مراجعة #عامر_الساحوري لرواية #خاوية على موقع goodreads:

خاوية فعلاً اسمٌ على مسمى تجلت بالرواية نفسها وبما تحتويه أولا ، ومن ثمَ فينا نحن كقراء ثانياً ، خاوية جعلت جسمي وجسدي وكياني وعقلي وكل من يقرأها خاويًا من كل شيء إلا من مشاعر الألمِ والفراقِ والحزن ، والتي لا يمكن إخفاءها ، ولا بد لها من أن تجد طريقها للعين وتذرف .

في الجزء الأول من الرواية :

بالفعل الرواية سحرتني، ولم تكتفي بذلك بل أوقعتني بين أسرها وبين قبضتها و بين سطورها وحروفها ، وبعدما أسرتني وتنقلت بي من صفحة إلى أخرى ، هيجت مشاعري ، وجرحت وأدمت القلب ؛ من هول ما فيها .

عندما انتهيتُ من الجزء الأول من الرواية وجدت نفسي قد تحررت من أسرها وقبضتها نوعا ما .

تعلمت في الجزء الأول كيف أن الرياح لا تأتى بما تشتهى السفن، تعلمنا من الطبيب جلال كيف تكون الإنسانية، تعلمتُ منه كيف نحب الخير للجميع، علمني الاحترام والصبر وحسن الجيرة والمثابرة.

علمتنا سلوى _زوجة الطبيب جلال_ الصبر على المصيبة ، والرضا بالقدر ، علمتنا الحب والحنان والعطف ، تعلمنا منها كيف هي الأم عظيمة في تضحياتها .
بدر _ أبن الطبيب جلال _ هذا الطفل المصاب بمرض التوحد ، مرض له عالمه الخاص ، بدر كان علاجه الوحيد هو الرسم ، بدر أبدع باستعمال ريشة الرسم الخاصة به ’ كانت وسيلته الوحيدة ليتواصل مع أمه وأبيه و مع عالم غير عالمه ، عندما تتخيل كيف صور الكاتب رسوماته تتمنى فعلا لو أنك تراها وتتلمسها .

* في الجزء الثاني من الرواية:

كان هذا الجزء أكثرُ قسوة وأشد طعنًا في القلب، في هذا الجزء الثاني نصبح كالطيور نحلق فوق أرض سوريا نشاهد الدمار ، والخراب ، والقتل ، والدماء ، نحلق فوق رؤوس المجاهدين ، نشاركهم قِتالهم و أوجاعهم ، وأحزانهم ، قصصهم المؤلمة عن مصيرِ عائلاتهم ، نحلق ونبكى مع بكائهم ، شاهدنا من المجاهدين النبلاء للذين ضحوا بأنفسهم من أجل الوطن وشاهدنا المقاتلين الفاسقين أو الكفار _ أن صح التعبير _ الذين يتسترون بعباءة الدين ؛ لتحقيق أهدافهم الشخصية ، وإشباع رغباتهم الداخلية ، مثال ذلك أبو القعقاع .

في هذا جزء لا تستطيع كبحَ غضبك، ولا دموعك ، وكيف لا ولقد سمعنا وشاهدنا ما لعقلً ولا لقلبً أن يتحمل قسوته ومرارته .

في الجزء الثالث من الرواية :

لم تُبقى الحرب على أي شخص لا في السماء ولا على الأرض إلا وقد ذاق وبال حرها وجبروتها ورصاصها وقذائفها.

هربنا نحن الطيور المحلقين في سماء الرواية مع الهاربين واللاجئين والمشردين إلى المخيمات وخاصة مخيم الزعتري في مدينة المفرق ، هربنا من الموت إلى موت أقل فظاعة وقسوة ، ترعرعنا معهم وهم يحاربون صيحة الموت في الصحراء القاحلة ، المظلمة ، حرها ليس أقل من حر الحرب في سوريا ، عندما يحل الظلام ، تسمع أنين النساء والأطفال والرجال ، تسمع صرخاتهم وصياحهم في ظلام الليل الدامس .

فعلا الفراق أصعب من الموت نفسه هذا ما تعلمته في هذا المخيم .

في الرواية عشنا في الماضي والحاضر والمستقبل .

في هذا الجزء تجلت إنسانية الدكتور أكثر فأكثر وكيف أنه سخرَ ماله وجهده لخدمة اللاجئين والفقراء من السوريين المشردين في الأردن ، ولم يكتفي بذلك بل ذهب ليزرع وردة جوريه حمراء فاقع لونها تسر الناظرين في ارض الحرب والدمار والموت في قلب سوريا ، في ارض تحيطها رائحة القتل والدماء في كل مكان .

في هذا الجزء يظهر لنا وجه ليلاس الطفلة البريئة ، وجهها من جهة يَقُص لنا عن الماضي الذي عاشته بسوريا من تشريد وفقدان للام والأب والضياع ، و من جهة أخرى وجهها منير كالقمر ، يخبرك بأن السعادة باقية ما بقيت هذه الحياة .

في هذا الجزء ارتبطت ليلاس ببدر ، وأنشأ بدر معهدا للفنون في دمشق ، وأصبح سفيرا لبلده في الحرب والحنان .

في الأجزاء الثلاث تشعر بأن الكاتب فعلا تذوق مرارة الحرب وبأنه عانَ من آثارها ؛ فهو كان يصور كل حدث بدقة و كأنه عاش تلك الإحداث بنفسه . إبداع ليس بعده أبداع.

مالا أحبذه في هذه الرواية: هو التوقعات المستقبلية البعيدة من سنة 2017 وحتى 2025 هذا بصراحة ما نفض عن الرواية واقعيتها إلا أنها تبقى جميلة ومؤثرة.

وكل الشكر والإحترام والتقدير والعرفان للدكتور أيمن العتوم ...

" عامر ياسر الساحوري "