الثاني من يناير (كانون الأول) عام 1492م غربت شمس الإسلامُ عن الأندلس حيث سقطت غرناطة آخر معقل لملوك الأندلس وبسقوطها انتهى حكم المسلمين في اسبانيا الذي دام ثمانية قرون، سلَّم آخر حاكمٍ فيها أبو عبدالله الصغير مفاتيح غرناطة للصليبين وهو حزين فقالت له أمه:

ابكي مثلَ النساء مُلكًا مُضاعًا
لم تحافظ عليه مثلَ الرجال
528 عامًا على النكبة الأندلسية.

#ذكرى_سقوط_الأندلس
#ذكرى_سقوط_الأندلس
بالخرائط.. كيف تفهم تاريخ الأندلس



لم تزل تظللنا ذكرى النكبة الأندلسية الثالثة والعشرون بعد الخمسمائة، وما زلنا نحاول استثمار هذه الذكرى في تعريف القارئ الكريم بالأندلس وتاريخها، وهذا هو المقال الثالث من هذه السلسلة على موقع ساسة بوست، فقد حاولنا في المقال الأول التعريف بأهم مؤلفات التاريخ الأندلسي المعاصرة، وحاولنا في المقال الثاني التعريف بأهم مصادر التاريخ الأندلسي التي كتبها أندلسيون لكي يلمس القارئ بنفسه لغة تلك الأيام وروحها ووصف أهل الأندلس لأندلسهم بأنفسهم.


ونحاول في هذا المقام تقديم "صورة تاريخية" تعين على تيسير وتبسيط التاريخ الأندلسي من خلال استعراض الخرائط لمراحل قيام وسقوط الأندلس.


وبداية فإنه يمكننا تقسيم التاريخ الأندلسي إلى ثمانية مراحل، هي: الفتح الإسلامي، عصر الولاة، العصر الأموي، الدولة العامرية، عصر ملوك الطوائف، دولة المرابطين، دولة الموحدين، مملكة غرناطة وسقوط الأندلس.


أولا: الفتح الإسلامي


وهو العصر الذي يبدأ منذ نهاية القرن الأول الهجري، وبالتحديد عام (92 هـ) إذ توجه الجيش الإسلامي الذي يقوده طارق بن زياد –وهو بربري من سلالة أسلموا في فتوح المغرب- بتكليف من عبد العزيز بن نصير -الوالي الأموي على الشمال الإفريقي- ليبدأ في فتح الأندلس بعد استغاثة أبناء ملكها به، إذ جرى ضدهم انقلاب عسكري يقوده سفاح طاغية يسمى لوذريق (رودريكو)، فكان هذا أول دخول المسلمين إلى الأندلس الذين انتصروا في موقعة هائلة على قوات لوذريق، واستسلمت لهم المدن بغير مقاومة تذكر، ثم استمرت فتوحاتهم على يد الولاة الأمويين مثل السمح بن مالك الخولاني وعنبسة بن سحيم الكلبي وعبد الرحمن الغافقي فشملت الجنوب والوسط الفرنسي وتوقفت على بعد كيلومترات من باريس بعد هزيمة المسلمين –الغريبة والتي لا نعرف سببها على وجه الحقيقة، إذ ليس لدينا في ذلك إلا رواية نصرانية مشكوك فيها- في بلاط الشهداء (بواتية) عام (114 هـ) على يد شارل مارتل.


وتشرح الخريطة مراحل هذه الفتوح.👆

[الخريطة نقلا عن: د. شوقي أبو خليل: أطلس التاريخ العربي الإسلامي]

قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55
#ذكرى_سقوط_الأندلس
ثانيا: عصر الولاة


وهو العصر الذي كان يتولى الأندلس فيها والٍ من قبل الدولة الأموية، وكان من أشهرهم وأقواهم السمح بن مالك وعنبسة بن سحيم وعبد الرحمن الغافقي، ولكن خلف بعدهم ولاة ضعفاء، لم يكونوا على مستوى الولاية ونبتت فيهم الصراعات القبلية وظلم الناس وظهرت تمردات وثورات من الخوارج في الأندلس وغيرهم، ولم تستطع الدولة الأموية رغم محاولاتها –ورفغم ما بدأت تعانيه من مشكلات في أواخر عمرها في شرق الدولة وقلبها- أن تحل هذه المشكلات، وعوقب المسلمون على هذا بأن فقدوا كافة ما فتحوه في فرنسا، بل وأن تمددت الفلول المسيحية المعتصمة بالجبال في أقصى غرب الأندلس لتكون بذور دولة على النحو الذي تشرحه هذه الخريطة.


[الخريطة نقلا عن: د. حسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام]

قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55
#ذكرى_سقوط_الأندلس
ثالثا: العصر الأموي

حين نجحت الثورة العباسية في إسقاط الدولة الأموية بالمشرق، نجا من بني أمية شاب صغير في الحادية والعشرين من عمره لا أكثر، ورزق من المواهب والجلد والصمود ما مكنه من الهروب من العباسيين رغم مطاردتهم القاسية حتى أقصى المغرب، ثم استطاع أن يتصل بموالي بني أمية في الأندلس، وبمزيج من القوة والسياسة والعزم استطاع أن يؤسس لنفسه ملكا في الأندلس فيجدد عصر الأمويين في المغرب بعد انتهائه في المشرق، وبهذا أنقذ الأندلس من الانهيار التي كانت ستصير إليه مع الضعف والتمزق القبلي بين المسلمين، وأسس فيها دولة قوية مهابة مكينة، لكنه لم يستطع أن يستعيد ما فقده المسلمون بشكل نهائي في الشمال الأندلسي أو في الجنوب والوسط الفرنسي، غير أن تلك اللحظة تعد ميلادا جديد للأندلس ذات الحضارة الزاهرة.


وقد استمر العصر الأموي للأندلس نحو قرنين ونصف (137 – 422 هـ)، اتسم القرن الأول منها بالقوة حتى نهاية عهد عبد الرحمن الأوسط (238 هـ)، ثم أخذ الضعف يتسرب إلى الأمويين وتندلع ثورات وتمردات وتنفصل أجزاء بالحكم لنحو ثلثي قرن حتى تولى الحكم عبد الرحمن الناصر وهو شاب صغير في العشرين من عمره، جدد سيرة جده عبد الرحمن الداخل فبلغ بالأندلس ما كان لها من القوة وفوق ما كان لها من العمران والحضارة، وحكم لمدة نصف قرن (300 – 350 هـ) ثم استمرت القوة من بعده في عهد ولده الحكم المستنصر –وهو أعلم من حكم الأندلس فقد كان شغوفا بالعلم والكتب وكان مؤرخا ونسابة خبيرا- لمدة ستة عشر عاما، ثم مات وكان ولده صغيرا فدخلت الأندلس في مرحلة "الدولة العامرية".


وقد استطاع الناصر والمستنصر أن يعيدوا خريطة الأندلس كما أقرها جدهم الداخل مع الخضوع السياسي التام من الممالك النصرانية الشمالية لمملكة قرطبة، ولهذا لا نجد كثير تغير على الخريطة السابقة.


قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55
#ذكرى_سقوط_الأندلس
رابعا: الدولة العامرية

تعتبر الدولة العامرية جزءا من العصر الأموي، لأن السيادة الاسمية والرسمية كانت لخليفة أموي فيما كانت السلطة والحكم الفعلي للحاجب المنصور محمد بن أبي عامر، وقد كان هذا الرجل شخصية عجيبة ومدهشة، متعدد المواهب عالي الهمة حاد الذكاء نافذ العزيمة لم يتول عملا إلا ونبغ فيه على ذوي الخبرة، ونجح في إدارة كل شيء: الكتابة والقضاء وإدارة الأملاك الخاصة بأسرة الخليفة ودار السكة (وزارة المالية) والشرطة الوسطى والشرطة العليا وإدارة مدينة قرطبة (محافظ العاصمة) والسفارة والوزراة والحجابة والقيادة العسكرية للجيوش.. شيء مذهل لا أعرف له شبيها في التاريخ الإسلامي، فلما مات الحكم المستنصر وابنه ما زال صغيرا كان ابن أبي عامر الوصي عليه، فانفرد دونه بالحكم وبلغ بالأندلس ذروة قوتها على الإطلاق، وغزا في سبع وعشرين سنة (فترة حكمه) ستا وخمسين غزوة لم يهزم في واحدة منها أبدا، ومدَّ نفوذ الأندلس أكثر في المغرب، ثم عهد بالحجابة من بعده لابنه المظفر الذي كان عصره ذروة الذروة الأندلسية كلها، ثم مات المظفر بعد ست سنوات فقط من فترة حكمه وهو ما يزال شابا صغيرا فتولى الحجابة أخاه عبد الرحمن وكان أحمق مندفعا قليل البصر فانهار على يديه بناء الدولة العامرية، ودخلت الأندلس في عصر الفتنة.

قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55
سابعا: عصر الموحدين انطلقت دعوة الموحدين في المغ
#ذكرى_سقوط_الأندلس
ثامنا: مملكة غرناطة


على غير المتوقع استطاعت غرناطة الصغيرة أن تظل نحو قرنين ونصف قبل السقوط النهائي، وقد استطاع محمد بن الأحمر أن يؤسس ملكا في غرناطة في ظل ظروف صعبة وبشروط مهينة مع النصارى في ذات الوقت، وقد أمدته يد عونٍ مغربية ثالثة من الدولة المرينية التي كررت سيرة المغرب في إنقاذ الأندلس، وصحيح أن دولة المرينيين لم تكن بنفس قوة المرابطين والموحدين إلا أنها نفذت معركة شبية بالزلاقة والأرك في إنقاذ الوجود الأندلسي لزمن طويل، وهي معركة الدونونية (674 هـ) على يد يعقوب المنصور المريني، بل وضع المرينيون قوة دائمة في الأندلس تحت تصرف الملك الغرناطي.


كذلك فلقد كان النزاع الذي شب بين الممالك النصرانية مساعدا لغرناطة على طول البقاء، ولو قُدِّر لهذا النزاع أن يكون في وقت دولة كالمرابطين أو الموحدين لتوقعنا أنهم يستعيدون ما فقده المسلمون في الأندلس.


لكن مع الضعف العام في غرناطة وفي المغرب، استطاعت قشتالة أن تستولي على المضيق المغربي فمنعت بذلك العون المغربي لغرناطة، ثم أخذت تضيق الخناق عليها تدريجيا، حتى إذا اتحدت مملكتي ليون وقشتالة بزواج فريدناند وإيزالبيلا كانت شمس غرناطة تؤذن بالغروب، وانهارت غرناطة بعد سنة ونصف من الحصار الشديد، لتنتهي بذلك الحقبة الوحيدة في تاريخ إسبانيا التي كانت فيها ذات حضارة ناضرة على المشهد العالمي، وليفقد المسلمون فردوسا حقيقيا أنشأوه على أرض الأندلس، وليفقد العالم حضارة زاهرة وصلت الشرق بالغرب ورفعت أوروبا من عصورها الوسطى المظلمة.

قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55