#عقائد_الامامية

معاني الحديث الضعيف

إنَّ الضعيف من الحديث له معان متعددة في علم الرجال والدراية، فأكثرها استعمالاً: هو الذي لم يتم إثبات واجدية طريقه لشرائط حجية خبر الواحد، أي لم يتم لدى الباحث إحراز صفة الوثاقة لسلسلة رواته الواقعين في طريق نقل الحديث.
والمعنى الثاني للضعيف: ـ وهو الأقل استعمالاً ـ هو المدسوس والموضوع والمختلق، وهذا المعنى إنما يتصف به الحديث إذا أحرز الباحث قرائن وشواهد على الوضع والدس والاختلاق..

ومن ثم يتضح تغاير المعنى الأول عن الثاني، ولا صلة بينهما؛ وذلك لأن عدم توفر شرائط الحجية لا يلزم منه توفر شواهد على وضع ودس الحديث.

ثم انه قد اختلط هذان المعنيان على كثيرين، فزعموا أنّ كل حديث ضعيف مدسوس موضوع، فيجب أن ينقح التراث الحديثي منه ويجب إزالته و.. و.. الخ، وهذا الخلط كما ترى بلية طامة، وذلك حيث الضعيف بالمعنى الأول فاقد لحجية خبر الواحد وليس بالضرورة أن يكون فاقداً لحجية الخبر الموثوق به بتوسط القرائن الإنضمامية، والتي ربما تتصاعد إلى درجة الإستفاضة أو التواتر.

من ثم صحة الكتاب جهة تختلف عن صحة الحديث والطريق وقد يحصل الخلط بينهما كثيراً، والمراد من الأولى: هو خلوّ الكتاب من الضعيف بالمعنى الثاني لا خلوه من المعنى الأول، ووجود الضعيف بالمعنى الأول لايستلزم المعنى الثاني كما مر توضيحه.

ثم ط إنَّ صحة الحديث وضعفه بكلا معنييه وصحة الكتاب وضعفه قد يكون اجتهادياً ظنياً بحسب نظر أحد أو عدة من الرجاليين وقد يكون عكسه لدى عدة آخرين، فالحكم إذا كان نظرياً ليس بديهياً لا يحسم بنظر بعض، بل المجال مفتوح للإستدلال،
فعلى سبيل المثال كتاب سليم بن قيس الهلالي العامري في حين قد يضعف البعض طريق نسخته الحالية بمعنى عدم إحرازه لوثاقة طرقها إلا أنّ جماعة من أكابر الأعلام يرون صحتها وقوة الاعتماد عليها..
والحاصل أنّ القرائن التي يعتمد عليها الباحث ـ إذا كان له أهلية في علم الرجال والدراية والحديث والفقه أو المعارف بحسب مضامينها ـ قد تكون معتمدة لديه وغير معتمدة لدى آخرين،
فلا يظن القارئ أنّ أمر التضعيف محسوم مقطوع، بل جملة من الموارد هي اختلافية بحسب الأنظار،وليس هناك إطباق متسالم كي يتوهم منه أن حديثاً ما لا مجال لاعتباره، وانه يحذف من التراث و.. و...

ثم إنَّ عملية التدقيق والتنقيح في التراث الروائي الشيعي قد أنجز عدة مرات في تاريخ رواة الإمامية، وذلك لامتداد وجود المعصومين: طوال ثلاثة قرون وربع آخر الغيبة الصغرى، ولا تجد مذهباً من مذاهب المسلمين ولا الملل ولا النحل حصل في تراثه تنقيح وتدقيق وتثبت بالقدر الذي حصل في تراث الحديث المأثور عن أهل البيت
والمقام كما ترى لا يسمح باستعراض ذلك لكن الباحث الطالب عن الحقيقة ذو الحياد العلمي مع تضلعه الوافر واطلاعه على المبانى سيجد أنّ أصح تراث ورثته الامة الاسلامية هو تراث أهل البيت.
وقد انبرى كثير من عمالقة هذا الميدان لجدولة الشواهد على خريطة هذا الجهد العلمي، من امثال الحر العاملي في وسائل الشيعة والعلامة المجلسي في بحار الأنوار وبقية كتبه وكذا الميرزا النوري في خاتمة المستدرك وتلميذه المحقق الطهراني في الذريعة ـ الذي أبدع تدقيقاً في هذا المجال ـ وكذا السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة والأفندي في رياض العلماء وغيرهم كثيرون.

@alsanadoffice