#طفلة_من_جهنم
الجزء الأول
للكاتبة روز سعد الدين
الظروف السيئة ……
لا بد و أنكم قد مررتم بها يوماً ، فالحياة السعيدة الخالية من المشاكل تكاد أن تكون أمرا صعباً بل مستحيلاً ، فيتوجب عليك أن تذوق مرار اللحظات السيئة لتشعر بلذة الجيدة منها …
لكن تلك الظروف متفاوتة من شخص لآخر ، فهذا قد ذاق شيئاً من الظلم ، و ذاك اكتوى بنار الخيانة ، و تلك أرهقتها متاعب الحياة صعودا في حين و نزولاً في آخر ، الخ ……
لكن ماذا عن طفلة في السابعة عشرة من عمرها قد مرت بهذا كله بل أكثر ، كيف استطاعت
أن تواجه عالماً من الذئاب لوحدها ، و كيف شقت طريقها من بينهم ؟ هذا ما سنعرفه و أكثر في
قصتنا ، طفلة من جهنم
في قصرٍ ريفيٍّ مترامي الأطرافي في بلدةٍ بعيدة ، تقطنه واحدة من أكثر العوائل عراقة و ترفاً في المنطقة ، قد أرخى عليه الليل بسدوله ليغشيه شيئاً فشيئاً ……
في إحدى غرف هذا القصر الواسع ، كان هنالك فتاة في مقتبل عمرها ، تجلس على كرسيِّها الخشبي الهزاز بجوار النافذة ، قد غطى شعرها الأشقر الطويل وجهها إلا من عيونٍ زرقاءٍ لامعة
تراقب القمر بهدوء تام لدقائق و ساعات
أغمضت عينيها قليلاً بحزن ، لتهرب دمعة حارة من بين أجفانها ملامسة خدها الوردي المكتنز
:
سمعت صوت مقبض الباب يتحرك ، لكنها لم تكترث
دخلت إلى الغرفة امرأة ثلاثينية تحمل بين يديها صينية طعام صغيرة
قالت بصوت ناعس ، ألن تتناولي الطعام يا صغيرتي
لكن تلك الفتاة الشقراء لم تجب بحرف ، فاكتفت الأخرى بوضع الطعام و الخروج
ما لبثت أن غادرت الغرفة حتى اصطدمت بامرأة عجوز قد امتلكت من الهيبة و الوقار ما يكفي
لإخافة الناظرين اليها
صفية : شو كنتي عم تعملي جوا ؟
تلعثمت المرأة و قالت : يا خانم طلبت مني الست نورا فوت الأكل لهالطفلة
المسكينة
فجأة ، دوى صوت صفعة في المكان …
كانت الخادمة المسكينة تغطي وجهها بكلتا يديها و تبكي في صمت
صفية : مرة تانية ما بتاخدي الأوامر غير مني ، انا خانم هالقصر
و هلأ نقلعي كملي شغلك
:
خرجت نورا من غرفتها مسرعة بعد أن سمعت صوت الضرب و الصراخ
نورا : ليش عم تبهدليها للخدامة انا يلي بعتا
صفية : يا ويلك مني ازا بتخالفي أوامري مرة تانية ، هالبنت الوقحة ممنوع عنها الأكل
لحتى تتعلم الأدب
نظرت إليها نورا بسخرية و قالت : بس هي مجرد طفلة
صفية : كبرت و ما عادت طفلة ، ولازم تتعلم كيف تعامل أسيادها
نورا : من عقلك عم تحكي يا عمتي ! بتطالبوها بالطاعة و انتو يلي ! ……
اتسعت عينا صفية بجحوظ
فسكتت نورا على الفور ، علمت انها ان قامت بالثرثرة ستنال عقابها هي أيضاً
صفية : كيف تجرأتي تحكيني بهالطريقة ؟ بس يرجع جواد بدي خبرو بكل شي
قالت جملتها الأخيرة و انصرفت بغضب
أما نورا لم تعرف ما الذي ستفعله ، فصعدت هي الأخرى إلى غرفتها
جلست قليلا ترتب الكلام مع نفسها
نورا : يا ربي شو اللي عملتو انا ؟ ما قدرت خلي تمي مسكر قداما
نورا : لا لااا انا عملت الصح ما لازم خاف
كانت تسأل نفسها و تجيب
:
بعد مرور أقل من نصف ساعة
دخل جواد إلى غرفته و القسوة تكسو ملامحه ، نظر إلى زوجته الخائفة بعينين حمراوتين
يملأهما الغضب
جواد : شو قلتي لامي ؟
نورا : جواد بترجاك افهمني و ما تعصب ، انا بس خفت على هديك الطفلة المسكينة
جواد : كتير بهمك أمر هالوقحة حتى صاير أكلها و شربها من مسؤولياتك ؟
اكتفت نورا بالصمت
جواد : لمن بسألك بتجاوبيني !
نورا : طيب ماشي انا غلطت بس …
لم تكمل نورا جملتها لأن جواد قد قام بصفعها
و لم يكتفي بهذا فحسب
فقد سُمعت أصوات صرخاتها في جل أرجاء القصر تلك الليلة
كانت تطلب الرحمة و تستنجد لكن أحداً لم يجرؤ على إيقاف ذلك الوحش خشية منه
:
على اثر ذلك الصوت خرجت صابرين من غرفتها مفزوعة
ركضت باتجاه والدتها صفيه التي كانت تتصرف و كأن لا شيئاً يحدث
صابرين : امي شو ما عم تسمعي صوتها ؟ بترجاكي احكي مع اخي ليوقف!
صفية : بتستاهل يلي عم يصرلا ، انا قلتلو لاخوكي يضربا
لانو خالفت أوامري و تحدتني
صابرين : شو انتي ما عندك قلب ؟
صفية : تأدبي لمن تحكي امك يا بنت حتى ما يصير فيكي متلا
سكتت صابرين و هي تنظر إلى والدتها بعدم تصديق …
صابرين : ما عم صدق انو انتي بهالقسوة هاي
صفية : روحي على غرفتك
:
:
انقضت تلك الليلة بأعجوبة ، لقد واحدة من اسوأ الليالي التي مرت على سكان ذلك
القصر …
كان جواد جالساً على سريره يراقب زوجته التي تكورت على نفسها في إحدى
زوايا الغرفة تبكي بحرقة
خاطبها بحزم قائلاً
جواد : روحي غسلي وشك و البسي تيابك حتى تنزلي لعند امي تعتذريلا
بقيت نورا جالسة في مكانها تحدق فيها بكره
جواد : شو ما سمعتيني ؟
نورا : سمعتك
جواد : لكن شو ناطرة ؟
اجبرت نورا نفسها على النهوض بصعوبة و توجهت إلى الحمام
انصدمت بملامح وجهها التي رأتها
بقيت تتفحص الكدمات في وجهها لدقائق طويلة
في هذه الأثناء سمعت صوت جواد يخاطبها قائلاً : ما عندك اليوم كلو ، اسرعي
قالت بصوت منخفض
نورا : بحلفلك بالله يلي ما بحلف في