعداد لمثل ذلك اليوم؟
وبعد إفناء المجاهدين المسلمين عاد التتار لحصار سمرقند،وأخذ الجيش الخوارزمي النظامي قراراً مهيناً،فقد قرر أن يطلب الأمان من التتار على أن يفتح لهم أبواب المدينة،وهم يعلمون أن التتار لا يحترمون العقود ولا العهود،وما أحداث بخارى عنهم ببعيد، ولكنهم تمسكوا بالحياة إلى آخر درجة،
فوافق التتار على إعطاء الأمان، وقد عزموا عزماً أكيداً على النقض والمخالفة، ولم يقدر عامة الناس وجمهورهم على منع الجيش، لأنه كان كالأسد ضد شعبه وكالنعامة ضد أعدائه، ففتحوا الأبواب للتتار، وخرجوا مستسلمين، فقال لهم التتار: ادفعوا إلينا سلاحكم وأموالكم ودوابكم ونحن نسيّركم إلى مأمنكم
ففعلوا ذالك في خنوع ولما أخذوا التتار أسلحتهم غدروا بهم وقتلوا 50الف من الجنود الخوارزمية في لحظات واحتلوا سمرقند العريقة وفعلوا بها كما فعلوا سابقا في بخارى
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت ✍ #المحــ2ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
#المحــ2ـاضرة [ الاجتياح ]
∫∫ الحـ١٤ــلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - -
💎مطاردة التتار لمحمد بن خوارزم وفراره منهم:
وأما جنكيز خان لعنه الله فقد استقر في سمرقند وأعجبته المدينة العملاقة التي لم ير مثلها قبل ذلك، ثم إن أول شيء فكّر فيه هو قتل رأس الدولة الخوارزمية؛ لأنه لو قتل هذا الرأس فسيسهل عليه بعد ذلك احتلال البلد دون خوف من تجميع الجيوش ضده،
فأرسل عشرين ألفاً من فرسانه يطلبون محمد بن خوارزم زعيم البلاد، وقال لهم: اطلبوا خوارزم شاه أينما كان ولو تعلق بالسماء، وكونه أرسل عشرين ألف جندي تتري فقط لهذه المهمة الكبيرة فيه إشارة واضحة جداً إلى استهزائه بـ محمد بن خوارزم وأمته؛ لأن هذا الرقم الهزيل لهذه الكتيبة التترية الصغيرة، ستدخل في أعماق الملايين المسلمة وهي لا تقارن بهم بأي حال.
فانطلق الفرسان التتار إلى مدينة أورجندة العاصمة مباشرة حيث يستقر محمد بن خوارزم شاه، وكانت تقع على الشاطئ الغربي من نهر جيحون -واسمه الآن نهر أموداريا- فجاء جنود التتار من الجانب الشرقي للنهر، وفصل النهر بين الفريقين، وتماسك المسلمون لعلمهم أن النهر يفصل بينهم وبين التتار، وأن التتار ليس معهم سفن.
فأخذ التتار في إعداد أحواض خشبية كبيرة ثم ألبسوها جلود البقر حتى لا يدخل فيها الماء، ثم وضعوا في هذه الأحواض سلاحهم وعتادهم ومتعلقاتهم، ثم أنزلوا الخيول إلى الماء -والخيول تجيد السباحة- وربطوا الأحواض بأذنابها، فأخذت الخيول تسبح وخلفها الأحواض الخشبية بما فيها من سلاح وغيره، وبهذه الطريقة عبر جيش التتار نهر جيحون الكبير،
ولا ندري أين كانت عيون الجيش الخوارزمي المصاحب لـ محمد بن خوارزم شاه؟ وفوجئ المسلمون في مدينة أورجندة بجيش التتار إلى جوارهم، ومع أن أعداد المسلمين كانت كبيرة جداً، إلا أنهم كانوا قد ملئوا من التتار رُعباً وخوفاً، وما تماسكوا إلا لاعتقادهم أن النهر الكبير يفصل بينهم وبين جيش التتار، أما وقد أصبح التتار على مقربة منهم فلم يُصبح أمامهم إلا طريق الفرار،
وكما يقول ابن الأثير رحمه الله: ورحل خوارزم شاه لا يلوي على شيء في نفر من خاصته، فقد جمّع أقاربه ومحبيه وعائلته واتجه إلى نيسابور، وهي في إيران الآن.
فانتقل من دولة إلى دولة، وأما الجند النظاميون فقد تفرق كل منهم في جهة، ولا حول ولا قوة إلا بالله،
وأما التتار فكانت لهم مهمة محددة معروفة، البحث عن محمد بن خوارزم شاه، ولذلك تركوا أورجندة ولم يدخولها وانطلقوا في اتجاه نيسابور مخترقين الأراضي الإسلامية في عمقها، وهم لا يزيدون عن العشرين ألفاً، وجنكيز خان ما زال مستقراً في سمرقند، وكان من الممكن أن تحاصر هذه المقدمة التترية في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي أثناء تجوالهم في أعماقه، ولكن دب الرعب في قلوب المسلمين، وأخذوا في طريق الفرار اقتداء بزعيمهم الذي ظل يفر من بلد إلى بلد، ومن مدينة إلى مدينة كما نرى، ولم يكن التتار في هذه المطاردة الشرسة يتعرضون لسكان البلاد بالسلب أو النهب أو القتل، فقد كان لهم هدف واضح، فهم لا يريدون أن يضيعوا وقتاً في القتل وجمع الغنائم، وإنما يريدون فقط اللحاق بالزعيم المسلم،
ومن باب آخر فإن الناس لم يتعرضوا لهم؛ لئلا يثيروا حفيظتهم فيتعرضون لأذاهم، فكل الناس تفتح لهم الطريق، وهكذا وصل التتار إلى مسافة قريبة جداً من مدينة نيسابور العظيمة وفي فترة وجيزة جداً،
ولم يتمكن محمد بن خوارزم شاه من جمع الأنصار والجنود والتتار في أثره، فلما علم بقربهم من نيسابور ترك المدينة واتجه إلى مدينة مازندران -وهي مدينة في إيران الآن أيضاً-
فلما علم التتار بذلك لم يدخلوا نيسابور بل اتجهوا خلفه مباشرة، فترك مازندران إلى مدينة الري -وهي أيضاً في إيران- ثم إلى مدينة همذان -وهي أيضاً في إيران- والتتار في أثره، ثم عاد إلى مدينة مازندران مرة أخرى في فرار مخز فاضح، ثم اتجه بعد ذلك إلى مدينة طبرستان، وهي مدينة على ساحل بحر الخزر -وهو بحر قزوين الآن- فجد هناك سفينة فركب فيها، وهربت به في عمق البحر، وجاء التتار ووقفوا على ساحل البحر ولم يجدوا ما يركبوه
فنجحت خطة فرار الزعيم المسلم الكبير محمد بن خوارزم نجاحاً مبهراً، حتى وصل في فراره الفاضح إلى جزيرة في وسط بحر قزوين، ورضي بالبقاء فيها في قلعة كانت هناك في فقر شديد وحياة صعبة،وهو الملك الذي ملك بلاداً شاسعة وأموالاً لا تُعد
ولكنه رضي بذلك لكي يفر من الموت، والموت لا يفر منه أحد، وما هي إلا أيام ومات محمد بن خوارزم شاه في داخل القلعة في هذه الجزيرة وحيداً طريداً شريداً فقيراً،حتى أنهم لم يجدوا ما يكفنوه به، فكفنوه في فراشه الذي كان ينام عليه
واستمعوا إلى قول الله عز وجل: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[النساء:٧٨]، ولو كنتم في هذه القلعة في وسط البحر،وليس بأيد التتار
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت ✍ #المحــ2ـ
#سلسلة_التتار_من_البداية_إلى_عين_جالوت
#المحــ2ـاضرة [ الاجتياح ]
∫∫ الحـ١٧ــلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎تدمير التتار لإقليم فرغانة ومدينة ترمذ وقلعة كلابة:

بعد أن اطمأن جنكيز خان إلى هروب محمد بن خوارزم زعيم البلاد باتجاه الغرب بدأ يبسط سيطرته على المناطق المحيطة بسمرقند، ووجد أن أعظم الأقاليم وأقواها في هذه المناطق هو إقليم خوارزم وإقليم خراسان.

فأما إقليم خراسان فقد كان إقليماً شاسعاً، فيه مدن عظيمة كثيرة جداً، ومن أشهرها بلخ ومرو ونيسابور وهراة وغزنة وغيرها، وهو الآن يقع في شرق إيران وشمال أفغانستان.

وأما إقليم خوارزم فقد كان نواة الدولة الخوارزمية، واشتهر بالقلاع الحصينة والثروة العددية والمهارة القتالية، فقد كان المنبع الذي قامت منه الدولة الخوارزمية، وكان يقع إلى الشمال الغربي من سمرقند، ويمر به نهر جيحون، وهو الآن في دولتي أوزبكستان وتركمانستان.

فأراد جنكيز خان القيام بحرب معنوية تؤثر في نفسيات المسلمين قبل اجتياح هذين الإقليمين العملاقين، فقرر البدء بعمليات إبادة وتدمير تبث الرعب في قلوب المسلمين في هذين الإقليمين الكبيرين، فأخرج من جيشه ثلاث فرق:

📌فرقة لتدمير إقليم سرغانة، وهو في أوزبكستان الآن على بعد حوالي ٥٠٠ كيلو متر شرق سمرقند،

📌وأرسل فرقة لتدمير مدينة ترمذ، وهي في تركمانستان الآن، وهي مدينة الإمام الترمذي صاحب السنن رحمه الله، وهو على بعد حوالي ١٠٠ كيلو متر جنوب سمرقند،

📌وأرسل فرقة لتدمير قلعة كلابة، وهي من أحصن قلاع المسلمين على نهر جيحون، فقامت الفرق الثلاث بدورها التدميري كما أراد جنكيز خان، واستولت على كل هذه المناطق، وقامت فيها بالقتل والأسر والسبي والنهب والتخريب والحرب مثلما اعتاد التتار أن يفعلوا، ووصلت الرسالة التترية إلى كل الشعوب المحيطة،

وكانت الرسالة تقول: التتار لا يرتوون إلا بالدماء، لا يسعدون إلا بالخراب والتدمير، التتار لا يهزمون، فعمّت الرهبة في أرجاء المعمورة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- - - - - - - - - - - - -
💎اجتياح التتار لإقليم خراسان:

ولما عادت هذه الجيوش من مهمتها القبيحة بدأ جنكيز خان يعد للمهمة الأقبح، فبدأ يعد لاجتياح إقليمي خراسان وخوارزم الكبيرين،

واجتاح أولاً خراسان، وركز فيه على( مدينة بلخ)، وهي مدينة تقع الآن في شمال أفغانستان جنوب مدينة ترمذ، التي دُمرت على يد التتار، ولا شك أن أخبار مدينة ترمذ كانت قد وصلت أهل بلخ، فكان في قلوبهم رعب شديد جداً من التتار،فلما وصلت جيوش التتار إليهم طلبوا منهم الأمان، وهم يعرفون كل التاريخ الأسود للتار،

والغريب والعجيب على غير عادة التتار أنهم أعطوهم الأمان الحقيقي، ولم يتعرضوا لهم بالسلب أو النهب أو القتل.
 #يتبع احتلال التتار لمرو وإبادة أهلها:
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للاشتراك تيليجرام
https://telegram.me/gghopff55