من أسرار الصيام، وعلاقة قيام الليل بشفاء البدن!

.
1)
في الليل هدوء النفس وراحة البال ، والهروب من ضوضاء الأصوات وضوضاء الأنوار الصناعية .. جعله الله سكنا ماديا فيستريح البدن من عناء العمل ، وسكنا معنويا باطمئنان القلب وفراغه من الهموم ..

مع قلة الناس في الليل وخفوت الأصوات يجد الإنسان نفسه في كون فسيح ، فيشعر بضعفه وفقره وحقارته ..

ومع إقبال الليل وبروز نجوم السماء يشعر الإنسان بجمال وجلال ودقة وإبداع ..

ومع إقبال الليل يعمل العقل في شيء غير الطعام والشراب .. كل هذا بشرط أن ترى السماء وألا يحول بينك وبينها حائل ..

في الليل يتولد لديك شعور عجيب به تعلم أنك وحدك مع الله في هذا العالم .. فالناس بين نائم ومشغول بنفسه ..

في الليل أسرار وأنوار .. ولن تعلم مقدار جريمة حجب السماء عن أعين الناس بكثرة أنوار الشوارع والبيوت في الليل = إلا إن سمارت الليل وكنت من أهله!
.

2)
الصالحون أذكى الناس وأعقل الناس لذلك فقد اغتنموا الليل حتى سُمُّوا: رجال الليل!

"كانت جارية الحسن بن صالح بن حُيَي، تقوم الليل مع سيدها، فلما باعها، قامت عند قومها في جوف الليل، فقالت: يا أيتها الدار، الصلاةَ الصلاة! قالوا: أطلع الفجر؟ قالت: وليس تصلون إلا المكتوبة؟ قالوا: نعم، ليس نصلي إلا المكتوبة، فرجعت إلى الحسن، وقالت: بعتني إلى قوم سوء لا يُصلون بالليل، بالله رُدَّني، فردَّها وفاءً لحقها"

ولأهمية الليل كانت أولى وصايا النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة أن خطب في الناس فقال : "أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"!

قيام الليل صلاة ، و"الصلاة خير موضوع" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحين كان الأمر يشتد على رسول الله كان يؤمر بقيام الليل فقال له الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا . نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا )

فبقيام الليل يستعين الإنسان على نكد الدنيا وشقائها فتقوى نفسه على مجابهة العالم!
.
3)
في شهر رمضان نصوم فيضعف البدن لأنه ترك ما اعتاده من طعام وشراب، فيعوضه الله بغذاء للروح وللبدن بالذكر وقراءة القرآن -تحدثنا عنه في مقام سابق-، كما يعوضه الله بقيام الليل الذي يطرد الداء عن الجسد.

استمع إلى هذا الحديث العجيب الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقُربة إلى ربكم، ومُكفرة للسيئات، ومَنهاة عن الإثم، ومَطردة للداء عن الجسد".

والشاهد هنا قوله (ومطردة للداء عن الجسد) فقيام الليل عبادة ، ولم يشرع ربنا عبادة إلا وفيها نفع للإنسان .. نفع روحي ونفع مادي .. علمنا أو لم نعلم .. وهو عبادة يثاب عليها، لكن فضل الله واسع ، فمع الثواب يحصل الإنسان من فضل الله ما لا حد له!

بقليل من البحث يمكنك الوقوف على فوائد قيام الليل على الصحة أو الوقوف على الإعجاز الرباني في قيام الليل وأثر الصلاة عموما وقيام الليل خصوصا على القلب والمفاصل والمعدة والعين وغيرها ..
ومنه ندرك السر في ارتباط التراويح وهي صلاة ، في الليل ، بشهر رمضان، الذي يقل فيه الغذاء المادي ويظن الغافل حدوث الضعف لقلة الطعام ، فإذا بتلك العبادة المفروضة بمثابة تطهير من الأمراض ، أمراض النفس وأمراض البدن ، ليتلقى المسلم غذاء روحيا ، مكتملا: صيام يطهر ، وقرآن يغذي، وتروايح تقي ؛ لتكتمل عملية البناء النفسي والبدني ، فتفيده تلك العبادة روحيا وماديا في وقت واحد ..

وما أصدق ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تُحصُوا"؛ أي: إن استقمتم على مراد الله ؛ فلن تُحصُوا ما تحصلون من الخيرات!

#تأملات_برزخية