4- قصة (الإنسان الصالح)
عريق ، قديم ، مهد الحضارة ، مفاهيمٌ تبدو متشابهة وربما ليست معروفة لدى أحمد ذا الست سنوات. في أخر حوارٍ له مع أبيه، حينما سأل أحمد وبعفوية تامة عمن بنى العراق ومتى بناه؟ فكانت تلك الكلمات ، مما سمعها أحمد من أبيه إلا أنه لم يعلق في ذهنه غير أن العراق عريقٌ بالقدم ومنه إنطلق أول حرفٍ للبشرية. إلتحق أحمد بالمدرسة ، ودخل أبويه سرورٌ كبير;  اذ هما يريان هذه الثمرة التي تَعبا عليها ، وسقياها حبا وتربية، تشق طريقها نحو النمو . كان أليوم ألأول لأحمد في المدرسة طويل جدا على ابويه ، فكانت ألأم تطوف في أرجاء البيت بلا شعور وكأنها ريشة في مهبِ ريحٍ جامحة، أو كقشةٍ ركبت أمواج بحر متلاطم.  بعدما أنهى أحمد يومه ألأول في مدرستة ، توجه إلى أحضان أبويه، كقطرة ندى تتنازع عليها زهرتان قد انهكهما الظمأ. إلا أن ألأم ما إن  وقع نظرها على تلك القامة المشاكسة، طار قلبها ليحتظنه، مع دموع جعلت ألأب واقفا يفكر في ابعاد هذا الحب الاعمى ، حب الابوين هو فقط من يسمى الحب الحقيقي.
جاء احمد ليقص على أبويه، كيف كانت مدرسته ؟ وكيف انها عريقة جداً ؟ إذ أن أحمد لم يميز بعد، بين عراقة القدم وبين ماتحمله مدرسته من بؤس ، فما هي إلا بقايا بناية قد رممها ألأهالي بجهودهم البسيطة. فهم ألاب مراد صغيره وأوجزت كلماته كل الدمار الذي كانت تعاني منه تلك المدرسة، التي كانت بلا سياج وبلا ابواب حتى!   أما الشبابيك فحكاية اخرى!
مرت ألايام والشهور وبات أحمد من افضل التلاميذ واذكاهم، ولم تعد ألام تعلم بمجيئه حتى تسمع صوته يعبث بارجاء البيت.
ذات يوم وبينما كانت تلك المخلوقات البريئة تلعب فوق الرحلات، فلا سبيل للعب خارج الصف والمدرسة بلا سياج ; حدث ان يكسر احمد احدى الرحلات التي كان يجلس عليها زميل له.  إتفق التلاميذ على إخفاء ما حدث وأن لا يخبروا معلمهم بحال الرحلة المسكينة. لكن أحمد لم يتقبل كلام زملائه ; فهو ابن ذلك الرجل الذي غذاه الصدق وتحمل المسؤولية ، إن الرجولة ليست مرحلة عمرية يا اصدقائي ، إن الرجل هو من يتحمل نتائج أفعالة ومن لا يتهرب مما جنته يداه. يا حسن، أنا من قد كسر رحلتك، ستجلس أنت في رحلتي، هيا إجلب كتبك، أما أنا فسأخبر معلمنا بما حدث، لأرى رأيه وماهو علاجه للأمر. جاء المعلم وقص عليه أحمد ما حدث . دخل المعلم سرور كبير وخصوصاً بعد ما أخبره التلاميذ بخطتهم لأخفاء الامر وكيف رفض أحمد ذلك.  فرح المعلم كثيراً وقرر أن يُصلح الرحلة على حسابة الخاص . إسترجع المعلم شريط ذكرياته، ثم نظر إلى أحمد، مسح على رأسه مسحة الفخر والاعتزاز;  ثم سألة لِمَ لم توافق اصدقاءك وتخفي الامر يا احمد ؟ أجابه أحمد ،لأني إنسان صالح يا ستاذ.  قال لي أبي ،  الانسان الصالح هو من يتحمل نتائج أفعاله ويشعر بالمسؤولية في كل الظروف . قال المعلم لتلاميذه : أحبتي أنا وانتم تعلمنا اليوم درسا مهما;  ومعلمنا هو احمد ،نعم أحبتي الانسان الصالح هو من يتحمل نتائج أفعاله.


#بشار_ساجت