#روايات_حائزة_على_البوكر
" في غرفة العنكبوت "
المصري حين يكون عاريا!

يذهب الروائي المصري " محمد عبدالنبي " إلى تشخيص حالة الإنسان المثلي في روايته " في غرفة العنكبوت " من إصدارات دار العين ، القاهرة 2016م ، المثلي الذي يعيش في مجتمع عربي كالمجتمع المصري ، يمضي هذا المثلي في حياته التي يراها الآخرون من حوله غير سوية ، بل تبدو بالنسبة لهم ككتلة ملفوفة بالقاذورات ، هذا الإحساس نفسه يندفع لذى هذا المثلي المصري " لا فائدة من الاستحمام كل بضع ساعات، و لا من دعك جسمك بالصابون بكل غل، لقد نجحوا في تلويثك من الداخل إلى الأبد، و لن يمحو آثار أصابعهم عنك أي شلال طاهر ".
شعور التلوث الداخلي يتشعب في عمق هذا الكائن المثلي ، بل يكون محاصرا بتساؤلات فجة تحاول فض حياته الشخصية التي تكون كسيرة افتضاحية تلطخ آدميته طوال عمره " أرتبك و أغتاظ قليلا كلما سألني أحدهم عن المرة الأولى، و كأن لها قيمة خاصة، و كثيرا ما أرد بسؤال آخر عما يقصده بالمرة الأولى، أهي أول حلم، أم أول مداعبة، أم أول قبلة، أم أول ملامسة لجسم عار؟ لدى كل إنسان عدد لا نهائي من المرات الأولى ".

الرواية تتكىء في سردها على حادثة واقعية ، و هي حادثة " الكوين بوت " ، وهو مركب نيلي، مطعم و مرقص ، قيل أنه مهجع للمثليين يسهرون فيه كل خميس ، فتداهمهم الشرطة و تلقي السلطات المصرية القبض على اثنين و خمسين مثليا بتهمة ممارسة الفجور و تجرهم للمحاكمة، في قضية أثارت كثيرا من الجدل ، من هذا المنطلق نسج الروائي " عبدالنبي " حكايته، واختار من خياله كائنا مثليا يدعى " هاني " ، متحدثا عن طفولته في ظل أب غادر حياته في وقت مبكر ، و أم امتهنت التمثيل سرعان ما أصبحت ممثلة مشهورة ، و خالة غريبة الأطوار تقضي نحبها في جرعة هيروين زائدة..!

لعل من يقرأ الرواية ، سيجد أن الروائي " محمد عبدالنبي" طرح قضية حساسة في الوقت نفسه هذه المثلية صارت فعلا معترفا به و حقا من حقوق الإنسان المعاصر في المجتمعات غير العربية ، ففي أمريكا رغم الضجة الهائلة ما بين مؤيدين لحقوق المثلية و ما بين معارضين نجح المثلي في كسب القضية لصالحه ، في رواية " محمد عبدالنبي" لا يطمح المثلي المصري بعد أن يكون مقبولا في مجتمعه بل يكاد هذا المثلي يشعر في البداية ، في ممارساته الأولى بأنه تجاوز طبيعته و يخوض في حالة نفسية مدمرة ، و يحاول كبت رغباته كلما ألحت عليه كي يكون كما يجب أن يكون الآخرين في مجتمعه ، و لكن تنحرف رغباته و تعاند في ميولها يصير الأمر خارج إرادته، و يندفع وراء إشباع شهواته المكبوتة عبر دروب سرية ، يحاول من خلالها إخفاء ميوله عن الآخرين ، فتسرد الرواية أقصى طموحات هذا المثلي هو أن يجد لنفسه شريكا جيدا ، يبقى معه ، و يمضيان في حياتهما الخفية دون أن يربك العالم الخارجي الفج حياتهما التي اختارت وضعا مستهجنا في محيطهم غير أنه مريح لهما .

" في غرفة العنكبوت " رواية محبوكة بعناية، تعرض قضية تثير جدلا هائلا في المجتمعات العربية منها و الغربية ، و لعل الغربي وجد طريقه ممهدا بعد أعوام من الجدالات و مظاهرات حاشدة للمطالبة بحقهم الشرعي كمواطنين في اختيار الحياة التي يريدون ، غير أن العربي ما يزال يراوح مكانه، فهو لا يطالب بحقوقه و لا يطمح أن تكون ممارساته مقبولة من قبل الآخرين بل جل ما يريده حقا هو أن يجد ما يشبع ميوله، أن يقابل شريكه المثالي ..
وعلى الرغم من أن المسألة التي تطرحها الرواية تبدو مشينة في نظر المجتمع المصري و العربي عموما غير أن القارىء يكاد يتعاطف مع شخوصها بل يتقبل خروجهم عن المألوف كحالة طبيعية في مساق المجتمع.