كانت الغرفة مظلمة وباردةْ نوعاً ما رغم أنني لم أكن أشعر بشيء ، واقف بصمت مرعب أمام ذلك الصندوق الأسود الذي كان يحمل الرقم ٢٨ ، آه يا للمصادفة إنه نفس رقم عمري اليوم !
أمسكت بمقبض الصندوق بهدوء وبدأت بسحبه بأتجاهي بخوف يشابه الغرفة التي انا فيها الان ، غرفة مملؤة بذرات الأوكسجين ولكن لا وجود لشخص يتنفسها ...!
كان الصندوق يحوي بداخلهِ على جسد بلا روح ، بارد ، طري ، مغطى بقطعة قماش بيضاء مزخرفٌ عليها أشكال ملخبطة بقطرات دماء ، كانت الجروح موزعة بشكل عشوائي في ذلك الجسد الأبيض والوجه المبتسم رغم التشوهات التي خلقتها تلك الجروح !
جلست أتأمل هذا الجسد وكأن شيئا يشدني اليه أتعمق بملامحه المشوهة لعلني اذكر من هو ! قطع شرودي صوت باب الغرفة الذي انفتح من خلفي وتسلل الضوء للظلام المخيف الذي انا فيه ، كانت امرأة اعرفها ولكن الحزن الظاهر على ملامحها والدموع المتجمدة بعينها جعلني أتردد ان كنت قد رأيت هذا الوجه من قبل اما لا !
تقربت بخطوات من نفس الصندوق فرجعت خطوات لأرى ما الذي يحدث ...!
الطبيب : هل انتي جاهزة ؟
المرأة : نعم
كان الطبيب يفتح نفس الصندوق بحذر ، الصندوق رقم ٢٨ وعينيه على ترك المرأة وما ان رفع الغطاء حتى انهالت دموع تلك المرأة بصورة مؤلمة وأغميَ عليها .
لم افهم ما الذي يحصل هنا ، ولا اعلم حتى ما الذي جاء بي الى هنا ، حتى سمعت صوت الطبيب وهو ينادي ساعدوني ! توفيت الام وهي ترى جثة ابنها الشهيد !
آه يا الهي انه انا وهذه أمي لم تطق صبراً على فراقي !!!
التفت الى الوراء كانت أمي تقف وهي تنظر لي وتبتسم ، أمسكت بيدي وهي تقول انتهت حكايتنا في تلك الحياة التي لا تحمل بين صفحاتها غير الحزن والالم والكره والجشع ، وخرجنا سوياً من تلك المشرحة المشؤومة !!

#شهيد_في_المشرحة


مصطفى محمد خليل - الموصل